أبعاد حقوق الإنسان
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
تعتبر مفاهيم حقوق الإنسان من الأمور الملتبسة فهي غامضة وواضحة في آن معا، فهو واضح إذا اعتبرنا أن كل ما يمسُّ حقوقه يعتبر ضاراً به،ورغم هذا التبسيط المفرط إلا أن هناك العديد من الأسباب والاعتبارات التي تجعل الأمر معقدا وملتبسا ومنها:
- يعتبر الإنسان كائن معقد التركيب ومنطق التفكير، والتعقيد هو عكس التبسيط، إذ أن الإنسان يتمتع بعدة عناصر متواصلة في علاقاتها ومتشابكة. ما ينعكس بدوره على مفهوم حقوق الإنسان.
- ثمة تصور عام لمفهوم حقوق الإنسان الذي يحصرها في حق الانتخاب وحق التعبير عن الرأي وغيرها من المظاهر، أي في البعد السياسي الفردي لحقوق الإنسان، وهذا ليس كافيا إذ أنه مفهوم جزئي ولا يشمل كافة المظاهر.
- إن ما يمسُّ أنسانا ما، أو يُعد ضاراً به قد يُعد ذا فائدة لآخرين. فالاستعمار غلى سبيل المثال أفاد الدول الأوروبية وأضر بالشعوب في آسيا وأفريقيا. والمجازر العرقية التي ارتكبت في البوسنة كانت موضع ترحيب الصرب والكروات ولكنها إبادة للمسلمين ،وعمليات الاغتيال والابادة التي نقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين هي موضع دعم من قبل الأحزاب الإسرائيلية وموضع تغاضٍ من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لكنها في نفس الوقت تشكل مسّا في الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في النضال لمقاومة الاحتلال.
واستنادا إلى ما سبق ينبغي النظر إلى مفهوم حقوق الإنسان نظرة كلية شمولية عبر ثلاثة أبعاد رئيسة:
1 – البعد الجماعي لحقوق الإنسان:
يُعتبر أهم الأبعاد الثلاثة باعتباره نقطة الارتكاز والانطلاق،فالإنسان كائن اجتماعي في الأساس يعيش في مجتمع ويستمد منه الاعتراف بحقوقه ويستند له في حماية هذه الحقوق. وقد أوضحت المادة (29) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا المعنى بنصها على أن لكل فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل. كما يبرز البعد الجماعي لحقوق الإنسان في ثلاثة مظاهر رئيسة هي:
أ - حق تقرير المصير: أوضحت الفقرة الثانية من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة أن من مقاصد الهيئة إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها. إلا أن الميثاق لم يطور مفهوم تقرير المصير ولم يجعله حقا إلا في العام 1960، عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها رقم 1541 الصادر في 14/12/1960، إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة. إذ نصت الفقرة الثانية من القرار على أن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وتلي ذلك مزيد من التأكيد على حق تقرير المصير في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان.كما ويرتبط بحق تقرير المصير حق الدولة في السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية، وهو ما أكده قرار الجمعية العامة رقم 1803 بتاريخ 14/12/1962 وجعل السيادة الدائمة على الثروات والموارد الطبيعية ركنا أساسيا من أركان حق تقرير المصير.
ب- حق الشعب في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي: كما ربط ميثاق الأمم المتحدة في المادة (55) بين التعاون الاقتصادي وحق تقرير المصير وبين السلام والأمن الدوليين. وهذا الربط يعني حق كل الشعوب في اختيار انظامتها السياسية والاقتصادية باعتبار أن المساواة بين الشعوب لا تجعل لشعب ما سلطة فرض نظامه على الآخر، إذ أن ذلك لن يؤدي إلى علاقات سلمية وودية بين الأمم والشعوب.
ج- القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري:كما أكد ميثاق الأمم المتحدة على المساواة وعدم التفرقة بسبب الجنس أو اللغة أو الدين. كما وضعت هذه المبادئ العامة في إطار أكثر تفصيلا. فصدر إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري واعتمدته الجمعية العامة بقرارها 1904 في 20/11/1963، ثم اعتمدت الجمعية العامة في 21/12/1965 بقرارها رقم 2106 الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي دخلت حيز التنفيذ في 4 /1/1969. كما سبق ذلك عدة اتفاقيات قطاعية مثل اتفاقية منع التمييز في مجال الاستخدام والمهنة والتي أصدرتها منظمة العمل الدولية والتي اعتمدت في عام 1958 ودخلت حيز التنفيذ في 15/6/1960، واتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم والتي اعتمدتها اليونسكو في 14 /12/1960 ودخلت حيز التنفيذ في أيار 1962.
2- البعد الاجتماعي والاقتصادي: لقد تمت معالجة هذا البعد في عدة مواثيق من بينها:
أ- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي وضع العديد من المبادئ ونص على مختلف الحقوق والحريات في هذا المجال، وأهم ما فيه انه أنشأ لجنة متابعة للتأكد من مدى التزام الدول الأطراف بنصوصه.
ب- إعلانات واتفاقيات دولية تفصيلية مثل إعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي، والإعلانات والاتفاقيات الخاصة بالطفل والزواج والأسرة والنساء والشباب، وإعلان الحق في التنمية.
ج- الاتفاقيات الخاصة بالعمل والحقوق النقابية مثل اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، واتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، والاتفاقية الخاصة بممثلي العمال، واتفاقية علاقات العمل.
3- البعد السياسي والمدني : وقد تمّ تناولها في عدة مواثيق دولية من ثلاث زوايا:
أ - تفصيل مختلف الحقوق في الإطار العام للإنسان ، كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولات الاختيارية الملحقة به،وغيرها من المواثيق ذات الصبغة العامة.
ب - تفصيل الحقوق الخاصة بقطاعات معينة من المجتمع اعتبرت قطاعات معرضة أو ضعيفة كاتفاقية منع التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة، والمعاهدة الخاصة بالسكان الأصليين، والإعلان الخاص بالمعوقين، والإعلان الخاص بحقوق المتخلفين عقليا، والبروتوكول الخاص باللاجئين. والاتفاقية الخاصة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية.
ج - توضيح حقوق المجتمعات والشعوب في الظروف الاستثنائية مثل اتفاقية جنيف الرابعة بوضع المدنيين في حالة الحرب وغيرها من الاتفاقيات.
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
تعتبر مفاهيم حقوق الإنسان من الأمور الملتبسة فهي غامضة وواضحة في آن معا، فهو واضح إذا اعتبرنا أن كل ما يمسُّ حقوقه يعتبر ضاراً به،ورغم هذا التبسيط المفرط إلا أن هناك العديد من الأسباب والاعتبارات التي تجعل الأمر معقدا وملتبسا ومنها:
- يعتبر الإنسان كائن معقد التركيب ومنطق التفكير، والتعقيد هو عكس التبسيط، إذ أن الإنسان يتمتع بعدة عناصر متواصلة في علاقاتها ومتشابكة. ما ينعكس بدوره على مفهوم حقوق الإنسان.
- ثمة تصور عام لمفهوم حقوق الإنسان الذي يحصرها في حق الانتخاب وحق التعبير عن الرأي وغيرها من المظاهر، أي في البعد السياسي الفردي لحقوق الإنسان، وهذا ليس كافيا إذ أنه مفهوم جزئي ولا يشمل كافة المظاهر.
- إن ما يمسُّ أنسانا ما، أو يُعد ضاراً به قد يُعد ذا فائدة لآخرين. فالاستعمار غلى سبيل المثال أفاد الدول الأوروبية وأضر بالشعوب في آسيا وأفريقيا. والمجازر العرقية التي ارتكبت في البوسنة كانت موضع ترحيب الصرب والكروات ولكنها إبادة للمسلمين ،وعمليات الاغتيال والابادة التي نقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين هي موضع دعم من قبل الأحزاب الإسرائيلية وموضع تغاضٍ من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لكنها في نفس الوقت تشكل مسّا في الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في النضال لمقاومة الاحتلال.
واستنادا إلى ما سبق ينبغي النظر إلى مفهوم حقوق الإنسان نظرة كلية شمولية عبر ثلاثة أبعاد رئيسة:
1 – البعد الجماعي لحقوق الإنسان:
يُعتبر أهم الأبعاد الثلاثة باعتباره نقطة الارتكاز والانطلاق،فالإنسان كائن اجتماعي في الأساس يعيش في مجتمع ويستمد منه الاعتراف بحقوقه ويستند له في حماية هذه الحقوق. وقد أوضحت المادة (29) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا المعنى بنصها على أن لكل فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل. كما يبرز البعد الجماعي لحقوق الإنسان في ثلاثة مظاهر رئيسة هي:
أ - حق تقرير المصير: أوضحت الفقرة الثانية من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة أن من مقاصد الهيئة إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها. إلا أن الميثاق لم يطور مفهوم تقرير المصير ولم يجعله حقا إلا في العام 1960، عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها رقم 1541 الصادر في 14/12/1960، إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة. إذ نصت الفقرة الثانية من القرار على أن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وتلي ذلك مزيد من التأكيد على حق تقرير المصير في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان.كما ويرتبط بحق تقرير المصير حق الدولة في السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية، وهو ما أكده قرار الجمعية العامة رقم 1803 بتاريخ 14/12/1962 وجعل السيادة الدائمة على الثروات والموارد الطبيعية ركنا أساسيا من أركان حق تقرير المصير.
ب- حق الشعب في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي: كما ربط ميثاق الأمم المتحدة في المادة (55) بين التعاون الاقتصادي وحق تقرير المصير وبين السلام والأمن الدوليين. وهذا الربط يعني حق كل الشعوب في اختيار انظامتها السياسية والاقتصادية باعتبار أن المساواة بين الشعوب لا تجعل لشعب ما سلطة فرض نظامه على الآخر، إذ أن ذلك لن يؤدي إلى علاقات سلمية وودية بين الأمم والشعوب.
ج- القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري:كما أكد ميثاق الأمم المتحدة على المساواة وعدم التفرقة بسبب الجنس أو اللغة أو الدين. كما وضعت هذه المبادئ العامة في إطار أكثر تفصيلا. فصدر إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري واعتمدته الجمعية العامة بقرارها 1904 في 20/11/1963، ثم اعتمدت الجمعية العامة في 21/12/1965 بقرارها رقم 2106 الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي دخلت حيز التنفيذ في 4 /1/1969. كما سبق ذلك عدة اتفاقيات قطاعية مثل اتفاقية منع التمييز في مجال الاستخدام والمهنة والتي أصدرتها منظمة العمل الدولية والتي اعتمدت في عام 1958 ودخلت حيز التنفيذ في 15/6/1960، واتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم والتي اعتمدتها اليونسكو في 14 /12/1960 ودخلت حيز التنفيذ في أيار 1962.
2- البعد الاجتماعي والاقتصادي: لقد تمت معالجة هذا البعد في عدة مواثيق من بينها:
أ- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي وضع العديد من المبادئ ونص على مختلف الحقوق والحريات في هذا المجال، وأهم ما فيه انه أنشأ لجنة متابعة للتأكد من مدى التزام الدول الأطراف بنصوصه.
ب- إعلانات واتفاقيات دولية تفصيلية مثل إعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي، والإعلانات والاتفاقيات الخاصة بالطفل والزواج والأسرة والنساء والشباب، وإعلان الحق في التنمية.
ج- الاتفاقيات الخاصة بالعمل والحقوق النقابية مثل اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، واتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، والاتفاقية الخاصة بممثلي العمال، واتفاقية علاقات العمل.
3- البعد السياسي والمدني : وقد تمّ تناولها في عدة مواثيق دولية من ثلاث زوايا:
أ - تفصيل مختلف الحقوق في الإطار العام للإنسان ، كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولات الاختيارية الملحقة به،وغيرها من المواثيق ذات الصبغة العامة.
ب - تفصيل الحقوق الخاصة بقطاعات معينة من المجتمع اعتبرت قطاعات معرضة أو ضعيفة كاتفاقية منع التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة، والمعاهدة الخاصة بالسكان الأصليين، والإعلان الخاص بالمعوقين، والإعلان الخاص بحقوق المتخلفين عقليا، والبروتوكول الخاص باللاجئين. والاتفاقية الخاصة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية.
ج - توضيح حقوق المجتمعات والشعوب في الظروف الاستثنائية مثل اتفاقية جنيف الرابعة بوضع المدنيين في حالة الحرب وغيرها من الاتفاقيات.