العرف والدستور
د.خليل حسين
تتعدد التعريفات التي قدّمها علماء الإجتماع وفقهاء القانون للعرف، فوفقا لعلماء الاجتماع هو المعايير الاجتماعية التي توفر المستويات الأخلاقية للسلوك في الجماعة والمجتمع ويشعر أعضاء الجماعة بارتباط عاطفي معها ويرون إن الحفاظ عليها ضرورة لرفاهية الجماعة.تعريف آخر يقول بأن العرف هو كل قواعد السلوك التي يوافق عليها أعضاء المجتمع ويعاقب من يخالفها عقابا اجتماعيا.
وقد استفاد فقهاء القانون من علم الاجتماع في سياق تعريفهم للعرف من المنظور القانوني، فقد اتفقوا على أن العرف يقصد به تواتر العمل على الأخذ المستمر بحلول معينة إلى الحد الذي يتكون معه اعتقاد بضرورة احترامها والانصياع أي الخضوع لحكمها، والعرف على هذا النحو يتكون تلقائيا من ضرورات الحياة في جماعة معينة بمعزل عن تدخل السلطة العامة فيها. ومن ناحية أخرى، فهو مستخلص مما جرى عليه العمل في الجماعة كأمر ملزم دون إن يكون مدونا في وثيقة مكتوبة.
ومن الأهمية بمكان، أن نشير إلى إن التثبّت من وجود هذه القواعد العرفية هو عمل علمي، يخضع للمشاهدة والتجربة، وهو يتمُّ عن طريق قواعد علم الاجتماع القانوني، الذي يتناول بحث الظواهر الاجتماعية القانونية.
ومن ثم، فالعرف الدستوري له ركنان: الركن المادي ويتمثل في قاعدة مطردة التطبيق، أي يتم استخدامها باستمرار عندما تتوافر شروط تطبيقها، ومن جانب سلطات لها صالح في التمسك بها، فالركن المادي يفترض أمرين:
- وجود سلطات تشعر في مجال القانون الدستوري بالحاجة إلى تنظيم العلاقات فيما بينها وبين الأفراد وفقا لقاعدة معينة.
- إطراد السلطات الحاكمة على تطبيق هذه القاعدة دون اعتراض من جانب الجماعة على مدى فترة زمنية تكفي لتحقيق معنى الإطراد، أي أنه يشترط الثبات في تطبيق القاعدة بما ينفي الانقطاع، ويوفّر المدة المعقولة.
أما الركن المعنوي فيتمثل في أن يصبح لهذه القاعدة صفة الإلزام، ويلزم تحديد مركز العرف من الدستور، وأن ينظر إلى الأثر الذي يمكن إن يرتبه العرف بالنسبة إلى الدستور، والذي يتدرّج من الضعف إلى القوة على النحو التالي: تفسير الدستور، إكماله، تعديله، فالعرف إما إن يكون مفسرا، أو مكملا، أو معدلا.
1- العرف المفسِّر:وهو الذي يقتصر أثره على تفسير نص من نصوص الدستور أي أنه يتخذ النص الدستوري سنداً له، ومن ثم لا ينشئ قاعدة جديدة، بل يقف إلى حد بيان الكيفية التي يتم بها تطبيق النصوص الدستورية.
2 - العرف المكمل:وهو الذي ينصرف إلى تنظيم موضوعين لم ينظمها المشرع الدستوري.
3 - العرف المعدِّل:وهو الذي ينصرف أثره إلى تعديل الأحكام التي أوردها الدستور في شأن موضوع معين سواء بالإضافة إلى هذه الأحكام أو بالحذف منها.
ومن ثم يتضح أن للعرف دورا هاما في الدستور وإن أختلف الفقهاء حول هذا الدور وحدوده.
خامسا: موضع القواعد الدستورية بين قواعد القانون العام:
يفرق فقهاء القانون بين نوعين من أنواع قواعد القانون، هما قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص. أما قواعد القانون العام فهي القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها صاحبة السيادة والسلطان، في حين أن قواعد القانون الخاص هي القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي قد تكون الدولة طرفا فيها ولكن كشخص قانوني عادي وليس بإعتبارها صاحبة السيادة والسلطان ومن ثم، فقواعد القانون العام تحتوي على القواعد التي تحدد كيان الدولة وتنظم علاقاتها بصفتها صاحبة السيادة والسلطان بالأفراد والجماعات.
إن القواعد الدستورية تمثل الأساس الذي ينشأ منه كافة قواعد القانون العام، فالدستور هو أساس كل تنظيم في الدولة وهو أساس القوانين فيها ولذلك يطلق عليه القانون الأساسي بالنظر إلى أنه الأساس الذي تقوم عليها الدولة، وترتيبا على ذلك، فإنه لا يجوز إن يصدر قانون آخر داخل الدولة يتعارض مع أحكامه أو يخالفها باعتبار كل قانون آخر في الدولة أدنى منه في المرتبة.
وقواعد الدستور هي قواعد قانونية آمرة أي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها فأي اتفاق على مخالفة هذه القواعد يكون اتفاقا باطلا طالما كان الدستور قائما ومن ثم، فالقواعد الدستورية هي جوهر قواعد القانون العام وهي أساس القواعد القانونية في الدولة بحيث لا يجوز إصدار قوانين أخرى تتعارض مع أحكامها أو تخالفها وهي قواعد آمرة أي ملزمة للكافة ولا يجوز الإتفاق على مخالفتها، ويترتب على ذلك تدرّج التشريع من الضعف إلى القوة على النحو التالي:
- التشريع الفرعي أو الثانوي: وهو اللوائح الإدارية والتنفيذية وتختص بإصدارها عادة السلطة التنفيذية أي الحكومة.
- التشريع العادي: ويختص به البرلمان.
- التشريع الدستوري: أي الدستور وهو الأعلى والأقوى من حيث المرتبة، ويترتب على هذا التدرج أنه يجب أن يتقيّد كل تشريع بالتشريع الأعلى منه درجة، فلا يجوز للتشريع الفرعي أن يتعارض مع تشريع عادي ولا يجوز لأي منهما أن يتعارض مع الدستور.
وإذا صدر أي من هذه التشريعات مخالفا لتشريع أعلى منه درجة فإنه يكون غير شرعي، سواءً كان تشريعا فرعيا أم عاديا ومن ثم تنشأ الحاجة إلى إيجاد تنظيم يكفل رقابة مشروعية التشريعات ويقرر الجزاء بالنسبة للتشريع المخالف.
ورقابة مشروعية التشريع الفرعي، أي اللوائح، هي من صميم مباحث القانون الإداري وتختص به المحاكم الإدارية العليا ،إذ تقوم بدراسة القرارات الإدارية من حيث مدى تعارضها مع قواعد القانون العادي أو عدم تعارضها معه.
أما رقابة مشروعية التشريع العادي فتعرف رقابتها بالرقابة على دستورية القوانين.
د.خليل حسين
تتعدد التعريفات التي قدّمها علماء الإجتماع وفقهاء القانون للعرف، فوفقا لعلماء الاجتماع هو المعايير الاجتماعية التي توفر المستويات الأخلاقية للسلوك في الجماعة والمجتمع ويشعر أعضاء الجماعة بارتباط عاطفي معها ويرون إن الحفاظ عليها ضرورة لرفاهية الجماعة.تعريف آخر يقول بأن العرف هو كل قواعد السلوك التي يوافق عليها أعضاء المجتمع ويعاقب من يخالفها عقابا اجتماعيا.
وقد استفاد فقهاء القانون من علم الاجتماع في سياق تعريفهم للعرف من المنظور القانوني، فقد اتفقوا على أن العرف يقصد به تواتر العمل على الأخذ المستمر بحلول معينة إلى الحد الذي يتكون معه اعتقاد بضرورة احترامها والانصياع أي الخضوع لحكمها، والعرف على هذا النحو يتكون تلقائيا من ضرورات الحياة في جماعة معينة بمعزل عن تدخل السلطة العامة فيها. ومن ناحية أخرى، فهو مستخلص مما جرى عليه العمل في الجماعة كأمر ملزم دون إن يكون مدونا في وثيقة مكتوبة.
ومن الأهمية بمكان، أن نشير إلى إن التثبّت من وجود هذه القواعد العرفية هو عمل علمي، يخضع للمشاهدة والتجربة، وهو يتمُّ عن طريق قواعد علم الاجتماع القانوني، الذي يتناول بحث الظواهر الاجتماعية القانونية.
ومن ثم، فالعرف الدستوري له ركنان: الركن المادي ويتمثل في قاعدة مطردة التطبيق، أي يتم استخدامها باستمرار عندما تتوافر شروط تطبيقها، ومن جانب سلطات لها صالح في التمسك بها، فالركن المادي يفترض أمرين:
- وجود سلطات تشعر في مجال القانون الدستوري بالحاجة إلى تنظيم العلاقات فيما بينها وبين الأفراد وفقا لقاعدة معينة.
- إطراد السلطات الحاكمة على تطبيق هذه القاعدة دون اعتراض من جانب الجماعة على مدى فترة زمنية تكفي لتحقيق معنى الإطراد، أي أنه يشترط الثبات في تطبيق القاعدة بما ينفي الانقطاع، ويوفّر المدة المعقولة.
أما الركن المعنوي فيتمثل في أن يصبح لهذه القاعدة صفة الإلزام، ويلزم تحديد مركز العرف من الدستور، وأن ينظر إلى الأثر الذي يمكن إن يرتبه العرف بالنسبة إلى الدستور، والذي يتدرّج من الضعف إلى القوة على النحو التالي: تفسير الدستور، إكماله، تعديله، فالعرف إما إن يكون مفسرا، أو مكملا، أو معدلا.
1- العرف المفسِّر:وهو الذي يقتصر أثره على تفسير نص من نصوص الدستور أي أنه يتخذ النص الدستوري سنداً له، ومن ثم لا ينشئ قاعدة جديدة، بل يقف إلى حد بيان الكيفية التي يتم بها تطبيق النصوص الدستورية.
2 - العرف المكمل:وهو الذي ينصرف إلى تنظيم موضوعين لم ينظمها المشرع الدستوري.
3 - العرف المعدِّل:وهو الذي ينصرف أثره إلى تعديل الأحكام التي أوردها الدستور في شأن موضوع معين سواء بالإضافة إلى هذه الأحكام أو بالحذف منها.
ومن ثم يتضح أن للعرف دورا هاما في الدستور وإن أختلف الفقهاء حول هذا الدور وحدوده.
خامسا: موضع القواعد الدستورية بين قواعد القانون العام:
يفرق فقهاء القانون بين نوعين من أنواع قواعد القانون، هما قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص. أما قواعد القانون العام فهي القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها صاحبة السيادة والسلطان، في حين أن قواعد القانون الخاص هي القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي قد تكون الدولة طرفا فيها ولكن كشخص قانوني عادي وليس بإعتبارها صاحبة السيادة والسلطان ومن ثم، فقواعد القانون العام تحتوي على القواعد التي تحدد كيان الدولة وتنظم علاقاتها بصفتها صاحبة السيادة والسلطان بالأفراد والجماعات.
إن القواعد الدستورية تمثل الأساس الذي ينشأ منه كافة قواعد القانون العام، فالدستور هو أساس كل تنظيم في الدولة وهو أساس القوانين فيها ولذلك يطلق عليه القانون الأساسي بالنظر إلى أنه الأساس الذي تقوم عليها الدولة، وترتيبا على ذلك، فإنه لا يجوز إن يصدر قانون آخر داخل الدولة يتعارض مع أحكامه أو يخالفها باعتبار كل قانون آخر في الدولة أدنى منه في المرتبة.
وقواعد الدستور هي قواعد قانونية آمرة أي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها فأي اتفاق على مخالفة هذه القواعد يكون اتفاقا باطلا طالما كان الدستور قائما ومن ثم، فالقواعد الدستورية هي جوهر قواعد القانون العام وهي أساس القواعد القانونية في الدولة بحيث لا يجوز إصدار قوانين أخرى تتعارض مع أحكامها أو تخالفها وهي قواعد آمرة أي ملزمة للكافة ولا يجوز الإتفاق على مخالفتها، ويترتب على ذلك تدرّج التشريع من الضعف إلى القوة على النحو التالي:
- التشريع الفرعي أو الثانوي: وهو اللوائح الإدارية والتنفيذية وتختص بإصدارها عادة السلطة التنفيذية أي الحكومة.
- التشريع العادي: ويختص به البرلمان.
- التشريع الدستوري: أي الدستور وهو الأعلى والأقوى من حيث المرتبة، ويترتب على هذا التدرج أنه يجب أن يتقيّد كل تشريع بالتشريع الأعلى منه درجة، فلا يجوز للتشريع الفرعي أن يتعارض مع تشريع عادي ولا يجوز لأي منهما أن يتعارض مع الدستور.
وإذا صدر أي من هذه التشريعات مخالفا لتشريع أعلى منه درجة فإنه يكون غير شرعي، سواءً كان تشريعا فرعيا أم عاديا ومن ثم تنشأ الحاجة إلى إيجاد تنظيم يكفل رقابة مشروعية التشريعات ويقرر الجزاء بالنسبة للتشريع المخالف.
ورقابة مشروعية التشريع الفرعي، أي اللوائح، هي من صميم مباحث القانون الإداري وتختص به المحاكم الإدارية العليا ،إذ تقوم بدراسة القرارات الإدارية من حيث مدى تعارضها مع قواعد القانون العادي أو عدم تعارضها معه.
أما رقابة مشروعية التشريع العادي فتعرف رقابتها بالرقابة على دستورية القوانين.