07‏/06‏/2015

مؤتمر باريس والجغرافيا السياسية ل «داعش»

مؤتمر باريس والجغرافيا السياسية ل «داعش» صحيفة الخليج الاماراتية 6-6-2015 د.خليل حسين بعد عشرة أشهر من قيام تحالف دولي لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي، وجد المتحالفون أنفسهم في مؤتمر باريس، مكتوفي الأيدي ومعقودي الألسن، إزاء واقع يصعب غض النظر عنه، أو محاولة التعايش معه، كما عبر عنه العديد من المشاركين. وفي الحقيقة ثمة أزمة حقيقية تقبع في عقلية أصحاب القرار، في كيفية مواجهة الجغرافيا السياسية ل«داعش»، وبخاصة ما حدث مؤخراً، بعد احتلال الرمادي في العراق وتدمر في سوريا، والتمدد في حلب شمالي سوريا، ما يعني بلغة الجغرافيا السياسية والعسكرية أيضاً، أن تمدداً بهذا المستوى، يثير جدلاً منطقياً حيال طبيعة التمدد وأهدافه وتداعياته، لاسيّما أنه عملية وصل لمناطق تبدو صحراوية في المظهر، وعملية فصل في المضمون لساحات أخرى، تشكل جغرافيتها منطلقاً لتقسيمات الأمر الواقع مستقبلاً. فالتحالف الدولي الذي نفذ فقط 4100 غارة جوية على عدد من مواقع تنظيم «داعش»، لم تكن جميعها فعّالة وفي جميع مناطق نفوذه، إلا إذا تمّ استثناء المناطق ذات الوصل والفصل في منطقة كردستان العراق وكوباني سوريا، ما يعني أن مواقع المواجهة، لها دلالتها الخاصة بالنسبة للتحالف، في وقت يبدو فيها كثير من المناطق، كان يمكن للتحالف أن يفعل فعله فيها إذا أراد، ومثال ذلك منطقة تدمر التي اجتاحها «داعش» في أوقات قياسية، وفي جغرافيا مكشوفة تماماً يتحرك فيها بين غرب العراق وشرق سوريا، وربّما التبرير الواقعي والعملي لسلوك التحالف، أن مثل هذا التدخل يفيد سوريا بالدرجة الأولى، ولا يشكل خطوة استراتيجية بالضرورة للتحالف، ما دام تنظيم «داعش» في مثل هذه الحالة وغيرها، يشكل فرصة استنزاف لجميع الأطراف في المنطقة، فلماذا لا يتمّ ردعه أو مواجهته تحديداً في الجغرافيا الحالية التي يتمدد بها؟ إنها وجهة نظر عراقية علت في أجواء المؤتمر، وهي نتاج تجاذب فرنسي - عراقي -أمريكي أيضاً، متعلق بالتوقيت والأهداف والغايات التكتيكية للمواجهة. ففيما يطالب العراق بمزيد من الدعم العسكري واللوجستي الدولي، ترى الأطراف القادرة أن ذلك غير متوافر، ربطاً ووصلاً بالواقع الداخلي العراقي المنقسم أصلاً، في ظل غياب مصالحة سياسية داخلية لمواجهة أخطار الخارج والداخل، وهو أمر تصرّ عليه واشنطن وباريس مثلاً، على قاعدة الضغط على الحكومة العراقية، لإدماج المكونات الأخرى في الدولة جماعاتٍ وليس أفراداً، وهو أمر يثير تبرّم رئيس الحكومة العراقية الذي ظهر في أكثر من مناسبة وبشكل واضح. والجغرافيا السياسية التي يمثلها حالياً تنظيم «داعش» في البيئتين العراقية والسورية، لا تقلّ أهمية، من حيث المبدأ، في تداعياتها المحتملة في المستقبل القريب في اتجاهات أخرى، كالأردن ولبنان، وحتى في قطاع غزة، كما برز خلال الأشهر القليلة الماضية من تحركات لها دلالاتها الحساسة، وهي مناطق فيها الكثير من الإغراءات التي تدغدغ التمدد الداعشي، وهي عملياً محيّدة اليوم بفعل توازنات إقليمية دقيقة، لا بفعل تعفف «داعش»أو غيره في فتح ملفات هذه المناطق. ثمة تجربة دولية سابقة متعلقة بمجلس الأمن تحديداً، الذي أصدر القرارين 2170 و2199 المتعلقين بمحاربة «داعش»، وفيهما الكثير الكثير من المرونة والغنج السياسي في محاربة هذا التنظيم الارهابي، وبخاصة القرار 2199، ما فتح أعين «داعش» على قراءة تراخي المشهد الدولي في مواجهته، ما عزز اندفاعته في غير ساحة إقليمية، وتمكن من الاستفادة إلى أقصى الحدود في غير موقع سياسي، بعدما أحكم الجغرافيا في قبضته وبدأ باستغلالها سياسياً. ربما ظروف كثيرة تجمّعت وتقاطعت في مؤتمر باريس، لم تسعف أركانه في الاتفاق على استراتيجية واضحة، فاكتفى المؤتمر ببيان هو أقرب إلى توصيات سُمعت كثيراً في فترات سابقة، والجديد فيها الإيحاء بتقديم الدعم للعراق بشروط وقيود متعلقة بالشأن العراقي الداخلي، وهي أمور صعبة التحقق في المدى المنظور، الأمر الذي يثير تساؤلات ربما تبدو مشروعة، عن طبيعة التنظيم ومن يدعمه ومن يغذيه، ومن المستفيد منه كحالة تسهم بشكل فعال في استنزاف قوى المنطقة ومجتمعاتها، تمهيداً لجغرافيا سياسية جديدة نجح حتى الآن في تكوين صورها الأولى. واللافت في هذا كله، تصريحات أمريكية واضحة، بأن القضاء على فكر «داعش» يتطلب عقوداً بل أجيالاً، ورغم صحته ولو نسبياً، فإنه يخفي رؤى أخرى مضمرة، مفادها الدعوة إلى التأقلم والتعايش مع الجغرافيا السياسية التي كرّسها «داعش» في المنطقة، ويبدو أننا نحن العرب تلقفنا هذه الدعوة الأمريكية، وبدأنا نستسلم لها شيئاً فشيئاً، وهو أمر له سوابق في السلوك والذهن العربيين، فقد أطلقنا «لاءاتنا» المعروفة في الخرطوم ضد «إسرائيل»، واليوم بدأنا نستسلم لنتأقلم ونتعايش مع «إسرائيل»، فهل سيكرّس العرب هذه السابقة أيضاً مع «داعش»؟ إنها فعلاً مهزلة العرب، وهم كالذي ظل يكذب ويكذب ويكذب، حتى صدق ما كذب ومشى به - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/dd10859d-e922-4cc4-a9f0-e4c9285e0b8f#sthash.jlqvaUcX.dpuf

قراءة هادئة في جذور الأصولية

قراءة هادئة في جذور الأصولية صحيفة الخليج الاماراتية 3-6-2015 د. خليل حسين على عكس ما هو شائع ومتداول في الإعلام الغربي من أن الأصولية هي توصيف مرادف للإسلام والمسلمين، وأن منشأها وجذورها من طبيعة عربية وإسلامية، فالأصولية وجدت ونشأت في المجتمعات الغربية وترعرعت وتطورت عبر غلاة غير إسلاميين، ووجدت بيئتها الحاضنة في غلاة المسيحيين المتصهينين، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتمثلت في العديد من التيارات الدينية والسياسية، وصولاً إلى المحافظين الجدد الذين حكموا أمريكا وحاولوا تنظيم العالم على مقاس معتقداتهم. لقد سارع المفكرون الغربيون، إلى إطلاق مصطلح الأصولية على الحركات التي ارتبطت بالإسلام المسلح في الشرق الأوسط وآسيا منذ نشأتها الأولى. وفي الواقع يعود المصطلح إلى حركة دينية عرفتها الولايات المتحدة مطلع القرن الماضي، بعدما تمكنت مجموعة من البروتستانت من طبع 12 مجلداً في الفترة ما بين 1910 إلى 1915 بعنوان «أصول شهادة على الحقيقة» وانتشرت في وقت قياسي بين ملايين المسيحيين الأمريكيين، ونظر إليها كرد عملي على الداروينية، واعتبرت أول التفاتة إلى الدين، بعدما اتجه المجتمع الغربي نحو العلم، وقد حدد أصوليو أمريكا أربع ركائز أساسية لأصوليتهم هي الإحياء والتمسك بالجوهر والتجديد والعمل. لقد كان الفرق الأساسي بين الأصولية الأمريكية والأصولية الشرقية، أن الأولى كانت نقاشاً حقيقياً لقضيتي العلم والدين ومناطق التماس بينهما، بينما عاشت الحركة الأصولية الشرقية حالة من الجهل الفكري منذ صعودها أواخر سبعينات القرن الماضي وحتى ضمورها بداية الألفية الحالية، وبمعنى آخر كانت الأصولية الشرقية استدعاءً لزخم حركي لم يرتكز، ولم ينتظر حتى إمكانية إرساء أي قواعد فكرية له. إن المرتكز الأساسي للحركة الأصولية الإسلامية المعاصرة، نشأ في الفضاء الآسيوي في ظروف فقهية وسياسية استثنائية، فقد تم تغليب المدرسة الديبوندية على المدرسة الهندية المقاومة، تلك المدرسة التي اهتمت بالفروع أكثر من الأصول، حيث أن الكثير من استنتاجاتها وصلت بالاستناد إلى كتب القرون الوسطى، وفي اتجاه مواز تم غض النظر عن دفع الحركات الإسلامية الآسيوية إلى مقدمة الصورة السياسية في مواجهة صعود كتلة عدم الانحياز وحركات التحرر الوطني، وأيضاً في مواجهة النفوذ الصيني والسوفييتي السابق. والملاحظ في ذلك، أن الغرب جمع تحت الأصولية مجموعة حركات سياسية وصلت علاقة بعضها بالبعض الآخر، إلى مستوى الاحتراب، فقد ضمت الكلمة حركات الإسلام المسلح،وتلك الجماعات التي ظهرت في أوائل الثمانينات وصعّدت من عملها العسكري في التسعينات وكان جسمها الأساسي ارتداداً للظاهرة الأفغانية، جنباً إلى جنب مع الجبهة الإسلامية التي ولدت ثم تضادت مع حركة الإخوان المسلمين، وكذلك التجربة الإيرانية المعادية للسياسات الأمريكية والصهيونية، وخطورة هذا الطرح أنه ألغى القضايا وتمايزاتها وخلق صورة نمطية واحدة لمسلم ملتح يحمل رشاشاً لا يدافع عن قضاياه المباشرة، وإنما يدافع عن نموذج فكري في ذهنه. وفي الوقت ذاته تمَّ التغاضي عن قصد إلى أصوليات هي أخطر بكثير ولها سوابق إرهابية تمتد عميقاً في جذور التاريخ. واللافت أيضا أنه وفي معرض البحث عن جذور الإرهاب وأسسه وكيفيته، تمَّ اللجوء إلى الأصوليات كأساس يمكن الاستناد إليه في معرض توصيف ظواهر ومنفذي العمليات الإرهابية. فيما تمَّ تجاهل الأسباب الحقيقية التي جعلت مثل تلك الجماعات تلجأ إلى التطرف لمواجهة ما تتعرض له. وفي النهاية كلمة حق لا بد أن تذكر، وهي أن العودة للأصول لا ضير فيها، ولا ينبغي أن تشكل عقدة خوف أو نقص لما اعتراها من تحريف في المعنى. كما ينبغي على دارسي تلك الحركات أن يكونوا موضوعيين في إيضاح منشأها والحكم على أعمالها، لكي لا تشوه صورة الدين، أي دين على أنه سبب في انتعاش الأعمال الإرهابية. وفي الواقع ما أكثرها في دولنا ومجتمعاتنا اليوم، حيث التنظيمات الإرهابية تعيث في الأرض فساداً باسم الدين والعودة إلى الأصول كما تدعي. - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/ec64ccb6-f751-40c1-8552-feffcebafc6d#sthash.djHKQS6t.dpuf

سوسوابق تنظيم «داعش»

سوسوابق تنظيم «داعش» صحيفة الخليج الاماراتية 30-5-2015 د. خليل حسين من مفارقة تنظيم«داعش» الارهابي، أنه تمكن من تحقيق سوابق لم يتمكن تنظيم عبر التاريخ وبخاصة الحديث، أن غير قواعد وسلوكيات تكرست عبر اتفاقيات دولية، كما أثر في قواعد وسلوكيات عقلية واجتماعية ستترك تداعيات من الصعب القفز فوقها أو تجاهلها. على الرغم من ظهور تنظيمات كثيرة في المجتمعات العربية والإسلامية منذ العصر الأموي والعباسي إلى يومنا هذا، والتي شكلت صوراً ومظاهر متطرفة، إلا أن تنظيم «داعش» كسر قواعد وحطم حدوداً رسمت قبل قرن من الزمن دون مقاومة تذكر، بل أكثر من ذلك، أن مجابهته ومحاربته مرتبطة بمصالح متقاطعة كثيرة، بينها أطراف على قدر كبير من الصراعات والنزاعات تبدأ بالإيديولوجي ولا تنتهي بالمذهبي والطائفي والعشائري. فقد اكتسح نصف أراضي سوريا وتمكن من وصل بادية الشام بأكملها مع الجانب العراقي، ما أتاح له فرصة التواصل بين المناطق التي يسيطر عليها، وأن يشكل جغرافية سياسية خاصة به للانطلاق نحو دول أخرى لا تقل أهمية من التي يحتلها حالياً، وهي تشكل مرتكزاً في عقله الباطني، بالنظر إلى العديد من العوامل ذات الامتداد التاريخي. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فسابقة التمويل التي يتمتع بها، لم يسبقه إليها أحد، فتاريخ التنظيمات المتماثلة والمتماهية مع أهدافه، لم يكن لها عمليا بيئة تمويلية خاصة، كالتي يستحوذ عليها، فضمن المساحات الشاسعة التي بسط سيطرته عليها، هناك النفط والموارد الأخرى تمده بعوائد تغطي نفقاته ، والسابقة الأخرى في هذا المجال، أن مبيعات النفط والغاز وغيرها، تصدر عبر دول تدعي محاربته وبأسعار تنافسية وتشجيعية إذا جاز التعبير، وبلغة القانون تعتبر ضمن شروط الدولة الأكثر رعاية، وهي مفارقة بحد ذاتها. والسابقة الأخرى في هذا الموضع أيضاً، أن مكافحة تمويله تمت بسابقة دولية من مجلس الأمن عبر القرار 2199 الذي ربطت ضوابطه القانونية، وفقاً للمادة 41 من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وهو بذلك يشكل تراجعاً عن القرار السابق رقم 2170 الذي وضع ضمن المادة 42 التي تجيز استعمال القوة العسكرية لمكافحة التمويل، فيما القرار اللاحق 2199 يكتفي بالحصار وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي تتعامل معه مالياً وتجارياً!. السابقة الأخرى لتنظيم داعش، مد يده إلى العقل الإنساني وحضارته وثقافته، فرغم أن تنظيم طالبان على سبيل المثال سبقه في تدمير تمثال باميان الأثري، فإن تنظيم داعش دمر حضارات متعاقبة تركت آثاراً تشهد على عظمة تاريخها في المنطقة، وتشكل هي نفسها مرتكزاً تاريخياً في وجودها أمام حضارات أخرى تدعي أو تنافسها في الوجود في تلك المناطق. فدمر كنوزاً عراقية لا تقدر بثمن، وأجهز على مدن أثرية بكاملها، إلى أن وصل إلى مدينة تدمر في سوريا. والمفارقة الأخرى هنا وتحديداً في أثريات تدمر، أنها لم تأخذ قسطها اللازم من الحماية الإعلامية على الأقل، وهنا أسهم تنظيم داعش بطريقة ما بمحو صورة الآثار من العقل العربي وتوجيهه إلى سجن تدمر المعروفة قصته، وهنا تكمن خطورة العبث بالعقل العربي وتوجيهه من مكان سيئ إلى مكان أسوأ. طبعاً ثمة سوابق كثيرة يمكن تعدادها والإضاءة عليها من زوايا سياسية واجتماعية واقتصادية وسلوكية، إلا أن أخطرها، هو قدرة التنظيم بشكل أو بآخر على التأثير في تقبله بكل كوارثه، وإيجاد البيئة النمطية والعقلية للتعايش معه واعتباره أمراً واقعاً يصعب التخلص منه، خاصة وأن ثمة إيحاءات وتصريحات بعضها واضح جداً، بأن استمراره يمكن أن يدوم عقوداً، وهو أمر ليس بمستغرب، لاسيما وأن جميع الأطراف الإقليمية والدولية وكذلك في الأطر الداخلية، تستثمر في محاربته وتحريكه وفقاً لأجندات خاصة بكل طرف، وأحياناً مجتمعة، وما يعزز ذلك معارك الكر والفر التي يقودها من منطقة إلى أخرى، والتي تشكل حالات استنزاف لجميع الأطراف على السواء، وهو أمر مرغوب بل مطلوب لمجمل قوى المنطقة، بمن فيهم «إسرائيل» التي تبدو المستفيد الوحيد من ذلك. فهل نعرف نحن العرب ذلك؟. ربما هنا تكمن المصيبة الأكبر إذا كنا لا نعرف أن كوارث التنظيم القادمة على مجتمعاتنا، هي أخطر بكثير مما رأيناه، خاصة وأن آثاره في سلوكنا باتت أكبر من أن تقاوم وتجابه، بمعنى آخر، إن أسوأ الصور التي باتت تغزو المجتمعات العربية والإسلامية، هو الاستسلام والتعايش مع هذه الظاهرة التكفيرية وبالتالي التعود والتأقلم مع مظاهرها ونتائجها الكارثية. - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/344f5575-a4f6-4726-a28b-3ea877acd989#sthash.vPiDIxaN.dpuf

إنها البرغماتية الأمريكية دائماً

مقالات إنها البرغماتية الأمريكية دائماً صحيفة الخليج الاماراتية 26-5-2015 د. خليل حسين ربما النزعة في العقل الباطني العربي نحو نظرية المؤامرة تقوده دائما إلى تحليلات عجائبية بعيدة في غالب الأحيان عن الواقع، ورغم إمكانية الصواب في بعض جزئيات المشكلة ولو من بعيد، تظل هذه النظرية موضع مساءلة يصعب الإقناع والاقتناع بها في موضع الدفاع ولو في مسائل يغلب عليها طابع المسلمات. والشيء بالشيء يذكر حول البرغماتية الأمريكية في سياساتها الخارجية، التي تشكل مرتعاً رحباً للخيال العربي ونظرية المؤامرة فيها. وفي الواقع ترتكز السياسة الخارجية الأمريكية على أسس واضحة ومحددة، عنوانها المصالح أولاً وأخيراً ومن دون أي اعتبار لمسائل أخرى، ومرد ذلك طبيعة النظام السياسي – الدستوري نفسه، الذي يتميز بضوابط من الصعب على أي إدارة تجاوزها أو الخروج عنها. وهي طبيعة النظام الرئاسي الذي تتحدد معالمه السياسية كل أربع سنوات أو ثمان إذا أعيد انتخاب الرئيس ، علاوة على آلية المساءلة في الكونغرس التي تشكل السياسة الخارجية مرتكزاً أساسياً لتصويب السياسات الرئاسية. إضافة إلى آليات تداول السلطة المكرسة في الدستور أولاً وثانياً في عقلية المؤسسات الحزبية والشعبية، معطوفة على آليات اتخاذ القرارات في النظام الفيدرالي الذي أثبت جدارته وفعاليته منذ قرنين من الزمن، كما تأتي المصالح الاقتصادية والأمنية في طليعة الثوابت الأمريكية لتقرير السياسات ومستوى التحالفات الدولية. ورغم الثوابت في السياسات الخارجية لجهة الأهداف ، إلا أن متغيرات كثيرة تتحكم فيها وتحدد ضوابطها أيضا. فمثلاً لم يوافق الكونغرس الأمريكي على مقترحات ويلسون الأربعة عشر وظلت خارج عصبة الأمم ، كما لم تنخرط في الحرب الباردة فعلياً سوى إبان الحرب الكورية،وهاتان مسألتان تعبران عن مصلحة واضحة رغم ابتعادهما عن مبادئ وقيم تتغنى بها الإدارات الأمريكية. مظاهر أخرى تمثلت بالدعم الأمريكي ل«إسرائيل» قبل حرب 1967 ، نتيجة دخولها إلى الشرق الأوسط لملء الفراغ الناجم عن خروج فرنسا وبريطانيا بعد العدوان الثلاثي على مصر 1956 ، فيما تعزز الدعم ل «سرائيل» في مراحل لاحقة بعدما ثبّتت أوضاعها في المنطقة ولم يعد يحرجها ذلك أمام العرب. كما لم تصطدم بداية مع الثورة الإسلامية في إيران ، رغم خلع حليفها الشاه ، وفعلت ذلك بعد احتجاز الطلاب للأمريكيين في السفارة، فكانت البداية إيرانية لا أمريكية. دعمت الولايات المتحدة الإخوان المسلمين في مصر بعد وصولهم للسلطة، لكن لم تحارب بعد خلعهم وتقربت من الرئيس عبد الفتاح السيسي. الأمر تطابق مع الحالات التونسية والليبية واليمنية وغيرها. إنها سياسة المصالح لا المبادئ. في المقلب الآخر، حصار سياسي واقتصادي على إيران في ملفها النووي ، وفي المقابل مفاوضات وتسويات واتفاقات أطر قادمة، بموازاة تطمينات وضمانات لأمن دول مجلس التعاون الخليجي. ثمة مفارقة في سياسة باراك أوباما الخارجية وبخاصة الشرق أوسطية، فمزج بين مثالية كارتر وواقعية نيكسون ولو في ظروف دولية مختلفة. بدأ عهده بسقف مرتفع في الصراع العربي - «الإسرائيلي» ، لكنه تراجع بخلاف كارتر بعدما قطع الأمل من التسوية مع الشريك «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، فاتجه إلى إيران رأس «محور الشر»، وهي سياسة متطابقة لسياسة نيكسون بانفتاحه على الصين الشيوعية أحد «محاور الشر» آنذاك في عز الحرب الفيتنامية. اليوم ربما ستصطدم أمريكا مع إيران بعد اتفاق الإطار في يونيو/حزيران المقبل إذا لم تلتزم بحيثيات الاتفاق أو إذا فعلت «إسرائيل» فعلتها بين طهران وواشنطن. اجتاحت أمريكا العراق في العام 2003 للقضاء على نظام صدام حسين ولإقامة شرق أوسط كبير ولاحتواء إيران، وانسحبت لاحقاً بالتعاون مع صحوات العشائر وفَتَحت الأبواب واسعة للنفوذ الإيراني . صور يصعب جمعها منطقياً ، لكنها السياسة الأمريكية التي تعرف كيف تستفيد من المواقف كما تعرف كيف تخفف من الخسائر . في المحصلة، هناك وقائع واضحة علينا نحن العرب التدقيق فيها، وهي بالمناسبة ليست عابرة أو سوابق لم تتكرر في السياسات الأمريكية، بل باتت من المسلمات التي يجب حفظها عن ظهر قلب ، والاستفادة منها في فهم السياسات الأمريكية تجاه منطقتنا، وبالتالي الإقلاع ولو لمرة واحدة عن نظريات المؤامرة التي باتت جزءاً من تفكيرنا ومبرراتنا لعدم فهم الأمور كما هي - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/7735465b-f68f-42ca-b6d1-165f110afd94#sthash.Bc90KifA.dpuf

سنة ولبنان بلا رئيس

سنة ولبنان بلا رئيس صحيفة الخليج الاماراتية 16-5-2015 د.خليل حسين لم تعد سابقة أن يكون لبنان بلا رئيس، فتاريخه السياسي حافل بالمحطات والأحداث التي عرقلت انتخابات الرئاسة. والمفارقة في هذا المجال، أن كل الاستحقاقات الرئاسية كانت مناسبة لخلاف اللبنانيين، وغالباً ما أنتجت أزمات وطنية حادة أعقبها اقتتال اتخذ أشكالاً وصوراً مختلفة، كانت نهاياتها عبر تسويات إقليمية بنكهة دولية. فالرئيس ميشال سليمان الذي أتى بتسوية اتفاق الدوحة قبل سبع سنوات، أعقبه فراغ ما زال قائماً منذ سنة بالتحديد، وسط انقسام عمودي بين فئتين اتفقت سابقاً عليه، هاتان الفئتان ما زالتا تضعان «فيتوات» متبادلة على أسماء كثيرة، وكل طرف يعد مرشحه هو القادر على إيصال لبنان إلى بر الأمان. وبصرف النظر عن اعتبارات كل فريق، ظلت الرئاسة شاغرة وجرّت وراءها الكثير من المؤسسات المدنية والعسكرية وحتى الدستورية في فراغات قاتلة. ظاهرة الفراغ تكررت سابقاً مع نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل الذي عيَّن آنذاك الجنرال ميشال عون رئيساً للحكومة في 23 سبتمبر/أيلول 1988، وتنافست حكومته مع حكومة الرئيس سليم الحص، وشهد لبنان صراعات عنيفة انتهت باتفاق الطائف الذي أتى بالرئيس رينيه معوَّض الذي اغتيل بعد انتخابه بعدة أيام في 22 اكتوبر/تشرين الأول 1989، كما حصل تماماً مع اغتيال الرئيس بشير الجميل في 14 سبتمبر/أيلول 1982. انتخب الرئيس إلياس الهراوي كنتاج سياسي اقتصادي لاتفاق الطائف والذي مددت ولايته لثلاث سنوات، كما حدث تمامً مع الرئيس بشارة الخوري 1949، الذي أعقب ولايته بانقسام اللبنانيين ،وهي الظاهرة التي تطابقت أيضا مع التمديد للرئيس إميل لحود لثلاث سنوات أيضاً، والمشترك في تلك الانقسامات والتمديدات الثلاث، احتراب اللبنانيين على قضايا طائفية ومذهبية وأخرى سميت وطنية، خاصة بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، والتي ما زالت تداعياتها وارتداداتها جارية بعنف حتى الآن، وهي أحد أضلع المشاكل والقضايا التي انسحبت على انتخابات الرئاسة لاحقاً. نموذج آخر لا يقل غرابة، وهو انتخاب الرئيس إلياس سركيس في ظل استعار حرب السنتين في إبريل/نيسان 1976 قبل نهاية ولاية الرئيس سليمان فرنجية بستة أشهر والذي أكمل ولايته عنوة، وهي سابقة تكررت أيضاً بمظاهر وصور ،وإن اختلفت ،فهي متقاربة مع نهاية ولاية الرئيس كميل شمعون عام 1958 بحرب أهلية أوصلت بعدها الجنرال فؤاد شهاب للرئاسة ،نتيجة تسوية مصرية -أمريكية، أعقبه الرئيس شارل حلو الذي تكوّنت في خلال ولايته معظم الأسباب التي أدت إلى انفجار الحرب الأهلية في العام 1975. في المحصلة اثنا عشر رئيساً للجمهورية تعاقبوا على حكم لبنان باستثناء الرئيس بشير الجميل الذي لم يحكم بسبب الاغتيال، وكان المشترك بينهم أنهم جميعاً انتخبوا في ظروف داخلية وخارجية استثنائية، حتى إن ثمة شكوكاً حول استثناء الرئيس سليمان فرنجية ،كما يقول البعض. كما أنهم جميعهم اشتركوا بنفس المظاهر والوقائع، إذ انتخبوا عبر تسويات عربية وإقليمية ودولية، والفارق بينهم اختلاف الفاعل في العملية الانتخابية في بعض المناسبات . ففي بعضها لعبت مصر وفرنسا أدواراً رئيسية في ذلك حتى أواخر الستينات، ومن ثم برز الدوران السوري والأمريكي مع أطراف عربية أخرى لاحقاً. واللافت أيضا في جميع حالات الانتخابات التي حصلت الأثر الخارجي فيها، فيما اليوم يظهر أن اللبنانيين لم يعودوا بقادرين حتى على حجز مكان مؤثر ولو بمستويات متدنية، إذ باتت لعبة الأسماء والانتخابات تقرر بمجملها في الخارج. ها هو لبنان يتمم عامه الأول بلا رئيس، في وقت يحكم المؤسسات أربع وعشرون «وزيراً »، هم عدد وزراء الحكومة الحالية،حيث يعتبر كل واحد منهم نفسه رئيساً ويمتلك حق النقض على أي موقف أو مشروع، بل يرهن الدولة بمؤسساتها ومجتمعها وطوائفها بموقفه الخاص بصرف النظر عن صوابية المواقف أو خطئها، وفي مطلق الأحوال وأحسنها ،فهي خاضعة لمزاج سياسي يصعب حصره بمعادلة سياسية أو دستورية واضحة. ربما قدر اللبنانيين أن يظلوا في دائرة التجاذبات والصراعات الإقليمية والدولية التي وصلت إلى حد التدخل في صغائر الأمور كما كبائرها، والمضحك المبكي في ذلك، أنهم يعلمون مآسي وويلات هذا النوع من التعامل مع الأمور ويصرون على المضي بها. والمصيبة الأعظم أن انتخابات الرئاسة هذه المرة إن حصلت فهي مرتبطة بملفات هي أكبر من لبنان والمنطقة، وبالتالي ستعكس، إن حصلت صورة التوازنات التي تتشكل حالياً بين مختلف الفواعل الإقليمية والدولية. وبالمحصلة ربما يحتاج انتخاب رئيس جديد تخصيب 68 صوتاً ولو بنسب مخفّضة في الخارج وغير قابلة للانشطار المذهبي والطائفي، إنها فعلاً لعنة تلاحق اللبنانيين مع كل استحقاق حتى ولو كان غير رئاسي - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/1be37a12-f483-4772-8167-2fb0fb42d828#sthash.3l78exe1.dpuf

هل تعاد جدولة اتفاق الاطار النووي؟

هل تعاد جدولة اتفاق الاطار النووي؟ صحيفة الخليج الاماراتية 13-5-2015 د. خليل حسين في وقت تنفس الكثيرون الصعداء بعد إعلان الثاني من إبريل/ نيسان الماضي التوصل إلى اتفاق الإطار بين إيران ومجموعة الست، وسريان موجة التفاؤل بحلول الثلاثين من يونيو/ حزيران المقبل كموعد نهائي لإبرامه، ثمة الكثير من المواضيع الحساسة الكامنة في التفاصيل، والتي من الممكن أن تعيد جدولة المواعيد، إن لم يكن التحدث عن صعوبة الاتفاق. وفي الواقع، ثمة ما أعلن من مسائل وقضايا تقنية متعلقة بالتكنولوجيات ووسائل الاستخدام، وصولاً إلى جداول زمنية متصلة بها، وبخاصة لبعض المواقع والمختبرات وأجهزة الطرد، لكن بمجملها ربطت بقضايا أخرى لا تقل خطراً على الاتفاق نفسه، بفعل الحذر والريبة والتوجس الذي تبديه الأطراف المتفاوضة حول طريقة الالتزام الإيراني أو الإلزام الدولي مستقبلاً، وهو ما يعتبر بيت القصيد في مجمل العملية المستمرة منذ 18 شهراً. إن أبرز ما تمت مناقشته في الجولة الأخيرة في الأمم المتحدة على هامش مؤتمر مراجعة الحد من انتشار الأسلحة النووية، نقطتان أساسيتان. تتعلق الأولى بآليات فرض العقوبات على إيران إذا أخلت بالتزاماتها بعد رفعها، والثانية قناة مشتريات التكنولوجيات النووية وآلياتها وكيفية التعاطي معها. في النقطة الأولى، وهي بالمناسبة شكل من أشكال التوجّس ليس بين إيران والغرب فحسب، وإنما أيضاً بين الغرب وكل من روسيا والصين. فنقطة الخلاف تكمن في آلية رفع العقوبات هل عبر دفعة واحدة أم بالتدرج وفقاً لجدول زمني وبالمناسبة غير محدد؟، إضافة إلى إعادة تفعيلها في حال عدم التزام طهران بالاتفاق، هل ستكون العقوبات تلقائية عبر مجلس الأمن، أم سيتطلب الأمر قرارات أخرى؟، وبالتالي إمكانية وقوف روسيا والصين مانعاً من استصدار قرارات جديدة، وهو أمر مفضل من وجهة نظر كل من موسكو وبكين. وفي أي حال من الأحوال ما زالت قضية رفع العقوبات لجهة النوعية والآجال والنوع غير محسومة، وتشكل عقبة كأداء للأطراف جميعاً، باعتبارها نقطة الارتكاز في الرؤية الغربية لإلزام إيران بتعهداتها المفترضة، علاوة على أن صعوبات التوصل إلى قرارات جديدة من مجلس الأمن هي أكثر صعوبة في تلك الحالة بالنظر للاستثمار السياسي والاقتصادي بين كل من طهران وموسكو وبكين.، ما يعني أن هذه النقطة بالتحديد تستلزم المزيد من الأفكار الخلاقة في المفاوضات القائمة وهو أمر يبدو متعذراً حتى الآن. إضافة إلى ذلك إن سعي الغرب على الإصرار على هذه الآلية، ينطلق من قاعدة شمولية العقوبات في حال الإخلال عبر مجلس الأمن، فيما العقوبات الأخرى هي سهلة نسبياً لا سيما المتعلقة بالعقوبات الأمريكية والأوروبية الخاصة ضد طهران. ولا تقتصر المسألة عند هذا الحد، فهي تصل إلى الهاجس الإيراني المرتبط بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2016، وخوف طهران من وصول الجمهوريين إلى البيت الأبيض وإمكانية التحلل من الالتزامات المبرمة في إدارة باراك أوباما، وهو احتمال قائم بالنظر لسياسة واشنطن البرغماتية في مثل تلك الملفات الدولية. أما النقطة الثانية، وهي المتعلقة بقناة المشتريات التكنولوجية للبرامج الإيرانية، فلا تقل تعقيداً عن النقطة الأولى، إذ ستكون بنظر طهران بيئة مناسبة وسهلة للإشراف الدقيق والمتابعة الحثيثة لمجمل الملف، في وقت لم تعان طهران سابقاً في هذه الناحية، عبر شبكة جيدة تمكنت من خلالها تجاوز العقوبات الدولية، وهو الأمر المقلق بالنسبة للغرب، وبالتالي محاولة التوصل إلى بيئة محكمة لهذه القضية، ومن بينها لجنة دولية تضم الأطراف المفاوضة، لكن لا يحق لطهران حق الفيتو داخلها، وهو أمر لا تستسيغه طهران بطبيعة الأمر. من هنا تعتبر هذه النقطة بالذات منطلقاً لتخدير البرنامج وخنقه مع الوقت من وجهة النظر الإيرانية، وبالتالي إن موقف المفاوض الإيراني في هذه النقطة هي متشددة كغيرها من النقاط، وبخاصة إن جوهر الموضوع، هو امتلاك التكنولوجيا ومعرفتها أيضاً، وهو أمر لامسه اتفاق الإطار عبر تحديد أطر عمل مركز الأبحاث المركزي في طهران، إضافة إلى بيئة عمل مجمع فوردو. في المحصلة ما أعلن هو غير ما هو مضمر، وبخاصة في الجولة الأخيرة الأسبوع الماضي، ومن المحتمل أن تكون جولة الأسبوع القادم أكثر حساسية، بخاصة ما يرافقها من ضغوط ميدانية في بعض الساحات التي تمتلك جميع الأطراف نفوذاً فيها، كاليمن وسوريا والعراق ولبنان، حيث تعتبر هذه الساحات مجسات أمنية وعسكرية وسياسية دقيقة لكيفية إدارة المفاوضات واستثمارها في غير اتجاه. ورغم الصور الوردية التي رسمت سابقاً لمسار المفاوضات، ثمة عقبات كثيرة تعرقل التوصل بسلاسة إلى الاتفاق النهائي أواخر يونيو المقبل، وهو أمر بات الجميع يستعد له نفسياً وعملياً، إلا إذا عسى وعلَّ! - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/fcbb996d-f1fa-4a6c-bd04-cddab0ac38f2#sthash.Mj56ECH1.dpuf

ارقام روسية مخيفة

ارقام روسية مخيفة صحيفة الخليج الاماراتية 6-5-2015 د. خليل حسين ثمة من‮ ‬يقول إن روسيا فلاديمير بوتين،‮ ‬تتحضر اليوم للقفز فوق مشاكلها الداخلية نحو نطاق عالمي‮ ‬تتطلع لريادته بين مجموعة أقطاب آخرين‮. ‬لكن روسيا وإن ورثت الكثير من مقومات الدولة العظمى عن الاتحاد السوفييتي،‮ ‬إلا أنها لم تستطع صرفها سياسياً‮ ‬واقتصادياً‮ ‬في‮ ‬إطار المنافسة مع الولايات المتحدة،‮ ‬بل ظلت مجرد دولة إقليمية كبرى عاجزة عن فرض سياسات ذات طابع عالمي‮ ‬منافس‮. ‬فالمنافسة تتطلب إمكانات فارقة،‮ ‬بدءاً‮ ‬بالاقتصاد والأمن وليس انتهاء بصور نمطية عن حضارتها وثقافتها، وهي‮ ‬بالمناسبة باتت مرتكزاً‮ ‬رئيسياً‮ ‬في‮ ‬الإعلام‮.‬ إن التدقيق في‮ ‬بعض الأرقام ذات الدلالات الاجتماعية تعطي‮ ‬صورة قاتمة لمستقبل المجتمع الروسي،‮ ‬وهو عامل سلبي‮ ‬في‮ ‬طريق أي‮ ‬قفزة سياسية دولية‮. ‬فمعضلة المخدرات مثلاً وما نجم عنها من تداعيات مقلقة تنذر بعواقب وخيمة على بنية المجتمع الروسي،‮ ‬لجهة البنيان الاقتصادي‮ ‬والسياسي‮. ‬وبخاصة بعدما تحولت هذه الظاهرة من آفة اجتماعية إلى آفة اقتصادية بأبعاد محلية ودولية‮.‬ فالمجتمع الروسي‮ ‬يستهلك ‮ 12٪ من إجمالي‮ ‬الإنتاج العالمي‮ ‬للمخدرات،‮ ‬وتصل حالات الوفيات إلى‮ 04 ‬ألف شخص من مواطنيه سنوياً‮ ‬بسببها،‮ ‬إذ‮ ‬يبلغ‮ ‬حجم تداول المخدرات في‮ ‬روسيا‮ 08 ‬مليون طن في‮ ‬العام الواحد‮. ‬وتشير تقارير أجهزة مكافحة المخدرات الروسية،‮ ‬إلى أن المخدرات تتسبب بخسائر للاقتصاد الروسي‮ ‬تصل إلى أكثر من‮ 03 ‬مليار دولار سنوياً‮ ‬من الناتج المحلي‮ ‬الإجمالي‮. ‬كما أن نحو‮ 56‬٪‮ ‬من الجرائم المرتكبة في‮ ‬روسيا لها علاقة بالمخدرات‮.‬ والأخطر في‮ ‬هذه الأرقام،‮ ‬أن روسيا تحوّلت مؤخراً‮ ‬من قاعدة وسيطة لنقل المخدرات إلى أحد أكبر مستهلكيها‮. ‬فقد كان ‮ 07٪‮ ‬من الحجم الإجمالي‮ ‬للمخدرات المهربة إلى روسيا في‮ 6991 ‬يجري‮ ‬إعادة تهريبه إلى الخارج‮. ‬فيما اليوم‮ ‬يُستهلك‮ 09٪‮ ‬منه داخلياً‮. ‬ويأتي‮ ‬أكثر من‮ ‬09٪‮ ‬من المخدرات إلى روسيا من أفغانستان وبعض جمهوريات آسيا الوسطى‮.‬ كما ترتبط تجارة المخدرات بالنشاط الإجرامي‮ ‬في‮ ‬روسيا‮. ‬فتصل إيرادات هذه التجارة في‮ ‬موسكو وحدها إلى مليار دولار سنوياً‮. ‬فيما‮ ‬يصل مبيعات المخدرات في‮ ‬عموم روسيا إلى‮ ‬7‮ ‬مليارات دولار في‮ ‬السنة‮. ‬وباتت هذه الآفة تهدد البنى الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي‮ ‬في‮ ‬البلاد‮. ‬فقد زاد عدد متعاطي‮ ‬المخدرات إلى أربع مرات،‮ ‬ووصل هذا العدد،‮ ‬بحسب المعطيات الرسمية،‮ ‬إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص،‮ ‬معظمهم في‮ ‬سن‮ ‬15‮ ‬إلى‮ ‬25‮ ‬سنة‮. ‬كما ارتفع عدد النساء المتعاطيات للمخدرات في‮ ‬روسيا إلى نحو‮ ‬7‮ ‬مرات،‮ ‬وارتفع عدد الجرائم المرتبطة بها خلال السنوات الخمس الأخيرة بست مرات‮.‬ كما‮ ‬يرتبط انتشار المخدرات بارتفاع معدلات الإصابة بمرض الإيدز‮. ‬وبحسب التقارير الرسمية أن‮ 09٪‮ ‬من الإصابات تحدث في‮ ‬صفوف متعاطي‮ ‬المخدرات‮. ‬إذ وصل العدد إلى نصف مليون مواطن هذا العام،‮ ‬ومن المتوقع أن تصل إلى خمسة ملايين إصابة خلال السنوات الخمس المقبلة،‮ ‬علماً‮ ‬أن‮ 09٪‮ ‬تتراوح أعمارهم بين‮ ‬51 و03 ‬سنة‮.‬ وعلى الرغم من المساعي‮ ‬الروسية الحثيثة لمكافحة هذه الآفة مع العديد من الجهات الدولية،‮ ‬إلا أن وصول هذه النسب والأرقام إلى ما هي‮ ‬عليه،‮ ‬تنذر بوضع اجتماعي‮ ‬اقتصادي‮ ‬كارثي،‮ ‬سيحد من طموحات روسيا في‮ ‬التنمية الداخلية،‮ ‬كما الطموحات الدولية،‮ ‬وهو أمر من شأنه تقويض بنية النظام الاجتماعي‮ ‬السياسي‮ ‬الذي‮ ‬تراهن سياسة فلاديمير بوتين عليها لنقل روسيا من ضفة إلى أخرى‮. ‬ لقد باتت المخدّرات القنبلة الموقوتة والسلاح ‬الأخطر في‮ ‬وجه الأمن القومي‮ ‬الروسي،‮ ‬إلى جانب الإرهاب والحصار الجيو السياسي‮ ‬عبر حلف شمال الأطلسي،‮ ‬والدرع الصاروخية الأمريكية وأزمة أوكرانيا والعقوبات الغربية‮. ‬لذا،‮ ‬من المبكر التنبؤ بمستقبل القدرة الروسية على صرفها في‮ ‬السياسات الدولية،‮ ‬وإن كانت تمتلك مفاتيح إدارة بعض الأزمات الإقليمية في‮ ‬العديد من مواقع الشرق الأوسط‮. ‬وفي‮ ‬الواقع مهما امتلكت الدول من مقدرات اقتصادية وعسكرية،‮ ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه لا تمتلك ما تصدره من صور نمطية ذات طابع ثقافي‮ ‬أو حضاري‮ ‬للآخرين،‮ ‬ستظل دول تعيش على أضغاث الأحلام،‮ ‬وفي‮ ‬أحسن الأحوال العيش على أمجاد الماضي،‮ ‬وإن لم تكن تمتلكها هذه الدول بمفردها - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/7c27eed9-33fe-4172-a0b9-3ac19086c434#sthash.JQxeMkn9.dpuf

اوروبا والمكافحة اللامنية للهجرة

اوروبا والمكافحة اللامنية للهجرة صحيفة الخليج الاماراتية 28-4-2015 د . خليل حسين تظل الهجرة ظاهرة تاريخية أسهمت في إعمار الكثير من الدول، ولعبت دوراً بارزاً في دمج مجموعات بشرية متنوعة الثقافات، ولا يعيب في هذه الظاهرة، بأنها ذات اتجاه واحد، بالنظر للأوضاع المتردية في مناطق كثيرة من الدول النامية وبخاصة الإفريقية، ما جعل المهاجرين غير الشرعيين يخاطرون بحياتهم، على أمل تحقيق مستوى معيشي أفضل . لكن حفلات الموت المجاني خلال الأسبوع الماضي، أثارت الدول الأوروبية في محاولة لإيجاد حل لمشكلة مزمنة لم تستطع كبح جماحها . خاصة بعدما تفاقمت في العقد الأخير من القرن العشرين . بل أصبحت هاجساً أمنياً في أغلب الدول الأوروبية، بالنظر للعلاقة المحتملة بين الإرهاب والمهاجرين . وبذلك اتجهت المجموعة الأوروبية إلى انتهاج حلول أمنية لهذه المعضلة وبخاصة في اجتماعها الأخير في بروكسل، ومن هنا، يثور التساؤل حول ما إذا كانت المقاربة الأمنية التي انتهجها الاتحاد تعتبر الحل الأنجع لهذه المشكلة أم لا؟ . إن مجمل المشروعات الأوروبية التي وضعت لمكافحة الهجرة غير الشرعية، قامت على الجوانب الأمنية غير العملية، باعتبارها أهملت الأسباب والظروف المحيطة بالهجرة غير الشرعية . إضافة إلى أن هذا النوع من الحلول مكلف جداً، فثمة اتفاقات ثنائية عقدت بين دول مثل إيطاليا وليبيا، وأخرى بين الاتحاد الأوروبي وكل من مصر والمغرب والجزائر، دفع الاتحاد بموجبها الملايين لتنفيذ مشروعات مثل: رفع قدرات الحراسة على الحدود، والدعم اللوجستي المتمثل في طائرات المراقبة، وبناء معسكرات الاحتجاز . وبذلك أنفق الاتحاد أموالاً هائلة ولكن في المكان الخطأ . فمن الأنسب التركيز على دعم المشروعات التنموية، عبر مؤسسات المجتمع المدني، خاصة في القرى والأرياف . أما الحل الأمني، فقد أثبت أنه لا يؤدي إلى نتائج فعالة . ولعل "الورقة الخضراء" التي تبناها المجلس الأوروبي في 11 فبراير/ شباط ،2005 تظهر أوجه الخلل في المعالجة الأوروبية، فلم تتحدث مثلاً إلا عن العمالة الشرعية المهاجرة، التي يحتاج إليها السوق الأوروبي، من دون الحديث عن أسباب ودوافع الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا . كما أن الإجراءات الأمنية المتشددة فشلت في تحقيق الهدف منها، فلم تؤد إلا إلى تغيير طرق الهجرة غير الشرعية وليس وقفها . فعلى سبيل المثال، بعد تشديد المراقبة على مضيق جبل طارق، اتبع المهاجرون طرقاً بحرية أخرى، شرق جنوبي إسبانيا . وحالياً الإبحار من ليبيا إلى إيطاليا وغيرها . ونظراً لصعوبة الطرق وسوء حالة المراكب، يتعرض الكثير منهم إلى الغرق في البحر، ما أدى عملياً إلى ظهور عصابات محترفة تسهل نقل المهاجرين بتكلفة خيالية، بل في بعضها تقوم هذه الشبكات بإغراق المراكب بمن فيها للتخلص من مشاكلهم المحتملة لاحقاً . وبالتالي، حققت الإجراءات المتشددة للاتحاد نتائج معاكسة . في حين ظلت الأسباب الرئيسية، مثل الفوارق الهائلة في الوضع الاقتصادي بين الدول الأوروبية وأوطان المهاجرين دون معالجة . علماً بأن معالجة قضايا الهجرة غير الشرعية، لا يمكن أن تكون معالجة أمنية تلاحق المتسللين وتعتقلهم، بل ينبغي أن تنطلق من حوار شامل ومقاربة إنسانية، تسمح بحرية تنقل الأشخاص، لكي لا تبقى الشراكة الأورو - متوسطية ضمن إطار التبادل السلعي والتجاري . كما أن هذه الإجراءات الأمنية، تتعارض مع المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان . فالدول الأوروبية التي تنادي باحترام حقوق الإنسان وضرورة تكريسها قانونياً وواقعياً، هي نفسها التي كبلت حق التنقل الذي نادت به المواثيق والعهود الدولية . فالمادة الثالثة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على: "حق أي شخص في اختيار مكان إقامته وحرية التنقل داخل أي بلد يشاء" . كما تؤكد أن "لكل شخص الحق في مغادرة أي بلد والعودة إلى بلده الأساسي" . كما أن الدول الأوروبية هي التي انتهكت الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، المتواجدين في أراضيها، وهي التي جعلت منهم مواطنين من الدرجة الثانية، عبر امتهان الكرامة والتمييز العنصري . كما أن اغلب دول الاتحاد الأوروبي لم تصدق على اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام ،1990 التي دخلت حيز النفاذ عام 2003 . في المقابل لا يمكن إعفاء الدول الإفريقية التي ينطلق منها المهاجرون، فيجب أن تتحمل المسؤولية الأساسية عن مأساة المهاجرين، فإخفاقها في أنماط التنمية المنتهجة، وعجزها عن تحديث المجتمع وتأمين الحياة الكريمة لأبنائها، علاوة على فلتان الوضع الأمني فيها، تعتبر من الأسباب الرئيسية للهجرة ولو بأي ثمن، وبالتالي مواجهة مخاطر الموت غرقاً، رغم أنها لا تتحمل وحدها المسؤولية عن ذلك . كما أن قيام الاتحاد الأوروبي بتبني سياسات أمنية، بالنظر إلى مصالحه، وإغلاق الحدود لا يمثلان الحل . فالحل يكمن في دراسة أسباب الهجرة غير الشرعية في الدول المصدرة لها، ووضع سياسات تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الشباب إلى التضحية بأرواحهم، في سبيل إيجاد فرص عمل، لذلك، ينبغي اللجوء إلى مقاربة مغايرة أكثر شمولية، عبر المشاركة في تنمية المناطق المصدرة للهجرة غير الشرعية، وإيجاد فرص عمل فيها، فثمة قناعة واضحة لدى الجانبين، وبخاصة دول جنوب البحر المتوسط، مفادها أنها لا يمكن أن تكون ناجعة، إلا عبر إعادة دراسة ظاهرة الهجرة برمتها . وبالتوازي مع استراتيجية بعيدة المدى، التي تتطلب بالضرورة إصلاحات عميقة في الدول الرافدة، وبعبارة أخرى، إن الوصول إلى هذا الهدف يستلزم وسائل وآليات تنفيذية لتنمية مستدامة قائمة على مشاريع ملموسة . كإعلان برشلونة الذي شكل مقاربة شمولية، تحتاج إلى إرادة الدول الأوروبية - المتوسطية لإنجاحها . في المحصلة، لا يسعنا إلا القول، إما أن تهاجر الثروات حيث يوجد البشر، وإما أن يهاجر البشر حيث توجد الثروات، وفي كلتا الحالتين، ثمة معوقات من الصعب حلها . وهو قدر الفقراء كما الأغنياء - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/d798c349-a1f1-4db2-b86a-be01fed9f10c#sthash.muAGW5xr.dpuf

العلاقات التركية الايرانية وتداعياتها العربية

العلاقات التركية الايرانية وتداعياتها العربية صحيفة الخليج الاماراتية 22-4-2015 د .خليل حسين تتسم العلاقات التركية - الإيرانية بواقعية سياسية، تمكن الطرفان من خلالها رسم حدود برغماتية سياسية واقتصادية وأمنية واضحة، في مختلف حقبة العلاقة بين البلدين، ورغم بعض المتغيرات الدراماتيكية في منطقة الشرق الأوسط احتفظ الطرفان أيضاً بهوامش واسعة أتاحت لكلا السياستين توفير بيئة أمان فعالة، منعت التصادم والتوتر، الذي لم يصل يوماً إلى حدود الانفجار رغم وقائعه وعوامله الكثيرة . فالحدود التركية - الإيرانية تميزت باستقرارها وهدوئها اللافت منذ ثلاثة قرون ونيف، رغم التنافس العثماني - الصفوي واسع المجالات في المنطقة، وما عزز ذلك التاريخ الحافل بالتعاون الاقتصادي، ولم يكن ثمة تأثير يذكر خلال التحولات الحديثة لجهة نشأة الدولة التركية العلمانية أو طبيعة النظام الثيوقراطي في طهران، كما لم يؤثر الاعتراض الإيراني على منظومة الصواريخ الأطلسية التي نشرت على الأراضي التركية، ولا تدخل الطرفان في التحولات العربية الجارية على منظومة المصالح المشتركة . التباين بين البلدين ظهر بشكل واضح في أساليب العمل مع قضايا المنطقة، ورغم حدة التباين الذي وصل في بعض مفاصله إلى حد التوتر، احتفظ الطرفان بمسافة كافية لكبح الصدام . دخلت طهران إلى المنطقة من البوابة العربية والفلسطينية تحديداً حيث ظروف لبنان وسوريا والعراق متوفرة، وحاولت أنقرة منافسة طهران بدخولها في الوساطة السورية - "الإسرائيلية"، ودخلت بعدها بشكل فاعل في وقائع وأحداث الحراك العربي، فدعمت وراهنت على "الإخوان المسلمين" . وتمكنت طهران من التمدد وكسب أوراق نفوذ في المنطقة العربية، فيما أنقرة لم تتمكن من كسب ود الأوروبيين والدخول إلى الاتحاد . وفيما تمكنت طهران حتى الآن من مفاوضة الولايات المتحدة والغرب على برنامجها النووي، ظلت أنقرة في المساحة الهامشية لمركز القرار الشرق أوسطي، وانتقلت من استراتيجية "صفر مشكلات" إلى "صفر علاقات" مع محيطها الأقرب والأوسع . وتمكن البلدان أيضاً من احتواء القضية الكردية وهي قضية مركزية في السياستين الداخلية والخارجية لكليهما، وغريب المفارقات في الأمر أن الطرفين استفادا أيضاً إلى أقصى الحدود من وقائع وأحداث هذه القضية خلال العقود الماضية، وباتت القضية الكردية وتداعياتها موقعاً ومكمناً لتنسيق السياسات في عز التباينات بين البلدين، وبخاصة في زمن الاحتلال الأمريكي للعراق وزمن التحولات العربية الجارية . وبالتالي اعتمدت السياستان التركية والإيرانية نهجاً نموذجياً حدوده برغماتية دقيقة يصعب اختراقها، فلم يقتربا من شعارات التحدي والاستفزاز، وتمكنا من فصل الخلافات السياسية عن الاقتصادية، ثمة توازن رعب في المصالح، بعكس علاقاتهما مع الدول العربية التي تأثرت بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية، اصطدمت طهران مع مصر إبان حكم أنور السادات وتقربت من مصر أيام حكم "الإخوان"، فيما أنقرة وطدت علاقاتها مع الرئيس السوري بشار الأسد ثم اصطدمت معه . ومن الواضح أن سياسة البلدان وجدت ساحة عربية خصبة للتجاذب في وقت لم يعد لدول عربية مركزية قوية على حدودهما المباشرة . في أي حال من الأحوال، تبقى تداعيات سياسة البلدين هي الأدق على النظام الإقليمي العربي بوجود خطر "إسرائيلي" جاثم ودائم في قلبه ومركزه . والأخطر من ذلك كله، انتقال أنقرة لاستنساخ التجربة الإيرانية في برنامجها النووي، وهي فكرة تمَّ التداول بها في بعض الفترات، وعندها تكتمل صورة الضغط على ما تبقى من نظام إقليمي عربي الذي لم يعد قادراً حتى على حماية أوضاع بلدانه الداخلية من صور الضغوط الإقليمية . في المحصلة، تمكنت طهران وأنقرة من الاستفادة بشكل بارع من السياسات الواقعية المنتهجة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم متعلق بقدرة العرب تحديداً على نسج علاقات ندية متوازنة مع الأطراف الإقليمية الفاعلة في المنطقة . وهو أمر يبدو متعذراً في هذه الظروف التي تبدو فيها الدول الفاعلة في النظام الإقليمي العربي الأكثر قوة على تركيب التوازنات والحفاظ عليها في عالم دائم التغير . والسؤال البديهي الآخر يتعلق بما ينتظره العرب في المديين المنظور والمتوسط بعد ظهور عوامل تشكل نظماً إقليمية جديدة، يبدو أن العرب قد استثنوا منها، وفي أحسن الأحوال يجلسون على مقاعد المتفرجين، ينتظرون لحظة التصفيق المناسبة لمن ستكون سطوته عليهم! - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/f1b3982e-31b8-4a7c-b9bb-63ccc076d385#sthash.QUE4ZKGQ.dpuf

اتفاق نووي بقراءات متعددة

اتفاق نووي بقراءات متعددة د.خليل حسين صحيفة الخليح الاماراتية 7-4-2015 فاق بأوجه متعددة، تتيح قراءته فهم كل طرف فيه ما يريده من دون استفزاز الآخر، ومن دون إتاحة الفرص لأي طرف، القول إنه ربح كامل أو خسارة كاملة، فيما اعتبره كثيرون، بأنه "اتفاق تاريخي" يمكن أن ينهي أزمة دولية لا سابق لها، لجهة النوع أو كم الوقت المستهلك في المفاوضات أو النتائج السياسية المحتملة . فبعد 12 سنة من العقوبات الدولية المباشرة، عدا الخاصة، وبعد 18 شهراً من المفاوضات و16 جولة أخيرة، ظهر اتفاق الإطارفي صفحتين مخصبتين بثلاثة محاور رئيسية، الجانب التقني، والرقابي، والعقوبات، عدا عن الجانب السياسي غير المعلن والذي يمكن استنتاجه ببداهة ومن دون كثرة عناء، كالاعتراف بإيران قوة نووية إقليمية ولو مقيدة بقيود تقنية وزمنية، علاوة على شرعنة البرنامج وإنهاء سياسة الاحتواء ضد طهران . في المبدأ توصلت طهران إلى قناعة بأن الاتفاق سيحفظ البرنامج من دون تدميره، في الوقت الذي اقتنعت واشنطن بأن التوصل إلى اتفاق الضرورة هو أقل الخسائر مع إبقاء البرنامج تحت السيطرة والرقابة المشددة، ذلك ما دفع الطرفان إلى تنازلات مؤلمة تبدأ بالتقني ولن تنتهي بالسياسي . وفي كلا الحالين ثمة مساحات واسعة لتناول التفاصيل التي يقبع فيها الشيطان خلال الأشهر الثلاثة القادمة للوصول إلى الاتفاق النهائي في نهاية يونيو/ حزيران القادم . فلجهة المنشآت، ستعتمد إيران في برنامجها النووي على منشأة "نتانز" دون المنشآت الأخرى، وهو تنازل علمي وأمني . فإصرار الفرنسيين خصوصاً، على تهميش موقع "فوردو" في البرنامج الإيراني، مرده تحصينات الموقع الواقعة تحت ثمانين متراً في أنفاق جبلية لا يمكن الوصول إليها بأي صواريخ معروفة، ووجود أجيال متقدمة عملت على إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20% . ووفق الاتفاق فكل النشاط النووي سيتم في "نتانز" الذي يمكن مراقبته، وبذلك سيتحول "فوردو" ولمدة 15 عاماً إلى مركز للأبحاث والتطوير الفيزيائي، ويتوقف عن الإنتاج . أما بخصوص مفاعل "آراك" العامل بتكنولوجيا متطورة جداً "المياه الثقيلة"، فنجح الإيرانيون بمنع تفكيك المنشأة، ووقف تطويرها، إلا أن الاتفاق قضى بتفكيك قلب المفاعل، وإعادة تصميم مفاعل جديد بالتعاون مع مجموعة "5+1" وهو أمر سعت إليه باريس تحديداً لخبراتها في هذا المجال، على ألا ينتج البلوتونيوم للاستخدامات العسكرية . وهي مرحلة متقدمة جداً كانت في البرنامج النووي الإيراني . كما تعهدت طهران بعدم بناء أي مفاعل يعمل بالمياه الثقيلة خلال 15 عاماً . أما لجهة التخصيب، فقدم الإيرانيون تعهدات واضحة بتخفيض عدد آلات الطرد المركزي من 19 ألفاً إلى ستة آلاف . علماً أن إيران بدأت برنامجها ب300 وحدة طرد مركزي عام ،2003 فيما عدد الطاردات المركزية العاملة فعلياً لا تتجاوز تسعة آلاف حالياً، بينما كانت الطاردات الأخرى من دون إنتاج . فيما تسمح عمليات التخصيب، وفق الآلية الحالية الإبقاء على كميات تبلغ شهرياً 15 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب . كما حسم اتفاق الإطار تجميد تطوير أي آلات تخصيب جديدة لنحو 15 عاماً، مع التعهد بعدم استخدام أي جيل جديد من الآلات من الجيل الثاني حتى الجيل الثامن، مع عدم تطوير أي جيل جديد، ووضع الفائض منها تحت رقابة وكالة الطاقة الدولية . أما نسبة التخصيب والكميات، فقد حصلت إيران على اعتراف واضح بحق التخصيب، بنسبة 5 .3 في المئة، وهي نسبة كافية للإبقاء على البرنامج . في المقابل على طهران تخفيض مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 5 .3 في المئة والبالغ حالياً قرابة عشرة أطنان، ليصل إلى 300 كيلوغرام . في موازاة ذلك وبناءً على الإصرار الأمريكي أرفق هذا البند ببند آخر، يتعلق بإلزام إيران بمهلة عام قبل خروجها من المعاهدة، إذا ما قررت ذلك، بهدف تقييد أي احتمال أن تلجأ إلى بناء القنبلة النووية، التي تحتاج إلى عام أو أقل والى 260 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 5 .3 في المئة . أما لجهة الرقابة على المنشآت، فستقوم طهران، بإبرام ملحق معاهدة حظر الانتشار النووي، الذي كان مجلس الشورى الإيراني قد وافق عليه، وينتظر أن تصدره الحكومة الإيرانية في قانون مبرم . كما ستوافق طهران على تنفيذ المادة 3 من المعاهدة، التي تبيح لمفتشي الوكالة الدولية الحق بزيارة المنشآت دون إعلام مسبق، كما تفرض المادة الإضافية إعلام الوكالة عن أي منشآت جديدة تنوي الحكومة الإيرانية بناءها، قبل البدء بها . كما ستراقب الوكالة البرنامج النووي لمدة 20 عاماً، وآلات التخصيب ومراكز التخزين، 20 عاماً، و25 عاماً للمناجم ومطاحن اليورانيوم الخام . في المقابل سيقوم الأوروبيون والأمريكيون برفع كل العقوبات المتصلة بالبرنامج النووي، خصوصاً أن العقوبات الأوروبية، المتعلقة بإقصاء إيران عن التحويلات المالية والتأمين على الناقلات النفطية والتجارة البحرية عامة، تسببت في أضرار ضخمة بالاقتصاد الإيراني . فوصلت بحسب بعض التقارير إلى حوالي 200 مليار دولار في 3 سنوات . ويعتبر رفع العقوبات عبر إلغاء ستة قرارات دولية صادرة عن مجلس الأمن وأهمها 1696 و2129 إنجازاً كبيراً، لكنه مرتبط بعمليات تفتيش الوكالة الدولية وبالتزامن معها . وكان الأمريكيون قد قدموا تصوراً يفضي عملياً إلى رفع العقوبات عبر قرارين، الأول يأخذ علماً بالاتفاق الإطار، والثاني يرفعها بعد صدور التقرير الأول عن الوكالة الدولية بخصوص التعاون الإيراني، ويلغي كل القرارات . وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بأنه اتفاق لا يقوم على الثقة بل على القيود والرقابة، وحدها "إسرائيل" كانت المعترضة، والتي اعتبرته تهديداً وجودياً، الأمر الذي يمكن استثماره في المفاوضات التفصيلية القادمة، والذي ستكون بمثابة فرصة للشد والجذب لكل القوى المؤثرة في المنطقة بهدف تحقيق مكاسب ميدانية تعزز أوراق التفاوض النهائية . في المحصلة اتفاق يمكن وصفة بالحياكة الإيرانية المعهودة للسجاد الموسوم بطول الصبر والبال، والحبكة الأمريكية التي تحترف قطف واستثمار النتائج بتوليفة برغماتية موصوفة . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/03d51385-83e5-4a46-a4fd-071d59402e82#sthash.a9a1VugC.dpuf

لماذا اليمن ؟

لماذا اليمن ؟ صحيفة الخليج الاماراتية 3-4-2015 ربما قدر العرب وبلدانهم، أن تظل موضع شد وجذب الدول الإقليمية المؤثرة، ومن بين تلك البلدان اليمن الذي لُقب يوماً بالسعيد، لكن ظروفه وواقعه يشي بمستقبل غير سعيد، شأنه شأن العديد من دول الإقليم الذي سبقه إلى أوضاع كارثية، من الصعب التخلص من آثارها وتداعياتها قبل مرور عقود وتعاقب أجيال . واليمن بالتحديد، ظل مرتعاً خصباً لتناقضات ونزاعات داخلية، تبدأ بالسياسي ولا تنتهي بالاجتماعي الاقتصادي، وفي كلتا الحالتين، يغلفها واقع قبلي فيه الكثير من أسباب النزاعات، وإمكانات الاستغلال والاستثمار الخارجي، وعلى الرغم من عمومية هذه المظاهر في الواقع اليمني، وتشاركه مع العديد من البلدان العربية بهذه الميزات، إذا جاز التعبير، فإن عوامل إضافية عدة جعلته ينزلق إلى متاهات يصعب التكهن بنهاياتها، باستثناء أنه بالتأكيد قد انزلق في لعبة الأمم التي من الصعب أن يكون له كلمة فصل فيها . فالموقع الجيوسياسي الذي يتمتع به كبلد مشاطئ لباب المندب، يجعله الثاني على التوالي، بعد مضيق هرمز، لجهة إمكانية التحكم في الحركات المرورية البحرية التي تبدأ بعصب المال والاقتصاد عبر النفط، ولا تنتهي بالقضايا الأمنية والعسكرية والجيواستراتيجية . وهو بذلك يمتلك إمكانية التحكم أيضاً، وبنسب عالية في واقع البحر الأحمر، وما يمتد إليه شمالاً، لجهة قناة السويس عربياً، وإيلات "إسرائيلياً" . علاوة على ذلك فقسم من شواطئه الغربية وهي في واقع الأمر امتداد جغرافي طبيعي للمضيق، هو مطل على الجهة المقابلة من القرن الإفريقي، المنطقة التي يسيل لها اللعاب "الإسرائيلي" في إريتريا وإثيوبيا، إضافة إلى المناطق الفرعية التي يمكن اللعب فيها سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، فضلاً عن أن هذا الواقع غير الحديث، كان ولا يزال موقع جذب قوي لدول عظمى وكبرى، كالولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما، اللتين تمتلكان قواعد عسكرية فيها، إضافة إلى إيران وتركيا التي دخلت على المنطقة من بوابة المساعدات الاقتصادية، والمشاركة في قوات أممية في غير منطقة نزاع، كالسودان وجنوبه ودارفور مثلاً . كما أن هذه الميّزة، كان لها الأثر السلبي في طبيعة الكيان اليمني الذي قُسِّمَ سابقاً بين شمال وجنوب إبان الحرب الباردة، على قاعدة خلاف إيديولوجي في الظاهر، وتقاسم مصالح وربط نزاع بين واشنطن وموسكو في الباطن . ولم تكن إعادة توحيد الكيان الذي تمّ في ظروف غلب عليها العوامل الخارجية، إلا محطة جديدة لإعادة ترتيب وتركيب العوامل الداخلية لإثارة النزاعات، التي تلقفتها العديد من القوى صاحبة المصلحة في إضعاف اليمن، وحذفه من الخرائط الجيوسياسية الفاعلة في المنطقة . واقع قديم، ووقائع جديدة، ستلعب دوراً محورياً في مستقبل اليمن المنظور والبعيد، انطلاقاً من كونه بات بلداً لربط النزاع وساحة مفترضة لتصادم والتقاء المصالح، كغيره من البلدان والساحات العربية . فهو غير منفصل عن حسابات الربح والخسارة الممتدة شمالاً من العراق وسوريا مروراً بلبنان والكثير من الملفات والأزمات الفرعية الناشئة، حيث ستتم عمليات الوصل والفصل في عمليات المقاصة السياسية والأمنية والعسكرية في هذه الساحات المفتوحة على شتى عمليات المقايضة . ثمة مفاوضات نووية إيرانية غربية، يسعى جميع أطرافها في فترة الثلاثة أشهر القادمة حتى نهاية يونيو/ حزيران المقبل، إلى امتلاك أوراق قوة سياسية وعسكرية وجيوسياسية، بهدف وضعها في المكان المناسب لاستدراج العروض الاستثمارية في المنطقة العربية لاحقاً، وهو همٌ دائم، وموضع تقدير وتفكير عواصم كثيرة فاعلة . فما العمل؟ ثمة سوابق كثيرة مرّت بها أمم ودول كثيرة، تمكّن بعضها من الوصول إلى بر الأمان بعد أثمان كبيرة، كانت خياراتها الحوار والاستماع إلى الآخر الشريك في الوطن، وهو ما ينقص اليمنيين حالياً . فالحوار والحل السياسي هما الخيار الأمثل نهاية المطاف، بصرف النظر عن وجهته وقواعده وبرامجه المطروحة . فعلَّ وعسى أن يستيقظ اليمنيون من أضغاث الاقتتال الذي كلفهم غالياً حتى الآن، وهم يعرفون ذلك بالنظر للتجارب السابقة التي مروا بها، فكما غيرهم كذلك هم، إما الحوار أو الدمار . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/aeab9365-a901-4920-99c3-ac7f7e794492#sthash.VpYCZDhC.dpuf

ماذا يعني فوز نتنياهو

ماذا يعني فوز نتنياهو صحيفة الخليج الاماراتية 25-3-2015 ربما هي الانتخابات الأغرب في "إسرائيل"، لجهة التداعيات وتأثيرها في السياسات الداخلية والخارجية . فالفوز بالنسبة غير المتوقعة لليمين المتطرف، تشي بخلاصات تبدأ بفشل الرهانات العربية عامة والفلسطينية خاصة، ولا تنتهي بكيفية إدارة الأزمات الإقليمية التي ل"إسرائيل" مصلحة مباشرة فيها . والتدقيق في مجمل الوقائع ونتائجها تبرز الكثير من المعالم التي كانت في الماضي القريب، موضع تكهن وتأويل لدى الكثيرين من صانعي القرارات والسياسات . وبالتالي تكشف العديد من العِبر التي من الصعب تجاوزها والقفز فوقها . أولى العبر تظهر في عنصرية العقل الباطني في المجتمع "الإسرائيلي"، فثمة فرز واضح بين العرب واليهود، وبالتالي فإن يهودية الدولة ليس مجرد شعار بقدر ما هو خيار استراتيجي لمختلف الأحزاب "الإسرائيلية" . وما يعزز ذلك حجم الفوز ونوعيته الذي تفرد به بنيامين نتنياهو، وهي سابقة في ظروفها ووسائلها وأدواتها . وبذلك فإن عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة لمرة رابعة بجرعات زائدة بالثقة بالنفس السياسة، سيسبب حرجاً ومأزقاً كبيرين للسلطة الفلسطينية، فإما إجبارها على العودة للمفاوضات وفقاً للشروط "الإسرائيلية" التي أفرغتها من مضمونها، وإما الاعتكاف، وبالتالي مزيد من المستوطنات وإفراغ المفاوضات مما تبقى من مضمونها كالقدس واللاجئين وأراضي 1967 . كما أن عودة نتنياهو من الباب الناخب "الإسرائيلي" العريض، تعني موافقة مطلقة على سياساته العدوانية تجاه غزة وفصائلها، وهي دعوة "إسرائيلية" واضحة لسياسات الحديد والنار، فإما أن تنصاع القيادات الفلسطينية لشروطه حول الهدنة الطويلة المدى في غزة، وإما التحضير لعدوان جديد وهو الاحتمال الأكثر قوة بين الخيارات "الإسرائيلية" في المدى المنظور . كما أن الأمر نفسه سينسحب على مجمل سياساتها العدوانية الأخرى ومن بينها الساحتين اللبنانية والسورية . كما أن زيادة منسوب الغرور السياسي الذي حصده نتنياهو، سيعزز أدوات ووسائل إدارته للأزمات الخارجية التي يعتبرها قضايا وجودية تتعلق بالكيان، ومن بينها، البرنامج النووي الإيراني الذي سيكون له كلمة وازنة فيه، عبر الإدارة الأمريكية تحديداً وبقية الإطراف الأوروبيين، بل لن يجد صعوبة تذكر لممارسة الضغوط على آليات المفاوضات الجارية وتحديد مساراتها، ولو اقتضى الأمر الوصول به لخيارات عسكرية بمعزل عن الرأي الأمريكي فيها، وهو خيار "إسرائيل" الأول والأخير، بصرف النظر عن النتائج المحتملة للمفاوضات، وربما يكون هذا الملف بالتحديد هو العامل الأبرز الذي لعب دوراً حاسماً في قلب الرأي العام "الإسرائيلي" ومزاجه السياسي، وبالتالي ترجيح سياساته المتشددة على أي شعارات وخيارات أخرى نادى بها خصومه . والأمر لم ولن يقتصر على هذه المسائل "الإسرائيلية" البحتة، بل ستنسحب مجمل سياسات نتنياهو ومن صوّت له، على السلوك "الإسرائيلي" في التعاطي مع العرب في الداخل "الإسرائيلي"، حيث سيشهد العرب مزيداً من التمييز العنصري، المترافق مع سياسات حديدية، بخاصة بعدما تبيّن أن الصوت العربي في الانتخابات كان له وزن مربك، وان كان غير حاسم في إدارة السياسات الحكومية "الإسرائيلية" المقبلة، وبالتالي فإن سابقة توحيد الأحزاب العربية في إدارة الانتخابات بصوت عربي موحد، قد خلط الأوراق وأعاد حسابات لم تكن موجودة قبلاً . وبعد كل ذلك ما العمل؟ في سياق المراجعة والنقد، ينبغي كذلك على العرب والفلسطينيين، استخلاص العِبر ولو لمرة واحدة في تاريخهم الصراعي مع "إسرائيل"، أولاها عدم التفريق والمراهنة بين مختلف التيارات السياسية "الإسرائيلية"، ففيها متشدد ومتشدد، وصقور وصقور، فلا حمائم ولا من يحزنون، كما ليس ثمة فرق بين ديمقراطيين وجمهوريين في الإدارة الأمريكية عندما يتعلق الأمر ب"إسرائيل"، وعليه فإن التأويل والتعويل على المواقف والسياسات لا محل له في الإعراب السياسي الأمريكي . والمراهنة على التغيير لا يسمن ولا يغني من جوع، لا في المفاوضات ولا المواجهات غير المتكافئة، فالمطلوب اليوم وقفة تأمل وتبصر إلى أين وصل العرب عامة والفلسطينيين خاصة، وحسم الخيارات واتخاذ القرارات، بعدما ضمرت وغابت منذ سبعة وستين عاماً مضت، إنها فعلاً مفارقة أن نبقى نحن العرب نراهن على جنس الملائكة، وكأننا نعيش في زمن وكوكب آخر . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/e9cd2665-94f8-4309-8ee7-6767aea69057#sthash.9zTivQ4M.dpuf

ماذا بعد مؤتمر شرم الشيخ

ماذا بعد مؤتمر شرم الشيخ صحيفة الحليج الاماراتية ، 18-3-2015 ثمة ثابتة لا يختلف عليها اثنان، هي الترابط العضوي بين الاقتصاد والأمن، فأول شروط نهضة الاقتصاد في عالمنا المعاصر، هو جذب الاستثمارات الخارجية، وهذا الجذب بالتحديد يتفحص الأمن أولاً، باعتبار أن عصب حماية رأس المال هو الأمن قبل أي أمر آخر . ومصر التي تكافح كغيرها من الدول تتطلع إلى حجم استثماري بأرقام مهولة، ورغم عدم استحالة أو صعوبة تأمينها، إلا أنها تتطلب الكثير من العوامل الموازية التي تتطلب أيضاً استثماراً في السياسة إلى جانب الاقتصاد والأمن . فمصر التي عوّلت على مؤتمر شرم الشيخ بحضور عربي ودولي وازن، تواجه أزمة اقتصادية تتطلب حلولاً عبر إصلاحات هيكلية لا وصفات سحرية، فنجاح المؤتمر سيسهم في تحسين الصورة لجهة الموقع والدور، ولجذب استثمارات خارجية تعيد الاقتصاد المصري إلى النمو الذي تراجع خلال السنوات الأربع الماضية بفعل الاضطرابات السياسية والأمنية . كما استهدفت من خلال طرحها خريطة جديدة للاستثمار اجتذاب مليارات الدولارات لإنعاش الاقتصاد الذي سجل عجزاً في الموازنة وصل إلى 14% العام الماضي مقارنة ب9% في خلال العام 2013 . وفي لغة الأرقام تآكل احتياط العملات الأجنبية من 19 إلى 15 مليار دولار خلال العام الماضي، فيما وصل معدل التضخم إلى 11%، وفي وقت وصل معدل الفقر إلى 23% في بلد يبلغ تعداد سكانه 87 مليون نسمة . في مقابل ذلك مهدت مصر للمؤتمر بخطوات إصلاحية بغية تهيئة الأرضية الاستثمارية الجاذبة للمستثمرين . وأبرز تلك الإصلاحات خفض دعم الطاقة وصدور قانون الاستثمار الموحد لتخفيف الإجراءات والحد من البيروقراطية، بالإضافة إلى الإعلان عن حزمة مشاريع في مجال البنية التحتية أبرزها مشروع توسيع قناة السويس . وأمام هذه التحديات الكبيرة، ثمة معطيات مغايرة يمكن لمصر الاستفادة منها، في طليعتها حجم ونوعية المشاركين في المؤتمر، الذي غلب عليه الطابع الخليجي بالدرجة الأولى، فمن بين نحو 1300 مسؤول حكومي وتنفيذي أجنبي حضروا المؤتمر، ثمة ما يزيد على 07O مسؤولاً من دول الخليج الست .وبذلك تصبح منطقة الخليج أكبر المشاركين في المؤتمر، متجاوزة الدول الأوروبية التي كانت تهيمن على الاستثمار الأجنبي في مصر قبل انتفاضة 2011 . كما يفوق عدد المشاركين من الإمارات العربية المتحدة وحدها البالغ 160 تقريباً، عدد المشاركين من الولايات المتحدة البالغ ،55 رغم أن بعضهم شارك كممثل لشركات غربية في الإمارات العربية المتحدة . هذا الحضور يعكس اهتماماً نوعياً بالعلاقات المصرية الخليجية ليس من البوابة الاقتصادية فحسب، وإنما من السياسية أيضاً، حيث يبدو لمصر دور وموقع في السياسات الإقليمية القادمة وفي إعادة ترميم النظام الإقليمي العربي . وإلى جانب هذه الوقائع والمعطيات، ثمة مقاربة أخرى على مصر الانخراط والمضي فيها، هي إعادة البيئة الأمنية الداخلية والإقليمية إلى نصابها الطبيعي المفترض، بعد الاضطرابات التي شهدتها الساحة المصرية من أعمال إرهابية، وهو عمل وفعل ضروريان للاستثمار المالي والاقتصادي، وشرط لازم للنجاح والنهوض الذي يأمله كل من المستثمر الأجنبي وصانع السياسات الداخلي .وفي هذا الإطار ثمة مصلحة مشتركة تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية والسياسية خاصة بين دول الإقليم الساعية إلى إعادة تركيب وهيكلة نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعد سلسلة من الانهيارات كلفت أثماناً باهظة . لقد عانت مصر في غير حقبة سياسية من تاريخها المعاصر، أزمات اقتصادية متعددة الوجوه والأسباب، إلا أن هذه الأزمة تبدو أكثر تأثيراً، بالنظر للتحولات الحاصلة في المجتمع المصري وما يحيط به من فواعل إقليمية، ما يستدعي حسن البصر والتبصر في كيفية وآليات الاستفادة من الظروف الاستثمارية المتاحة في المرحلة الراهنة، لا سيما أن المنطقة تمر بظروف دقيقة جداً من الصعب تكرار الفرص فيها، وإن تكررت من الصعب استغلالها بنفس الشروط والكيفية والنوعية . فهل ستكون نتائج مؤتمر شرم الشيخ كافية لحل الأزمة الاقتصادية المصرية، أم ستكون مجرد آلية لإدارة أزمة لها ذيولها وتداعياتها؟ ثمة ثابتة أخرى يمكن التأكيد عليها في هذا المقام، هي أن الاقتصاد عصب السياسات وهيكلها العظمي، فهل ستحسن مصر التوفيق بين الاقتصاد والاستثمار من جهة، والسياسات الإقليمية والدولية التي يرسم ويخطط لها حالياً؟ إن قراءة الوقائع بروية، تثبت أن القاهرة كان لها كلمة فيما يقال وينفذ في الإطارين العربي والإقليمي . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/f713e9b8-7f5c-453d-8319-c81fb25fb824#sthash.jY7Y3rbc.dpuf