مستقبل العلاقات الامريكية السورية
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات قي مجلس النواب اللبناني
بصرف النظر عن الشائع في العلاقات الامريكية - السورية من توتر في العلاقات وانقطاع الحوار في الاطر الواسعة واقتصارها في العديد من المظاهر عبر القنوات الديبلوماسية،الا ان هناك العديد من الاسبااب والاعتبارات التي جعلت كلا الطرفين يتجهان باستمرار الى موقع لا يكون الرجوع عن القرارات الصعبة امرا مستحيلا.ذلك نتيجة الحاجة المتبادلة بين البلدين لايجاد نوع من النقاط في تقاطع المصالح ولو في الجانب التكتي من دون استبعاد القضايا الاستراتيجية.
فعلى الرغم من ظهور بعض النقاط الخلافية الحادة وبخاصة ما يتعلق ببعض ملفات السياسات الاقليمية، الا ان سبل الالتقاء لم تنقطع ولو في اشد اللحظات حراجة، ومن هنا يمكن تسجيل العديد من النقاط في هذا السياق للسياسة الخارجية السورية ابرزها:
- لقد تعاملت دمشق مع الملفات الساخنة في المنطقة لا سيما في العقود الثلاث الاخيرة من منطلق السعي الجاد لايجاد حلول جذرية تكفل اغلاق ملفات عمرها من عمر كيانات دول المنطقة،على قاعدة الحلول القابلة للحياة ؛ورغم كلفة هذه المواقف، فان السياسة الخارجية السورية لم تقع في أي خطأ استراتيجي يؤثر على تركيبة النظام السياسي القائم،وهذا استثناء في منطقة اعتادت على سياسات التكيف السريعة مع أي متغير طارىء ولو كان لا يستدعي المتغيرالكثير من التقديمات للحفاظ على اسس النظام.
- وعلى الرغم من سقوط دعائم النظام العالمي في العقد الاخير من القرن الماضي،فقد تخطت دمشق الكثير من القضايا المعقدة، وسجلت في الكثير منها مواقف متقدمة ولافتة على قاعدة الحفاظ على المصالح القومية،مع تسجيل بعض المرونة في المسائل غير المؤثرة في هذه القضايا رغم دقة وصعوبة الظروف التي احاطت بمعالجتها.
- وعلى الرغم من جسامة ما تعرض له الامن القومي العربي من اختراقات هامة بعد 11 ايلول 2001 وتداعياته على المنطقة،فقد سارت الديبلوماسية السورية بين الالغام السياسية المعقدة لا سيما في ملفات العراق وفلسطين ولبنان، كما تمكنت من تخطي الضغوط غير الاعتيادية في ملف العلاقات مع ايران وغيرها من القضايا الحساسة كملف محاربة الارهاب.
وفي مقابل ذلك كيف بدت السياسة الخارجية الامريكية في التعاطي مع قضايا المنطقة وبخاصة الجانب المتعلق بسوريا تحديدا؟. اذا كان بالامكان القول ان الادارة الامريكية تعاطت مع ملف الصراع العربي – الاسرائيلي ببعض الموضوعية في فترة بداية عقد التسعينيات – مؤتمر مدريد ومتابعاته- الا ان اسقاطاته العملية لم تنسحب على سوريا، فقد فضلت واشنطن لاحقا الانجرار وراء الموقف الاسرائيلي بعد وصول الليكود الى السلطة،اضافة الى تمكنها من اخراج الاردن والسلطة الفلسطينية من اطار مؤتمر مدريد، وبالتالي محاولة التأثير على القرارين السوري واللبناني في هذا المجال،ومن هنا تبرز حساسية العلاقات بين البلدين، باعتبار ان الصراع العربي – الاسرائيلي وتداعياته ارخى ظلالا كثيفة ولفترات طويلة على هذه العلاقات؛ اضافة الى هذا العنصر اتت القضية العراقية لتزيد من مستوى التوتر وبخاصة بعد صدور القرارين 1546 المتعلق بالسبادة العراقية و1559 المتعلق بلبنان.
واذا كان بالامكان القول ان احداث 11 ايلول 2001 قد شكل منعطفا للسياسة الخارجية الامبراطورية الامريكية لجهة محاربة الارهاب،فقد شكل مصطلح الدول المارقة مجالا لواشنطن للصق هذا المصطلح على جميع الدول التي تمانع سياساتها ومنها سوريا بشكل او بآخر في محاولة لابتزاز المواقف في العديد من الملفات،والتي كانت زيارة كولن باول الى دمشق في ايار 2003 ،وزيارة بيرنز في ايلول 2004 تصب في هذا الاتجاه.
وعلى الرغم من ان الديبلوماسيتين الامريكية والسورية قد وجدت بعض النقاط في تقاطع المصالح في بعض الملفات الا ان الوضع اللبناني شكل مناسبة اخرى لاعادة نوع من تشكيل العلاقات بين دمشق وواشنطن وتحديد بعض الاطر لادارة هذه الملفات في هذه الفترة،اذ ان زيارة مساعد وزير الخارجية وليم بيرنز،هدفت في الاساس الى توجيه العديد من الرسائل ذات الطابع القوي، وبلهجة خارجة عن الاطار الديبلوماسي، فما هي اهداف واشنطن المقبلة وكيف ستؤثر في العلاقات بين البلدين؟وفي هذا المجال يمكن تسجيل بعض الملاحظات ابرزها:
- يعتبر الملف العراقي من الاولويات الاستراتيجية للسياسة الخارجية الامريكية التي لا يمكن المسّ به ولا التأثير فيه لا من قريب او بعيد ،وبالتالي ان سعي واشطن نحو ابعاد أي مؤثر اقليمي هو امر جاد،حتى ولو استدعى التصادم مع أي قوة اقليمية ومنها دمشق وطهران.
- وعلى الرغم من ثانوية الوضع اللبناني في الاجندة الامريكية ،الا ان العلاقات اللبنانية – السورية وبخاصة ما استجد في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، قد شكل مناسبة اخرى لواشنطن للضغط على دمشق من البوابة اللبنانية وهذا ما ظهر في القرار 1559 كنقطة تقاطع في المصالح الامريكية- الفرنسية للضغط وان اختلف الاسلوبان الفرنسي والامريكي.
- ان التعثر الامريكي في العراق وعدم قدرتها على ترجمة القرار 1546 فعليا،قد حدا بواشنطن الى البحث عن اطر اخرى لتسريع تنفيذ هذا القرار،ومن البوابة اللبنانية ايضا عبر القرار 1559 المعني فيه بشكل اساس سوريا وليس لبنان ،اضافة الى قانون محاسية سوريا ومتابعاته الاخيرة في مجلسي الكونغرس زالشيوخ.
- ان التطابق الكامل والدقيق بين السياستين الاسرائيلية والامريكية تجاه قضايا المنطقة، شكل وجها آخرا لتوتير العلاقات الامريكية - السورية،عبر اقناع اسرائيل للادارة الامريكة بأن الدور السوري في لبنان وفلسطين عبر المقاومة والانتفاضة عامل مؤثر في برنامج واشنطن ليس للمنطقة فحسب ، وانما على مساحة الشرق الاوسط الكبير الذي يشكل عصب السياسة الامريكية في هذه الفترة.
لتلك الاسباب ولغيرها ايضا تبدو ان العلاقات بين البلدين كانت بحاجة دائمة الى ترميم ومتابعة دقيقة،ولم تكن واشطن بعيدة عن فهم هذا الواقع كما دمشق، ولذلك كانت رسائل وليم بيرنز في دمشق مؤخرا وما تبعها من توضيحات على مستوى مساعد وزير الخارجية وغيره من المسؤولين الامريكيين .
ان قراءة بيرنز لنص مكتوب بعد لقائه الرئيس السوري،بشار الاسد،واستهلاله بأن الساعة قد أزفت لاتخاذ المواقف،يظهر مدى جدية واشنطن في المضي بما تهدف اليه،وهنا ليس بالضرورة كما يفسر بعض اللبنانيين بأنها مناسبة هامة للمعارضة للاسترسال في ضغوطها على الحكم في لبنان، بل ان الامر يتعدى الوضع اللبناني الذي يعتبر شأنا ثانويا امريكيا كما اسلفنا، ليعالج الملف العراقي وقضايا الحرب والسلم في المنطقة بعد الاشارات العابرة حول امكانية تحريك المفاوضات بين سوريا واسرائيل،وادعاء وزير خارجية اسرائيل،سلفان شالوم، بأن لبنان سيكون البلد الثالث الذي يوقع معاهدة سلام مع تل ابيب.
لقد تناست او تجاهلت كل من واشنطن وتل ابيب،نتائج اتفاق 17 ايار 1983 بين لبنان واسرائيل الموجه الى سوريا بشكل اساس والذي كان برعاية امريكية مباشرة، كما يحاولان تجاهل ما يشكل لبنان من عمق استراتيجي لسوريا، الامر الذي يستدعي من دمشق دوام المحافظة على الاوراق التي تمس امنها القومي قبل الوطني، واعتقد بأن الولايات المتحدة تدرك جيدا هذه المعادلة الدقيقة لسوريا ، ومن هنا كان الاتفاق السوري - الامريكي على متابعة الوضع العراقي في لجنة مشتركة بعد زيارة بيرنز الاخيرة لدمشق.
ان افق العلاقات بين البلدين في المرحلة القادمة وان لن تكون بأحسن حال عما سبقت فانها لن تكون بأسوأ مما مرّ بها من أزمات صعبة، وان مقياس مستوى العلاقات سيكون مرتبطا بمدى الرؤية الدقيقة والموضوعية للديبلوماسية السورية للقرارين 1546و1559 ،كما سيكون تقرير الامين العام للامم المتحدة كوفي انان في الثالث من تشرين الاول القادم مؤشرا واضحا في هذا السياق،اذ ان واشنطن هي من ستتولى كتابة التقرير وباريس ستتولى طباعته ولن يكون دور انان سوى تلاوته.
ان واشنطن مجبرة الى حد كبير ومهما اختلفت الظروف، ان تحافظ على حد ادنى من ايجاد التواصل مع دمشق،فان كان مفتاح الحرب لا يمر في سوريا الا ان مفتاح السلام هو في دمشق تحديدا،فالى متى ستظل السياسة الامريكية تتجاهل هذه المعادلات؟ والى متى ستظل العلاقات الامريكية السورية مرهونة برعونة سياسات تل ابيب؟ ربما بل الاكيد ان الاجابة على هذه التساؤلات هي في الادارة الامريكية وتحديدا في البنتاغون قبل غيره من مراكز قرار السياسة الخارجية الامريكية.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات قي مجلس النواب اللبناني
بصرف النظر عن الشائع في العلاقات الامريكية - السورية من توتر في العلاقات وانقطاع الحوار في الاطر الواسعة واقتصارها في العديد من المظاهر عبر القنوات الديبلوماسية،الا ان هناك العديد من الاسبااب والاعتبارات التي جعلت كلا الطرفين يتجهان باستمرار الى موقع لا يكون الرجوع عن القرارات الصعبة امرا مستحيلا.ذلك نتيجة الحاجة المتبادلة بين البلدين لايجاد نوع من النقاط في تقاطع المصالح ولو في الجانب التكتي من دون استبعاد القضايا الاستراتيجية.
فعلى الرغم من ظهور بعض النقاط الخلافية الحادة وبخاصة ما يتعلق ببعض ملفات السياسات الاقليمية، الا ان سبل الالتقاء لم تنقطع ولو في اشد اللحظات حراجة، ومن هنا يمكن تسجيل العديد من النقاط في هذا السياق للسياسة الخارجية السورية ابرزها:
- لقد تعاملت دمشق مع الملفات الساخنة في المنطقة لا سيما في العقود الثلاث الاخيرة من منطلق السعي الجاد لايجاد حلول جذرية تكفل اغلاق ملفات عمرها من عمر كيانات دول المنطقة،على قاعدة الحلول القابلة للحياة ؛ورغم كلفة هذه المواقف، فان السياسة الخارجية السورية لم تقع في أي خطأ استراتيجي يؤثر على تركيبة النظام السياسي القائم،وهذا استثناء في منطقة اعتادت على سياسات التكيف السريعة مع أي متغير طارىء ولو كان لا يستدعي المتغيرالكثير من التقديمات للحفاظ على اسس النظام.
- وعلى الرغم من سقوط دعائم النظام العالمي في العقد الاخير من القرن الماضي،فقد تخطت دمشق الكثير من القضايا المعقدة، وسجلت في الكثير منها مواقف متقدمة ولافتة على قاعدة الحفاظ على المصالح القومية،مع تسجيل بعض المرونة في المسائل غير المؤثرة في هذه القضايا رغم دقة وصعوبة الظروف التي احاطت بمعالجتها.
- وعلى الرغم من جسامة ما تعرض له الامن القومي العربي من اختراقات هامة بعد 11 ايلول 2001 وتداعياته على المنطقة،فقد سارت الديبلوماسية السورية بين الالغام السياسية المعقدة لا سيما في ملفات العراق وفلسطين ولبنان، كما تمكنت من تخطي الضغوط غير الاعتيادية في ملف العلاقات مع ايران وغيرها من القضايا الحساسة كملف محاربة الارهاب.
وفي مقابل ذلك كيف بدت السياسة الخارجية الامريكية في التعاطي مع قضايا المنطقة وبخاصة الجانب المتعلق بسوريا تحديدا؟. اذا كان بالامكان القول ان الادارة الامريكية تعاطت مع ملف الصراع العربي – الاسرائيلي ببعض الموضوعية في فترة بداية عقد التسعينيات – مؤتمر مدريد ومتابعاته- الا ان اسقاطاته العملية لم تنسحب على سوريا، فقد فضلت واشنطن لاحقا الانجرار وراء الموقف الاسرائيلي بعد وصول الليكود الى السلطة،اضافة الى تمكنها من اخراج الاردن والسلطة الفلسطينية من اطار مؤتمر مدريد، وبالتالي محاولة التأثير على القرارين السوري واللبناني في هذا المجال،ومن هنا تبرز حساسية العلاقات بين البلدين، باعتبار ان الصراع العربي – الاسرائيلي وتداعياته ارخى ظلالا كثيفة ولفترات طويلة على هذه العلاقات؛ اضافة الى هذا العنصر اتت القضية العراقية لتزيد من مستوى التوتر وبخاصة بعد صدور القرارين 1546 المتعلق بالسبادة العراقية و1559 المتعلق بلبنان.
واذا كان بالامكان القول ان احداث 11 ايلول 2001 قد شكل منعطفا للسياسة الخارجية الامبراطورية الامريكية لجهة محاربة الارهاب،فقد شكل مصطلح الدول المارقة مجالا لواشنطن للصق هذا المصطلح على جميع الدول التي تمانع سياساتها ومنها سوريا بشكل او بآخر في محاولة لابتزاز المواقف في العديد من الملفات،والتي كانت زيارة كولن باول الى دمشق في ايار 2003 ،وزيارة بيرنز في ايلول 2004 تصب في هذا الاتجاه.
وعلى الرغم من ان الديبلوماسيتين الامريكية والسورية قد وجدت بعض النقاط في تقاطع المصالح في بعض الملفات الا ان الوضع اللبناني شكل مناسبة اخرى لاعادة نوع من تشكيل العلاقات بين دمشق وواشنطن وتحديد بعض الاطر لادارة هذه الملفات في هذه الفترة،اذ ان زيارة مساعد وزير الخارجية وليم بيرنز،هدفت في الاساس الى توجيه العديد من الرسائل ذات الطابع القوي، وبلهجة خارجة عن الاطار الديبلوماسي، فما هي اهداف واشنطن المقبلة وكيف ستؤثر في العلاقات بين البلدين؟وفي هذا المجال يمكن تسجيل بعض الملاحظات ابرزها:
- يعتبر الملف العراقي من الاولويات الاستراتيجية للسياسة الخارجية الامريكية التي لا يمكن المسّ به ولا التأثير فيه لا من قريب او بعيد ،وبالتالي ان سعي واشطن نحو ابعاد أي مؤثر اقليمي هو امر جاد،حتى ولو استدعى التصادم مع أي قوة اقليمية ومنها دمشق وطهران.
- وعلى الرغم من ثانوية الوضع اللبناني في الاجندة الامريكية ،الا ان العلاقات اللبنانية – السورية وبخاصة ما استجد في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، قد شكل مناسبة اخرى لواشنطن للضغط على دمشق من البوابة اللبنانية وهذا ما ظهر في القرار 1559 كنقطة تقاطع في المصالح الامريكية- الفرنسية للضغط وان اختلف الاسلوبان الفرنسي والامريكي.
- ان التعثر الامريكي في العراق وعدم قدرتها على ترجمة القرار 1546 فعليا،قد حدا بواشنطن الى البحث عن اطر اخرى لتسريع تنفيذ هذا القرار،ومن البوابة اللبنانية ايضا عبر القرار 1559 المعني فيه بشكل اساس سوريا وليس لبنان ،اضافة الى قانون محاسية سوريا ومتابعاته الاخيرة في مجلسي الكونغرس زالشيوخ.
- ان التطابق الكامل والدقيق بين السياستين الاسرائيلية والامريكية تجاه قضايا المنطقة، شكل وجها آخرا لتوتير العلاقات الامريكية - السورية،عبر اقناع اسرائيل للادارة الامريكة بأن الدور السوري في لبنان وفلسطين عبر المقاومة والانتفاضة عامل مؤثر في برنامج واشنطن ليس للمنطقة فحسب ، وانما على مساحة الشرق الاوسط الكبير الذي يشكل عصب السياسة الامريكية في هذه الفترة.
لتلك الاسباب ولغيرها ايضا تبدو ان العلاقات بين البلدين كانت بحاجة دائمة الى ترميم ومتابعة دقيقة،ولم تكن واشطن بعيدة عن فهم هذا الواقع كما دمشق، ولذلك كانت رسائل وليم بيرنز في دمشق مؤخرا وما تبعها من توضيحات على مستوى مساعد وزير الخارجية وغيره من المسؤولين الامريكيين .
ان قراءة بيرنز لنص مكتوب بعد لقائه الرئيس السوري،بشار الاسد،واستهلاله بأن الساعة قد أزفت لاتخاذ المواقف،يظهر مدى جدية واشنطن في المضي بما تهدف اليه،وهنا ليس بالضرورة كما يفسر بعض اللبنانيين بأنها مناسبة هامة للمعارضة للاسترسال في ضغوطها على الحكم في لبنان، بل ان الامر يتعدى الوضع اللبناني الذي يعتبر شأنا ثانويا امريكيا كما اسلفنا، ليعالج الملف العراقي وقضايا الحرب والسلم في المنطقة بعد الاشارات العابرة حول امكانية تحريك المفاوضات بين سوريا واسرائيل،وادعاء وزير خارجية اسرائيل،سلفان شالوم، بأن لبنان سيكون البلد الثالث الذي يوقع معاهدة سلام مع تل ابيب.
لقد تناست او تجاهلت كل من واشنطن وتل ابيب،نتائج اتفاق 17 ايار 1983 بين لبنان واسرائيل الموجه الى سوريا بشكل اساس والذي كان برعاية امريكية مباشرة، كما يحاولان تجاهل ما يشكل لبنان من عمق استراتيجي لسوريا، الامر الذي يستدعي من دمشق دوام المحافظة على الاوراق التي تمس امنها القومي قبل الوطني، واعتقد بأن الولايات المتحدة تدرك جيدا هذه المعادلة الدقيقة لسوريا ، ومن هنا كان الاتفاق السوري - الامريكي على متابعة الوضع العراقي في لجنة مشتركة بعد زيارة بيرنز الاخيرة لدمشق.
ان افق العلاقات بين البلدين في المرحلة القادمة وان لن تكون بأحسن حال عما سبقت فانها لن تكون بأسوأ مما مرّ بها من أزمات صعبة، وان مقياس مستوى العلاقات سيكون مرتبطا بمدى الرؤية الدقيقة والموضوعية للديبلوماسية السورية للقرارين 1546و1559 ،كما سيكون تقرير الامين العام للامم المتحدة كوفي انان في الثالث من تشرين الاول القادم مؤشرا واضحا في هذا السياق،اذ ان واشنطن هي من ستتولى كتابة التقرير وباريس ستتولى طباعته ولن يكون دور انان سوى تلاوته.
ان واشنطن مجبرة الى حد كبير ومهما اختلفت الظروف، ان تحافظ على حد ادنى من ايجاد التواصل مع دمشق،فان كان مفتاح الحرب لا يمر في سوريا الا ان مفتاح السلام هو في دمشق تحديدا،فالى متى ستظل السياسة الامريكية تتجاهل هذه المعادلات؟ والى متى ستظل العلاقات الامريكية السورية مرهونة برعونة سياسات تل ابيب؟ ربما بل الاكيد ان الاجابة على هذه التساؤلات هي في الادارة الامريكية وتحديدا في البنتاغون قبل غيره من مراكز قرار السياسة الخارجية الامريكية.