02‏/02‏/2009

قمة الاتحاد الافريقي ومعوقات وحدته

قمة الاتحاد الافريقي ومعوقات وحدته

قمة الاتحاد الافريقي ومعوقات وحدته
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

مفارقة القمة الثانية عشرة للاتحاد الافريقي ما جمعت من طموحات وما وفّرت من امكانات،واذا كان هم المجتمعين تحقيق انشاء البيئة المناسبة للتكامل والوحدة ،فان ما يحيط بها من مشاكل ومصاعب ذاتية وموضعية ربما يجعل حلم قادتها بعيد المنال،بخاصة وان تحولات متسارعة ارخت وترخي بظلالها على اعمالها وتطلعاتها.وياتي احد ابرز بنود جدول اعمالها اقتراح تشكيل " "حكومة للاتحاد" الذي تقدم به العقيد الليبي معمر القذافي الذي أثار قلق عدد كبير من الرؤساء الافارقة. وكذلك تأثيرات الأزمة المالية العالمية على دول القارة التي تصنف بعضها ضمن الأفقر على مستوى العالم.فما هي حظوظ النجاح والفشل ؟وما هي مصاعبها وهل يمكن تجاوزها بسهولة؟
ثمة مصاعب يطول عددها بعدد دولها الخمسة والخمسين المجتمعين في اديس ابابا، والمفارقة ان مشاكل دولها تتفاطع كثيرا مع طموحات دول وتجمعات اقليمية سعت وتسعى الى اعادة احتوائها والتصرف فيها وبمواردها،مستغلة تناقض مصالح دولها وشعوبها وقبائلها المقسَّمة بين دول متعددة.ويمكن تسجيل العديد من الملاحظات منها:
- إن معظم الحدود السياسية الأفريقية تم ترسيمها في الفترة بين 1884 – 1919 واعتمدت الحدود الهندسية من قبل المستعمر دون ان يتخذ بعين الاعتبار خصائص الأرض أو توزيع السكان لذلك حملت بذور الخلاف والمشاكل ما باعَد بين دولها وطموحاتها.
- ثمة تفاوت كبير بين دول القارة لجهة عدد السكان والشكل والموارد ، ما ينعكس على مستوى الدخل السنوي للفرد. ونظرا للعوامل الطبيعية ثمَّة عدم تناسب بين المساحة وعدد السكان في كثير من الدول . فهناك دول ذات مساحة كبيرة وأعداد سكانها قليلة مثل: ليبيا ومالي وتشاد وموريتانيا والكونغو وليسوتو والغابون. وبعكس ذلك يلاحظ أن بعض الدول ذات المساحة الصغيرة وعدد السكان الكبير ترتفع كثافة السكان فيها بصورة كبيرة مثل : معظم الدول الجزرية (ساوتومي، موريشيوس، والرأس الأخضر وجزر القمر). وبعض الدول مثل : أوغندا وراوندا وغمبيا ونيجيريا وتوغو وبورندى.الامر الذي يشكل بيئة غير مناسبة للتكامل المالي والاقتصادي الذي يشكل احد اعمال حكومة الوحدة
- نمت وتطورت كثير من دول القارة بصورة غير طبيعية " أي لم تنم حول منطقة نواة". بل كانت نتاجا للتقسيم الاستعماري، وينتشر هذا النمط في غرب القارة. وتضم هذه الدول بين جنباتها عدة قوميات مثل : بوركينا فاسو وتوغو وبنين والصومال ومالاوي.الامر الذي يعكس عدم التجانس في التشكيل الاجتماعي والانتربولوجي.
- إن معظم عواصم الدول تقع على الساحل لتؤكد تبعية هذه الدول وتوجهها للدول المستعمرة سابقا. وكثير من هذه العواصم موانئ ساحلية وتتركز فيها الوظائف الإدارية والمالية والاقتصادية، او بمعنى آخر تمثل العواصم نمطا للهيمنة وتتركز الخدمات الصحية والتعليمية فيها، وتكاد تنعدم في باقي الأنحاء.ما يوسّع الفجوة بين ابناء البلد الواحد فكيف بغيره من الدول.
- خٌططت الحدود ورسِّمت اصطناعيا ما أثر سلبا على توزيع القوميات عند تطبيقها. فالشعب الصومالي كان ضحية لهذا الواقع وشتت بين عدة دول في جيبوتي والصومال وإثيوبيا وشمال كينيا. كما قُسمت كثير من القبائل كشعب الإيفي في غرب أفريقيا الذي توزع بين توغو وغانا.
- يكثر في القارة الدول الحبيسة بصورة يفوق ما هو موجود في أية قارة أخرى (15 دولة حبيسة). وتقع هذه الدول تحت رحمة الدول الساحلية في تصريف تجارتها، ما يجعلها توابع اقتصادية، ويزيد من ضعفها السياسي.
- نظرا لأن معظم دول أفريقيا قد تحررت من الاستعمار الذي زرع بذور الشقاق بين قبائلها ليضمن البقاء. ولما كانت أعداد القبائل والشعوب أكثر من عدد الدول. من هنا فإن كثيرا من هذه القبائل والعشائر ما تزال تثير القلاقل لتلك الوحدات السياسية الحديثة. فالصراع بين جنوب السودان وشماله وبين عشائر الكونغو، وبين العشائر التشادية وبين قبائل الصومال ونيجيريا من صنع القوى الخارجية. من هنا فإن عدم الاستقرار السياسي وكثرة الاضطرابات والانقلابات العسكرية الدامية سمة تميز معظم دول القارة، فأصبح الحكم العسكري سمة أفريقية خاصة.

ويلاحظ على مستوى قارة أفريقيا أن الحدود السياسية في حاجة إلى تعديل لتتفق مع التقسيم البشري والمظاهر الجغرافية التي تميز القارة؛ وهذا أمر شبه صعب بين شعوب متناحرة فيما بينها. وعلى أمور بسيطة والضحية شعوب القارة دائما الذين يعانون من الفقر وسوء الإدارة. ومن أمثلة المشكلات السياسية في القارة:مشكلة الحدود بين أريتريا والحبشة، والتي كان من نتائجها اشتعال الحرب بين الدولتين، ولم تنته حتى الآن.ومشكلة السودان مع جيرانه في كل الاتجاهات، وخاصة في الجنوب.ومشكلة الصومال بين اجزائه وبين جيرانه، وخاصة أثيوبيا.ومشكلة الحدود بين الكونغو الديمقراطية وجيرانه في الشرق بورندى ورواندا.ومشكلة نيجيريا مع الكاميرون.ومشكلة المغرب مع الجزائر وموريتانيا.
واذا كانت مصاعب دول القارة السمراء تبدو كثيرة وخطيرة،فان ما يتربّص بها من الخارج لا يقل خطورة،فالطموحات الدولية الامريكية الفرنسية لا تقل اهمية وخطورة عن التطلعات الصينية وغيرها من الدول الاقليمية الكبرى التي تسعى الى مد اذرع سياساتها الخارجية الى بؤر التوتر في دولها،ما يعزز الشكوك بصعوبة تحقيق تقدم فعلي في طموحات بعض قادتها.
وعلى الرغم من تلك المصاعب التي تبدو معها الوحدة مستحيلة،فان النظر للاتحادات التي سبقتها تشكل بارقة امل يمكن البناء عليها،فظروف التجمعات الاقليمية التي ظهرت مؤخرا لم تكن بأحسن حال من الوضع الافريفي الحالي وتمكنت من الوصول الى قواسم مستركة تمَّ البناء عليها للوحدة اللاحقة. وربما القبول بالانتقال من مرحلة منظمة الوحدة الافريقية الى الاتحاد يشكل بابا من التصميم الذي يؤسسس لشيء ما نهايته طموح وحدة.