حزب الله محاورا في باريس
د.خليل حسين
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
ليس بمستغرب إن تكون باريس قبلة اللبنانيين في حوارهم المزمع سيما وان فرنسا رغم علمها بمحدودية الدور والفعالية والنتائج في هذا الحوار قد بذلت جهودا مضاعفة لانعقاده ، بيد أن التدقيق في بعض جوانب الحوار شكلا ومضمونا يوضح الكثير من الأمور التي تعطي صورة واضحة عن النتائج غير المعلنة أو المتوقعة وهي بالضرورة متعلقة ببعض أطراف الحوار ليس بين اللبنانيين أنفسهم بل بين بعضهم والفرنسيين تحديدا،فما الذي يجري وما هي حدود البناء عليه لاحقا؟
في الشكل اولا ،وان كان المدعوون هم من الصف الثاني في أحزابهم وتنظيماتهم وحتى مللهم وطوائفهم فهم بالضرورة مقيدين بمسار من يمثلون وهم غير قادرين على اتخاذ مواقف ذات طابع استراتيجي،اضافة الى ذلك ان نوعية بعض المدعوين الى سان كلو للحوار لهم طابع خاص في التخاطب والتعامل السياسي الذي يغلب عليه طابع الحدة والاستفزاز في طرح الامور ومعالجتها الامر الذي يعني امرا من اثنين إما هي محاولة مقصودة لتفجير المؤتمر في بدايته،وإما محاولة للتأكيد على ثبات المواقف والرغبة بعدم دفع السلف السياسية المجانية في هذا الوقت بالتحديد.
وأيا يكن الامر فالادارة الفرنسية تدرك تماما ان الوضع اللبناني بات على حافة الانهيار وهي وضعت المتحاورين في قاطرة حددت وجهتها سلفا دون ان يكون لركابها رأي في وجهتها،وهي بذلك تعلم ان نجاحهم سيكون نصرا فرنسيا ولبنانيا في آن معا،وفشلهم سيكون لبنانيا صرفا وبالتالي هم من سيتحملون وزر عملهم.
لقد قرأت باريس الرسالة وفهمت جيدا محتواها سيما وان ناقلتها كانت وزيرة الخارجية الامريكية كونداليسا رايس في زيارتها لباريس في حزيران الماضي،حيث ابدت واشنطن رأيها بوضوح ان الوقت ليس لتغيير او تبديل المعادلات الداخلية اللبنانية،وان الغلبة ينبغي ان تبقى لقوى 14 آذار على قوى المعارضة،أي ان المؤتمر ينبغي أن يبقى في اطار تحريك الدم البارد بين اطراف متحاورين لا يستطيعون سماع ما ينبغي سماعه من الطرف الآخر، وبالتحديد موضوعا حكومة الوحدة الوطنية والاستحقاق الانتخابي الرئاسي.
وفي أي حال ومهما تكن النتائج المتوقعة او غير المعلنة من الحوار اللبناني اللبناني في سان كلو، ثمة طرفا ستكون مناسبة له لانتصار موصوف وهو تسجيل النجاح في فتح قنوات اتصال مباشر بين حزب الله والادارة الفرنسية في وقت تنوء الاجواء السياسية الاوروبية لتكريس وضع الحزب على لائحة الارهاب وبالتالي تحريم الاتصال به مباشرة او بالواسطة.
طبعا ثمة قنوات اتصال قد قامت سابقا بين الحزب والادارة الفرنسية على قاعدة استقبال باريس لوزير مقرب من الحزب وكانت مجمل اللقاءات محصورة بأمور وزارية تقنية بينما من يمثل الحزب في اللقاء الحواري في سان كلو هو وزير حزبي وله حيثيته التمثيلية في الحزب وخارجه وعليه ان قنوات الاتصال المفترضة تختلف نوعيا وموضوعيا وهي من الأمور القابلة للبناء عليها اذا حسنت النوايا وتم استثمارها بشكل دقيق وفعال.
لقد دأبت فرنسا ما بعد العام 1996 على النأي بنفسها عن حملات التأجيج ضد حزب الله بشكل مباشر،فهي وان وجهت انتقادات صريحة وواضحة للجانب العسكري في جزب الله على انه عقبة في بسط سيطرة الدولة اللبنانية على اراضيها،الا انها في الوقت عينه أدركت بوضوع ان من يملك زمام المبادرة وبالتالي الحماية الفعلية في الجنوب هو حزب الله وبالتالي ان همّ قرنسا الحالي هو تحديدا حماية قواتها في الجنوب اللبناني وهي تدرك تمام ان القوة الوحيدة القادرة على تأمين تلك البيئة السياسية والامنية هو الحزب تحديدا.
واذا كان همّ الادارة الفرنسية حماية جنودها وقوات اليونفيل والقرار 1701 فلها مصلحة حقيقية في تطوير قنوات الاتصال السابقة بين سفيرها في بيروت ايميه والوزير محمد فنيش ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب نواف الموسوي،وربما ما يشجع الدبلوماسية الفرنسية على اللجوء لهذا الخيار ما خبروه في تعاطي الحزب في ما يتصل بالقرار 1701 ومندرجاته في جنوب لبنان لجهة العمل العسكري والسلاح وغيره من المواضيع ذات الصلة.
الواقع الثاني الذي يشجع الدبلوماسية الفرنسية للجوء لهذا الخيار تفاهم الجنتلمان بينها وبين الولايات المتحدة مؤخرا على عدم الانفتاح الفرنسي على سوريا سيما وان محاولة زيارة رئيس الادارة العامة للاستخبارات الخارجية جان كلود كوسنير الى دمشق قد الغيت في اللحظة الاخيرة في العاشر من الشهر الماضي،ومفاد هذه الواقعة ان ثمة قبولا ضمنيا امريكيا برعاية فرنسية لحوار لبناني لبناني لا ينتج توازنات داخلية جديدة مقابل صرف النظر عن الانفتاح الفرنسي على فاعل اقليمي في الحياة السياسية اللبنانية.
وبصرف النظر عن الثمن المتواضع الذي قبضته باريس من هذه المعادلة الا ان قراءة دقيقة لموقف باريس يعني انها تعلق آمالا كبيرة على اشياء غير معلنة ومنها كسب ود بعض الاطراف اللبنانيين الذين غابوا او غيبوا عن السمع الفرنسي.
وفي اي حال ايضا يبدو ان معطيات ونتائج الحوار اللبناني اللبناني في سان كلو يمكن أن يعوَّض بنتائج جانبية متعلقة بحزب الله تحديدا اكثر من اي طرف آخر.ففرنسا في حاجة لاعادة قراءة جديدة للخريطة السياسية في لبنان بعد سلسلة الاخفاقات المشهودة في نهايات ولاية الرئيس السابق جاك شيراك،كما ان حزب الله بحاجة للتأكيد على مركزية دوره في الحياة السياسية اللبنانية والتأكيد مجددا انه لاعب يجيد قراءة الموقفين الاقليمي والدولي ما يؤهله لقطف اي كسب جديد ولو في حدود الحوار المعروف النتائج.
ان احد أبرز شروط نجاح ادارة فرنسا للحوار اللبناني يكمن في قدرتها على الانعطاف مجددا نحو بعض اللبنانيين واشعارهم بأنهم ليسوا مستهدفين من قبلها،بل بمعنى آخر ان النجاح متوقف على وقوف باريس على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين والتأكيد لهم مرة اخرى انها الأم الحنون والاب الحليم في أحلك الظروف.فهل سيكون موعد الرابع عضر من تموز مناسبة فرنسية للتأكيد على استقلالية قراراتها ومواقفها وبالتالي قدرتها على لعب دور فاعل،ام سيكون هذا التاريخ كغيره في الحياة السياسية الفرنسية واللبنانية،ويبقى محاولة يتيمة لنصر جانبي يمكن ان لا يستثمر بالاتجاه الصحيح؟
د.خليل حسين
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
ليس بمستغرب إن تكون باريس قبلة اللبنانيين في حوارهم المزمع سيما وان فرنسا رغم علمها بمحدودية الدور والفعالية والنتائج في هذا الحوار قد بذلت جهودا مضاعفة لانعقاده ، بيد أن التدقيق في بعض جوانب الحوار شكلا ومضمونا يوضح الكثير من الأمور التي تعطي صورة واضحة عن النتائج غير المعلنة أو المتوقعة وهي بالضرورة متعلقة ببعض أطراف الحوار ليس بين اللبنانيين أنفسهم بل بين بعضهم والفرنسيين تحديدا،فما الذي يجري وما هي حدود البناء عليه لاحقا؟
في الشكل اولا ،وان كان المدعوون هم من الصف الثاني في أحزابهم وتنظيماتهم وحتى مللهم وطوائفهم فهم بالضرورة مقيدين بمسار من يمثلون وهم غير قادرين على اتخاذ مواقف ذات طابع استراتيجي،اضافة الى ذلك ان نوعية بعض المدعوين الى سان كلو للحوار لهم طابع خاص في التخاطب والتعامل السياسي الذي يغلب عليه طابع الحدة والاستفزاز في طرح الامور ومعالجتها الامر الذي يعني امرا من اثنين إما هي محاولة مقصودة لتفجير المؤتمر في بدايته،وإما محاولة للتأكيد على ثبات المواقف والرغبة بعدم دفع السلف السياسية المجانية في هذا الوقت بالتحديد.
وأيا يكن الامر فالادارة الفرنسية تدرك تماما ان الوضع اللبناني بات على حافة الانهيار وهي وضعت المتحاورين في قاطرة حددت وجهتها سلفا دون ان يكون لركابها رأي في وجهتها،وهي بذلك تعلم ان نجاحهم سيكون نصرا فرنسيا ولبنانيا في آن معا،وفشلهم سيكون لبنانيا صرفا وبالتالي هم من سيتحملون وزر عملهم.
لقد قرأت باريس الرسالة وفهمت جيدا محتواها سيما وان ناقلتها كانت وزيرة الخارجية الامريكية كونداليسا رايس في زيارتها لباريس في حزيران الماضي،حيث ابدت واشنطن رأيها بوضوح ان الوقت ليس لتغيير او تبديل المعادلات الداخلية اللبنانية،وان الغلبة ينبغي ان تبقى لقوى 14 آذار على قوى المعارضة،أي ان المؤتمر ينبغي أن يبقى في اطار تحريك الدم البارد بين اطراف متحاورين لا يستطيعون سماع ما ينبغي سماعه من الطرف الآخر، وبالتحديد موضوعا حكومة الوحدة الوطنية والاستحقاق الانتخابي الرئاسي.
وفي أي حال ومهما تكن النتائج المتوقعة او غير المعلنة من الحوار اللبناني اللبناني في سان كلو، ثمة طرفا ستكون مناسبة له لانتصار موصوف وهو تسجيل النجاح في فتح قنوات اتصال مباشر بين حزب الله والادارة الفرنسية في وقت تنوء الاجواء السياسية الاوروبية لتكريس وضع الحزب على لائحة الارهاب وبالتالي تحريم الاتصال به مباشرة او بالواسطة.
طبعا ثمة قنوات اتصال قد قامت سابقا بين الحزب والادارة الفرنسية على قاعدة استقبال باريس لوزير مقرب من الحزب وكانت مجمل اللقاءات محصورة بأمور وزارية تقنية بينما من يمثل الحزب في اللقاء الحواري في سان كلو هو وزير حزبي وله حيثيته التمثيلية في الحزب وخارجه وعليه ان قنوات الاتصال المفترضة تختلف نوعيا وموضوعيا وهي من الأمور القابلة للبناء عليها اذا حسنت النوايا وتم استثمارها بشكل دقيق وفعال.
لقد دأبت فرنسا ما بعد العام 1996 على النأي بنفسها عن حملات التأجيج ضد حزب الله بشكل مباشر،فهي وان وجهت انتقادات صريحة وواضحة للجانب العسكري في جزب الله على انه عقبة في بسط سيطرة الدولة اللبنانية على اراضيها،الا انها في الوقت عينه أدركت بوضوع ان من يملك زمام المبادرة وبالتالي الحماية الفعلية في الجنوب هو حزب الله وبالتالي ان همّ قرنسا الحالي هو تحديدا حماية قواتها في الجنوب اللبناني وهي تدرك تمام ان القوة الوحيدة القادرة على تأمين تلك البيئة السياسية والامنية هو الحزب تحديدا.
واذا كان همّ الادارة الفرنسية حماية جنودها وقوات اليونفيل والقرار 1701 فلها مصلحة حقيقية في تطوير قنوات الاتصال السابقة بين سفيرها في بيروت ايميه والوزير محمد فنيش ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب نواف الموسوي،وربما ما يشجع الدبلوماسية الفرنسية على اللجوء لهذا الخيار ما خبروه في تعاطي الحزب في ما يتصل بالقرار 1701 ومندرجاته في جنوب لبنان لجهة العمل العسكري والسلاح وغيره من المواضيع ذات الصلة.
الواقع الثاني الذي يشجع الدبلوماسية الفرنسية للجوء لهذا الخيار تفاهم الجنتلمان بينها وبين الولايات المتحدة مؤخرا على عدم الانفتاح الفرنسي على سوريا سيما وان محاولة زيارة رئيس الادارة العامة للاستخبارات الخارجية جان كلود كوسنير الى دمشق قد الغيت في اللحظة الاخيرة في العاشر من الشهر الماضي،ومفاد هذه الواقعة ان ثمة قبولا ضمنيا امريكيا برعاية فرنسية لحوار لبناني لبناني لا ينتج توازنات داخلية جديدة مقابل صرف النظر عن الانفتاح الفرنسي على فاعل اقليمي في الحياة السياسية اللبنانية.
وبصرف النظر عن الثمن المتواضع الذي قبضته باريس من هذه المعادلة الا ان قراءة دقيقة لموقف باريس يعني انها تعلق آمالا كبيرة على اشياء غير معلنة ومنها كسب ود بعض الاطراف اللبنانيين الذين غابوا او غيبوا عن السمع الفرنسي.
وفي اي حال ايضا يبدو ان معطيات ونتائج الحوار اللبناني اللبناني في سان كلو يمكن أن يعوَّض بنتائج جانبية متعلقة بحزب الله تحديدا اكثر من اي طرف آخر.ففرنسا في حاجة لاعادة قراءة جديدة للخريطة السياسية في لبنان بعد سلسلة الاخفاقات المشهودة في نهايات ولاية الرئيس السابق جاك شيراك،كما ان حزب الله بحاجة للتأكيد على مركزية دوره في الحياة السياسية اللبنانية والتأكيد مجددا انه لاعب يجيد قراءة الموقفين الاقليمي والدولي ما يؤهله لقطف اي كسب جديد ولو في حدود الحوار المعروف النتائج.
ان احد أبرز شروط نجاح ادارة فرنسا للحوار اللبناني يكمن في قدرتها على الانعطاف مجددا نحو بعض اللبنانيين واشعارهم بأنهم ليسوا مستهدفين من قبلها،بل بمعنى آخر ان النجاح متوقف على وقوف باريس على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين والتأكيد لهم مرة اخرى انها الأم الحنون والاب الحليم في أحلك الظروف.فهل سيكون موعد الرابع عضر من تموز مناسبة فرنسية للتأكيد على استقلالية قراراتها ومواقفها وبالتالي قدرتها على لعب دور فاعل،ام سيكون هذا التاريخ كغيره في الحياة السياسية الفرنسية واللبنانية،ويبقى محاولة يتيمة لنصر جانبي يمكن ان لا يستثمر بالاتجاه الصحيح؟