التعاون العربي الاوروبي :الواقع والمرتجى
د.خليل حسين
استاذ المنظمات والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
تستند العلاقات العربية - الاوروبية الى العديد من الاسس والاعتبارات المتعلقة بالطرفين او بمجمل الظروف الاقليمية والدولية المؤثرة في دائرة هذه العلاقات ؛ والتدقيق في تاريخ هذه العلاقات تقودنا الى مرحلتين اساسيتين ، هما مرحلة الحرب الباردة بين الشرق والغرب ومحاولة الدول الاوروبية اتخاذ موقع لها على الصعيد الدولي من خلال علاقاتها مع الدول العربية ، وهذا ما ترجمته عمليا بين الاعوام 1974 و1991 عبر الحوار العربي - الاوروبي بواسطة وزراء الخارجية او دبلوماسيين معتمدين لدى دولها ؛ اما المرحلة الثانية فهي اشد وضوحا من الاولى اذ اتخذت الابعاد السياسية والامنية والاقتصادية نواح اكثر وضوحا في الاهداف والوسائل بشكل عام.
وفي الواقع يعود الاهتمام المشترك في العلاقة بين الجانبين الى خلفيات عديدة منها ما يتعلق بالمصالح المشتركة بين الدول العربية والدول الاوروبية او اغلبها، ومنها ما يتعلق بأسباب تاريخية وجغرافية ، واخرى لها علاقة بالتوازنات الدولية والاقليمية ومحاولة كل طرف الاستفادة من معطيات موجودة لتكريس دور او موقع يسعى اليه ، ومن ابرز اسباب الاهتمام في العلاقت بين الجانبين :
- سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة وتفرد الولايات المتحدة الاميركية بقيادة العالم ، ما حدا بالجماعة الاوروبية الى محاولة رسم سياسة خارجية متمايزة عن واشنطن في حدود معينة ولو ان اثرها يبقى محدودا في الغالب.
- ان شبكة العلاقات التي رسمتها كل من فرنسا وبريطانيا مع الدول العربية ( وهما قطبا السياسة الاوروبية) خلال مرحلة الانتداب استمرت واتخذت اشكالا جديدة بعد الاستقلال ، الامر الذي كوّن قاعدة ثابتة لتمييز العلاقات العربية - الاوروبية في بعض القضايا المشتركة .
- ان شعور بعض الدول العربية بخيبة امل من السياسة الاميركية فيما يتصل بالصراع العربي - الاسرائيلي ، قد حدا بالعديد من هذه الدول التقرب من الجماعة الاوروبية لا سيما المحور الفرنسي أملا بالحد من اختلال موازين القوى القائم في المنطقة من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية .
- ان العامل الجغرافي لكلا الطرفين ، وتوزع القوى الفاعلة على ضفتي البحر الابيض المتوسط ، عطفا على الموقع الجيو- سياسي والجيو – اقتصادي للدول العربية قد اعطى اندفاعا اوروبيا اضافيا باتجاه تكوين وتطوير اطر تساهم في تثبيت وتمتين العلاقات مع الدول العربية .
وفي الحقيقة عقدت العديد من المؤتمرات على مستويات وزارية تمخض عنها اتفاقيات وبروتوكولات تعاون عديدة في مجالاتها وغاياتها، الا ان النصف الثاني من عقد التسعينيات قد شهد تطورا في مسار العلاقات العربية - الاوروبية عبر اتجاهات مختلفة عما سبقها ،اذ برزت بمفاهيم واهداف جديدة تمثلت بتركيز العلاقات من ضمن اطار اوروبي - متوسطي ، أي بمعنى آخر ادخال عناصر اضافية في العلاقة التي شملت ايضا دول متوسطية غير عربية كالنموذج التركي والاسرائيلي والقبرصي، وفي الواقع تعود خلفية هذا الادخال المتجدد الى ظروف تلك المرحلة من المفاوضات العربية – الاسرائيلية التي تعقدت على المسارين اللبناني والسوري ، ومحاولة اسرائيل انذاك تقديم المفاوضات المتعددة الطرف على الثنائية، فكانت الشراكة الاوروبية – المتوسطية مخرجا لتعقد مفاوضات السلام العربي – الاسرائيلي .
فمنذ اعلاان برشلونة في العام 1995 والاتحاد الاوروبي والدول العربية سعيا الى احراز تقدم في موضوع الشراكة الاوروبية - المتوسطية التي تختصر بكلمة – EUROMED – التي تضمنت مجالات سياسية واقتصادية وامنية واجتماعية ومالية وثقافية وانسانية، بهدف التوصل الى الرخاء والسلام والتبادل التجاري الحر بين دول الاتحاد الخمس عشرة ودول البحر المتوسط الاثنتي عشرة ،الاولى تضم ( ايطاليا البرتغال النمسا اسبانيا فرنسا بلجيكا اللوكسمبورغ المانيا هولندا ايرلندا بريطانيا الدنمرك السويد والنروج وفنلندا) فيما المجموعة الثانية تضم ، ثماني دول عربية هي ( مصر تونس الجزائر والمغرب الاردن لبنان سوريا والسلطة الفلسطينية ) اما الدول الاربع الاخرى هي ( اسرائيل مالطا قبرص وتركيا) وعلى الرغم من ان ليبيا دولة متوسطية فقد استبعدت لاسباب الحصار المفروض عليها ، فيما موريتانيا الدولة غير المتوسطية تدعى للاجتماعات بصفة مراقب .
ولقد تجلت الشراكة الاوروبية - العربية بمسارين ، الاول ثنائي والآخر اقليمي :
- المسار الثنائي وينطلق من مبدأ تقدم كل دولة باتفاقات مع الدول الاوروبية في اطار "ميدا" (National indicative program )
- المسار الثاني وينطلق من مبدأ اقليمي عبر التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مقابل برامج اقليمية تستأثر ب 14 بالمئة من تمويل برنامج ميدياRegional indicative program
اولا : مضمون الشراكة العربية الاوروبية وأهدافها:
ان التدقيق في اعلان برشلونه يظهر ثلاثة ابعاد اساسية ، مبدأها التعاون والتواصل وأهدافها الرخاء والسلام وهي:
1- الشراكة السياسية والامنية
وذلك عبر تأمين السلام والاستقرار في المنطقة من خلال مجموعة اجراءات ومبادىء وحوارات تستند الى:
- احترام سيادة الدول وأراضيها ، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، واحترام التعددية فيها .
- حل النزاعات التي يمكن ان تنشأ بالطرق السلمية وعدم اللجوء الى القوة لفرض الحلول .
- العمل وفقا لشرعة الامم المتحدة واهدافها ومبادئها .
- احترام الحقوق الاساسية الواردة في شرعة حقوق الانسان بما فيها حرية التعبير عن الرأي والحرية الدينية .
- التعاون في محاربة الارهاب ومكافحة الجريمة والآفات الاجتماعية كالمخدرات .
- تعزيز الامن الاقليمي عبر مكافحة انتشار اسلحة الدمار الشامل بما فيها النووية والكيميائية والبيولوجية .
وعلى الرغم من ان مؤتمر برشلونة وما اسس له من شبكة علاقات اوروبية - عربية هو منفصل تماما عن مؤتمر مدريد 1991 وما تمخض عنه ، الا ان الخلفية التي بنيت عليها مقررات برشلونة هي في الحقيقة متممة وداعمة لمؤتمر مدريد ولو بطريق غير مباشر ، فهو يؤسس للحوار بين الدول وان كان هناك صراع فيما بينها، كما يسعى مؤتمر برشلونة الى الحفاظ على السلام حين التوصل اليه عبر معاهدات ومواثيق تدعى Euro- Mediterranean charter for peace and stability .
ومن الناحية العملية فقد اصبح الحوار امرا واقعا على الصعيدين الاقليمي والثنائي، فمنذ اعلان برشلونة عقدت اربع مؤتمرات ( مالطا1997 ، شتوتغعارت1999 ، مرسيليا 2000، بروكسل 2001) وقد تغيب كل من لبنان وسوريا عن مؤتمر مرسيليا بسبب الممارسات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني .
2- الشراكة الاقتصادية والمالية
وتتم عبر انشاء منطقة للتجارة الحرة بين الدول العربية والاوروبية من جهة ، والدول المتوسطية فيما بينها من جهة اخرى، على ان تكون غير قابلة للالغاء ، ويتوقع الوصول اليها في العام 2010 ؛ وبهدف الوصول الى الشراكة الجماعية ، تأتي الشراكات الثنائية كعمل تمهيدي عبر شكلين هما : اتفاقية الشراكة الاوروبية وتعقد مع البلد المعني وكان من المفترض ان تتم في نهاية العام 2001 ، وقد تخلف لبنان عن توقيعها لاسباب سياسية تتعلق بظروف المنطقة والممارسات الاسرائيلية المتعنتة فيما يتصل بالمفاوضات .اما الثانية فهي الاتفاقت الثنائية بين الدول المتوسطية وهي قليلة وغير قابلة للتطوير في هذه الظروف لما تنطوي عليه من خلفيات سياسية غير ملائمة لبعض الدول العربية ومفهومها لحل الصراع العربي – الاسرائيلي .
ان برنامج ميديا الذي يعتبر العصب المالي لمؤتمر برشلونة يعطي اولوية محددة للمشاريع المدروسة ذات الطابع التشاركي بين الدول المتوسطية وليس للمشاريع ذات الصفة الوطنية للدولة ، كما ان البرنامج يقدم هبات لهذه المشاريع بخلاف بنك الاستثمار الاوروبي الذي يعطي قروضا لهذه المشاريع. وواقعا مر مشروع ميديا بمرحلتين اساسيتين ، الاولى من العام 1995 وحتى العام 1999 حيث رصد مبلغ 3435 مليون اورو لم يصرف منها سوى 26% بسبب التعقيدات الادارية للمفوضية الاوروبية وهي بمجملها مبالغ صرفت على مشاريع تشاركية . اما المرحلة الثانية فتمتد من العام 2000 وحتى العام 2006 وقد رصد لها 5350 مليون اورو .
كما تهدف الشراكة الاوروبية - العربية في المجالين الاقتصادي والمالي مجموعة من القضايا الى جانب التجارة الحرة وايرزها، قطاعات النقل والبيئة والمعلومات والمياه والطاقة والصناعة ، وطبعا انشاء البيئة القانونية المناسبة لتحرير التجارة لا سيما الجانب المتعلق بالتشريعات الجمركية والضريبة على القيمة المضافة ؛ ويمكن استخلاص العديد من الاهداف النهائية لكلا الجانبين من هذه الشراكة وتتلخص بعدة امور للجانب الاوروبي ابرزها:
- امكان الوصول الى الموارد الطبيعية وغيرها بطرق اسهل وأوفر .
- اتاحة الفرص لدول الاتحاد الترويج للبضائع والسلع .
- تجنب اغراق اسواق العمل الاوروبية من امواج الهجرات الوافدة اليها ان كانت من خبرات العمال المهرة او غير المهرة لما تؤثر على التركيبة الاجتماعية في دول الاتحاد .
اما فيما يختص بدول المتوسط لا سيما العربية منها فتهدف الى تحقيق العديد من الامور وأبرزها :
- جذب رؤوس الاموال الاوروبية بهدف الاستثمار
- زيادة فرص الوصول الى الاسواق الاوروبية .
- نقل المعلومات والخبرات والتكنولوجيا .
- الحصول على الدعم التقني والمالي لتحديث اقتصادياتها .
3 – الشراكة الاجتماعية الثقافية والانسانية
ويتم ذلك عبر توثيق التعاون والتبادل والتفاهم بين الحضارات والشعوب ، على ان يكون هناك اهتمام خاص بالثقافة والطفولة والاعلام والصحة ومبادىء القانون واحترام حقوق الانسان ، وكان للاتحاد الاوروبي في الفترة السابقة قدم دعما للمنظمات الاهلية غير الحكومية التي تهتم بهذه الامور ؛ كما يقدم الاتحاد ثلاث برامج اقليمية هي :
- برنامج التراث الثقافي المشترك بين الدول الاوروبية والدول المتوسطية المشاركة ، هدفه الحفاظ على المعالم الحضارية والثقافية والانسانية .
- برنامج الوسائل المسموعة والمرئية ، ويهدف الى التعاون في مجال الراديو والتلفزيون .
- برنامج الشباب الذي يهتم بتسهيل الاندماج الاجتماعي والتوجيه الثقافي ، وترسيخ قيم الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون .
ثانيا : تقييم وملاحظات على الشر اكة الاوروبية العربية
ان التقييم الموضوعي للشراكة يبدو غير متوفر في هذه الظروف بالنظر الى قصر الفترة الزمنية ، الا انه يمكن ادراج بعض الملاحظات على ما تحقق في مجالات هذه الشراكة.
1 - في الشراكة السياسية والامنية
- رغم حدوث بعض الاتصالات السياسية الهادفة الى خلق جو من الاستقرار والسلام ، الا ان نتائج الشراكة الاوروبية - المتوسطية في هذا المجال لا تزال متواضعة جدا ، ويعود ذلك بالدرجة الاولى الى الموقف الاسرائيلي من عملية السلام بعد وصول ارئيل شارون الى السلطة ، وبالتالي ان أي امل لما تحاول اوروبا الوصول اليه سيبقى محتوما بالفشل ، وبالتالي ان جوهر هذه الشراكة معرضة لمخاطر كثيرة يصعب تجاوزها في هذه الظروف .
- استمرار تعثر انشاء ميثاق السلام الذي يعتبر ايضا عصب الشراكة الاوروبية - العربية ، فمنذ مؤتمر شتوتغارت عام 1999 لم يتحقق أي تقدم في هذا المجال ، وظل الخلاف قائما بعدما تقدمت الجامعة العربية بمشروع بديل لهذا الغرض .
- ظهور خلافات واضحة في مجال التسلح لا سيما غير التقليدي ، اذ ان اسرائسل تمتلك اسلحة نووية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل ولا زالت ترفض الانضمام الى معاهدة الحد من الاسلحة غير التقليدية ، كما ان الاتحاد الاوروبي لم يمارس أي ضغظ يذكر على اسرائيل في هذا المجال رغم ان اتفاقيات الشراكة تنص على هذه الامور .
- هناك تباين واضح بين الموقفين العربي والاوروبي حول تحديد مفهوم الارهاب ، ففي حين ترى الدول العربية ان مقاومة الاحتلال امرا مشروعا ، لا توافق اوروبا الدول العربية على اعتبار الممارسات الاسرائيلة امرا غير مشروع .
2 - في المجال الاقتصادي والمالي
وفيما يتعلق بهذا الجانب ، فقد تمّ بعض التقدم اذ دخلت بعض الاتفاقيات حيز التنفيذ ، فيما شهدت الاخرى تقدما ، كما تمّ انجاز العديد من المشاريع رغم بطء صرف ما رصد من اموال في اطار برنامج ميديا ، كما ان الامر الجوهري في هذا الموضوع سوريا ولبنان واشراكهما في هذه المشاريع لا يزال مجمدا ، نظرا للموقف المبدأي المتعلق بأولوية التقدم في المفاوضات الثنائية قبل البحث في المفاوضات المتعددة .
3 – في المجال الاجتماعي والثقافي والانساني
وعلى الرغم من تسجيل بعض التقدم المتواضع جدا في هذا الخصوص عبر المشاريع التي لا تظهر نتائجها سريعا ، فان التفدم في هذه المجالات يستلزم المزيد من الوقت والجهد ، فالموضوع يتعلق بسلوكيات اجتماعية تراكم فيها الكثير من النفور والتناقضات على مر العصور ، وهي موضوعات متعلقة بالتراث والحضارة واحيانا كثيرة بالاديان ومفاهيمها للعديد من الامور المعاشة .
كما ان موضوع الهجرة العربية باتجاه اوروبا لا تزال تشكل تحديا كبيرا في اطار المشاركة ، ومن الصعب ايجاد حلول ملائمة لها من دون معالجة اسباب المشكلة التي تقع علىعاتق الطرفين معا، ففي الوقت الذي تعاني معظم دول المتوسط ومنها الدول العربية ازمات اقتصادية واجتماعية كبيرة تعجز على حلها ما يدفع الكثيرين الى الهجرة ، وفي المقابل لا توجد رؤى ومشاريع جادة بمستوى الازمة من الاطراف الاوروبيين لحلها .
ثالثا: عملية السلام الشامل في الشرق الاوسط والدور الاوروبي
يشكل التعاون السياسي العربي – الاوروبي مفتاحا لعلاقات متميزة يسعى اليها الطرفان منذ فترة طويلة ، وفي قائمة الاولويات يظهر موضوع النزاع العربي - الاسرائيلي ، من بين المواضيع الاكثر حساسية ، التي تستوجب المزيد من الاهتمام وتصويب الاهداف وفقا لمرجعيات باتت مسلمات وضرورات لحل شامل وعادل في المنطقة وفقا لوجهة النظر العربية .
لقد وافقت جميع الدول العربية الدخول في مؤتمر مدريد العام 1991 استناداً الى رسائل التأكيدات والضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة الاميركية لاطراف النزاع ، على خلفية الارض مقابل السلام ووفقا لقررات الشرعية الدولية الممثلة بقررات مجلس الامن الدولي ذات الصِلة لا سيما القرارات 242 و338 و425 ؛ وعلى الرغم من التسويف الذي رافق المفاوضات في شقها السياسي المتمثل بالمفاوضات الثنائية ومحاولة تقديم الجانب الاقتصادي المتمثل بالمفاوضات المتعددة الطرف ، تابع الجانبان اللبناني والسوري تمسكهما بالعملية السلمية وفقا للاسس السالفة الذكر ، رغم الانحراف الواضح الذي اتخذته مجمل العملية السلمية لا سيما المفاوضات السرية وما نجم عنها من اتفاقات في اوسلو.
ان توقف المفاوضات منذ العام 1996 على المسارين اللبناني والسوري قد اعطى انطباعا واضحا على نية اسرائيل وأهدافها من العملية السلمية برمتها بصرف النظر عن الجهة السياسية الحاكمة في اسرائيل ، ففي الوقت الذي ترأس حزب العمل الحكومة الاسرائيلية نفذ الجيش الاسرائيلي عمليتين عسكريتين واسعتين ضد لبنان الاولى " تصفية الحساب 1993" والثانية "عناقيد الغضب 1996 " والاثنتان من طبيعة سياسية واحدة، هدفتا الى اجبار لبنان على مفاوضات لا تمتُّ بِصِلة الى اسس مؤتمر مدريد .
وعلى الرغم ايضا من تأكيد الولايات المتحدة الاميركية بأنها الراعي النزية للمفاوضات بين الجانبين العربي والاسرائيلي ، الا ان تداعيات الاحداث اثبتت عكس ذلك، ما اسهم بشكل او بآخر في بلورة مواقف جديدة للسياسة الخارجية الاوروبية تمثلت ببعض الانفتاح والاهتمام بقضايا الشرق الاوسط ، بصرف النظر عن مستوى النجاحات المحققة او الآمال المرجوة، او حتى حدود الدور المعطى لها .
ان التعاون السياسي العربي – الاوروبي الذي بدأ بحوارات سياسية على مستوياات وزارية ودبلوماسية منذ منتصف الثمانينيات توِّج باعلان برشلونة العام 1995، ورغم نفي العديد من القادة الاوروبيين بأن لا علاقة لهذا الاعلان بالمفاوضات العربية - الاسرائيلية ، الا انه من الناحية العملية والواقعية يشكل محاولة موازية لادارة هذه المفاوضات حيث تدعو الحاجة وفقا لمعايير ومستويات واهداف ليست بالضرورة اوروبية المنشأ او الأصل .
ان الاهتمام الاوروبي بقضابا الدول العربية بشكل عام والنزاع العربي – الاسرائيلي ، ينم عن مدى فهم السياسة الخارجية الاوروبية لاهمية وحساسية هذه القضايا ومدى أثرها في استثمار المواقع في السياسات الدولية ، ومن هنا يفسَّر تعيين مندوب خاص للسياسة الخارجية الاوروبية في منطقة الشرق الاوسط ؛ ورغم هذا الاحتكاك المباشر لا زال الكثير من النقاط التي تستلزم البحث والتصويب في الرؤى الاوروبية من بعض التفاصيل الهامة في موضوع النزاع العربي الاسرائيلي وغيره من القضايا التابعة له .
ان احداث الحادي عشر من ايلول 2001 في نيويورك قد خلطت الكثير من الاوراق في غير مكان من العالم ، وأرخت ظلالا كثيفة على العديد من القضايا الدولية والاقليمية العالقة ، ومنها النزاع العربي - الاسرائيلي الذي فتح مجددا وتمَّ التعامل معه على اسس مغايرة للتي سبقت بفعل العديد من الاسباب والخلفيات التي تُستغل بشكل سلبي ولغير مصلحة الدول العربية ، وكما جرى في استثمار حرب الخليج الثانية لغير مصلحة العرب ، فقد تمّ التعامل مع تداعيات 11 ايلول والحرب على الارهاب في افغانستان كاطار لاجبار الدول العربية التخلي عن مواقفها المعلنة من عملية التسوية في الشرق الاوسط .
لقد كان الرد العربي واضحا جدا في اطار قمة بيروت ، اذ حولت المبادرة السعودية للسلام الى مبادرة عربية واضحة المعالم والاهداف، اذ زاوجت بين المتغيرات الدولية الطارئة والضغوط الناجمة عنها، والثوابت العربية ؛ وبات الموقف العربي للتسوية محكوم مجددا في اطار الثوابت التي دخل عليها اطراف النزاع في مفاوضات مدريد ، مع بعض مراعاة المتغيرات الحاصلة على الساحة العربية .
ان الاجماع العربي الذي تحقق حول مبادرة السلام العربية في قمة بيروت تشكل الاطار للحل الشامل والعادل في المنطقة ، وهي وازنت بين الرؤية اللبنانية والسورية للسلام آنذاك وظروف المنطقة والتوازنات الاقليمية والدولية بعد 11 ايلول ، اما ابرز هذه المرتكزات ودواعيها فهي :
- ان السلام العادل والشامل هو خيار استراتيجي عربي يتحقق في ظل الشرعية الدولية ، لا سيما التمسك بتطبيق قراري مجلس الامن الدولي 242 و 338 والانسحاب من جميع الاراضي العربية المحتلة العام 1967 .
- الانسحاب الكامل من الجولان المحتل وحتى خط الرابع من حزيران 1967 .
- الانسحاب من الاراضي اللبنانية التي لا زالت محتلة ( مزارع شبعا). والتطبيق الكامل للقرار 425 .
- حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 194 .
- قيام الدولة الفلسطينية على الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران 1967 ، في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية .
- رفض كل اشكال التوطين الذي يتنافى مع الوضع الخاص في الدول المضيفة .
- وعند ئذ تعتبر الدول العربية ان النزاع مع اسرائيل منتهيا ، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين اسرائيل مع تحقيق الامن لجميع دول المنطقة؛ واقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل وفق اطار السلام الشامل .
ان الدول العربية تنظر الى دور اوروبي ريادي في هذه المرحلة من منطلق انقاذ الوضع الراهن للمنطقة وما يمكن ان يتأتى عنه من عواقب غير معروفة النتائج، ولذلك ان التحرك الاوروبي يستلزم اعادة النظر ببعض المواقف التي تحاول واشنطن رسمها بهدف ابقاء جميع الادوار رهينة الموقف الاسرائيلي وتحديدا الشاروني منها.
ان الدور المتميز الذي يمكن ان تلعبه المجموعة الاوروبية من المفترض ان ينطلق من عدة مبادىء ابرزها :
- الضغط على اسرائيل لاجبارها على الاذعان لقررات الشرعية الدولية وتطبيق كافة القرارات الصادرة عنها لا سيما 242 و338 و194 .
- حض اسرائيل على وقف الممارسات اللا انسانية ضد الشعب الفلسطيني ووقف عمليات الاستيلاء على الاراضي واقامة المستوطنات.
- اطلاق سراح الاسرى العرب في السجون الاسرائيلية .
- اجبار اسرائيل على تسليم خرائط الالغام التي زرعتها في جنوب لبنان والتي تشكل احتلالا غير مباشر للارض والناس في جنوب لبنان.
- كما ان الدور الاوروبي المتميز ينبغي الانطلاق من مراعاة التفريق بين الارهاب والمقاومة وحق الشعوب في تحرير ارضها المحتلة، سيما وان غالبية الدول الاوروبية عانت الامرين في حروبها المتتالية لتحرير اراضيها من الاحتلال النازي.
ان القمة الاورو - متوسطية مدعوة اكثر من أي وقت مضى لاجتراح الحلول الخلاقة لمشاكل المتوسط لا سيما الصراع العربي الاسرائيلي الذي بات يهدد الامن والسلم الدوليين لما له من ارتباطات اقليمية واسعة الاستثمار والغايات،وبخاصة ما جرى به من تداخل خلال الفترة السابقة من اعادة خلط اوراق كثيرة بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما يمارس من ضغوط هدفها الجقيقي الصراع العربي الاسرائيلي.
د.خليل حسين
استاذ المنظمات والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
تستند العلاقات العربية - الاوروبية الى العديد من الاسس والاعتبارات المتعلقة بالطرفين او بمجمل الظروف الاقليمية والدولية المؤثرة في دائرة هذه العلاقات ؛ والتدقيق في تاريخ هذه العلاقات تقودنا الى مرحلتين اساسيتين ، هما مرحلة الحرب الباردة بين الشرق والغرب ومحاولة الدول الاوروبية اتخاذ موقع لها على الصعيد الدولي من خلال علاقاتها مع الدول العربية ، وهذا ما ترجمته عمليا بين الاعوام 1974 و1991 عبر الحوار العربي - الاوروبي بواسطة وزراء الخارجية او دبلوماسيين معتمدين لدى دولها ؛ اما المرحلة الثانية فهي اشد وضوحا من الاولى اذ اتخذت الابعاد السياسية والامنية والاقتصادية نواح اكثر وضوحا في الاهداف والوسائل بشكل عام.
وفي الواقع يعود الاهتمام المشترك في العلاقة بين الجانبين الى خلفيات عديدة منها ما يتعلق بالمصالح المشتركة بين الدول العربية والدول الاوروبية او اغلبها، ومنها ما يتعلق بأسباب تاريخية وجغرافية ، واخرى لها علاقة بالتوازنات الدولية والاقليمية ومحاولة كل طرف الاستفادة من معطيات موجودة لتكريس دور او موقع يسعى اليه ، ومن ابرز اسباب الاهتمام في العلاقت بين الجانبين :
- سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة وتفرد الولايات المتحدة الاميركية بقيادة العالم ، ما حدا بالجماعة الاوروبية الى محاولة رسم سياسة خارجية متمايزة عن واشنطن في حدود معينة ولو ان اثرها يبقى محدودا في الغالب.
- ان شبكة العلاقات التي رسمتها كل من فرنسا وبريطانيا مع الدول العربية ( وهما قطبا السياسة الاوروبية) خلال مرحلة الانتداب استمرت واتخذت اشكالا جديدة بعد الاستقلال ، الامر الذي كوّن قاعدة ثابتة لتمييز العلاقات العربية - الاوروبية في بعض القضايا المشتركة .
- ان شعور بعض الدول العربية بخيبة امل من السياسة الاميركية فيما يتصل بالصراع العربي - الاسرائيلي ، قد حدا بالعديد من هذه الدول التقرب من الجماعة الاوروبية لا سيما المحور الفرنسي أملا بالحد من اختلال موازين القوى القائم في المنطقة من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية .
- ان العامل الجغرافي لكلا الطرفين ، وتوزع القوى الفاعلة على ضفتي البحر الابيض المتوسط ، عطفا على الموقع الجيو- سياسي والجيو – اقتصادي للدول العربية قد اعطى اندفاعا اوروبيا اضافيا باتجاه تكوين وتطوير اطر تساهم في تثبيت وتمتين العلاقات مع الدول العربية .
وفي الحقيقة عقدت العديد من المؤتمرات على مستويات وزارية تمخض عنها اتفاقيات وبروتوكولات تعاون عديدة في مجالاتها وغاياتها، الا ان النصف الثاني من عقد التسعينيات قد شهد تطورا في مسار العلاقات العربية - الاوروبية عبر اتجاهات مختلفة عما سبقها ،اذ برزت بمفاهيم واهداف جديدة تمثلت بتركيز العلاقات من ضمن اطار اوروبي - متوسطي ، أي بمعنى آخر ادخال عناصر اضافية في العلاقة التي شملت ايضا دول متوسطية غير عربية كالنموذج التركي والاسرائيلي والقبرصي، وفي الواقع تعود خلفية هذا الادخال المتجدد الى ظروف تلك المرحلة من المفاوضات العربية – الاسرائيلية التي تعقدت على المسارين اللبناني والسوري ، ومحاولة اسرائيل انذاك تقديم المفاوضات المتعددة الطرف على الثنائية، فكانت الشراكة الاوروبية – المتوسطية مخرجا لتعقد مفاوضات السلام العربي – الاسرائيلي .
فمنذ اعلاان برشلونة في العام 1995 والاتحاد الاوروبي والدول العربية سعيا الى احراز تقدم في موضوع الشراكة الاوروبية - المتوسطية التي تختصر بكلمة – EUROMED – التي تضمنت مجالات سياسية واقتصادية وامنية واجتماعية ومالية وثقافية وانسانية، بهدف التوصل الى الرخاء والسلام والتبادل التجاري الحر بين دول الاتحاد الخمس عشرة ودول البحر المتوسط الاثنتي عشرة ،الاولى تضم ( ايطاليا البرتغال النمسا اسبانيا فرنسا بلجيكا اللوكسمبورغ المانيا هولندا ايرلندا بريطانيا الدنمرك السويد والنروج وفنلندا) فيما المجموعة الثانية تضم ، ثماني دول عربية هي ( مصر تونس الجزائر والمغرب الاردن لبنان سوريا والسلطة الفلسطينية ) اما الدول الاربع الاخرى هي ( اسرائيل مالطا قبرص وتركيا) وعلى الرغم من ان ليبيا دولة متوسطية فقد استبعدت لاسباب الحصار المفروض عليها ، فيما موريتانيا الدولة غير المتوسطية تدعى للاجتماعات بصفة مراقب .
ولقد تجلت الشراكة الاوروبية - العربية بمسارين ، الاول ثنائي والآخر اقليمي :
- المسار الثنائي وينطلق من مبدأ تقدم كل دولة باتفاقات مع الدول الاوروبية في اطار "ميدا" (National indicative program )
- المسار الثاني وينطلق من مبدأ اقليمي عبر التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مقابل برامج اقليمية تستأثر ب 14 بالمئة من تمويل برنامج ميدياRegional indicative program
اولا : مضمون الشراكة العربية الاوروبية وأهدافها:
ان التدقيق في اعلان برشلونه يظهر ثلاثة ابعاد اساسية ، مبدأها التعاون والتواصل وأهدافها الرخاء والسلام وهي:
1- الشراكة السياسية والامنية
وذلك عبر تأمين السلام والاستقرار في المنطقة من خلال مجموعة اجراءات ومبادىء وحوارات تستند الى:
- احترام سيادة الدول وأراضيها ، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، واحترام التعددية فيها .
- حل النزاعات التي يمكن ان تنشأ بالطرق السلمية وعدم اللجوء الى القوة لفرض الحلول .
- العمل وفقا لشرعة الامم المتحدة واهدافها ومبادئها .
- احترام الحقوق الاساسية الواردة في شرعة حقوق الانسان بما فيها حرية التعبير عن الرأي والحرية الدينية .
- التعاون في محاربة الارهاب ومكافحة الجريمة والآفات الاجتماعية كالمخدرات .
- تعزيز الامن الاقليمي عبر مكافحة انتشار اسلحة الدمار الشامل بما فيها النووية والكيميائية والبيولوجية .
وعلى الرغم من ان مؤتمر برشلونة وما اسس له من شبكة علاقات اوروبية - عربية هو منفصل تماما عن مؤتمر مدريد 1991 وما تمخض عنه ، الا ان الخلفية التي بنيت عليها مقررات برشلونة هي في الحقيقة متممة وداعمة لمؤتمر مدريد ولو بطريق غير مباشر ، فهو يؤسس للحوار بين الدول وان كان هناك صراع فيما بينها، كما يسعى مؤتمر برشلونة الى الحفاظ على السلام حين التوصل اليه عبر معاهدات ومواثيق تدعى Euro- Mediterranean charter for peace and stability .
ومن الناحية العملية فقد اصبح الحوار امرا واقعا على الصعيدين الاقليمي والثنائي، فمنذ اعلان برشلونة عقدت اربع مؤتمرات ( مالطا1997 ، شتوتغعارت1999 ، مرسيليا 2000، بروكسل 2001) وقد تغيب كل من لبنان وسوريا عن مؤتمر مرسيليا بسبب الممارسات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني .
2- الشراكة الاقتصادية والمالية
وتتم عبر انشاء منطقة للتجارة الحرة بين الدول العربية والاوروبية من جهة ، والدول المتوسطية فيما بينها من جهة اخرى، على ان تكون غير قابلة للالغاء ، ويتوقع الوصول اليها في العام 2010 ؛ وبهدف الوصول الى الشراكة الجماعية ، تأتي الشراكات الثنائية كعمل تمهيدي عبر شكلين هما : اتفاقية الشراكة الاوروبية وتعقد مع البلد المعني وكان من المفترض ان تتم في نهاية العام 2001 ، وقد تخلف لبنان عن توقيعها لاسباب سياسية تتعلق بظروف المنطقة والممارسات الاسرائيلية المتعنتة فيما يتصل بالمفاوضات .اما الثانية فهي الاتفاقت الثنائية بين الدول المتوسطية وهي قليلة وغير قابلة للتطوير في هذه الظروف لما تنطوي عليه من خلفيات سياسية غير ملائمة لبعض الدول العربية ومفهومها لحل الصراع العربي – الاسرائيلي .
ان برنامج ميديا الذي يعتبر العصب المالي لمؤتمر برشلونة يعطي اولوية محددة للمشاريع المدروسة ذات الطابع التشاركي بين الدول المتوسطية وليس للمشاريع ذات الصفة الوطنية للدولة ، كما ان البرنامج يقدم هبات لهذه المشاريع بخلاف بنك الاستثمار الاوروبي الذي يعطي قروضا لهذه المشاريع. وواقعا مر مشروع ميديا بمرحلتين اساسيتين ، الاولى من العام 1995 وحتى العام 1999 حيث رصد مبلغ 3435 مليون اورو لم يصرف منها سوى 26% بسبب التعقيدات الادارية للمفوضية الاوروبية وهي بمجملها مبالغ صرفت على مشاريع تشاركية . اما المرحلة الثانية فتمتد من العام 2000 وحتى العام 2006 وقد رصد لها 5350 مليون اورو .
كما تهدف الشراكة الاوروبية - العربية في المجالين الاقتصادي والمالي مجموعة من القضايا الى جانب التجارة الحرة وايرزها، قطاعات النقل والبيئة والمعلومات والمياه والطاقة والصناعة ، وطبعا انشاء البيئة القانونية المناسبة لتحرير التجارة لا سيما الجانب المتعلق بالتشريعات الجمركية والضريبة على القيمة المضافة ؛ ويمكن استخلاص العديد من الاهداف النهائية لكلا الجانبين من هذه الشراكة وتتلخص بعدة امور للجانب الاوروبي ابرزها:
- امكان الوصول الى الموارد الطبيعية وغيرها بطرق اسهل وأوفر .
- اتاحة الفرص لدول الاتحاد الترويج للبضائع والسلع .
- تجنب اغراق اسواق العمل الاوروبية من امواج الهجرات الوافدة اليها ان كانت من خبرات العمال المهرة او غير المهرة لما تؤثر على التركيبة الاجتماعية في دول الاتحاد .
اما فيما يختص بدول المتوسط لا سيما العربية منها فتهدف الى تحقيق العديد من الامور وأبرزها :
- جذب رؤوس الاموال الاوروبية بهدف الاستثمار
- زيادة فرص الوصول الى الاسواق الاوروبية .
- نقل المعلومات والخبرات والتكنولوجيا .
- الحصول على الدعم التقني والمالي لتحديث اقتصادياتها .
3 – الشراكة الاجتماعية الثقافية والانسانية
ويتم ذلك عبر توثيق التعاون والتبادل والتفاهم بين الحضارات والشعوب ، على ان يكون هناك اهتمام خاص بالثقافة والطفولة والاعلام والصحة ومبادىء القانون واحترام حقوق الانسان ، وكان للاتحاد الاوروبي في الفترة السابقة قدم دعما للمنظمات الاهلية غير الحكومية التي تهتم بهذه الامور ؛ كما يقدم الاتحاد ثلاث برامج اقليمية هي :
- برنامج التراث الثقافي المشترك بين الدول الاوروبية والدول المتوسطية المشاركة ، هدفه الحفاظ على المعالم الحضارية والثقافية والانسانية .
- برنامج الوسائل المسموعة والمرئية ، ويهدف الى التعاون في مجال الراديو والتلفزيون .
- برنامج الشباب الذي يهتم بتسهيل الاندماج الاجتماعي والتوجيه الثقافي ، وترسيخ قيم الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون .
ثانيا : تقييم وملاحظات على الشر اكة الاوروبية العربية
ان التقييم الموضوعي للشراكة يبدو غير متوفر في هذه الظروف بالنظر الى قصر الفترة الزمنية ، الا انه يمكن ادراج بعض الملاحظات على ما تحقق في مجالات هذه الشراكة.
1 - في الشراكة السياسية والامنية
- رغم حدوث بعض الاتصالات السياسية الهادفة الى خلق جو من الاستقرار والسلام ، الا ان نتائج الشراكة الاوروبية - المتوسطية في هذا المجال لا تزال متواضعة جدا ، ويعود ذلك بالدرجة الاولى الى الموقف الاسرائيلي من عملية السلام بعد وصول ارئيل شارون الى السلطة ، وبالتالي ان أي امل لما تحاول اوروبا الوصول اليه سيبقى محتوما بالفشل ، وبالتالي ان جوهر هذه الشراكة معرضة لمخاطر كثيرة يصعب تجاوزها في هذه الظروف .
- استمرار تعثر انشاء ميثاق السلام الذي يعتبر ايضا عصب الشراكة الاوروبية - العربية ، فمنذ مؤتمر شتوتغارت عام 1999 لم يتحقق أي تقدم في هذا المجال ، وظل الخلاف قائما بعدما تقدمت الجامعة العربية بمشروع بديل لهذا الغرض .
- ظهور خلافات واضحة في مجال التسلح لا سيما غير التقليدي ، اذ ان اسرائسل تمتلك اسلحة نووية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل ولا زالت ترفض الانضمام الى معاهدة الحد من الاسلحة غير التقليدية ، كما ان الاتحاد الاوروبي لم يمارس أي ضغظ يذكر على اسرائيل في هذا المجال رغم ان اتفاقيات الشراكة تنص على هذه الامور .
- هناك تباين واضح بين الموقفين العربي والاوروبي حول تحديد مفهوم الارهاب ، ففي حين ترى الدول العربية ان مقاومة الاحتلال امرا مشروعا ، لا توافق اوروبا الدول العربية على اعتبار الممارسات الاسرائيلة امرا غير مشروع .
2 - في المجال الاقتصادي والمالي
وفيما يتعلق بهذا الجانب ، فقد تمّ بعض التقدم اذ دخلت بعض الاتفاقيات حيز التنفيذ ، فيما شهدت الاخرى تقدما ، كما تمّ انجاز العديد من المشاريع رغم بطء صرف ما رصد من اموال في اطار برنامج ميديا ، كما ان الامر الجوهري في هذا الموضوع سوريا ولبنان واشراكهما في هذه المشاريع لا يزال مجمدا ، نظرا للموقف المبدأي المتعلق بأولوية التقدم في المفاوضات الثنائية قبل البحث في المفاوضات المتعددة .
3 – في المجال الاجتماعي والثقافي والانساني
وعلى الرغم من تسجيل بعض التقدم المتواضع جدا في هذا الخصوص عبر المشاريع التي لا تظهر نتائجها سريعا ، فان التفدم في هذه المجالات يستلزم المزيد من الوقت والجهد ، فالموضوع يتعلق بسلوكيات اجتماعية تراكم فيها الكثير من النفور والتناقضات على مر العصور ، وهي موضوعات متعلقة بالتراث والحضارة واحيانا كثيرة بالاديان ومفاهيمها للعديد من الامور المعاشة .
كما ان موضوع الهجرة العربية باتجاه اوروبا لا تزال تشكل تحديا كبيرا في اطار المشاركة ، ومن الصعب ايجاد حلول ملائمة لها من دون معالجة اسباب المشكلة التي تقع علىعاتق الطرفين معا، ففي الوقت الذي تعاني معظم دول المتوسط ومنها الدول العربية ازمات اقتصادية واجتماعية كبيرة تعجز على حلها ما يدفع الكثيرين الى الهجرة ، وفي المقابل لا توجد رؤى ومشاريع جادة بمستوى الازمة من الاطراف الاوروبيين لحلها .
ثالثا: عملية السلام الشامل في الشرق الاوسط والدور الاوروبي
يشكل التعاون السياسي العربي – الاوروبي مفتاحا لعلاقات متميزة يسعى اليها الطرفان منذ فترة طويلة ، وفي قائمة الاولويات يظهر موضوع النزاع العربي - الاسرائيلي ، من بين المواضيع الاكثر حساسية ، التي تستوجب المزيد من الاهتمام وتصويب الاهداف وفقا لمرجعيات باتت مسلمات وضرورات لحل شامل وعادل في المنطقة وفقا لوجهة النظر العربية .
لقد وافقت جميع الدول العربية الدخول في مؤتمر مدريد العام 1991 استناداً الى رسائل التأكيدات والضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة الاميركية لاطراف النزاع ، على خلفية الارض مقابل السلام ووفقا لقررات الشرعية الدولية الممثلة بقررات مجلس الامن الدولي ذات الصِلة لا سيما القرارات 242 و338 و425 ؛ وعلى الرغم من التسويف الذي رافق المفاوضات في شقها السياسي المتمثل بالمفاوضات الثنائية ومحاولة تقديم الجانب الاقتصادي المتمثل بالمفاوضات المتعددة الطرف ، تابع الجانبان اللبناني والسوري تمسكهما بالعملية السلمية وفقا للاسس السالفة الذكر ، رغم الانحراف الواضح الذي اتخذته مجمل العملية السلمية لا سيما المفاوضات السرية وما نجم عنها من اتفاقات في اوسلو.
ان توقف المفاوضات منذ العام 1996 على المسارين اللبناني والسوري قد اعطى انطباعا واضحا على نية اسرائيل وأهدافها من العملية السلمية برمتها بصرف النظر عن الجهة السياسية الحاكمة في اسرائيل ، ففي الوقت الذي ترأس حزب العمل الحكومة الاسرائيلية نفذ الجيش الاسرائيلي عمليتين عسكريتين واسعتين ضد لبنان الاولى " تصفية الحساب 1993" والثانية "عناقيد الغضب 1996 " والاثنتان من طبيعة سياسية واحدة، هدفتا الى اجبار لبنان على مفاوضات لا تمتُّ بِصِلة الى اسس مؤتمر مدريد .
وعلى الرغم ايضا من تأكيد الولايات المتحدة الاميركية بأنها الراعي النزية للمفاوضات بين الجانبين العربي والاسرائيلي ، الا ان تداعيات الاحداث اثبتت عكس ذلك، ما اسهم بشكل او بآخر في بلورة مواقف جديدة للسياسة الخارجية الاوروبية تمثلت ببعض الانفتاح والاهتمام بقضايا الشرق الاوسط ، بصرف النظر عن مستوى النجاحات المحققة او الآمال المرجوة، او حتى حدود الدور المعطى لها .
ان التعاون السياسي العربي – الاوروبي الذي بدأ بحوارات سياسية على مستوياات وزارية ودبلوماسية منذ منتصف الثمانينيات توِّج باعلان برشلونة العام 1995، ورغم نفي العديد من القادة الاوروبيين بأن لا علاقة لهذا الاعلان بالمفاوضات العربية - الاسرائيلية ، الا انه من الناحية العملية والواقعية يشكل محاولة موازية لادارة هذه المفاوضات حيث تدعو الحاجة وفقا لمعايير ومستويات واهداف ليست بالضرورة اوروبية المنشأ او الأصل .
ان الاهتمام الاوروبي بقضابا الدول العربية بشكل عام والنزاع العربي – الاسرائيلي ، ينم عن مدى فهم السياسة الخارجية الاوروبية لاهمية وحساسية هذه القضايا ومدى أثرها في استثمار المواقع في السياسات الدولية ، ومن هنا يفسَّر تعيين مندوب خاص للسياسة الخارجية الاوروبية في منطقة الشرق الاوسط ؛ ورغم هذا الاحتكاك المباشر لا زال الكثير من النقاط التي تستلزم البحث والتصويب في الرؤى الاوروبية من بعض التفاصيل الهامة في موضوع النزاع العربي الاسرائيلي وغيره من القضايا التابعة له .
ان احداث الحادي عشر من ايلول 2001 في نيويورك قد خلطت الكثير من الاوراق في غير مكان من العالم ، وأرخت ظلالا كثيفة على العديد من القضايا الدولية والاقليمية العالقة ، ومنها النزاع العربي - الاسرائيلي الذي فتح مجددا وتمَّ التعامل معه على اسس مغايرة للتي سبقت بفعل العديد من الاسباب والخلفيات التي تُستغل بشكل سلبي ولغير مصلحة الدول العربية ، وكما جرى في استثمار حرب الخليج الثانية لغير مصلحة العرب ، فقد تمّ التعامل مع تداعيات 11 ايلول والحرب على الارهاب في افغانستان كاطار لاجبار الدول العربية التخلي عن مواقفها المعلنة من عملية التسوية في الشرق الاوسط .
لقد كان الرد العربي واضحا جدا في اطار قمة بيروت ، اذ حولت المبادرة السعودية للسلام الى مبادرة عربية واضحة المعالم والاهداف، اذ زاوجت بين المتغيرات الدولية الطارئة والضغوط الناجمة عنها، والثوابت العربية ؛ وبات الموقف العربي للتسوية محكوم مجددا في اطار الثوابت التي دخل عليها اطراف النزاع في مفاوضات مدريد ، مع بعض مراعاة المتغيرات الحاصلة على الساحة العربية .
ان الاجماع العربي الذي تحقق حول مبادرة السلام العربية في قمة بيروت تشكل الاطار للحل الشامل والعادل في المنطقة ، وهي وازنت بين الرؤية اللبنانية والسورية للسلام آنذاك وظروف المنطقة والتوازنات الاقليمية والدولية بعد 11 ايلول ، اما ابرز هذه المرتكزات ودواعيها فهي :
- ان السلام العادل والشامل هو خيار استراتيجي عربي يتحقق في ظل الشرعية الدولية ، لا سيما التمسك بتطبيق قراري مجلس الامن الدولي 242 و 338 والانسحاب من جميع الاراضي العربية المحتلة العام 1967 .
- الانسحاب الكامل من الجولان المحتل وحتى خط الرابع من حزيران 1967 .
- الانسحاب من الاراضي اللبنانية التي لا زالت محتلة ( مزارع شبعا). والتطبيق الكامل للقرار 425 .
- حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 194 .
- قيام الدولة الفلسطينية على الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران 1967 ، في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية .
- رفض كل اشكال التوطين الذي يتنافى مع الوضع الخاص في الدول المضيفة .
- وعند ئذ تعتبر الدول العربية ان النزاع مع اسرائيل منتهيا ، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين اسرائيل مع تحقيق الامن لجميع دول المنطقة؛ واقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل وفق اطار السلام الشامل .
ان الدول العربية تنظر الى دور اوروبي ريادي في هذه المرحلة من منطلق انقاذ الوضع الراهن للمنطقة وما يمكن ان يتأتى عنه من عواقب غير معروفة النتائج، ولذلك ان التحرك الاوروبي يستلزم اعادة النظر ببعض المواقف التي تحاول واشنطن رسمها بهدف ابقاء جميع الادوار رهينة الموقف الاسرائيلي وتحديدا الشاروني منها.
ان الدور المتميز الذي يمكن ان تلعبه المجموعة الاوروبية من المفترض ان ينطلق من عدة مبادىء ابرزها :
- الضغط على اسرائيل لاجبارها على الاذعان لقررات الشرعية الدولية وتطبيق كافة القرارات الصادرة عنها لا سيما 242 و338 و194 .
- حض اسرائيل على وقف الممارسات اللا انسانية ضد الشعب الفلسطيني ووقف عمليات الاستيلاء على الاراضي واقامة المستوطنات.
- اطلاق سراح الاسرى العرب في السجون الاسرائيلية .
- اجبار اسرائيل على تسليم خرائط الالغام التي زرعتها في جنوب لبنان والتي تشكل احتلالا غير مباشر للارض والناس في جنوب لبنان.
- كما ان الدور الاوروبي المتميز ينبغي الانطلاق من مراعاة التفريق بين الارهاب والمقاومة وحق الشعوب في تحرير ارضها المحتلة، سيما وان غالبية الدول الاوروبية عانت الامرين في حروبها المتتالية لتحرير اراضيها من الاحتلال النازي.
ان القمة الاورو - متوسطية مدعوة اكثر من أي وقت مضى لاجتراح الحلول الخلاقة لمشاكل المتوسط لا سيما الصراع العربي الاسرائيلي الذي بات يهدد الامن والسلم الدوليين لما له من ارتباطات اقليمية واسعة الاستثمار والغايات،وبخاصة ما جرى به من تداخل خلال الفترة السابقة من اعادة خلط اوراق كثيرة بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما يمارس من ضغوط هدفها الجقيقي الصراع العربي الاسرائيلي.