ما الجديد في المبادرة العربية تجاه لبنان؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
قبل أن ينهي مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية اجتماعه،كان إطلاق النار على المبادرة الفرنسية قد اخذ فعله على الساحة اللبنانية،وبدت وقائع السياسة كما الأمن مكشوفة على مصراعيها،فأتت مقررات وزراء الخارجية العرب كمن يحاول إنقاذ الغريق بعد وفاته،فما الجديد في الوساطة وما هي شروط نجاحها؟.
ففي المحاولات السابقة التي قام بها الأمين العام للجامعة العربية كانت أدوات ووسائل التدخل العربي متعددة المواضيع والأهداف،فيما اليوم وان كانت هذه المواضيع تكرر نفسها في بعض الجوانب،إلا أن ثمة متغيرات كثيرة قد حصلت وربما تغيّر من طبيعة الدور والمواضيع وحتى النتائج وان كانت معروفة سلفا.فالمحكمة الخاصة بلبنان قد أقرت وبالتالي المقايضة بين الحكومة والمحكمة التي مشى فيها الأمين العام سابقا لم تعد موجودة عمليا.كما أن صيغة الثلث المعطل لم تعد واردة بفعل تخطي الزمن لهذا المطلب من قبل المعارضة والموالاة وبدا الحديث يتجه لناحية انتخابات الرئاسة، الأمر الذي سيزيد موضوعات المبادرة والوساطة تعقيدا في وقت تضيق الخيارات بأصحابها.
أما الجديد الآخر،فانتقال المبادرة عمليا من مستوى الجامعة نفسها ،إلى مستوى أرقى دبلوماسيا وسياسيا بعد ضمّ السعودية ومصر وقطر وتونس إلى الجهود المعلق عليها الآمال،وبالتالي تشعب وتنوع الرؤى في وقت لا زالت سياسة المحاور العربية تفعل فعلها في الأزمات الداخلية العربية من العراق مرورا بفلسطين وصولا إلى لبنان ناهيك عن عشرات التفاصيل في غير مكان عربي.
والجديد هذه المرة أيضا، دخول عنصر أضافي "فتح الإسلام" وما يعنيه من تعقيدات الوضع الفلسطيني في لبنان،معطوفة على موروثات سياسية وعقائدية لهذه الجماعات وما يمكن ان تؤثر في مسار الأزمة اللبنانية الحالية.
لقد بدا بيان الوزراء العرب أقرب إلى قاعدة "لا يقتل الذئب ولا يفنى الغنم" عبر محاولة التوفيق بين مطالب بعض اللبنانيين والموقف السوري من الأزمة اللبنانية،وهو وان لم يقدم جديدا ذات مفاعيل قابلة للحياة،إلا أنه يعتبر من باب المحاولة لفتح ثغرة في الجدار العازل بين اللبنانيين أنفسهم،في وقت يتسابق جميع اللاعبين لبنانيين وإقليميين ودوليين على لعبة شراء الوقت المستقطع في عمر الأزمات الكبرى في المنطقة.
إن نجاح الوساطة تتطلب شروطا متنوعة ومتعددة وتحتاج إلى جهود ربما تكون أكبر من حدود الصلاحيات الممنوحة أساسا لجامعة الدول العربية وأيضا للجانها، والأكيد أيضا تتعدى طاقتها وقدرتها.وفي هذا الإطار يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
- لم تكن جامعة الدول العربية منذ نشأتها في العام 1945 موقعا يمكن الاعتماد عليه لحل الأزمات العربية – العربية أو الأزمات الداخلية العربية رغم إسناد ميثاقها لمثل هذه المهام لمختلف أجهزتها ومنها الأمانة العامة، إلا أن هامش التحرك ظل مرتبطا بمدى توافق الأطراف الفاعلة بالجامعة ومدى قدرتهم منفردين على حل الأزمات بمعزل عن الضغوط الإقليمية والدولية.
- إن الإنصاف يستدعي الاعتراف بأن غالبية ألازمات العربية ومنها اللبنانية كانت بغالبتها ذات طبيعة مركبة ومعقدة بحيث يستحيل على الأطراف العربية في الجامعة حلها، فمعظم النزاعات عربية - عربية كانت أم عربية غير عربية أو داخلية، تداخلت فيها عناصر خارجية إقليمية مؤثرة بحيث يصعب إنتاج أي حل – تسوية بمعزل عن مصالح هذه الأطراف؛ واستطرادا فيما يختص بالحالة اللبنانية ثمة أزمات متلاحقة بدء من عام 1958 مرورا بأزمات 1969 و1973 و1975 وصولا إلى الأزمة الحالية؛ وجميعها لم تتمكن الجامعة العربية من أن تكون فاعلة في حلها.
- إن سرعة الفرز السياسي بين الدول المركزية العربية في محاور متقابلة تجاه بعض القضايا العربية العامة أو الأزمات الداخلية العربية قد عقّد مهام الوساطات التي جرت أو المحتملة، وبالتالي تضاؤل فرص الحلول إن لم يكن انعدامها وهذا ما انطبق وينطبق أيضا على الحالة اللبنانية.
- إن بعض الأطراف الإقليمية غير العربية تمكنت وبسهولة من النفاد إلى عمق ألازمات الداخلية العربية ومنها اللبنانية، ذلك بفعل عدم قدرة أي طرف من حسم الأمور لمصلحته بمعزل عن دعم خارجي، الأمر الذي أسس لبيئة لبنانية داخلية قابلة للفرز بأي اتجاه كان سياسي طائفي مذهبي مناطقي... ما عقد ويعقد الأمور في أي مسعى أو وساطة ومنها الوساطة العربية الحالية.
- إن وقوف الأطراف الداخلية اللبنانية عند الحدود القصوى لمطالبها وعدم وجود الاستعداد الكافي للتلاقي على نقاط محددة يجعل الوساطة العربية تبدو وكأنها تسابق الزمن بين انطلاقتها والعودة إلى من حيث بدأت، في وقت تبدو جميع الأطراف تستسهل لعبة شراء الوقت المستقطع من عمر الانفجار المحدد.
وإذا كانت هذه العقبات تبدو من أسباب فشل الوساطات العربية حتى الآن، فما هي شروط نجاحها وهل بالامكان التوصل إليها؟.
إن ابرز الشروط المطلوبة لتخطي هذه الأزمة بالتحديد هي وعي اللبنانيون أنفسهم بأن ما يمر به لبنان هو ظرف يستحيل معه المناورة لتقطيع الوقت بانتظار ظروف أخرى تدعم هذا الفريق أو ذاك، ففي الأزمات الكبيرة السابقة ظلت قواعد اللعبة مضبوطة إلى حد كبير،إذ اتسمت جميع مفاصل الأزمات بالقدرة على إدارتها داخليا وخارجيا،أما اليوم فيبدو أن الآمر مختلف تماماً،فمؤسسات الحكم هي طرف والأطراف الأخرى إما جزءاً منها أو معارضا لها،كما أن موضوعاتها وتفاصيلها عززت صورة الانتقال من الفرز السياسي إلى المذهبي في بعض وجوهه ما يعقد شروط نجاح الوساطة.
ثاني الشروط المطلوبة هي وعي جميع الدول العربية ومحاورها،بأن تعزيز سياساتها لا يتطلب بالضرورة دعم الأطراف اللبنانية لمواقفها غير القابلة للهضم السياسي والوطني،بل يتطلب بالضرورة الوقوف على مسافة واحدة من الجميع والنظر بعين واحدة لبعض القضايا ذات الصلة بالأمور المصيرية وتلك القضايا المؤثرة فيها لا سيما المسائل الميثاقية.والاقتناع أيضا بأن وصول لبنان إلى حالة الانفجار الداخلي سيصيب كل من حوله وربما تكون ارتدادات الإصابة أشد قسوة وخطرا.
والشرط الثالث اقتناع الدول الإقليمية والدولية المؤثرة بأن أي حل للقضايا المزمنة تتطلب حلولا سياسية قابلة للحياة، وأن الهروب إلى الأمام وشراء الوقت في أزمات لبنان الداخلية سيزيد الأمور تعقيدا.
إن حدود وشروط نجاح الوساطة العربية ليست متوفرة على ما يبدو حتى الآن،فهل يعي اللبنانيون ما يدور حولهم وما هم يدورون حوله؟ في فلسطين حيث قتال الأخوة قضى على القضية،وفي لبنان ثمة من ينفخ في نار الفتنة عبر بوابة المخيمات،فهل التحق لبنان وفلسطين بالعراق وتشكل برمودا الشرق الأوسط؟.سؤال يستحق التأمل والجواب قبل فوات الآوان.