حقيقة الملف النووي الإيراني بين الواقع والمبالغة
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
يمثل قيام إيران بإجراء تجربة ناجحة لتخصيب اليورانيوم، في التاسع من نيسان 2006، نقلة نوعية في مسار الملف ا النووي الإيراني،باعتبار أن ما قامت به طهران في تلك التجربة يعتبر تحدياً للمطالب الدولية الموجهة إليها بوقف عمليات التخصيب ، ويصنف كحالة من عدم الاكتراث الإيراني بهذه المطالب، ومحاولة لإنشاء واقع جديد في سياق تطور هذا الملف.
فتجربة تخصيب اليورانيوم تعتبر تتويجاً لمسيرة طويلة من الأنشطة الإيرانية في هذا المجال، إذ أشارت العديد من تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن جهود تطوير قدرات إيران في مجال تخصيب اليورانيوم تعود إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي. إذ جرى الاعتماد خلال المراحل الأولى من تلك الأنشطة على الوحدات التابعة لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية، لاسيما مركز طهران للأبحاث النووية، ثم انتقلت أنشطة التخصيب إلى شركة كالاي الكهربائية في عام 1997، التي تضم مجمعا كبيرا لإنتاج مكونات الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم. ومع إنشاء محطة ناتنز لتخصيب اليورانيوم في عام 2002، انتقلت الأنشطة الإيرانية لتخصيب اليورانيوم إلى مرحلة أكثر تقدماً، حيث اشتملت هذه المحطة على وحدة مركزية للتخصيب ووحدة للتخصيب التجاري ، وتعتمد الوحدتان على تكنولوجيا الطرد المركزي. وقد صممت هذه المحطة بحيث تستوعب ما لا يقل عن 50 ألف وحدة للطرد المركزي، بهدف جعلها قادرة على العمل على نطاق تجاري، أي أن تكون قادرة على إنتاج حوالي 500 كلغم من اليورانيوم عالي التخصيب سنوياً.
ولذلك اعتمدت طهران لتطوير قدراتها في مجال تكنولوجيا الطرد المركزي على شبكة واسعة من العلاقات، من بينها روسيا والصين وكوريا الشمالية، إلا أن المساعدات الأكثر أهمية وحساسية حصلت عليها من باكستان عبر شبكة العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان، التي مكنت إيران من اقتناء تصميمات للجيل الثاني من أجهزة الطرد المركزي المتطورة طراز "بي 2".
لقد أثار اكتشاف هذه التصميمات حيرة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من حيث معرفة الكيفية التي وصلت بها التصميمات إلى أيدي الإيرانيين، وهو ما قاد في نهاية الأمر إلى شبكة نووية تعمل في السوق السوداء بقيادة العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان. ويعتبر تخصيب اليورانيوم الخطوة الرئيسة في استكمال دورة الوقود النووي، وهي دورة تبدأ باستخراج اليورانيوم من المناجم ، وهو ما يتوفر في الأراضي الإيرانية. فخام اليورانيوم الموجود في الطبيعة يتضمن نظيرين هما: الذرات الثقيلة "يو 238" والذرات الخفيفة "يو 235"، إلا أن النظير 235 هو الوحيد الصالح للاستخدام في تشغيل المحطات النووية، وفي إنتاج الأسلحة النووية في آن معاً. ونظراً لأن هذا النظير يتوافر في خام اليورانيوم بنسبة ضئيلة جدا لا تزيد عن 0.7%، فإنه يحتاج إلى عملية تخصيب حتى ترتفع نسبة النظير 235 إلى ما لا يقل عن 4 إلى 5%، لكي يصلح لاستخدام الأغراض السلمية، وبنسبة لا تقل عن 80%، حتى يكون صالحاً لإنتاج السلاح النووي. وتبدأ عملية تخصيب اليورانيوم بتنقيته، وتحويله إلى غاز سداسي فلوريد اليورانيوم، المعروف بـالكعكة الصفراء. وتتم هذه المرحلة في منشأة أصفهان النووية، وكانت إيران قد أعلنت في فترات سابقة أنها أنتجت حوالي 110 أطنان من هذا الغاز. وفى مرحلة تالية، يتم استخدام هذا الغاز في أجهزة الطرد المركزي، وهي عبارة عن أنابيب يتم فيها تحريك الغاز بسرعة دوران فائقة، يتم خلالها فصل ذرات اليورانيوم الثقيلة "يو 238" والذرات الخفيفة "يو 235"، حيث تطرد الذرات الثقيلة إلى أطراف الأنبوب، بينما تتركز الذرات الخفيفة في الوسط، ثم ترسل الذرات الخفيفة إلى جهاز طرد مركزي آخر لتكرار العملية ذاتها. ومع تكرار عمليات الفصل، تزداد نسبة تخصيب اليورانيوم، بمعنى أن نسبة التخصيب تتوقف على عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة ومدى فاعليتها والوقت الذي تستغرقها.
ومن الممكن أن تكون إيران قد أجرت هذه التجربة منذ فترة طويلة وأن تكون قد وصلت إلى مرحلة أكثر تقدماً في مجال أنشطة تخصيب اليورانيوم، لولا فترات إيقاف النشاط الطويلة التي كانت إيران قد التزمت بها، امتثالاً للضغوط الدولية، وفقا لاتفاق باريس المبرم بين إيران ودول الترويكا الأوروبية الثلاث في تشرين الثاني 2004، وهو ما كان قد دعا إيران إلى إيقاف أنشطتها في مجال التخصيب عدة شهور؛ ولم تستأنف إيران هذه الأنشطة إلا عقب وصول مفاوضاتها مع الدول الأوروبية لطريق مسدود، عقب الخلاف بشأن المقترحات الأوروبية المقدمة لإيران في آب 2005.
وعقب فشل تلك المفاوضات، أعلنت إيران استئناف أنشطتها في مجال التخصيب على نطاق محدود في مجال تحويل اليورانيوم إلى غاز سداسي فلورايد اليورانيوم، ثم زادت من وتيرة هذه الأنشطة خلال الآونة الأخيرة، حتى وصلت بها إلى مرحلة إجراء تجربة التخصيب في 9 نيسان 2006، والتي اشتملت على استخدام 164 جهاز طرد مركزي، لتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5%، أي بمستوى تخصيب لليورانيوم يقف عند بدايات الاستخدامات المدنية، فيما كان بمثابة إعلان رسمي من إيران عن نجاحها بالفعل في ولوج هذا المجال، مع الإعلان عن خطط طموحة لتعزيز قدرات إيران في هذا المجال خلال الفترة القصيرة القادمة.
وغريب المفارقات ما أنطوى عليه الموقف الإيراني في أعقاب الإعلان عن النجاح في تخصيب اليورانيوم من إعطاء الموضوع حجما إعلاميا كبيرا من جانب القيادة السياسية ووسائل الإعلام في إيران بأن إيران قد دخلت النادي النووي، وأنها أصبحت القوة النووية الثامنة في العالم، وأن البرنامج النووي الإيراني قد وصل إلى نقطة اللاعودة.. إذ تنطوي هذه التصريحات على مغالطات كبيرة في التعامل مع قضايا الانتشار النووي على الساحة الدولية. فقد درجت الأدبيات السياسية على استخدام وصف الدخول إلى النادي النووي فقط بالنسبة لحالة الدول التي تنجح في امتلاك السلاح النووي، ثم تعلن صراحة عن هذا النجاح من خلال إجراء تجارب نووية ناجحة، فيما يكون بمثابة تعبير عملي عن نجاحها في تصنيع واختبار أسلحتها النووية، مع ما ينطوي عليه ذلك من تأكيد على أن هذه القدرات النووية العسكرية أصبحت جاهزة للاستخدام من جانب المؤسسات العسكرية في هذه الدولة. إلا أن ما قامت به طهران هو شيء مغاير عما سبق، فإيران لم تصل إلى صنع السلاح النووي، كما لم تقدم على إجراء تجارب نووية. وكل ما قامت به هو تنفيذ أنشطة لتخصيب اليورانيوم بنسب متدنية جدا، وبقدرات طرد مركزي متواضعة. وما زالت بعيدة عن امتلاك قدرة يعتد بها في مجال تخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة صالحة للاستخدام العسكري، أو حتى صالحة للاستخدام المدني ـ التجاري على نطاق كبير.
إذ إن ما قامت به إيران في مجال التخصيب لا يعني إطلاقاً أنها أصبحت عضواً في النادي النووي، إلا إذا كان المقصود هو تبنى تعريف موسع للغاية لمفهوم النادي النووي، بحيث يضم كل دولة تمتلك قدرات نووية، حتى لو كانت خاصة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية فقط. وحتى وفق هذا المعنى، فإن ما قامت به إيران لا يغير كثيراً من الواقع العملي ضمن التصنيفات المختلفة للقوى النووية على الساحة الدولية. فثمة أربع فئات من القوى النووية، التي تختلف في قدراتها النووية ومواقفها من قضايا منع الانتشار النووي على الشكل التالي:
- الأولى هي القوى النووية الخمس الكبرى ، الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا؛ وهذه الدول تعتبر قوى نووية ، معترف لها بملكية السلاح النووي، ومسموح لها بذلك بموجب معاهدة منع الانتشار النووي، لأنها امتلكت هذا السلاح قبل الأول من أيار 1967، أي قبل الانتهاء من صياغة معاهدة منع الانتشار النووي، وفتحها للتوقيع أمام مختلف الدول، إلا أن هذه القوى الخمس الكبرى لا تتمتع بحقوق مطلقة بشأن ملكيتها للسلاح النووي، وإنما يتعين عليها بموجب معاهدة منع الانتشار النووي أن تعمل على التخلص من ترساناتها النووية، تحقيقاً للهدف النهائي لهذه المعاهدة المتمثل في إخلاء العالم تماماً من السلاح النووي، إلا أن هذه القوى لا تتحرك بالجدية اللازمة لتحقيق هذا الهدف.
- الفئة الثانية من الدول المالكة للسلاح النووي، وتضم قوتين نوويتين معلنتين، ولكن من خارج النادي النووي "الشرعي"، هما الهند وباكستان، حيث نجحت الهند في امتلاك السلاح النووي منذ إجراء تجربتها النووية الأولى في عام 1975، ثم كررت هذه التجارب مجدداً في عام 1998، عبر إجراء أربع تجارب دفعة واحدة، وهو ما استفز جارتها الباكستان، التي ردت بإجراء خمس تجارب دفعة واحدة، معلنة عن نفسها كقوة نووية جديدة على الساحة الدولية. وتختلف هاتان الدولتان عن القوى النووية الخمس الكبرى، في أنهما قوتان نوويتان بحكم الأمر الواقع، ومن خارج مظلة معاهدة منع الانتشار النووي.
- وتعتبر إسرائيل بحد ذاتها فئة منفردة على الساحة الدولية، يمكن أن نطلق عليها فئة القوى النووية غبر المعلنة، وهى حالة غامضة في مجال منع الانتشار النووي على الساحة الدولية. فإسرائيل لم تعلن صراحة امتلاكها السلاح النووي، كما أنها لم تجر تجارب نووية معلنة، وذلك في إطار السياسة التي تتبناها، والمعروفة بـسياسة الغموض النووي، إلا أن ذلك لا ينفي وجود حالة أقرب إلى اليقين على الساحة الدولية بأن إسرائيل تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية، بما لا يقل في أدنى التقديرات عن 200 رأس نووي من مختلف الأحجام والأنواع.
- الفئة الرابعة هي فئة الدول التي تمتلك قدرات نووية خاصة بالاستخدامات السلمية فقط. وفى داخل هذه الفئة، هناك دول كبرى، وبعضها قادرة على إنتاج السلاح النووي في وقت قصير إذا أرادت ذلك، مثل اليابان وألمانيا والبرازيل وكوريا الجنوبية، كما من بينها أيضا دولاً كانت تمتلك في السابق قدرات نووية عسكرية، مثل جنوب أفريقيا، ولكنها تخلت عنها من جانب واحد. وهذه الفئة تضم عدداً كبيراً نسبياً من الدول، لا تقل عن 25 دولة على الساحة الدولية، وبعضها تمتلك بنية نووية كبيرة ومتطورة، تشتمل على مفاعلات نووية عديدة، كما يمتلك بعضها قدرات متطورة في مجال تخصيب اليورانيوم. ومع أن امتلاك قدرات متطورة في مجال تخصيب اليورانيوم يعتبر أمراً غير شائع على الساحة الدولية، ويقتصر على طائفة محدودة من الدول التي قد لا يزيد عددها على عشر دول، فإن من الضروري الإشارة هنا إلى أن محدودية انتشار هذه القدرات يرتبط بمعادلة التكلفة ـ العائد بالنسبة للكثير من الدول.
فامتلاك مثل هذه القدرات ليس بالأمر الصعب في ضوء الإتاحة الواسعة للمعرفة العلمية النظرية لأساليب تخصيب اليورانيوم وهي متنوعة ومتعددة، لكنها تتطلب تكاليف ضخمة جدا، ويكون تخصيص مثل هذه التكاليف أمراً غير مبرر إلا إذا كانت الدولة المعنية تمتلك عدداً كبيراً نسبياً من المفاعلات النووية التي تتطلب بناء محطات لتخصيب اليورانيوم لتزويد تلك المفاعلات باحتياجاتها من الوقود النووي، بحيث تكون هذه المسألة مجدية اقتصادياً. ومن دون ذلك، يصبح امتلاك مثل هذه القدرات عبئاً مالياً ضخماً، بدون عائد اقتصادي حقيقي، لدرجة أن دولاً كبرى مثل بريطانيا وألمانيا وهولندا تدمج جهودها معاً في هذا الإطار، لاعتبارات اقتصادية برغم أن كلاً منها يمتلك المعرفة والقدرات التي تتيح له أن ينفذها بمفرده.
إن ما قامت به إيران في مجال تخصيب اليورانيوم لم يحولها إلى قوة نووية عسكرية، سواء معلنة أو غير معلنة، وإنما ما زالت إيران واحدة من دول الفئة الرابعة، أي الدول التي تمتلك قدرات نووية خاصة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، حتى لو كانت قدرات متطورة. والإضافة الجديدة هنا هي أن إيران أصبحت واحدة من الدول المالكة لتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم، وهي مسألة قد تختلف الآراء بشأن جدواها الحقيقية. فمن الناحية الاقتصادية، اضطرت إيران لأن تضخ استثمارات ضخمة من أجل امتلاك قدرة وطنية ذاتية في مجال تخصيب اليورانيوم، بغض النظر عن الجدوى الاقتصادية لمثل هذه الاستثمارات. ولدى تقييم هذه المسألة من منظور اقتصادي بحت، فإن من الممكن القول أن إيران الآن وفى المستقبل القريب ليست في حاجة ماسة لامتلاك قدرة ذاتية في مجال تخصيب اليورانيوم، لأن احتياجاتها تنحصر في مجرد توفير الوقود النووي لمفاعل بوشهر ا الذي ينتظر أن يبدأ العمل في هذا العام، وهي احتياجات متواضعة نسبياً، وتلتزم روسيا بتوفيرها بموجب اتفاق التعاون الموقع بين الجانبين، مما لا يبرر تخصيص مبالغ ضخمة في هذا الاطار .
أما لجهة الدلالات السياسية والاستراتيجية، فإن نجاح دولة ما في تخصيب اليورانيوم يعنى من الناحية النظرية أن هذه الدولة أصبحت تقف على بداية طريق قد ينتهي بها إلى امتلاك السلاح النووي، لأن تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية لا يختلف من النواحي العلمية والفنية والإنتاجية عن تخصيبه لأغراض صنع السلاح النووي. ولكن من الناحية العملية، فإن هناك إشكاليات عديدة تحيط بالإنجاز الذي حققته إيران في هذا المجال. فما حققته إيران هو تخصيب لليورانيوم بنسبة لا تزيد عن 3.5%، وهي نسبة متدنية جدا، ويأتي ذلك في إطار ما تسمح به قدرات إيران في مجال ما تملكه من وحدات الطرد المركزي التي تستخدم في التخصيب، والتي لا تزيد عن 164 وحدة. وحتى تستطيع أن تزيد من نسبة تخصيب اليورانيوم، فإنها تحتاج إلى زيادة ما تملكه من وحدات الطرد المركزي، بحيث لا تقل عن 1500 وحدة على الأقل. والسبيل الوحيد لذلك يتمثل في التصنيع المحلي، نظراً لأن فرص الاستيراد من الخارج أصبحت شبه منعدمة حاليا. وتمتلك إيران قدرة ما في مجال تصنيع وحدات الطرد المركزي في منشأة نتانز النووية. وكانت إيران قد أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عقب إجراء تجربة تخصيب اليورانيوم، أنها ستقوم بتركيب ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي في هذه لمنشأة النووية بحلول نهاية العام الحالي، ثم تزيدها إلى 54 ألف جهاز في مرحلة لاحقة، ما يسمح لإيران بإنتاج وقود نووي يكفى لتشغيل مفاعل بوشهر النووي الأول، الذي تصل قوته إلى 1000 ميغاوات. إلا انه من غير الممكن من الناحية العملية أن تتمكن إيران من الانتهاء من تصنيع وتركيب وحدات الطرد المركزي في الأوقات المشار إليها، لأن ذلك يبدو أعلى بكثير من القدرات الإنتاجية الفعلية لطهران في هذا المجال. فإذا كانت جهود إيران في مجال صنع أجهزة الطرد المركزي، منذ بدء هذه الجهود في عام 1985، في مركز طهران النووي، ثم في شركة كالاي الكهربية، ثم في منشأة نتانز لتخصيب اليورانيوم، وإذا كانت هذه الجهود لم تتمكن طيلة هذه الفترة من إنتاج أكثر من 164 وحدة طرد مركزي، وهي التي استخدمتها في تجربة 9 نيسان، فكيف يمكن أن توقع أن تتضاعف القدرات الإيرانية في هذا الإطار، بحيث تقوم بتصنيع آلاف الوحدات الإضافية في غضون فترة زمنية محدودة؟
أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين هي اقرب إلى المبالغة، بهدف تعزيز الموقف الإيراني في مواجهة الأطراف الغربيين، لاسيما الولايات المتحدة إلا أن الأكثر أهمية من ذلك يتمثل في طبيعة الخطاب السياسي الذي تبناه القادة الإيرانيون، عقب نجاح تجارب التخصيب المحدودة، إذ بدا أن اللغة أتت كمن أمتلك السلاح النووي، أو من قام بتجربة تفجير نووي ناجحة، مثل القول بأن إيران أصبحت القوة النووية الثامنة في العالم، وأن إيران دخلت النادي النووي إلا أن الدلالة الأبرز تتمثل في أن الهدف الرئيس لهذا الخطاب يتمثل في محاولة فرض أمر واقع على الأطراف الأخرى في الأزمة، لوقف الضغوط ولقبول التعامل مع إيران بقدر من التساوي.
ومن دون وجود أي تطور في اتجاه التسوية السلمية، فإن تجارب إيران في مجال تخصيب اليورانيوم، وما أعقب ذلك من تبنيها لموقف متشدد في الأزمة النووية، سوف يمهد السبيل أمام بناء توافق أكبر داخل مجلس الأمن للوقوف ضد إيران، وإمكانية اللجوء إلى الفصل السابع من الميثاق، وفق ما تلوح به الولايات المتحدة وفرنسا، بما يعنيه ذلك من اعتبار الأنشطة النووية الإيرانية تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وعلى الرغم من صعوبة اللجوء للخيارات العسكرية لأسباب واعتبارات متعددة،إلا أن واشنطن لا زالت تلوح بهذا الخيار إلى جانب العقوبات الاقتصادية.وفي كلا الحالين إن أحلاهما مر.
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
يمثل قيام إيران بإجراء تجربة ناجحة لتخصيب اليورانيوم، في التاسع من نيسان 2006، نقلة نوعية في مسار الملف ا النووي الإيراني،باعتبار أن ما قامت به طهران في تلك التجربة يعتبر تحدياً للمطالب الدولية الموجهة إليها بوقف عمليات التخصيب ، ويصنف كحالة من عدم الاكتراث الإيراني بهذه المطالب، ومحاولة لإنشاء واقع جديد في سياق تطور هذا الملف.
فتجربة تخصيب اليورانيوم تعتبر تتويجاً لمسيرة طويلة من الأنشطة الإيرانية في هذا المجال، إذ أشارت العديد من تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن جهود تطوير قدرات إيران في مجال تخصيب اليورانيوم تعود إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي. إذ جرى الاعتماد خلال المراحل الأولى من تلك الأنشطة على الوحدات التابعة لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية، لاسيما مركز طهران للأبحاث النووية، ثم انتقلت أنشطة التخصيب إلى شركة كالاي الكهربائية في عام 1997، التي تضم مجمعا كبيرا لإنتاج مكونات الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم. ومع إنشاء محطة ناتنز لتخصيب اليورانيوم في عام 2002، انتقلت الأنشطة الإيرانية لتخصيب اليورانيوم إلى مرحلة أكثر تقدماً، حيث اشتملت هذه المحطة على وحدة مركزية للتخصيب ووحدة للتخصيب التجاري ، وتعتمد الوحدتان على تكنولوجيا الطرد المركزي. وقد صممت هذه المحطة بحيث تستوعب ما لا يقل عن 50 ألف وحدة للطرد المركزي، بهدف جعلها قادرة على العمل على نطاق تجاري، أي أن تكون قادرة على إنتاج حوالي 500 كلغم من اليورانيوم عالي التخصيب سنوياً.
ولذلك اعتمدت طهران لتطوير قدراتها في مجال تكنولوجيا الطرد المركزي على شبكة واسعة من العلاقات، من بينها روسيا والصين وكوريا الشمالية، إلا أن المساعدات الأكثر أهمية وحساسية حصلت عليها من باكستان عبر شبكة العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان، التي مكنت إيران من اقتناء تصميمات للجيل الثاني من أجهزة الطرد المركزي المتطورة طراز "بي 2".
لقد أثار اكتشاف هذه التصميمات حيرة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من حيث معرفة الكيفية التي وصلت بها التصميمات إلى أيدي الإيرانيين، وهو ما قاد في نهاية الأمر إلى شبكة نووية تعمل في السوق السوداء بقيادة العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان. ويعتبر تخصيب اليورانيوم الخطوة الرئيسة في استكمال دورة الوقود النووي، وهي دورة تبدأ باستخراج اليورانيوم من المناجم ، وهو ما يتوفر في الأراضي الإيرانية. فخام اليورانيوم الموجود في الطبيعة يتضمن نظيرين هما: الذرات الثقيلة "يو 238" والذرات الخفيفة "يو 235"، إلا أن النظير 235 هو الوحيد الصالح للاستخدام في تشغيل المحطات النووية، وفي إنتاج الأسلحة النووية في آن معاً. ونظراً لأن هذا النظير يتوافر في خام اليورانيوم بنسبة ضئيلة جدا لا تزيد عن 0.7%، فإنه يحتاج إلى عملية تخصيب حتى ترتفع نسبة النظير 235 إلى ما لا يقل عن 4 إلى 5%، لكي يصلح لاستخدام الأغراض السلمية، وبنسبة لا تقل عن 80%، حتى يكون صالحاً لإنتاج السلاح النووي. وتبدأ عملية تخصيب اليورانيوم بتنقيته، وتحويله إلى غاز سداسي فلوريد اليورانيوم، المعروف بـالكعكة الصفراء. وتتم هذه المرحلة في منشأة أصفهان النووية، وكانت إيران قد أعلنت في فترات سابقة أنها أنتجت حوالي 110 أطنان من هذا الغاز. وفى مرحلة تالية، يتم استخدام هذا الغاز في أجهزة الطرد المركزي، وهي عبارة عن أنابيب يتم فيها تحريك الغاز بسرعة دوران فائقة، يتم خلالها فصل ذرات اليورانيوم الثقيلة "يو 238" والذرات الخفيفة "يو 235"، حيث تطرد الذرات الثقيلة إلى أطراف الأنبوب، بينما تتركز الذرات الخفيفة في الوسط، ثم ترسل الذرات الخفيفة إلى جهاز طرد مركزي آخر لتكرار العملية ذاتها. ومع تكرار عمليات الفصل، تزداد نسبة تخصيب اليورانيوم، بمعنى أن نسبة التخصيب تتوقف على عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة ومدى فاعليتها والوقت الذي تستغرقها.
ومن الممكن أن تكون إيران قد أجرت هذه التجربة منذ فترة طويلة وأن تكون قد وصلت إلى مرحلة أكثر تقدماً في مجال أنشطة تخصيب اليورانيوم، لولا فترات إيقاف النشاط الطويلة التي كانت إيران قد التزمت بها، امتثالاً للضغوط الدولية، وفقا لاتفاق باريس المبرم بين إيران ودول الترويكا الأوروبية الثلاث في تشرين الثاني 2004، وهو ما كان قد دعا إيران إلى إيقاف أنشطتها في مجال التخصيب عدة شهور؛ ولم تستأنف إيران هذه الأنشطة إلا عقب وصول مفاوضاتها مع الدول الأوروبية لطريق مسدود، عقب الخلاف بشأن المقترحات الأوروبية المقدمة لإيران في آب 2005.
وعقب فشل تلك المفاوضات، أعلنت إيران استئناف أنشطتها في مجال التخصيب على نطاق محدود في مجال تحويل اليورانيوم إلى غاز سداسي فلورايد اليورانيوم، ثم زادت من وتيرة هذه الأنشطة خلال الآونة الأخيرة، حتى وصلت بها إلى مرحلة إجراء تجربة التخصيب في 9 نيسان 2006، والتي اشتملت على استخدام 164 جهاز طرد مركزي، لتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5%، أي بمستوى تخصيب لليورانيوم يقف عند بدايات الاستخدامات المدنية، فيما كان بمثابة إعلان رسمي من إيران عن نجاحها بالفعل في ولوج هذا المجال، مع الإعلان عن خطط طموحة لتعزيز قدرات إيران في هذا المجال خلال الفترة القصيرة القادمة.
وغريب المفارقات ما أنطوى عليه الموقف الإيراني في أعقاب الإعلان عن النجاح في تخصيب اليورانيوم من إعطاء الموضوع حجما إعلاميا كبيرا من جانب القيادة السياسية ووسائل الإعلام في إيران بأن إيران قد دخلت النادي النووي، وأنها أصبحت القوة النووية الثامنة في العالم، وأن البرنامج النووي الإيراني قد وصل إلى نقطة اللاعودة.. إذ تنطوي هذه التصريحات على مغالطات كبيرة في التعامل مع قضايا الانتشار النووي على الساحة الدولية. فقد درجت الأدبيات السياسية على استخدام وصف الدخول إلى النادي النووي فقط بالنسبة لحالة الدول التي تنجح في امتلاك السلاح النووي، ثم تعلن صراحة عن هذا النجاح من خلال إجراء تجارب نووية ناجحة، فيما يكون بمثابة تعبير عملي عن نجاحها في تصنيع واختبار أسلحتها النووية، مع ما ينطوي عليه ذلك من تأكيد على أن هذه القدرات النووية العسكرية أصبحت جاهزة للاستخدام من جانب المؤسسات العسكرية في هذه الدولة. إلا أن ما قامت به طهران هو شيء مغاير عما سبق، فإيران لم تصل إلى صنع السلاح النووي، كما لم تقدم على إجراء تجارب نووية. وكل ما قامت به هو تنفيذ أنشطة لتخصيب اليورانيوم بنسب متدنية جدا، وبقدرات طرد مركزي متواضعة. وما زالت بعيدة عن امتلاك قدرة يعتد بها في مجال تخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة صالحة للاستخدام العسكري، أو حتى صالحة للاستخدام المدني ـ التجاري على نطاق كبير.
إذ إن ما قامت به إيران في مجال التخصيب لا يعني إطلاقاً أنها أصبحت عضواً في النادي النووي، إلا إذا كان المقصود هو تبنى تعريف موسع للغاية لمفهوم النادي النووي، بحيث يضم كل دولة تمتلك قدرات نووية، حتى لو كانت خاصة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية فقط. وحتى وفق هذا المعنى، فإن ما قامت به إيران لا يغير كثيراً من الواقع العملي ضمن التصنيفات المختلفة للقوى النووية على الساحة الدولية. فثمة أربع فئات من القوى النووية، التي تختلف في قدراتها النووية ومواقفها من قضايا منع الانتشار النووي على الشكل التالي:
- الأولى هي القوى النووية الخمس الكبرى ، الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا؛ وهذه الدول تعتبر قوى نووية ، معترف لها بملكية السلاح النووي، ومسموح لها بذلك بموجب معاهدة منع الانتشار النووي، لأنها امتلكت هذا السلاح قبل الأول من أيار 1967، أي قبل الانتهاء من صياغة معاهدة منع الانتشار النووي، وفتحها للتوقيع أمام مختلف الدول، إلا أن هذه القوى الخمس الكبرى لا تتمتع بحقوق مطلقة بشأن ملكيتها للسلاح النووي، وإنما يتعين عليها بموجب معاهدة منع الانتشار النووي أن تعمل على التخلص من ترساناتها النووية، تحقيقاً للهدف النهائي لهذه المعاهدة المتمثل في إخلاء العالم تماماً من السلاح النووي، إلا أن هذه القوى لا تتحرك بالجدية اللازمة لتحقيق هذا الهدف.
- الفئة الثانية من الدول المالكة للسلاح النووي، وتضم قوتين نوويتين معلنتين، ولكن من خارج النادي النووي "الشرعي"، هما الهند وباكستان، حيث نجحت الهند في امتلاك السلاح النووي منذ إجراء تجربتها النووية الأولى في عام 1975، ثم كررت هذه التجارب مجدداً في عام 1998، عبر إجراء أربع تجارب دفعة واحدة، وهو ما استفز جارتها الباكستان، التي ردت بإجراء خمس تجارب دفعة واحدة، معلنة عن نفسها كقوة نووية جديدة على الساحة الدولية. وتختلف هاتان الدولتان عن القوى النووية الخمس الكبرى، في أنهما قوتان نوويتان بحكم الأمر الواقع، ومن خارج مظلة معاهدة منع الانتشار النووي.
- وتعتبر إسرائيل بحد ذاتها فئة منفردة على الساحة الدولية، يمكن أن نطلق عليها فئة القوى النووية غبر المعلنة، وهى حالة غامضة في مجال منع الانتشار النووي على الساحة الدولية. فإسرائيل لم تعلن صراحة امتلاكها السلاح النووي، كما أنها لم تجر تجارب نووية معلنة، وذلك في إطار السياسة التي تتبناها، والمعروفة بـسياسة الغموض النووي، إلا أن ذلك لا ينفي وجود حالة أقرب إلى اليقين على الساحة الدولية بأن إسرائيل تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية، بما لا يقل في أدنى التقديرات عن 200 رأس نووي من مختلف الأحجام والأنواع.
- الفئة الرابعة هي فئة الدول التي تمتلك قدرات نووية خاصة بالاستخدامات السلمية فقط. وفى داخل هذه الفئة، هناك دول كبرى، وبعضها قادرة على إنتاج السلاح النووي في وقت قصير إذا أرادت ذلك، مثل اليابان وألمانيا والبرازيل وكوريا الجنوبية، كما من بينها أيضا دولاً كانت تمتلك في السابق قدرات نووية عسكرية، مثل جنوب أفريقيا، ولكنها تخلت عنها من جانب واحد. وهذه الفئة تضم عدداً كبيراً نسبياً من الدول، لا تقل عن 25 دولة على الساحة الدولية، وبعضها تمتلك بنية نووية كبيرة ومتطورة، تشتمل على مفاعلات نووية عديدة، كما يمتلك بعضها قدرات متطورة في مجال تخصيب اليورانيوم. ومع أن امتلاك قدرات متطورة في مجال تخصيب اليورانيوم يعتبر أمراً غير شائع على الساحة الدولية، ويقتصر على طائفة محدودة من الدول التي قد لا يزيد عددها على عشر دول، فإن من الضروري الإشارة هنا إلى أن محدودية انتشار هذه القدرات يرتبط بمعادلة التكلفة ـ العائد بالنسبة للكثير من الدول.
فامتلاك مثل هذه القدرات ليس بالأمر الصعب في ضوء الإتاحة الواسعة للمعرفة العلمية النظرية لأساليب تخصيب اليورانيوم وهي متنوعة ومتعددة، لكنها تتطلب تكاليف ضخمة جدا، ويكون تخصيص مثل هذه التكاليف أمراً غير مبرر إلا إذا كانت الدولة المعنية تمتلك عدداً كبيراً نسبياً من المفاعلات النووية التي تتطلب بناء محطات لتخصيب اليورانيوم لتزويد تلك المفاعلات باحتياجاتها من الوقود النووي، بحيث تكون هذه المسألة مجدية اقتصادياً. ومن دون ذلك، يصبح امتلاك مثل هذه القدرات عبئاً مالياً ضخماً، بدون عائد اقتصادي حقيقي، لدرجة أن دولاً كبرى مثل بريطانيا وألمانيا وهولندا تدمج جهودها معاً في هذا الإطار، لاعتبارات اقتصادية برغم أن كلاً منها يمتلك المعرفة والقدرات التي تتيح له أن ينفذها بمفرده.
إن ما قامت به إيران في مجال تخصيب اليورانيوم لم يحولها إلى قوة نووية عسكرية، سواء معلنة أو غير معلنة، وإنما ما زالت إيران واحدة من دول الفئة الرابعة، أي الدول التي تمتلك قدرات نووية خاصة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، حتى لو كانت قدرات متطورة. والإضافة الجديدة هنا هي أن إيران أصبحت واحدة من الدول المالكة لتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم، وهي مسألة قد تختلف الآراء بشأن جدواها الحقيقية. فمن الناحية الاقتصادية، اضطرت إيران لأن تضخ استثمارات ضخمة من أجل امتلاك قدرة وطنية ذاتية في مجال تخصيب اليورانيوم، بغض النظر عن الجدوى الاقتصادية لمثل هذه الاستثمارات. ولدى تقييم هذه المسألة من منظور اقتصادي بحت، فإن من الممكن القول أن إيران الآن وفى المستقبل القريب ليست في حاجة ماسة لامتلاك قدرة ذاتية في مجال تخصيب اليورانيوم، لأن احتياجاتها تنحصر في مجرد توفير الوقود النووي لمفاعل بوشهر ا الذي ينتظر أن يبدأ العمل في هذا العام، وهي احتياجات متواضعة نسبياً، وتلتزم روسيا بتوفيرها بموجب اتفاق التعاون الموقع بين الجانبين، مما لا يبرر تخصيص مبالغ ضخمة في هذا الاطار .
أما لجهة الدلالات السياسية والاستراتيجية، فإن نجاح دولة ما في تخصيب اليورانيوم يعنى من الناحية النظرية أن هذه الدولة أصبحت تقف على بداية طريق قد ينتهي بها إلى امتلاك السلاح النووي، لأن تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية لا يختلف من النواحي العلمية والفنية والإنتاجية عن تخصيبه لأغراض صنع السلاح النووي. ولكن من الناحية العملية، فإن هناك إشكاليات عديدة تحيط بالإنجاز الذي حققته إيران في هذا المجال. فما حققته إيران هو تخصيب لليورانيوم بنسبة لا تزيد عن 3.5%، وهي نسبة متدنية جدا، ويأتي ذلك في إطار ما تسمح به قدرات إيران في مجال ما تملكه من وحدات الطرد المركزي التي تستخدم في التخصيب، والتي لا تزيد عن 164 وحدة. وحتى تستطيع أن تزيد من نسبة تخصيب اليورانيوم، فإنها تحتاج إلى زيادة ما تملكه من وحدات الطرد المركزي، بحيث لا تقل عن 1500 وحدة على الأقل. والسبيل الوحيد لذلك يتمثل في التصنيع المحلي، نظراً لأن فرص الاستيراد من الخارج أصبحت شبه منعدمة حاليا. وتمتلك إيران قدرة ما في مجال تصنيع وحدات الطرد المركزي في منشأة نتانز النووية. وكانت إيران قد أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عقب إجراء تجربة تخصيب اليورانيوم، أنها ستقوم بتركيب ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي في هذه لمنشأة النووية بحلول نهاية العام الحالي، ثم تزيدها إلى 54 ألف جهاز في مرحلة لاحقة، ما يسمح لإيران بإنتاج وقود نووي يكفى لتشغيل مفاعل بوشهر النووي الأول، الذي تصل قوته إلى 1000 ميغاوات. إلا انه من غير الممكن من الناحية العملية أن تتمكن إيران من الانتهاء من تصنيع وتركيب وحدات الطرد المركزي في الأوقات المشار إليها، لأن ذلك يبدو أعلى بكثير من القدرات الإنتاجية الفعلية لطهران في هذا المجال. فإذا كانت جهود إيران في مجال صنع أجهزة الطرد المركزي، منذ بدء هذه الجهود في عام 1985، في مركز طهران النووي، ثم في شركة كالاي الكهربية، ثم في منشأة نتانز لتخصيب اليورانيوم، وإذا كانت هذه الجهود لم تتمكن طيلة هذه الفترة من إنتاج أكثر من 164 وحدة طرد مركزي، وهي التي استخدمتها في تجربة 9 نيسان، فكيف يمكن أن توقع أن تتضاعف القدرات الإيرانية في هذا الإطار، بحيث تقوم بتصنيع آلاف الوحدات الإضافية في غضون فترة زمنية محدودة؟
أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين هي اقرب إلى المبالغة، بهدف تعزيز الموقف الإيراني في مواجهة الأطراف الغربيين، لاسيما الولايات المتحدة إلا أن الأكثر أهمية من ذلك يتمثل في طبيعة الخطاب السياسي الذي تبناه القادة الإيرانيون، عقب نجاح تجارب التخصيب المحدودة، إذ بدا أن اللغة أتت كمن أمتلك السلاح النووي، أو من قام بتجربة تفجير نووي ناجحة، مثل القول بأن إيران أصبحت القوة النووية الثامنة في العالم، وأن إيران دخلت النادي النووي إلا أن الدلالة الأبرز تتمثل في أن الهدف الرئيس لهذا الخطاب يتمثل في محاولة فرض أمر واقع على الأطراف الأخرى في الأزمة، لوقف الضغوط ولقبول التعامل مع إيران بقدر من التساوي.
ومن دون وجود أي تطور في اتجاه التسوية السلمية، فإن تجارب إيران في مجال تخصيب اليورانيوم، وما أعقب ذلك من تبنيها لموقف متشدد في الأزمة النووية، سوف يمهد السبيل أمام بناء توافق أكبر داخل مجلس الأمن للوقوف ضد إيران، وإمكانية اللجوء إلى الفصل السابع من الميثاق، وفق ما تلوح به الولايات المتحدة وفرنسا، بما يعنيه ذلك من اعتبار الأنشطة النووية الإيرانية تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وعلى الرغم من صعوبة اللجوء للخيارات العسكرية لأسباب واعتبارات متعددة،إلا أن واشنطن لا زالت تلوح بهذا الخيار إلى جانب العقوبات الاقتصادية.وفي كلا الحالين إن أحلاهما مر.