قوة فرض السلام في دارفور وحدود الدور العربي
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
اتخذ الدور العربي في أزمة دارفور كثيرا من النقاش منذ اندلاع ألازمة في العام 2003, ذلك في ضوء الإنجازات المتواضعة لجهة تحجيم الخسائر وصولا إلي محطة القوات الدولية تحت الفصل السابع بلا حل سياسي للصراع بين مختلف الأطراف,. وأصبحت محركا مركزيا نحو التعقيد والتصعيد للأزمة ليس علي صعيد دارفور وحدها بل أيضا علي صعيد مجمل أوضاع العلاقات العربية الأفريقية, المهم انه مع وجود قوات أممية في دارفور تمت الموافقة عليها بالفعل ربما يكون السؤال المطروح هو هل انتهي وقت الدور العربي أم أن الحاجة إليه ما زالت قائمة؟في الواقع ثمة ملاحظات عديدة يمكن تسجيلها حول الدور العربي أبرزها:
- لقد ساهمت الحكومة السودانية في عدم صياغة موقف عربي متوازن إزاء ما جري في دارفور، واعتبرت أن ضرورات مواجهة الاستهداف الدولي للسودان ينبغي التذكير بحجم التجاوزات التي تسببت في المآسي الإنسانية. ما أوجد حالة من الاستقطاب الحاد بين الموقف الحكومي وموقف الفصائل المسلحة الأمر الذي أدى إلى مزيد من التصعيد بدل التهدئة .
- لم تملك الجهود الإقليمية العربية رؤية استراتيجية إزاء إدراك حجم التهديدات المترتبة علي وجود صراع مسلح في دارفور والتأثيرات السلبية لاتساعه وتمَّ حصر الجهود في إطار محاولة مساندة الدولة الوطنية في السودان خشية التفتت دون التعامل مع المعطيات التي فجّرت الصراع المسلح بشكل مواز فتأخر التفاعل مع الحركات المسلحة, وأصبحت الإطراف الدولية لاعبا رئيسا بمسارات ألازمة دون تحجيم معقول من الجانب العربي. أما علي الصعيد الدولي فاالجهود العربية كانت موسمية ورد فعل لقرارات مجلس الأمن المتوالية .
- كما يمكن رصد غياب الفاعلية العربية بما يتعلق بالتعاطي مع الاتحاد الأفريقي علي صعيد التمويل أو التأهيل اللوجستي رغم وجود قرار من قمة الخرطوم العربية آذار 2006 بهذا الشأن وربما كان التباطؤ رضوخا لضغوطات خارجية لم تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأجندة الدولية في أفريقيا عامة ودارفور خاصة.
- واجه التعامل مع ألازمة الإنسانية في دارفور مشكلات متعلقة بتوظيفها علي الصعيد الدولي, فأهمل العرب الشق الإنساني من أزمة دارفور واعتبروها من الذرائع الغربية المتعددة والمغرضة في منطقة الشرق الأوسط, ذلك علي شاكلة أسلحة الدمار الشامل في العراق. من هنا يمكن فهم التباطؤ في التمويل العربي لشبكات العمل الإنساني التي تكوّنت حديثا في دارفور, وان الحكومة رأت ضرورة أن يكون مسار العمل الإنساني العربي تحت سيطرتها وربما تجدر الإشارة في هذا السياق إلي تأجيل مؤتمر مانحين تحت مظلة الجامعة العربية لأكثر من ثلاثة اشهر.
ـ ساهم ضعف منظمات المجتمع المدني العربية المنتجة تحت مظلة أوضاع سياسية عربية شمولية في الأغلب عدم تأهل هذه المنظمات للتعامل مع ما يجري في دارفور, سواء علي صعيد الفاعلية أو امتلاك الخبرات المطلوبة للتعامل مع الأوضاع الساخنة في دارفور. وقد أنتج هذا الوضع غيابا عربيا واضحا في دعم ومساندة السكان وكان له انعكاس سلبي في أمرين: إدانة الموقف الأخلاقي العربي علي الصعيد الدارفوري والدولي.واعتبار أن هذا الغياب تعبير عن دعم عربي للحكومة في تجاوزاتها, وليس ناتجا عن ضعف خبرات وقدرات هذه المنظمات في التعامل مع أوضاع معقدة في مناطق الصراع المسلح.
وبصرف النظر عن الأبعاد السياسية والعسكرية والقانونية التي تحيط يالقوات الأممية الموضوعة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ثمة إشارات واضحة يمكن أن يكون للدور العربي مجالا لإيجاد بيئة مناسبة قابلة للحياة في أزمة دارفور.
في تقديرنا الفرصة ما زالت متاحة وربما يكون من الضرورات الاستراتيجية الملحة امتلاك رؤية استراتيجية للسياسات العربية إزاء آليات تحجيم التوتر ودفع الحل السلمي, فمن الملاحظ أن السياسات الراهنة لا تمتلك هذه الرؤية, حيث يعد حضور المؤتمرات جزءا من الاتجاهات الدبلوماسية المتعمدة التي لم تتمكن من التوصل إلى حل ما، كما أن الاعتماد علي المنظمة الأفريقية كان جزءا من السياسات العربية في تحركاتها إزاء ألازمة في دارفور. إن القفز على الحسابات السياسية العربية القطرية والمتضمنة للمنافسات الإقليمية والسعي نحو بلورة رؤية موحدة أو في اقل تقدير تملك تفاهمات الحدود الدنيا فيما يتعلق بمسارات حل ألازمة في دارفور,والمطلوب في هذه المرحلة أن يكون متوازنا حتى يساهم الدور العربي في عملية الاستقرار السياسي علي المدى الطويل.
إن بناء خطاب سياسي وإعلامي عربي يتبنى حلا سياسيا عادلا في دارفور يعترف بالمأساة الإنسانية وبأوضاع التهميش السياسي والاقتصادي للأطراف في السودان هو أمر يساهم في الدفع نحو الحفاظ علي النسيج الاجتماعي للدول الأفريقية بعامة والسودان بخاصة, وهو النسيج الذي تشكل فيه الديانة الإسلامية والثقافة العربية في دول الساحل الأفريقية مكونا رئيسا للهوية الأفريقية.
إن ممارسة ضغوط علي الحكومة والمعارضة السودانية لإنجاز مصالحة وطنية في الوقت المناسب تبدو أمرا ملحا, إذ إن التباطؤ في إنجاز هذه المهمة اعتمادا علي آلية امتصاص الضغوط المعروفة أو انتظار الانتخابات المحلية أو الانتخابات الأمريكية لتحسين البيئة السياسية المحيطة بالحكومة السودانية, أو استخدام ورقة دارفور في الانتخابات من جانب المعارضة السودانية ضد الحكومة أمور تقرب من سيناريوهات تفتيت للدولة السودانية. وبطبيعة الحال ينبغي أن يلعب العرب دورا مهما في دعم الخطط المشتركة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في توحيد المبادرات الإقليمية الساعية إلي بلورة موقف تفاوضي للفصائل المسلحة تساهم في إنجاز حل سياسي. كما أن تبني تمويل عمليات عودة النازحين إلي مواطنهم الأصلية وعمليات بناء القرى وتوفير البيئة المناسبة لبدء الأنشطة الإنتاجية مع ضمان تدفق المساعدات الإنسانية لمدة مناسبة كلها آليات سوف تدفع الإرادة القبلية في دارفور نحو اتخاذ قرارات عودة النازحين ،إضافة للعمل علي تأهيل منظمات المجتمع المدني العربية للدفع بها للعمل الإنساني , والاستقرار في الإقليم علي شاكلة الهلال الأحمر في الدول العربية أو غيره من المنظمات.
وتبدو ثمة ضرورة لتفعيل السياسات العربية في أفريقيا جنوب الصحراء تحت مظلة قومية لا قطرية تقوم بمجهود اقتصادي يسعى إلى الدفع بالاستثمارات ومقاومة الأمراض الخطيرة كالإيدز وغيره, كلها مجهودات ستشكل بيئة مناسبة لدور عربي في أزمة دارفور, خصوصا أن وجود القوات الأممية في دارفور قد يطول من دون تقديم شيء يذكر للقضية نفسها.
ربما يعتبر البعض أن نظرتنا تفاؤلية إلى حد كبير،وان التجارب العربية ليست مشجعة،إلا أن دعوتنا هذه منطلقة من كون الوضع في دارفور بات أكثر خطرا على دارفور والسودان نفسه،صحيح أن القوات الأممية تمكنت في كثير من الحالات حفظ السلام وفرضه في بلدان ومناطق كثيرة من دول العالم، إلا أن عمل هذه القوات غالبا ما رافقه علامات استفهام كثيرة حول مستقبل الدول المتواجدة فيها سيما وان من يتحكم ويدير هذه القوات ليست الأمم المتحدة نفسها بقدر من يمسك بمفتاح صنع القرارات فيها!.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
اتخذ الدور العربي في أزمة دارفور كثيرا من النقاش منذ اندلاع ألازمة في العام 2003, ذلك في ضوء الإنجازات المتواضعة لجهة تحجيم الخسائر وصولا إلي محطة القوات الدولية تحت الفصل السابع بلا حل سياسي للصراع بين مختلف الأطراف,. وأصبحت محركا مركزيا نحو التعقيد والتصعيد للأزمة ليس علي صعيد دارفور وحدها بل أيضا علي صعيد مجمل أوضاع العلاقات العربية الأفريقية, المهم انه مع وجود قوات أممية في دارفور تمت الموافقة عليها بالفعل ربما يكون السؤال المطروح هو هل انتهي وقت الدور العربي أم أن الحاجة إليه ما زالت قائمة؟في الواقع ثمة ملاحظات عديدة يمكن تسجيلها حول الدور العربي أبرزها:
- لقد ساهمت الحكومة السودانية في عدم صياغة موقف عربي متوازن إزاء ما جري في دارفور، واعتبرت أن ضرورات مواجهة الاستهداف الدولي للسودان ينبغي التذكير بحجم التجاوزات التي تسببت في المآسي الإنسانية. ما أوجد حالة من الاستقطاب الحاد بين الموقف الحكومي وموقف الفصائل المسلحة الأمر الذي أدى إلى مزيد من التصعيد بدل التهدئة .
- لم تملك الجهود الإقليمية العربية رؤية استراتيجية إزاء إدراك حجم التهديدات المترتبة علي وجود صراع مسلح في دارفور والتأثيرات السلبية لاتساعه وتمَّ حصر الجهود في إطار محاولة مساندة الدولة الوطنية في السودان خشية التفتت دون التعامل مع المعطيات التي فجّرت الصراع المسلح بشكل مواز فتأخر التفاعل مع الحركات المسلحة, وأصبحت الإطراف الدولية لاعبا رئيسا بمسارات ألازمة دون تحجيم معقول من الجانب العربي. أما علي الصعيد الدولي فاالجهود العربية كانت موسمية ورد فعل لقرارات مجلس الأمن المتوالية .
- كما يمكن رصد غياب الفاعلية العربية بما يتعلق بالتعاطي مع الاتحاد الأفريقي علي صعيد التمويل أو التأهيل اللوجستي رغم وجود قرار من قمة الخرطوم العربية آذار 2006 بهذا الشأن وربما كان التباطؤ رضوخا لضغوطات خارجية لم تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأجندة الدولية في أفريقيا عامة ودارفور خاصة.
- واجه التعامل مع ألازمة الإنسانية في دارفور مشكلات متعلقة بتوظيفها علي الصعيد الدولي, فأهمل العرب الشق الإنساني من أزمة دارفور واعتبروها من الذرائع الغربية المتعددة والمغرضة في منطقة الشرق الأوسط, ذلك علي شاكلة أسلحة الدمار الشامل في العراق. من هنا يمكن فهم التباطؤ في التمويل العربي لشبكات العمل الإنساني التي تكوّنت حديثا في دارفور, وان الحكومة رأت ضرورة أن يكون مسار العمل الإنساني العربي تحت سيطرتها وربما تجدر الإشارة في هذا السياق إلي تأجيل مؤتمر مانحين تحت مظلة الجامعة العربية لأكثر من ثلاثة اشهر.
ـ ساهم ضعف منظمات المجتمع المدني العربية المنتجة تحت مظلة أوضاع سياسية عربية شمولية في الأغلب عدم تأهل هذه المنظمات للتعامل مع ما يجري في دارفور, سواء علي صعيد الفاعلية أو امتلاك الخبرات المطلوبة للتعامل مع الأوضاع الساخنة في دارفور. وقد أنتج هذا الوضع غيابا عربيا واضحا في دعم ومساندة السكان وكان له انعكاس سلبي في أمرين: إدانة الموقف الأخلاقي العربي علي الصعيد الدارفوري والدولي.واعتبار أن هذا الغياب تعبير عن دعم عربي للحكومة في تجاوزاتها, وليس ناتجا عن ضعف خبرات وقدرات هذه المنظمات في التعامل مع أوضاع معقدة في مناطق الصراع المسلح.
وبصرف النظر عن الأبعاد السياسية والعسكرية والقانونية التي تحيط يالقوات الأممية الموضوعة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ثمة إشارات واضحة يمكن أن يكون للدور العربي مجالا لإيجاد بيئة مناسبة قابلة للحياة في أزمة دارفور.
في تقديرنا الفرصة ما زالت متاحة وربما يكون من الضرورات الاستراتيجية الملحة امتلاك رؤية استراتيجية للسياسات العربية إزاء آليات تحجيم التوتر ودفع الحل السلمي, فمن الملاحظ أن السياسات الراهنة لا تمتلك هذه الرؤية, حيث يعد حضور المؤتمرات جزءا من الاتجاهات الدبلوماسية المتعمدة التي لم تتمكن من التوصل إلى حل ما، كما أن الاعتماد علي المنظمة الأفريقية كان جزءا من السياسات العربية في تحركاتها إزاء ألازمة في دارفور. إن القفز على الحسابات السياسية العربية القطرية والمتضمنة للمنافسات الإقليمية والسعي نحو بلورة رؤية موحدة أو في اقل تقدير تملك تفاهمات الحدود الدنيا فيما يتعلق بمسارات حل ألازمة في دارفور,والمطلوب في هذه المرحلة أن يكون متوازنا حتى يساهم الدور العربي في عملية الاستقرار السياسي علي المدى الطويل.
إن بناء خطاب سياسي وإعلامي عربي يتبنى حلا سياسيا عادلا في دارفور يعترف بالمأساة الإنسانية وبأوضاع التهميش السياسي والاقتصادي للأطراف في السودان هو أمر يساهم في الدفع نحو الحفاظ علي النسيج الاجتماعي للدول الأفريقية بعامة والسودان بخاصة, وهو النسيج الذي تشكل فيه الديانة الإسلامية والثقافة العربية في دول الساحل الأفريقية مكونا رئيسا للهوية الأفريقية.
إن ممارسة ضغوط علي الحكومة والمعارضة السودانية لإنجاز مصالحة وطنية في الوقت المناسب تبدو أمرا ملحا, إذ إن التباطؤ في إنجاز هذه المهمة اعتمادا علي آلية امتصاص الضغوط المعروفة أو انتظار الانتخابات المحلية أو الانتخابات الأمريكية لتحسين البيئة السياسية المحيطة بالحكومة السودانية, أو استخدام ورقة دارفور في الانتخابات من جانب المعارضة السودانية ضد الحكومة أمور تقرب من سيناريوهات تفتيت للدولة السودانية. وبطبيعة الحال ينبغي أن يلعب العرب دورا مهما في دعم الخطط المشتركة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في توحيد المبادرات الإقليمية الساعية إلي بلورة موقف تفاوضي للفصائل المسلحة تساهم في إنجاز حل سياسي. كما أن تبني تمويل عمليات عودة النازحين إلي مواطنهم الأصلية وعمليات بناء القرى وتوفير البيئة المناسبة لبدء الأنشطة الإنتاجية مع ضمان تدفق المساعدات الإنسانية لمدة مناسبة كلها آليات سوف تدفع الإرادة القبلية في دارفور نحو اتخاذ قرارات عودة النازحين ،إضافة للعمل علي تأهيل منظمات المجتمع المدني العربية للدفع بها للعمل الإنساني , والاستقرار في الإقليم علي شاكلة الهلال الأحمر في الدول العربية أو غيره من المنظمات.
وتبدو ثمة ضرورة لتفعيل السياسات العربية في أفريقيا جنوب الصحراء تحت مظلة قومية لا قطرية تقوم بمجهود اقتصادي يسعى إلى الدفع بالاستثمارات ومقاومة الأمراض الخطيرة كالإيدز وغيره, كلها مجهودات ستشكل بيئة مناسبة لدور عربي في أزمة دارفور, خصوصا أن وجود القوات الأممية في دارفور قد يطول من دون تقديم شيء يذكر للقضية نفسها.
ربما يعتبر البعض أن نظرتنا تفاؤلية إلى حد كبير،وان التجارب العربية ليست مشجعة،إلا أن دعوتنا هذه منطلقة من كون الوضع في دارفور بات أكثر خطرا على دارفور والسودان نفسه،صحيح أن القوات الأممية تمكنت في كثير من الحالات حفظ السلام وفرضه في بلدان ومناطق كثيرة من دول العالم، إلا أن عمل هذه القوات غالبا ما رافقه علامات استفهام كثيرة حول مستقبل الدول المتواجدة فيها سيما وان من يتحكم ويدير هذه القوات ليست الأمم المتحدة نفسها بقدر من يمسك بمفتاح صنع القرارات فيها!.