قراءة هادئة في انتخابات المتن وبيروت : د. خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
غريب المفارقات في الحياة السياسية اللبنانية الحرفية العالية التي يتمتع بها مختلف التيارات والشخصيات العامة، ففي لبنان ليس اسهل من تحقيق الهزيمة الى نصر او النصر الى هزيمة، وليس ابسط من تبرير المشاركة او المبارزة في معرض الرفض للمعركة وان كانت في بعض وجوهها لزوم ما لا يلزم، والاطرف في كل ذلك تبقى الروح الرياضية التي يتمتعون بها في قبول الهزيمة كما النصر وتوفير الحجج والمبررات للخصم لتشجيعه على المساومة لاخراج الفوز او السقوط على انه باب من ابواب الديموقراطية والحق في البقاء السياسي في محيطه وبالتالي الحق في عدم انقراض الارث السياسي الذي يتمتع به حتى معظم من يتنكرون لهذه الفصيلة السياسية اللبنانية.
فاللبنانيون حزموا امرهم موالاة ومعارضة لخوض ام المعارك في انتخابات المتن وبيروت، على قاعدة اثبات الوجود عددا وعدة، فثوروا الطوائف وحتى المذاهب ولم توفر في المعركة اي سلاح محرم او مسموح في سبيل اثبات الوجود حتى ولو استعملت حجج وقرائن الخصوم، حتى يحار الناظر كيف يوصف او يكيف انتخابات ربما لن ينساها حتى الذين توعدوا بتلقين الدروس.
اسئلة كثيرة تطول بطول تناقضات المعارضة والموالاة في آن معا، فكيف تخوض المعارضة معركة انتخابية نتاج حكومة يطعنون بشرعيتها ودستوريتها؟ وكيف يتقدم المرشح بطعن يتعلق بالمقعد الذي يترشح عليه؟وكيف يمكن تبرير الفوز الساحق في معرض الفارق المتواضع؟ وكيف يمكن فهم التمثيل في ظل مشاركة لم تتعد نصف عدد الناخبين؟ وكيف يمكن انصاف غير المشاركين الين يعتبرون في هذه الحالة اكثرية وليس أقلية.
في المقابل كيف يمكن تفسير نتيجة الانتخابات التي خاضتها الموالاة وكيف يمكن اقناع على الاقل الذين ينتمون الى هذه الدائرة بالتحديد ان من فاز يمثلهم في ظل مشاركة لم تتعد 19%؟ وبالتالي كيف يمكن اقناع المواطن العادي حتى الذي لا تعنيه دهاليز السياسة بأن من خاض الانتخابات في بيروت هي الاكثرية الحقيقية؟سيل من الاسئلة التي يصعب الاجابة عليها او تبريرها.
وبصرف النظر عن كل التبريرات التي سيقت لخوض المعركتين الانتخابيتين في بيروت والمتن تبقى العديد من الملاحظات التي يمكن ذكرها وابرزها:
لم تكن معركة المتن في الوجهة التي اريد لها من قبل الطرفين، فمن الناحية العملية فازت المعارضة في مقعد اضافي من دون التمكن من امكانية استغلاله بشكل فاعل في المعركة القادمة المتعلقة بانتخابات الرئاسة، وفي مطلق الاحوال ان اي من الطرفين المعارضة والموالاة لن تتمكن من تأمين الثلثين في مجلس النواب دون الاتفاق المسبق على اي اسم رئيس او برنامج يحمله.
ان النسب التي نالها الفائز والخاسر في المتن لا تكفي من الناحية العملية لاثبات التمثيل الساحق في الوسط الشعبي الذي خيضت فيه الانتخابات وحتى في المساحات الانتخابية الاخرى. فالفارق اذا كان كالذي اعلن عنه لا يعطي حصرا تمثيليا لافتا يتيح القول من خلاله ان الرابح او الخاسر كان منتصرا او مهزوما، بقدر ما يتيح القول ان المزاج الانتخابي المتني كان مشتتا واللاعب الاساسي فيه كان الطرف الذي لا ينتمي اليه المرشحان نفسيهما.ما يضيق اشكاليات جديدة في فلسفة الانتخابات اللبنانية ونتائجها وتداعياتها المعتادة.
ان الخريطة السياسية التي انتجتها انتخابات المتن سيكون لها تداعيات لافتة في المرحلة اللاحقة، فمهما قيل وسيقال فإن حزبا سياسيا اساسيا في التركيبة السياسية اللبنانية ستصيبه تداعيات التراجع الشعبي والتمثيلي بعد جهود مضنية بذلت في المرحلة السابقة لتعويمه واعادته الى الصفوف الامامية، سيما وان حالات مماثلة قد حصلت مع احزاب ذات طبيعة سياسية وايديولوجية مماثلة.
كما ان الامر لن يقتصر على حالة حزب بعينه او فئة بعينها بل ان تشظي نتائج الانتخابات سيطال جميع من شارك فيها باعتبارها لن تنتج الحد الادنى المعول عليه، فهي لم تثبّت زعامة بمواصفات انفرادية ولم تلغ أطرافا او زعامات سياسية بالمطلق، بل ان الاخراج قد حفظ الحد الادنى من ماء الوجه السياسي لكلا الطرفين، على قاعدة ان المتن صوّت لحزب الكتائب واختار التيار الوطني ممثلا.
واذا كان الامر يبدو بهذه التناقضات في المتن وان سُميت لعبة ديموقراطية، فان ما جرى في بيروت لا يقل دلالة وتداعيات ومن بينها:
اذا كانت الموالاة قد تمكنت مرة اخرى من قدرتها على تمرير ما تريد، وانجزت انتخابات فازت بمقعده فلم تتمكن من اثبات انها الاكثرية كما تدّعي، فالمشاركة لم تتعد التسعة عشرة في المئة، ونسبة الفوز من عدد الناخبين هي اقل بالتأكيد، وبالتالي لم تستطع خلال كل الفترة السابقة من انتاج واقع سياسي انتخابي ملائم لها، ما يخفف بريقها الاكثرية لصالح المعارضة.
لقد اثبتت ارقام المقترعين ان ثمة عدم قدرة في جذب الناخبين المنتمين لغير الطوائف والمذاهب، ما يعني عدم قدرة جميع الاطراف السياسيين المنخرطين في هذه اللعبة الانتخابية الخروج من مذاهبهم وطوائفهم، وبالتالي عدم قدرة المونّة السياسية اذا جاز التعبير على تجيير الاصوات حتى في الفريق السياسي الواحد، وهذا ما اكدته النسب المتواضعة لمشاركة بعض الاطراف، وبصرف النظر عما قيل ان المعركة الانتخابية محسومة سلفا في هذه الدائرة.
في مقابل ذلك وان لم تخض المعارضة في كافة تلاوينها السياسية المعركة الانتخابية على قاعدة عدم الاعتراف بشرعية ما انتج آلياتها، فان الطرف الذي خاضها ومن دعمه بصفة فردية لا سياسية لم يتمكن من تسجيل الموقف الذي خاض على اساسه الانتخابات، ففي الواقع ان حجم المعارضة في هذه الدائرة هو اكبر من حجم الاصوات التي نالها الخاسر، ما يعني كذلك ان المعارضة لم تثبت قدرتها على ترجمة قوتها الفعلية لسبب او لآخر، واكتفت بتسجيل موقف المقاطعة الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
وبصرف النظر ايضا عن حجم التمثيل والنسب فان الموالاة تمكنت من الحفاظ على مقعد نيابي لن يغير نوعيا في فعالية الحجم الانتخابي للمعركة القادمة، وعليه فان الانتخابات بحد ذاتها كانت من قبيل تسجيل المواقف غير القابلة للصرف السياسي في اي اتجاه متاح.
في تاريخ لبنان الانتخابي الحديث العامة والفرعية منذ العام 1943 لم تسجل سابقة لافتة ذات مدلولات سياسية واعدة، جلها كانت انتخابات تكملة العدد النيابي باستثناء بعض المواقع والمطارح التي كان سببها محطات سياسية خارجية لا يبنى عليها قواعد ثابتة، فهل يمكن القول ان انتخابات بيروت والمتن من قبيل معارك داحس والغبراء في الحياة الانتخابية اللبنانية ام انها ستؤسس لحالات لاحقة؟
ان التدقيق في ظروف لبنان الحالية واللاحقة الداخلية والخارجية تظهر ان الانتخابات لم ولن تكون سوى محطة في تاريخ الخلافات اللبنانية المتنوعة والمتعددة الاشكال والانواع، وأن القول، ان الغد يوم آخر لهو امر ينبغي اعادة النظر به؛ لكن ما يواسي النفس الحنكة الغريبة التي يتمتع بها جميع اللبنانيين على اختلاف مشاربهم في قدرتهم على هضم الخسارة والربح في آن معا دون حرج او وجل امام من يمثلون!
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
غريب المفارقات في الحياة السياسية اللبنانية الحرفية العالية التي يتمتع بها مختلف التيارات والشخصيات العامة، ففي لبنان ليس اسهل من تحقيق الهزيمة الى نصر او النصر الى هزيمة، وليس ابسط من تبرير المشاركة او المبارزة في معرض الرفض للمعركة وان كانت في بعض وجوهها لزوم ما لا يلزم، والاطرف في كل ذلك تبقى الروح الرياضية التي يتمتعون بها في قبول الهزيمة كما النصر وتوفير الحجج والمبررات للخصم لتشجيعه على المساومة لاخراج الفوز او السقوط على انه باب من ابواب الديموقراطية والحق في البقاء السياسي في محيطه وبالتالي الحق في عدم انقراض الارث السياسي الذي يتمتع به حتى معظم من يتنكرون لهذه الفصيلة السياسية اللبنانية.
فاللبنانيون حزموا امرهم موالاة ومعارضة لخوض ام المعارك في انتخابات المتن وبيروت، على قاعدة اثبات الوجود عددا وعدة، فثوروا الطوائف وحتى المذاهب ولم توفر في المعركة اي سلاح محرم او مسموح في سبيل اثبات الوجود حتى ولو استعملت حجج وقرائن الخصوم، حتى يحار الناظر كيف يوصف او يكيف انتخابات ربما لن ينساها حتى الذين توعدوا بتلقين الدروس.
اسئلة كثيرة تطول بطول تناقضات المعارضة والموالاة في آن معا، فكيف تخوض المعارضة معركة انتخابية نتاج حكومة يطعنون بشرعيتها ودستوريتها؟ وكيف يتقدم المرشح بطعن يتعلق بالمقعد الذي يترشح عليه؟وكيف يمكن تبرير الفوز الساحق في معرض الفارق المتواضع؟ وكيف يمكن فهم التمثيل في ظل مشاركة لم تتعد نصف عدد الناخبين؟ وكيف يمكن انصاف غير المشاركين الين يعتبرون في هذه الحالة اكثرية وليس أقلية.
في المقابل كيف يمكن تفسير نتيجة الانتخابات التي خاضتها الموالاة وكيف يمكن اقناع على الاقل الذين ينتمون الى هذه الدائرة بالتحديد ان من فاز يمثلهم في ظل مشاركة لم تتعد 19%؟ وبالتالي كيف يمكن اقناع المواطن العادي حتى الذي لا تعنيه دهاليز السياسة بأن من خاض الانتخابات في بيروت هي الاكثرية الحقيقية؟سيل من الاسئلة التي يصعب الاجابة عليها او تبريرها.
وبصرف النظر عن كل التبريرات التي سيقت لخوض المعركتين الانتخابيتين في بيروت والمتن تبقى العديد من الملاحظات التي يمكن ذكرها وابرزها:
لم تكن معركة المتن في الوجهة التي اريد لها من قبل الطرفين، فمن الناحية العملية فازت المعارضة في مقعد اضافي من دون التمكن من امكانية استغلاله بشكل فاعل في المعركة القادمة المتعلقة بانتخابات الرئاسة، وفي مطلق الاحوال ان اي من الطرفين المعارضة والموالاة لن تتمكن من تأمين الثلثين في مجلس النواب دون الاتفاق المسبق على اي اسم رئيس او برنامج يحمله.
ان النسب التي نالها الفائز والخاسر في المتن لا تكفي من الناحية العملية لاثبات التمثيل الساحق في الوسط الشعبي الذي خيضت فيه الانتخابات وحتى في المساحات الانتخابية الاخرى. فالفارق اذا كان كالذي اعلن عنه لا يعطي حصرا تمثيليا لافتا يتيح القول من خلاله ان الرابح او الخاسر كان منتصرا او مهزوما، بقدر ما يتيح القول ان المزاج الانتخابي المتني كان مشتتا واللاعب الاساسي فيه كان الطرف الذي لا ينتمي اليه المرشحان نفسيهما.ما يضيق اشكاليات جديدة في فلسفة الانتخابات اللبنانية ونتائجها وتداعياتها المعتادة.
ان الخريطة السياسية التي انتجتها انتخابات المتن سيكون لها تداعيات لافتة في المرحلة اللاحقة، فمهما قيل وسيقال فإن حزبا سياسيا اساسيا في التركيبة السياسية اللبنانية ستصيبه تداعيات التراجع الشعبي والتمثيلي بعد جهود مضنية بذلت في المرحلة السابقة لتعويمه واعادته الى الصفوف الامامية، سيما وان حالات مماثلة قد حصلت مع احزاب ذات طبيعة سياسية وايديولوجية مماثلة.
كما ان الامر لن يقتصر على حالة حزب بعينه او فئة بعينها بل ان تشظي نتائج الانتخابات سيطال جميع من شارك فيها باعتبارها لن تنتج الحد الادنى المعول عليه، فهي لم تثبّت زعامة بمواصفات انفرادية ولم تلغ أطرافا او زعامات سياسية بالمطلق، بل ان الاخراج قد حفظ الحد الادنى من ماء الوجه السياسي لكلا الطرفين، على قاعدة ان المتن صوّت لحزب الكتائب واختار التيار الوطني ممثلا.
واذا كان الامر يبدو بهذه التناقضات في المتن وان سُميت لعبة ديموقراطية، فان ما جرى في بيروت لا يقل دلالة وتداعيات ومن بينها:
اذا كانت الموالاة قد تمكنت مرة اخرى من قدرتها على تمرير ما تريد، وانجزت انتخابات فازت بمقعده فلم تتمكن من اثبات انها الاكثرية كما تدّعي، فالمشاركة لم تتعد التسعة عشرة في المئة، ونسبة الفوز من عدد الناخبين هي اقل بالتأكيد، وبالتالي لم تستطع خلال كل الفترة السابقة من انتاج واقع سياسي انتخابي ملائم لها، ما يخفف بريقها الاكثرية لصالح المعارضة.
لقد اثبتت ارقام المقترعين ان ثمة عدم قدرة في جذب الناخبين المنتمين لغير الطوائف والمذاهب، ما يعني عدم قدرة جميع الاطراف السياسيين المنخرطين في هذه اللعبة الانتخابية الخروج من مذاهبهم وطوائفهم، وبالتالي عدم قدرة المونّة السياسية اذا جاز التعبير على تجيير الاصوات حتى في الفريق السياسي الواحد، وهذا ما اكدته النسب المتواضعة لمشاركة بعض الاطراف، وبصرف النظر عما قيل ان المعركة الانتخابية محسومة سلفا في هذه الدائرة.
في مقابل ذلك وان لم تخض المعارضة في كافة تلاوينها السياسية المعركة الانتخابية على قاعدة عدم الاعتراف بشرعية ما انتج آلياتها، فان الطرف الذي خاضها ومن دعمه بصفة فردية لا سياسية لم يتمكن من تسجيل الموقف الذي خاض على اساسه الانتخابات، ففي الواقع ان حجم المعارضة في هذه الدائرة هو اكبر من حجم الاصوات التي نالها الخاسر، ما يعني كذلك ان المعارضة لم تثبت قدرتها على ترجمة قوتها الفعلية لسبب او لآخر، واكتفت بتسجيل موقف المقاطعة الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
وبصرف النظر ايضا عن حجم التمثيل والنسب فان الموالاة تمكنت من الحفاظ على مقعد نيابي لن يغير نوعيا في فعالية الحجم الانتخابي للمعركة القادمة، وعليه فان الانتخابات بحد ذاتها كانت من قبيل تسجيل المواقف غير القابلة للصرف السياسي في اي اتجاه متاح.
في تاريخ لبنان الانتخابي الحديث العامة والفرعية منذ العام 1943 لم تسجل سابقة لافتة ذات مدلولات سياسية واعدة، جلها كانت انتخابات تكملة العدد النيابي باستثناء بعض المواقع والمطارح التي كان سببها محطات سياسية خارجية لا يبنى عليها قواعد ثابتة، فهل يمكن القول ان انتخابات بيروت والمتن من قبيل معارك داحس والغبراء في الحياة الانتخابية اللبنانية ام انها ستؤسس لحالات لاحقة؟
ان التدقيق في ظروف لبنان الحالية واللاحقة الداخلية والخارجية تظهر ان الانتخابات لم ولن تكون سوى محطة في تاريخ الخلافات اللبنانية المتنوعة والمتعددة الاشكال والانواع، وأن القول، ان الغد يوم آخر لهو امر ينبغي اعادة النظر به؛ لكن ما يواسي النفس الحنكة الغريبة التي يتمتع بها جميع اللبنانيين على اختلاف مشاربهم في قدرتهم على هضم الخسارة والربح في آن معا دون حرج او وجل امام من يمثلون!