12‏/11‏/2016

حدود الصدام الروسي الأميركي وإمكانات


حدود الصدام الروسي الأميركي وإمكانات
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
         تسارعت عناصر وعوامل التوتر الروسي الأميركي في العديد من مناطق العالم ، لا سيما مؤخرا في الشرق الأوسط ، وبالتحديد  ذات الصلة بالأزمة السورية، ووصلت الأمور إلى مستويات غير مسبوقة، وتعدى بعضها حتى التهديد  باللهجات الدبلوماسية المهجنة، ليصل إلى ترتيبات لوجستية وعسكرية ذات طابع استراتيجي.

       وما عزز تلك الأجواء الساخنة، محاولة تفسير بعض التطورات الحاصلة في المنطقة ، على أنها عوامل مشجعة ومؤثرة في سياق تأجيج التوتر، رغم أن بعض تلك المظاهر هي عناصر تكتية تأتي في سياق حراك اقليمي متوتر أيضا، قد يستفيد منه أي طرف على حساب الآخر، ومن هذه المظاهر مثلا، التقارب التركي الروسي واستثماره في ضوء التوتر بين أنقرة وواشنطن بعد الانقلاب التركي الأخير، وأيضا على سبيل المثال المناورات الروسية المصرية واستثمارها في بعض جوانب علاقات مصر مع واشنطن وبعض دول الخليج ،على أنها محاولة مصرية لإعادة تموضع جديد في المنطقة ربطا ووصلا بالأزمة السورية. وعلى الرغم من أهمية هذه الوقائع ، إلا أنها  لا تلعب دورا  كبيرا في تغيير موازين القوى وبالتالي عدم الاتجاه نحو صدام مباشر بين الطرفين.

     من الواضح أنّ خشية موسكو تأتي على قاعدة أن تُقدم الإدارة الأميركية على شنّ ضربات ضد القوات العسكرية الحكومية السورية، فيما التقارير الموجهة من موسكو تحديداً، تشير إلى النية بمواجهة أي عمل عسكري تقوم فيه القوات الأميركية، في المقابل تشير التسريبات الأميركية إلى إمكان تغيير الإستراتيجية المتبعة، مع خيارات عسكرية ضد الدولة السورية، كانت حتى وقت قريب تكتفي بالإشارة إليه ولو مواربة. فماذا يعني ذلك؟ ليس جليا إلى الآن، إن كانت واشنطن ستكتفي برفع الصوت والتهديدات من دون الإقدام عليها، وليس واضحاً أيضا إن كانت الإجراءات الدفاعية التي اتخذتها موسكو ، كافية كي تثني الأميركيين عن عمل عسكري قد تقدم عليه. مع ذلك، تبدو الإجراءات المتخذة من قبل الطرفين، لا تشير فقط إلى مجرد كباش على الأراضي السورية أو ربطا بأزمتها، رغم تقدير الجانبين المسبق ، بأنهما لن يتسببا نهاية الأمر بمواجهة عسكرية مباشرة بينهما، لكن مع الظهور بأنهما واصلان إلى حدود هذه المواجهة، لكن دون المباشرة الفعلية لها.فموسكو اتخذت خطواتها، إزاء التوتر السائد مع واشنطن، بناء على تقدير وليس تأكيدات بأن واشنطن تنوي بالفعل القيام بشن ضربات عسكرية ضد الدولة السورية، ما يعني ، أن انتفاء النية أو التخفيف من صورها ،سوف يهدئ الأجواء بين الطرفين. وما يعزز تلك الأجواء، اعتبار واشنطن أن روسيا نشرت في سوريا منظومة أس اس 300 ـ في 4 ، كإجراء دفاعي. وبحسب مسؤول أميركي وصلت المنظومة إلى القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، لكن لم يثبت حتى الآن، أنها جاهزة للعمل. ويشار إلى أنّ منظومة الصواريخ هذه تغادر للمرة الأولى الحدود الروسية، وهي مصممة لمواجهة الطائرات وصواريخ «كروز». ومن الممكن أن  يثير نشر هذه المنظومة قلقاً خاصاً في الولايات المتحدة، اذ ليس لدى "جبهة النصرة" والجماعات الأخرى أي طائرات في سوريا، ما يعني أنها مخصصة لمواجهة أي نوع من صواريخ "كروز " الأميركية في حال هجوم في سوريا.

      في المحصلة ثمة عشرات بل مئات حالات التوتر عالية المنسوب قد ظهرت بين موسكو وواشنطن، إلا أنها لم تتطور إلى حدود المواجهات المباشرة، وظلت في اطر الاشتباك غير المباشر الذي ترجم بصور وأشكال مختلفة. وفي أي حال من الأحول ، ثمة ظروف خاصة حاكمة لعلاقة الطرفين في الوقت الراهن ، من بينها الفترة الانتقالية للإدارة الأميركية، وبالتالي عدم ذهاب الإدارة الحالية إلى مواجهات تكبل الإدارة القادمة وتعيق عملها، إضافة إلى أن الوضع الاقتصادي المعروف الذي تعاني منه روسيا بسبب العقوبات الاقتصادية ، لا يسمح لها بالتحرك وفق سقوف عالية.

 

حكومات لبنان بين التكليف والتأليف

حكومات لبنان بين التكليف والتأليف
د. خليل حسين
لا يشكل تكليف أو تشكيل الحكومات في معظم الأنظمة الدستورية في العالم، مشكلة أو هماً سياسياً أو وطنياً ذات شأن، إذ إن الأغلبية في المجالس النيابية، هي من تفرض رئيس الحكومة وتشكيلته. إلا أن الأمر في لبنان يبدو مختلفاً بعض الشيء، بالنظر لارتباط الموضوع، بمسائل عدة يصعب تجاوزها بسهولة ومرونة، إذ إن مشكلات التكليف والتأليف في عهد اتفاق الطائف هي غيرها عما كانت الحال عليه قبل عام 1990.
ففي عهد وثيقة 1943، ودستور 1926، كانت تشكل الحكومات وفقاً لمشيئة ورغبة رئيس الجمهورية، الذي منحه الدستور سلطات واسعة في هذا الشأن، فهو الذي يعين رئيس الحكومة بعد مشاورات شكلية غير ملزمة، كما يعيّن تشكيلة الحكومة، فيما دستور 1990، حدد آليات التكليف والتشكيل، وفقاً لأنساق ملزمة، إن لجهة الاستشارات التي تلزم رئيس الجمهورية بتكليف من ينال أكثر الأصوات، أو لجهة إلزامية إطلاع رئيس المجلس النيابي عليها، أو لجهة المدد الدستورية ذات الصلة بعمل الحكومات وبياناتها الوزارية.
ففي لبنان شُكلت 68 حكومة، بينها 16 حكومة إبان الانتداب، و12 حكومة منذ عام 1990 أي بعد التعديلات الدستورية، وحالياً يأتي تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، بعد شغور رئاسي دام لسنتين ونصف السنة، حيث أخذت حكومة الرئيس تمام سلام زمام الحكم مكان الرئيس، وهي أطول حكومات لبنان عمراً.
وإذا كان انتخاب الرئيس ميشال عون، شكَّل بارقة أمل لإنهاء مأزق دستوري وسياسي، فإن تشكيل الحكومة الحالية، يشكل منعطفاً في الحياة السياسية، بالنظر لاعتبارات عدة، إن لجهة التوقيت أو المدد الزمنية الممنوحة لها دستورياً وواقعياً، أو لجهة «المطبات السياسية»، التي يمكن أن تواجهها.
في أي حال من الأحوال، ثمة مؤشرات إيجابية تشي بإمكانية تذليل عقبات كثيرة عادة ما كانت تعترض تشكيل الحكومات، ومنها حصص الكتل النيابية والحزبية في الحكومة، ونوعية الحقائب الموزّعة على الكتل والطوائف والمذاهب، وبخاصة الوزارات السيادية، علاوة على بعض القضايا والمسائل التي تشكل حساسية ما في البيان الوزاري، وهي أمور أخذت وقتاً طويلاً في بعض الحكومات حتى نالت الثقة في المجلس النيابي.
إلا أن أغلبية الأطراف السياسية اللبنانية راغبة في إعطاء الرئيسين عون والحريري فرصاً قوية بداية العهد، وهذا ما عكسته نتائج الاستشارات النيابية الملزمة التي أفضت إلى إعطاء الرئيس الحريري 112 صوتاً من أصل 126، وهو من الأرقام العالية، التي تأتي في المرتبة الثالثة بعد الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة، وهو بطبيعة الحال أعلى من الرقم الذي ناله إثر الاستشارات التي أفضت إلى تسلمه رئاسة الحكومة عام 2009.
إن الظروف الداخلية والخارجية التي تحيط في عملية تكليف وتشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري، هي دقيقة جداً، بحيث تعكس توازنات إقليمية ودولية، متصلة بأزمات كثيرة، ويبدو أن ثمة توافقاً على تمرير هذا الاستحقاق بأقل الخسائر الممكنة لجميع الأطراف المعنية بالوضع اللبناني. وما يعزز ذلك الأمر الشق الداخلي من الموضوع وبخاصة الجانب الدستوري والقانوني، فمهما يكن من أمر، فالحكومة مرهونة بموعد محدد وهو 20 يونيو/حزيران 2017، وهو موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي المدد له، وبالتالي ستعد الحكومة مستقيلة حكماً.
وفي المقابل، إن أبرز عقبات التشكيل، مرهونة أولاً وأخيراً، بالبيان الوزاري الذي سيرسم الإطار العام لقانون الانتخاب العتيد الذي لطالما اختلف عليه اللبنانيون منذ عقود، ولم يتم الاتفاق على قانون يرضي أغلبية الشرائح السياسية اللبنانية، علاوة على توزيع بعض الحقائب الوزارية السيادية والخدماتية، التي تسببت سابقاً في إطالة عمر التشكيل، حيث وصل في إحداها إلى التسعة شهور، التي يشاع بأن وزارة الطاقة إحدى هذه الحقائب، لما تشكل من مرتكز اقتصادي ومالي على قاعدة تلزيم التنقيب واستخراج النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان.
ثمة الكثير من العقبات والشروط، والشروط المضادة التي واجهت انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة، لكن العبرة تكمن في قدرة اللبنانيين على تجاوز المطالب الفئوية والطائفية والمذهبية الضيقة، والخروج برؤى موحدة حول قضايا عدة مصيرية، خاصة وأن الظروف الإقليمية والدولية التي أفضت إلى إعادة تكوين بعض مراكز السلطة في لبنان، من الصعب أن تتكرر في المدى المنظور.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/391a78c5-d18a-40c1-8ae3-09d9f1516362#sthash.FVa8DPYO.dpuf

رئيس «صنع في لبنان»..

رئيس «صنع في لبنان».. مع حبكة خارجية غير معلنة                        
د.خليل حسين
اثنا عشر رئيساً لبنانياً انتخبوا في ظروف مختلفة، لكنها متماثلة في منسوب التأثيرات الخارجية، عشرة منهم حكموا فعلياً، فيما اغتيل اثنان، الأول الشيخ بشير الجميل الذي انتخب إبان الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان في عام 1982 والذي اغتيل قبل أيام من القسم الدستوري واستلامه السلطة، والثاني الرئيس رينيه معوّض الذي اغتيل بعد انتخابه بأسبوع والذي اعتبر نتاج تسوية اتفاق الطائف. وحكم بين العشرة الباقين، ثلاثة رؤساء مددت ولاياتهم ثلاث سنوات، إلياس الهراوي وإميل لحود في عهد اتفاق الطائف بين الأعوام 1990 و2006، والثالث الرئيس بشارة الخوري وهو الرئيس الأول بعد الاستقلال. وأيضاً بين الرؤساء العشرة، ثلاثة انتهت ولايتهم بفراغ رئاسي، إذ لم يتمكن المجلس من انتخاب بديل عنهما خلال المدة الدستورية، هما أمين الجميل 1988، إميل لحود 2006، وميشال سليمان 2014، الذي كان انتخابه نتاج تسوية الدوحة في عام 2008.
ومن بين العشرة أيضاً، ثلاثة رؤساء شغلوا قبل انتخابهم قيادة الجيش اللبناني، وهم فؤاد شهاب وإميل لحود وميشال سليمان، وإذا انتخب ميشال عون رئيساً، كما هو مؤكد، يكون الرئيس الثاني بعد الرئيس فؤاد شهاب، الذي عين كل منهما رئيس للحكومة قبل وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى.
وما يجمع بين الرؤساء الاثنا عشر، هو حجم التدخل الخارجي في إيصال كل منهم للرئاسة. حتى أن ثمة إجماع بين مؤرخي انتخابات الرئاسة الأولى، أنه لا رئيس صنع في لبنان، وأن هناك دائماً قطبة مخفية توصل مرشح على حساب آخر. فالرئيس الأول بعد الاستقلال بشارة الخوري، انتخب في ظل توافق فرنسي - بريطاني وغطاء عربي، على صيغة الثنائية التي اتسمت بها وثيقة 1943، فيما انتخب كميل شمعون إثر ما سمي بالثورة البيضاء لإنهاء ولاية الخوري الثانية، ورغم الثورة البيضاء التي أوصلته للرئاسة، انتهى عهده بثورة عليه نتيجة انحيازه للسياسات الغربية. ونتيجة لتسوية خارجية أيضاً، مع تأثير واضح للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، انتخب فؤاد شهاب رئيساً، والذي حاول أن يحكم بعد انتهاء ولايته في الظل عبر إيصال شارل حلو للرئاسة بحبكة فرنسية واضحة. ومهما قيل عن لبننة الاستحقاق الرئاسي إبان انتخاب سليمان فرنجية في العام 1970، ثمة الكثير ممن يشككون بوصوله دون تدخل أو ضغط خارجي، وإن يُقال إن الصوت المرجح كان لكمال جنبلاط آنذاك في محاولة لإقصاء مرشح الشهابية إلياس سركيس، والذي انتخب مع دخول سوريا على خط الأزمة اللبنانية في عام 1976 وبغطاء عربي. فيما انتهى عهد الرئيس أمين الجميل في عام 1988 بحكومة عسكرية تقلّد رئاستها العماد ميشال عون، والذي أطيح به بعد اتفاق الطائف وتم نفيه إلى باريس.
اليوم يشهد لبنان مخاضاً طويلاً لانتخاب رئيس للجمهورية، بعد فراغ دستوري استمر لأكثر من سنتين، وبعدما استهلك تعيين 45 جلسة لم يتم فيها التوصل لانتخاب رئيس، بات من المؤكد ونتيجة تسوية داخلية خلطت فيها الكثير من الأوراق، مع حبكة خارجية غير معلنة، من المؤكد وصول ميشال عون لرئاسة الجمهورية. لكن السؤال الأهم في ذلك، ماذا بعد الانتخاب؟
ثمة سوابق كثيرة في الحياة السياسية والدستورية اللبنانية، إبان اتفاق الطائف والدوحة وقبلهما، متصلة بتشكيل الحكومات، والتي باتت المحور الرئيسي بعد اتفاق الطائف لإدارة الحكم، حيث بات مجلس الوزراء هو الحاكم مع رئيس الجمهورية، وبالتالي ما مصير التكليف والتشكيلة الحكومية؟ فهل سيكون الممر مرناً ومريحاً في التعاطي؟ أم أن وعوداً قد أعطيت وستجد صعوبات في تنفيذها؟ ما سبق من حالات تشي بهذه الافتراضات والتساؤلات،إذ ثمة حكومات استلزم تشكيلها شهوراً كثيرة، عكست موازين قوى داخلية وخارجية محيطة بلبنان، وهو أمر قد تعوّدت عليه الحياة السياسية والدستورية اللبنانية، وباتت جزءاً من الحياة السياسية المعاشة. ووسط كل ما يجري، ثمة كلام واضح للعديد من السياسيين اللبنانيين الفاعلين، يؤكد أن مسيرة التشكيل ستطول، وهي بطبيعة الأمر، ستعكس ما يجري حول لبنان من أحداث، وثمة من يقول، إن طبيعة الظروف الخارجية هي التي ستتحكم في منسوب نجاح العهد القادم من عدمه، فهل يعي اللبنانيون ذلك ويكون الرئيس المقبل صناعة لبنانية خالصة؟ ثمة الكثير من المعطيات تشي بعكس ذلك.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/515d2243-7b4a-4f19-80c5-274004356537#sthash.Pkjglavj.dpuf