13‏/08‏/2008

القمة السورية الروسية:علاقات الضرورة وتقاطع المصالح

القمة السورية الروسية:علاقات الضرورة وتقاطع المصالح
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

في وقت تستعد فيه موسكو لإشهار العين الحمراء على واشنطن من خلال معارك جورجيا، وفي الوقت الذي تمكنت فيه دمشق من كسر عزلة الغرب عليها بزيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي لها في أيلول القادم، تأتي قمة الرئيسين السوري بشار الأسد والروسي دميتري ميدفيديف لتكرس عرفا سبق أن تكرّس في علاقات البلدين مفاده علاقات الضرورة وتقاطع المصالح، في عالم استهدفهما ، في ظروف داخلية صعبة للطرفين ووقائع وأحداث إقليمية ودولية ضغطت عليهما بهدف تحجيم دورهما في نظام دولي لم تتمكن قوة فيه من منافسة واشنطن في قيادتها للعالم.وفي قراءة دقيقة لبعض ظروف البلدين تظهر خلفية القمة وآثارها على مستقبل ودور كل منهما في منطقة تعج بالمشاكل ومشاريع الحلول.
فموسكو التي حسمت أمرها في المسألة الجورجية بعد أكثر من عقد ونصف من تحمّل الشغب التبليسي،تمكّنت من القراءة الدقيقة للظروف الإقليمية والدولية وسددت ضربة غير قاضية لسياسات واشنطن في القوقاز لكنها تسجل في خانة ربح النقاط القابلة للصرف السياسي في غير منطقة ومنها الشرق الأوسط.وفي مقابل ذلك تمكنت دمشق أيضا من فك طوق غربي طاول احد ابرز اذرع سياساتها الخارجية في لبنان،وتوجته في قمة سورية لبنانية، ستمهد لانفتاح فرنسي على سوريا سيترجم في قمة لافتة في أوائل أيلول القادم.
إن ما يجمع سوريا وروسيا جوانب كثيرة تبدأ بعلاقات الضرورة التي تستهدف مواجهة سياسات دولية تعتبر معادية في مقاييس العلاقات الدولية،مرورا بتقاطع المصالح،ولا تنتهي بالاستثمار السياسي والاقتصادي والعسكري.وفي الواقع ثمة أسباب كثيرة حتّمت عقد القمة بين الجانبين، والتي بدأ التحضير لها منذ الربيع الماضي،ومن بينها محاولة إعادة إحياء الحوارات وتبادل وجهات النظر حول بعض الملفات لتكريس اتفاقات سابقة.
فلقاء الأسد ميدفيديف وهو الأول سيشكل مناسبة لتعارف الرئيسين عن قرب،في وقت تقبل المنطقة فيها على تطورات لافتة تستوجب التنسيق والتعاون في قرارات دقيقة وحساسة.فاللقاءات السورية الإسرائيلية غير المباشرة في تركيا استرعت نظر موسكو وهي بحاجة لبلورة الصورة باعتبارها تمسُّ طموحا روسيا في لعب دور ما في هذا الملف,باعتباره ذراعا خارجية روسية من الصعب التخلي عنه لمصلحة تركيا الدولة التي لطالما اعتبرتها حاجزا جغرافيا سياسيا في وجه امتداداتها الأمنية والعسكرية إلى المياه الدافئة في المتوسط.
فبصرف النظر عن مدى فاعلية الرعاية التركية لملف المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل،ثمة طموح روسي بإطلاق محادثات السلام في الشرق الأوسط في الخريف المقبل، إذا صدقت الوعود الأمريكية وهي مشكوك فيها، بخاصة أنها ستتزامن مع حمى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وعلاوة على ذلك ثمة إشارات أطلقت مؤخرا حول جس نبض سياسي غربي لدمشق حول امكانية أن تلعب دمشق دور ما في وساطة مع طهران حول البرنامج النووي،الأمر الذي يستلزم أيضا استكشاف الموقف الروسي باعتبار أن موسكو تشكل الرافعة الأساس لقوة الموقف الإيراني في مواجهة الغرب في هذا الملف.
ثمة العديد من الأسباب والخلفيات الموضوعية التي تستدعي التنسيق بين الجانبين ،وفي الواقع أرسى هذا التوجه وبخاصة بعد الحقبة السوفيتية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،رئيس الوزراء الحالي،الذي يعتبر رئيس الظل لروسيا،والذي يمكن أن يكون الطرف الثالث في لقاء القمة بين الرئيسين في سوتشي.
إن تفعيل السياسة الخارجية الروسية كان ثمرة جهود سعى إليها بوتين لإعادة مكانة روسيا الدولية في نظام دولي متعدد الأقطاب إلى جانب الولايات المتحدة. ولذلك وضعت موسكو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الداخلي في برنامج أولويات سياساتها، وسعت إلى توظيف السياسة الخارجية لخدمة الإصلاح الاقتصادي ما أدى إلى هيمنة الاعتبارات المصلحية وبخاصة الاقتصادية على أولويات السياسة الروسية. وكلما تعاظمت هذه المصالح، ازدادت فاعلية الدور الروسي ومحاولات التأثير والمناورة. كما أن روسيا مالت إلى ترجمة أهدافها ومصالحها إلى علاقات تعاونية تخدم مصالحها ومصالح الأطراف الأخرى.
ومهما يكن من أمر المتغيرات الطارئة في الشرق الأوسط تبقى هذه المنطقة بالتحديد موقعا وموئلا تجاذبته دول كثيرة طامحة للعب ادوار إقليمية ودولية مؤثرة،ويبدو إن موسكو تحديدا آخذة في هذا الاتجاه نظرا للحاجات والمصالح المتبادلة بينها وبين دول المنطقة وتحديدا سوريا ،ويظهر ذلك جليا عبر العديد من المسائل منها:
- إن الانتشار الأمريكي الكثيف جنوب روسيا في العقد الأخير من القرن الماضي،تحوَّل في كثير من مواقعه إلى قوى احتلال بعد حروب إقليمية كبيرة خاضتها بغطاء دولي،كنموذج أفغانستان والعراق،الأمر الذي حوَّل هذه القوات إلى قوة تهديد للمصالح الاستراتيجية الروسية.ومن الزاوية عينها تشكل هذه القوات خطرا مباشرا على أنظمة دول المنطقة كنموذج سوريا وإيران.
- إن حاجة روسيا للنمو الاقتصادي المستمر للتخلص من سيف المساعدات الخارجية المشروطة،مرهون بحيازتها للعملات الأجنبية الذي لا يمكن إن يتأتى إلا من مصادر بيع الأسلحة لمن يحتاجها،وفي المقابل تبدو دول المنطقة مهتمة بهذا المجال لإعادة بعض التوازن المفقود أصلا في المنطقة.
- إن تعثر مشاريع التسوية إن لم نقل إحباطها في المنطقة بقوة الدفع الإسرائيلية الأمريكية بعد مؤتمر مدريد ومندرجاته،اتاح لبعض دول المنطقة ومنها سوريا،وكذلك للدول الكبرى ومنها روسيا وتركيا،إعادة رسم سياساتها وعلاقاتها من جديد،بدافع تقاطع المصالح السياسية والاقتصادية.فتركيا الباحثة عن دور ضائع منذ قرن تقريبا وجدت النزاع العربي الإسرائيلي مدخلا له في الآونة الأخيرة للتقرب من إسرائيل وسوريا،فيما التوجه السوري شمالا نحو أنقرة وعدم ممانعتها لهذا الدور لم ينسها المتابعة شمالا باتجاه موسكو،أما الأخيرة المتوجسة من إعادة إحياء دور تركيا على حدودها الجنوبية،فلن تألو جهدا في تجاوزها للوصول نحو مركز الجذب الإقليمي المتمثل بسوريا.
- إن اقتناع موسكو بأن المشروع الإمبراطوري الأمريكي لن يتوقف عند حدود أوروبا القديمة- الجديدة،بل سيتعداه إلى روسيا نفسها،ما أوجد نقاط تقاطع كثيرة مع رؤية بعض قوى المنطقة ومنها سوريا لمشروع الشرق الأوسط الكبير - الجديد،المصنف كخريطة طريق لإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة برمتها.
- كما إن إخراج روسيا عمليا من عقود نفط العراق يشكل مناسبة هامة للانفتاح الروسي على دول المنطقة ومنها إيران والسعودية،وان ترتيب بيئة اقتصادية نفطية جديدة تسلتزم تركيز بيئة سياسية ملائمة من الضروري أن تكون دمشق من بينها بالنظر لعلاقتها مع طهران وموقعها بالنسبة لدول المنطقة.
طبعا ثمة عقبات يمكن أن تواجه هذا التحليل المتفائل للعلاقة بين البلدين وبخاصة إذا ما أدرجت المصالح الإسرائيلية الروسية لجهة عدم قدرة موسكو تجاهل ثقل المليون يهودي روسي في إسرائيل،ومدى تأثر الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي بصفقات الأسلحة الروسية لدول المنطقة ومنها سوريا.
لكن مهما يكن من أمر ،ثمة مصلحة روسية سورية مشتركة تتقاطع في الكثير من المحطات السياسية والاقتصادية وحتى في الحسابات الجيو سياسية،وهذا ما يستدعي تقوية العلاقات القائمة ومحاولة الاستفادة من بعض المتغيرات قدر المستطاع ومنها التعثر الأمريكي في العراق .فهل تمكنت سوريا من تجاوز الألغام الإسرائيلية الأمريكية المزروعة على طريق موسكو؟ وهل سيقرأ الرئيسان الروسي والسوري في كتاب واحد؟
ثمة تطورات كثيرة يمكن أن تلوح في المستقبل القريب ما تستدعي قراءة سورية روسية واحدة،وبقدر ما تكون القراءة واحدة وفي نفس الكتاب تكون المصالح متطابقة وقابلة للاستثمار المشترك في المجالات الاستراتيجية علاوة على التكتية ،فهل سيكون حقل دمشق متطابقا مع بيدر موسكو؟سؤال مرتبط بمدى تطابق المصالح وعلاقات الضرورة بين البلدين.