مفاجآت المقاومة وسيدها لإسرائيل!
د.خليل حسين
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
ترتدي عملية اسر الجنديين الإسرائيليين أهمية خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الضاغطة على المنطقة،وبالتالي إن أي تحرك سياسي أو امني أو عسكري لأي طرف من الأطراف المعنية ينبغي أن يكون محسوب النتائج بدقة، إضافة إلى مجموعة من العوامل المرافقة التي يمكن أن تلعب دورا هاما في إدارة الصراع في الخطوط الخلفية للأطراف.ومن هنا تأتي أهمية وحساسية المفاجآت لدى أي طرف من أطراف الصراع.فماذا في مفاجآت المقاومة ؟وما هي ردود الفعل الإسرائيلية عليها أو المحتملة في المستقبل؟.
فالقوة بمختلف أوجهها إن كانت عسكرية أو اقتصادية أو مالية أو حتى معنوية تلعب أدوارا هامة في مسار المعارك بين الجيوش المتكافئة،إلا أن عنصر المفاجأة لا يمكن تجاهله في بعض الحالات الخاصة كالصراع بين جيوش نظامية أو بين حركات مقاومة وجيوش نظامية بشكل خاص.فالقوى غير المتكافئة عادة ما تبحث عن وسائل تعيد توازن القوة في الصراع،وهي غالبا تتمثل بوسائل يمكن أن تحرف مسار الصراع لمصلحة هذا الطرف أو ذاك ومنها وخصوصا إذا أحسنت مسارات استثماراتها أثناء المعارك.وفي إطار الإشكال والأنواع يمكن رصد العديد من هذه الوسائل أبرزها قدرة احد طرفي الصراع على إخفاء قدرة معينة عن خصمه واستعمالها في الوقت المناسب.وفي هذا الإطار يمكن رصد العديد من أنواع المفاجآت التي تمكنت المقاومة الإسلامية من إنجازها عبر فترات متعددة في تاريخ صراعها مع إسرائيل ومنها عسكرية وأمنية وتقنية ونفسية,ففي الإطار العسكري يمكن تسجيل العديد من الأمور أبرزها.
- لقد تمكنت المقاومة من مفاجأة إسرائيل ليس بكم الصواريخ بل بنوعيتها ومداها وقدرتها التدميرية ودقة إصاباتها,فقد دأبت المخابرات العسكرية والخارجية الإسرائيلية على بث التقارير حول قدرة حزب الله الصاروخية وتبين أن في اغلبها لا تعدو تقارير فقدت إلى المصداقية والجدية والدقة،وظلت في إطار التكهنات التي تعتبر احد الأسباب الرئيسة لانهزام الجيوش.
- وفيما ركزت إسرائيل على قدرة صواريخ المقاومة لا سيما تلك المتعلقة بأرض ارض،أتت المفاجأة بصواريخ ارض بحر،وتمكنت المقاومة من تسجيل سبق إعلامي قبل العسكري وتمثل يضرب البارجة الإسرائيلية على الهواء مباشرة أثناء إلقاء سيد المقاومة لكلمته المتلفزة.وهنا يكمن عنصر المفاجأة والإثارة في آن معا.
- لم يتمكن الجيش الإسرائيلي بعد مرور تسعة أيام على العدوان من تحديد مكامن قوة أو ضعف المقاومة في القوة الردعية المتمثلة بالصواريخ، فتعددت بيانات وتصريحات القيادة العسكرية في ظل تضارب وتناقض واضح في مضمونها.فتارة يقال إن نصف القوة الصاروخية للمقاومة قد دمرت وتارة أخرى يقال إن تقطيع أوصال المناطق اللبنانية افقد قدرة المقاومة على الحركة واستثمار القوة الصاروخية،فيما لا زالت الصواريخ تنصب وبإعداد كبيرة على العمق الإسرائيلي.
- لقد تمكنت المقاومة من استثمار مفهوم الردع بأقصى طاقة ممكنة مع إسرائيل،فعلى سبيل المثال عندما بدأت إسرائيل عدوانها الجوي على لبنان اعتقدت أن القوة الصاروخية هي تقليدية بصرف النظر عن نوعها أو فعاليتها لجهة الدقة،والمفاجأة في هذا الإطار أن هذه الصواريخ بمختلف أنواعها كانت دقيقة جدا في الكثير من المواقع التي قصفت.
- إما لجهة مدى الصواريخ فهناك حديث آخر،ولا ندعي أن المخابرات الإسرائيلية غبية إلى درجة لم تأخذ بالحسبان مدى صواريخ المقاومة بل عنصر المفاجأة تبين بإخفاق المخابرات في تحديد نوعية هذه الصواريخ ومداها واعتمدت على التخمين أو أسلوب ردات الفعل من قبل المقاومة والتي لم تكن لمصلحة إسرائيل.
- إضافة إلى ذلك فان استعمال الصواريخ بقصف مناطق معينة بعد الإيحاء والتركيز على مناطق أخرى قد أعطى انطباعات أخرى لدى القيادة الإسرائيلية لجهة قدرة المقاومة في الاستثمار الكامل لمدى الصواريخ،فمثلا لقد ركزت المقاومة بعد بدء إسرائيل بضرب الضاحية الجنوبية وبيروت على الإيحاء بأن توازن الرعب سيكون في مقابل حيفا،وفيما تستعد إسرائيل لتلقي الضربة في حيفا كانت منطقة طبريا تأكل نصيبها من الصواريخ.
- إضافة إلى ذلك ثمة جانب آخر من هذه الصواريخ المحمولة والموجهة إلى الدبابات والعربات العسكرية،ففي بداية المعارك تمكنت المقاومة من ضرة دبابة الميركافا ومن بعده العديد منها،إذ سقطت أسطورة هذا النوع من الدبابات التي تعتبر العصب في القوات العسكرية البرية،والتي تعلق إسرائيل الآمال الكبيرة في صفقات الأسلحة للخارج.ففي السابق كانت إصابات الميركافا هي عادية وفي هذه المواجهة باتت الدبابة تحترق بكاملها.
- لقد تمكنت المقاومة حتى الآن من صد جميع محاولات التسلل والاقتحامات العسكرية الإسرائيلية رغم كثافة القوة الإسرائيلية كما ونوعا،وباتت القوات الإسرائيلية البرية بحكم المشلولة من الناحية العملية،إذ كانت المفاجأة بتكتيك جذب القوات الإسرائيلية ومحاصرتها والاشتباك معها وهنا تكمن فعالية العمل العسكري على الأرض.إذ قدرت القيادة الإسرائيلية إن تكثيف القصف على مواقع المقاومين لعدة أيام سيفقدها قوة الصمود وبالتالي سرعة التفكك،بينما أثبتت الوقائع عكس ذلك وظلت المبادرة بيد المقاومين.
- أما المفاجأة الأكبر في الجهة المقابلة والمتعلقة بالقوات الجوية الإسرائيلية فقد تمثلت حتى الآن بعدم قدرتها على المضي بنفس المنهج،فبنك المعلومات التي هددت به للقصف قد انتهى،ودليل ذلك أن الغارات الإسرائيلية بعد استهدافها عددا من المنشآت في البنية التحتية تعود وتقصفها هي نفسها إضافة إلى ذلك اعتمادها بشكل أساسي فيما بعد على قصف الشاحنات المدنية والمركبات بحجة اعتقادها بأنها تنقل الصواريخ للمقاومة،علاوة على المسائل المضحكمة المبكية والمتمثلة بقصف طائراتها لشاحنات حفر الآبار الارتوازية اعتقادا منها أنها تحمل صواريخ،فيما تمتلك تقنيات الأقمار الاصطناعية القادرة على رؤية أرقام السيارات من الجو.
إضافة إلى المفاجآت في الجانب العسكري ثمة مفاجآت أمنية واستخبارية من الطراز الأول ومنها:
- قدرة المقاومة في المراقبة وخرق استخبارات إسرائيل،وقد تجلى ذلك في العديد من المناسبات والمواقع سابقا،إضافة إلى التخطيط والتنفيذ الدقيق لأسر الجنديين.فمن الواضح أنها عملية مركبة ومعقدة وأخذت الجهد الكبير لإنجاحها ومنها إمكانية خرق العصب الأمني الإسرائيلي لترتيب الوسائل اللوجستية المتعلقة في تنفيذ العملية.
- في نفس اليوم الذي تمَّت فيه عملية الآسر تناقلت وسائل الأعلام الإسرائيلية والعالمية خبرا مفاده تمكن المقاومة من الدخول على الكمبيوترات الشخصية للضباط الإسرائيليين التي تربطهم في مراكز القيادة والتحكم وهو أمر ليس بالطبيعي على مستوى الجيش الإسرائيلي،وعلى ما يبدو أن هذا الاختراق قد ساهم مساهمة حاسمة في إنجاح العملية.إضافة إلى هذا الخرق الأمني يعتبر خرقا وإنجازا تقنيا للمقاومة وهو احد عناصر المفاجأة أيضا.
- قدرة المقاومة على قصف العديد من المواقع العسكرية الحساسة كمراكز القيادة والتحكم والمطارات الحربية ومراكز التخزينن وهي بطبيعة الأمر متعلقة بالاختراقات الأمنية للمقاومة ومقدرتها في تجميع المعلومات واستثمارها عسكريا بالشكل المطلوب.ففي بعض الحالات شكلت المقاومة بقصفها لبعض المواقع سابقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي إذ لم تقصف هذه المواقع من قبل حتى بالطائرات العسكرية أو الصواريخ من قبل في حرب العام 1973 مثلا.
في الجانب السياسي والدبلوماسي ثمة مفاجآت محققة أو قيد التحقق وأبرزها:
- تمكنت المقاومة من امتصاص الصدمة العسكرية الأولى للعدوان الإسرائيلي،عبر سلسلة من المواقف والشروط التي باتت حتى الآن تتحكم بلعبة المفاوضات القادمة.فرغم الضغط العسكري الهائل لا زالت قيادة المقاومة تمرر شروطها بطريقة لا توحي بأي شكل من الإشكال بأنها ستتزحزح قيد أنملة عن شروطها المعلنة بعد العملية مباشرة.
- ورغم الضغط السياسي الخارجي بدء من مجلس الأمن مرورا بعواصم الدول الكبرى وصولا إلى مواقف بعض الدول العربية والمواقف اللبنانية الداخلية لا زالت المقاومة تكافح داخليا وبالوجهة السياسية مع أطراف انقلبوا على أنفسهم قبل أن ينقلبوا عليها.
- وفي الجانب الدبلوماسي كذلك تمكن المقاومة حتى الآن من جذب العديد من المواقع الدبلوماسية الدولية إلى إطار المفاوضات اللاحقة عبر تحرك مجلس الأمن وما يطبخ من مشاريع مستعجلة.
- المفاجأة الأخرى في الجانب الإسرائيلي المقابل،تمثلت بعدم قدرتها حتى الآن على تحقيق أي مكسب سياسي،بل سجلت تراجعات ملفتة تتعلق بالأمور الاستراتيجية لا التكتية،وانتقلت إسرائيل من تجريد حزب الله لسلاحة وإطلاق الأسيرين دون قيد أو شرط إلى الكلام حول إمكانية تراجع المقاومة إلى مسافة عشرين كيلومترا عن الحدود الدولية.
في الجانب النفسي ثمة مفاجآت عديدة أخرى يمكن تسجيلها وأبرزها:
- تمكن المقاومة من امتصاص الإرباك الداخلي ومحاولة الإحباط المفروضة داخليا وخارجيا والانتقال إلى مرحلة الفعل في إرباك وإحباط القيادة والشعب الإسرائيليين.وقد تجلى المظهر الأول في وسيلة الإعلان عن ضرب البارجة الحربية الإسرائيلية مباشرة على الهواء.ففي الوقت الذي كان ينتظر الداخل والخارج ردة الفعل على ضربات البنية التحتية اللبنانية بقصف بعض المنشآت الإسرائيلية أتى الرد في الجانب الذي يوجع إسرائيل وفي احد مفاخرها الحربية البحرية،ما أنهك المعنويات العسكرية وأعطى دفعا داخليا لبنانيا كبيرا من الصعب وصفه لحظة الإعلان عن العملية.
- لم تستعمل المقاومة كامل طاقتها وقدرتها العسكرية وغيرها في بعض الأحيان التي يتوجب عليها ذلك،ويبدو أنها في إطار مدروس جدا هدفه اللعب على العامل النفسي. ففي حين تهدد الضرب في مكان تأتي الضربة في منطقة أخرى وهذا يعتبر من أساليب الإرباك والإحباط المفترض في صفوف الإسرائيليين.
- إن مجمل الخطابات التي ألقاها سيد المقاومة وهي ثلاثة قد استعمل فيها تعابير وأساليب حرب نفسية من الطراز الأول،فيها اللين والعزم والقدرة في آن،وفيها الرد المدروس بدقة وقت الضغط والشدة،فيها الهدوء وبرودة الأعصاب والابتسامات في وقت نفاد الأعصاب لدى القيادة الإسرائيلية،فيها تمرير المواقف والامكانات في وقت الجهل والضياع الإسرائيليين.
باختصار ثمة مفاجآت ومفاجآت من الصعب حصرها في هذه العجالة، إلا إن سر وقوف المقاومة حتى الآن رغم هذه الضغوط الهائلة هي بحد ذاتها مفاجأة كبيرة للإسرائيليين،وهي مؤشر واضح على لعبة قامت بها إسرائيل ولن تعرف من أين سيأتيها الجواب،انه سر بعينة يمكن للقليل من الأيام أو الساعات القادمة أن تكشفه.
د.خليل حسين
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
ترتدي عملية اسر الجنديين الإسرائيليين أهمية خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الضاغطة على المنطقة،وبالتالي إن أي تحرك سياسي أو امني أو عسكري لأي طرف من الأطراف المعنية ينبغي أن يكون محسوب النتائج بدقة، إضافة إلى مجموعة من العوامل المرافقة التي يمكن أن تلعب دورا هاما في إدارة الصراع في الخطوط الخلفية للأطراف.ومن هنا تأتي أهمية وحساسية المفاجآت لدى أي طرف من أطراف الصراع.فماذا في مفاجآت المقاومة ؟وما هي ردود الفعل الإسرائيلية عليها أو المحتملة في المستقبل؟.
فالقوة بمختلف أوجهها إن كانت عسكرية أو اقتصادية أو مالية أو حتى معنوية تلعب أدوارا هامة في مسار المعارك بين الجيوش المتكافئة،إلا أن عنصر المفاجأة لا يمكن تجاهله في بعض الحالات الخاصة كالصراع بين جيوش نظامية أو بين حركات مقاومة وجيوش نظامية بشكل خاص.فالقوى غير المتكافئة عادة ما تبحث عن وسائل تعيد توازن القوة في الصراع،وهي غالبا تتمثل بوسائل يمكن أن تحرف مسار الصراع لمصلحة هذا الطرف أو ذاك ومنها وخصوصا إذا أحسنت مسارات استثماراتها أثناء المعارك.وفي إطار الإشكال والأنواع يمكن رصد العديد من هذه الوسائل أبرزها قدرة احد طرفي الصراع على إخفاء قدرة معينة عن خصمه واستعمالها في الوقت المناسب.وفي هذا الإطار يمكن رصد العديد من أنواع المفاجآت التي تمكنت المقاومة الإسلامية من إنجازها عبر فترات متعددة في تاريخ صراعها مع إسرائيل ومنها عسكرية وأمنية وتقنية ونفسية,ففي الإطار العسكري يمكن تسجيل العديد من الأمور أبرزها.
- لقد تمكنت المقاومة من مفاجأة إسرائيل ليس بكم الصواريخ بل بنوعيتها ومداها وقدرتها التدميرية ودقة إصاباتها,فقد دأبت المخابرات العسكرية والخارجية الإسرائيلية على بث التقارير حول قدرة حزب الله الصاروخية وتبين أن في اغلبها لا تعدو تقارير فقدت إلى المصداقية والجدية والدقة،وظلت في إطار التكهنات التي تعتبر احد الأسباب الرئيسة لانهزام الجيوش.
- وفيما ركزت إسرائيل على قدرة صواريخ المقاومة لا سيما تلك المتعلقة بأرض ارض،أتت المفاجأة بصواريخ ارض بحر،وتمكنت المقاومة من تسجيل سبق إعلامي قبل العسكري وتمثل يضرب البارجة الإسرائيلية على الهواء مباشرة أثناء إلقاء سيد المقاومة لكلمته المتلفزة.وهنا يكمن عنصر المفاجأة والإثارة في آن معا.
- لم يتمكن الجيش الإسرائيلي بعد مرور تسعة أيام على العدوان من تحديد مكامن قوة أو ضعف المقاومة في القوة الردعية المتمثلة بالصواريخ، فتعددت بيانات وتصريحات القيادة العسكرية في ظل تضارب وتناقض واضح في مضمونها.فتارة يقال إن نصف القوة الصاروخية للمقاومة قد دمرت وتارة أخرى يقال إن تقطيع أوصال المناطق اللبنانية افقد قدرة المقاومة على الحركة واستثمار القوة الصاروخية،فيما لا زالت الصواريخ تنصب وبإعداد كبيرة على العمق الإسرائيلي.
- لقد تمكنت المقاومة من استثمار مفهوم الردع بأقصى طاقة ممكنة مع إسرائيل،فعلى سبيل المثال عندما بدأت إسرائيل عدوانها الجوي على لبنان اعتقدت أن القوة الصاروخية هي تقليدية بصرف النظر عن نوعها أو فعاليتها لجهة الدقة،والمفاجأة في هذا الإطار أن هذه الصواريخ بمختلف أنواعها كانت دقيقة جدا في الكثير من المواقع التي قصفت.
- إما لجهة مدى الصواريخ فهناك حديث آخر،ولا ندعي أن المخابرات الإسرائيلية غبية إلى درجة لم تأخذ بالحسبان مدى صواريخ المقاومة بل عنصر المفاجأة تبين بإخفاق المخابرات في تحديد نوعية هذه الصواريخ ومداها واعتمدت على التخمين أو أسلوب ردات الفعل من قبل المقاومة والتي لم تكن لمصلحة إسرائيل.
- إضافة إلى ذلك فان استعمال الصواريخ بقصف مناطق معينة بعد الإيحاء والتركيز على مناطق أخرى قد أعطى انطباعات أخرى لدى القيادة الإسرائيلية لجهة قدرة المقاومة في الاستثمار الكامل لمدى الصواريخ،فمثلا لقد ركزت المقاومة بعد بدء إسرائيل بضرب الضاحية الجنوبية وبيروت على الإيحاء بأن توازن الرعب سيكون في مقابل حيفا،وفيما تستعد إسرائيل لتلقي الضربة في حيفا كانت منطقة طبريا تأكل نصيبها من الصواريخ.
- إضافة إلى ذلك ثمة جانب آخر من هذه الصواريخ المحمولة والموجهة إلى الدبابات والعربات العسكرية،ففي بداية المعارك تمكنت المقاومة من ضرة دبابة الميركافا ومن بعده العديد منها،إذ سقطت أسطورة هذا النوع من الدبابات التي تعتبر العصب في القوات العسكرية البرية،والتي تعلق إسرائيل الآمال الكبيرة في صفقات الأسلحة للخارج.ففي السابق كانت إصابات الميركافا هي عادية وفي هذه المواجهة باتت الدبابة تحترق بكاملها.
- لقد تمكنت المقاومة حتى الآن من صد جميع محاولات التسلل والاقتحامات العسكرية الإسرائيلية رغم كثافة القوة الإسرائيلية كما ونوعا،وباتت القوات الإسرائيلية البرية بحكم المشلولة من الناحية العملية،إذ كانت المفاجأة بتكتيك جذب القوات الإسرائيلية ومحاصرتها والاشتباك معها وهنا تكمن فعالية العمل العسكري على الأرض.إذ قدرت القيادة الإسرائيلية إن تكثيف القصف على مواقع المقاومين لعدة أيام سيفقدها قوة الصمود وبالتالي سرعة التفكك،بينما أثبتت الوقائع عكس ذلك وظلت المبادرة بيد المقاومين.
- أما المفاجأة الأكبر في الجهة المقابلة والمتعلقة بالقوات الجوية الإسرائيلية فقد تمثلت حتى الآن بعدم قدرتها على المضي بنفس المنهج،فبنك المعلومات التي هددت به للقصف قد انتهى،ودليل ذلك أن الغارات الإسرائيلية بعد استهدافها عددا من المنشآت في البنية التحتية تعود وتقصفها هي نفسها إضافة إلى ذلك اعتمادها بشكل أساسي فيما بعد على قصف الشاحنات المدنية والمركبات بحجة اعتقادها بأنها تنقل الصواريخ للمقاومة،علاوة على المسائل المضحكمة المبكية والمتمثلة بقصف طائراتها لشاحنات حفر الآبار الارتوازية اعتقادا منها أنها تحمل صواريخ،فيما تمتلك تقنيات الأقمار الاصطناعية القادرة على رؤية أرقام السيارات من الجو.
إضافة إلى المفاجآت في الجانب العسكري ثمة مفاجآت أمنية واستخبارية من الطراز الأول ومنها:
- قدرة المقاومة في المراقبة وخرق استخبارات إسرائيل،وقد تجلى ذلك في العديد من المناسبات والمواقع سابقا،إضافة إلى التخطيط والتنفيذ الدقيق لأسر الجنديين.فمن الواضح أنها عملية مركبة ومعقدة وأخذت الجهد الكبير لإنجاحها ومنها إمكانية خرق العصب الأمني الإسرائيلي لترتيب الوسائل اللوجستية المتعلقة في تنفيذ العملية.
- في نفس اليوم الذي تمَّت فيه عملية الآسر تناقلت وسائل الأعلام الإسرائيلية والعالمية خبرا مفاده تمكن المقاومة من الدخول على الكمبيوترات الشخصية للضباط الإسرائيليين التي تربطهم في مراكز القيادة والتحكم وهو أمر ليس بالطبيعي على مستوى الجيش الإسرائيلي،وعلى ما يبدو أن هذا الاختراق قد ساهم مساهمة حاسمة في إنجاح العملية.إضافة إلى هذا الخرق الأمني يعتبر خرقا وإنجازا تقنيا للمقاومة وهو احد عناصر المفاجأة أيضا.
- قدرة المقاومة على قصف العديد من المواقع العسكرية الحساسة كمراكز القيادة والتحكم والمطارات الحربية ومراكز التخزينن وهي بطبيعة الأمر متعلقة بالاختراقات الأمنية للمقاومة ومقدرتها في تجميع المعلومات واستثمارها عسكريا بالشكل المطلوب.ففي بعض الحالات شكلت المقاومة بقصفها لبعض المواقع سابقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي إذ لم تقصف هذه المواقع من قبل حتى بالطائرات العسكرية أو الصواريخ من قبل في حرب العام 1973 مثلا.
في الجانب السياسي والدبلوماسي ثمة مفاجآت محققة أو قيد التحقق وأبرزها:
- تمكنت المقاومة من امتصاص الصدمة العسكرية الأولى للعدوان الإسرائيلي،عبر سلسلة من المواقف والشروط التي باتت حتى الآن تتحكم بلعبة المفاوضات القادمة.فرغم الضغط العسكري الهائل لا زالت قيادة المقاومة تمرر شروطها بطريقة لا توحي بأي شكل من الإشكال بأنها ستتزحزح قيد أنملة عن شروطها المعلنة بعد العملية مباشرة.
- ورغم الضغط السياسي الخارجي بدء من مجلس الأمن مرورا بعواصم الدول الكبرى وصولا إلى مواقف بعض الدول العربية والمواقف اللبنانية الداخلية لا زالت المقاومة تكافح داخليا وبالوجهة السياسية مع أطراف انقلبوا على أنفسهم قبل أن ينقلبوا عليها.
- وفي الجانب الدبلوماسي كذلك تمكن المقاومة حتى الآن من جذب العديد من المواقع الدبلوماسية الدولية إلى إطار المفاوضات اللاحقة عبر تحرك مجلس الأمن وما يطبخ من مشاريع مستعجلة.
- المفاجأة الأخرى في الجانب الإسرائيلي المقابل،تمثلت بعدم قدرتها حتى الآن على تحقيق أي مكسب سياسي،بل سجلت تراجعات ملفتة تتعلق بالأمور الاستراتيجية لا التكتية،وانتقلت إسرائيل من تجريد حزب الله لسلاحة وإطلاق الأسيرين دون قيد أو شرط إلى الكلام حول إمكانية تراجع المقاومة إلى مسافة عشرين كيلومترا عن الحدود الدولية.
في الجانب النفسي ثمة مفاجآت عديدة أخرى يمكن تسجيلها وأبرزها:
- تمكن المقاومة من امتصاص الإرباك الداخلي ومحاولة الإحباط المفروضة داخليا وخارجيا والانتقال إلى مرحلة الفعل في إرباك وإحباط القيادة والشعب الإسرائيليين.وقد تجلى المظهر الأول في وسيلة الإعلان عن ضرب البارجة الحربية الإسرائيلية مباشرة على الهواء.ففي الوقت الذي كان ينتظر الداخل والخارج ردة الفعل على ضربات البنية التحتية اللبنانية بقصف بعض المنشآت الإسرائيلية أتى الرد في الجانب الذي يوجع إسرائيل وفي احد مفاخرها الحربية البحرية،ما أنهك المعنويات العسكرية وأعطى دفعا داخليا لبنانيا كبيرا من الصعب وصفه لحظة الإعلان عن العملية.
- لم تستعمل المقاومة كامل طاقتها وقدرتها العسكرية وغيرها في بعض الأحيان التي يتوجب عليها ذلك،ويبدو أنها في إطار مدروس جدا هدفه اللعب على العامل النفسي. ففي حين تهدد الضرب في مكان تأتي الضربة في منطقة أخرى وهذا يعتبر من أساليب الإرباك والإحباط المفترض في صفوف الإسرائيليين.
- إن مجمل الخطابات التي ألقاها سيد المقاومة وهي ثلاثة قد استعمل فيها تعابير وأساليب حرب نفسية من الطراز الأول،فيها اللين والعزم والقدرة في آن،وفيها الرد المدروس بدقة وقت الضغط والشدة،فيها الهدوء وبرودة الأعصاب والابتسامات في وقت نفاد الأعصاب لدى القيادة الإسرائيلية،فيها تمرير المواقف والامكانات في وقت الجهل والضياع الإسرائيليين.
باختصار ثمة مفاجآت ومفاجآت من الصعب حصرها في هذه العجالة، إلا إن سر وقوف المقاومة حتى الآن رغم هذه الضغوط الهائلة هي بحد ذاتها مفاجأة كبيرة للإسرائيليين،وهي مؤشر واضح على لعبة قامت بها إسرائيل ولن تعرف من أين سيأتيها الجواب،انه سر بعينة يمكن للقليل من الأيام أو الساعات القادمة أن تكشفه.