حدود الوساطة العربية في الأزمة اللبنانية وشروط نجاحها
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
من الواضح أن الوساطات العربية في مسلسل ألازمات اللبنانية منذ الاستقلال وحتى وقتنا الراهن لم تكن استباقية بطبيعة الحال بقدر ما كانت محاولات متواضعة في غالبها لرأب الصدع اللبناني على صفيح المحاور العربية التي كانت غالبا ما تتحرك لتجد ارتداداتها العنيفة في المجتمع اللبناني أولا وفي مؤسسات الحكم ثانيا.وبصرف النظر عن حجم وحدود هذه الوساطات وشروط نجاحها،فإن الملفت في نتائجها ظاهرة انفلات الأمور من عقالها وفتح جميع مفاصل الأزمات على مصراعيها بحيث من الصعوبة بمكان سماع صوت العقل وبالتالي ارتفاع منسوب التجييش وصولا إلى حالة الانفجار الذي يدّعي جميع من ينفخ في ناره عدم نيته أو رغبته وحتى مسؤوليته عنه.
لقد انهي الأمين العام لجامعة الدول العربية جولته الثانية كما الأولى وهو يدرك تماما أن مفاتيح الحل والربط ليست جميعها في لبنان، ولذلك قصد عواصم عربية فاعلة في امتداداتها الداخلية اللبنانية، كما لم يفت عن باله الاستئناس برأي الإدارة الأمريكية بلقائه وزيرة خارجيتها كونداليسا رايس، أملا في تكوين بيئة حل قابلة للحياة، لكن المعلوم كما المجهول، أن تداعيات الأزمة الحالية ربما تكون اكبر بكثير من حجم وحدود المسعى الحالي، وهي بحقيقة الأمر متصلة بقضايا أكبر من حجم الأطراف اللبنانية مجتمعة،كما ليس مبالغا القول اكبر من أن تقرره بعض الدول العربية منفردة فكيف وإذا كانت الوساطة تقودها منظمة إقليمية عربية بات لا حول لها ولا قوة بفعل إرادة من ينتمون إليها.
إن تاريخ الوساطات العربية يطول بطول ألازمات اللبنانية وتعددها وتنوعها، وهي وان وجدت حلولا لبعضها فلم تكن بفعل قوتها وقدرتها بقدر ما كانت نتاجا لتقاطع ارادات ومصالح دولية وإقليمية أنضجت حلولا هي أقرب للتسويات المرحلية كنموذج اتفاق الطائف على قاعدة لا غالب ولا مغلوب كما أكد الأمين العام عمرو موسى مؤخرا كعنوان لمشاريع الحلول المطروحة للأزمة الحالية.
إن جوهر الأزمة الحالية وان بدت بعض جوانبها متصلة بأزمة حكم وحكومة وهي ليست بغريبة على تفاصيل الأزمات اللبنانية المعتادة، تبدو مترابطة بشكل وثيق بموقع ودور لبنان في المرحلة المقبلة من استحقاقات قادمة على المنطقة،لذا فإن الوجه الداخلي للأزمة المرتبط أساسا بشكل المشاركة وحجمها وفعاليتها يعكس الاعتراض على طبيعة السياسة الخارجية اللبنانية المفترض الإجابة عليها بشكل صريح منذ إنشاء الكيان اللبناني،وهو في حقيقة الأمر من الأسباب الرئيسة لدوام اهتزاز الصيغة اللبنانية القائمة منذ العام 1943 والتي تمَّ تجديد شبابها في صيغة اتفاق الطائف في العام 1989.ومن هذا المنطلق كانت الوساطة العربية التي قادها الأمين العام عمرو موسى تسير باتجاهين رئيسيين، الأول داخلي عبر محاولة إيجاد اختراقات بين السلطة اللبنانية والمعارضة، والثاني عبر مشاورات مع أطراف عربية وازنة في قرارات الأطراف اللبنانية، بيد أن نجاح الوساطة تتطلب شروطا إضافية هي خارجة عن الإطارين المذكورين، وتحتاج إلى جهود ربما تكون أكبر من حدود الصلاحيات الممنوحة أساسا لجامعة الدول العربية والأكيد أيضا تتعدى طاقتها وقدرتها.وفي هذا الإطار يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
- لم تكن جامعة الدول العربية منذ نشأتها في العام 1945 موقعا يمكن الاعتماد عليه لحل الأزمات العربية – العربية أو الأزمات الداخلية العربية رغم إسناد ميثاقها لمثل هذه المهام لمختلف أجهزتها ومنها الأمانة العامة، إلا أن هامش التحرك ظل مرتبطا بمدى توافق الأطراف الفاعلة بالجامعة ومدى قدرتهم منفردين على حل الأزمات بمعزل عن الضغوط الإقليمية والدولية.
- إن الإنصاف يستدعي الاعتراف بأن غالبية ألازمات العربية ومنها اللبنانية كانت بغالبتها ذات طبيعة مركبة ومعقدة بحيث يستحيل على الأطراف العربية في الجامعة حلها، فمعظم النزاعات عربية - عربية كانت أم عربية غير عربية أو داخلية، تداخلت فيها عناصر خارجية إقليمية مؤثرة بحيث يصعب إنتاج أي حل – تسوية بمعزل عن مصالح هذه الأطراف؛ واستطرادا فيما يختص بالحالة اللبنانية ثمة أزمات متلاحقة بدء من عام 1958 مرورا بأزمات 1969 و1973 و1975 وصولا إلى الأزمة الحالية؛ وجميعها لم تتمكن الجامعة العربية من أن تكون فاعلة في حلها.
- إن سرعة الفرز السياسي بين الدول المركزية العربية في محاور متقابلة تجاه بعض القضايا العربية العامة أو الأزمات الداخلية العربية قد عقّد مهام الوساطات التي جرت أو المحتملة، وبالتالي تضاؤل فرص الحلول إن لم يكن انعدامها وهذا ما انطبق وينطبق أيضا على الحالة اللبنانية.
- إن بعض الأطراف الإقليمية غير العربية تمكنت وبسهولة من النفاد إلى عمق ألازمات الداخلية العربية ومنها اللبنانية، ذلك بفعل عدم قدرة أي طرف من حسم الأمور لمصلحته بمعزل عن دعم خارجي، الأمر الذي أسس لبيئة لبنانية داخلية قابلة للفرز بأي اتجاه كان سياسي طائفي مذهبي مناطقي... ما عقد ويعقد الأمور في أي مسعى أو وساطة ومنها الوساطة العربية الحالية.
- إن وقوف الأطراف الداخلية اللبنانية عند الحدود القصوى لمطالبها وعدم وجود الاستعداد الكافي للتلاقي على نقاط محددة جعل الوساطة العربية تبدو وكأنها تسابق الزمن بين انطلاقتها والعودة إلى من حيث بدأت، في وقت تبدو جميع الأطراف تستسهل لعبة شراء الوقت المستقطع من عمر الانفجار المحدد.
وإذا كانت هذه العقبات تبدو من أسباب فشل الوساطة العربية حتى الآن، فما هي شروط نجاحها وهل بالامكان التوصل إليها؟.
إن ابرز الشروط المطلوبة لتخطي هذه الأزمة بالتحديد هي وعي اللبنانيون أنفسهم بأن ما يمر به لبنان هو ظرف يستحيل معه المناورة لتقطيع الوقت بانتظار ظروف أخرى تدعم هذا الفريق أو ذاك، ففي الأزمات الكبيرة السابقة ظلت قواعد اللعبة مضبوطة إلى حد كبير،إذ اتسمت جميع مفاصل الأزمات بالقدرة على إدارتها داخليا وخارجيا،أما اليوم فيبدو أن الآمر مختلف تماماً،فمؤسسات الحكم هي طرف والأطراف الأخرى إما جزءاً منها أو معارضا لها،كما أن موضوعاتها وتفاصيلها عززت صورة الانتقال من الفرز السياسي إلى المذهبي في بعض وجوهه ما يعقد شروط نجاح الوساطة.
ثاني الشروط المطلوبة هي وعي جميع الدول العربية ومحاورها،بأن تعزيز سياساتها لا يتطلب بالضرورة دعم الأطراف اللبنانية لمواقفها غير القابلة للهضم السياسي والوطني،بل يتطلب بالضرورة الوقوف على مسافة واحدة من الجميع والنظر بعين واحدة لبعض القضايا ذات الصلة بالأمور المصيرية وتلك القضايا المؤثرة فيها لا سيما المسائل الميثاقية.والاقتناع أيضا بأن وصول لبنان إلى حالة الانفجار الداخلي سيصيب كل من حوله وربما تكون ارتدادات الإصابة أشد قسوة وخطرا.
والشرط الثالث اقتناع الدول الإقليمية والدولية المؤثرة بأن أي حل للقضايا المزمنة والتي عمرها من عمر كيانات دول المنطقة تتطلب حلولا سياسية قابلة للحياة، وأن الهروب إلى الأمام وشراء الوقت في أزمات لبنان الداخلية سيزيد الأمور تعقيدا،وهذا ما أثبتته الرمال السياسية المتحركة في لبنان.
إن حدود وشروط نجاح الوساطة العربية ليست متوفرة حتى الآن،فهل يعي اللبنانيون ما يدور حولهم وما هم يدورون حوله؟ لم يقل الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في مؤتمره الصحفي الأخير إن وساطته قد فشلت ولم يقل أيضا إنها نجحت أو على ألاق اخترقت بعض المواقف،لكن ما ينبغي على اللبنانيين فهمه أن القضية باتت أخطر من فشل تسوية باعتبار أن الفشل يمكن أن يتابع للوصول إلى نجاحات معينة،بينما الذي قاله صراحة أن على اللبنانيين أن يجدوا طريقا للتواصل فيما بينهم وهو الأمر الذي عجز عن تحقيقه،فماذا يعني هذا الكلام؟ربما شراء وقت آخر لن يطول قبل الأسبوع الأول من العام القادم إذ لم تطلق رصاصة الرحمة على الوساطة قبل ذلك.
ثمة مأزقا عسكريا وسياسيا حقيقيا في إسرائيل بعد هزيمتها الأخيرة في لبنان،وثمة قرارا دوليا عقابيا بحق برنامج إيران النووي،وثمة مأزقا أمريكيا كبيرا في العراق،وثمة تباين فرنسي – أمريكي بدأت ملامحه تتوضح،وثمة دببة روسية استيقظت من سباتها العميق وتفكر بالمياه الدافئة من جديد،باختصار عالم يعج بالاستحقاقات والمصالح والمشاريع فأين لبنان الصغير في مشروع الشرق الأوسط الكبير؟سؤال صعب الإجابة عليه،لكن في مطلق الأحوال يمكننا معايدة اللبنانيين بأن كل أزمة حكم وحكومة وأنتم بخير!.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
من الواضح أن الوساطات العربية في مسلسل ألازمات اللبنانية منذ الاستقلال وحتى وقتنا الراهن لم تكن استباقية بطبيعة الحال بقدر ما كانت محاولات متواضعة في غالبها لرأب الصدع اللبناني على صفيح المحاور العربية التي كانت غالبا ما تتحرك لتجد ارتداداتها العنيفة في المجتمع اللبناني أولا وفي مؤسسات الحكم ثانيا.وبصرف النظر عن حجم وحدود هذه الوساطات وشروط نجاحها،فإن الملفت في نتائجها ظاهرة انفلات الأمور من عقالها وفتح جميع مفاصل الأزمات على مصراعيها بحيث من الصعوبة بمكان سماع صوت العقل وبالتالي ارتفاع منسوب التجييش وصولا إلى حالة الانفجار الذي يدّعي جميع من ينفخ في ناره عدم نيته أو رغبته وحتى مسؤوليته عنه.
لقد انهي الأمين العام لجامعة الدول العربية جولته الثانية كما الأولى وهو يدرك تماما أن مفاتيح الحل والربط ليست جميعها في لبنان، ولذلك قصد عواصم عربية فاعلة في امتداداتها الداخلية اللبنانية، كما لم يفت عن باله الاستئناس برأي الإدارة الأمريكية بلقائه وزيرة خارجيتها كونداليسا رايس، أملا في تكوين بيئة حل قابلة للحياة، لكن المعلوم كما المجهول، أن تداعيات الأزمة الحالية ربما تكون اكبر بكثير من حجم وحدود المسعى الحالي، وهي بحقيقة الأمر متصلة بقضايا أكبر من حجم الأطراف اللبنانية مجتمعة،كما ليس مبالغا القول اكبر من أن تقرره بعض الدول العربية منفردة فكيف وإذا كانت الوساطة تقودها منظمة إقليمية عربية بات لا حول لها ولا قوة بفعل إرادة من ينتمون إليها.
إن تاريخ الوساطات العربية يطول بطول ألازمات اللبنانية وتعددها وتنوعها، وهي وان وجدت حلولا لبعضها فلم تكن بفعل قوتها وقدرتها بقدر ما كانت نتاجا لتقاطع ارادات ومصالح دولية وإقليمية أنضجت حلولا هي أقرب للتسويات المرحلية كنموذج اتفاق الطائف على قاعدة لا غالب ولا مغلوب كما أكد الأمين العام عمرو موسى مؤخرا كعنوان لمشاريع الحلول المطروحة للأزمة الحالية.
إن جوهر الأزمة الحالية وان بدت بعض جوانبها متصلة بأزمة حكم وحكومة وهي ليست بغريبة على تفاصيل الأزمات اللبنانية المعتادة، تبدو مترابطة بشكل وثيق بموقع ودور لبنان في المرحلة المقبلة من استحقاقات قادمة على المنطقة،لذا فإن الوجه الداخلي للأزمة المرتبط أساسا بشكل المشاركة وحجمها وفعاليتها يعكس الاعتراض على طبيعة السياسة الخارجية اللبنانية المفترض الإجابة عليها بشكل صريح منذ إنشاء الكيان اللبناني،وهو في حقيقة الأمر من الأسباب الرئيسة لدوام اهتزاز الصيغة اللبنانية القائمة منذ العام 1943 والتي تمَّ تجديد شبابها في صيغة اتفاق الطائف في العام 1989.ومن هذا المنطلق كانت الوساطة العربية التي قادها الأمين العام عمرو موسى تسير باتجاهين رئيسيين، الأول داخلي عبر محاولة إيجاد اختراقات بين السلطة اللبنانية والمعارضة، والثاني عبر مشاورات مع أطراف عربية وازنة في قرارات الأطراف اللبنانية، بيد أن نجاح الوساطة تتطلب شروطا إضافية هي خارجة عن الإطارين المذكورين، وتحتاج إلى جهود ربما تكون أكبر من حدود الصلاحيات الممنوحة أساسا لجامعة الدول العربية والأكيد أيضا تتعدى طاقتها وقدرتها.وفي هذا الإطار يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
- لم تكن جامعة الدول العربية منذ نشأتها في العام 1945 موقعا يمكن الاعتماد عليه لحل الأزمات العربية – العربية أو الأزمات الداخلية العربية رغم إسناد ميثاقها لمثل هذه المهام لمختلف أجهزتها ومنها الأمانة العامة، إلا أن هامش التحرك ظل مرتبطا بمدى توافق الأطراف الفاعلة بالجامعة ومدى قدرتهم منفردين على حل الأزمات بمعزل عن الضغوط الإقليمية والدولية.
- إن الإنصاف يستدعي الاعتراف بأن غالبية ألازمات العربية ومنها اللبنانية كانت بغالبتها ذات طبيعة مركبة ومعقدة بحيث يستحيل على الأطراف العربية في الجامعة حلها، فمعظم النزاعات عربية - عربية كانت أم عربية غير عربية أو داخلية، تداخلت فيها عناصر خارجية إقليمية مؤثرة بحيث يصعب إنتاج أي حل – تسوية بمعزل عن مصالح هذه الأطراف؛ واستطرادا فيما يختص بالحالة اللبنانية ثمة أزمات متلاحقة بدء من عام 1958 مرورا بأزمات 1969 و1973 و1975 وصولا إلى الأزمة الحالية؛ وجميعها لم تتمكن الجامعة العربية من أن تكون فاعلة في حلها.
- إن سرعة الفرز السياسي بين الدول المركزية العربية في محاور متقابلة تجاه بعض القضايا العربية العامة أو الأزمات الداخلية العربية قد عقّد مهام الوساطات التي جرت أو المحتملة، وبالتالي تضاؤل فرص الحلول إن لم يكن انعدامها وهذا ما انطبق وينطبق أيضا على الحالة اللبنانية.
- إن بعض الأطراف الإقليمية غير العربية تمكنت وبسهولة من النفاد إلى عمق ألازمات الداخلية العربية ومنها اللبنانية، ذلك بفعل عدم قدرة أي طرف من حسم الأمور لمصلحته بمعزل عن دعم خارجي، الأمر الذي أسس لبيئة لبنانية داخلية قابلة للفرز بأي اتجاه كان سياسي طائفي مذهبي مناطقي... ما عقد ويعقد الأمور في أي مسعى أو وساطة ومنها الوساطة العربية الحالية.
- إن وقوف الأطراف الداخلية اللبنانية عند الحدود القصوى لمطالبها وعدم وجود الاستعداد الكافي للتلاقي على نقاط محددة جعل الوساطة العربية تبدو وكأنها تسابق الزمن بين انطلاقتها والعودة إلى من حيث بدأت، في وقت تبدو جميع الأطراف تستسهل لعبة شراء الوقت المستقطع من عمر الانفجار المحدد.
وإذا كانت هذه العقبات تبدو من أسباب فشل الوساطة العربية حتى الآن، فما هي شروط نجاحها وهل بالامكان التوصل إليها؟.
إن ابرز الشروط المطلوبة لتخطي هذه الأزمة بالتحديد هي وعي اللبنانيون أنفسهم بأن ما يمر به لبنان هو ظرف يستحيل معه المناورة لتقطيع الوقت بانتظار ظروف أخرى تدعم هذا الفريق أو ذاك، ففي الأزمات الكبيرة السابقة ظلت قواعد اللعبة مضبوطة إلى حد كبير،إذ اتسمت جميع مفاصل الأزمات بالقدرة على إدارتها داخليا وخارجيا،أما اليوم فيبدو أن الآمر مختلف تماماً،فمؤسسات الحكم هي طرف والأطراف الأخرى إما جزءاً منها أو معارضا لها،كما أن موضوعاتها وتفاصيلها عززت صورة الانتقال من الفرز السياسي إلى المذهبي في بعض وجوهه ما يعقد شروط نجاح الوساطة.
ثاني الشروط المطلوبة هي وعي جميع الدول العربية ومحاورها،بأن تعزيز سياساتها لا يتطلب بالضرورة دعم الأطراف اللبنانية لمواقفها غير القابلة للهضم السياسي والوطني،بل يتطلب بالضرورة الوقوف على مسافة واحدة من الجميع والنظر بعين واحدة لبعض القضايا ذات الصلة بالأمور المصيرية وتلك القضايا المؤثرة فيها لا سيما المسائل الميثاقية.والاقتناع أيضا بأن وصول لبنان إلى حالة الانفجار الداخلي سيصيب كل من حوله وربما تكون ارتدادات الإصابة أشد قسوة وخطرا.
والشرط الثالث اقتناع الدول الإقليمية والدولية المؤثرة بأن أي حل للقضايا المزمنة والتي عمرها من عمر كيانات دول المنطقة تتطلب حلولا سياسية قابلة للحياة، وأن الهروب إلى الأمام وشراء الوقت في أزمات لبنان الداخلية سيزيد الأمور تعقيدا،وهذا ما أثبتته الرمال السياسية المتحركة في لبنان.
إن حدود وشروط نجاح الوساطة العربية ليست متوفرة حتى الآن،فهل يعي اللبنانيون ما يدور حولهم وما هم يدورون حوله؟ لم يقل الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في مؤتمره الصحفي الأخير إن وساطته قد فشلت ولم يقل أيضا إنها نجحت أو على ألاق اخترقت بعض المواقف،لكن ما ينبغي على اللبنانيين فهمه أن القضية باتت أخطر من فشل تسوية باعتبار أن الفشل يمكن أن يتابع للوصول إلى نجاحات معينة،بينما الذي قاله صراحة أن على اللبنانيين أن يجدوا طريقا للتواصل فيما بينهم وهو الأمر الذي عجز عن تحقيقه،فماذا يعني هذا الكلام؟ربما شراء وقت آخر لن يطول قبل الأسبوع الأول من العام القادم إذ لم تطلق رصاصة الرحمة على الوساطة قبل ذلك.
ثمة مأزقا عسكريا وسياسيا حقيقيا في إسرائيل بعد هزيمتها الأخيرة في لبنان،وثمة قرارا دوليا عقابيا بحق برنامج إيران النووي،وثمة مأزقا أمريكيا كبيرا في العراق،وثمة تباين فرنسي – أمريكي بدأت ملامحه تتوضح،وثمة دببة روسية استيقظت من سباتها العميق وتفكر بالمياه الدافئة من جديد،باختصار عالم يعج بالاستحقاقات والمصالح والمشاريع فأين لبنان الصغير في مشروع الشرق الأوسط الكبير؟سؤال صعب الإجابة عليه،لكن في مطلق الأحوال يمكننا معايدة اللبنانيين بأن كل أزمة حكم وحكومة وأنتم بخير!.