23‏/12‏/2010

حصار لبنان بين الحكومة والمحكمة

حصار لبنان بين الحكومة والمحكمة
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية في 23-12-2010
www.drkhalilhussein.blogspot.com
مفارقة لبنان وقوعه بين حصارين محلي ودولي،حكومة تقبض حصارها داخليا على شعب بأكمله بذريعة البحث عن حقيقة بات من في لبنان وخارجه يعرفها تماما،تمنع البحث بملف شهود الزور،ومحكمة تدّعي ظاهريا بعدم اعترافها بشهود الزور ،وضمنا تحميهم بمنع تسليم وثائق ارتكزت عليها في توقيف قيادات أمنية لبنانية على قاعدة اتهام سياسي باغتيال امتدت أهدافه وغاياته وتداعياته باتجاه سوريا.
محكمة أفرجت عن "معتقلين سياسيين" بدون مِنَّة من القضاء اللبناني، وحكومة اعترف رئيسها بدور شهود الزور في توتير العلاقة مع سوريا، مواقف لا رصيد سياسي لها ،وقرارات قضائية دولية تنحدر إلى درك محاكم القرون الوسطى.باختصار حصار داخلي ظالم، وضغط خارجي هائل تقوده محكمة تسير بدفع التسييس الأمريكي الإسرائيلي،ومفارقة هذا الحصار انه ممهور بتوقيع سياسيين أعمتهم لعبة الفتنة المذهبية التي لن ينجو منها أحدا لا في لبنان ولا خارجه اذا ما اشتعلت.
وبصرف النظر عن حجم وسقف الأصوات المعترضة على هذا الواقع، ثمة إشارات أطلقت لإمكانية استمرار هذا الوضع اقله لشهرين إضافيين،على قاعدة ربط الوضع الداخلي بالخارجي،أو بمعنى أدق وضع الحكومة بالمحكمة،كما غيرها من المؤثرات ذات الصلة بالملفات الإقليمية القابلة للاستثمار السياسي.
لقد تمنّعت الحكومة اللبنانية منذ شهرين عن البت في قضية شهود الزور ذلك بخلفيات واضحة مفادها الخوف من الوصول إلى من صنّعهم وموّلهم وحماهم وبالتالي إمكانية تظهير واقع مختلف تماما عما هو قائم الآن يطال الفريق الداعم للمحكمة ومسارها الحالي الذي يتهم حزب الله بالاغتيال أو بشكل أدق "أفراد غير منضبطين".وبعيدا عن المواقف السياسية ، ثمة بيئة قانونية قابلة لإخراج الحكومة من المأزق التي وضعت نفسها به،على قاعدة ان جريمة الاغتيال هي أصلا مرفوعة أمام المجلس العدلي،ومن الطبيعي والمنطقي والشرعي والقانوني إحالة متفرعاتها أيضا أمام المجلس العدلي.فلماذا الإصرار على عدم بت الموضوع في الحكومة وإبقاء لبنان محاصرا من قبل حكومته.
في مقابل ذلك وفي مواقف تتماهي مع مسار الحكومة وطريقة إدارتها للأزمة القائمة، تسير المحكمة في سياق تقطيع الوقت لإخراج قرار اتهامي بات معروفا ومقروءا ومفهوما بتفاصيله المملة، ولم يبق سوى الوقت القليل جدا لإطلاق صافرة الاتهام الذي يمكن ان يأخذ لبنان من ضفة إلى أخرى في حال فشلت المساعي القائمة لتدارك الأسوأ.
ثمة حراك عربي لاحتواء ردّات فعل غير محسوبة النتائج تقودها سوريا والسعودية بدعم إيراني قطري تركي، إلا ان معالمه لم تتبلور بالشكل الذي يسمح بالقول ان ثمة مبادرة قابلة للحياة والبناء عليها.ما جعل أطراف الحراك الداخلي اللبناني يرفعون السقف كل على طريقته.
ان تعقيدات الحكومة والمحكمة وملفاتهما ذات الشد والجذب الإقليميين، حفَّز الدبلوماسية السورية بشخص رئيسها،بشار الأسد، للتحرك باتجاه باريس،كما الدوحة،وفي كلتا الحالتين،كلام واضح مفاده ان لا احد قادر على الوقوف مكان اللبنانيين في حل أزماتهم، فهل اللبنانيون قادرون على ذلك. من الصعب الاقتناع بذلك وإلا لماذا التعليق على المبادرات الخارجية حتى الآن.في وقت تزداد الهوة بين اللبنانيين على قضايا مصيرية بمكن ان تصيب أسس الكيان واستمراره اذا ما استمرت معالجة الأزمات بهذه العقلية وبهذا السلوك السياسي.
ارتفع السقف السياسي في الأيام القليلة الماضية،وسرعان ما أعيدت اللعبة السياسية إلى أمكنة اقل حدة،لكن بإشارات مختلفة.وبين هذا الواقع وذاك،ثمة ربط مبطن بين ما يمكن ان تؤول إليه مفاوضات اسطنبول بكعكتها النووية ذات النكهة الإيرانية وبين مسارات معالجة ملفات المحكمة،وما يعزز هذا الاتجاه تقاطع التوقيتات على أواخر الشهر القادم.
فهل سيتسمر الحصار المزدوج للبنان؟وما هي عدة الشغل السياسية خلال الوقت المستقطع؟ في المبدأ ان جميع المؤشرات تظهر مصلحة جميع الأطراف بإبقاء الوضع على ما هو عليه،بانتظار أولا مسار الاتصالات العربية ،وثانيا القرار ألاتهامي ليبنى على الشيء مقتضاه كما أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.لكن ذلك لا يعني استسلام الأطراف جميعها لقدر الحكومة والمحكمة.
فخطاب السيد نصرالله العاشورائي فيه الكثير من الدلالات والإشارات التي ستؤسس إلى ما بعد القرار ألاتهامي.فهي المرة الأولى التي يشير فيها بإصبع الاتهام للحكومة بحماية شهود الزور ما يعني ان الحزب على قاب قوسين أو ادني لاتخاذ قرار اقله ذات صلة بمشاركته بالحكومة، إذ لم يكن مسار إسقاط الحكومة وبخاصة اذا اعتبر هذا الإسقاط احد وسائل إفشال وإعدام القرار ألاتهامي ويبدو ان الأمور تسير بهذا الاتجاه. أما الإشارة الثانية المدوية التي أطلقها السيد نصرالله هي فساد المحكمة من أساسها حينما أفشى معلومة عن نائب رئيس لجنة التحقيق الدولية غير هارد ليمان،وبيعه وثائق التحقيق.وبذلك يكون حزب الله قد تمكّن مبدئيا من ضرب أسس التحقيق والمحكمة في آن معا،كما وضع الحكومة في سياق الاستهداف اذا ما استمرت في عدم البت بملف شهود الزور.
في جميع الأحوال،يتحكم في الواقع اللبناني وملفاته القابلة للاستثمار الإقليمي والدولي، مساران متكاملان،محكمة تحاصر لبنان بمشروع قرار اتهامي لا أساس قانوني أو أدلة دامغة فيه، وحكومة تمتنع عن البت بأحد أسس قضية الاغتيال، وفي كلا الحالتين ثمة اتجاه للانتظار مجددا على وقع محاولات الاستثمار الأمريكي الإسرائيلي لملفات المحكمة وتردد الحكومة،وفي كلتا الحالتين أيضا لبنان هو الخاسر الوحيد بين اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين.

13‏/12‏/2010

طهران ترحّل الكعكة الصفراء إلى اسطنبول

طهران ترحّل الكعكة الصفراء إلى اسطنبول
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 12-12-2010
لم تتأخر طهران بالرد على الاعتداء الذي تعرّض له عالميها النوويين ومقتل احدهما، بالإعلان عن تمكنها من إنتاج الكعكة الصفراء وبالتالي تحكمها بكامل دورة الإنتاج النووي لتشغيل مفاعلاتها. وبصرف النظر عن التوقيت الذي سبق بدء مفاوضات جنيف، فان الإعلان في الزمان والمكان له من الدلالات الرمزية في سير المفاوضات ما يكفي طهران لإمكانية فرض أجندة متنوعة في جولة اسطنبول القادمة أواخر الشهر القادم.
لقد استهلك الغرب وإيران معا، سنة من الوقت المستقطع من عمر الهواجس المتبادلة، للتوصل إلى جولتي مفاوضات جنيف بأقل سقف من التوقعات والآمال،حتى بات الطرفان يبحثان عن مخارج لتوصيف نتائجها والبناء عليها للجولة القادمة.فالتدقيق فيما جرى لا يعدو كونها جولة من جس النبض السياسي بعد أحداث إقليمية ذات دلالات هامة لأميركا وغيرها في المنطقة ،بدءا من لبنان مرورا بالعراق وصولا إلى أفغانستان،بما تختزنه من ملفات معتبرة لجهة الاستثمار عالي الجودة للأمريكيين والإيرانيين على حد سواء،فجاءت الجولتان بمثابة منح الفرص للتفكير بإعادة جدولة الربح والخسارة في هذه الملفات،بكلام آخر ان فرصة الشهرين لمفاوضات اسطنبول القادمة كافية لإعادة النظر بالكثير من الملفات القابلة للصرف السياسي.
وإذا كان المبتغى من إعادة إطلاق المفاوضات له خلفياته وأبعاده الإقليمية،فان ما يقلق الغرب بشكل عام، عدم تمكنه حتى الآن من إجبار طهران على سلوك محدد في برنامجها النووي، بل وجد نفسه في كل مرة أمام معطيات جديدة تعطي إيران مزيدا من فرص المناورات التفاوضية القابلة للاستخدام، اقله التقني الذي يحتاج مزيدا من الوقت لبلوغه أوضاعا غير قابلة للتراجع عنها.وعليه فأيا تكن نتائج جولات التفاوض تعتبر نصرا إضافيا لطهران،وهذا ما درجت عليه طهران في جولاتها السابقة.
ففي جنيف،تمكن المفاوض الإيراني من جدولة مواضيع التفاوض،بحيث لم يكن البرنامج النووي بحد ذاته ملفا وحيدا، بل أضيف عليه مواضيع أخرى ذات صلة سياسية وأمنية إقليمية متعلقة مثلا بالاعتداء على العالمين النوويين الإيرانيين واتهام إسرائيل بذلك واعتراف هذه الأخيرة بذلك لاحقا،علاوة على موضوع نزع الأسلحة غير التقليدية في منطقة الشرق الأوسط والمعني به إسرائيل تحديدا.
كما تمخضت جولتي جنيف عن نتائج متواضعة جدا بالنسبة للدول الست، واكتفت بقبول إشارات ايجابية مفادها إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات بعد صولات وجولات التهديد والوعيد التي استمرت سنة كاملة،واضطرت هذه الدول كما في السابق التراجع عن تصوراتها واكتفت بعقوبات مجلس الأمن الذي وصفها وزير الخارجية منوشهر متكي ،بأنها غير مجدية لثني بلاده عن مشروعها،وان على الغرب ان ينتظر طويلا ليرى نتائجها.
في مقابل التعثر الغربي،تمكنت طهران أيضا من نقل المفاوضات إلى اسطنبول ذات الدلالات الدبلوماسية والسياسية بالنسبة لطهران،فتركيا إضافة إلى البرازيل هي إحدى المراكز التي تتطلع إليها لجهة إشراكها في آليات إيجاد حل للبرنامج النووي الإيراني، على قاعدة تخصيب اليورانيوم خارج الأراضي الإيرانية. فماذا بعد إعلان طهران عن نضوج كعكتها الصفراء؟.
في منطق التفاوض وجداول أعمالها وأساليبها،يعني ان إيران تجاوزت أيضا مقترح التخصيب خارج أراضيها، وباتت تبحث عن رفع سقف التفاوض القادم في اسطنبول.فإنتاج الكعكة الصفراء يعني فيما يعنيه أنها لم تعد بحاجة للتخصيب الخارجي طالما أنها تمكنت بمفردها من الوصول إليه، وبالتالي من وجهة نظر إيرانية ينبغي البحث عن الوضع الناشئ عن هذا الإنتاج ،اقله محاولة الضغط على الغرب للاعتراف بشكل أو بآخر بإيران النووية ولو ضمن ضوابط وشروط مقبولة إيرانيا،فهل ستتمكن من ذلك؟
ان الاستعراض الدقيق لمسار المفاوضات وطرقها التي دخلت فيه طهران،يثبت قدرتها على التفلّت من أي ضغوط كانت تمارس عليها بفعل العديد من الوسائل، تارة بالاتفاقيات التجارية والمالية مع شبكة واسعة من الدول،وتارة أخرى بوسائل أذرع السياسية الخارجية في غير قضية من قضايا المنطقة، ما مكّنها من بلع وهضم الكثير من مشاريع وقرارات العقوبات التي بدأت مع قانون داماتو الأميركي في العام 1996 وصولا إلى قرار مجلس الأمن الأخير الذي طاول عقوباته مروحة واسعة هدفت المسّ بقدرة النظام على الاستمرار.
في مطلق الأحوال، لا إيران قادرة على الابتعاد عن طاولة المفاوضات ولو لفترات طويلة، ولا الغرب قادر على ولوج خيارات بعيدة عن المفاوضات،وفي أحسن الأحوال مزيدا من الوقت المستقطع في عمر أزمات المنطقة، فهل ستأتي جولة اسطنبول القادمة مسارا في هذا السياق؟
في الواقع يشكّل التقارب التركي الإيراني في قراءة العديد من ملفات المنطقة، فرصة إضافية لإيران لدفع سلفة قابلة للصرف السياسي إقليميا ودوليا، إلا ان السؤال الملح يكمن في قدرة الطرفين الإيراني والغربي على المضي لعقد آخر في هذه السياقات.لقد تمكنت إيران الانتقال من حياكة السجاد النووي إلى صناعة الكعك الأصفر، علها في ذلك تروي غليلها من الضحكة الصفراء التي أطلقتها إسرائيل باغتيال احد علمائها النوويين.

زلزال دبلوماسي على مقياس ويكيليكس

زلزال دبلوماسي على مقياس ويكيليكس
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 5-12-2010
بصرف النظر عن إمكانية تورط الإدارة الأمريكية من عدمه بنشر وثائق تعتبر حساسة في تاريخ نشرها،ثمة أسئلة وتداعيات كثيرة تدور بمجملها حول خلفية التوقيت وانتقائية الوثائق المنشورة.سيما وان هذه الدفعة الثانية التي شملت مروحة واسعة لجهة السياسات المستهدفة أم لجهة الأشخاص القيمون عليها أو الذين شاركوا في تحديد معالمها الفضائحية اذا جاز التعبير.
فالربع مليون وثيقة ليست وحدها كافية لتظهير صورٍ رمزية تحاول الإدارة الأمريكية إبرازها في الواقع السياسي الدبلوماسي العالمي، في وقت تعاني هي نفسها من تداعياتها السلبية.فبصرف النظر أيضا عن دقة وصحة ما جاء فيها، فهي مشاركة بشكل أو بآخر في تركيب وتكييف أطرها السياسية العامة والخاصة في آن معا،ولكن الملفت في الأمر ان إخراج هذه الوثائق إلى النور رغم حداثة سنها تعتبر مفارقة في التعامل الأمريكي وغير الأمريكي في ضرب أعراف دبلوماسية متعارف عليها،مفادها إخراج الوثائق إلى العلن بعد مضي عقود طويلة على أحداثها.ما يعني ان الأمر يتعدى الشفافية وهي مسألة ليست بالضرورة أمرا متعلقا بالشهامة السياسية غير الواردة أصلا في هذا المقام.
فالوثائق الفضائحية طالت غير موقع سياسي وفي الوقت الذي تحتاج جميعها مزيدا من عمليات التستّر على سلوكها السياسي في علاقاتها الدولية والإقليمية،وكأن في هذه الوثائق من جاء ليصب الزيت على النار ،ويجعل هذه المواقع وقودا لإشعال فتن وحروب وتأليب دول بعضها على بعض.
فبينما يشهد الشرق الأوسط برمته حراكا قويا ولافتا لاستيعاب أزمة لبنان وقرار المحكمة الظني،جاءت بعض هذه الوثائق لتباعد بين أطراف أساسيين في كثير من الملفات اللبنانية، فالتقارب السعودي الإيراني معطوفا على السوري أيضا، وكذلك الحراك القطري التركي، يحتاج إلى المزيد من الحياكات السياسية الهادئة لإخراج لبنان من أزمته،أتت تسريبات الوثائق لتستهدف هذا الحراك وهذه المحاولات.علاوة على إطلاق العنان لمخيلة الكثيرين للسباحة في ما يفترض من إسرار المواقف والسياسات التي أعلن عنها.
إضافة إلى ذلك،ثمة خلفيات غير بريئة للتوقيت الحالي وبخاصة تجاه بعض المواقف الخليجية باتجاه إيران، فالأمر بالطبع ليس حبا بطهران ولا غراما أمريكيا بالمواقف الخليجية، بقدر ما هو تسليط الضوء على مواقف سياسية يمكن ان تستخدم في تأليب الأوضاع الداخلية لبعض هذه الدول،وبخاصة في ظل الوضع الخاص لبعضها.
وكما كان التركيز في الموجة الوثائقية السابقة،كذلك الحالية التي طالت هذه المرة جانبا شخصيا لكثير من الحكام والمسؤولين،وهي سابقة لافتة في التعامل السياسي والدبلوماسي الدولي لأشخاص لا زالوا يشغلون مناصب كبيرة في دولهم. وكأن كثيرا من المحرمات باتت قاب قوسين أو أدنى لتبديل أساليب التعامل معها.
لا شك ان لهذا الأسلوب من النشر تداعيات خطيرة على دول ومواقع كثيرة، من بينها إرباك دول كثيرة في علاقاتها الإقليمية والدولية،كما ستشكل سوابق جديدة في التعامل مع كثير من المراسلات والبرقيات السياسية والدبلوماسية، بحيث من الممكن ان تعود للظهور مجددا سياسات الدبلوماسية السرية بعدما دفع جهد كبير في السابق لتخطيها والابتعاد عنها قدر الإمكان،الأمر الذي يمكن ان يتسبب بإشعال حروب وصراعات ونزاعات لا يعرف أحدا نتائجها ونهاياتها.
من الطبيعي ان تكون للدبلوماسية العلنية مساحات أوسع وأعمق في الحياة السياسية الدولية وبخاصة في الفترات الصعبة،إلا ان نجاحها يتوقف على كثير من العوامل من بينها احترام المواقف السياسية لأصحابها وعدم محاولة استغلالها بطرق رخيصة، كما الابتعاد عن التشهير في القضايا الشخصية التي لها بالغ الأثر في الحياة السياسية لمن يتولون الأمر والنهي.
بالطبع ثمة ملايين الوثائق السرية الهامة التي مضى عليها عقود وعقود ،لم تكشف بعد،وهي متعلقة بكثير من قضايانا نحن العرب والمسلمين،فهل سيتجرأ، من يعنيهم الأمر ويكشفون عنها،بالتأكيد لن يحصل ذلك يوما ،وجل ما يمكن ان يكشف عنه سيل من الوثائق المليونية وان أدانت من كشفها،تبقى الوجهة الحقيقية لأهدافها ليس نشر الوثائق بل نشر بيئة الفوضى الخلاقة التي ستساعد بالتأكيد على مراكمة عشرات الألوف بل الملايين من الوثائق الأخرى التي ستكون جاهزة وغب الطلب للكشف عنها عندما تحين فرص الدسائس وإطلاق النزاعات والحروب والصراعات.
نحن في هذا الشرق العربي،بحاجة إلى مزيد من الشفافية والوضوح في علاقتنا مع أنفسنا ومع غيرنا، عندها وعندها فقط لا تنفع تسريبات مثل تلك الوثائق ولا غيرها ان وجدت،فهل نعقل ويعقلون ذلك، ربما الإجابة على ذلك يتطلب نشر وثائق أخرى أكثر حراجة وأسى،تتسبب بزلازل لن ينجو الكثير من تردداتها وتداعياتها!.

04‏/12‏/2010

واقع الامم المتحدة وتحدياتها في ظل النظام العالمي الجديد / محمد الجباوي

اسم الطالب : محمد الجباوي
موضوع الرسالة : واقع الامم المتحدة وتحدياتها في ظل النظام العالمي الجديد
الشهادة الممنوحة :الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية
تاريخ المناقشة : 2/10/2012
التقدير: جيد جدا
 
في الواقع كان لإنشاء هيئة الأمم المتحدة أهداف سامية، حاول مؤسسوها تفادي ما وقعت به عصبة الأمم. وإذا كانت الأمم المتحدة قد عجزت عن تحقيق بعض ما هو ملقى على عاتقها، وإذا كانت أيضاً لسبب أو لآخر قد عجزت عن رفع الظلم عن بعض الدول والشعوب ولم تتمكن من تحقيق العدل؛ فالقراءة الدقيقة تظهر اعتبارات كثيرة لذلك أبرزها:
- الاعتبار الأول يتمثل في أنَّ الأمم المتحدة لا تعمل في مجال السياسة الدولية فقط، حيث يصعب عليها في الكثير من الأحيان تحقيق النجاح الكامل وإرضاء الدول كافة والوصول إلى تحقيق العدالة؛ بل تعمل أيضاً في مجالات أخرى، بعيدة عن السياسة من بينها، الأمن والاقتصاد وحقوق الإنسان والثقافة والصحة والتعليم والبيئة وغيرها، تلك الميادين التي حققت فيها بعض النجاحات لصالح الأمم والشعوب، وهي المجالات التي علّق عليها مؤسسو الأمم المتحدة آمالهم في حال فشلت المنظمة في تحقيق أهدافها السياسية والأمنية، مثلما حدث لسابقتها عصبة الأمم.
- الاعتبار الثاني، يبرز في كون الأمم المتحدة نظاماً من نُظم المجتمع الدولي وأداة من أدوات تطبيق القانون الدولي، وبالتالي فالأمم المتحدة لا تطبق في الواقع، ما كان يجب من وجهة النظر المثالية، أي أن تسود المجتمع الدولي قواعد العدالة، بل تطبق قواعد القانون الدولي الوضعي، التي وضعتها الدول الكبرى في ضوء مصالحها، والهدف منها ليس تحقيق العدالة بل تطبيق القانون.
وإذا كان الأمر يبدو بهذا التعقيد في ظل الثنائية القطبية،فالأمر يبدو أكثر تعقيدا وسوءاً في ظل النظام العالمي الجديد،حيث لا قوى أو تكتلات دولية تمكّنت حتى الآن من مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وكبح جماح سياساتها وبخاصة تجاه الأمم المتحدة،ما أرخى بظلال كثيفة على واقع المنظمة الدولية ومستقبلها ،ما دفع بالعديد من التساؤلات حول جدوى وجود الأمم المتحدة كأحد الفواعل الأساسية الدولية التي تعنى بإدارة التنظيم الدولي.
أولا: أسباب اختيار الموضوع
في الواقع ، ثمَّة أسباب كثيرة ومتنوعة دفعتني للخوض في بحث هذا الموضوع؛من بينها :
- وجود متغيّرات أساسية وجوهرية طرأت في العقد الأخير من القرن الماضي،,أثرت بشكل مباشر في الأمم المتحدة لجهة الدور والمكانة والقدرة،ما يستوجب تسليط الضوء على هذه المتغيرات وآثارها ونتائجها.
- بروز العديد من الأسباب الذاتية المتعلقة بآليات ونظم عمل المنظمة الدولية،ما أعاق عملها وأتاح للدول المتنفذة فيها المجال واسعا لاستغلالها في تحقيق سياساتها الخاصة في النظام العالمي القائم.
- ثمَّة تحديّات كثيرة تواجه الأمم المتحدة في تنفيذ العديد من نشاطاتها الأساسية حاليا،والتي تستوجب البحث والتدقيق في أسباب تفاقمها وتعاظم أثر معوقاتها في عمل المنظمة.
- ثمة بعض المقالات والدراسات التي تناولت هذه الظواهر،لكن بمجملها كانت ذات طابع صحفي يفتقر إلى الدقة العلمية والأكاديمية،سوى النذر القليل منها، والذي لم يفِ بحاجة جامعاتنا ومكتباتنا وباحثينا.
ثانيا: فرضيات الرسالة
من الصعب القول أنَّ المجتمع الدولي قادر على الاستغناء أو ابتداع البدائل من الأمم المتحدة كإطار للتنظيم الدولي، من هنا تأتي فرضيات عدة حول جدلية بقاء أو انحلال المنظمة الدولية، وبالتالي طرح الفرضية وإثباتها أو دحضها ومن بينها:
- إذا كان ثمة أسباب لذلك ما هي؟ ومن أين أتت ؟وهل يمكن تفاديها؟
- إذا كان ثمة إمكانية للإصلاح ودرء الآثار السلبية،فما هي الوسائل ؟وهل ستكون فاعلة؟
- وما هو مستقبل المنظمة الدولية التي علّق المجتمع الدولي آماله عليها؟ وما هو دور الدول الفاعلة في النظام العالمي لجهة تفعيل دورها أو تهميشه؟
ثالثا:المنهج المتبع
نظرا لطبيعة الموضوع والأسئلة التي حاولت الإجابة عليها، اتبعت منهجا تاريخيا سياسيا وقانونيا مقارنا،ذلك أنَّ طبيعة الدراسة ومتطلباتها تستدعي مقاربة العديد من الأسباب والنتائج بين مرحلتين أساسيتين للأمم المتحدة،الأولى منذ نشأتها عام 1945 والثانية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية وقيام النظام العالمي الجديد بكل تداعياته وآثاره في المنظمة الدولية وعملها.
رابعا:النطاق الزماني للرسالة
تمَّ التركيز على الفترة الزمنية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي،ونشوء النظام العالمي الجديد،وبالتالي إن الفترة التي تركز عليها الدراسة هي العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة،باعتبار أن هذه الفترة شكَّلت وتشكل تحدّيا لواقع الأمم المتحدة ونشاطاتها في ظل تغيّر البيئة الدولية التي قامت عليها في الأساس.
لكل ذلك، ولغيره من الأسباب، قسّمت رسالتي إلى مقدمة وأربعة أقسام ، في المقدمة عرضت لأهمية التنظيم الدولي ودوره في حفظ السلم والأمن الدوليين ،لا سيما دور الأمم المتحدة المفترض من ذلك،فضلا عن فرضيات الرسالة ومنهجها ومضمونها.
أما القسم الأول فقد قسّمته إلى فصلين، الأول خصصته إلى واقع الأمم المتحدة والآمال المعلقة عليها لجهة المبادئ والمقاصد،وهل طبقت عمليا؟وهل ثمة ازدواجية في التعامل فيها؟.فيما االفصل الثاني،عالجت فيه النظام العالمي لجهة الظهور والمفهوم والسمات.
أما القسم الثاني فقد أفردته للأمم المتحدة في النظام العالمي الجديد،حيث عالجت في الفصل الأول منه محاولات الولايات المتحدة الأميركية تهميش دور الأمم المتحدة واستعمالها كأداة طيّعة في سياساتها الخارجية في المرحلتين التي سبقت 11 أيلول 2001 وما بعدها. فيما ألقيت الضوء في الفصل الثاني منه، على مواقف بعض الدول تجاه السياسات الأميركية المختصة بالأمم المتحدة وما أفرزته من تداعيات.
أما القسم الثالث فقد خصصته لدور الأمم المتحدة وبخاصة في النظام العالمي الجديد، ففي الفصل الأول منه استعرضت ما استجد من آليات عمل قوات حفظ السلام الدولية،علاوة على قضايا نزع السلاح والحد من انتشاره.فيما الفصل الثاني عالجت فيه عمل المنظمة لجهة حقوق الإنسان والمحاكم الجنائية الدولية وقضايا البيئة وغيرها.
أما القسم الرابع والأخير، فعرضت في الفصل الأول منه إلى التحدّيات والمعوِّقات التي تواجه الأمم المتحدة من قضايا سياسية وقانونية وإدارية وأمنية وغيرها.فيما خصصت الفصل الثاني لمشاريع الإصلاح التي قُدمت لتطوير وتحسين عمل الأمم المتحدة،كالمشاريع الرسمية التي تقدم بها بعض الأمناء العامين للمنظمة،أو غير الرسمية التي طرحتها بعض المنظمات أو الدول المهتمة بالأمم المتحدة وسبل إصلاحها.
أما الخاتمة فعرضت فيها النتائج والإجابات التي توصلت إليها،إضافة إلى محاولة استشراف وضع الأمم المتحدة ودورها في النظام العالمي القائم.

وفي الواقع لم تأت أهمية التّنظيم الدّولي مِن الفراغ. فالحاجة إليه في البداية كانت ضرورية، لبسط التعايش السلمي بين مجموعة من الدّول والتكاتف فيما بينها ضد الاعتداءات والانتهاكات، إضافة إلى نشر روح التعاون في ميادينَ ومشاريعَ عدةٍ. ولكنه تطوّر لاحقاً ليصبح تنظيماً دولياً، تنضم إليه الدّول الراغبة في أن تصبح عضواً فيه.
ونتيجة لتقصير المنظّمة الدّولية الحالية بتحقيق الأهداف والمهام التي قامت من أجلها، سواءً لأسبابٍ ذاتيةٍ أو موضوعية خارجة عن إرادتها، ونتيجة للأزمة الكبيرة التي سببتها الممارسات الأميركيّة للشرعية الدّولية، فقد انقسم خبراء القانون الدّولي بين مؤيد للإبقاء على المنظّمة الحالية، وإدخال إصلاحات عليها وعدم إلغائها، وبين مؤيد لإلغائها، وإنشاء نظام دولي جديد، لا يقوم على المزاج والهوى، ولا تديره الإمبراطورية الأميركيّة، بل يقوم على احترام القواعد الدّولية، وإلزام أعضاء الجماعة الدّولية كافةً بتطبيقها دون استثناء.
ونعتقد أنه من الأجدى، قبل التفكير في الإبقاء على الأمم المتّحدة، أو في عدم الإبقاء عليها، واستبدالها بمنظّمة أخرى، كنتيجة لعدم قدرتها على مواجهة المشاكل الإقليميّة والدّولية، الانكباب على البحث في جذور تلك المشاكل، ومعرفة أسبابها، لمعالجتها والقضاء عليها. فكلما استطاعت المنظّمة أن تعالج الجذور الاقتصاديّة والاجتماعية للمشكلات الدّولية، وتسوية الأزمات بالطرق السلمية، أصبح العبء لمواجهة حالات العدوان المحتملة، أو لإصلاح ما خرّبته الحروب وإعادة بناء ما دمّرته، أو ما هدمته، أقلّ وقعاً عليها. وفاعلية الأمم المتّحدة هنا لا تُقاس بحجم وفاعلية أدوات قمع العدوان ووسائله وآلياته أو ردعه فقط، بل أيضاً، وعلى وجه الخصوص، بقدرة المنظّمة على حشد كل الموارد المتاحة، وتعبئتها، وتوظيفها للحيلولة دون اندلاع الأزمات أصلاً، أو إيجاد تسويات دائمة وعادلة لها، بالطرق السلمية إذا ما اندلعت.
وللتمكّن من معالجة تلك المشاكل، والقضاء على أسبابها، ثمة عواملُ مساعدة لا بد من أن تتوافر، منها بقاء مستقبل الأمم المتّحدة بعيداً عن الهيمنة الأميركيّة. فخدمة الإنسانية بعيداً عن المصالح الاقتصاديّة، وعن التمييز بسبب العرق، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، تتطلب بناء مستقبل على أسسٍ أخرى، من بينها أسس ذات أبعاد إنسانية، يقوم على تفاعل متبادل بين الثّقافات والحضارات، ووضع حد لكل أنواع الهيمنة والتبعية بكل أشكالها. وكحلّ بشكل خاص للتنوع بين الثّقافات، يجب على المنظّمة الدّولية بدورها، أن تعمل جدياً على تحقيق التسامح والحوار.
إن الولايات المتّحدة الأميركيّة التي يمتلكها غرور القوة، ويسيطر عليها الشعور بعدم الحاجة إلى الأمم المتّحدة، هي في الحقيقة أحوجُ ما تكون إلى هذه المنظّمة الدّولية، لكسب السلام إلى جانب كسب المعارك العسكرية، بخاصة في ظل تصاعد مشاعر العداء لأميركا وبالتحديد في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. لذلك على الولايات المتّحدة أن تحاول التعاون مع دول العالم بهدف تقوية الأمم المتّحدة ودعمها في مواجهة جيل جديد من التحدّيات العالميّة بهدف جعلها هيئة أكثر فاعلية في حماية النظام العالمي. وتفويت الولايات المتّحدة هذه الفرصة سيؤدي بها وبالعالم إلى خسائر فادحة.
ومن العوامل الأخرى التي تسهم، وبشكل أساسي في معالجة المشاكل الدّولية والإقليميّة والمحليّة، والقضاء على أسبابها، هو توفير ميزانية مُعتبرة للأمم المتّحدة، بعيداً عن العجز، وعن الأزمات والأعباء المالية، بحيث تكون قادرة على دعم خطط الأمم المتّحدة، وتقوية نشاطاتها.
وثمة عاملٌ آخرٌ، يكمن في ضرورة عدم ميل الدّول الغنية إلى تنظيم أمورها بعيداً عن الأمم المتّحدة، والتجمّع في أطر مؤسسّية خاصة بها، وعدم اتجاه الأطر التّنظيمية للدول الفقيرة نحو التفكك والانهيار، كما حصل لمجموعة الـ 77. ففي كلتا الحالتين، لن يساعد ذلك على إصلاح الأمم المتّحدة، على النحو الذي يكفل إقامة نظام فعَّال للأمن الجماعي، أو الأمن التعاوني.
في النهاية، يقتضي الاعتراف أن العيب الحقيقي يكمن في تنفيذ الميثاق، وليس في نصوصه بشكل عام. فلكي يتحقق السلم والأمن الدّوليين، لا بد من احترام الشرعية، وتنفيذَ القرارات الدّولية مطبقاً على الجميع، ليسود السلام الشامل والعادل. كما لا بد من أن تتوافر لدى الدّول الإرادة للقضاء على جذور أي خلاف، إذ دون ذلك لن تفلحَ أيةُ إجراءات جزئية أو مؤقتة دون استمراره أو اتساع نطاقه. أما التحدّي الأكبر الذي نواجهه فيكمن في ضرورة التزام الحكومات بآلاف الوعود التي قطعتها على نفسها وعلى شعوبها وعلى المجتمع الدّولي بأسره، وأقسمت أنها ستلتزم بتنفيذها بجدية.
في المحصلة،وبصرف النظر عن حجم ونوعية الانجازات التي تمكَّنت المنظمة من تحقيقها،أو تلك التي لم تتمكن من انجازها،تبقى هذه المنظمة ضرورة من ضرورات النظام العالمي؛فالذي استجد من معطيات التفاعلات الدولية وما نتج عنها من بيئة جديدة مكوِّنة للنظام العالمي القائم، أرخت بظلال كثيفة على واقع المنظمة ومستوى التحدّيات التي تواجهها.من هنا إن واقع الحال يقتضي التدقيق بوسائل تحسين أدائها،في ظل انعدام الشروط الواجب توفرها للانطلاق بمنظمة دولية جديدة تحل محل الأمم المتحدة.
إن أسس دفاعنا عن المنظمة لا ينطلق من كونها منظمة مثالية لجهة البنية الذاتية،بل ينطلق من مبدأ عدم وجود البديل القادر على الأقل، لاستيعاب واحتواء النتائج الحاصلة من ضعفها وعدم قدرتها على حل الكثير من المشاكل التي واجهتها،وبخاصة في ظل النظام الحالي.
في أي حال،تبقى المنظمات العالمية،انعكاسا لموارين القوى الدولية،وأن فعالية عملها ونجاحاتها مرهون برغبة القوى الفاعلة في النظام العالمي على إعطائها المجال لذلك.علاوة على ذلك،إن مقاربة مختلف المؤثرات التي أدت إلى نشوء تكتلات وأحلاف وما نجم عنها من مكونات لنظم عالمية أو إقليمية،تثبت أنه كلما كانت النظم الإقليمية أو الدولية قائمة على قاعدة تعدد الأقطاب كلما كانت فرص النظام قائمة لفترات أطول؛وكلما تفرّدت قوة واحدة في إدارة النظام العالمي، كلما اشتدّت وتنوّعت مظاهر الفوضى،وبالتالي عدم قدرة المنظمة الدولية على القيام بما يتوجب عليها،من حفظ للأمن والسلم الدوليين وهذا ما واجه الأمم المتحدة تحديدا.
أخيرا،يكاد لا تمر ثانية إلا ويكون للأمم المتحدة أثر فيها،ما يعني أن ثمة استحالة للاستغناء عنها،بعدما أصبحت من يومياتنا المعاشة سياسيا واقتصاديا،امنيا وعسكريا،وبالتالي إن خيار الإلغاء أمر دونه محاذير خطيرة ،ومن الأفضل البحث عن وسائل وآليات تساعد في تخطي مصاعبها وتحدياتها.
واجتمعت اللجنة بتاريخ 2 - 12 - 2010 المؤلفة من الأستاذ الدكتور خليل حسين رئيسا ومشرفا وعضوية كل من الدكتور علي صبح والدكتور حسين عبيد،وبعد المداولة قررت قبول الرسالة ومنح السيد محمد حسين الجاوي درجة الماجستير في العلوم السياسية بدرجة جيد جدا.

23‏/11‏/2010

الفدرالية واللا مركزية في العراق: نموذج إقليم كردستان

الفدرالية واللا مركزية في العراق: نموذج إقليم كردستان
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

تنقسم انواع الدول الى قسمين رئيسين،فاما ان تكون الدولة مركبة واما ان تكون بسيطة.وفي كلا الحالتين لكل منها نظام خاص ينظم اوضاعها الداخلية والخارجية على حد سواء.والدولة المركبة هي دولة تتألف من اتحاد عدة ولايات،يكون لنظام الدولة دستور فدرالي ينظم علاقات الولايات مع بعضها البعض،والى جانبه ثمة دساتير خاصة بالولايات تنظم شؤونها الداخلية وعلاقة افرادها بمؤسساتها واداراتها،على ان لا تتعارض او تتناقض الاسس العامة لهذه الدساتير الخاصة بالولايات مع الدستور الاتحادي.ومن المتعارف غليه ايضا في هذا المجال ان الدولة الاتحادية او المركبة لها سياستها الخارجية الموحدة وجيشها وعملتها وغيرها من المظاهر السيادية الموحدة،ومثال الدول المركبة او ذات النظام الفدرالي الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السويسري.فيما النوع الثاني من الدول وهو الدول البسيطة،فتشكل غالبية دول العالم من هذا النظام حيث الدستور الواحد الذي ينظم اوضاع الدولة في الداخل والخارج،ولا وجود لولايات او اقاليم خاصة تتمتع بخصوصيات دستورية او سياسية معينة.
وما يميز النظام الفدرالي عن غيره من الأنظمة السياسية ، توزيع السلطة بين العاصمة الفدرالية والولايات باعتبارها وحدات سياسية تباشر اختصاصاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية باستقلالية عن السلطة الاتحادية وبشكل لا يتعارض مع الدستور الاتحادي ، ما يعني أن النظام الفدرالي يتبنى نظام اللامركزية السياسية الذي يفترض وجود سلطات تشريعية منتخبة في الولايات لها دستورها الخاص إلى جانب الدستور الاتحادي ، والذي ينظم توزيع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في الولاية أو المحافظة ، وتستمد هذه الولايات اختصاصاتها من الدستور الاتحادي وليس من القانون العادي الاتحادي . والملفت في هذا المجال أن الدستور العراقي قد خلط بين المفهومين ، ما يعطي انطباعا بأن واضعي الدستور خلطوا بين المفهومين ولم يميزوا بينهما ،وقد ظهر الخلط واضحا في بعض مواد الدستور التي نظمت العلاقة بين السلطة الاتحادية في العاصمة وسلطات الأقاليم والمحافظات.
اولا: نظام الفدرالية
اللامركزية السياسية او الفدرالية هي نظام يتعلق بشكل نظام الحكم السياسي في الدولة الاتحادية والذي يتم بموجبه توزيع مظاهر السيادة الداخلية بين الدولة الاتحادية والأقاليم التابعة لها مع تمتع كل ولاية باستقلالها الذاتي في مباشرة سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ بينما تبقى مظاهر السيادة الخارجية ضمن اختصاصات السلطات الاتحادية مع بعض الاستثناءات في حدود ضيقة ، كما ان نظام اللامركزية السياسية يندرج ضمن موضوعات القانون الدستوري والنظم السياسية وليس ضمن موضوعات القانون الإداري أو علم الإدارة وينحصر وجود هذا النظام في النظام السياسي الفدرالي.ويفترض نظام اللامركزية السياسية وجود دستور اتحادي ودستور محلي للولاية ،كما يفترض ازدواج السلطات في الدولة الاتحادية . سلطة تشريعية اتحادية وسلطة تشريعية محلية للولاية ، سلطة تنفيذية اتحادية وسلطة تنفيذية للولاية وسلطة قضائية اتحادية وسلطة قضائية للولاية وهذا الازدواج لا يتجسّد سوى في الاتحاد الفدرالي.
ثانيا : كيفية توزيع الاختصاص بين الدولة الاتحادية والولايات
ولتجنب المشاكل التي تثور حول تداخل الاختصاص بين السلطة الاتحادية وسلطات الولايات نتيجة ازدواج السلطات بينهما اتجهت الدساتير الاتحادية إلى اللجوء لواحدة من الطرق التالية لمنع تداخل الاختصاصات.
1- يتم بموجب هذه الطريقة تحديد اختصاصات كل من دولة الاتحاد واختصاصات الولاية أو الإقليم على سبيل الحصر في الدستور الاتحادي .سلبيات هذه الطريقة إن تحديد الاختصاصات على سبيل الحصر للدولة الاتحادية والولايات من الصعب أن يشمل جميع القضايا مهما ذهب الدستور في تفصيلها باعتبار ان تطور الحياة وتغيّر الظروف لابد أن تستجد مسائل لم يكن الدستور قد حددها سلفا ،الأمر الذي يصعب معه تحديد الجهة المختصة هل هي الدولة الاتحادية أم الولاية .
2- يحدد الدستور الاختصاصات الحصرية للدولة الاتحادية ويترك ماعداها للولاية . وفي هذه الطريقة يكون اختصاص الدولة الاتحادية محددا بينما يكون اختصاص الولاية مفتوحا وبمرور الزمن ستزداد صلاحيات الولاية بينما تبقى صلاحيات الدولة الاتحادية على حالها باعتبار أن الاختصاص العام سيكون للولايات . وعادة يتم اللجوء إلى هذه الطريقة في الاتحاد الذي يتكون من اندماج دول كانت مستقلة للمحافظة على استقلالها الداخلي بعد إن تخلت عن استقلالها الخارجي لصالح دولة الاتحاد. وكذلك يخضع إلى ظروف نشأة الاتحاد ورغبة الولايات في تغليب مظاهر الاستقلال على مظاهر الوحدة .ومن أمثلة الدول التي اتبعت هذه الطريقة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقا والأرجنتين وسويسرا وألمانيا والإمارات العربية المتحدة والعراق.
3- يحدد الدستور الاتحادي اختصاصات الولايات على سبيل الحصر ويترك ماعداها للدولة الاتحادية وهذه الطريقة تحدد اختصاص الولاية بينما تبقي الاختصاص العام للدولة الاتحادية .ومن أمثلة الدول التي اتبعت هذه الطريقة الهند وكندا وفنزويلا.

ثالثا : اللامركزية الإدارية
هي طريقة من طرق الإدارة تقوم على أساس توزيع الوظيفة الإدارية بين السلطة المركزية في العاصمة وبين هيئات منتخبة محليا في الولايات أو هيئات مرفقيه تباشر اختصاصها تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية.ومن ابرز صورها:
1- لا مركزية محلية وتتحقق بمنح جزء من إقليم الدولة الشخصية المعنوية واستقلاله بإدارة شؤونه المحلية تحت رقابة السلطة المركزية
2- لامركزية مرفقيه أو كما يطلق عليها مصلحيه وتتحقق بمنح مرفق معين من المرافق العامة الشخصية المعنوية بهدف إدارة شؤونه بنفسه مستقلا عن السلطة العامة التي يتبعها خاضعا لرقابتها .وثمة ثلاثة اركان للامركزية الادارية ينبغي توفرها وهي:
1- الاعتراف بوجود مصالح محلية مستقلة تقتضي الاعتراف لها بالشخصية المعنوية المستقلة .
2- وجود هيئات محلية منتخبة تتولى إدارة الوحدات المحلية .
3- خضوع الهيئات المحلية لرقابة السلطة المركزية .

رابعا: الفرق بين الفدرالية واللامركزية الإدارية
في نظام الفدرالية يتم تحديد اختصاصات كل من دولة الاتحاد والولايات في الدستور الاتحادي بينما في نظام اللامركزية الإدارية يتم تحديد اختصاصات الولايات بالقانون العادي . ويترتب على هذا الفرق إن الاختصاصات الممنوحة للولاية بموجب نظام اللامركزية الإدارية يمكن إلغائها أو تعديلها بموجب قانون عادي تصدره الجهة التشريعية المختصة في الدولة في أي وقت تشاء بينما في الاختصاصات الممنوحة للولاية بموجب نظام الفدرالية لا يمكن إلغائها أو تعديلها بقانون عادي من قبل الدولة الاتحادية إلا بموجب تعديل دستوري . ويترتب على ذلك أيضا إن موضوعات نظام الفدرالية تندرج ضمن القانون الدستوري والنظم السياسية بينما تندرج موضوعات نظام اللامركزية الإدارية ضمن موضوعات القانون الإداري.
في نظام الفدرالية ثمة في الولايات هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية مستقلة عن الهيئات القضائية والتشريعية والتنفيذية الاتحادية، بينما لا توجد في نظام اللامركزية الإدارية هيئات تشريعية أو قضائية محلية أما الهيئات التنفيذية في الولاية فإنها خاضعة للحكومة المركزية وتستمد صلاحياتها بموجب القوانين المركزية أو بتفويض من الحكومة المركزية.
في نظام الفدرالية لا تخضع الهيئات المستقلة الثلاث لرقابة السلطات الاتحادية وتباشر أعمالها بموجب الدستور الاتحادي والدستور المحلي للولاية بشكل مستقل بينما في نظام اللامركزية الإدارية تخضع الهيئات المحلية في الولايات لرقابة ووصاية الحكومة المركزية عند مباشرتها لإعمالها .
كما ان في نظام الفدرالية تطبق الولايات قوانينها التي تصدرها هيئاتها التشريعية بما لا يتعارض مع الدستور الاتحادي ودستور الولاية، بينما في نظام اللامركزية الإدارية تطبق الولايات القوانين التي تصدرها الهيئة التشريعية للدولة والمطبقة في جميع أنحاء البلاد .كما ان نظام الفدرالية يوجد في الدول الاتحادية، بينما يوجد نظام اللامركزية الإدارية في الدول الموحدة غالبا والدول الاتحادية أحيانا .

خامسا:الخلط بين مفهومي الفدرالية واللامركزية الإدارية في الدستور العراقي

ثمة خلط واضح في الدستور العراقي بين مفهومي اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية في أكثر من مادة من مواده ومنها :

- وصفت المادة (116) النظام الاتحادي في جمهورية العراق بأنه يتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية، وإدارات محلية ولم يتم التحديد في هذه المادة شكل اللامركزية هل هي فدرالية أم لامركزية إدارية، إلى أن جاءت الفقرة ثانيا من المادة (122) من الدستور فمنحت المحافظات التي لم تنتظم في إقليم، الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة بما يمكنها من إدارة شؤونها وفقا لمبدأ اللامركزية الإدارية . ولكن الفقرة خامسا من المادة (122) نفسها نصّت على ( لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو إشراف أية وزارة أو أية جهة غير مرتبطة بوزارة وله مالية مستقلة ) وهنا وقع أول خلط في الدستور بين مفهومي الفدرالية واللامركزية الإدارية باعتبار ان عدم خضوع الهيئات المحلية المنتخبة إلى رقابة السلطة المركزية هو احد أركان الفدرالية كما انه في نظام اللامركزية الإدارية ،فإن الهيئات المحلية تخضع لرقابة السلطة المركزية في العاصمة وبذلك وقع الخلط بين فقرتين في مادة دستورية واحدة .

- لقد ساوت المادة (155) بين الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم ،حيث أناطت بهذه الأقاليم والمحافظات كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية ، وهذا يعني أن الدستور حدَّد اختصاصات السلطات الاتحادية على سبيل الحصر بينما أبقى اختصاصات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم مفتوحة لاستقبال المزيد من الاختصاصات بمرور الزمن . وهنا نجد الدستور قد منح المحافظات اختصاصات واسعة جدا ولم يكتف بذلك، وإنما أفرط في توسيع هذه الاختصاصات عندما أعطى الأولوية لقانون الإقليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة التعارض بينهما في غير الاختصاصات الحصرية . إن إمعان النظر في الاختصاصات التي منحتها هذه المادة الدستورية للمحافظات غير المنتظمة في إقليم يكشف لنا بوضوح تام ان الدستور ساوى بينها وبين الأقاليم في الاختصاصات عندما منحها حق تشريع القوانين وأسند لها كل الاختصاصات العامة، عدا الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية وأعطى الأولوية لقانونها على القانون الاتحادي عند التعارض في غير الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية، ما يعني أن الدستور منح المحافظات كل شروط الفدرالية التي مرَّ ذكرها رغم النص في المادة (122) اعتماد مبدأ اللامركزية الإدارية ، ما يعني أن الدستور وقع في خلط كبير بين مفهومي الفدرالية واللامركزية الإدارية .

- حددت المادة (115) من الدستور سبعة اختصاصات جعلتها مشتركة بين السلطات الاتحادية من جهة والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم وهي :

- إدارة الجمارك
- تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسية وتوزيعها .
- رسم السياسة البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث والمحافظة على نظافتها
- رسم سياسات التنمية والتخطيط العام
- رسم السياسة الصحية العامة .
- رسم السياسة التعليمية والتربوية العامة.
- رسم سياسة الموارد المائية الداخلية وتنظيمها بما يضمن توزيعا عادلا لها .

الأمر الأهم أن المادة (115) السالفة الذكر أعطت الأولوية في الصلاحيات المشتركة عند التعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم أو المحافظة غير المنتظمة في إقليم لقانون الإقليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، ما يعني من الناحية الفعلية إن الصلاحيات المشتركة في النهاية هي من اختصاص الإقليم والمحافظة طالما أن الدستور أعطى الأولوية لقانون الإقليم والمحافظة وليس أمام السلطة الاتحادية إلا التسليم لقانون الإقليم والمحافظة في حالة إصرارهما على القوانين التي يشرعنها وهذا يعني إن هذا الاختصاص يشكل أقصى ما ذهب إليه نظام الفدرالية المطبقة في العالم ، ما يؤكد مرة أخرى إن الدستور وقع في خلط كبير في بين مفهومي الفدرالية واللامركزية الإدارية الذي تبناه في الفقرة ثانيا من المادة (122) .

خلاصة القول إن الدستور قد خلط إلى حد بعيد بين مفهومي االفدرالية واللامركزية الإدارية ،ومرد ذلك أن واضعي الدستور لم يكونوا على دراية كافية في الأنظمة السياسية والإدارية المتبعة في العالم ، ومما زاد الأمر تعقيدا إن قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008 جاء قاصرا ومتعارضا مع أحكام الدستور وأهمل الكثير من أساسيات العمل الإداري.

سادسا دستور كردستان العراق
باختصار يعتبر دستور كردستان العراق، وثيقة استقلالية تبدأ بمقدمة مشحونة بالصيغ العاطفية "للمظلومية التاريخية" لـ "وطننا" الكردي، "من أجل حريتنا وصون كرامتنا وحماية (وطننا)، والإقرار بحقنا في تقرير مصيرنا بملء إرادتنا الحرة".
وبمعزل عن الديباجة ، لا بد من الإقرار بأن النصوص التي تضمنها الدستور أكثر ديموقراطية من الدستور العراقي الذي سُنّ في عام 2005، لولا إقحام النقاط الخلافية، واعتبارها أمراً واقعاً لمصلحة الجهة التي أعدّت الدستور، وهو ما يرجّح حصول إشكالات مستقبلية مع العرب والتركمان يخشى أن تتحول إلى حرب أهلية.وثمة ملاحظات عدة يمكن ادراجها وأبرزها:
1- ورد في المادة (2) من الباب الأول من الدستور ما يأتي: "أولاً: كردستان العراق كيان جغرافي تاريخي، يتكوّن من محافظة دهوك بحدودها الإدارية الحالية، ومحافظات كركوك والسليمانية وأربيل، وأقضية عقرة والشيخان وسنجار وتلكيف وقرقوش، ونواحي زمار وبعشيقة واسكي كلك من محافظة نينوى، وقضاءي خانقين ومندلي من محافظة ديالى، وذلك بحدودها الإدارية قبل عام 1968".
2- تُحدّد الحدود السياسية لإقليم كردستان ـ العراق باعتماد تنفيذ المادة (140) من الدستور الاتحادي.
3- لا يجوز تأسيس إقليم جديد داخل حدود إقليم كردستان.
تحمل هذه المادة في طياتها قراءة خاطئة للتاريخ والجغرافيا والواقع، إذ لم يرد في أي مصدر، في مختلف الحقبات التاريخية، كيان اسمه «كردستان العراق»، فضلاً عن وضع حدود متصوّرة له تتضمن اقتطاع أراض واسعة من محافظات لا علاقة لها بـ «منطقة الحكم الذاتي»، التي أوجدها النظام السابق وأُطلق عليها بعد الاحتلال اسم «إقليم كردستان».
كما تحمل هذه المادة تناقضات كبيرة، إذ لا تجيز تأسيس إقليم جديد داخل إقليم كردستان، ما يسلب الأقليات القومية الأخرى الحقوق التي يريدها القادة الأكراد لأنفسهم. وتنص الفقرة نفسها على تحديد الحدود «السياسية» للإقليم، باعتماد تنفيذ المادة (140) من الدستور الاتحادي، وهي مادة خلافية، تدخل ضمن المادة (142)، التي تنص على تعديل الدستور، ما يعني أن هذه المادة في الدستور الكردستاني لا تتفق مع ما ورد في نظيره الاتحادي بصيغته الحالية، الذي كان القادة الأكراد طرفاً أساسياً في إعداده وتمريره.
ولم يفت معدّو صيغة الدستور دغدغة مشاعر الأطراف الدينية المشاركة في «العملية السياسية»، لغرض كسب نوع من التأييد، من خلال المادة (6) في الباب نفسه، التي تنصّ على أنه «لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، الأمر الذي يناقض النصوص المدنية في مشروع الدستور، إضافة إلى المواد المتعلقة بالاستثمار والسياسات المصرفية.
كما يعاكس مشروع الوثيقة الكردية ما نصّ عليه الدستور العراقي بشأن مرجعية القوات المسلحة، إذ رأى أن رئيس الإقليم هو القائد العام للقوات المسلحة «البشمركة» في كردستان، من دون الإشارة إلى الجهة التي ترتبط بها هذه القوات، وهي وزارة الدفاع العراقية. حتى إنّ المشروع نصّ على عكس ذلك المبدأ، فاشترط «السماح بدخول قوات مسلحة اتحادية إلى أراضي كردستان ـ العراق، عند الضرورة فقط، بعد «استحصال موافقة برلمان كردستان ـ العراق مع تحديد مهماتها ومكان بقائها في الإقليم ومدّته».
ثمة موادّ دستورية تعطي استقلالية تامة لتلك القوات الكردية، وتمنع الجيش العراقي حتى من الدفاع عن الحدود التي تبقى رهن رغبة رئاسة الإقليم وبرلمانه، كأنما الأمر يتعلّق بطلب مساعدة من دولة أخرى. أضافة إلى ذلك ما منحه مشروع الدستور الإقليمي لرئيس الإقليم لجهة حق التصرف بقوات «البشمركة»، ومنحها الرتب والترقيات أو الفصل والإحالة على التقاعد، بمعزل عن آليات القوات المسلحة العراقية.
ويمنح مشروع الدستور نفسه استقلالية كبيرة في الموارد المالية، وفي حصة الإقليم من الموازنة العامة. وتنص إحدى بنوده على أنّ «الموارد والمصادر العامة للثروات الطبيعية والمياه الجوفية والمعادن غير المستخرجة، والمياه السطحية والمقالع والمناجم، ثروة عامة، وينظَّم استخراجها واستغلالها وإدارتها وشروط التصرّف بها بقانون (إقليمي) يحافظ عليها لمصلحة الأجيال الحالية والمستقبلية».
كذلك يلفت إلى أنّ «إدارة كل ما تتطلبه حقول النفط والغاز الخام غير المستخرج، أو المستخرج غير المنتج، من عمليات الاستكشاف والإنتاج والإدارة والتطوير والبيع والتسويق تجارياً قبل 15/8/2005، والتصدير وكل العمليات الأخرى»، تجري «وفق قوانين الإقليم».

من الواضح ان اقليم كردستان العراق قد اتخذ منحى انفصاليا، بعدما تمت صياغة بيئته الدستورية والقانونية بشكل يتيح له تنظيم كافة اوضاعه الاساسية بمعزل عن السلطة المركزية.فنفط كردستان له عقوده الخاصة،كما قواته العسكرية وعلاقتها بالجيش العراقي الذي لا يأتمر بأوامره، علاوة على سياسته الخارجية شبه المستقلة.باختصار دولة مستقلة بلبوس نظام حكم خاص، فهل المطلوب تعميم هذه التجربة على باقي مكونات الشعب العراقي كمقدمة لتعميمها ونشرها على باقي دول المنطقة التي تحفل بالبيئات المناسبة لاطلاق مثل تلك التجارب.
لقد غزت الولايات المتحدة العراق واحتلته تحت عناوين وشعارات متعددة،لكن الهدف واحد هو نهب ثرواته ومقدراته،ولكي يتم لها ذلك باقل كلفة ممكنة رفعت شعارات الديموقراطية وحقوق الانسان وحماية الاقليات في المنطقة،وغلفت جميع هذه الشعارات بمشروع شرق اوسط جديد - قديم هدفه تقسيم المقسم وتجزأة المجزأ.
الامر لا يقتصر بالضرورة على العراق وحده، فمجتمعاتنا ودولنا العربية والاسلامية تحفل بالتناقضات القابلة للاستغلال السهل،ومنها الوضع اللبناني على سبيل المثال لا الحصر، فثمة جماعات طائقية ومذهبية تبحث باصرار وبدعم خارجي عن نظام مماثل للذي وصل اليه كردستان العراق، واليوم يمر لبنان بأسوأ الظروف التي لم يشهدها منذ تأسيسه في العام 1920،وما يمر به الوضع الداخلي محاولة لبلورة بيئة انفصالية تنهي ما تبقى من اسس الكيان التي ضاعت معالمه منذ عقود مضت. قبل عقود وبالتحديد ابان الحرب الأهلية سطع نجم بعض المصطلحات السياسية ومنها اللبننة عند الاشارة الى بلد ما مرشح للاقتتال الداخلي والانقسام،اليوم يسطع نجم مصطلح العرقنة،وأبرز المرشحين له لبنان. فهل ان المداخل الدستورية والقانونية قد فعلت فعلها في العراق وستنتقل الى غير مكان عربي،ربما اسئلة تنتظر اجوبة في القريب من الايام.

الفخ الإسرائيلي للانسحاب من الغجر اللبنانية

الفخ الإسرائيلي للانسحاب من الغجر اللبنانية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
تشكل قضية بلدة الغجر اللبنانية المحتلة حجر الرحى في المعركة التي تحاول خوضها إسرائيل في هذه المرحلة تحت ستار الانسحاب من جانب واحد.لكن الأبعاد والخلفيات التي تتلطى وراءها لا تعدو فخاً من العيار الثقيل،سيما وان إسرائيل عوّدت اللبنانيين على مثل تلك الخطوات،والتي لا تكاد تمحى من الذاكرة الجماعية للبنانيين.فما هي قضية الغجر وكيف تحاول إسرائيل استغلالها؟وما يمكن ان تؤدي هذه الخطوة من نتائج سلبية؟
بالعودة إلى العام 1967 عندما احتلت إسرائيل هضبة الجولان السورية ،أقدمت على ضم هذه القرية التي تقع ضمن المثلث اللبناني السوري الإسرائيلي.وخضعت في حينها لقوات "الاندوف".لكن المشكلة ما لبثت ان برزت إبان الانسحاب الإسرائيلي غير المشروط من غالبية الأراضي اللبنانية المحتلة في العام 2000 ،إذ عمدت قوات الطوارئ في لبنان "اليونيفل" إلى تقسيم هذه القرية وفقا للخط الأزرق الذي وضع ثلث أراضيها الشمالية في الجانب اللبناني وثلثيها الآخرين ضمن المنطقة السورية المحتلة،في الشمال قوات "اليونيفل" وفي الجنوب "الاندوف"،وبين الاثنتين وقع أهاليها الألفي نسمة تحت رحمة مزدوجة إسرائيلية وأممية،تخفي ورائها قضايا إنسانية وسياسية لا تقل خطورة عن قضية الاحتلال بحد ذاتها. وفي مطلق الأحوال أطلقت إسرائيل العنان لهذا الفخ في ظروف لبنانية حساسة تعطيها المزيد من إمكانات الاستثمار السياسي والأمني في الواقع اللبناني الصعب.
فالخطوة الإسرائيلية التي لا تعتبر جديدة بل عمرها سنوات وبالتحديد إلى العام 2006 ربطا بالقرار 1701، يأتي حاليا في سياق جو دولي ضاغط على لبنان، على قاعدة القرار الظني بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن هنا تبدو عملية الضم والفرز في الاستثمار الإسرائيلي لهذا العرض المفخخ. فمن جهة تظهّر إسرائيل صورة دبلوماسية لامعة في المجتمع الدولي مفادها الركض وراء السلام بانسحابها من أراضٍ لبنانية محتلة،وفي نقس الوقت تحرج لبنان ومقاومته في حال رفض العرض؛ ما يعني بنظر المجتمع الدولي ان المقاومة ولبنان لا يستجيبان للدعوات الإسرائيلية إذ يصبح الغطاء الشرعي للمقاومة أكثر هشاشة في الواقع الداخلي اللبناني والخارجي،والذي يترافق مع هجمة دولية هائلة من باب المحكمة الخاصة بلبنان وقرارها الظني.
في موازاة ذلك يأتي القرار الإسرائيلي مترافقا مع تسريبات سياسية وأمنية واستخبارية مفادها عدم أحقية لبنان بأي مطالبات أخرى،ومن بينها المطالبة بالانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلتين من قبل إسرائيل. ما يعني ان هذا الانسحاب سيكون بمثابة ختام الانسحابات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلة،وبالتالي محاولة إغلاق الملفات الأخرى من أراض ومياه وخروقات يومية موصوفة.
علاوة على ذلك،ان المقترح الإسرائيلي سيشكل مناسبة قوية لفئة من اللبنانيين مفادها،ان الوسائل الدبلوماسية هي الطريق الأقصر لإجبار إسرائيل على انسحابها من الأراضي اللبنانية،وبالتالي رسالة واضحة للمقاومة الإسلامية في لبنان لوجوب الرضوخ لتسليم سلاحها وهو الهدف الأول والأخير للقرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان كما هدف إسرائيل الذي لا يقدر بثمن.
ومن المفارقات الغربية لقرار الحكومة الإسرائيلية المصغرة، إطلاق المشروع دون تنسيق، لا مع الأمم المتحدة ولا بالواسطة مع لبنانين،وبالتالي بقاء التحرك ضبابيا غير معروف التوقيت أو التداعيات المباشرة وغير المباشرة على سكان البلدة الذين يحملون الهوية الإسرائيلية وهم سوريو التابعية في الأساس ويعيش قسم منهم على الأراضي اللبنانية المحتلة أيضا.
ان الفخ الذي نصبته إسرائيل، ذات دلالات وخلفيات وتداعيات سياسية وأمنية وإنسانية متعددة. محاولة لتلميع صورتها الدولية بعد إفشالها المفاوضات مع السلطة الفلسطينية،كما محاولة لرمي الكرة في الملعب اللبناني.إضافة إلى التخلص من منطقة هي بمثابة الشماعة الإسرائيلية غير الرابحة واقعيا بمواجهة المقاومة لاحقا.علاوة على الواقع الإنساني السيء الذي ستحدثه جراء تقسيم البلدة بعائلاتها وواقعها الاجتماعي والمعيشي.
ربما يكون موقفا محرجا للبنان، فهو غير قادر على رفضه باعتبار إجراءً إسرائيليا من جانب واحد أولا،ولا يحسم قضية الملفات الأخرى ثانيا،لكنه في المقابل إجراء يسترجع لبنان أرضا محتلة بصرف النظر عن مساحتها ووضعها القانوني.ربما يعوز لبنان في هذه المرحلة تحركا دوليا قويا للالتفاف على الأهداف الإسرائيلية،عبر جعل هذا الإجراء ضمن عملية متكاملة وغير منفصلة عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا،وهذا ما تتحسب له إسرائيل وتحاول إفشاله ضمن منظومة من التسريبات والمواقف ذات الصلة بحجم الانسحاب ومساحته وتداعياته.
ان سجل إسرائيل الحافل بالاعتداءات على لبنان واحتلال أراضيه، يفيد أيضا ان إسرائيل لم تنسحب يوما من أي ارض محتلة بإرادتها،بل كانت إما مجبرة بفعل المقاومة وإما بفعل عمليات لا تعدو إعادة تموضع عسكري أو امني يكون محاولة حل لمشاكلها ومآزقها في لبنان. وفي كلا الحالتين ثمة ضرورة للتيقّظ وعدم الوقوع في فخ حاولت إيقاع لبنان به منذ سنوات،أما خطورة الأمر حاليا ما يتم ربطه بملفات داخلية متنوعة وأبرزها ما يحاك من قرار ظني ضد حزب الله، الذي يعتبر نفسه "أم الصبي"في قضية الغجر وغيرها من الأراضي المحتلة.

19‏/11‏/2010

تحديات اوباما الخارجية بعد الصفعة الجمهورية

تحديات اوباما الخارجية بعد الصفعة الجمهورية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الخليج الاماراتية بتاريخ 16/11/2010
رغم العديد من الملاحظات التي يمكن ان تساق لسياسة الرئيس باراك اوباما الخارجية لجهة عدم تمكنها من الإفلات من عقال سياسة سلفه،فان ما ينتظره في النصف الثاني من ولايته تشكل تحديا قويا،ليس لمجمل السياسات المتبعة وإنما أيضا على مستقبل الولاية الثانية التي يتطلع إليها.وعلى الرغم من الظهور بمظهر القوي في قمة العشرين الأخيرة وكذلك في اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك"،فان جملة تحديات تنتظره والتي من الصعب التفلت منها أو تهميشها بالنظر إلى موقعها في الأجندة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة المقبلة.
بداية من الشرق الأوسط ، وبالتحديد لبنان، حيث استعادت الإدارة الأمريكية لهجتها العالية عبر موفدها جيفري فيلتمان،الذي زار بيروت بهدف إعادة شد عصب فريق من اللبنانيين على قاعدة المحكمة الخاصة بلبنان،بعدما تراخت قوتها وحراكها خلال الفترة الماضية،والذي اعتبر هذا الحراك الأمريكي بمثابة الإشارة الأولى بعد فوز الجمهوريين في انتخابات الكونغرس كسلفة سياسية أولى لعودة التشدد للسياسة الخارجية، والسؤال المطروح في هذا الاتجاه هل سيكون لبنان ساحة شد وجذب جديدة باتجاه سوريا وإيران؟وما هي قدرة الديموقراطيين على السير بسياسات مغايرة للتي أتت بهم إلى البيت الأبيض بعد خسارتهم في انتخابات الكونغرس؟
جانب آخر من التحديات المنتظرة وهي العلاقات الأمريكية السورية بعدما ارتفعت وتيرة التصعيد الأمريكي باتجاه دمشق،تارة على موقفها من دعم المقاومة اللبنانية،وتارة أخرى على قاعدة الحديث مجددا عن الطموحات السورية النووية من باب التفتيش عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية،بعدما أزيح ملف التهم الموجهة إليها باغتيال الرئيس رفيق الحريري،وأيضا بعد الفشل الأمريكي الفرنسي في مشروع إبعاد سوريا عن إيران.سياق سياسي من الصعب على الإدارة الأمريكية الحالية تخطيه دون متاعب واضحة بدأت بالظهور من جانب الجمهوريين، تجلت بالمطالبة بتسمية روبرت فورد سفيراً في سوريا.في وقت تتعالى شيئا فشيئا النبرة الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق على ملفات عديدة أخرى كالعراق مثلا.
في المقلب الآخر،وبالتحديد في أفغانستان ،حيث التقى الديموقراطيون والجمهوريون في العام 2009 على إرسال أربعين ألف جندي،لكنهم اختلفوا على توقيت الانسحاب المقرر في تموز 2011،فهل سيتمكن بارك اوباما من تنفيذ وعده أم سيتمكن الجمهوريون من إبقاء الولايات المتحدة في رمال كابول المتحركة،بعد إعادة انتشارهم في العراق؟
ملف آخر لا يقل حساسية وهو من النوع الذي لا يملك الطرفان الأمريكيان وحدهما قدرة في توجيهه بمعزل عن الرغبات الإسرائيلية، وهو الملف النووي الإيراني،الذي شهد مرونة ملحوظة في السنتين الماضيتين قياسا على عهد الرئيس جورج بوش،فما هو مصير المحادثات المنتظرة بين إيران ومجموعة الست بداية الشهر المقبل؟هل سيتمكن باراك اوباما من متابعة نهجه في التعامل مع طهران في نفس المنهج والسياق ؟أم للجمهوريين كلام آخر؟ الواضح ان اوباما لن يكون مرتاحا في إدارة هذا الملف مستقبلا دون تعديلات واضحة ترضي الجمهوريين ومن يقف وراءهم.
في العام 2008 وعد الرئيس باراك اوباما خلال حملته الانتخابية مضاعفة المعونات المالية والاقتصادية للدول الحليفة،كما تعهدت لاحقا وزيرة الخارجية هيلاري كيلينتون بذلك على ان لا تكون الدبلوماسية وحدها طريقا لجذب المزيد من التأييد لواشنطن واعتمدت المعونات والتنمية إلى الجانبين الأمني والعسكري.فهل سيستطيع اوباما تنفيذ تعهداته في ظل سيطرة جمهورية في الكونغرس تتواءم مع سياسات تتطلع إلى تخفيض الأعباء عن دافع الضرائب الأمريكي.وينسحب الأمر نفسه على الميزانية العسكريّة إذ عرفت مرحلة ما قبل الانتخابات جدلاً محتدماً حول ما إذا كان على الولايات المتّحدة تخفيض ميزانيتها العسكريّة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردّية.
جانب آخر ينتظر المزيد من الخلافات حوله،وهو الاتفاقات النووية المدنية. إذ من الواضح استخلاص الموقف السلبي للجمهوريين في ما يخص هذه الاتفاقات الجديدة التي تبرمها الإدارة الحالية مع عدد من البلدان. ومع انتهاء الاتفاقية التي أبرمتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش مع الإمارات العربية المتّحدة، وضعت إدارة أوباما تخصيب اليورانيوم وتدوير البلوتونيوم في دائرة المحظورات التي تنصّ عليها الاتفاقية، كما جعلت من هذا الحظر "القاعدة الذهبيّة" للاتفاقات المستقبلية. وبرغم نجاحه في إقناع الإمارات بذلك، يُستبعد أن توافق كل من فيتنام والأردن على ذلك. حيث يرى الجمهوريون بذلك تصاعدا خطرا لانتشار الأسلحة غير التقليدية.وفي جانبٍ موازٍ، يطالب الجمهوريون علناً بتأجيل التصويت على معاهدة تخفيض الأسلحة النوويّة مع روسيا "ستارت 2". وبرغم عدم تبدّل موازين القوى في مجلس الشيوخ، فإنه لن يكون من السهل إيجاد العدد الكافي من الأصوات لإقرار المعاهدة.
وفي مجال التجارة الدولية ،ثمة العديد من الاتفاقات التي أبرمتها الإدارة الحالية مهددة بالإلغاء بعد نتائج انتخابات الكونغرس، حيث تعتبر الجهة المعنية بالتصديق عليها،ومنها مشاريع الاتفاقات مع كوريا الجنوبية وكولومبيا وبناما وغيرها،وبذلك ثمة متاعب قوية ستواجه الرئيس اوباما في هذا المجال.علاوة على ذلك المواجهة المنتظرة بين الجمهوريين والرئيس اوباما على قاعدة البدء بتخفيف العقوبات المفروضة على كوبا من خمسينيات القرن الماضي،حيث يعتبر الجمهوريون ان سجل كوبا لا يزال مقلقا في مجال حقوق الإنسان وعيرها من القضايا ذات الصلة.
ثمة قضايا داخلية لا تقل أهمية عن القضايا الخارجية التي ستواجه الإدارة الأمريكية الحالية،والتي سيكون لها تداعيات ملحوظة في النصف الثاني من ولاية اوباما،فهل سيتمكن من إعادة ترشيح نفسه لولاية ثانية؟أم ان ظروف أميركا الداخلية والأوضاع الدولية تتطلب إدارة أميركية أخرى؟ربما أسئلة من المبكر الإجابة عليها، لكن ما يلوح في الأفق يشير إلى ذلك.

25‏/10‏/2010

هل ستعيد الفرنكوفونية أمجاد فرنسا الضائعة؟

هل ستعيد الفرنكوفونية أمجاد فرنسا الضائعة؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
ثمة العديد من التجارب الإقليمية والدولية ظهرت في العقود الماضية ،والتي هدفت بشكل أو بآخر إلى تعويم ادوار إمبراطوريات سادت ثم بادت.فكانت تجربة الكومنولث البريطاني والكومنولث الروسي، وبينهما الفرنكوفونية، التي جهدت فرنسا منذ إنشائها إلى تظهير الثقافة الفرنسية وحضارتها كإطار جامع للعديد من الدول والشعوب التي كانت يوما تحت احتلالها أو وصايتها أو انتدابها.فهل نجحت فرنسا في هذه المحاولات ؟وما هو الجديد التي أتت به القمة الثالثة عشرة؟.
في إطار عمل المنظمات ذات الطابع الإقليمي أو العالمي، ثمة مصاعب كبيرة لتقريب ذات البيّن،فعشرات المنظمات أطلقت وحلت ولم يذخر تاريخها بأمر يذكره التاريخ،وهذه المقاربات لا تعني بالضرورة تشاؤما مطلقا بقدر ما هو توصيف واقعي لعلاقات شهدتها هذه المنظمات ومن بينها منظمة الفرنكوفونية.
أربعون عاما مضت على تأسيسها،حتى بلغ عضويتها 53 دولة إي ما يقارب ربع دول العالم، ورغم هذا العدد الكبير نسبيا،لم يبلغ عدد المتكلمين اللغة الفرنسية أكثر من 220 مليون نسمة،من بينهم 65 مليون فرنسي.وغريب المفارقات في هذا التعداد،ان ثمة تقارير تفيد ان نصف سكان فرنسا يستعملون اللغة الانكليزية بدلا من الفرنسية في يومياتهم المعتادة،فهل هذه الإحصاءات تفيد أحد ى أهداف وغايات المنظمة؟
واقعا ان التعويل على قضايا رومانسية اذا جاز التعبير في العلاقات السياسية الدولية يعتبر ضربا غير قابل للصرف السياسي في مواقع النظام الدولي التي حلمت به فرنسا وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية.وإذ حاولت الاجتهاد في هذا الإطار وفشلت عموما،فكان لها كلام آخر يعوّض عليها بعض الفشل الذي ظهر في مشروع الاتحاد المتوسطي على سبيل المثال لا الحصر.
وبصرف النظر عن حجم النجاحات والفشل،تبقى القمة الأخيرة بمثابة إعادة التذكير بالوجود ولو من باب شعارات سياسية واقتصادية غالبا لم يكن لها نهايات سعيدة.فالحوكمة والأمن في الدول الأفريقية هي محاولات على جدول أعمال تكرر أكثر من مرة ولم يظهر فيه أو بعده نتائج مستمرة وقابلة للحياة،ذلك ليس بفعل عدم الرغبة بقدر ما هو متعلق بعدم القدرة. ففرنسا بمختلف توجهاتها السياسية في مختلف العهود الرئاسية المتعاقبة لم تتمكن من تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من القضايا الدولية ذات الفعل الوازن في الحياة السياسية الدولية، وثمة العديد من ظرفاء العلاقات الدولية ،أطلقوا على الحراك الفرنسي حراكا مشاغبا،الذي لم يقدم أو يؤخر في القضايا ذات الصلة بالموازين الدولية.
لقد أتت القمة في ظروف دولية استثنائية من الصعب القفز فوقها بتوصيات تكررت في الأدبيات السياسية الفرنكوفونية منذ أربعين عاما. وتركت محاولات التنفيذ لآليات ووسائل وطرق غير قابلة للوصول إلى مكان محدد.
فكيف يمكن تحقيق مطلب الدول الأفريقية بتمثيلها في مقعد دائم في مجلس الأمن باعتبارها تضم 27 بالمئة من تعداد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولا تملك سوى ثلاثة مقاعد غير دائمة في المجلس. فهل التعداد هو المقياس أم الفعالية،ام القدرة على التنفيذ طبعا أسئلة كثيرة توجّه إلى فرنسا صاحبة المصلحة الأولى والأخيرة في إبراز دور الفرنكوفونية ومن يدور في فلكها.
جانب آخر في حراك القمة وفعالياتها والمتعلق بالإرهاب ومكافحته مثلا ، كيف يمكن مساعدة هذه الدول وبخاصة الأفريقية في هذا المجال، هل عبر المساعدات التنموية والاقتصادية التي تعتبر البيئة الفعّالة للقضاء على بؤر الإرهاب؟ أم عبر ترك هذه الشعوب تقرر مصيرها فعلا وهو مدخل أساسي في الذاكرة الجماعية لهذه الشعوب؟في كلا الحالتين، ثمة إهمال وفي أحسن الأحوال وعود ووعود لم ينفذ منها شيئا.
عنوان برّاق آخر متعلق بالبيئة وظروف الحد من تداعياتها السلبية وبخاصة في الدول الأفريقية، ألم تكن القارة السمراء مرتعا للتجارب الفرنسية وغيرها من الدول ومكانا ملائما ومناسبا للنفايات الدولية عبر عقود مضت؟ كيف يمكن حل هذه القضايا الشائكة ؟هل بالتوصيات والبيانات أم بالتمويل المناسب الذي يحل آثار المشكلات أولا ومن ثم الإقلاع عن المشاريع ثانيا؟!.
سوف تترأس فرنسا الشهر المقبل الحراك السياسي لمجموعة العشرين ،المجموعة التي لها القول والفصل في المسائل الدولية ومن بينها المالية والاقتصادية، فأين موقع الدول الفرنكوفونية في هذا التجمع؟ هل سيكون كما سبق من اجتماعاتها وتوصياتها مجرد وعود غير قابلة للتطبيق؟. مليارات الدولارات رصدت حبرا على ورق لمساعدة الكثير من التجمعات الإقليمية من بينها الفرنكوفونية ، ينبغي على فرنسا قراءة موقعها الدولي بشكل مختلف أو على الأقل معرفة ماذا تريد وكيف يمكن ان تصل إلى ماذا تريد.
وبالعودة إلى لغة الصالونات والمنتديات الدبلوماسية اللغة الفرنسية، هل مصادفة ان نصف الفرنسيين باتوا غير مهتمين بلغتهم ؟ ولماذا هذا التراجع الهائل بين تعداد متكلميها؟ اللغة الفرنسية تمتلك من الرشاقة والسلاسة التي تغري كل مثقف وباحث ورجل فكر وسياسة، لكن المشكلة لا تكمن في طبيعة اللغة نفسها بقدر ما تكمن في قوة الدولة التي تمثلها. ربما تكون النصيحة السياسية باتت قدرا من الماضي بالنسبة للفرنسيين ومنظمتهم التي باتت لا تسمن ولا تغني عن جوع بالنسبة لدولها وأيضا لمن يتابع شؤونها وهمومها.
أربعون عاما في بيئة العلاقات الدولية كافية للحكم على مسار معين، فهل ستحال الفرنكوفونية على التقاعد قريبا؟ أم ان قدرها ان تبقى كذلك؟ ثمة محاولات فرنسية رديفة تعمل عليها ومن بينها الاتحاد من اجل المتوسط،السؤال الأهم الذي يطرح نفسه،هل سيلقى الاتحاد مصير الفرنكوفونية لاحقا؟ أم ان لفرنسا قراءة أخرى في ذلك؟ القراءة المختلفة شرط ضروري ولازم للتغيير، لكن العزم والقدرة على التنفيذ تظلان من بين أبواب النجاح الذي لا يُفتح دائما للدول المترددة!

24‏/10‏/2010

القمة السعودية السورية ووأد الفتنة في لبنان

القمة السعودية السورية ووأد الفتنة في لبنان
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.khalilhussein.blogspot.com

رغم قِصر ما استغرقته القمة تبقى موضوعاتها وتوقيتها وما دار فيها من أهم القمم المعقودة بين البلدين، إذ تأتي في أعقاب قمة لبنانية إيرانية قيل فيها الكثير،علاوة على ظروف المنطقة الدقيقة،وما ينتظر من تداعيات الملفات الكثيرة التي تعج فيها وحولها. استثنائية القمة تأتي في سياق ترتيب ملفين عربيين حساسين لبنان والعراق.ففي الملف اللبناني ثمة العديد من القضايا وأبرزها ملف المحكمة الدولية والقرار الظني المزمع إصداره وما يمكن أن يشكل من تداعيات سلبية وفي طليعتها إشعال فتنة سنية شيعية لن يكون لبنان وحده أتون لها.فما الذي حصل قبلها؟ وما هي الآليات الممكنة لتنفيذ ما هو مبتغى منها؟
بداية تهيأت في الواقع البيئة السياسية الإقليمية لانعقاد القمة في الأسلوب الذي اتبعه الرئيس الإيراني احمدي نجاد في زيارته للبنان. فقبل بدء زيارته أجرى اتصالين مهمين،الأول بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله،والثاني بعاهل الأردن الملك عبدالله،وفي ذلك دلالات رمزية بالغة الأهمية. الأولى مفادها أن سقف زيارته للبنان لن يتعدى التفاهم السعودي السوري على مجمل ملفات لبنان وبخاصة ما تم الاتفاق عليه سابقا في القمة الثلاثية التي جمعت الملك عبدالله والرئيسين السوري واللبناني بشار الأسد وميشيل سليمان في بيروت.والاتصال الثاني والذي يعتبر رسالة إيرانية واضحة إلى كل من مصر والأردن بأن زيارة لبنان لا تهدف إلى دعم فئة لبنانية على أخرى،أو إشعال عواطف ومشاعر تغذي احتقانا لبنانيا مشتعلا منذ فترة،بل الهدف منها كان محاولة الانضمام إلى مسار توفيقي يمكن لإيران أن تلعب دورا مهما فيه،ذلك برز بشكل واضح في مجمل مواقف الرئيس الإيراني في لبنان والتي كانت بمجملها جامعة.
ومن الثابت أن المملكة العربية السعودية قد قامت بجهد كبير في الفترات الماضية لمحاولة احتواء أي تداعيات للقرار الظني المنتظر عبر محاولتها فعل شيء ما لدى الدول المعنية أو على الأقل المؤثرة بالموضوع ومنها الولايات المتحدة وفرنسا،ويبدو أنها لم توفق بذلك،وعلى الرغم من ذلك تتابع المملكة بشخص ملكها متابعة الملف مع الرئيس السوري لإيجاد مخرج يبعد شبح الفتنة عن لبنان.
وفي الواقع أيضا، وبصرف النظر عن قدرة ذاك الطرف أو ذاك على التأثير في مسار المحكمة وقرارها الظني ،ثمة قناعة سعودية سورية أن مسار المحكمة الحالي لن يساعد لبنان على تخطي متاعبه القاتلة،ومن هنا تأتي القمة في هذه الظروف بالذات لتتوج بدء المسار في إيجاد حل ممكن قوامه العمل على التأثير في آليات عمل المحكمة بدلا من اللجوء إلى الدول المؤثرة فيها.
في السابق طرح بعض القانونيين والسياسيين اللبنانيين التأثير في عمل المحكمة عبر الضغط باتجاه تمويلها،وفي الواقع يعتبر هذا الإجراء خاطئا،باعتبار أن التمويل يمكن ن يتأمن بصرف النظر عن مشاركة لبنان به أم لا،علاوة على تداعيات ذلك على علاقة لبنان بمجلس الأمن.لذا يبدو أن ثمة سيناريوهات يتم الإعداد لها بعد بحثها في لقاء القمة السعودي السوري.
أولا،ينبغي إيجاد البيئة القانونية المناسبة للمضي في قضية شهود الزور أمام القضاء اللبناني،بصرف النظر عن الجهة تحديدا أكان المجلس العدلي أو المحاكم الجنائية العادية،ويترافق ذلك مع نقل هذا الملف من أمام القضاء السوري إلى عهدة القضاء اللبناني.إن ذلك الإجراء يعني تهيئة البيئة القانونية المناسبة للطلب إلى المحكمة الخاصة بلبنان تأجيل النظر في القضية الأساسية ريثما يتم النظر بالقضية الفرعية الناشئة عنها،وهو مسار قانوني شرعي متعارف عليه في مجمل الأنظمة الفقهية والقانونية المختلفة في العالم. أما المسار الآخر الذي يمكن ولوجه حاليا، وهو متوفر أيضا، ويرتبط باتخاذ قرار سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة. وثمة قرينة قانونية يمكن الارتكاز عليها،مفادها أن احد المدعين العامين للمحكمة وهو قاض لبناني يعتبر محل خصومة مع احد الضباط الأربعة المفرج عنهم،علاوة على تنحي القاضي كاسيزي طواعية عن المحكمة للسبب عينه.
إذن،ثمة بيئة قانونية مؤاتية للولوج في هذه الخيارات المتاحة،فهل سيتمكن الطرفان السعودي والسوري الدفع باتجاه تلك الخيارات الحلول،في الواقع إن قدرة الطرفين على التأثير في السلوك السياسي للأطراف اللبنانيين كبيرة ومؤثرة،سيما وان الوضعين اللبناني والإقليمي بات من الخطورة بمكان أن يشعل فتيل فتن في المنطقة ليس لأحد قدرة على استيعاب تداعياتها ونتائجها.
لقد بات التفاهم السعودي السوري ركنا ضامنا للاستقرار في لبنان،وركيزة أساسية من ركائز المظلة السياسية المطلوبة للواقع اللبناني الدقيق.علاوة على ذلك أن كثيرا من المعطيات الإقليمية تدعم هذه الاتجاهات ومن بينها الموقف الإيراني الذي تجلى بزيارة أحمدي نجاد إلى إلى لبنان علاوة على مواقف إيران الايجابية من موضوع المفاوضات مع الخمسة زائد واحدا الشهر القادم حول البرنامج النووي، مرورا بتفاهم الكونسورتيوم الإقليمي ( إيران تركيا السعودية مصر الأردن) المتفهم للواقع اللبناني الدقيق،وصولا إلى إحساس اللبنانيين بأن خطرا كبيرا محدقا بهم وعليهم مساعدة أنفسهم قبل غيرهم. كل ذلك يشكل بيئة ضامنة لإنجاح ما دار في القمة الثنائية،ويبقى تفاصيل المضي بها معقودة على اللبنانيين أنفسهم.هذا اذا ما استبعدنا ما يمكن أن ينتج عن زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي جيفري فيلتمن المتزامن مع القمة إلى كل من الرياض وبيروت.
ثمة قول مأثور طالما أطلقه العرب والمسلمين،الفتنة أشد من القتل، لقد قُتل في حروب داحس والغبراء اللبنانية مئات الآلاف، فهل يعي اللبنانيون أن ما ينتظرهم هو أشد مما أصابهم؟ إن وأد الفتنة بات مطلبا لبنانيا محقا،وعلى إخوانه العرب أن يساعدوه على تجاوز أزمته.

12‏/10‏/2010

تقرير وزير العدل اللبناني حول شهود الزور في اغتيال الرئيس الحريري

تقرير وزير العدل اللبناني حول شهود الزور في اغتيال الرئيس الحريري






لن يمر التقرير المنتظر لوزير العدل ابراهيم نجار حول شهود الزور مرور الكرام، ذلك أن قضية بهذا الحجم السياسي، لن تكون مقاربتها القضائية ـ السياسية، من قبل وزير من لون سياسي معين، محور إجماع وزاري، وهو الأمر الذي بدأت تظهره ردود الفعل الأولية على التقرير.
وفيما لاقى التقرير بعض استحسان فريقي الأكثرية والمعارضة، فإن بعض الشخصيات القانونية المعروفة بتاريخها الناصع، قاربت الموضوع بلغة نقدية، منطلقة من حيث الشكل أولاً، لجهة تكليف ابراهيم نجار، نفسه بإعداد التقرير المذكور، وهو أمر كان يجب أن يخضع للتدقيق، ليس إنقاصاً من كفاءة الرجل المشهود له بعلمه وثقافته وخبرته، قبل الوزارة وبعدها، بل لأنه هو نفسه يدين بتوليه هذا المنصب السياسي (الوزير منصب سياسي بامتياز بعد الطائف) لحزب «القوات اللبنانية» وهو يجاهر صراحة بهذا الأمر، وإلا «لما كان لي نصيب الوزارة».
ومن الشكل، وهو مهم، الى المضمون، حيث اختار ابراهيم نجار، طريقاً لمقاربة الموضوع، جعله يداري في السياسة «فريقه» من دون أن يقطع مع الفريق الثاني، بعدما تبين له أن المعارضة تعول كثيراً على أن يكون امتحان شهود الزور، اختباراً حقيقياً لقدرته على رسم مسافة عن «القوات» التي اختارته لهذه الوظيفة الحكومية.
وأثناء سلوكه هذا الدرب المتعرج بالحسابات الشخصية والسياسية، الآنية والمستقبلية، كان لا بد أن تكون المحصلة، متضمنة كل شيء وفي الوقت نفسه الـ«لا شيء». نعم «ضربة على الحافر وضربة على المسمار» كما يقول المثل.. وبدا أن الوزير نجار تعمد بعض الصياغات التي يريد من خلالها أن يدلل الى تشعب وتعقد وغير ذلك من العبارات التي تبين صعوية المهمة المسندة اليه، كما لمن يريد أن يقارب الملف لاحقاً، لتأتي لاحقاً عملية تحديث التقرير الذي كان يفترض أن يكون منجزاً منذ نحو شهر ونصف الشهر، فيصبح الواضح في التقرير معقداً والمعقد أكثر تعقيداً.. من خلال اللغة التي لم تتسم بها نصوص وزير العدل نفسه من قبل.
ومن تابع من زملائه في العدلية «التحديث»، تبين له أن الفقرة الخامسة، بعنوان: «في إجراءات طارئة لا بد من ذكرها» والتي تضمنت ملابسات استدعاء اللواء جميل السيد المحكمة الدولية الخاصة ورد المدعي العام القاضي دانيال بيلمار عليه ومن ثم قرار قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، وصولا الى الرأي الذي أعلنته الدائرة القانونية في الأمم المتحدة (قال نجار في تقريره «وردت أنباء صحافية» أن كذا وكذا...) والمذكرات السورية، ليخلص أيضا كما في أكثر من مكان، الى مدى «تشعب» النظر بالشكوى!
وبدل أن يكون غرض التحديث هو التسهيل، بدا أن الملف دونه تعقيدات قد تعيق ملاحقة شهود الزور، علماً أن نجار نفسه يدرك أن جريمة شهادة الزور تتوقف على مضمونها ونتائجها وتداعياتها، وهو أمر يقود الى الاستنتاج الذي توصل اليه بلغة جازمة حول عدم صلاحية المجلس العدلي النظر في القضية، علماً أن خير دليل على اختصاص المجلس العدلي ما قاله رئيس الحكومة لصحيفة «الشرق الأوسط»، حرفياً من أن «هناك أشخاصاً ضللوا التحقيق، وهؤلاء ألحقوا الأذى بسوريا ولبنان، وألحقوا الأذى بنا كعائلة الرئيس الشهيد (رفيق الحريري)، لأننا لا نطلب سوى الحقيقة والعدالة، ولم نطلب أكثر من ذلك. وشهود الزور هؤلاء، خربوا العلاقة بين البلدين وسيسوا الاغتيال. ونحن في لبنان، نتعامل مع الأمر قضائياً».
هذا المقطع الصادر عن مرجع سياسي لبناني كبير، كفيل بالتدليل على ما تسبب به شهود الزور من نتائج خطيرة وإضرار بعلاقات لبنان وبتسييس الجريمة مع ما يمكن أن تشكله من خطر على الوحدة الوطنية واستجلاباً للفتنة الخ... فهل اطلع الوزير نجار على مقابلة رئيس الحكومة أم أنه اكتفى فقط بالاطلاع على التقارير الصحافية حول رأي الدائرة القانونية في الأمم المتحدة؟
ولعل اهم ما حسمه نجار في تقريره هو قطع الطريق على الإحالة الى المجلس العدلي، ذلك أنه هو صاحب الصلاحية في الأمر، فالإحالة تتم من مجلس الوزراء بناء على طلب وزير العدل، لكن عندما يصدر الوزير المعني هذا الموقف، ما هي الرسالة التي يريد أن يوصلها الى مجلس الوزراء ولماذا قرر بخلاصته قطع الطريق؟
يذكر أن نجار خلص في تقريره المرفوع الى جلسة مجلس الوزراء غداً، الى «ان اختصاص القضاء اللبناني قائم لقبول الادعاء» في هذا الموضوع، وأنه «يعود للقضاء اللبناني باستقلال كامل عن السلطة التنفيذية تقرير ما اذا كان يتوجب السير بالدعوى او استئخارها ريثما يصدر القرار الظني (عن بيلمار)».
وينطلق نجار في تقريره من اعتبار أن المهمة التي كلفه بها مجلس الوزراء هي مهمة قانونية، لا سياسية، وأنه التزم دوره «كوزير للعدل في إطار المهمة المكلّف بها وعلى استقلال القضاء الذي له الكلمة الفصل في نهاية الأمر»، مع الأخذ في الاعتبار المبادئ الآتية:
أ ـ مبدأ فصل السلطات، لا سيما الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
ب ـ مبدأ استقلال القضاء المنصوص عليه في الدستور وقانون أصول المحاكمات المدنية.
ج ـ احترام الاتفاقات الدولية، لا سيما الاتفاق المعقود بين لبنان والأمم المتحدة حول تشكيل محكمة خاصة بلبنان.
د ـ مبدأ سرية التحقيق استناداً الى المادة 53 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وتضمن تقرير نجار التبويب الآتي:
اولاً، في الوضع الإجرائي والقضائي.
ثانياً، في تحديد شهود الزور والنظام الذي يسري على ملاحقتهم.
ثالثاً، في الصلاحية الإقليمية وفقاً لأحكام المادة 15 وما يليها من قانون العقوبات اللبناني.
رابعاً، في أن قرار السير بالشكوى يعود لسلطان القضاء المختص.
خامساً، في إجراءات طارئة لا بدّ من ذكرها.
سادساً، في صلاحية المجلس العدلي.
وفي ما يلي نص التقرير:


أولاً: في الوضع الاجرائي والقضائي
ألف: في الوضع الاجرائي والقضائي في لبنان
من أجل توفير المعلومات الرسمية عما تمّ اتخاذه من اجراءات قضائية في لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وبالتحديد منذ 1/ 9/ 2005، نرفق ربطاً لائحة بالملاحقات التي حصلت وببعض الملاحظات عليها، كما وردتنا من الجهات القضائية المختصّة (المستند رقم 3)، وهذه خلاصتها:
1- الاجراءات حتى تاريخه
1- في تاريخ 22/ 2/ 2005، تقدّم المدعي العام بادعاء أساسي ضد مجهول بموجب المواد 270، 271، 314، 549، 549/201 من القانون الجزائي اللبناني والمواد 2، 4، 5 و6 من القانون الصادر في 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من القانون حول الأسلحة والذخائر.
2- في تاريخ 7/ 4/ 2005، تمّ الادعاء بحق:
- حسام علي محسن
سنداً الى المواد 270، 271، 314، 549/201 من القانون الجزائي اللبناني والمواد 2، 4، 5 و6 من القانون الصادر في 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من القانون حول الأسلحة والذخائر.
3- بتاريخ 7/ 4/ 2005، تمّ الادعاء بحق:
- اسامه كنفاني
سنداً الى المواد 270، 271، 314، 549، 549/201 من القانون الجزائي اللبناني والمواد 2، 4، 5 و6 من القانون الصادر في 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من القانون حول الأسلحة والذخائر.
4- في تاريخ 1/ 9/ 2005 وبناءً لتوصية من لجنة التحقيق الدولية تمّ الإدعاء بحق كل من: اللواء الركن جميل محمد السيّد، اللواء علي صلاح الدين الحاج، العميد ريمون فؤاد عازار، العميد مصطفى فهمي حمدان. سنداً الى المواد 270 و271 و314 و549 و549/201 من قانون العقوبات، والمواد 2 و4 و5 و6 من القانون الصادر بتاريخ 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من قانون الاسلحة والذخائر.
وقد تمّ الإفراج عن الضباط الأربعة من المحكمة الخاصة بلبنان بموجب قرار صادر في 29/ 4/ 2009.
5- وفي تاريخ 19/ 9/ 2005 تمّ الادعاء بحق كل من: مصطفى طلال مستو، أيمن نور الدين طربيه، ماجد حسن الاخرس، رائد محمد فخر الدين سنداً الى المواد 398 و471 و471/454 و219 من قانون العقوبات.
6- وفي تاريخ 28/ 9/ 2005 تمّ الادعاء بحق: فادي الياس النمار. سنداً الى المادة 408 من قانون العقوبات.
7- وفي تاريخ 5/ 10/ 2005 تمّ الادعاء بحق: ماجد غسان الخطيب سنداً الى المواد 398 و471 و471/454 من قانون العقوبات.
8- وفي تاريخ 13/ 10/ 2005 وبناءً على ملف التحقيق المسلم الى المدعي العام التمييزي من قبل لجنة التحقيق الدولية تمّ الادعاء بحق: زهير محمد سعيد الصديق بجرائم التحريض والاشتراك مع آخرين في التخطيط والتنفيذ لجريمة اغتيال دولة رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري ورفاقه، سنداً للمواد 270 و271 و314 و549 و549 /201 عقوبات وبالمواد 2 و4 و5 و6 من قانون 11 /1 /1958 والمادتين 72 و76 من قانون الأسلحة والذخائر. وتمّ إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه وأرسلت للتنفيذ دولياً.
9- في تاريخ 26 /10 /2005 تمّ الادعاء بحق كل من: - محمود أمين عبد العال واحمد امين عبد العال
سنداً الى المواد 270 و271 و314 و549 و549 /201 من قانون العقوبات معطوفة على المادة 219 منه والمواد 2 و4 و5 و6 من قانون 11 /1 /1958 معطوفة على المادة 219 عقوبات والمادتين 72 و76 أسلحة وذخائر معطوفتين على المادة 219 عقوبات.
10- وفي تاريخ 12 /1 /2006 تمّ الادعاء بحق: ابرهيم ميشال جرجورة سنداً الى المادة 408/فقرة 2 من قانون العقوبات.
11- في تاريخ 20 /12 /2006 تمّ الادعاء بحق كل من: فراس حاطوم، عبد العظيم خياط، محمد بربر، نسيم المصري، خليل العبدالله. سنداً الى أحكام المادة 639 من القانون الجزائي اللبناني. 2- ملاحظات أولية
1- زهير الصديق
- لم يستجوب من القضاء اللبناني ولا من الضابطة العدلية.
- استجوب كشاهد من لجنة التحقيق الدولية ـ خارج الاراضي اللبنانية بعد مغادرته الاراضي السورية في نيسان 2005 ـ ثم اعترف باشتراكه وتدخّله في الجريمة عبر استجواب لاحق فتمّ الادعاء في حقه.
- صدرت في حقه مذكرة توقيف غيابية نفّذت دولياً في فرنسا ونظّم ملف لاسترداده، لكن السلطات القضائية الفرنسية رفضت تسليمه بسبب تطبيق عقوبة الاعدام في القانون اللبناني.
- بناءً على طلب لجنة التحقيق الدولية وبموافقة المدعي العام التمييزي انتقلت المحامية العامة التمييزية القاضي جوسلين تابت الى فرنسا بصحبة محققين دوليين لاستجواب زهير الصدّيق لكنه رفض المثول امام قاضي التحقيق الفرنسي المكلّف إنفاذ الاستنابة.
- بقي زهير الصديق ملاحقاً بصفة مدعى عليه كشريك ومتدخّل في الجريمة الى حين رفع يد القضاء اللبناني عن الملف إنفاذاً لقرار قاضي الاجراءات لدى المحكمة الدولية، واستردت مذكرة توقيفه، واستردت مذكرات التوقيف الوجاهية في حق الضباط الأربعة كما سبق البيان.
2- هسام هسام
- لم يستجوب من قاضي التحقيق العدلي.
- انتقل الى سوريا وصرّح عبر مؤتمر صحافي بأن ما سبق أن أدلى به امام لجنة التحقيق الدولية غير صحيح.
3- ابرهيم ميشال جرجورة
- أدلى بأقوال امام المحقق العدلي ثم تراجع عنها معترفاً بأنه كاذب، وجرى الادعاء بحقه بجناية الادلاء بشهادة كاذبة، وتمّ توقيفه وجاهياً ثم أخلي سبيله بعد حوالى ثلاث سنوات.
4- أكرم مراد
- كان في تاريخ 14 /2 /2005 موقوفاً بجناية الإتجار بالمخدرات.
- ورد من السجن أن لديه معلومات عن الجريمة.
- صار الاستماع الى اقواله من المحقق العدلي ولم يتخذ بحقه اي تدبير وأحيلت الأوراق على لجنة التحقيق الدولية للتثبت من صحة زعمه المتعلّق بوجوده في مركز المخابرات السورية في عنجر أثناء اجتماع ضمّ ضباطاً لبنانيين وسوريين.
باء: في الوضع الاجرائي والقضائي امام المحكمة الخاصة بلبنان
بعدما بادر موقّعه الى توجيه كتاب الى المدعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان في تاريخ 19-08-2010، تبلّغ اشعار تسلّم هذا الكتاب في 22-08-2010 (المستند رقم 4)، ثم بناءً على مراجعته، تبلّغ رداً مؤرخاً 6-09-2010 من المدعي العام (المستند رقم 5) وقد أبدى المدعي العام أن من يسمّون «شهود الزور» هم بالفعل «شهود ذو صدقية مشكوك فيها à crédibilité douteuse» ما لم يصدر قرار نهائي ومبرم في شأنهم عن المحكمة.
ويضيف المدعي العام أن أحكام المادة 134 من نظام الاجراءات المطبّقة لدى المحكمة تحول دون ملاحقة من قدّموا شهادات أمام السلطات اللبنانية أو لجان التحقيق، لأن نظام الاجراءات لا يطبّق بمفعول رجعي، فيكون المدعي العام قد اعتبر ان صلاحيات المحكمة الخاصة بلبنان لا تطول ما حصل قبل نشوء المحكمة، وذلك وفق نظام اجراءاتها، الا أنه اذا تبيّن أن ثمة شهادات قدّمت أمام المحكمة واتضح أنها هدفت الى تضليلها فعندئذٍ يجوز تطبيق الاجراءات الخاصة بالمحكمة وتصحّ ملاحقة أصحاب العلاقة بسبب إهانة القضاء ( outrage au Tribunal).
ثانياً: في تحديد شهود الزور والنظام الذي يسري على ملاحقتهم
إن النصوص التي ترعى هذا الموضوع عديدة، وأبرزها مدرج في قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني (يراجع المستند رقم 6 حيث أدرجت هذه النصوص).
يعرّف الشاهد الزور بالاستناد الى النصوص الآنفة الذكر، وتحديداً في القضايا الجنائية بشكل عام وبمعزل عن اية حالة خاصة، بأنه كل من يدلي بافادة بصفته شاهداً في اثناء تحقيق جنائي او امام قاضي التحقيق الذي يطبّق الأصول الملحوظة في المادة 89 أصول محاكمات جزائية، او امام محكمة الجنايات، او امام المجلس العدلي اللذين يطبّقان الأصول الملحوظة لكل منهما، فيجزم بالباطل او ينكر الحقيقة او يكتم بعض او كل ما يعرفه من وقائع القضية التي يسأل عنها، فيعاقب بجرم شهادة الزور المنصوص عليها في المادة 408 عقوبات، الفقرات 2 و3 و4.
إن المرجع القضائي المختص للقول إن شاهداً ما يعتبر شاهد زور هو:
1- قاضي التحقيق الذي يحيل المحضر المدوّنة فيه افادة الشاهد الى النيابة العامة المختصة لتلاحقه بجرم شهادة الزور (المادة 89 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
2- القاضي المنفرد الجزائي الذي يضع تقريراً يرفعه الى النائب العام في شأن الشهادة الكاذبة (المادة 188 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
3- رئيس محكمة الجنايات الذي، كلما ظهر تباين او تغيير بين شهادة الشاهد واقواله في التحقيق الأولي او الابتدائي، يباشر اجراءات تطبيق أحكام المادتين 261 و262 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
4- قاضي التحقيق العدلي الذي يطبّق في هذا المجال الأصول المتّبعة أمام قاضي التحقيق وفقاً للمادة 363 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
5- رئيس المجلس العدلي الذي يطبّق اصول المحاكمات لدى محكمة الجنايات وفقاً للمادة 366 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
تجدر الاشارة الى أن عبارة « تحقيق جنائي» المذكورة في مطلع المادة 408 من قانون العقوبات والتي تنص على ما حرفيّته: «اذا أديت شهادة الزور أثناء تحقيق جنائي...» تشمل ايضاً التحقيق الأولي الذي تجريه الضابطة العدلية بإشراف النيابة العامة. وبالتالي اذا تم الادلاء بشهادة الزور في معرض تحقيق أولي يتحقق جرم المادة 408 من قانون العقوبات.
في ضوء ذلك، يمكن إحالة شاهد الزور وفقاً للأصول الى النيابة العامة المختصة لملاحقته بجرم شهادة الزور، وذلك في أي مرحلة من مراحل المحاكمة في الدعوى العامة الجنائية وتحديداً:
1- اثناء التحقيق من قاضي التحقيق، وفقاً للمادة 89 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وقبل صدور القرار الظني.
2- قبل صدور الحكم في الأساس وليس ضرورياً أن يكون هذا الحكم مبرماً.
3- بعد صدور الحكم في الأساس، حيث تطبّق عندها اجراءات الملاحقة العادية.
الا أنه يبقى، بالطبع، أن أمر اعتبار ما إذا كان أحد الشهود شاهد زور يعود الى المرجع القضائي الواضع يده على الدعوى العامة بمادة جرمية هي شهادة الزور بذاتها، وليس الى المرجع الواضع يده على الدعوى المبنية على مادة جرمية أخرى والتي يدلى في معرضها بشهادة يمكن أن تتصف بالزور.
إن العنصر الأساسي في دعوى شهادة الزور المعطاة في اطار دعوى أخرى عالقة يتوقف في غالب الحالات على نتيجة الدعوى الأساسية. أما اذا كان المرجع القضائي واضعاً يده على دعوى شهادة الزور بذاتها، وبشكل منفصل عن الدعوى الاساسية، فهو لا يستطيع أن يتصدّى لها بالتفصيل ويستثبتها، اذ يخشى صدور قرارين متناقضين عن مرجعين قضائيين مختلفين: الأول هو المرجع الذي ينظر بشهادة الزور على حدة، والثاني هو الناظر بشهادة الزور في معرض الدعوى الاساسية.
وخلاصة القول في هذا المجال أنه إذا كان من الممكن نظرياً التسليم بجواز الفصل بدعوى شهادة الزور قبل الدعوى الأساسية، إلا أنه يتعذّر ذلك من الناحيتين العملية والمنطقية، لا سيما متى كانت الدعوى الأساسية ذات ظروف غامضة ومعقّدة، فيقتضي عندها انتظار نتيجتها لإعطاء الوصف القانوني الصحيح للشهادات المدلى بها في معرضها.
تجدر الاشارة الى أنه بعدما رفع القضاء اللبناني يده عن الدعوى الأساسية، أصبح من غير الجائز تحريك دعوى شهادة الزور والسير بها الا وفقاً للاجراءات العادية لتحريك الدعوى العامة (ادعاء النيابة العامة أو الشكوى المباشرة).
وبعد تحريك الدعوى العامة وفق الأصول يقتضي التمييز بين حالتين من شأنهما التأثير حتماً على السير بها:
1- اذا انتهى القرار الظني الى عدم الظن بمن يعتبر نفسه متضرراً من الشهادة، فيمكن السير بدعوى شهادة الزور فور صدور هذا القرار، لأنه بمجرد صدوره يكون قد أصبح خارج إطار الملاحقة ويثبت عدم علاقته بالجريمة. وكل شهادة تكون قد انطوت على عكس ذلك تعتبر حينها شهادة زور.
2- إذا انتهى القرار الظني الى الظن بأحد الأشخاص فلا يمكن السير بدعوى شهادة الزور إذا ادعى أنه متضرر منها إلا بعد صدور حكم نهائي ومبرم عن المحكمة يحدّد مدى مسؤولية هذا الشخص، فإذا انتهى الى إعلان براءته يمكن السير مجدداً بدعوى شهادة الزور التي تكون قد انطوت على وقائع غير صحيحة ومعاكسة لما استثبته الحكم المذكور.
ثالثاً: في الصلاحية الاقليمية وفقاً لأحكام المادة 15 وما يليها من قانون العقوبات
ألف: في وجوب عدم الاستنكاف عن «احقاق الحق»
من المبادئ العامة الراسخة والمكرّسة في القانون الوضعي أنه ما من سبب يمكن أن يبرّر الاستنكاف عن إحقاق الحق من القضاء (المادة 4 من قانون أصول المحاكمات المدنية).
وبناءً عليه، لا يجوز ردّ شكوى يقدّمها متضرّر أمام القضاء اللبناني بحجة أن لا صلاحية مكانية له للنظر فيها او لقبولها او للسير بها، إذا كان الجرم واقعاً في لبنان او اذا تفرّع عن جرم واقع في لبنان.
فضلاً عن ذلك، إن المادة 6 من قانون أصول المحاكمات المدنية تنص على أنه «تتبع القواعد العامة في قانون أصول المحاكمات المدنية اذا وجد نقص في القوانين والقواعد الاجرائية الأخرى».
كما تنصّ المادة 76 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على انه:
«تختص المحاكم اللبنانية بالنظر في أي قضية تتعلّق بأحد اللبنانيين أو بمصالح كائنة في لبنان
«إذا لم تكن هناك محاكم أخرى مختصة».
باء: في صلاحية المحاكم اللبنانية
يقتضي القول، في الأصل، أن الاختصاص في ملاحقة جريمة شهادة الزور المعنية بهذا الرأي عائد إلى السلطات القضائية اللبنانية التي لم ينزع اختصاصها خلال عمل لجنة التحقيق الدولية، والدليل على ذلك هو استمرار المحقق العدلي بإجراءات التحقيق الاستنطاقي وإصدار المذكرات والاستنابات وبشكل عام القيام بأعمال التحقيق الاستنطاقي كاملة.
من هذا المنطلق تكون الشهادات المدلى بها أمام لجنة التحقيق الدولية بمثابة الشهادات المدلى بها أمام السلطات القضائية اللبنانية، وخير دليل على ذلك أن محاضرها ضمت إلى ملف المحقق العدلي وأصبحت جزءاً من التحقيق الذي يجريه، وان الإدلاء بها أمام هذه اللجنة ليس من شأنه أن ينفي عنها هذه الصفة لأن عمل اللجنة ليس منفصلاً عن التحقيق الذي يجريه المحقق العدلي، إنما يوجد تكامل بين عملها وهذا التحقيق.
إستناداً إلى ذلك يكون القضاء اللبناني هو المختص للنظر في الدعاوى المسندة إلى جرم شهادة الزور في الشهادات المشار إليها وذلك بالاستناد إلى الصلاحية الإقليمية المنصوص عليها في المادة 15 من قانون العقوبات باعتبار أن هذا الجرم حاصل في لبنان وامام سلطة تجري تحقيقاً أولياً في جريمة تعود صلاحية الملاحقة فيها أصلاً للقضاء اللبناني الذي كان يمارس هذه الصلاحية خلال الادلاء بالشهادات المذكورة قبل ان تنتفي صلاحيته وفق النظام الخاص بالمحكمة الخاصة بلبنان، وخصوصاً أن صلاحية الملاحقة في الجرائم الجزائية الواقعة في اقليم الدولة هي مسألة سيادية ولا تزول حتى في حال ملاحقة هذه الجرائم من قبل قضاء أجنبي وصدور حكم مبرم عنه وذلك سنداً للمادة 28 من قانون العقوبات.
مع العلم أن تحريك الدعوى العامة في هذا الجرم يتمّ في الأصل بموجب ادعاء من النيابة العامة وذلك وفق المادتين 5 و6 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والنيابة العامة قد تتحرك عفواً إذا ما اتصل بعلمها وقوع هذا الجرم أو تقدّم أحدهم بإخبار أمامها، أو بناءً على شكوى يتقدّم بها الفريق المتضرر.
ولكن يجوز أيضا للمتضرر أن يحرّك الدعوى العامة باتخاذه صفة الادعاء الشخصي أمام قاضي التحقيق الأول وفق المادة 8 من قانون أصول المحاكمات الجزائية باعتبار أن جرم شهادة الزور المدلى بها في معرض تحقيق جنائي يتصّف بالجناية.
رابعاً: في أن قرار السير بالشكوى يعود إلى سلطان القضاء المختص
انطلاقاً مما تقدّم، يتضح أن الملاحقة بجرم شهادة الزور يمكن أن تباشر فوراً وأن يتم تدوين تقديمها رسمياً، على أن يقوم القضاء بمهماته بكل استقلال وحياد. إلا أن الأمانة القانونية والمنطق السليم يفرضان لفت الانتباه إلى إن أثارة مسألة شهود الزور، بل تحريك الادعاء والملاحقة أمام القضاء اللبناني بشأنها، لا يعوق ولا يؤجل أعمال المحكمة الخاصة بلبنان ما دامت هذه الأخيرة اعتبرت أن مسألة ملاحقة موضوع إفادات شهود الزور المدلى بها قبل إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان لم تعد (او لم تكن) من صلاحياتها من حيث تطبيق القانون في الزمان.
أما امام القضاء اللبناني، فان هذا الموضوع، إنما يخضع للقواعد القانونية المرعية الإجراء ويعود تقديره للقضاء، بمنأى عن تدخّل من السلطة التنفيذية وحتى عن تدخّل وزير العدل الذي وإن كانت صلاحية طلب الملاحقة (المادة 14 من قانون أصول المحاكمات الجزائية) تعود إليه، فليس له صلاحية التأثير على قناعة القاضي (المادة 20 من الدستور).
ويرجّح موقّعه أن القضاء اللبناني الذي اتخذ إجراءات بحق عدد ممن يوصفون بشهود الزور وادعى عليهم، كما هو ثابت أعلاه (المستند رقم 3)، لا يستطيع التأكيد أن شاهدًا هو شاهد زور قبل الإطلاع على مجمل القرار الظني على الأقل لمعرفة ما هي ظروف الجريمة، ومدى تأثير إفادة الشاهد على مجرى التحقيق،
غير أن هذا الأمر يعود كلياً إلى سلطان القضاء اللبناني.
خامساً: في إجراءات طارئة لا بدّ من ذكرها
في هذا السياق، لا بدّ من الاشارة على سبيل المعلومات والمقارنة إلى ما طرأ أخيرا، أي بعد تبلغنا ردّ المحقق الدولي (المدعي العام) دانيال بلمار، في قضية تطرح إشكالية قريبة من موضوع هذا الرأي القانوني، وهي المتعلّقة باستدعاء الإفراج عن محاضر ومعلومات رسمية دونت فيها إفادات وشهادات في سبيل توصيفها كشهادات زور.
فقد استدعى اللواء جميل السيد في تاريخ 17-3-2010 المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «تسليمه عناصر ثبوتية عائدة إلى جرائم شهادة زور وتوقيف اعتباطي»، فقرّر رئيس المحكمة المذكورة إحالة القضية على قاضي الإجراءات التمهيدية في 15-04-2010.
وعلى الرغم من اعتراض المدعي العام لدى المحكمة الخاصة، ومنازعته في صفة اللواء السيد المستدعي وغيرها من نواحي استدعائه، فقد قرّر قاضي الإجراءات التمهيدية، بتاريخ 17-09-2010، أي بعد شهر تقريباً من تاريخ تكليف موقّعه بتقديم هذا التقرير، ما حرفيته (المستند رقم 7):
«يعلن أن للمستدعي الصفة للادعاء أمام المحكمة بغية الحصول على مواد الملف الجزائي» المتعلّق بقضية الحريري المتعلق به.
«ويقرر، قبل الفصل في أساس الطلب أن تودع المذكرات الخطية للمستدعي والمدعي العام «التي تضم اجابتيهما على الاسئلة المطروحة في الفقرة 57 من هذا القرار لدى قلم المحكمة «ضمن مهلة أقصاها الأول من تشرين الأول أكتوبر 2010»
استأنف المدعي العام هذا القرار في تاريخ 29-09-2010، قبل قيام اللواء السيد بتقديم لائحته بإنفاذ القرار أعلاه في 30-09-2010
وفي تاريخ 7-10-2010 وردت أنباء صحافية مضمونها أن المستشارة القانونية للأمين العام للأمم المتحدة، السيدة باتريسيا أوبراين، قد أبدت رأياً قانونياً مؤرخاً 1-10-2010، مفاده أنه، بحسب رأيها، «كل مستندات المحكمة الدولية هي ملك للأمم المتحدة»
وأضافت أنه يتعيّن بالتالي على المحكمة الخاصة الامتناع عن الافصاح عن مضمونها بدون إذن من الامم المتحدة.
بالطبع لا يجوز لموقّعه، في هذا السياق، سوى ابداء حرصه الكامل على استقلال القضاء اللبناني.
الا ان ما سبقت الاشارة اليه من اجراءات يبرز مدى تشعّب النظر بالشكوى أساساً.
سادساً: في صلاحية المجلس العدلي
أما في ما يتعلّق بإمكان إحالة هذا الموضوع الى المجلس العدلي وتعيين محقق عدلي وفقاً لما ينص عليه الباب الخامس من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني (المواد 355 وما يليها - في حدود ما تنص عليه المواد 270 الى 336 ضمناً من قانون العقوبات فقط) (ربطاً صورة عن الباب الخامس – المستند رقم 8) فيتّضح من مراجعة هذه المواد أنها تتناول:
- الجرائم الواقعة على أمن الدولة (اغتصاب السلطة، الفتنة، الارهاب، النيل من الوحدة الوطنية أو تعكير الصفاء بين عناصر الأمة)، الخ...
- التجسّس
- الجرائم الماسّة بالقانون الدولي
- النيل من هيبة الدولة
وبالتالي يتبيّن أن لا صلاحية للمجلس العدلي في المبدأ للنظر في هذا الموضوع، اذ إن القانون قد حدّد اختصاص المجلس العدلي وحصره بالحالات المعدّدة في المواد المذكورة أعلاه.
من هنا لا يعود لمجلس الوزراء إحالة القضية إلى المجلس العدلي إلا في حدود الجرائم المعدّدة حصراً في القانون.
صفوة القول، في حدود المبادئ التي اشرنا إليها في مطلع هذه المتابعة القانونية، يرى موقّعه:
اولاً: ان اختصاص القضاء اللبناني قائم لقبول الادعاء في موضوع شهود الزور.
ثانياً: يعود للقضاء اللبناني، باستقلال كامل عن السلطة التنفيذية، تقرير ما اذا كان يتوجب السير بالدعوى أو استئخارها ريثما يصدر القرار الظني».
وأرفق نجار تقريره بـ«مسرد النصوص القانونية التي ترعى موضوع شهود الزور» وهي الآتية: بعض نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية في لبنان، قرار قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال فرانسين، مذكرات التوقيف القضائية الصادرة عن المحامي العام الأول بدمشق بتاريخ 4/10/2010، النصوص المتعلقة بالمجلس العدلي. كما تضمن التقرير 109 إحالات (هوامش) بالإضافة إلى مستندات بينها المراسلات الحاصلة بين نجار وبلمار.

القراءة الإسرائيلية لزيارة احمدي نجاد للبنان

القراءة الإسرائيلية لزيارة احمدي نجاد للبنان
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الشرق الاوسط والسفير 13/10/2010
www.drkhalilhussein.blogspot.com
يستضيف لبنان الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد في ظروف تعتبر استثنائية في التوقيت اللبناني وحساسة في الزمنين الإقليمي والدولي. وبصرف النظر عن مواقف مختلف الشرائح السياسية اللبنانية منها، تبقى القراءة الإقليمية والدولية للزيارة هي الأبرز،باعتبارها تقدم رؤية عما هو حال المنطقة وبأي اتجاهات يمكن أن تسير بها الأمور مستقبلا في المدى المنظور.
لبنانيا،مفارقة الزيارة تأتي في سياق المقاربة والمقارنة بين زيارة رئاسية إيرانية سابقة للرئيس محمد خاتمي، في الزيارة الرئاسية الأولى لم تكن ثمة معارضة ولا مشكلة أو إشكالية فالرئيس السابق وُصِف بالإصلاحي وتمَّ التعويل عليه كثيرا في سياق إحداث تغييرات في النظام وبالتالي لم يكن هناك تحريض على انتقاد الزيارة وبرامجها،بينما تأتي الزيارة الرئاسية الثانية في خضم نقاش داخلي حاد حول السياستين الداخلية والخارجية الإيرانية ووسط تحريض غربي وإسرائيلي واضحين للتأثير في برنامجها إذ لم تتمكن من منع إتمامها. وفي مطلق الأحوال للزيارة مفاعيلها وتداعياتها ،وان لم يكن للبنانيين دور فاعل في ذلك.وغريب المفارقات أيضا تكمن في العلاقة بين لبنان وإيران على الصعيد الشعبي وليس الرسمي،فالطائفة الشيعية بأحزابها وجمهورها مثلا كانت من ألد أعداء نظام الشاه،فيما تحوّلت العلاقة مع نظام الثورة الإسلامية إلى علاقة إستراتيجية،بينما الأحزاب اليمينية اللبنانية وجمهورها كان على نقيض تلك المعادلة في وجهيها السابق والحالي.
إسرائيليا، يبدو المشهد مختلفا، مزيج من القلق والتحدّي، تصعيد دبلوماسي غير مسبوق في العلاقات الدولية،دولة تحاول منع دولة أخرى من استقبال رئيس دولة ثالثة،وعند الفشل تحاول التأثير في البرنامج المفترض أو المقرر.وفي كلتا الحالتين ثمة ما يبرر ذلك إسرائيليا، فإيران الشريك الأول والحصري اذا جاز التعبير للنصر الذي أحرزته المقاومة في لبنان في العامين 2000 و 2006،علاوة على ذلك فان الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة ،من معالمها المواجهة لما تبقى من مشروع الشرق الأوسط الجديد، الأمر الذي يشكل حساسية بالغة للقيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك أن للزيارة الرئاسية الإيرانية قراءة إسرائيلية مختلفة، باعتبار أن الخطاب السياسي للرئيس الإيراني بلهجته ومصطلحاته تعتبر نادرة بين قلة من زعماء العالم التي تدعو إلى محو الكيان الإسرائيلي من الوجود،وما يقلق إسرائيل التداعيات الرمزية للزيارة التي قيل أنها ستشمل جولة على الحدود الشمالية مع لبنان وإمكانية رشق حجر باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي علَّق عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بطريقة تهكمية وساخرة،أن الرئيس الإيراني لا يرمي حجرا، في إشارة إلى الصواريخ الإيرانية ومداها ووظيفتها.
إن القلق الإسرائيلي نابع من تداعيات "الحلف الثلاثي المقدس، إيران وسوريا والمقاومة"،وما يمكن أن ينجم عنه مستقبلا، فالولايات المتحدة تفاوض سوريا علنا وإيران ضمنا حول هزيمتها وانسحابها من العراق. ، والأمر عينه ينسحب على أفغانستان،وبين الاثنين ثمة انتفاضة قانونية سياسية على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وآليات عملها المسيسة،باختصار واقع إقليمي ضاغط استفادت منه كل من طهران ودمشق بالنقاط وتتخوف تل أبيب من الضربة القادمة التي تشيّع إيران بأنها ستكون القاضية.
علاوة على ذلك، إن الهاجس الإسرائيلي الأكبر يكمن في العلاقة الرسمية بين لبنان وإيران والتي يمكن أن تتطور باتجاه تسليح الجيش اللبناني،وبالتالي نشوء قوة عسكرية إستراتيجية شمالا تمثل أبعادا إقليمية من الصعب على إسرائيل تجاهلها وتحمّل تداعياتها ونتائجها،الأمر الذي سيجبرها مستقبلا التصرّف بطريقة مختلفة بصرف النظر عن حدود نجاحاتها ونوعية مكتسباتها،وعليه إن الخشية الإسرائيلية من الزيارة تكمن فيما تعتبره تل أبيب أن ثمة أهداف غير معلنة ليس من الزيارة بحد ذاتها وإنما في دلالاتها ورمزيتها في موازاة الحلف القائم مع دمشق والمقاومة اللبنانية.
ثمة قمم ثنائية إيرانية سورية عديدة جرت مؤخرا ،كان أبرزها ما انضم إليها الأمين العام لحزب الله، والتي جرى تصويرها على أنها الإعلان غير القابل للفكاك أو التراجع،قوامه حماية المقاومة في لبنان،واعتبارها ركنا رئيسا في المواجهة والممانعة،الأمر الذي اقلق إسرائيل واعتبرته تحدّيا استراتيجيا يصعب تجاهله والقفز فوق معطياته وآثاره. وعلى الرغم من الطابع الرسمي لزيارة الرئيس الإيراني للبنان، ثمة صعوبة إسرائيلية كبيرة لبلع الزيارة وهضمها وبالتالي عدم اعتبارها زيارة هدفها تكريس دعم المقاومة اللبنانية.
وبصرف النظر عن البرنامج الرئاسي المعد رسميا وشعبيا ،تبقى للزيارة دلالات رمزية في الذاكرة الجماعية للبنانيين والإسرائيليين على حد سواء. لبنانيا وبالتحديد الطرف الحاضن للمقاومة يرى في الزيارة علامة فارقة في مستوى العلاقات "الجهادية" ضد إسرائيل وهو بطبيعة الأمر أمر نادر بل غير مسبوق لجهة الدعم المادي والمعنوي. أما إسرائيليا ،فالأمر مختلف تماما زيارة تقض مضاجع القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، سيما وأن الرئيس الإيراني ستطأ قدماه أرضا جرت فيها ملاحم بطولية ضد القوات الإسرائيلية. وعيناه ستلمح أرضا فلسطينية محتلة،وإذ لم يرشق حجرا عليها ، ففي بال إسرائيل أن صواريخه قادمة إليها.
في مطلق الأحول، زيارة تقرأها إسرائيل بلغة تخصيب العداء ضدها، وبالتالي توجسها وتخوفها مما بعدها، لذا طبّلت وزمّرت قبل بدئها، فهل ستعاود الرقص حول ضحايا مجازرها ،لقد عودتنا إسرائيل على استيعاب الفعل وحسن رد الفعل،فأين نحن اللبنانيين من فعل الزيارة وكيف سيكون رد فعلنا؟

06‏/10‏/2010

استئناف المفاوضات أم المستوطنات؟

استئناف المفاوضات أم المستوطنات؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بيروت:28/9/2010

ثلاث جولات من المفاوضات المباشرة بدأها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي لم يتمكنا في خلالها التوصل إلى مشروع اتفاق حول تمديد تجميد عمليات بناء المستوطنات،رغم معرفة الطرفان،إن هذه العقبة تشكل الموضوع الأساس لفرط عقد المفاوضات وفي أحسن الأحوال استمرارها وسط معمعة إسرائيلية يجرى خلالها تكريس أمر واقع مفاده استمرار المفاوضات والاستيطان في وقت واحد.
من الواضح إن إسرائيل لم تنتظر ساعة واحدة للبدء في إطلاق عمليات البناء،بل انطلقت بها في رمزية خاصة لجهة المكان والزمان،حجر أساس لمدرسة دينية في الخليل على أنقاض مدرسة إسلامية،وكأن في الأمر منازلة دينية حضارية ثقافية فيها من التحدي ما يجعل المراقب اشد عصبية في قراءة المواقف والتصرف،وفي إي حال ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة،فتاريخ الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية له صولات وجولات تمتد في التاريخ إلى حقبة القرون الوسطى وبالتحديد إلى القرن السادس عشر،وصولا إلى الحيثيات الخاصة في العقد الأول من الألفية الثانية.
والاستيطان في عمليات التفاوض الإسرائيلي مع الفلسطينيين له مناهجه وآلياته الخاصة، بحيث أصبح هذا الملف جزءا رئيسا من عمليات التفاوض المعلنة والمبطنة منذ انطلاق مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991،بل عمدت إسرائيل إلى وضع آليات وشروط محددة يصعب اختراقها أو تمييعها في مختلف عمليات التفاوض التي جرت بين الطرفين،والمضحك المبكي في هذا الأمر،إن إسرائيل كانت تتمسك بإطلاق عمليات الاستيطان وعدم المسِّ بها أو التعرض لها في موازاة إصرارها على المفاوضات دون شروط مسبقة وبخاصة عدم التطرق إلى موضوع الاستيطان.
والمفارقة الأغرب في هذا الموضوع، ما يتم استعماله من مصطلحات محددة،فمثلا بدل توقيف عمليات الاستيطان، أو إعادة النظر يبعضها أو هدم وإزالة غير القانوني منها بحسب التوصيف الإسرائيلي نفسه،يتم إطلاق مصطلحات تفاوضية تزيد تداعيات البناء والاستيطان، فمثلا تجميد عمليات الاستيطان بدل العمل على وقفها النهائي. والأنكى من كل ذلك يلهث المفاوض الفلسطيني على محاولة إقناع الطرف الإسرائيلي بقبول تمديد التجميد لأشهر قليلة بهدف إقناع الآخرين إن ثمة تقدما حصل في عمليات التفاوض وآلياتها وبالتالي تأمين الغطاء السياسي العربي لعمليات التفاوض المباشرة كما تصور فيها الأمور،وكأن الأطراف العربية الأخرى قادرة على المنع أو حتى التأثير في مصير ومسار هذه المفاوضات في الأساس.
وفي واقع الأمر يعتبر الاستيطان ركنا أساسيا في الايدولوجيا الصهيونية وفلسفة بناء الدولة اليهودية في فلسطين،وبالتالي لا غرابة بالموقف الإسرائيلي الداعي بشكل مستمر إلى عمليات فصل التفاوض عن عمليات الاستيطان والبناء.وفي حقيقة الأمر من وجهة النظر الإسرائيلية يعتبر الاستيطان عصبا رئيسا في حياة الدولة الصهيونية واستمرارها، وبالتالي من الطبيعي إن يتشدد المفاوض الإسرائيلي في هذا الملف تحديدا،وعدم تقديم إي تنازل ولو كان تكتيا.
إن آخر ابتكارات رئيس الوزراء الإسرائيلي،بنيامين نتنياهو، في هذا المجال الدعوة إلى فصل مسار التفاوض عن مسار الاستيطان،بمعنى إن لا ضررا في متابعة المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين دون تقديم تأكيدات أو مواقف أو الوعد بتمديد تجميد عمليات البناء،وعليه إن إستراتيجية نتنياهو الحالية هي كأسلافه،مزيد من الإصغاء للطرف الآخر دون تقديم شيء يذكر،تكريس أمر واقع والانتقال إلى ملفات اشد تعقيدا وتشعبا بحيث يستسلم الطرف الفلسطيني للطروح الإسرائيلية السابقة،وبالتالي إجبار الطرف الفلسطيني على قبول شرط التفاوض على المسائل التي كان يرفضها والتي كان يعتبرها من مسلمات التفاوض المفترضة بينه وبين الإسرائيلي.
لقد تكللت جهود الصهيونية ومن ورائها القوى الاستعمارية بالنجاح عندما تم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام 1948 على 77% من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكنت إسرائيل في حينها من طرد معظم السكان الفلسطينيين بعدما ارتكبت المذابح والمجازر ودمرت القرى والمدن الفلسطينية، وشُرِدَ الفلسطينيون كلاجئين في البلاد العربية ، وفي المقابل فتحت أبواب الهجرة اليهودية ليتدفق الكثير من اليهود من مختلف أنحاء العالم، واستمر هذا الوضع حتى حرب الخامس من حزيران عام 1967، والتي كانت من أهم نتائجها استكمال سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بعد احتلالها للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وبذلك سنحت فرصة جديدة لإسرائيل لمتابعة مخططات تهويد فلسطين، التي بدأت في القرن التاسع عشر.
في العام 1972 أطلق النائب الصهيوني يشعياهو بن فورت شعارا جذابا للحركة الصهيونية هو: "إن الحقيقة هي لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة أراضي وتسييجها". فالاستيطان الإسرائيلي يعتبر الجانب العملي للفكر الاستراتيجي الصهيوني الذي انتهج فلسفة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، بحجج ودعاوي دينية وتاريخية مزيفة، وترويج مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
إن التدقيق في سير المفاوضات ومصيرها،يثبت إن إسرائيل كانت الطرف الوحيد المستفيد من متابعتها ، تفاوض وتكرس امرأ واقعا، تجبر الطرف الآخر على تمني الحصول على ما كان يرفضه، دخل الفلسطينيون المفاوضات المباشرة وهم يقنعون نفسهم بأن لا شروط مسبقة، بعد ثلاث جولات شكلية تمكن نتنياهو من إطلاق شعار استمرار المفاوضات والاستيطان بشكل متزامن بصرف النظر عن صراخ الطرف الآخر.

26‏/09‏/2010

مؤتمر اقتراحات وافكار من اجل تحسين تنفيذ الادارة للقرارات القضائية

مؤتمر اقتراحات وافكار من اجل تحسين تنفيذ الادارة للقرارات القضائية
المنظم الجمعية اللبنانية لفلسفة القانون
المكان بيت المحامي
التاريخ 24/9/2010
الموضوع حضور ومناقشة

24‏/09‏/2010

خلفيات العمالة لاسرائيل في لبنان وتداعياتها

خلفيات العمالة لاسرائيل في لبنان وتداعياتها
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
نشرت في موقع الشرق الأوسط 17/9/2010
www.drkhalilhussein.blogspot.com

مفارقة العمالة لاسرائيل في لبنان انها باتت وجهة نظر، في بلد تمكنت مقاومته من تسجيل سابقة في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي وهي اجبار قوات الاحتلال على الانسحاب عنوة من اراض احتلتها لربع قرن تقريبا.علاوة على ذلك ثمة من تعدى المعقول والمقبول عادة في الحياة السياسية اللبنانية ليعبر عن آراء ومواقف غير مسبوقة تجاه اسرائيل.
في الواقع تعتبر العمالة في مطلق بلد قضية من الصعب او من المستحيل تبريرها او ايجاد الاعذار التخفيفية لها. وفي مطلق الأحوال ثمة اجماع على ضخامة السلوك الذي يؤدي الى احكام تصل الى الاعدام دون معارضة تذكر حتى في الدول التي تتغنى بالديموقراطية وحقوق الانسان والإعراض عن تنفيذ احكام الاعدامات.واذا كانت طبيعة الأمور ترتدي هذه الحدة في النظرة والتعامل مع مثل تلك القضايا في معظم دول العالم،فهل ثمة ما يبرر ان تكون الأمور مختلفة في لبنان مثلا.في الواقع يمكن تسجيل العديد من الملاحظات والمفارقات في هذا السياق ومن بينها:
- لقد بلغ عدد المعلن عن اكتشاف عمالتهم لاسرائيل في لبنان مؤخرا الى 154 عميلا،وهم بطبيعة الحال ينتمون الى طوائف ومذاهب مختلفة،كما هم من مناطق لبنانية متعددة،علاوة على النوعية والشرائح الاجتماعية التي ينتمون اليها.فمثلا بينهم المدنيون كما العسكريون،كذلك البيئات المتواضعة كما الميسورة،وفيهم المختص ذات التعليم العالي كما شبه الامي.باختصار مروحة متنوعة من العملاء تتناسب مع طبيعة العمل الذي يمكن ان يوكل اليهم.
- ثمة قسم منهم سبق وتعامل مع اسرائيل علنا ومباشرة عبر الميليشيات التي انشأتها اسرائيل في اعقاب احتلالها لجنوب لبنان بعد العام 1978،ومنهم من حكم عليه بأحكام تخفيفية جدا بعد انسحاب اسرائيل في العام 2000 ونفذت محكوميتهم وعادوا الى التعامل مع اسرائيل.
- ان النسبة التي كشف عنها حتى الآن هي نسبة كبيرة مقارنة بتعداد الشعب اللبناني،وهي بطيعة الأمر نسبة مقلقة، لها دلالاتها وابعادها التي ينبغي التدقيق فيها وبأسبابها وسبل معالجتها.
- ان الاعمال التي نفذتها هذه الشبكات افرادا ومجموعات ادت الى المسِّ بشكل مباشر في العديد من مواقع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية اللبنانية، وبالتالي تعتبر نوعية الأعمال المطلوبة من هؤلاء العملاء اعمالا حساسة جدا تشمل قضايا ومسائل وأمور ليست امنية عسكرية بالضرورة متعلقة فقط بالمقاومة اللبنانية مثلا.
- ان التدقيق بصنف العملاء ذات الطبيعة التكنولوجية المعلوماتية وما كلفوا به عمليا،يظهر قدرة اسرائيل على كشف الواقع اللبناني بمختلف جوانبه والتحكم به بنسب لافتة تستطيع من خلاله مسك الكثير من مفاصل الحياة السياسية والامنية والمالية والاقتصادية اللبنانية،باختصار بات لبنان مكشوفا بشكل شبه كامل لاسرائيل.
- وغريب المفارقات ما يتم التداول به تأويلا وتصريحا، وبشكل واضح وملتبس احيانا،من ان ثمة فئة من وزن اصحاب الحل والعقد متورطون بالعمالة،والملفت في هذا الموضوع بالذات انه يُستعمل في كثير من الحالات كمسائل للابتزاز السياسي بين الأطراف السياسية اللبنانية،او في مجال المقايضة في تمرير بعض الملفات ذات الطبيعة الوازنة.
- والأغرب والأنكى في هذا المجال،تصريح احد نواب حزب الكتائب اللبنانيةعلنا بأن حزبه قد تعامل واستفاد من اسرائيل في مواجهة سوريا في لبنان، ورغم ان مثل هذه االمعلومات لا تعتبر من نوع افشاء الأسرار في لبنان الا انها ارتدت طابع التحدي وهي سابقة في الحياة السياسية اللبنانية التي يُصرح بها نائب في الندوة البرلمانية بهذا الوضوح،ما يمكن ان يشكل منعطفا في طريقة مقاربة الأمور في لبنان مستقبلا اذا مر الأمر مرور الكرام. وهنا من المفيد الاشارة الى ان الحصانة البرلمانية لا يمكن الاعتداد بها لملاحقة النائب على مثل تلك التصريحات،باعتبارها ليست موضوع تصريحات سياسية بقدر ما هي مواقف تشكل عملا عدائيا ضد الامن الوطني اللبناني التي تصل احكامه في قانون العقوبات اللبناني الى الاعدام.
- ان خصوصية الواقع اللبناني تعطي قضية العمالة ابعادا خاصة في لبنان من الصعب تجاوزها والقفز فوقها.فلبنان مثلا هو في حالة حرب عمليا مع اسرائيل اولا، كما ان ثمة بعض الاراضي التي لا زالت اسرئيل تحتلها (مزارع شبعا وتلال كقرشوبا) ثانيا،كما ان عقيدة قواته المسلحة تعتبر اسرائيل دولة عدوة،علاوة على وجود القوة الوازنة للمقاومة في مواجهة اسرائيل بخلاف كل دول الطوق الجغرافي لفلسطين المحتلة. وفوق ذلك كله ثمة نصوص قانونية واضحة جدا لا لبس فيها تحدد العدو من الصديق كما تحدد العقوبات المفترضة لكل جريمة ترتكب.
- ان الاحداث التي مر بها لبنان منذ النصف الأول لعقد السبعينيات من القرن الماضي، اسَّس لبيئة اجتماعية هشة قابلة للاختراق بسهولة نظرا لتداخل الكثير من العوامل الخارجية وتأثيراتها في الواقع الداخلي اللبناني وبخاصة في ما سُميَّ لاحقا بالبيئات الحاضنة للعملاء،وهي ليست بالضرورة بيئات ذات بعد طائفي او مذهبي كما يحاول البعض الترويج له او تظهيره كثابت في التركيبة الطائفية في لبنان.
صحيح ان لبنان مرَّ في ظروف محلية واقليمية ودولية معقدة جدا ما ارخى بتداعيات قاسية على السلوك الاجتماعي في لبنان،الا ان ذلك لا يمكن ان يكون سببا او عاملا من عوامل الظروف التخفيفية للعمالة لمصلحة اسرائيل،كما انه لا يجوز التعامل مع هذه الظاهرة التي يُفترض ان تكون عابرة في الحياة السياسية اللبنانية على انها حالة طبيعية او مألوفة او يمكن التعايش معها.
طبعا ثمة ما يشبه الاسترخاء السلوكي لدى بعض صِغار النفوس ممن تعاملوا مع اسرائيل سابقا وعادوا وجددوا علاقاتهم معها بعد انسحابها عام 2000،لكن ذلك مرده الى خطأ فادح وقعت فيه السلطات اللبنانية ليست بالضرورة القضائية لوحدها،ومفادها الأحكام التخفيفية الشديدة التي استفاد منها جميع من حوكموا في الفترة التي اعقبت الانسحاب الاسرائيلي،حتى باتت المحاكمات مجالا للتندر بين اللبنانيين،على قاعدة ان الذين حكوما بجرائم العمالة والتنكيل والقتل حُكِموا لأشهر فقط وفي سجون من خمسة نجوم العيش فيها كان اسهل وأريح من شظف العيش خارجها .
وحتى لا تصبح العمالة في لبنان وجهة نظر غير خاضعة للمسائلة والمحاكمة كما يفترض منطق الأمور،ينبغي التعامل مع هذه الظاهرة يشدة وقسوة متناهية وعلى قاعدة تطبيف العقوبات الفسوى لجرم العمالة التي ينبغي ان تسود فيها حالات احكام الاعدام ويشطل متسارع ودون ابطاء او مراعاة لظرف ما او لحالات محددة كما هو شائع.
ان البحث عن الاسباب والاعذار التخفيفية في هذا المجال لن ينتج سوى المزيد من حالات الاسترخاء السلوكي لدى بعض الافراد، وبالتالي التمادي في الغي والعمالة ،وبالتالي ان تشديد العقوبات هو حل واقعي لردع من تخوّله نفسه الانزلاق الى هذا الدرك الخطير.في جنوب لبنان لم يحصل ضربة كف لأي عميل بعد العام 2000 وترك الأمر للقضاء اللبناني، فيما المقاومة الفرنسية اعدمت ميدانيا آلاف العملاء في الشوارع دون محاكمة،فهل ثمة عبرة يمكن ان تتخذ من هذه الوقائع؟