إلى أين يسير لبنان بعد مؤتمر الحوار وجولة التشاور؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ربما قدر لبنان أن مصيره وموقعه ودوره مرتبط دائما باستحقاقات داهمة داخلية وخارجية عادة لا يستطيع التحكم بمساراتها ونتائجها؛وغريب المفارقات في هذا الأمر،أن الأطراف الفاعلة في مفاصل الأزمات المتلاحقة تسير بدفع هذه المؤثرات دون مواجهة أو ممانعة تذكر،وكأن الناظر للمواقف يتثبت من فرضية أن للبنان صولات وجولات في لعبة الموت والدمار كل عقد ونيف من الزمن.
لقد تمكنت القوى السياسية الفاعلة في لبنان من شراء بعض الوقت خلال جلسات مؤتمر الحوار الذي جرت قبيل العدوان "الإسرائيلي" الأخير،وبما انه استنفد ما هو مطلوب منه أتى العدوان ليطلق رصاصة الرحمة عليه من منطلق أن المطلوب منه غير قادر على تنفيذه،فأوكلت إلى إسرائيل مهمة ضرب المقاومة وإحالة حزب الله على التقاعد السياسي،بيد أن ما هدف إليه العدوان قد فشل ما أعاد خلط الأوراق الداخلية من جديد وبدأت عمليات البحث عن أطر وآليات إضافية لتنفيذ ما لم تتمكن من تحقيقه "إسرائيل".
وإذا كان من بين الأهداف الرئيسة لمؤتمر الحوار التوصّل إلى نزع سلاح المقاومة بالطرق الدبلوماسية إذا جاز التعبير، فإن الدعوة إلى جلسات التشاور المقترحة هي رد عملي على نتائج العدوان "الإسرائيلي" على لبنان باعتباره قد رسم الخطوط الدفاعية لحماية مشروع المقاومة وإعادة ترميم الآليات السياسية لذلك عبر محاولة إنتاج معادلات سياسية واضحة الأهداف والمهام في المرحلة القادمة.فهل ستتمكن جولة المشاورات من تحقيق ذلك ؟أم ستكون محطة إضافية لترتيب مشاريع الفوضى الخلاقة الزاحفة على المنطقة بقوة الدفع الأمريكية – "الإسرائيلية"؟.
لقد طرح رئيس المجلس النيابي بندين أساسيين للجلسات حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب،ولا ثالث لهما،وكما أن الموضوعات محددة وغير قابلة للزيادة أو النقصان فثمة تحديد للوقت وهو أسبوعين،ما يعني أن الزمان الذي اعتبره البعض عاملا محفزا للتسريع في حسم الخيارات سيضيق بأصحابه إلى حد أنه لن يكون لأي طرف متسع للوقت للمناورات السياسية المعهودة والمتعارف عليها في الحياة السياسية اللبنانية؛وهذا ما يعني أن اللبنانيون مدعوون هذه المرة لحفلة من الترقب لن تطول كثيرا .
فالفريق الحاكم حاليا والمستأثر بالقرارات المصيرية يعتبر حكومة الوحدة الوطنية لا تعدو كونها انقلابا على الخطوات التي تمَّ الاتفاق عليها ما بعد الخروج السوري من لبنان،وأنه في حال تمكّنت القوى المعارضة من تنفيذ أجندتها السياسية فلن يكون هناك وقت آخر لعودة الأكثرية الحالية للحكم وبالتالي إن ما تسميه ثورة الأرز قد ولّت إلى غير رجعة،ما يعني القضاء التام على مشاريعها السياسية المرتبطة أساسا بمشاريع شرق أوسطية معروفة الأهداف والنتائج.
وفي المقلب الآخر،تجد القوى المعارضة نفسها مضطرة للتحرك في ظروف لم تعد تتناسب ومستوى تحالفاتها الداخلية،إذ باتت تحت رحمة الاندفاعة الحكومية نحو الخارج والتي باتت أيضا تشكل خطرا على وجودها ومستقبلها ،من هنا أن جميع القوى خارج الحكومة والطرفين الآخرين داخلها(حركة أمل وحزب الله) ستعمل بشكل جدي وفاعل للوصول إلى حكومة وحدة وطنية تعيد التوازن الداخلي إلى نصابه أو اللجوء إلى خيارات أخرى اقلها الشارع لإسقاط الحكومة مع ما يعنيه من رد فعل مقابل لا أحد يمكن أن يوقف تداعياته.
وإذا كان موضوع حكومة الوحدة الوطنية يبدو أمرا صعبا في ظل هذه الرؤى والتوازنات الحالية،فإن قانون الانتخاب المقترح في جلسات التشاور لا يقل تعقيدا في هذه الظروف، سيما وان قوانين الانتخاب المعمول بها في لبنان منذ الاستقلال كانت نتاجا لتسويات الربع الساعة الأخيرة في الحياة السياسية اللبنانية×فكيف سيكون عليه الأمر حاليا قبل سنوات من الانتخابات االمقررة أصلا،والذي سيكون في حال التوصل إليه حاليا مؤسسا لبرامج سياسية مختلفة عن الأجندات السياسية لأطراف الحكومة الحالية.
إن ما يطرح حاليا هو إضافة بنود أخرى على جلسات التشاور ومن بينها وضع رئاسة الجمهورية في مقابل البحث في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية،وما يجرى من تسويات لن تكون بمتناول رضا أطراف المعارضة الأمر الذي يعني على الأقل إعلان الفشل قبل البدء في التشاور،إضافة إلى ذلك إن بعض الأطراف ستتغيب على الأقل عن الجلسة الأولى إما لدواع أمنية وهي مبررة في الأساس لبعض الأطراف(الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله)،وإما بداعي السفر (رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي) الذي وقّت سفره إلى الولايات المتحدة لإجراء المشاورات في نيويورك عوضا عن بيروت وهي ليست بسابقة إذ عمد إليها في الجلسة الثانية لمؤتمر الحوار قبل العدوان.
إن جلسات المشاورات المقترحة تواجه تعقيدات كثيرة في الشكل والمضمون وهي أشبه بلعبة حافة الهاوية،فجميع الأطراف تمارسها على قاعدة أن الأمور المطروحة هي مسألة حياة أم موت سياسية، وعليه فإن جميع الوسائل هي مشروعة ومباحة،اقلها شراء الوقت المستقطع ولن يكون أكثرها اللجوء للشارع،فثمة خيارات ربما لا زالت مستورة عند البعض ولو كانت تضع لبنان وشعبه والمنطقة على حافة بركان لا يعرف احد كيف ومتى سينفجر.
إن جوهر المواضيع كلها حاليا هو موضوع المقاومة، وليس أي شيء آخر، وإذا كانت أقوى وأعتى قوة في المنطقة لم تتمكن النيل من هيبة وقوة المقاومة، فإن إدخالها في الوحول الداخلية اللبنانية هي الطريق الأقصر لكسر هيبتها والنيل من إرادتها،وإذا كانت معاركها وحروبها مع عدوها تقويها فإن زجها في الحروب الداخلية هي عنوان إسقاطها،فهل تعمل بعض الأطراف على ذلك؟.
إن القراءة الدقيقة لبعض المواقف الداخلية إبان العدوان وبعده تظهر معالم ذلك بوضوح،وهي تعتبر أن آخر الداء الكي،فهل ستصل الأمور إلى حد إغراق الوضع الداخلي بحروب أهلية صغيرة.إن التدقيق في جولة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس إلى المنطقة وما سُرب منها،يتطابق مع ما يجري في العراق تماما،فهل سُيعاد لبنان إلى ما قبل اتفاق الطائف ليكون غطاء لتمرير مفاوضات قادمة في المنطقة أولا،والتخلص من ممانعة ومقاومة عنيدة لشرق أوسط كبير جديد سعت إليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة جمهورية وديموقراطية ثانيا.
إن فلسفة الفوضى الخلاقة تنبئ بغربان سود قادمة إلى المنطقة فهل يعي الذاهبون إلى الولايات المتحدة ذلك،أم سيكونون إحدى أسرابها؟ أسئلة محيرة تطرح نفسها لكن الجميع بات مقتنع بأن لبنان فقد دوره كما موقعه،وبات على قاب قوسين أو أدنى من التسليم بقدره المحتوم.
لبنان اليوم تحت انتداب ووصاية دوليين ،مشرع الأبواب لا غطاء داخلي له،هو أشبه ما يكون بظروف العام 1984 ،فهل يعيد شباط ذكرياته من جديد،إن السعي جاد لنقل مهام قوات اليونفيل من الفصل السادس إلى السابع،ما يجعلها نسخة متطابقة عن القوة المتعددة الجنسيات التي جُلبت إلى لبنان في العام 1982 بعد الغزو الإسرائيلي آنذاك،ووضع الحكومة متطابق لما مرت به الحكومة والحكم في عهد الرئيس أمين الجميل،فهل سيتطابق السيناريو نفسه مع بعض التعديلات التي تتوافق مع الظروف المستجدة؟إن شباط لناظره قريب.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
ربما قدر لبنان أن مصيره وموقعه ودوره مرتبط دائما باستحقاقات داهمة داخلية وخارجية عادة لا يستطيع التحكم بمساراتها ونتائجها؛وغريب المفارقات في هذا الأمر،أن الأطراف الفاعلة في مفاصل الأزمات المتلاحقة تسير بدفع هذه المؤثرات دون مواجهة أو ممانعة تذكر،وكأن الناظر للمواقف يتثبت من فرضية أن للبنان صولات وجولات في لعبة الموت والدمار كل عقد ونيف من الزمن.
لقد تمكنت القوى السياسية الفاعلة في لبنان من شراء بعض الوقت خلال جلسات مؤتمر الحوار الذي جرت قبيل العدوان "الإسرائيلي" الأخير،وبما انه استنفد ما هو مطلوب منه أتى العدوان ليطلق رصاصة الرحمة عليه من منطلق أن المطلوب منه غير قادر على تنفيذه،فأوكلت إلى إسرائيل مهمة ضرب المقاومة وإحالة حزب الله على التقاعد السياسي،بيد أن ما هدف إليه العدوان قد فشل ما أعاد خلط الأوراق الداخلية من جديد وبدأت عمليات البحث عن أطر وآليات إضافية لتنفيذ ما لم تتمكن من تحقيقه "إسرائيل".
وإذا كان من بين الأهداف الرئيسة لمؤتمر الحوار التوصّل إلى نزع سلاح المقاومة بالطرق الدبلوماسية إذا جاز التعبير، فإن الدعوة إلى جلسات التشاور المقترحة هي رد عملي على نتائج العدوان "الإسرائيلي" على لبنان باعتباره قد رسم الخطوط الدفاعية لحماية مشروع المقاومة وإعادة ترميم الآليات السياسية لذلك عبر محاولة إنتاج معادلات سياسية واضحة الأهداف والمهام في المرحلة القادمة.فهل ستتمكن جولة المشاورات من تحقيق ذلك ؟أم ستكون محطة إضافية لترتيب مشاريع الفوضى الخلاقة الزاحفة على المنطقة بقوة الدفع الأمريكية – "الإسرائيلية"؟.
لقد طرح رئيس المجلس النيابي بندين أساسيين للجلسات حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب،ولا ثالث لهما،وكما أن الموضوعات محددة وغير قابلة للزيادة أو النقصان فثمة تحديد للوقت وهو أسبوعين،ما يعني أن الزمان الذي اعتبره البعض عاملا محفزا للتسريع في حسم الخيارات سيضيق بأصحابه إلى حد أنه لن يكون لأي طرف متسع للوقت للمناورات السياسية المعهودة والمتعارف عليها في الحياة السياسية اللبنانية؛وهذا ما يعني أن اللبنانيون مدعوون هذه المرة لحفلة من الترقب لن تطول كثيرا .
فالفريق الحاكم حاليا والمستأثر بالقرارات المصيرية يعتبر حكومة الوحدة الوطنية لا تعدو كونها انقلابا على الخطوات التي تمَّ الاتفاق عليها ما بعد الخروج السوري من لبنان،وأنه في حال تمكّنت القوى المعارضة من تنفيذ أجندتها السياسية فلن يكون هناك وقت آخر لعودة الأكثرية الحالية للحكم وبالتالي إن ما تسميه ثورة الأرز قد ولّت إلى غير رجعة،ما يعني القضاء التام على مشاريعها السياسية المرتبطة أساسا بمشاريع شرق أوسطية معروفة الأهداف والنتائج.
وفي المقلب الآخر،تجد القوى المعارضة نفسها مضطرة للتحرك في ظروف لم تعد تتناسب ومستوى تحالفاتها الداخلية،إذ باتت تحت رحمة الاندفاعة الحكومية نحو الخارج والتي باتت أيضا تشكل خطرا على وجودها ومستقبلها ،من هنا أن جميع القوى خارج الحكومة والطرفين الآخرين داخلها(حركة أمل وحزب الله) ستعمل بشكل جدي وفاعل للوصول إلى حكومة وحدة وطنية تعيد التوازن الداخلي إلى نصابه أو اللجوء إلى خيارات أخرى اقلها الشارع لإسقاط الحكومة مع ما يعنيه من رد فعل مقابل لا أحد يمكن أن يوقف تداعياته.
وإذا كان موضوع حكومة الوحدة الوطنية يبدو أمرا صعبا في ظل هذه الرؤى والتوازنات الحالية،فإن قانون الانتخاب المقترح في جلسات التشاور لا يقل تعقيدا في هذه الظروف، سيما وان قوانين الانتخاب المعمول بها في لبنان منذ الاستقلال كانت نتاجا لتسويات الربع الساعة الأخيرة في الحياة السياسية اللبنانية×فكيف سيكون عليه الأمر حاليا قبل سنوات من الانتخابات االمقررة أصلا،والذي سيكون في حال التوصل إليه حاليا مؤسسا لبرامج سياسية مختلفة عن الأجندات السياسية لأطراف الحكومة الحالية.
إن ما يطرح حاليا هو إضافة بنود أخرى على جلسات التشاور ومن بينها وضع رئاسة الجمهورية في مقابل البحث في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية،وما يجرى من تسويات لن تكون بمتناول رضا أطراف المعارضة الأمر الذي يعني على الأقل إعلان الفشل قبل البدء في التشاور،إضافة إلى ذلك إن بعض الأطراف ستتغيب على الأقل عن الجلسة الأولى إما لدواع أمنية وهي مبررة في الأساس لبعض الأطراف(الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله)،وإما بداعي السفر (رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي) الذي وقّت سفره إلى الولايات المتحدة لإجراء المشاورات في نيويورك عوضا عن بيروت وهي ليست بسابقة إذ عمد إليها في الجلسة الثانية لمؤتمر الحوار قبل العدوان.
إن جلسات المشاورات المقترحة تواجه تعقيدات كثيرة في الشكل والمضمون وهي أشبه بلعبة حافة الهاوية،فجميع الأطراف تمارسها على قاعدة أن الأمور المطروحة هي مسألة حياة أم موت سياسية، وعليه فإن جميع الوسائل هي مشروعة ومباحة،اقلها شراء الوقت المستقطع ولن يكون أكثرها اللجوء للشارع،فثمة خيارات ربما لا زالت مستورة عند البعض ولو كانت تضع لبنان وشعبه والمنطقة على حافة بركان لا يعرف احد كيف ومتى سينفجر.
إن جوهر المواضيع كلها حاليا هو موضوع المقاومة، وليس أي شيء آخر، وإذا كانت أقوى وأعتى قوة في المنطقة لم تتمكن النيل من هيبة وقوة المقاومة، فإن إدخالها في الوحول الداخلية اللبنانية هي الطريق الأقصر لكسر هيبتها والنيل من إرادتها،وإذا كانت معاركها وحروبها مع عدوها تقويها فإن زجها في الحروب الداخلية هي عنوان إسقاطها،فهل تعمل بعض الأطراف على ذلك؟.
إن القراءة الدقيقة لبعض المواقف الداخلية إبان العدوان وبعده تظهر معالم ذلك بوضوح،وهي تعتبر أن آخر الداء الكي،فهل ستصل الأمور إلى حد إغراق الوضع الداخلي بحروب أهلية صغيرة.إن التدقيق في جولة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس إلى المنطقة وما سُرب منها،يتطابق مع ما يجري في العراق تماما،فهل سُيعاد لبنان إلى ما قبل اتفاق الطائف ليكون غطاء لتمرير مفاوضات قادمة في المنطقة أولا،والتخلص من ممانعة ومقاومة عنيدة لشرق أوسط كبير جديد سعت إليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة جمهورية وديموقراطية ثانيا.
إن فلسفة الفوضى الخلاقة تنبئ بغربان سود قادمة إلى المنطقة فهل يعي الذاهبون إلى الولايات المتحدة ذلك،أم سيكونون إحدى أسرابها؟ أسئلة محيرة تطرح نفسها لكن الجميع بات مقتنع بأن لبنان فقد دوره كما موقعه،وبات على قاب قوسين أو أدنى من التسليم بقدره المحتوم.
لبنان اليوم تحت انتداب ووصاية دوليين ،مشرع الأبواب لا غطاء داخلي له،هو أشبه ما يكون بظروف العام 1984 ،فهل يعيد شباط ذكرياته من جديد،إن السعي جاد لنقل مهام قوات اليونفيل من الفصل السادس إلى السابع،ما يجعلها نسخة متطابقة عن القوة المتعددة الجنسيات التي جُلبت إلى لبنان في العام 1982 بعد الغزو الإسرائيلي آنذاك،ووضع الحكومة متطابق لما مرت به الحكومة والحكم في عهد الرئيس أمين الجميل،فهل سيتطابق السيناريو نفسه مع بعض التعديلات التي تتوافق مع الظروف المستجدة؟إن شباط لناظره قريب.