القمة السعودية الإيرانية ومؤتمر العراق الدولي
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
أتت القمة السعودية الإيرانية في ظروف استثنائية تمر فيها المنطقة؛وكأنها تعبر عن ضرورات التقاء المصالح وتقاطعاتها الإقليمية والدولية.فجميع اللاعبين إقليميين ودوليين وحتى داخليين في بعض الدول ذات الصلة بموضوع القمة باتوا على يقين بأهمية اللقاء للتعبير بالدرجة الأولى عن الرغبة بإيجاد كوة ولو محدودة في الجدار الذي يبدو كبيرا.
فبالنسبة إلى إيران التي تبدو محاصرة في ملفها النووي وسط قلة الخيارات المتاحة للتحرك بسهولة تبدو وكأنها بحاجة إلى الانفتاح على المحيط الإقليمي الذي من الممكن أن يؤمن لها بعض الانفراج في الطرق الدبلوماسية مع الطرف الآخر للأزمة المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية.فجميع الخيارات السابقة من مفاوضات أوروبية إيرانية قد أقفلت وبات الملف النووي برمته موضع نظر مجلس الأمن في الفصل السابع وهو مرشح للمزيد من التصعيد ولو أن كوابحه الروسية والصينية تقف في وجه الموقف الأمريكي،إضافة إلى ذلك ثمة نهج أمريكي آخر تبلور خلال الأشهر الماضية تمثل في طريقة التعامل مع الملف النووي الكوري ما يشكل على الأرجح فرصة سانحة لطهران لإعادة تقويم مواقفها وأدائها مع العروض المطروحة في الكواليس الدبلوماسية من غير طرف،إضافة إلى ما تمَّ تسريبه من عروض أمريكية تدرس طهران إمكانية الولوج فيها.
في المقلب السعودي الآخر، ثمة تفهم عميق لما يجري في المنطقة وحولها وما يحاك من مشاريع،وثمة رؤية سعودية هادئة لمحاولة استيعاب المستجدات التي من الممكن أن تؤثر على كافة الفواعل الإقليمية الأساسية في المنطقة، الأمر الذي يدفع بالرياض لأن تكون على مسافة ما من بعض الطروح الأمريكية التي لا تناسب العمق الاستراتيجي في السياسة الخارجية السعودية،أي بمعنى آخر أن الرياض تحاول قدر الامكان التوفيق بين ما هو ممكن وما هو غير ممكن في طموحات السياسات الخارجية لبعض الأطراف في المنطقة ومنها إيران.
وعلى الرغم من أن العلاقات الإيرانية السعودية قد مرّت بأطوار مختلفة ومتنوعة نتيجة تداخل العديد من العوامل الخارجية التي ليس بمقدورهما التأثير فيها فقد ظل كلا البلدين يبحثان عن الحد الأدنى للبيئة السياسية القابلة للحياة والبناء عليها بهدف تفادي الأسوأ.وقد ظهر ذلك جليا في أثناء وصول الإصلاحيين إلى سدة الحكم في طهران؛وعلى الرغم من عودة المحافظين بشخص تيار الرئيس احمدي نجاد إلى السلطة وتوجّس العديد من الدول الخليجية من بعض المواقف والتصريحات فقد ظلّت الرياض في موقع القادر على استيعاب الأسباب الحقيقية للمواقف الإيرانية.
وعلى الرغم من صعود وظهور بعض المؤشرات التي ساندت الرأي القائل بأن ثمة حرب باردة إيرانية عربية متمثلة بما يجري في لبنان والعراق ،إلا أن ثمة حرص متبادل أن تبقى التباينات من بعض الملفات قابلة للاحتواء ولو في حدود ساخنة،بدليل المحاولات الجادة التي قامت بها الرياض باتجاه ألازمة الداخلية اللبنانية،والتي هدفت بشكل أو بآخر إلى عدم انفلات الأمور من عقالها.وكما الأمر في لبنان والعراق كذلك في ملف الصراع العربي الإسرائيلي؛فعلى الرغم مما يقال بأن طهران قد عمدت إلى تقوية وتفعيل المواقع الممانعة والمقاومة للمشاريع الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة،يبدو جليا أن هذه السياسة الإيرانية لم تستهدف أساس الموضوع بقدر ما استعمال هذا الملف كأحد أوراق الضغط في السياسية الإقليمية الإيرانية بالرغم من تصاعد اللهجة الإيرانية تجاه إسرائيل في الآونة الأخيرة.
لذلك ومما تقدم يمكن إدراج العديد من المظاهر التي يمكن أن تنتج عن هذه القمة وأبرزها:
- ثمة حاجة إيرانية سعودية متبادلة على إيجاد الأطر الكفيلة بتهدئة الأوضاع في كل من لبنان والعراق بانتظار مستجدات إقليمية ودولية لمحاولة إنتاج حل قابل للحياة يحمي على الأقل الكيانات السياسية في المنطقة وسط مشاريع لم تعد خافية على أحد.
- ثمة حاجة إيرانية سعودية متبادلة أيضا لتقريب ذات البين العربي وبخاصة ما يتعلق بالعلاقات السعودية السورية بعد سلسلة الانتكاسات في الفترة الماضية،وبخاصة بعد الخروج السوري من لبنان وتداعياته الداخلية والإقليمية.
- ثمة حرص سعودي إيراني متبادل على محاولة وأد الفتن المذهبية في المنطقة والتي بدأت تطل برأسها وتنذر بحروب أهلية لا يعرف أحد نتائجها بدقة.
وإذا كانت هذه المسائل هي من بين ابرز الهموم السعودية الإيرانية، فثمة مصالح متقاطعة على جدول أعمال البلدين إن لجهة مؤتمر العراق الدولي الذي دعيت إليه كل من سوريا وإيران،وكذلك مؤتمر القمة العربية التي تتطلع إليه طهران بدقة واهتمام بالغين نظرا لما يمكن أن تطرح فيه من مشاريع يمكن أن تؤثر على أدوات السياسة الخارجية الإيرانية ومنها ملف الصراع العربي الإسرائيلي.
ففي الموضوع الأول من مصلحة كل من السعودية وإيران وكذلك سوريا من الناحية المبدئية التوصل إلى تفاهمات معينة في مقاربة الملف العراقي في المؤتمر.إذ من الناحية العملية وإن كان المؤتمر عراقي التسمية إلا انه إقليمي المضامين والأهداف.فواشنطن المتعثرة في الشأن العراقي لم تجد مفرا من النظر ولو بغير اعتراف إلى تقرير بيكر هاملتون والأخذ ببعض توصياته المتعلقة بفتح قنوات اتصال مع كل من دمشق وطهران؛وعلى الرغم من أن تلك المظاهر التي لا يمكن تعليق الآمال الكثيرة عليها إلا أنها تشكل مظهرا لافتا للمقاربة الأمريكية لإدارة أزمتها في العراق.وكما واشنطن كذلك دمشق وطهران اللتان تبدوان بحاجة ماسة إلى استدراج واشنطن لمفاوضات بشأن ملف لبنان وبالتالي المحكمة الدولية وكذلك الملف النووي وأساليب التعامل معه.وفي كلا الحالين ثمة تقاطع واضح في المصالح الذي يحكم مربع العلاقة السعودية - الإيرانية - السورية – الأمريكية،الأمر الذي يستوجب بشكل أو بآخر مقاربة إيرانية سعودية هادئة لمؤتمر العراق الدولي، الأمر الذي يوحي بأن القمة الثنائية هي ثلاثية الأبعاد إذا ما أضفنا المثلث السوري الحاضر الغائب في إعمال القمة.
الأمر الثاني ذات الصلة بالقمة الإيرانية السعودية هو محاولة تلمّس ما يمكن أن يطرح في القمة العربية لاحقا لجهة الهواجس الأمنية الخليجية وما يمكن أن يكون قد تبقى من مبادرة قمة بيروت لحل الصراع العربي الإسرائيلي.فالأمر الأول وان كان موضوعا حيويا لإيران وذات صلة بمفاصل السياسات الاستراتيجية الإيرانية وهي معنية به بشكل مباشر،فإن الأمر الثاني بات من أدوات السياسة الخارجية لطهران على قاعدة ما انتهجته طهران من سياسة برغماتية في الآونة الأخيرة تجاه بعض القضايا ومنها الصراع العربي الإسرائيلي.وعليه يمكن القول بأن القمة وإن بدت سريعة وكأنها رُتبت على عجل فان أبعادها وتداعياتها متصل بملفين أساسيين مؤتمر العراق الدولي ومؤتمر القمة العربية وبالتأكيد ما بينهما من تقارير دولية منتظرة تتعلق بالشأن اللبناني والتي لها دلالات قوية على المسار السياسي الإيراني والسوري من ملفات متصلة.
ثمة فرصا قوية لجميع الأطراف أن تنهل ما يمكن الاستفادة منه حاليا،فبالنسبة لإيران تعتبر فرصة سانحة للهروب من سيف مجلس الأمن والعقوبات المهددة بها إن لم يكن البدء في ضربات عسكرية للبرنامج النووي،وبالنسبة لسوريا ثمة فرصا لتفادي سيف المحكمة الدولية،أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فثمة فرصة أكيدة لتفادي مشاكل إدارة الاحتلال في العراق والتأمل بهدوء فيما تصبو إليه من شرق أوسط جديد – كبير.
ثمة لاعبون غير أساسيين يمكن الاستفادة مما يحتمل من نتائج،ابروهم فريقا المعارضة والموالاة في لبنان،إضافة إلى نسيج الطيف السياسي العراقي المتعدد والمتنوع.وفي كلتا الحالتين اللبنانية والعراقية ثمة وقت ستقطع سيمر قبل تبلور المواقف النهائية من مسار ألازمات المتشابكة في المنطقة.
فالمعارضة اللبنانية رغم ما تمكنت من الوصول إليه لم تتمكن من تحقيق أهدافها الاستراتيجية ذات الصلة بطبيعة المشاركة في الحكم،وفي المقابل لم تتمكن السلطة ومن يدعمها من حسم الكثير من القضايا بما فيها ملف المحكمة الدولية،وبدا الطرفين ينتظران ما يمكن أن تؤول إليه أعمال القمة السعودية الإيرانية ليبنى على الشيء مقتضاه،وبصرف النظر عن قدرة الطرفين عن حسم الكثير من الملفات الداخلية بيسر وسهولة فقد بدا الطرفين وكأنهما قد فهما لعبة الربط بين القضايا الداخلية والإقليمية،ما سهَّل استغلال الخارج للداخل اللبناني باستعمال الوضع القائم كأدوات فاعلة لأي سياسية خارجية إقليمية طامحة في المنطقة.لذا إن ابرز ما يمكن التوصل إليه في المرحلة المنظورة من القمة السعودية الإيرانية هو تنظيم إدارة ألازمة بانتظار مستجدات أخرى إما تكرّس حلا ما على قاعدة لا غالب ولا مفلوب وإما إعادة إنتاج أزمة جديدة ستكون اشد عنفا وفتكا بالواقع اللبناني برمته،وهذا ما ستتبلور مظاهره المبدئية في النتائج المحتملة للمؤتمر الدولي للعراق.
قبل القمة بأيام قليلة عقدت سبع دول إسلامية اجتماعا في كراتشي بحثت فيه الوضع الإيراني والسوري وتداعياته في المنطقة وغريب المفارقات أن الدولتان المعنيتان قد غيبتا عن الاجتماع،ما فسرته طهران علامة سلبية كبيرة من جانب الرياض،فهل أتت القمة لتعيد تظهير علاقة الضرورة لتنظيم إدارة الأزمات؟ وهل أن كل من السعودية وإيران قادرتان على إنتاج حل للعديد من ملفات المنطقة بمعزل عن رضا الولايات المتحدة الأمريكية ورؤيتها لهذه الحلول؟ ثمة شكوك كثيرة تحيط بهذه الأسئلة وهو ما شكل التحدي الكبير أمام مؤتمر العراق الدولي الذي كان بمثابة الامتحان الخطي لمجمل التفاهمات المرغوبة من جميع الأطراف أولا، ومن ثم ثانيا سيكون الأمر متعلقا بما يمكن التوصل إليه في مؤتمر القمة العربية في الرياض أواخر الشهر الحالي.وإذا كان كلا من الحضور الإيراني والسوري كان لافتا في المؤتمر الأول كونه جمعهما مع الأمريكيين منذ فترة ليست بقصيرة،فإن طيف إيران سيكون حاضرا بشدة في المؤتمر الثاني.وحتى ينعقد مؤتمر القمة ثمة وقت سيكون طويلا في حسابات الزمن السياسي العربي الدائم الاتكال على المواعيد والاستحقاقات التي غالبا ليس له اليد الطولى في صناعة وقائعها وأحداثها وبالتأكيد نتائجها.
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
أتت القمة السعودية الإيرانية في ظروف استثنائية تمر فيها المنطقة؛وكأنها تعبر عن ضرورات التقاء المصالح وتقاطعاتها الإقليمية والدولية.فجميع اللاعبين إقليميين ودوليين وحتى داخليين في بعض الدول ذات الصلة بموضوع القمة باتوا على يقين بأهمية اللقاء للتعبير بالدرجة الأولى عن الرغبة بإيجاد كوة ولو محدودة في الجدار الذي يبدو كبيرا.
فبالنسبة إلى إيران التي تبدو محاصرة في ملفها النووي وسط قلة الخيارات المتاحة للتحرك بسهولة تبدو وكأنها بحاجة إلى الانفتاح على المحيط الإقليمي الذي من الممكن أن يؤمن لها بعض الانفراج في الطرق الدبلوماسية مع الطرف الآخر للأزمة المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية.فجميع الخيارات السابقة من مفاوضات أوروبية إيرانية قد أقفلت وبات الملف النووي برمته موضع نظر مجلس الأمن في الفصل السابع وهو مرشح للمزيد من التصعيد ولو أن كوابحه الروسية والصينية تقف في وجه الموقف الأمريكي،إضافة إلى ذلك ثمة نهج أمريكي آخر تبلور خلال الأشهر الماضية تمثل في طريقة التعامل مع الملف النووي الكوري ما يشكل على الأرجح فرصة سانحة لطهران لإعادة تقويم مواقفها وأدائها مع العروض المطروحة في الكواليس الدبلوماسية من غير طرف،إضافة إلى ما تمَّ تسريبه من عروض أمريكية تدرس طهران إمكانية الولوج فيها.
في المقلب السعودي الآخر، ثمة تفهم عميق لما يجري في المنطقة وحولها وما يحاك من مشاريع،وثمة رؤية سعودية هادئة لمحاولة استيعاب المستجدات التي من الممكن أن تؤثر على كافة الفواعل الإقليمية الأساسية في المنطقة، الأمر الذي يدفع بالرياض لأن تكون على مسافة ما من بعض الطروح الأمريكية التي لا تناسب العمق الاستراتيجي في السياسة الخارجية السعودية،أي بمعنى آخر أن الرياض تحاول قدر الامكان التوفيق بين ما هو ممكن وما هو غير ممكن في طموحات السياسات الخارجية لبعض الأطراف في المنطقة ومنها إيران.
وعلى الرغم من أن العلاقات الإيرانية السعودية قد مرّت بأطوار مختلفة ومتنوعة نتيجة تداخل العديد من العوامل الخارجية التي ليس بمقدورهما التأثير فيها فقد ظل كلا البلدين يبحثان عن الحد الأدنى للبيئة السياسية القابلة للحياة والبناء عليها بهدف تفادي الأسوأ.وقد ظهر ذلك جليا في أثناء وصول الإصلاحيين إلى سدة الحكم في طهران؛وعلى الرغم من عودة المحافظين بشخص تيار الرئيس احمدي نجاد إلى السلطة وتوجّس العديد من الدول الخليجية من بعض المواقف والتصريحات فقد ظلّت الرياض في موقع القادر على استيعاب الأسباب الحقيقية للمواقف الإيرانية.
وعلى الرغم من صعود وظهور بعض المؤشرات التي ساندت الرأي القائل بأن ثمة حرب باردة إيرانية عربية متمثلة بما يجري في لبنان والعراق ،إلا أن ثمة حرص متبادل أن تبقى التباينات من بعض الملفات قابلة للاحتواء ولو في حدود ساخنة،بدليل المحاولات الجادة التي قامت بها الرياض باتجاه ألازمة الداخلية اللبنانية،والتي هدفت بشكل أو بآخر إلى عدم انفلات الأمور من عقالها.وكما الأمر في لبنان والعراق كذلك في ملف الصراع العربي الإسرائيلي؛فعلى الرغم مما يقال بأن طهران قد عمدت إلى تقوية وتفعيل المواقع الممانعة والمقاومة للمشاريع الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة،يبدو جليا أن هذه السياسة الإيرانية لم تستهدف أساس الموضوع بقدر ما استعمال هذا الملف كأحد أوراق الضغط في السياسية الإقليمية الإيرانية بالرغم من تصاعد اللهجة الإيرانية تجاه إسرائيل في الآونة الأخيرة.
لذلك ومما تقدم يمكن إدراج العديد من المظاهر التي يمكن أن تنتج عن هذه القمة وأبرزها:
- ثمة حاجة إيرانية سعودية متبادلة على إيجاد الأطر الكفيلة بتهدئة الأوضاع في كل من لبنان والعراق بانتظار مستجدات إقليمية ودولية لمحاولة إنتاج حل قابل للحياة يحمي على الأقل الكيانات السياسية في المنطقة وسط مشاريع لم تعد خافية على أحد.
- ثمة حاجة إيرانية سعودية متبادلة أيضا لتقريب ذات البين العربي وبخاصة ما يتعلق بالعلاقات السعودية السورية بعد سلسلة الانتكاسات في الفترة الماضية،وبخاصة بعد الخروج السوري من لبنان وتداعياته الداخلية والإقليمية.
- ثمة حرص سعودي إيراني متبادل على محاولة وأد الفتن المذهبية في المنطقة والتي بدأت تطل برأسها وتنذر بحروب أهلية لا يعرف أحد نتائجها بدقة.
وإذا كانت هذه المسائل هي من بين ابرز الهموم السعودية الإيرانية، فثمة مصالح متقاطعة على جدول أعمال البلدين إن لجهة مؤتمر العراق الدولي الذي دعيت إليه كل من سوريا وإيران،وكذلك مؤتمر القمة العربية التي تتطلع إليه طهران بدقة واهتمام بالغين نظرا لما يمكن أن تطرح فيه من مشاريع يمكن أن تؤثر على أدوات السياسة الخارجية الإيرانية ومنها ملف الصراع العربي الإسرائيلي.
ففي الموضوع الأول من مصلحة كل من السعودية وإيران وكذلك سوريا من الناحية المبدئية التوصل إلى تفاهمات معينة في مقاربة الملف العراقي في المؤتمر.إذ من الناحية العملية وإن كان المؤتمر عراقي التسمية إلا انه إقليمي المضامين والأهداف.فواشنطن المتعثرة في الشأن العراقي لم تجد مفرا من النظر ولو بغير اعتراف إلى تقرير بيكر هاملتون والأخذ ببعض توصياته المتعلقة بفتح قنوات اتصال مع كل من دمشق وطهران؛وعلى الرغم من أن تلك المظاهر التي لا يمكن تعليق الآمال الكثيرة عليها إلا أنها تشكل مظهرا لافتا للمقاربة الأمريكية لإدارة أزمتها في العراق.وكما واشنطن كذلك دمشق وطهران اللتان تبدوان بحاجة ماسة إلى استدراج واشنطن لمفاوضات بشأن ملف لبنان وبالتالي المحكمة الدولية وكذلك الملف النووي وأساليب التعامل معه.وفي كلا الحالين ثمة تقاطع واضح في المصالح الذي يحكم مربع العلاقة السعودية - الإيرانية - السورية – الأمريكية،الأمر الذي يستوجب بشكل أو بآخر مقاربة إيرانية سعودية هادئة لمؤتمر العراق الدولي، الأمر الذي يوحي بأن القمة الثنائية هي ثلاثية الأبعاد إذا ما أضفنا المثلث السوري الحاضر الغائب في إعمال القمة.
الأمر الثاني ذات الصلة بالقمة الإيرانية السعودية هو محاولة تلمّس ما يمكن أن يطرح في القمة العربية لاحقا لجهة الهواجس الأمنية الخليجية وما يمكن أن يكون قد تبقى من مبادرة قمة بيروت لحل الصراع العربي الإسرائيلي.فالأمر الأول وان كان موضوعا حيويا لإيران وذات صلة بمفاصل السياسات الاستراتيجية الإيرانية وهي معنية به بشكل مباشر،فإن الأمر الثاني بات من أدوات السياسة الخارجية لطهران على قاعدة ما انتهجته طهران من سياسة برغماتية في الآونة الأخيرة تجاه بعض القضايا ومنها الصراع العربي الإسرائيلي.وعليه يمكن القول بأن القمة وإن بدت سريعة وكأنها رُتبت على عجل فان أبعادها وتداعياتها متصل بملفين أساسيين مؤتمر العراق الدولي ومؤتمر القمة العربية وبالتأكيد ما بينهما من تقارير دولية منتظرة تتعلق بالشأن اللبناني والتي لها دلالات قوية على المسار السياسي الإيراني والسوري من ملفات متصلة.
ثمة فرصا قوية لجميع الأطراف أن تنهل ما يمكن الاستفادة منه حاليا،فبالنسبة لإيران تعتبر فرصة سانحة للهروب من سيف مجلس الأمن والعقوبات المهددة بها إن لم يكن البدء في ضربات عسكرية للبرنامج النووي،وبالنسبة لسوريا ثمة فرصا لتفادي سيف المحكمة الدولية،أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فثمة فرصة أكيدة لتفادي مشاكل إدارة الاحتلال في العراق والتأمل بهدوء فيما تصبو إليه من شرق أوسط جديد – كبير.
ثمة لاعبون غير أساسيين يمكن الاستفادة مما يحتمل من نتائج،ابروهم فريقا المعارضة والموالاة في لبنان،إضافة إلى نسيج الطيف السياسي العراقي المتعدد والمتنوع.وفي كلتا الحالتين اللبنانية والعراقية ثمة وقت ستقطع سيمر قبل تبلور المواقف النهائية من مسار ألازمات المتشابكة في المنطقة.
فالمعارضة اللبنانية رغم ما تمكنت من الوصول إليه لم تتمكن من تحقيق أهدافها الاستراتيجية ذات الصلة بطبيعة المشاركة في الحكم،وفي المقابل لم تتمكن السلطة ومن يدعمها من حسم الكثير من القضايا بما فيها ملف المحكمة الدولية،وبدا الطرفين ينتظران ما يمكن أن تؤول إليه أعمال القمة السعودية الإيرانية ليبنى على الشيء مقتضاه،وبصرف النظر عن قدرة الطرفين عن حسم الكثير من الملفات الداخلية بيسر وسهولة فقد بدا الطرفين وكأنهما قد فهما لعبة الربط بين القضايا الداخلية والإقليمية،ما سهَّل استغلال الخارج للداخل اللبناني باستعمال الوضع القائم كأدوات فاعلة لأي سياسية خارجية إقليمية طامحة في المنطقة.لذا إن ابرز ما يمكن التوصل إليه في المرحلة المنظورة من القمة السعودية الإيرانية هو تنظيم إدارة ألازمة بانتظار مستجدات أخرى إما تكرّس حلا ما على قاعدة لا غالب ولا مفلوب وإما إعادة إنتاج أزمة جديدة ستكون اشد عنفا وفتكا بالواقع اللبناني برمته،وهذا ما ستتبلور مظاهره المبدئية في النتائج المحتملة للمؤتمر الدولي للعراق.
قبل القمة بأيام قليلة عقدت سبع دول إسلامية اجتماعا في كراتشي بحثت فيه الوضع الإيراني والسوري وتداعياته في المنطقة وغريب المفارقات أن الدولتان المعنيتان قد غيبتا عن الاجتماع،ما فسرته طهران علامة سلبية كبيرة من جانب الرياض،فهل أتت القمة لتعيد تظهير علاقة الضرورة لتنظيم إدارة الأزمات؟ وهل أن كل من السعودية وإيران قادرتان على إنتاج حل للعديد من ملفات المنطقة بمعزل عن رضا الولايات المتحدة الأمريكية ورؤيتها لهذه الحلول؟ ثمة شكوك كثيرة تحيط بهذه الأسئلة وهو ما شكل التحدي الكبير أمام مؤتمر العراق الدولي الذي كان بمثابة الامتحان الخطي لمجمل التفاهمات المرغوبة من جميع الأطراف أولا، ومن ثم ثانيا سيكون الأمر متعلقا بما يمكن التوصل إليه في مؤتمر القمة العربية في الرياض أواخر الشهر الحالي.وإذا كان كلا من الحضور الإيراني والسوري كان لافتا في المؤتمر الأول كونه جمعهما مع الأمريكيين منذ فترة ليست بقصيرة،فإن طيف إيران سيكون حاضرا بشدة في المؤتمر الثاني.وحتى ينعقد مؤتمر القمة ثمة وقت سيكون طويلا في حسابات الزمن السياسي العربي الدائم الاتكال على المواعيد والاستحقاقات التي غالبا ليس له اليد الطولى في صناعة وقائعها وأحداثها وبالتأكيد نتائجها.