لبنان وسوريا:العلاقات الاقتصادية اولا
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
تعتبر العلاقات اللبنانية السورية من اغرب العلاقات واطرفها بين دولتين او حتى بين شعبين،فهي وان حددت في الخمسة عشر الستة الماضية باتفاقات ومعاهدات رسمية بين الدولتين،الا انها لم تحترم مندرجاتها ولم يسع ايا منهما الى التقيد بها،وان كانت العلاقات بين الشعبين تحكمها روابط كثيرة من بينها العائلية الا ان تشابك المصالح الاقتصادية كانت دائما العامل الابرز في انتاج وتظهير نوعية العلاقات المطلوبة،وعلى الرغم من الحاجة المتبادلة بين الطرفين من الناحية التجارية والمالية والايدي العاملة كان اللبنانيون يمارسون فوقية غريبة تظهر حاجة السوريين اليهم رغم ان التدقيق في الامر يظهر العكس تماما.
واذا كان الامر ينطبق علىالاقتصاد والمال وما يتفرع،فإن في السياسة امر آخر،فالحراك اللبناني باتجاه سوريا لم ينقطع يوما خلال الثلاثين سنة الماضية،بل تناوب على سباق البدل باتجاه دمشق؛ موالون ومعلرضون وحتى معادون لها،وعلى الرغم من ظهور سوريا بمظهر الممسك لناصية الحكم في لبنان فقد خرجت ولم تترك ورائها حليفا موثوقا الا ما قل وندر وهو من باب الحفاظ على مصلحة ما،وهي مسؤولية سورية لا يشترك معها احد لجهة تداعيات الآثار السلبية التي ارختها العلاقة الامنية الملتبسة بين البلدين وتماديها لحد الخلط بين العام والخاص بين مزاولي هذه المسؤوليات؛ومن الممكن كتابة عشرات المجلدات في شأن هذه العلاقة وما تخللها من مفاصل مبكية - مضحكة الا ان المهم ماذا بعد؟
في الجغرافيا السياسة للبلدين ثمة ثابت لا يتغير،سيبقى لبنان في خاصرة سوريا وستبقى هذه الاخيرة حاضنة لبنان،ومن هذا المبدأ ينبغي ترتيب علاقة ما تحفظ هذه الخصوصية لاعادة انتاج علاقات مفيدة للطرفين بقدر ما هي حاجة متبادلة للدولتين،وهي ليست بالضرورة ان تقوم على قواعد سياسية بقدر ما ينبغي ان تكون قواعدها اقتصادية تجارية،ذلك يعود للعديد من الاسباب ابرزها:
- لم تعد للاتفاقات السياسية معنى بعد عولمة الاقتصاد والمال وسعي جميع دول العالم بما فيها الاشد دفاعا عن مفهوم السيادات التقليدية للدول،ومن هنا اهمية مقاربة العلاقات الاقتصادية كمدخل واسلوب للتكامل بين أي بلدين جارين يطمحان لتكامل سياسي ما،وهناك العديد من التجارب الناجحة من بينها الاتحاد الاوروبي على سبيل المثال لا الحصر.
- ان تأسيس العلاقة بين البلدين على قواعد اقتصادية كفيل بإنتاج نسيج اجتماعي له مصالح مشتركة قوية توجب الطرفين الدفاع عنها بصرف النظر عن تقلب المزاج السياسي بين النظامين.
- ان علاقة الشراكة السياسية وتحت مسميات مختلفة كوحدة المسار والمصير ... لم تترجم في يوم من الايام على قواعدها الحقيقية، بل استثمرت لأهداف مالية واقتصادية وغيرها،ووصلت في بعض الحالات والفترات الى استغلال المراكز السياسية والامنية بين البلدين لحسابات شخصية.وهذا لا يعني بالضرورة التنصل من وجوب البحث عن صِيَغٍ خلاقة لتنسيق المواقف السياسية الاستراتيجية بعيدا عن الاستغلال الذي يمكن ان تتعرض لها المواقف.
- وتأسيسا على ما سبق يبدو ان تمثيلا دبلوماسيا ما بين البلدين يمكن ان يشكل مخرجا للقنوات الملتبسة القائمة حاليا،وهي حالة مطمئنة لقسم من اللبنانيين كما انها لم تعد تحديا للقسم الآخر،وهي خطوة ليست بالضرورة تشويها او نيلا للعلاقات المميزة المنشودة ،بل باتت وسيلة لتنقية او تصحيح الكثير من التشوهات القائمة.
- وفي الجانب التقني للموضوع الاقتصادي ثمة حاجة متبادلة لبنانية سورية، فلبنان المستفيد من وفرة اليد العاملة السورية غير المرتفعة الاجر، وهي في نفس الوقت خدمة للاقتصاد السوري للتخلص من قضية البطالة وعدم وجود فرص استثمارية تتيح فرص عمل اضافية.وفي المقلب الآخر،ان انفتاح الاقتصاد السوري مؤخرا واتجاهه ولو بخطى مدروسة جدا باتجاه نظام السوق هو بحاجة الى الخبرات العملية الرفيعة المستوى والذي يشكل لبنان مصدرا قويا لها وفي وقت يشهد لبنان تخمة ملحوظة فيه قابلة للتصدير وبخاصة في مجالات المصارف والمعلوماتية القانونية وغيرها.
ثمة حاجة ماسة لاعادة النظر في كثير من القضايا بين البلدين،اذ ان تجربة العلاقة هي مأساوية بكل جوانبها وهي من النوع المدمر للنظامين في آن معا،فهل يعي السوريون واللبنانيون ذلك قبل فوات الأوان؟ام ان المشروع الامريكي لـ "تحرير" لبنان وسوريا وحتى ايران لن يسمح باعادة التقاط الانفاس، لكن نتمنىان لا يسبق السيف العزل.
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني
تعتبر العلاقات اللبنانية السورية من اغرب العلاقات واطرفها بين دولتين او حتى بين شعبين،فهي وان حددت في الخمسة عشر الستة الماضية باتفاقات ومعاهدات رسمية بين الدولتين،الا انها لم تحترم مندرجاتها ولم يسع ايا منهما الى التقيد بها،وان كانت العلاقات بين الشعبين تحكمها روابط كثيرة من بينها العائلية الا ان تشابك المصالح الاقتصادية كانت دائما العامل الابرز في انتاج وتظهير نوعية العلاقات المطلوبة،وعلى الرغم من الحاجة المتبادلة بين الطرفين من الناحية التجارية والمالية والايدي العاملة كان اللبنانيون يمارسون فوقية غريبة تظهر حاجة السوريين اليهم رغم ان التدقيق في الامر يظهر العكس تماما.
واذا كان الامر ينطبق علىالاقتصاد والمال وما يتفرع،فإن في السياسة امر آخر،فالحراك اللبناني باتجاه سوريا لم ينقطع يوما خلال الثلاثين سنة الماضية،بل تناوب على سباق البدل باتجاه دمشق؛ موالون ومعلرضون وحتى معادون لها،وعلى الرغم من ظهور سوريا بمظهر الممسك لناصية الحكم في لبنان فقد خرجت ولم تترك ورائها حليفا موثوقا الا ما قل وندر وهو من باب الحفاظ على مصلحة ما،وهي مسؤولية سورية لا يشترك معها احد لجهة تداعيات الآثار السلبية التي ارختها العلاقة الامنية الملتبسة بين البلدين وتماديها لحد الخلط بين العام والخاص بين مزاولي هذه المسؤوليات؛ومن الممكن كتابة عشرات المجلدات في شأن هذه العلاقة وما تخللها من مفاصل مبكية - مضحكة الا ان المهم ماذا بعد؟
في الجغرافيا السياسة للبلدين ثمة ثابت لا يتغير،سيبقى لبنان في خاصرة سوريا وستبقى هذه الاخيرة حاضنة لبنان،ومن هذا المبدأ ينبغي ترتيب علاقة ما تحفظ هذه الخصوصية لاعادة انتاج علاقات مفيدة للطرفين بقدر ما هي حاجة متبادلة للدولتين،وهي ليست بالضرورة ان تقوم على قواعد سياسية بقدر ما ينبغي ان تكون قواعدها اقتصادية تجارية،ذلك يعود للعديد من الاسباب ابرزها:
- لم تعد للاتفاقات السياسية معنى بعد عولمة الاقتصاد والمال وسعي جميع دول العالم بما فيها الاشد دفاعا عن مفهوم السيادات التقليدية للدول،ومن هنا اهمية مقاربة العلاقات الاقتصادية كمدخل واسلوب للتكامل بين أي بلدين جارين يطمحان لتكامل سياسي ما،وهناك العديد من التجارب الناجحة من بينها الاتحاد الاوروبي على سبيل المثال لا الحصر.
- ان تأسيس العلاقة بين البلدين على قواعد اقتصادية كفيل بإنتاج نسيج اجتماعي له مصالح مشتركة قوية توجب الطرفين الدفاع عنها بصرف النظر عن تقلب المزاج السياسي بين النظامين.
- ان علاقة الشراكة السياسية وتحت مسميات مختلفة كوحدة المسار والمصير ... لم تترجم في يوم من الايام على قواعدها الحقيقية، بل استثمرت لأهداف مالية واقتصادية وغيرها،ووصلت في بعض الحالات والفترات الى استغلال المراكز السياسية والامنية بين البلدين لحسابات شخصية.وهذا لا يعني بالضرورة التنصل من وجوب البحث عن صِيَغٍ خلاقة لتنسيق المواقف السياسية الاستراتيجية بعيدا عن الاستغلال الذي يمكن ان تتعرض لها المواقف.
- وتأسيسا على ما سبق يبدو ان تمثيلا دبلوماسيا ما بين البلدين يمكن ان يشكل مخرجا للقنوات الملتبسة القائمة حاليا،وهي حالة مطمئنة لقسم من اللبنانيين كما انها لم تعد تحديا للقسم الآخر،وهي خطوة ليست بالضرورة تشويها او نيلا للعلاقات المميزة المنشودة ،بل باتت وسيلة لتنقية او تصحيح الكثير من التشوهات القائمة.
- وفي الجانب التقني للموضوع الاقتصادي ثمة حاجة متبادلة لبنانية سورية، فلبنان المستفيد من وفرة اليد العاملة السورية غير المرتفعة الاجر، وهي في نفس الوقت خدمة للاقتصاد السوري للتخلص من قضية البطالة وعدم وجود فرص استثمارية تتيح فرص عمل اضافية.وفي المقلب الآخر،ان انفتاح الاقتصاد السوري مؤخرا واتجاهه ولو بخطى مدروسة جدا باتجاه نظام السوق هو بحاجة الى الخبرات العملية الرفيعة المستوى والذي يشكل لبنان مصدرا قويا لها وفي وقت يشهد لبنان تخمة ملحوظة فيه قابلة للتصدير وبخاصة في مجالات المصارف والمعلوماتية القانونية وغيرها.
ثمة حاجة ماسة لاعادة النظر في كثير من القضايا بين البلدين،اذ ان تجربة العلاقة هي مأساوية بكل جوانبها وهي من النوع المدمر للنظامين في آن معا،فهل يعي السوريون واللبنانيون ذلك قبل فوات الأوان؟ام ان المشروع الامريكي لـ "تحرير" لبنان وسوريا وحتى ايران لن يسمح باعادة التقاط الانفاس، لكن نتمنىان لا يسبق السيف العزل.