ملاحظات على نظام المحكمة المختلطة الخاصة بلبنان
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
لم تكن استقالة وزراء حركة أمل وحزب الله من الحكومة اللبنانية على قاعدة رفض المحكمة المختلطة لمحاكمة من قتل الرئيس رفيق الحريري،بقدر ما هي اعتراض على مواقف سياسية عامة تتعلق بسياسات لبنان الخارجية إضافة إلى اعتراض هؤلاء الوزراء على مبدأ وجوب مناقشة نظام المحكمة الأساسي.فما هي سوابق المحاكم المختلطة المنشأة سابقا؟وما هي أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين المحكمة المقترحة للبنان.وما هي الخلفيات والأبعاد التي يمكن تسجيلها في النظام الداخلي المقترح؟.
نتيجة للدروس التي تم استخلاصها من تجربة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا الايجابية منها والسلبية، برز إلى الوجود نموذج جديد للعدالة الدولية: المحاكم المختلطة والتي تعمل تحت إشراف مشترك من الأمم المتحدة والدول المعنية. وتشكل هذه الطريقة محاولة للمزج بين فوائد المتابعات الوطنية مثل القرب الجغرافي والنفسي إلى الضحايا، والأثر الايجابي على مؤسسات الدولة المحلية مع فوائد المشاركة الدولية كالموارد والموظفين والأمن. وقد أقيمت المحاكم المختلطة في سيراليون المحكمة الخاصة، المقامة بالبلد والتي شرعت مؤخراً في أعمالها، وتتكون من قضاة محليين وقضاة دوليين يطبقون كلاً من القانون الوطني والقانون الدولي. وهناك نوع آخر من النموذج المختلط في تيمور الشرقية. كما أن إمكانية إقامة المحاكم المختلطة أكبر من المحاكم الدولية الصرف، فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة ميزانية المحكمة الخاصة لسيراليون تقريبا خُمس الميزانية السنوية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا. وتمتاز كذلك المحاكم المختلطة بكونها تقام على أراضي الدولة المعنية إن لم يكن هناك سبب يمنع ذلك، كما أن موظفيها ينتمون بشكل عام إلى الدولة عينها وتجد مساندة مباشرة من لدن الأنظمة القانونية الوطنية. ومن المحتمل أن يصبح النموذج المختلط أكثر انتشارا خلال السنوات القليلة المقبلة، باعتبارها توفر حلا للأنظمة الوطنية الواسعة الامتداد والقليلة التجهيزات.
وفي الوقت نفسه، قد تواجه هذه المحاكم المختلطة انعدام التعاون من طرف الدولة التي تقام عليها أو من طرف دول أخرى، إلا أن العلاقة مع مجلس الأمن وسلطات "الباب السابع" من ميثاق الأمم المتحدة يمكن أن تسد بعض الثغرات. كما أن الرغبة في اكتساب الاستقلال المحلي إلى أقصى حد أدى إلى نتائج عكسية لصعوبة العثور في بلد عدالته مشكوك فيها على موظفين ذوي خبرة ومدربين بشكل مناسب. وأخيرا، وكما هو الشأن بالنسبة إلى المحاكم الدولية، قد تثير المحاكم المختلطة آمالا وطنية تتجاوز ما هو ممكن عمليا بالنظر إلى الموارد المحدودة والقيود الداخلية التي ترجع إلى عملية العدالة القضائية.
فالمحاكم المختلطة هي بطبيعتها مواءمة القوانين الدولية والوطنية بهدف الوصول إلى الحقيقة والعدالة في أمر ما، وهي تنشأ باتفاقات خاصة بين الدولة المعنية والأمم المتحدة، تحدد فيها كل الأمور المتعلقة بالمحكمة لجهة التشكيل والقوانين التي تلجأ إليها إضافة إلى قواعد الأجراء والتنفيذ.
أما لجهة السوابق فثمة العديد منها، كان آخرها المحكمة المختلطة في كمبوديا الخاصة بمحاكمة الجرائم المنسوبة إلى الخمير الحمر إبان الحرب الأهلية الكمبودية بين الأعوام 1975 و1979، وقد صدر قرار عن الأمم المتحدة بتاريخ 13/5/2003 يتضمن الموافقة على الاتفاق الموقع بينها والحكومة الكمبودية على شكل المحكمة وما يتعلق بها من إجراءات، ونص الاتفاق على إنشاء غرفة قضائية أولية غير عادية، مؤلفة من ثلاثة قضاة كمبوديين يعينون بقرار من مجلس القضاء الأعلى الكمبودي من قاضيين دوليين، وكذلك إنشاء محكمة عليا تنظر كمحكمة استئناف وكمرجع أخير وتعتبر غرفة من غرف محكمة التمييز وتتشكل من أربعة قضاة كمبوديين يعينون أيضا من قبل مجلس القضاء الأعلى ومن ثلاثة قضاة أجانب. ويعهد إلى هذا القضاء الخاص أمر المحاكمة ومنها جرائم الإرهاب. وتوكل مهمات الملاحقة الجزائية والاتهام أمام هذا القضاء إلى هيئة اتهامية مختلطة مؤلفة من نائب عام كمبودي ومن نائب عام دولي يختاره مجلس القضاء الأعلى الكمبودي من بين لائحة مؤلفة من شخصيتين متخصصتين يرفعها الأمين العام للأمم المتحدة إلى الحكومة الكمبودية. كما آن تعيين القضاة الأجانب يتم من قبل المجلس ألعدلي الكمبودي بناء على لائحة مقدمة من الأمين العام للأمم المتحدة، واللافت في هذه المحاكم صدور القرارات بالإجماع في المستويين، وإذا تعذر بالغالبية شرط وجود قاض دولي بين المؤيدين على الحكم ضمانا للعدالة والصدقية. إضافة إلى أن الإجراءات ستتبع قانون العقوبات الكمبودي مع إجراء بعض التعديلات عليه بما يتوافق مع بعض معايير المحاكمات الدولية كعدم الأخذ بأي حصانة قضائية أو أي عفو عام أو خاص.
والسابقة الأخرى المحكمة المختلطة في سيراليون وفقا لقرار مجلس الأمن 1315 تاريخ 14/7/2000، وقد أنشئت في العام 2002 وهي مؤلفة من قضاة سيراليونيين ودوليين للنظر بالجرائم الخطيرة التي حدثت في العام 1996، مع ملاحظة بعض التعديلات أيضا على القوانين الوطنية بما يتوافق والمعايير الدولية لإجراءات المحاكمة والأحكام.
أما السابقة الثالثة فهي المحكمة الخاصة المختلطة في تيمور الشرقية المنشأة بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1272 تاريخ 25/11/1999 الذي وضع تيمور تحت إدارة انتقالية تابعة للأمم المتحدة، بهدف محاكمة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة منذ العام 1975، وعمدت الأمم المتحدة إلى إنشاء قضاء خاص تألف من قضاة وطنيين ومن ممثلين متخصصين للأمم المتحدة تم تعيينهم من قبلها، والذي ينظم هذا القضاء وفقا لقواعد القانون الدولي التي تحكم المحاكمات العادلة والنزيهة والمنصوص عليها خصوصا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وإذا كانت هذه السوابق يمكن الاحتذاء بها في الحالة اللبنانية كمحكمة مختلطة تنعقد على الأراضي اللبنانية، فتستلزم العديد من الإجراءات، أولها إبرام اتفاق بهذا الشأن بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة والذي لا يصبح نافذا إلا بإبرام مجلس النواب له وفقا لنص المادة 52 من الدستور اللبناني. كما يتوجب على المجلس النيابي إصدار قانون خاص مراعاة للمادة 20 من الدستور التي تنص على "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة وللمتقاضين الضمانات اللازمة". وكذلك منع قوانين العفو ووقف العمل بالحصانات القضائية، وكذلك تحديد مدة التوقيف الاحتياطي في جرائم القتل والجرائم ضد أمن الدولة والجرائم المسماة خطرة. كما تتطلب مثل هذه المحاكم تعديلات لبعض القوانين لتتلاءم مع المعايير الدولية كإلغاء عقوبة الإعدام. وإذا كان هناك من سبب يمكن أن تواجه انعقاد المحكمة المختلطة على الأراضي اللبنانية لدواع مختلفة كما هو مشار في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، فمن الممكن انعقادها خارج لبنان وهو أمر بدوره يستلزم بعض الإجراءات، منها وجوب توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة توضع بموجبه أصول المحاكمة وقواعدها وتحدد فيه صلاحية المحكمة المادية والشخصية والزمنية. على أن ينص الاتفاق على تطبيق الأصول والإجراءات الجزائية اللبنانية مع بعض التعديلات التي تقتضيها المحاكمات المتوافقة مع المعايير الدولية والتي تتطلبها المحاكمة العادلة، والمراجعة أمام هيئة قضائية عليا. وكذلك توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة على أن تمنح المحكمة المختلطة حق إلقاء القبض على الأشخاص المتهمين مهما كانت جنسياتهم وعلى أن تتولى الأمم المتحدة مهمة التفاوض مع الدول التي يتبين أن أحد رعاياها ضالع في عملية الاغتيال أو التفجيرات وذلك بهدف تسليمه إلى المحكمة المذكورة. إضافة إلى قضايا التعويضات الناجمة عن الأذى الذي لحق بالمتضررين من جريمة الاغتيال.
إن المحكمة اللبنانية الدولية ستكون موضع متابعة ومراقبة شديدتين نظرا للقضية التي تنظر فيها وما لها من ارتدادات داخلية وخارجية، كما تعتبر تحديا كبيرا للكثير من المواقع الدولية التي تدخلت بهذه القضية بشكل أو بآخر تحت ذرائع ومبررات متنوعة ومتعددة، ولذلك فسوف تأخذ قسطا كبيرا من المتابعات بهدف الوصول إلى مبتغاها، إضافة إلى أن القرار المتخذ بشأنها واضح لجهة دعم القضاء اللبناني لجهة النقلة النوعية التي ستساعده في أخذ موقعه المفترض في هذه القضية وغيرها.
أن التداخلات السياسية في مثل تلك المحاكم تعتبر من الأمور المعتادة، فمجلس الأمن مثلا كان أجاز لنفسه حق التدخل في المحكمة الجزائية الدولية من خلال الطلب إلى القضاة بتعليق ملاحقة الشخص المتهم لمدة عامين.
وإذا كانت هذه السوابق يمكن الاحتذاء بها في تقييم ما ورد في النظام الأساسي للمحكمة المقترحة،فما هي المقاربات والملاحظات التي يمكن استخلاصها في سياق التعليق على نصوصها.
- في التسمية تمّ اللجوء إلى تغيير اسم المحكمة من المختلطة إلى المحكمة الخاصة بلبنان،ما يوحي وكأن لبنان بأكمله بيئة مناسبة لإقتراف الجرائم الإرهابية،ونزع صفة الخصوصية عن المحكمة المختلطة التي هدفت الى محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري.
- لجهة الاحتذاء بالسوابق فثمة اتجاه للأخذ بما توصلت إليه الأمم المتحدة من إنشاء محكمة مختلطة لتيمور الشرقية التي غلب عليها الطابع الدولي أكثر من المختلط،بمعنى أن نظام المحكمة لتيمور أسس بيئة مناسبة لتغيير وتعديل القوانين المحلية بما يتناسب مع ظروف التدخل الدولي آنذاك لإنشاء نظم قانونية جديدة.واخطر ما في ذلك من إمكانية تطبيق هذا الخيار على الواقع اللبناني بما يحمله من إمكانية تعديل الكثير من القوانين اللبنانية وهذا ما أتى في بعض المواد التي سنشير إليها لاحقا.
- لم يؤخذ بالنموذج الكمبودي على سبيل المثال،ففي تلك المحكمة يلاحظ الغلبة للبيئة القانونية المحلية حيث عدد القضاة في كلا الدرجتين هم أكثر من القضاة الدوليين،وكذلك تعيين القضاة الدوليين يتم من قبل المجلس ألعدلي الكمبودي بناء على لائحة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وكذلك تعيين المدعي العام الرديف،بينما في نظام المحكمة الخاصة في لبنان فالأمر معكوس تماما.
- ليس ثمة أية سابقة أن أنشأت محكمة خاصة دولية أو ذات طابع دولي بهدف محاكمة مرتكبي جريمة سياسية ويبدو من توصيف الجريمة في الأساس على أنها عمل إرهابي هدفه إتاحة الفرصة لمجلس الأمن التدخل لأهداف سياسية متعلقة ببعض دول المنطقة.
- وخلافا لمحاكم أخرى لن تنظر المحكمة في جرائم تعتبر عادة جرائم ضد القانون الدولي كجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وفي ما يتعلّق بجريمة الإرهاب التي تتكرر بشكل واضح في قرارات مجلس الأمن فليس هناك تعريف متفق عليه في القانون الدولي لهذه الجريمة أو عقاب معيّن لها. وليس هناك سابقة لمحكمة دولية أن نظرت في جريمة وصفت بأنها عمل إرهابي. لذلك لا مناص من تطبيق القانون اللبناني على جريمة هي في الأساس من اختصاص القضاء اللبناني. وهذا ما نصّت عليه المادة الثانية من مسودة النظام الأساسي للمحكمة المقترح.
- لقد تمَّ التنازل عن كل ما حفظه مجلس الأمن في قراره الرقم 1595، الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية، للسلطات اللبنانية من سيادة بالنسبة إلى إدارة التحقيق وتطبيق القانون في شأن الأعمال الجرمية التي رافقت اغتيال الرئيس الحريري وآخرين، إذ نصَّت المادة (4) من مسودة النظام الأساسي للمحكمة «عند تعيين المدعي العام وفي فترة لا تتعدّى الشهرين، ستطلب المحكمة الخاصة من السلطات القضائية الوطنية المسؤولة عن قضية الهجوم الإرهابي على رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين، الخضوع لاختصاصها»، وكذلك سوف تحيل السلطات اللبنانية بناء على طلب المحكمة الخاصة الموقوفين ونتائج كل التحقيقات ونسخ عن سجل المحكمة. وبناء على طلب المحكمة أيضاً، «ستخضع السلطة الوطنية المعنية لاختصاص المحكمة».
- إن كفّ يد القضاء اللبناني بصورة فورية وقبل انتهاء التحقيق يعتبر مخالفاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1644 الذي أقرّ في البند (6) منه طلب الحكومة اللبنانية بأن «يحاكم من توجّه لهم في آخر المطاف تهمة الضلوع في هذا العمل الإرهابي أمام محكمة ذات طابع دولي....»، فهل بلغ التحقيق آخر المطاف؟ وهل يجوز اختصار التحقيق أو النيل من وحدته من طريق إحالته على مدّعي عام المحكمة الخاصة قبل تمامه؟.
- ثمة ثغرات كبيرة لجهة القانون الواجب التطبيق من الناحية الإجرائية والتي تثير الشبهة وعلامات الاستفهام. فبالنسبة إلى إجراءات المحاكمة وقواعد الإثبات إذ أن مسودة نظام المحكمة لم تلحظ قواعد معينة لأصول المحاكمات وقبول الأدلة. إذ ترك لقضاة المحكمة الخاصة وفقا للمادة (28) وضع نظام إجراءات بعد تأليفها وهو أمر يمثّل سابقة خطيرة في القضاء الجزائي.
- في المادتين (13) و(16) منه، أخذ مشروع النظام بصورة عامة المعايير الدولية للمحاكمات الجنائية الدولية وبخاصة لجهة حقوق المشتبه فيهم والمتهمين، بيد انه اغفل الإشارة إلى حق الموقوف في طلب تخلية سبيله من المدعي العام لدى المحكمة الخاصة ضمن مهلة زمنية معقولة إذا لم تتوافر لدى المدعي العام أدلّة في حقه تجيز استمرار التوقيف. وهذه فجوة مهمة جدّاً بالنسبة إلى مصير الضباط الموقوفين.
- إن أخطر ما في مسودة نظام المحكمة الخاصة توسيع صلاحيات المحكمة بحيث تمتد، بالإضافة إلى جريمة اغتيال الرئيس الحريري، إلى أعمال أخرى مماثلة في طبيعتها وخطورتها «حصلت في لبنان بين الأول من تشرين الأول 2004 و31 كانون الأول 2005 أو أي تاريخ لاحق يقرر باتفاق الأطراف المعنية وموافقة مجلس الأمن». إن توسيع صلاحية المحكمة هذا، بالإضافة إلى أنه يتعدّى منطوق قرار مجلس الأمن الرقم 1664 الذي هو المستند الأساسي في إنشاء المحكمة الدولية، والذي يحصر ولاية المحكمة «بالتفجير الإرهابي الذي أدّى إلى مقتل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وآخرين» على أن تُنشأ «محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن هذه الجريمة الإرهابية».
- إن توسيع صلاحية المحكمة في الزمان وبالنسبة إلى أفعال جرمية يترك لاستنساب المحكمة تبنّي معايير التشابه في الطبيعة والخطورة مع الأعمال الجرمية التي أودت بحياة الرئيس الحريري، يخالف مبادئ أساسية في القانون الجزائي وخاصة أن قرار مجلس الأمن الرقم 1664 اعتمد كون المحكمة ذات الطابع الدولي يجب أن تستند إلى «أعلى المعايير الدولية في القضاء الجنائي». إن قرار توسيع اختصاص المحكمة إلى أعمال جرمية قد ترتكب مستقبلاً ويترك للمحكمة القرار في شأن اختصاصها للنظر فيها يصعب تجريده من أهداف سياسية.
- ليس ثمة أية هيئة قضائية أو إدارية يمكن مراجعتها في حال مخاصمة أحد القضاة أو موظفي المحكمة لأسباب إدارية أو مالية.
- لم تحدد المادة (5) من مشروع الاتفاق، كيفية تمويل المحكمة.
ثمة الكثير من النصوص الغامضة والملتبسة القابلة للتأويل وبالتالي إمكانية استثمارها السياسي باتجاهات تحرف عمل المحكمة عن الوصول إلى الحقيقة.وبخاصة التوسع في إمكانية شمل الجرائم وما يمكن ربطها بها.فماذا على سبيل المثال لو توصلت المحكمة إلى استنتاج مفاده أن أي عملية نفذت ضد إسرائيل هي عملا ارهابيا وبالتالي سيكون الموضوع من صلاحيتها للنظر به.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها ومن الصعب الإجابة عليها من دون النظر إلى الخلفيات السياسية التي تستهدفها القوى الدولية من إنشاء مثل هذه المحاكم.ثمة جرائم كثيرة وكبيرة افتعلت ونفذت عبر التاريخ لتمرير أشياء أخرى ليس لها علاقة بالمحاكمات التي جرت لها لاحقا،والثابت في التاريخ أن كل الجرائم الكبيرة التي تنفذ ليس لكشفها لاحقا بقدر ما تكون تغطية لتمرير مؤامرت بحجم الجريمة المرتكبة!.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
لم تكن استقالة وزراء حركة أمل وحزب الله من الحكومة اللبنانية على قاعدة رفض المحكمة المختلطة لمحاكمة من قتل الرئيس رفيق الحريري،بقدر ما هي اعتراض على مواقف سياسية عامة تتعلق بسياسات لبنان الخارجية إضافة إلى اعتراض هؤلاء الوزراء على مبدأ وجوب مناقشة نظام المحكمة الأساسي.فما هي سوابق المحاكم المختلطة المنشأة سابقا؟وما هي أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين المحكمة المقترحة للبنان.وما هي الخلفيات والأبعاد التي يمكن تسجيلها في النظام الداخلي المقترح؟.
نتيجة للدروس التي تم استخلاصها من تجربة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا الايجابية منها والسلبية، برز إلى الوجود نموذج جديد للعدالة الدولية: المحاكم المختلطة والتي تعمل تحت إشراف مشترك من الأمم المتحدة والدول المعنية. وتشكل هذه الطريقة محاولة للمزج بين فوائد المتابعات الوطنية مثل القرب الجغرافي والنفسي إلى الضحايا، والأثر الايجابي على مؤسسات الدولة المحلية مع فوائد المشاركة الدولية كالموارد والموظفين والأمن. وقد أقيمت المحاكم المختلطة في سيراليون المحكمة الخاصة، المقامة بالبلد والتي شرعت مؤخراً في أعمالها، وتتكون من قضاة محليين وقضاة دوليين يطبقون كلاً من القانون الوطني والقانون الدولي. وهناك نوع آخر من النموذج المختلط في تيمور الشرقية. كما أن إمكانية إقامة المحاكم المختلطة أكبر من المحاكم الدولية الصرف، فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة ميزانية المحكمة الخاصة لسيراليون تقريبا خُمس الميزانية السنوية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا. وتمتاز كذلك المحاكم المختلطة بكونها تقام على أراضي الدولة المعنية إن لم يكن هناك سبب يمنع ذلك، كما أن موظفيها ينتمون بشكل عام إلى الدولة عينها وتجد مساندة مباشرة من لدن الأنظمة القانونية الوطنية. ومن المحتمل أن يصبح النموذج المختلط أكثر انتشارا خلال السنوات القليلة المقبلة، باعتبارها توفر حلا للأنظمة الوطنية الواسعة الامتداد والقليلة التجهيزات.
وفي الوقت نفسه، قد تواجه هذه المحاكم المختلطة انعدام التعاون من طرف الدولة التي تقام عليها أو من طرف دول أخرى، إلا أن العلاقة مع مجلس الأمن وسلطات "الباب السابع" من ميثاق الأمم المتحدة يمكن أن تسد بعض الثغرات. كما أن الرغبة في اكتساب الاستقلال المحلي إلى أقصى حد أدى إلى نتائج عكسية لصعوبة العثور في بلد عدالته مشكوك فيها على موظفين ذوي خبرة ومدربين بشكل مناسب. وأخيرا، وكما هو الشأن بالنسبة إلى المحاكم الدولية، قد تثير المحاكم المختلطة آمالا وطنية تتجاوز ما هو ممكن عمليا بالنظر إلى الموارد المحدودة والقيود الداخلية التي ترجع إلى عملية العدالة القضائية.
فالمحاكم المختلطة هي بطبيعتها مواءمة القوانين الدولية والوطنية بهدف الوصول إلى الحقيقة والعدالة في أمر ما، وهي تنشأ باتفاقات خاصة بين الدولة المعنية والأمم المتحدة، تحدد فيها كل الأمور المتعلقة بالمحكمة لجهة التشكيل والقوانين التي تلجأ إليها إضافة إلى قواعد الأجراء والتنفيذ.
أما لجهة السوابق فثمة العديد منها، كان آخرها المحكمة المختلطة في كمبوديا الخاصة بمحاكمة الجرائم المنسوبة إلى الخمير الحمر إبان الحرب الأهلية الكمبودية بين الأعوام 1975 و1979، وقد صدر قرار عن الأمم المتحدة بتاريخ 13/5/2003 يتضمن الموافقة على الاتفاق الموقع بينها والحكومة الكمبودية على شكل المحكمة وما يتعلق بها من إجراءات، ونص الاتفاق على إنشاء غرفة قضائية أولية غير عادية، مؤلفة من ثلاثة قضاة كمبوديين يعينون بقرار من مجلس القضاء الأعلى الكمبودي من قاضيين دوليين، وكذلك إنشاء محكمة عليا تنظر كمحكمة استئناف وكمرجع أخير وتعتبر غرفة من غرف محكمة التمييز وتتشكل من أربعة قضاة كمبوديين يعينون أيضا من قبل مجلس القضاء الأعلى ومن ثلاثة قضاة أجانب. ويعهد إلى هذا القضاء الخاص أمر المحاكمة ومنها جرائم الإرهاب. وتوكل مهمات الملاحقة الجزائية والاتهام أمام هذا القضاء إلى هيئة اتهامية مختلطة مؤلفة من نائب عام كمبودي ومن نائب عام دولي يختاره مجلس القضاء الأعلى الكمبودي من بين لائحة مؤلفة من شخصيتين متخصصتين يرفعها الأمين العام للأمم المتحدة إلى الحكومة الكمبودية. كما آن تعيين القضاة الأجانب يتم من قبل المجلس ألعدلي الكمبودي بناء على لائحة مقدمة من الأمين العام للأمم المتحدة، واللافت في هذه المحاكم صدور القرارات بالإجماع في المستويين، وإذا تعذر بالغالبية شرط وجود قاض دولي بين المؤيدين على الحكم ضمانا للعدالة والصدقية. إضافة إلى أن الإجراءات ستتبع قانون العقوبات الكمبودي مع إجراء بعض التعديلات عليه بما يتوافق مع بعض معايير المحاكمات الدولية كعدم الأخذ بأي حصانة قضائية أو أي عفو عام أو خاص.
والسابقة الأخرى المحكمة المختلطة في سيراليون وفقا لقرار مجلس الأمن 1315 تاريخ 14/7/2000، وقد أنشئت في العام 2002 وهي مؤلفة من قضاة سيراليونيين ودوليين للنظر بالجرائم الخطيرة التي حدثت في العام 1996، مع ملاحظة بعض التعديلات أيضا على القوانين الوطنية بما يتوافق والمعايير الدولية لإجراءات المحاكمة والأحكام.
أما السابقة الثالثة فهي المحكمة الخاصة المختلطة في تيمور الشرقية المنشأة بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1272 تاريخ 25/11/1999 الذي وضع تيمور تحت إدارة انتقالية تابعة للأمم المتحدة، بهدف محاكمة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة منذ العام 1975، وعمدت الأمم المتحدة إلى إنشاء قضاء خاص تألف من قضاة وطنيين ومن ممثلين متخصصين للأمم المتحدة تم تعيينهم من قبلها، والذي ينظم هذا القضاء وفقا لقواعد القانون الدولي التي تحكم المحاكمات العادلة والنزيهة والمنصوص عليها خصوصا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وإذا كانت هذه السوابق يمكن الاحتذاء بها في الحالة اللبنانية كمحكمة مختلطة تنعقد على الأراضي اللبنانية، فتستلزم العديد من الإجراءات، أولها إبرام اتفاق بهذا الشأن بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة والذي لا يصبح نافذا إلا بإبرام مجلس النواب له وفقا لنص المادة 52 من الدستور اللبناني. كما يتوجب على المجلس النيابي إصدار قانون خاص مراعاة للمادة 20 من الدستور التي تنص على "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة وللمتقاضين الضمانات اللازمة". وكذلك منع قوانين العفو ووقف العمل بالحصانات القضائية، وكذلك تحديد مدة التوقيف الاحتياطي في جرائم القتل والجرائم ضد أمن الدولة والجرائم المسماة خطرة. كما تتطلب مثل هذه المحاكم تعديلات لبعض القوانين لتتلاءم مع المعايير الدولية كإلغاء عقوبة الإعدام. وإذا كان هناك من سبب يمكن أن تواجه انعقاد المحكمة المختلطة على الأراضي اللبنانية لدواع مختلفة كما هو مشار في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، فمن الممكن انعقادها خارج لبنان وهو أمر بدوره يستلزم بعض الإجراءات، منها وجوب توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة توضع بموجبه أصول المحاكمة وقواعدها وتحدد فيه صلاحية المحكمة المادية والشخصية والزمنية. على أن ينص الاتفاق على تطبيق الأصول والإجراءات الجزائية اللبنانية مع بعض التعديلات التي تقتضيها المحاكمات المتوافقة مع المعايير الدولية والتي تتطلبها المحاكمة العادلة، والمراجعة أمام هيئة قضائية عليا. وكذلك توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة على أن تمنح المحكمة المختلطة حق إلقاء القبض على الأشخاص المتهمين مهما كانت جنسياتهم وعلى أن تتولى الأمم المتحدة مهمة التفاوض مع الدول التي يتبين أن أحد رعاياها ضالع في عملية الاغتيال أو التفجيرات وذلك بهدف تسليمه إلى المحكمة المذكورة. إضافة إلى قضايا التعويضات الناجمة عن الأذى الذي لحق بالمتضررين من جريمة الاغتيال.
إن المحكمة اللبنانية الدولية ستكون موضع متابعة ومراقبة شديدتين نظرا للقضية التي تنظر فيها وما لها من ارتدادات داخلية وخارجية، كما تعتبر تحديا كبيرا للكثير من المواقع الدولية التي تدخلت بهذه القضية بشكل أو بآخر تحت ذرائع ومبررات متنوعة ومتعددة، ولذلك فسوف تأخذ قسطا كبيرا من المتابعات بهدف الوصول إلى مبتغاها، إضافة إلى أن القرار المتخذ بشأنها واضح لجهة دعم القضاء اللبناني لجهة النقلة النوعية التي ستساعده في أخذ موقعه المفترض في هذه القضية وغيرها.
أن التداخلات السياسية في مثل تلك المحاكم تعتبر من الأمور المعتادة، فمجلس الأمن مثلا كان أجاز لنفسه حق التدخل في المحكمة الجزائية الدولية من خلال الطلب إلى القضاة بتعليق ملاحقة الشخص المتهم لمدة عامين.
وإذا كانت هذه السوابق يمكن الاحتذاء بها في تقييم ما ورد في النظام الأساسي للمحكمة المقترحة،فما هي المقاربات والملاحظات التي يمكن استخلاصها في سياق التعليق على نصوصها.
- في التسمية تمّ اللجوء إلى تغيير اسم المحكمة من المختلطة إلى المحكمة الخاصة بلبنان،ما يوحي وكأن لبنان بأكمله بيئة مناسبة لإقتراف الجرائم الإرهابية،ونزع صفة الخصوصية عن المحكمة المختلطة التي هدفت الى محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري.
- لجهة الاحتذاء بالسوابق فثمة اتجاه للأخذ بما توصلت إليه الأمم المتحدة من إنشاء محكمة مختلطة لتيمور الشرقية التي غلب عليها الطابع الدولي أكثر من المختلط،بمعنى أن نظام المحكمة لتيمور أسس بيئة مناسبة لتغيير وتعديل القوانين المحلية بما يتناسب مع ظروف التدخل الدولي آنذاك لإنشاء نظم قانونية جديدة.واخطر ما في ذلك من إمكانية تطبيق هذا الخيار على الواقع اللبناني بما يحمله من إمكانية تعديل الكثير من القوانين اللبنانية وهذا ما أتى في بعض المواد التي سنشير إليها لاحقا.
- لم يؤخذ بالنموذج الكمبودي على سبيل المثال،ففي تلك المحكمة يلاحظ الغلبة للبيئة القانونية المحلية حيث عدد القضاة في كلا الدرجتين هم أكثر من القضاة الدوليين،وكذلك تعيين القضاة الدوليين يتم من قبل المجلس ألعدلي الكمبودي بناء على لائحة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وكذلك تعيين المدعي العام الرديف،بينما في نظام المحكمة الخاصة في لبنان فالأمر معكوس تماما.
- ليس ثمة أية سابقة أن أنشأت محكمة خاصة دولية أو ذات طابع دولي بهدف محاكمة مرتكبي جريمة سياسية ويبدو من توصيف الجريمة في الأساس على أنها عمل إرهابي هدفه إتاحة الفرصة لمجلس الأمن التدخل لأهداف سياسية متعلقة ببعض دول المنطقة.
- وخلافا لمحاكم أخرى لن تنظر المحكمة في جرائم تعتبر عادة جرائم ضد القانون الدولي كجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وفي ما يتعلّق بجريمة الإرهاب التي تتكرر بشكل واضح في قرارات مجلس الأمن فليس هناك تعريف متفق عليه في القانون الدولي لهذه الجريمة أو عقاب معيّن لها. وليس هناك سابقة لمحكمة دولية أن نظرت في جريمة وصفت بأنها عمل إرهابي. لذلك لا مناص من تطبيق القانون اللبناني على جريمة هي في الأساس من اختصاص القضاء اللبناني. وهذا ما نصّت عليه المادة الثانية من مسودة النظام الأساسي للمحكمة المقترح.
- لقد تمَّ التنازل عن كل ما حفظه مجلس الأمن في قراره الرقم 1595، الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية، للسلطات اللبنانية من سيادة بالنسبة إلى إدارة التحقيق وتطبيق القانون في شأن الأعمال الجرمية التي رافقت اغتيال الرئيس الحريري وآخرين، إذ نصَّت المادة (4) من مسودة النظام الأساسي للمحكمة «عند تعيين المدعي العام وفي فترة لا تتعدّى الشهرين، ستطلب المحكمة الخاصة من السلطات القضائية الوطنية المسؤولة عن قضية الهجوم الإرهابي على رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين، الخضوع لاختصاصها»، وكذلك سوف تحيل السلطات اللبنانية بناء على طلب المحكمة الخاصة الموقوفين ونتائج كل التحقيقات ونسخ عن سجل المحكمة. وبناء على طلب المحكمة أيضاً، «ستخضع السلطة الوطنية المعنية لاختصاص المحكمة».
- إن كفّ يد القضاء اللبناني بصورة فورية وقبل انتهاء التحقيق يعتبر مخالفاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1644 الذي أقرّ في البند (6) منه طلب الحكومة اللبنانية بأن «يحاكم من توجّه لهم في آخر المطاف تهمة الضلوع في هذا العمل الإرهابي أمام محكمة ذات طابع دولي....»، فهل بلغ التحقيق آخر المطاف؟ وهل يجوز اختصار التحقيق أو النيل من وحدته من طريق إحالته على مدّعي عام المحكمة الخاصة قبل تمامه؟.
- ثمة ثغرات كبيرة لجهة القانون الواجب التطبيق من الناحية الإجرائية والتي تثير الشبهة وعلامات الاستفهام. فبالنسبة إلى إجراءات المحاكمة وقواعد الإثبات إذ أن مسودة نظام المحكمة لم تلحظ قواعد معينة لأصول المحاكمات وقبول الأدلة. إذ ترك لقضاة المحكمة الخاصة وفقا للمادة (28) وضع نظام إجراءات بعد تأليفها وهو أمر يمثّل سابقة خطيرة في القضاء الجزائي.
- في المادتين (13) و(16) منه، أخذ مشروع النظام بصورة عامة المعايير الدولية للمحاكمات الجنائية الدولية وبخاصة لجهة حقوق المشتبه فيهم والمتهمين، بيد انه اغفل الإشارة إلى حق الموقوف في طلب تخلية سبيله من المدعي العام لدى المحكمة الخاصة ضمن مهلة زمنية معقولة إذا لم تتوافر لدى المدعي العام أدلّة في حقه تجيز استمرار التوقيف. وهذه فجوة مهمة جدّاً بالنسبة إلى مصير الضباط الموقوفين.
- إن أخطر ما في مسودة نظام المحكمة الخاصة توسيع صلاحيات المحكمة بحيث تمتد، بالإضافة إلى جريمة اغتيال الرئيس الحريري، إلى أعمال أخرى مماثلة في طبيعتها وخطورتها «حصلت في لبنان بين الأول من تشرين الأول 2004 و31 كانون الأول 2005 أو أي تاريخ لاحق يقرر باتفاق الأطراف المعنية وموافقة مجلس الأمن». إن توسيع صلاحية المحكمة هذا، بالإضافة إلى أنه يتعدّى منطوق قرار مجلس الأمن الرقم 1664 الذي هو المستند الأساسي في إنشاء المحكمة الدولية، والذي يحصر ولاية المحكمة «بالتفجير الإرهابي الذي أدّى إلى مقتل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وآخرين» على أن تُنشأ «محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن هذه الجريمة الإرهابية».
- إن توسيع صلاحية المحكمة في الزمان وبالنسبة إلى أفعال جرمية يترك لاستنساب المحكمة تبنّي معايير التشابه في الطبيعة والخطورة مع الأعمال الجرمية التي أودت بحياة الرئيس الحريري، يخالف مبادئ أساسية في القانون الجزائي وخاصة أن قرار مجلس الأمن الرقم 1664 اعتمد كون المحكمة ذات الطابع الدولي يجب أن تستند إلى «أعلى المعايير الدولية في القضاء الجنائي». إن قرار توسيع اختصاص المحكمة إلى أعمال جرمية قد ترتكب مستقبلاً ويترك للمحكمة القرار في شأن اختصاصها للنظر فيها يصعب تجريده من أهداف سياسية.
- ليس ثمة أية هيئة قضائية أو إدارية يمكن مراجعتها في حال مخاصمة أحد القضاة أو موظفي المحكمة لأسباب إدارية أو مالية.
- لم تحدد المادة (5) من مشروع الاتفاق، كيفية تمويل المحكمة.
ثمة الكثير من النصوص الغامضة والملتبسة القابلة للتأويل وبالتالي إمكانية استثمارها السياسي باتجاهات تحرف عمل المحكمة عن الوصول إلى الحقيقة.وبخاصة التوسع في إمكانية شمل الجرائم وما يمكن ربطها بها.فماذا على سبيل المثال لو توصلت المحكمة إلى استنتاج مفاده أن أي عملية نفذت ضد إسرائيل هي عملا ارهابيا وبالتالي سيكون الموضوع من صلاحيتها للنظر به.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها ومن الصعب الإجابة عليها من دون النظر إلى الخلفيات السياسية التي تستهدفها القوى الدولية من إنشاء مثل هذه المحاكم.ثمة جرائم كثيرة وكبيرة افتعلت ونفذت عبر التاريخ لتمرير أشياء أخرى ليس لها علاقة بالمحاكمات التي جرت لها لاحقا،والثابت في التاريخ أن كل الجرائم الكبيرة التي تنفذ ليس لكشفها لاحقا بقدر ما تكون تغطية لتمرير مؤامرت بحجم الجريمة المرتكبة!.