القوة الدولية في القرار 1701 وشروط نجاحها
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
من الواضح أن اللجوء لإنشاء قوة دولية في جنوب لبنان كانت مخرجا للمأزق الإسرائيلي إبان العدوان وبعده، بيد أن ما حصل ويحصل بشأنها يطرح اسئلة ينبغي التدقيق فيها نظرا للالتباسات التي تطرحها،لجهة التكييف القانوني لهذه القوة وبالتالي المهام الملقاة على عاتقها والأهداف المنوي تنفيذها،علاوة على آليات عملها،فما هي خلفيات النصوص في القرار 1701 المتعلقة بالقوة ؟وهل هي قابلة للتنفيذ في الحدود المعلن عنها عمليا؟.
من حيث المبدأ وان كان الاتجاه المعلن في القرار أن كنه وهدف هذه القوة هي "حفظ السلام" وليس "فرض السلام" أي بمعنى آخر توصيف آليات عملها وفقا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة،فثمة بنود في الفقرات التنفيذية من القرار تشير إلى ابعد من ذلك إلى حد ملامسة استعمال القوة وإعطائها صلاحيات تقريرية وتنفيذية ويمكن تسجيل العديد من الملاحظات في هذا المجال أبرزها:
- ان كنه القرار ومسار تنفيذه وأهدافه وحتى نص بعض الفقرات فيه تدل على انه يقع ضمن الفصل السابع، وعليه إن تنفيذ القرار مرتبط باستعمال القوة بصرف النظر عن رغبة ورضا الأطراف ذات الصلة بالموضوع.فمثلا ما جاء في الفقرة التنفيذية (12) "... يسمح لقوات اليونيفيل القيام بكل التحركات الضرورية في مناطق نشر قواتها وفي إطار قدراتها، للتأكد من أن مناطق عملياتها لا تستخدم للأعمال العدائية بأي شكل، ومقاومة المحاولات عبر وسائل القوة لمنعها من أداء مهماتها بتفويض من مجلس الأمن".إن كل التحركات الضرورية تعني ما تقرر هذه القوة لتنفيذ مهامها دون أي حدود واضحة، كما إن إجازة استعمال القوة كما هو وارد في النص هو مرتبط بالتفويض من مجلس الأمن والذي يعتمد في الأساس على منطوق القرارين 425 و 426 لعام 1978 المتعلقان باليونيفل، ومن المعروف إن هذين القرارين يتمتعان بفرادة خاصة لجهة اعتبارههما أعلى من الفصل السادس وأقل من الفصل السابع لما ورد في متن القرار 426 إن مهام قوة اليونفيل هي "تثبيت السلم والأمن"وليس "حفظ " أو " فرض" الأمر الذي يوحي بأن التفويض هو في الفصل السابع وليس السادس.علاوة على ذلك ما استند إليه القرار 1701 في الفقرة (5) لجهة عطفه على اتفاقية الهدنة والصادرة ضمن الفصل السابع للميثاق.وكذلك الفقرة التمهيدية (10) " الإقرار بأن التهديد الذي يتعرض له لبنان يشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين" وهي من المواضيع التي يجب على مجلس الأمن اتخاذ قراراته في الفصل السابع لحماية الأمن.
- وعطفا على ما سبق كيف يمكن التأكد من الأعمال العدائية في الجانب الإسرائيلي، وما هي الطرق والكيفية التي ستحدد فيها هذه الفوات تحديد الأعمال العدائية في مناطق تواجدها؟وما هي حدود القوة التي ستستعملها ؟اسئلة كثيرة تطول بطول الأهداف غير المعلنة في القرار.
- إشراك قوة اليونفيل من الناحية العملية بأمور سيادية لبنانية كمراقبة المطارات والموانئ وفقا للفقرة التنفيذية (11) كما وردت مكررة في الفقرة(14) للتأكيد على المهمة.
- إن أخطر ما في الحالة السابقة إعطاء دور تقريري وتنفيذي لقوات اليونفيل بما هو ممنوع أو مسموح إدخاله إلى لبنان ذلك ما ورد في المقطع (ب) من الفقرة (14) " غير أن هذا المنع لا يطبق على الأسلحة والمعدات المتصلة والتدريب أو المساعدة التي تسمح بها الحكومة اللبنانية أو اليونيفيل كما تنص عليه الفقرة 11." فورود "أو" قد سمح لهذه القوات تحديد حالات المنع أو السماح بشكل صريح لا لبس فيه ذلك بمعزل عن طلب الحكومة اللبنانية.الأمر الذي يضع لبنان تحت سلطة أن لم يكن تحت وصاية دولية فعلية.
- إن تمديد انتداب قوة اليونفيل إلى سنة قادمة وفقا للفقرة التنفيذية (16) وفقا لعزم مجلس الأمن "إعطاء دعم إضافي لهذا الانتداب وللخطوات الأخرى..." يعطي الانطباع بأن مهامها ستكون واسعة وشاملة أمور غير منظورة في القرار أو متعلقة بالظروف التي تمَّ فيها اتخاذ القرار.سيما وأن القرار انتهى بفقرة (19) اخذ مجلس الأمن على عاتقه إبقاء الموضوع قيد نظره الفعلي. فما هي حدود الدعم الإضافي المؤسسة على القرارين 425 و 426،وما هي حدود "الخطوات الأخرى"وكيفيتها ومداها في إطار الصلاحيات المزمع إعطائها لهذه القوات.
وإذا كان هذا التوصيف القانوني يرخي ظلالا كثيفة على مستقبل عمل هذه القوات والآليات التي ستعتمدها لتنفيذ مهامها فان الشق السياسي المتعلق بإنشاء هذه القوة يعزز أيضا الكثير من الشكوك حول مستقبل أدائها أيضا،فبعد الحماس الفرنسي اللافت بداية ظهر تراجع واضح حول حجم المشاركة الفرنسية،ذلك يعود للعديد من الاعتبارات من بينها اقتناع فرنسا بعدم نضوج البيئة السياسية اللازمة لإنجاح عملها وهو أمر مرتبط بكافة الأطراف المحليين والإقليميين والدوليين ومرهون باستحقاقات إقليمية كالملف النووي الإيراني والإيحاءات المتعلقة بمفاوضات عربية إسرائيلية ربما تهب رياحها بعد حين.
من هنا يمكن القول أن القوة الدولية وردت في القرار ضمن الفصل السادس شكلا، إلا انه من الناحية العملية لا يمكن تنفيذ المهام الملقاة على عاتقها إلا في استعمال القوة كما ورد صراحة في متن القرار.وبصرف النظر عن ذلك فتجربة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان UNIFIL تظهر عددا من الدروس اللافتة للراغبين في انشاء قوة جديدة تحل محلها رغم فشلها في منع اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 وفي منع اعتداءات أخرى كبيرة في عامي 1993 و 1996، إضافة إلى فشلها في منع العدوان الأخير.وثمة أسباب عديدة لهذا الفشل من بينها،إنشاء هذه القوات على عجالة باعتبارها مؤقتة، وعملها المؤقت طبقا للمبادئ التقليدية لقوات حفظ السلام: الحياد في النزاعات الناشئة والتقيَّد في استخدام القوة ،فلم تتعرض لأي خروق أو اعتداء كانت تقوم به القوات الإسرائيلية ضد لبنان.، وافتقادها القوة البشرية اللازمة لتأمين جميع مناطق العمليات.
ورغم الفشل الذي منيت به فثمة دروس يمكن الاستفادة منها لاحقا، فالحصول على الشروط المرجعية والتعديلات الخاصة بالقوات الدولية منذ البداية أمر هام، حيث قد لا يكون هناك فرصة ثانية لتصحيح الأخطاء التي قد تنهي المهمة. كما يمكن الاستفادة من دروس لقوات حفظ سلام أخرى في الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم. فمنذ قيام إسرائيل عام 1948 ثمة 7 عمليات حفظ سلام عربية - إسرائيلية: خمسة منها رعتها الأمم المتحدة، فيما الأخريان تضمنت "قوات متعددة الجنسيات". وقد فشلت عمليات كل من: منظمة الإشراف على الهدنة التابعة للأمم المتحدة UNTSO، وقوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة UNEF I، ثم القوات الموجودة الآن في لبنان UNIFIL، والتواجد الدولي المؤقت في الخليل TIPH. ويرجع ذلك إلى أنه لم يتم حل مصدر النزاع القائم في هذه الحالات قبل نشر القوات، ولأنها افتقدت إلى مهام محددة وإلى المقدرة على إرساء السلام.أما القوات التي نجحت مهامها، فهي قوات مراقبي نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة في الجولان UNDOF، والقوات المتعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء MFO. ويعزى نجاحها إلى أنها ضمّت أطرافا كانت مهتمة بحفظ السلام على حدودها المعروفة.إن تجاوز عمليات الفشل من التجارب السابقة ينبغي الأخذ بالاعتبار عدة أمور من بينها:
- إن نجاح عمل قوات حفظ للسلام مرتبط بالإشراف على الترتيبات السياسية التي يمكن التوصل إليها، بمعنى إن محاولة التوصل لهذه الأهداف عبر القوة العسكرية أمر غير ممكن فتجربة الصومال وحتى تجربة القوة المتعددة الجنسيات في لبنان في العام 1982 لا زالت ماثلة في الأذهان.
- في الحالات التي لم يتم التوصل فيها إلى ترتيبات سياسية، واجهت القوات الدولية اختيارين؛ إما أن يتم الزج بها في الصراعات والنزاعات القائمة؛ أو أن تبقى بعيدة عن الصراع ويتضمن ذلك عدم أدائها لمهمتها كما حصل لقوات اليونفيل في جنوب لبنان.
- أما في عمليات فرض السلام، فغالبا ما تصبح القوات الدولية جزءًا لا يتجزأ من النظام السياسي الجديد؛ ولهذا السبب تتحول عمليات فرض السلام إلى التزام مفتوح قد يبقى لعقود.إلا أن هذا الأمر مرتبط بشروط واعتبارات كثيرة صعبة التحقق.فقوات حفظ السلام أو فشلها في لبنان يعتمد على عدد من العوامل أبرزها: البيئة السياسة والعمليات العسكرية، والمهام المكلفة بها، وكيفية تسليحها وتنظيمها وقيادتها.
- البيئة السياسة والعمليات من أجل نجاح عملية حفظ السلام، ينبغي خلق الظروف السياسية والعسكرية الملائمة إن من الجانب الإسرائيلي أو اللبناني.فضلا عن ذلك ورغم مطالبة إسرائيل بشكل قوي لقوة فرض للسلام،فان ظروف نجاحها مرتبط أولا وأخيرا بالتزامات يجب على إسرائيل تقديمها وبخاصة ما يتعلق بمطالب حزب الله لجهة الأسرى ومزارع شبعا والألغام وغيرها من القضايا ذات الصلة.
وفي المقلب الآخر من هذه القضية ثمة قوتان لا يمكن تجاهلهما وهما إيران وسوريا.فدمشق تعارض كما هو مطروح توسيع عمل القوات ليشمل حدودها مع لبنان،فيما تعتبر إسرائيل والولايات المتحدة أن هذا الأمر يبدو حيويا لجهة ما تسميه ممرا لإمداد حزب الله بالسلاح.أما بالنسبة لإيران فالأمر مماثل وعلى علاقة بجميع هذه الأمور ذات الصلة إضافة إلى ملف البرنامج النووي.
- المهام الرسمية: يجب أن تكون مهام قوات حفظ السلام واضحة وقابلة للتنفيذ.
- الهيكيلة والعديد يفترض أن تكون قوات حفظ السلام قوية بدرجة تكفي لمنع التحديات المفتوحة للقوات المسلحة اللبنانية ولسلطاتها ولمواجهة محاولات الاعتداءات الإسرائيلية كالتي حصلت مؤخرا .
إضافة إلى ذلك ينبغي أن تكون القوات قادرة على مساعدة الحكومة اللبنانية في التعامل مع تحديات إعادة الأعمار. وينبغي أن تضم مهندسين مدنيين للمساعدة في إعادة أعمار الطرقات وإصلاح شبكات الكهرباء، إضافة إلى متخصصين في الشؤون المدنية لتقديم الدعم في مجال الصحة العامة والتعليم والإدارة المحلية وما شابه. كما ينبغي نشر الهيكل الأساسي لهذه القوات على جانبي الحدود الدولية بشكل متوازن لجهة المسافة والمساحة والعدد والعدة.
وفي أي حال من الأحوال،فإن نجاح عمل مثل هذه القوات ليس بالأمر الهين،فدونه عقبات سياسية وعسكرية كبيرة،وأن تجاوزها يعني تجاوز مسائل استراتيجية لجميع الأطراف المباشرين وغير المباشرين بدء بإسرائيل وحزب الله مرورا بسوريا وانتهاء بإيران.فهل ستستطيع نتائج هذا العدوان من فرض الشروط والشروط المضادة على تكوين البيئة السياسية لإيجاد مدخل للحل ومنها قوات حفظ السلام؟سؤال برسم الإجابة لمن في يده القرار.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
من الواضح أن اللجوء لإنشاء قوة دولية في جنوب لبنان كانت مخرجا للمأزق الإسرائيلي إبان العدوان وبعده، بيد أن ما حصل ويحصل بشأنها يطرح اسئلة ينبغي التدقيق فيها نظرا للالتباسات التي تطرحها،لجهة التكييف القانوني لهذه القوة وبالتالي المهام الملقاة على عاتقها والأهداف المنوي تنفيذها،علاوة على آليات عملها،فما هي خلفيات النصوص في القرار 1701 المتعلقة بالقوة ؟وهل هي قابلة للتنفيذ في الحدود المعلن عنها عمليا؟.
من حيث المبدأ وان كان الاتجاه المعلن في القرار أن كنه وهدف هذه القوة هي "حفظ السلام" وليس "فرض السلام" أي بمعنى آخر توصيف آليات عملها وفقا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة،فثمة بنود في الفقرات التنفيذية من القرار تشير إلى ابعد من ذلك إلى حد ملامسة استعمال القوة وإعطائها صلاحيات تقريرية وتنفيذية ويمكن تسجيل العديد من الملاحظات في هذا المجال أبرزها:
- ان كنه القرار ومسار تنفيذه وأهدافه وحتى نص بعض الفقرات فيه تدل على انه يقع ضمن الفصل السابع، وعليه إن تنفيذ القرار مرتبط باستعمال القوة بصرف النظر عن رغبة ورضا الأطراف ذات الصلة بالموضوع.فمثلا ما جاء في الفقرة التنفيذية (12) "... يسمح لقوات اليونيفيل القيام بكل التحركات الضرورية في مناطق نشر قواتها وفي إطار قدراتها، للتأكد من أن مناطق عملياتها لا تستخدم للأعمال العدائية بأي شكل، ومقاومة المحاولات عبر وسائل القوة لمنعها من أداء مهماتها بتفويض من مجلس الأمن".إن كل التحركات الضرورية تعني ما تقرر هذه القوة لتنفيذ مهامها دون أي حدود واضحة، كما إن إجازة استعمال القوة كما هو وارد في النص هو مرتبط بالتفويض من مجلس الأمن والذي يعتمد في الأساس على منطوق القرارين 425 و 426 لعام 1978 المتعلقان باليونيفل، ومن المعروف إن هذين القرارين يتمتعان بفرادة خاصة لجهة اعتبارههما أعلى من الفصل السادس وأقل من الفصل السابع لما ورد في متن القرار 426 إن مهام قوة اليونفيل هي "تثبيت السلم والأمن"وليس "حفظ " أو " فرض" الأمر الذي يوحي بأن التفويض هو في الفصل السابع وليس السادس.علاوة على ذلك ما استند إليه القرار 1701 في الفقرة (5) لجهة عطفه على اتفاقية الهدنة والصادرة ضمن الفصل السابع للميثاق.وكذلك الفقرة التمهيدية (10) " الإقرار بأن التهديد الذي يتعرض له لبنان يشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين" وهي من المواضيع التي يجب على مجلس الأمن اتخاذ قراراته في الفصل السابع لحماية الأمن.
- وعطفا على ما سبق كيف يمكن التأكد من الأعمال العدائية في الجانب الإسرائيلي، وما هي الطرق والكيفية التي ستحدد فيها هذه الفوات تحديد الأعمال العدائية في مناطق تواجدها؟وما هي حدود القوة التي ستستعملها ؟اسئلة كثيرة تطول بطول الأهداف غير المعلنة في القرار.
- إشراك قوة اليونفيل من الناحية العملية بأمور سيادية لبنانية كمراقبة المطارات والموانئ وفقا للفقرة التنفيذية (11) كما وردت مكررة في الفقرة(14) للتأكيد على المهمة.
- إن أخطر ما في الحالة السابقة إعطاء دور تقريري وتنفيذي لقوات اليونفيل بما هو ممنوع أو مسموح إدخاله إلى لبنان ذلك ما ورد في المقطع (ب) من الفقرة (14) " غير أن هذا المنع لا يطبق على الأسلحة والمعدات المتصلة والتدريب أو المساعدة التي تسمح بها الحكومة اللبنانية أو اليونيفيل كما تنص عليه الفقرة 11." فورود "أو" قد سمح لهذه القوات تحديد حالات المنع أو السماح بشكل صريح لا لبس فيه ذلك بمعزل عن طلب الحكومة اللبنانية.الأمر الذي يضع لبنان تحت سلطة أن لم يكن تحت وصاية دولية فعلية.
- إن تمديد انتداب قوة اليونفيل إلى سنة قادمة وفقا للفقرة التنفيذية (16) وفقا لعزم مجلس الأمن "إعطاء دعم إضافي لهذا الانتداب وللخطوات الأخرى..." يعطي الانطباع بأن مهامها ستكون واسعة وشاملة أمور غير منظورة في القرار أو متعلقة بالظروف التي تمَّ فيها اتخاذ القرار.سيما وأن القرار انتهى بفقرة (19) اخذ مجلس الأمن على عاتقه إبقاء الموضوع قيد نظره الفعلي. فما هي حدود الدعم الإضافي المؤسسة على القرارين 425 و 426،وما هي حدود "الخطوات الأخرى"وكيفيتها ومداها في إطار الصلاحيات المزمع إعطائها لهذه القوات.
وإذا كان هذا التوصيف القانوني يرخي ظلالا كثيفة على مستقبل عمل هذه القوات والآليات التي ستعتمدها لتنفيذ مهامها فان الشق السياسي المتعلق بإنشاء هذه القوة يعزز أيضا الكثير من الشكوك حول مستقبل أدائها أيضا،فبعد الحماس الفرنسي اللافت بداية ظهر تراجع واضح حول حجم المشاركة الفرنسية،ذلك يعود للعديد من الاعتبارات من بينها اقتناع فرنسا بعدم نضوج البيئة السياسية اللازمة لإنجاح عملها وهو أمر مرتبط بكافة الأطراف المحليين والإقليميين والدوليين ومرهون باستحقاقات إقليمية كالملف النووي الإيراني والإيحاءات المتعلقة بمفاوضات عربية إسرائيلية ربما تهب رياحها بعد حين.
من هنا يمكن القول أن القوة الدولية وردت في القرار ضمن الفصل السادس شكلا، إلا انه من الناحية العملية لا يمكن تنفيذ المهام الملقاة على عاتقها إلا في استعمال القوة كما ورد صراحة في متن القرار.وبصرف النظر عن ذلك فتجربة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان UNIFIL تظهر عددا من الدروس اللافتة للراغبين في انشاء قوة جديدة تحل محلها رغم فشلها في منع اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 وفي منع اعتداءات أخرى كبيرة في عامي 1993 و 1996، إضافة إلى فشلها في منع العدوان الأخير.وثمة أسباب عديدة لهذا الفشل من بينها،إنشاء هذه القوات على عجالة باعتبارها مؤقتة، وعملها المؤقت طبقا للمبادئ التقليدية لقوات حفظ السلام: الحياد في النزاعات الناشئة والتقيَّد في استخدام القوة ،فلم تتعرض لأي خروق أو اعتداء كانت تقوم به القوات الإسرائيلية ضد لبنان.، وافتقادها القوة البشرية اللازمة لتأمين جميع مناطق العمليات.
ورغم الفشل الذي منيت به فثمة دروس يمكن الاستفادة منها لاحقا، فالحصول على الشروط المرجعية والتعديلات الخاصة بالقوات الدولية منذ البداية أمر هام، حيث قد لا يكون هناك فرصة ثانية لتصحيح الأخطاء التي قد تنهي المهمة. كما يمكن الاستفادة من دروس لقوات حفظ سلام أخرى في الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم. فمنذ قيام إسرائيل عام 1948 ثمة 7 عمليات حفظ سلام عربية - إسرائيلية: خمسة منها رعتها الأمم المتحدة، فيما الأخريان تضمنت "قوات متعددة الجنسيات". وقد فشلت عمليات كل من: منظمة الإشراف على الهدنة التابعة للأمم المتحدة UNTSO، وقوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة UNEF I، ثم القوات الموجودة الآن في لبنان UNIFIL، والتواجد الدولي المؤقت في الخليل TIPH. ويرجع ذلك إلى أنه لم يتم حل مصدر النزاع القائم في هذه الحالات قبل نشر القوات، ولأنها افتقدت إلى مهام محددة وإلى المقدرة على إرساء السلام.أما القوات التي نجحت مهامها، فهي قوات مراقبي نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة في الجولان UNDOF، والقوات المتعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء MFO. ويعزى نجاحها إلى أنها ضمّت أطرافا كانت مهتمة بحفظ السلام على حدودها المعروفة.إن تجاوز عمليات الفشل من التجارب السابقة ينبغي الأخذ بالاعتبار عدة أمور من بينها:
- إن نجاح عمل قوات حفظ للسلام مرتبط بالإشراف على الترتيبات السياسية التي يمكن التوصل إليها، بمعنى إن محاولة التوصل لهذه الأهداف عبر القوة العسكرية أمر غير ممكن فتجربة الصومال وحتى تجربة القوة المتعددة الجنسيات في لبنان في العام 1982 لا زالت ماثلة في الأذهان.
- في الحالات التي لم يتم التوصل فيها إلى ترتيبات سياسية، واجهت القوات الدولية اختيارين؛ إما أن يتم الزج بها في الصراعات والنزاعات القائمة؛ أو أن تبقى بعيدة عن الصراع ويتضمن ذلك عدم أدائها لمهمتها كما حصل لقوات اليونفيل في جنوب لبنان.
- أما في عمليات فرض السلام، فغالبا ما تصبح القوات الدولية جزءًا لا يتجزأ من النظام السياسي الجديد؛ ولهذا السبب تتحول عمليات فرض السلام إلى التزام مفتوح قد يبقى لعقود.إلا أن هذا الأمر مرتبط بشروط واعتبارات كثيرة صعبة التحقق.فقوات حفظ السلام أو فشلها في لبنان يعتمد على عدد من العوامل أبرزها: البيئة السياسة والعمليات العسكرية، والمهام المكلفة بها، وكيفية تسليحها وتنظيمها وقيادتها.
- البيئة السياسة والعمليات من أجل نجاح عملية حفظ السلام، ينبغي خلق الظروف السياسية والعسكرية الملائمة إن من الجانب الإسرائيلي أو اللبناني.فضلا عن ذلك ورغم مطالبة إسرائيل بشكل قوي لقوة فرض للسلام،فان ظروف نجاحها مرتبط أولا وأخيرا بالتزامات يجب على إسرائيل تقديمها وبخاصة ما يتعلق بمطالب حزب الله لجهة الأسرى ومزارع شبعا والألغام وغيرها من القضايا ذات الصلة.
وفي المقلب الآخر من هذه القضية ثمة قوتان لا يمكن تجاهلهما وهما إيران وسوريا.فدمشق تعارض كما هو مطروح توسيع عمل القوات ليشمل حدودها مع لبنان،فيما تعتبر إسرائيل والولايات المتحدة أن هذا الأمر يبدو حيويا لجهة ما تسميه ممرا لإمداد حزب الله بالسلاح.أما بالنسبة لإيران فالأمر مماثل وعلى علاقة بجميع هذه الأمور ذات الصلة إضافة إلى ملف البرنامج النووي.
- المهام الرسمية: يجب أن تكون مهام قوات حفظ السلام واضحة وقابلة للتنفيذ.
- الهيكيلة والعديد يفترض أن تكون قوات حفظ السلام قوية بدرجة تكفي لمنع التحديات المفتوحة للقوات المسلحة اللبنانية ولسلطاتها ولمواجهة محاولات الاعتداءات الإسرائيلية كالتي حصلت مؤخرا .
إضافة إلى ذلك ينبغي أن تكون القوات قادرة على مساعدة الحكومة اللبنانية في التعامل مع تحديات إعادة الأعمار. وينبغي أن تضم مهندسين مدنيين للمساعدة في إعادة أعمار الطرقات وإصلاح شبكات الكهرباء، إضافة إلى متخصصين في الشؤون المدنية لتقديم الدعم في مجال الصحة العامة والتعليم والإدارة المحلية وما شابه. كما ينبغي نشر الهيكل الأساسي لهذه القوات على جانبي الحدود الدولية بشكل متوازن لجهة المسافة والمساحة والعدد والعدة.
وفي أي حال من الأحوال،فإن نجاح عمل مثل هذه القوات ليس بالأمر الهين،فدونه عقبات سياسية وعسكرية كبيرة،وأن تجاوزها يعني تجاوز مسائل استراتيجية لجميع الأطراف المباشرين وغير المباشرين بدء بإسرائيل وحزب الله مرورا بسوريا وانتهاء بإيران.فهل ستستطيع نتائج هذا العدوان من فرض الشروط والشروط المضادة على تكوين البيئة السياسية لإيجاد مدخل للحل ومنها قوات حفظ السلام؟سؤال برسم الإجابة لمن في يده القرار.