11‏/02‏/2015

“داعش” يُدخل الأردن دائرة استهدافاته

“داعش” يُدخل الأردن دائرة استهدافاته د.خليل حسين الخليج الاماراتية بتاريخ 7-2-2010 لا يختلف اثنان على حساسية الواقع السياسي والاجتماعي الأردني حتى في الظروف الطبيعية للمنطقة، فهو مركز شد وجذب شديدين لفواعل إقليمية ودولية بحكم موقعه الجيو سياسي، الواقع على خط التصدعات الإقليمية الكبرى . وفي الواقع أيضا تمكنت السياسات الأردنية من النأي بالأردن إلى حد كبير، عما جرى في المنطقة، وبخاصة في السنوات القليلة الماضية، حيث عجّت الساحات العربية بحراك التغيير، ذلك بفضل مواقف متوازنة راعت حساسية الإسلاميين في الواقع المجتمعي الأردني . لكن ذلك، لم ينفع بإبعاد خطر التطرف الذي تمدد نحوه، وسعى جاهداً لاختراق الساحة الأردنية من بوابات مختلفة، وهو في الواقع كان هدفاً دائماً للجماعات الإرهابية المتطرفة في السنوات الماضية، وموقعاً مفترضاً للتفجير السياسي والأمني في العقل الجمعي للتنظيمات المتطرفة ومنها القاعدة وأخواتها، خاصة تنظيم "داعش" . ويبدو جلياً، أن ظروف إعدام الطيار الأردني، معاذ الكساسبة ووقائعه، بهذه الوحشية غير المسبوقة في تاريخ البشرية، هي رسالة واضحة لنيات التنظيم في إدخال الأردن دائرة أعماله الإرهابية، بعد ظهور العديد من المعطيات والوقائع التي لم تكن لمصلحة التنظيم الإرهابي والتي يريد التعويض عنها . فبعد التمدد الملتبس الذي أحرزه تنظيم "داعش" في مناطق عراقية وسورية وغيرها من الساحات، بدءاً من سيناء وصولاً إلى ساحات شمال إفريقيا ووسطها، تبدو رقعة الجغرافيا السياسية التي سيطر عليها مؤخراً، بدأت في التبدد، وبخاصة في مناطق غرب العراق وشمال سوريا في منطقة عين العرب، الأمر الذي هز صورته، والذي حاول جاهداً لصقها في ذهن المجتمعات العربية والإسلامية بفعل مجازره ووحشيته وبطشه غير المسبوق، وهو الآن يبحث عن انتصارات ولو وهمية لإعادة تموضعه السياسي والعسكري في المنطقة، ولم يكن الأسلوب الذي تم تظهيره لجريمة إعدام الطيار سوى إحدى الوسائل الإعلامية المكشوفة للتنظيم . ان واقعة الإعدام الجريمة، وإن تعد مفصلاً في النيات "الداعشية" مستقبلاً، فإنها ثبّتت النيات المضمرة لاستعمال الجريمة وسيلة لجر الأزمات وافتعالها في الساحة الأردنية . فالتنظيم فاوض على الطيار والرهينة الياباني مقابل إرهابيين محكومين بالإعدام من قبل القضاء الأردني، في الوقت الذي كان الطيار قد اعدم، وهو بذلك اشترى الوقت ليفتعل وقائع استفزازية من الصعب عدم الرد عليها، وبالتالي إدخال عمان في رد الفعل والفعل المضاد، في وقت هو بأمسّ الحاجة لتظهير خصم وعدو آخر له مواصفات الدولة كالأردن . في أي حال، وإن يكن الأردن هو جزءاً من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وفقا للقرار،2170 وبالتالي هو من وجهة نظر داعش جزء من مسرح عملياته الإرهابية، وعلى الرغم من أن الأعمال الإرهابية حتى في مفهوم أصحابها لا تحتاج إلى تبريرات شرعية أو أخلاقية أو قانونية، فقد استعمل الجزء الإعلامي من الجريمة وسيلة لحقن الشارع الأردني وتهيئة الظروف لإدخاله في دوامة الاستهدافات الإرهابية "الداعشية" بشكل مباشر، بعدما تم تحييده نسبياً في فترات سابقة . في المقابل، يبدو خيار الأردن بالاندفاع نحو المواجهة أمراً واقعياً ومنطقياً من الوجهة العملية، بعدما توحّدت الساحة الأردنية بمختلف أطيافها باتجاه المواجهة، إلا أن السؤال المركزي الذي يطرح نفسه متعلق بقدرات الأردن الفعلية على الانخراط بمستويات عالية الشدة في مواجهات مع جماعات إرهابية حُشدت قوى عالمية ضدها، وحتى الآن لم تؤدِ إلى نجاحات حاسمة . إن سبل المواجهة تتطلب وسائل وآليات مختلفة عما هي مطروحة الآن، فالقتال من الجو ليس كالقتال على الأرض، وسبل القضاء على الجماعات الإرهابية تتطلب أولا وأخيرا تجفيف مصادر تمويلها ودعمها اللوجستي، الأمر الذي يتطلب قرارات أكثر جرأة من المجتمع الدولي، الذي دفع أثماناً باهظة جراء التوحش "الداعشي"، لذا ينبغي العمل بجدية على رفد قرارات أممية إلى جانب القرار 2170 الذي لم يكن - ولن يكون- كافياً للقضاء على هذا الوحش الذي لم يشهد تاريخ البشرية مثل جرائمه .- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/49020b7d-b27b-4a38-a88e-ae137b97834b#sthash.ejWP7myP.dpuf

06‏/02‏/2015

ماذا بعد يسار اليونان ؟

ماذا بعد يسار اليونان ؟ د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 5-2-2015 ثمة قلق وخوف شديدين في العقل الباطني لمنظري الليبرالية الجديدة الذين اخذوا مجدهم في إعادة إشاعة أفكارهم بعيد تهاوي الأنظمة الشيوعية بداية العقد الأخير من القرن الماضي، سيما وأن هؤلاء أنفسهم واجهوا أيضا موجات لا يستهان بها من المد القومي المتطرف في غير بلد أوروبي ،الذين عادوا أيضا وبقوة في الربيع الماضي بعد انتخابات تشريعية مشهودة في بعض دول الاتحاد الأوروبي.والسؤال المركزي الذي يطرح نفسه عن تداعيات وصول اليسار الراديكالي إلى السلطة في اليونان، فهل هو بقادر على تنفيذ برامجه ؟ وهل أن العدوى اليسارية ستنتقل إلى دول القارة العجوز؟ أم هي فلتة شوط ستزول بعد حين. في الواقع ثمة ظروف جيوبولتيكية دقيقة تحكم اليونان ، وهي مصدر توجس دائم للاعبين إقليميين ودوليين كثر ممن يتحينون الفرص للعب في بلدان البلقان عموما، سيما أن بلاد الإغريق كانت يوما من مؤسسي الفلسفات السياسية التي نشأت عنها معظم الإيديولوجيات المعاصرة، وبالتالي تختزن في الفكر الفلسفي كماً هائلا من الاهتمام المعرفي والتجريبي ، فكيف بوصول اليسار الراديكالي إلى السلطة والذي له سوابق مشهودة في الحياة السياسية اليونانية ، حيث اعدم النازيون العديد منهم، وحوربوا بأشكال قاسية وبخاصة فترة الحكم العسكري الذي حكم اليونان ما بين 1967 و1974. وأيا تكن الوقائع ذات الصلة بالحياة السياسية اليونانية وخصوصياتها، وصل اليسار بـ 149 عضوا إلى البرلمان، ولم يكن ينقصهم سوى عضوين للقبض على مفاصل السلطة ، ما اضطرهم للتحالف مع الحزب السيادي لليونانيين المستقلين، الفائز بـ13 مقعداً، ليتمكن من تشكيل الحكومة، قبل العمل على انتخاب رئيس جديد للبلاد، خلفاً لكارولوس بابولياس. لكن هذا الوصول المدوي إذا جاز التعبير ، هو نتاج سياسات لم يتمكن اليونانيين من بلعها وهضمها، وهي بأدوات ووسائل اقتصادية سياسية، كان أبرزها سياسات التقشف التي فرضتها الترويكا المالية – الاقتصادية (البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية) بعد الأزمة المالية التي ظهرت في العام 2010، والذي كان لها الوقع السيئ على سائر الشرائح الاجتماعية اليونانية، التي كان لها كلمة الفصل في الانتخابات الأخيرة. وعلاوة على ذلك ثمة 170 مليار دولار من الديون الخارجية وهو رقم مهول قياسا على الناتج المحلي، الذي يبلغ نسبة سداد فوائد الديون فيه أرقاما فضائية، وهو رقم يشكل انهيارا اقتصاديا بلغة المال والاقتصاد، إلى جانب البطالة التي بلغت أرقاما قياسية من الصعب استيعابها. هذا الواقع المأزوم يشكل عبئا كبيرا على أي حكومة ائتلافية ستتعاطى مع المشكلة الاقتصادية – الاجتماعية ، بخاصة وان حجم الديون هو أضخم وأكبر من الوعود التي قطعها تسيبراس، والذي يتجلّى في ضخّ مبلغ 13 مليار يورو في السوق اليونانية، على شكل أجور وامتيازات، وهو ما أثار الذعر في أوروبا، التي تخشى من إمكانية خروج اليونان من منطقة اليورو. فالمشكلة هنا مشكلة بنيوية في النظام السياسي - الاقتصادي الذي لا يسمح بإطلاق وعود وشعارات من المستحيل تحقيقها ، سيما وان اليونان هي أصلا غير قادرة على سداد فوائد الديون، ما يطرح أسئلة صعبة حول مستقبل هذه الديون وجدولتها، إن لم يكن التملص منها والامتناع عن الدفع كما حدث في حالات مماثلة سابقة. اذا، من الصعب تصور حلول وردية لهذا الواقع المأزوم، سيما وأن الكثير من آليات عمل اليسار قد فقدت وهجها خلال العقدين المنصرمين، ولو أن خصومهم من اليمين المعتدل أو المتطرف أو حتى منظري الليبرالية الجديدة ، لم يتمكنوا أيضا من استيعاب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والعمل الجدي على حلها.وبالتالي ثمة رأي شائع وسط هذه المعمعة اليونانية والأوروبية، أن شعارات اليسار لا تعدو كونها شعبوية سرعان ما ستتلاشى أمام وقائع تتطلب معالجات أخرى ، غير متوفرة في البنية السياسية - الاقتصادية التي تتولى زمام السيطرة حاليا. ثمة بعض الساحات الأوروبية مرشحة لما حصل قي اليونان، من بينها ايطاليا واسبانيا وحتى غيرهما، إلا أن ما ينطبق على اليونان ينطبق على معظم دول القارة العجوز، فالمسألة ليست ترفا فكريا أو إيديولوجيا ، بقدر ما هي سياسات تتطلب مالا واقتصادا وإنتاجا وتسويقا، في ظل ظروف اقتصادية دولية قاسية. ومن يتصور أن ظروف وصول الشيوعيون إلى السلطة في روسيا القيصرية في العام 1917، وكذلك وصول أدولف هتلر إلى السلطة العام 1932 بعد الأزمة الاقتصادية العالمية العام 1929، هي مماثلة لظروف اليوم، هي اعتقادات وتصورات خاطئة، وبالتالي إذا كان ثمة من حلول للمشاكل الاقتصادية - الاجتماعية في غير بلد أوروبي فحلها لا يكمن في الاستناد إلى نظريات وفلسفات وإيديولوجيات،إنما الحل يكمن في مكان آخر ، أقله فهم السياسات الخاطئة التي أرساها النظام الاقتصادي الدولي القائم على فلسفة الديون باعتبارها حلا وليست المشكلة، بل بنظره المشكلة تكمن في إيجاد الوسائل التي تتكيف مع الواقع الجديد لهذه الدول ومحاولة سدادها ولو بعد حين!