25‏/04‏/2012

البُعد الأمريكي - الصيني في حرب السودانين

البُعد الأمريكي - الصيني في حرب السودانين
أ.د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 25/4/2012
ثمة هواجس أميركية كبيرة من صعود الصين الاقتصادي خلال العقد الماضي، وما يعزز هذا القلق العديد من التقارير الاقتصادية ذات المصداقية وفي طليعتها صندوق النقد الدولي الذي يتوقع بأن يتجاوز حجم الاقتصاد الصيني نظيره الأميركي في حلول العام 2016 لجهة تعادل القوة الشرائية. وترى العديد من المؤسسات البحثية الدولية أن الاقتصاد الصيني أصبح منذ العام 2010 الأول في العالم. كما تخشى الولايات المتحدة فعليا من أن يؤدي تفوّق الصين اقتصاديا نهاية الأمر إلى تهديد زعامتها، وقد أقرّت واشنطن مؤخرا عبر وزير دفاعها الأسبق الرئيس الحالي للبنك الدولي بول وولفويتز، بأنها تعمل على منع ظهور أي منافس أو سلطة من السيطرة على أي منطقة إستراتيجية لجهة الموارد يمكن ان تكون كافية لتوليد قوة عالمية ذات تأثير فاعل في النظام العالمي القائم .

فالولايات المتحدة، التي تعد أكبر مستورد ومستهلك للنفط الخام في العالم, تعتبر الصين تحدّيا لا يستهان به في القارة الأفريقية، حيث إن الصين، بقيادة رئيسها هوجينتاو، استطاعت خلال العقد الأخير أن تصبح حليفا قويا لبعض الدول الإفريقية ، وبخاصة السودان، باعتبارها أكبر مستورد للنفط السوداني، والمصدر الرئيس لتسليح الحكومة السودانية.

ويعود البُعد النفطي الأمريكي في السودان إلى توقيع اتفاقية أديس أبابا 1972 إبان عهد الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، التي أوقفت الحرب بين شمال السودان وجنوبه لبعض الوقت، حيث فتح المجال للاستثمارات البترولية في السودان، وتولت المهمة شركة شيفرون العام 1974،والتي استثمرت مليار دولار أميركي في حفر 52 بئرا، منها 34 بئرا جاهزة للإنتاج. وفي العام 1981، اكتشاف شركة شيفرون حوض هجليج الذي يدور الصراع حوله حاليا بين الخرطوم وجوبا، والذي يقدر مخزونه النفطي حوالي 236 مليون برميل. وفي العام 1984 وبدون أسباب منطقية أوقفت شيفرون عملها في السودان بعد عشرين عاماً من التنقيب. ويقال ان خلفية الإيقاف تعود إلى حسابات واشنطن استغلال نفط السودان بعد العام 2020، طالما أن نفط الخليج يتدفق بانتظام . ولم تكن واشنطن تتوقع أن تقوم شراكة إستراتيجية بين الخرطوم وبكين تربك حساباتها النفطية وترتيباتها لاستغلال مخزون النفط العالمي وفقا لخططها.وبالفعل أصبح السودان شريكا استراتيجيا لبكين ضمن أجندة صينية طموحة للاستثمار في القارة الأفريقية. ومن الواضح ان واشنطن لم تغض الطرف أو تتناسى اكتشافات شركة شيفرون ما يفسر موقفها تجاه الخرطوم في السنوات الماضية.

يشار إلى ان القارة الأفريقية تتمتع باحتياط نفطي كبير، فمعدل اكتشاف هذه الاحتياطات كان الأسرع في العالم خلال السنوات الخمس الماضية، طبقا لما صدر من معلومات عن هيئة مجلس كوروبوريت الأميركي حول أفريقيا. ويؤمن غرب أفريقيا الآن حوالي 15% من واردات النفط الأميركية، ويتوقـع أن يرتفع إلى 25% في حلول العام 2015.إضافة إلى ذلك يشكل نفط غرب إفريقيا فرصا جاذبة لجهة نوعيته وقصر عمليات نقله إلى الولايات المتحدة.

طبعا ثمة بؤر أخرى للتنافس الأمريكي الصيني ومن بينها العراق مثلا، حيث فازت الصين بثلاثة عقود من اصل 11 عقدا لتنمية حقول نفطية فيما فازت الولايات المتحدة فقط باثنين فقط ما يعزز فرص النزاع غير المباشر،ويبدو ان السودان وجنوبه كانا الحلبة الأبرز لإدارة الصراع المستتر حتى الآن.

ثمة دافع تنافسي من الصعب إغفاله والمستتر بذريعة العمل الإنساني، وهو الوجود الصيني في منابع النفط في جنوب السودان.فثمة إحلال وإبدال حدث في الحالة الليبية باعتبارها من أكبر مصادر الصين النفطية، وقبل التدخل الدولي لحماية المدنيين اضطرت الصين لترحيل عشرات الآلاف من خبرائها ومهندسيها من الأراضي الليبية لتحل محلها القوى الاقتصادية المقترحة لإعمار ليبيا.وهو ما يشبه إلى حد بعيد الوجود الصيني في جنوب السودان والذي لا يمكن لواشنطن غض الطرف عنه. وإذا كانت الشركات الصينية تسيطر على عقود البنى التحتية من بناء السدود والجسور في السودان الشمالي، فإن الدور عينه تلعبه الصين حاليا في عقود التنقيب عن النفط في دولة جنوب السودان.

ما يخفف من صورة التنافس الأمريكي - الصيني وعدم انفلاته إلى صور عنيفة ومباشرة،هو اعتماد بكين لإستراتيجية الربح بالنقاط لا بالضربات القاضية،وهي إستراتيجية أثبتت فعاليتها وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفرّد الولايات المتحدة في قيادة العالم عبر الضربات القاضية وتحت مسميات الحروب الاستباقية أو الوقائية.























19‏/04‏/2012

حرب السودان وتداعياتها
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 19/4/2012

ربما الاستنتاج الأسرع والأوضح الذي يمكن التوصل إليه في وضع السودان الحالي، أنه خسر جنوبه، ولم يربح السلام.والمفارقة فيما يمر به السودان حاليا،لا يعدو كونه سلسلة من النزاعات التي طبعت تاريخه السياسي المعاصر كما الحديث،فالتدقيق في الوقائع والأحداث التي مرَّ بها، توضح جملة من الأسباب التي أسهمت في تأجيج الخلافات الداخلية، ودوام استثمارها خارجيا لمصلحة أو أخرى.
فالسودان كغيره من الدول العربية والإفريقية، الذي رُتب وضعه على عجل،فلم يراع فيه لا حدوده السياسية ولا تجمعاته القومية والاتنية.فهو تاريخيا اعتبر الحديقة الخلفية لمن حكم مصر، وهو أيضا ورقة المساومة والضغط على مصر في أدائها السياسي إبان حكم العثمانيين والبريطانيين والفرنسيين فيما بعد،علاوة على مجموعة من الفواعل الإقليمية الصغيرة المجاورة. وبذلك تجمّعت كل أدوات ووسائل النزاعات لتعطيه ميزة بلد الحروب الدائمة ،والذي يختصر بشكل أو بآخر الكثير من الكيانات السياسية الأفريقية.
فمشكلة السودان ليست بحديثة العهد، ولا هي وليدة انفصال جنوبه، بقدر ما هي تقاطع عناصر التاريخ والجغرافيا في منطقة هي الأشد حساسية في تركيبتها الاتنولوجية وتداعياتها الجيوبولتيكية، والأغرب في كل ذلك سرعة انجرار أطرافها في لعبة أكبر من ان يديروها أو يكونوا مؤثرين حقيقيين فيها.
فاتفاق السلام الموقع عام 2005،فتح المجال كما كان يُصوّر إلى مشروع سلام أهلي داخلي،من خلال الاتفاق على استفتاء بشأن الجنوب بعد اثنين وعشرين عاما من النزاعات والحروب ارتكب فيها ما ارتكب من فظائع. أتى الاستفتاء عام 2011 وبموجبه انفصل الجنوب في تموز/ يوليو 2011،بمواصفات دولة هجينة تحمل بذور الصراع مع الشمال، وببعد تاريخي يعود إلى العام 1956 تاريخ ترسيم الحدود السياسية والإدارية الداخلية والخارجية. والذي يستند الصراع الحالي عليه. إذ كان السودان في عهد الاستعمار البريطاني مقسما إداريا إلى منطقتين شمالية وجنوبية مختلفتين.
إلا ان العديد من الخرائط التي تركتها بريطانيا كذخيرة للنزاع الداخلي،لم تكن واضحة ولم يتم الاتفاق على تعديلها أو إعادة النظر بها لاحقا، ولذلك ثار النزاع مجددا بين الخرطوم وجوبا على مساحات ممتدة على 1800 كلم من الحدود المشتركة، والتي تضم أراض زراعية خصبة وموارد طبيعية نفطية وغيرها. ومن بين تلك المناطق أيضا،منطقتي آبيي وهجليج اللتين تشكلان بُعدا عاطفيا في الذاكرة الجماعية للشمال والجنوب ، حيث ينتمي قادة كل من المنطقتين إلى قبائل تعود أصولها وجذورها التاريخية والجغرافية إليهما.
ان منطقة هجليج التي شكلت شرارة النزاع القائم والتي تمكنت قوات الشمال من استعادتها بعد احتلالها من قبل قوات الجنوب، هي في الواقع إحدى رئتي الخرطوم المالية،إذ تنتج نصف موارده النفطية، وتعتبر من المناطق الإستراتيجية التي تستند الخرطوم إليها بعدما فقدت في تموز/ يوليو 2011 ثلاثة أرباع احتياطيها من النفط الذي كانت تملكه قبل انفصال الجنوب.
والبعد الآخر لمنطقة هجليج أنها تتبع لمنطقة آبيي التي تتمتع بوضع خاص وفقا لاتفاق السلام عام 2005، التي تشمل أيضا هجليج، لكن محكمة التحكيم الدولي في لاهاي حدّت من مساحتها في 2009 وفصلت عنها هجليج.
إلا ان الأمر لم يحسم،إذ ما زال الطرفان يتنازعان هجليج حيث تؤكد جوبا ان المنطقة وحقولها النفطية كانت في الجنوب حسب خرائط 1956. كما لم تحسم المحكمة مسألة ضم آبيي إلى شمال أو جنوب السودان. علاوة على ذلك كان من المفترض ان يتم استفتاء في كانون الثاني/ يناير 2011 حول المنطقة لكن الخلاف على من يحق له الاقتراع أجهض العملية برمتها،وفي أيار 2011 استولت قوات الخرطوم على المنطقة،وباتت سببا رئيسا من أسباب النزاع القائم حاليا. كما وضعت جوبا الانسحاب من منطقة هجليج شرطا لانسحاب الخرطوم من آبيي.
ثمة لائحة طويلة من أسباب النزاع القائم والتي يبدو أنها مرشحة للتفاقم أكثر فأكثر في المستقبل القريب، لكن الأمر لن يقتصر على ذلك بفعل التداعيات المحتملة في المنطقة التي تعج أيضا بخلفيات كثيرة، من بينها التداخل الاتني والقبلي والمذهبي في دول المنطقة،والتي تعاني جميعها من غليان التغييرات الحاصلة عربيا.فهل ستقف الحرب بين السودانيين عند هذا الحد أم ستمتد الأمور إلى الصومال وغيره أيضا؟.
لقد اتحد اليمنان في العقد الأخير من القرن الماضي، لكن قُسم السودان إلى سودانين في العقد الثاني من القرن الحالي، وثمة الكثير من المؤشرات التي تنذر بمزيد من الانقسامات في غير بلد عربي،فما العمل؟ ثمة حاجة ملحة لقراءة واقعنا العربي الذي يستلزم حلولا استثنائية لمشاكل وأزمات عمرها من عمر كيانات المنطقة وأنظمتها،فهل نحن واعون لما يجري فينا وحولنا وعلينا، يبدو أننا نحن العرب نعيش في كوكب آخر!








14‏/04‏/2012

اسرائيل بعد عام من الثورات العربية

إسرائيل بعد عام من الثورات العربية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الشرق الأوسط بتاريخ 13/4/2012

ثمة من يقول ان إسرائيل تنام قريرة العين وهي مطمئنة على وضعها،في ظل تلاشي أو انعدام الأخطار عليها، بفعل تشتت اهتمام العرب بأوضاعه الداخلية التي لا يحسد عليها.وثمة رأي إسرائيلي آخر ، مفاده ان الوضع العربي غير مطمئن بفعل ضبابية وضعه ،وعدم وضوح ما ستؤول إليه الأمور بخاصة في دول الطوق.
وبصرف النظر عن نظريات المؤامرة التي تفننا في تفسيرها وتفنيدها وشرحها نحن العرب،ثمة استنتاجات موضوعية وطبيعية في ظروفها ومكوناتها،بأن إسرائيل قد استفادت إلى حد كبير مما يجري في البلدان العربية عامة ودول الطوق خاصة.لكن الأمر لا يبدو بهذه البساطة وهذا التسطيح في التحليل.للعديد من الأسباب التي تبدو أيضا منطقية ولا يمكن تجاهلها.
فثمة أخطار لا تقل أهمية عما كان سائدا سابقا. صحيح ان معظم الأنظمة العربية قد اعتادت ، وعوّدت إسرائيل على نمط معين من الستاتيكو الذي أراح الطرفين العربي والإسرائيلي لعقود مضت مع وجود استثناءات قليلة هنا أو هناك، إلا ان المتغيّر الحاصل ليس واضحا إلى الحد الذي يمكن البناء عليه إسرائيليا واعتباره أمرا مقبولا في حده الأدنى ومن وجهة تكتية لا إستراتيجية.
فمعظم الثورات التي تمكنت من الظهور بمظهر المنتصر عبر توليها السلطة واقعيا لا عمليا،هي إسلامية التوجّه بصرف النظر عن نوعيتها ومستوى عدائها الإيديولوجي لإسرائيل. وعلى الرغم من كل التوصيفات التي تطلق عليها من هنا أو هناك ،فهي من وجهة النظر الإسرائيلية إسلامية وتكن العداء لإسرائيل بشكل أو بآخر،وربما تشكل خطرا عليها أكثر من أي بيئة سياسية تبنتها الأنظمة العربية سابقا.
وبعيدا عن التنظير أو التحليل،ثمة وقائع ميدانية تقود إلى استنتاجات واضحة وجلية. ففي مصر حيث وصل الإخوان المسلمين إلى البرلمان مثلا وهم يرشحون رئيسا من بينهم، في بيئة باتت معادية لإسرائيل بشكل علني ومختلف الوجه عن السابق، ففي بداية الثورة لم تسمع إسرائيل حتى شعارا معاديا لها،لكن ما لبث الأمر إلى ان انتقل إلى مرحلة إحراق السفارة الإسرائيلية في القاهرة وضرب أنابيب الغاز المصرية المغذية لها؛في ظل تنامي حركة الجهاديين في سيناء،وبشكل ملفت ويدعو إلى القلق الإسرائيلي سيما بعد تنامي وازدباد التنسيق مع الفلسطينيين في غزة،رغم خصوصية العلاقة مع حركة حماس في الفترة الأخيرة.
في المقلب الشمالي الآخر من الصورة في سوريا، وان كان الأمر مختلفا نوعا ما، فيبدو ان التشويش يلف الرؤية الإسرائيلية،صحيح ان الجولان لا زال هادئا،لكنه سجّل سابقة وان كانت مفتعلة في يوم الأرض العام الماضي.فعلى رمزيتها،فمن يضمن لإسرائيل مثلا عدم تكرارها بصورة متواترة وغير مضبوطة التحرك أو الأهداف العملية؟ وعندها سيكون الأمر مغايرا وسيكون الجولان مكانا مختلفا عما عُهِدَ لعقود خلت.
في المقلب الشرقي،حيث أطول الحدود مع إسرائيل،الأمر ليس مختلفا أيضا،صحيح ان الجبهة الأردنية هي آمنة رسميا بفعل معاهدة وادي عربة منذ العام 1993، لكن ثمة حراك إسلامي أردني قوي ومؤثر في الحياة الشعبية والسياسية الأردنية،وهنا مكمن الخوف الإسرائيلي مما هو غير مؤكد عمليا.فبين الفترة والفترة جرت عمليات ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي الأردنية ورغم محدودية فعاليتها،إلا أنها ترسم صورة إسرائيلية غير مريحة للوضع هناك.
مكمن الخوف الإسرائيلي الأكثر شدة ينطلق من الساحة اللبنانية، وهنا الأمر ليس متعلقا بالضرورة بالحراك الراكد أو المقنع،بقدر ما هو خوف من انفجار عسكري غير محسوب النتائج بدقة، وهو مرتبط بشكل عام بحسابات إقليمية أكثر منها لبنانية بحتة، وعليه فإن القلق الإسرائيلي هنا أعم وأشمل بفعل أبعاده وتداعياته التي يصعب السيطرة عليه.
أربعة وستون عاما من الصراع العربي - الإسرائيلي تخلله حروب تحريرية وتحريكية أيضا، لكن بمجملها كانت مضبوطة الإيقاع إسرائيليا،وكانت قادرة على استيعاب نتائجها وتداعياتها بيسر وسهولة بعد فترة وجيزة من انطلاقها، لكن ما يجري الآن في البلدان العربية هو بمثابة المعروف المجهول إسرائيليا، وهي المرة الأولى التي تقف القيادات الإسرائيلية أمام تحديات غير واضحة المعالم،عاجزة عن الإجابة عن السؤال المركزي،ماذا بعد الثورات العربية؟
ربما عام واحد غير كاف لرسم صورة واضحة المعالم عن منطقة تعج بالأزمات والتناقضات والمصالح، فيها أنظمة استهلكت نفسها في مواجهة إسرائيل بطرق عفا عليها زمن الحرب والسلم معا، والمضحك المبكي في هذه الصورة السريالية ، ان طرفي المعادلة الحقيقيين، إسرائيل وشعوب البلدان العربية يقفان حائرين عن تفسير ما يجري. شعوب عربية تبحث عن ضالتها، وإسرائيل تبحث عن أمنها وفي كلتا الحالتين، حيرة وغموض.فيما الحول السياسي والأمني نخر غالبية الأنظمة العربية دون التمكن من مواجهة إسرائيل أو السماح لغيرها بالمواجهة!



04‏/04‏/2012

مؤتمر الأمن النووي وآخر السلالات الشيوعية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الخليج الإماراتية بتاريخ 4/4/2012

في العام 2010 جمعت الولايات المتحدة الأمريكية في قمة واشنطن للأمن النووي 49 بلدا،وتوصلت إلى مجموعة من التعهدات المتبادلة مع روسية لجهة التخلص من 68 طنا من اليورانيوم عالي التخصيب والكافي لإنتاج 17 إلف سلاح نووي.واليوم أنهت كل من واشنطن وموسكو أيضا المؤتمر التكميلي في سيول، حيث تم جمع 54 بلدا ومنظمة للأمر نفسه. والمفارقة العجيبة الغريبة في هذا المؤتمر جدول أعماله المتوّج بالبرنامجين النوويين لكل من إيران وكوريا الشمالية وهما المغيبتان عن أعمال المؤتمر. والمفارقة الأغرب أيضا،ان انعقاد المؤتمر تزامن مع إطلاق بيونغ يانغ لتهديدات صريحة لشقيقتها الجنوبية في وقت دفنت فيه آخر زعمائها من السلالات الشيوعية المخضرمة في القرنين الماضي والحالي.
قمة سيول أنتجت بيانا لا جديد فيه ، وهو تكرار لما سبقه قبل عامين من الزمن، وقد تضمّن المبادئ الرئيسة للأمن النووي، وآليات مكافحة الإرهاب بالأسلحة النووية وهي تكرار لعدد من المعاهدات المعقودة سابقا في ظل الأمم المتحدة،وكذلك النشاط الإشعاعي عبر التخلص من المواد النووية كاليورانيوم عالي التخصيب والبلوتونيوم، وتعزيز آليات حماية المنشآت النووية والاجراءات الرامية إلى منع الأنشطة النووية.كما شدَّد البيان على تعزيز الدعم لأنشطة المنظمات الدولية كالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأمن المعلومات الحساسة المتعلقة بالأسلحة والمواد النووية، وسبل تعزيز القدرة في المجال التقني المطلوب لتحقيق الأمن النووي.كما جدَّدت الدول تعهداتها في قضايا عدة مثل خفض اليورانيوم عالي التخصيب وإبرام الاتفاقية الدولية المتعلقة بالأمن النووي والانضمام إلى البروتوكول الإضافي وإنشاء مراكز تدريب حول الأمن النووي.
وإذا كان بيان المؤتمر يشكل تكرارا لما سبق،فأين الجديد ؟ في الواقع إن المعني بهذا المؤتمر تحديدا دولتين كانتا غائبتين حاضرتين في أعمال المؤتمر وهما إيران وكوريا الشمالية.قبل سنتين كانت المفاوضات مع بيونغ يانغ قد توقفت بعد شعورها بأن الغرب نكث بوعوده في تقديم المساعدات الاقتصادية،فتابعت برامجها بعدما أجرت تجارب عملية،وحجزت فعليا وواقعيا حيزا في النادي النووي بصرف النظر عن الاعتراف به أم لا،كما بدت وكأنها الدولة الشيوعية الوحيدة الباقية من مخلفات القرن الماضي تعاند التاريخ والجغرافيا معا،لتثبت للعالم أنها دولة نووية ولو على حساب شعبها الذي يعتبر من أفقر شعوب العالم الذي لا يزال يختزن في ذاكرته الجماعية التقدير الكبير لزعاماته الراحلة.
في المقلب الإيراني الآخر وان يكن الأمر أقل حدة في الجانب التقني ،إلا انه يختزن كماً هائلا من التوجّس والخوف الإسرائيليين في المنطقة، ورغم ذلك فقد تمكنت من مراكمة الكثير من القدرات النوعية النووية خلال السنتين الماضيتين، وتمكنت من بلع وهضم كافة المحطات التفاوضية السابقة وهي تناور اليوم لفتح نافذة تفاوضية جديدة بهدف امتصاص الضغوط الغربية عليها،وهي ستنطلق في 13 نيسان في اسطنبول في إطار الخمسة زائدا واحدا.
والمفارقة اللافتة الأخرى في المؤتمرين 2010 و2012 ،تغيّب إسرائيل عنهما بداعي سياسة الغموض التي تتبعها في برنامجها النووي منذ انطلاقته في العام 1956،رغم تأكيد العديد من التقارير الاستخبارية الموثوقة عن امتلاكها لرؤوس نووية تزيد عن الأربع مئة.
وبصرف النظر عن مآلات المؤتمر وما توصلت إليه الدول المعنية، ثمة ملاحظات من الصعب القفز عنها وتناسيها أو تجاهلها،وهي أولا، ازدواجية المعايير في التعاطي مع الملفات المتماثلة وبخاصة مع إسرائيل.وثانيا ان ثمة إصرار واضح من قبل كوريا الشمالية للمضي ببرامجها يقابله خنث بالوعود الغربية. وثالثا ثمة تقدم واضح في البرنامج النووي الإيراني بصرف النظر عن نوعيته وحجمه وإمكاناته.ورابعا ثمة إصرار عربي على المتابعة الإعلامية وإحصاء الترسانات والإصرار طبعا على مشاريع الشرق الأوسط الخالي من الأسلحة غير التقليدية بصرف النظر أين وكيف ومتى يصرف في السياسة قبل الأمن.
طبعا عالمنا اليوم بحاجة لكم هائل من الاستثمارات بهدف إشباع البطون الجائعة في وقت تُصرف فيه مئات المليارات على برامج غير قابلة للاستعمال عمليا. فكوريا لا زالت تعتبر برنامجها درة السلالات الشيوعية التي سادت ثم بادت.وإسرائيل التي لا زالت تحترف فن التلاعب بمصيرنا ووجودنا،فيما إيران تخيط وتخصب السجاد النووي على طريقتها السلحفاتية، أما نحن العرب فلا زلنا نتغنى بماضينا في الرياضيات والكيمياء وغيرها من العلوم،فيما غيرنا قد قطع أشواطا في تكريس العلم والمعرفة لحماية أمنه الاجتماعي والسياسي قبل العسكري والأمني. إنها فعلا مفارقة!

المخابــرات ودورهـــا فــــي إدارة الصــــراع الدولـــــي

اسم الطالب : كارزان صالح محمود
موضوع الرسالة :المخابــرات ودورهـــا فــــي إدارة الصــــراع الدولـــــي
الشهادة: الماجستير في العلوم السياسية
تاريح مكان المناقشة بيروت:2/4/2012
الدرجة :جيد جدا


تُعَد ظاهرة الصراع الدولي واحدة من أبرز ظواهر العلاقات الدولية التي طالما استقطبت أنظار ودراسات المهتمين بالعلاقات الدولية، فقد ظهرت العشرات من الدراسات والأبحاث محاولة فهم طبيعتها وإيجاد أنجع الوسائل الممكنة في إدارتها، من خلال دراسة جوانبها وتداعياتها، لاسيما دور المخابرات في الصراعات الدولية।ونظراً لأن النجاح أو الفشل في إدارة الصراع الدولي، باختلاف أشكاله، تتوقف على الطريقة التي تفسر بها الحقائق، وعلى الأسلوب الذي يُستفاد به من هذه الحقائق، وبالتالي التخطيط من خلالها، فثمة علاقة حقيقية بين المخابرات والصراعات الدولية، فالعلاقة بينهما تكتسب تأثيرها من مدى ما يمكن تحقيقه من غايات لكسب الصراع المراد إدارته.
والمخابرات تعتبر من أهم الوسائل في إدارة الصراع الدولي وعنصراً ملازماً لها، خاصة بعد التطورات التكنولوجية التي شهدها العالم مع بدايات القرن الحادي والعشرين، والتحول الكبير الذي شهدته الحروب بعد خروجها من صورها التقليدية. فبعد أن كانت تدار بواسطة الجيوش والصدام المباشر بينها في ساحات القتال صارت اليوم تدار من قبل أجهزة ومؤسسات متعددة، من ضمنها المخابرات. فهذا الجهاز الحساس يُلقي بظلاله على أغلب الصراعات في عالم اليوم، وذلك من خلال جمع المعلومات وتحليلها لصناع القرار السياسي الخارجي من جهة، وتنفيذ هذه السياسة من جهة أخرى، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم عسكرية أم ثقافية. ولذلك نجد الكثير من الدول يستخدم جميع السبل المتطورة في هذا المضمار، وينتهج وسائل ومعايير مخابراتية حديثة لإدارة الصراعات الدولية المعاصرة.
ويوجد في العالم العديد من أجهزة المخابرات، فنادراً ما نجد دولة لا تمتلك جهاز مخابرات ضمن مؤسساتها المختلفة، مع الأخذ بنظر الاعتبار قدرة الدول على استغلال هذا الجهاز بصورة يمكنها من إدارة صراعاتها الدولية بالشكل الناجح. وأغلب الدول، وخاصة في العالم الثالث، تَستَخدم المخابرات لحماية أمنها الداخلي من محاولات التجسس عليها أو اختراق أمنها القومي ومؤسساتها القائمة. وهذا ما يمكن أن يطلق عليه اسم المخابرات الدفاعية. أما الدول المتقدمة التي لها دور كبير في الصراعات الدولية فتمتلك العنصرين الهجومي والدفاعي في نفس الوقت، وهذا ما جعلها تتميز بالقدرة على لعب هذا الدور في الساحة الدولية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين، فضلاً عن إسرائيل التي لا تتوانى عن الزج بمخابراتها في صراعاتها، خاصةً مع الدول العربية، وهذا ما يجب ذكره كنموذج للمخابرات في العالم. وكل ذلك لا يجعل بالضرورة الاعتقاد بأن هذه الدول فقط هي التي تمتلك القدرة على تسخير مخابراتها في صراعاتها الدولية، فهناك الكثير من الدول التي تمتلك أجهزة مخابرات يمكن أن تلعب دور في الصراعات الدولية.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في الكشف عن مدى الدور الذي يمكن أن تلعبه أجهزة المخابرات في إدارة الصراع الدولي، وكذلك الوسائل والأدوات التي يمكن استخدامها في إدارته، والكشف عن دور المخابرات الأمريكية، بصورة خاصة، في الصراعات التي تكون الولايات المتحدة طرفاً فيها، وذلك من خلال الخوض في شكل المؤسسات المخابراتية التي تعمل في أمريكا، وهيكليتها، ومدى إسهامها وتأثيرها في بلورة القرارات التي تتخذها الإدارة الأمريكية من جهة، وتنفيذ هذه القرارات من جهة أخرى.
تقود الدراسة إلى موضوع مهم حاول الطالب التحقق منه وهو: هل أدى تغير طبيعة الصراعات الدولية التي تسود العالم اليوم إلى تغيير مماثل في وسائل وأدوات إدارة الصراع الدولي التي كانت سائدة حتى وقت قريب؟ وهل باتت هذه الوسائل والأدوات غير منسجمة مع الوضع الدولي الجديد؟ مثل هذا الموضوع يدفع إلى التساؤل عّما هي الوسائل والأدوات الإستراتيجية التي يمكن من خلالها تسخير جهاز المخابرات لإدارة الصراعات الدولية؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المخابرات في إدارة الصراع الدولي؟
اعتمد الطالب عدة مناهج علمية رئيسة في الدراسة، فقد تطرق إلى التطور التاريخي الذي مرت به أجهزة المخابرات. ولهذا استعان بالمنهج التاريخي الذي ساعد في الوقوف على أهم المحطات التاريخية التي نشأت فيها المخابرات بصورة عامة، والأمريكية بصورة خاصة. واعتمد كذلك على المنهج الوظيفي لمعرفة الوظائف والمهام الرئيسة التي تقوم بها اغلب أجهزة المخابرات، وفي مقدمتها المخابرات الأمريكية، ومعرفة الدور الذي يمكن أن تلعبه في إدارة الصراع الدولي. كما استعمل المنهج التحليلي لكشف العلاقة بين المخابرات وإدارة الصراع الدولي عن طريق تحليل المواقف والاتجاهات.
وتم تقسيم الدراسة إلى مقدمة وفصل تمهيدي وفصلين يعالجان الموضوع المطلوب، وفي النهاية خاتمة، وذلك على الشكل الآتي:
- الفصل التمهيدي: تناول مفهوم المخابرات والصراع الدولي، وتطرق إلى تاريخ نشأة المخابرات وأهم أجهزتها في العالم.
- في الفصل الأول: تحدث عن وظائف المخابرات ودورها في إدارة الصراع الدولي. وتضمن الفصل مبحثين، تناول الأول الوظائف الرئيسة للمخابرات، وتم حصرها بجمع المعلومات وتحليلها ومكافحة التجسس. وتناول المبحث الثاني دور المخابرات في إدارة الصراع الدولي، وبشكل محدد الدور العسكري والدور السياسي والدور الاقتصادي والتكنولوجي.
- في الفصل الثاني: عالج دور المخابرات الأمريكية في إدارة الصراع الدولي. وتضمن الفصل مبحثين، تناول الأول نبذة تاريخية عن نشأة المخابرات المركزية الأمريكية وأهم أجهزتها ومهامها. وتناول المبحث الثاني دور المخابرات الأمريكية في إدارة الصراع الدولي، من خلال الوسائل السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، مع تركيز على الوسائل العسكرية.
ناقش الطالب رسالته بتاريخ 2/4/2012 أمام اللجنة المكوّنة من الدكاترة محمد المجذوب وجورج عرموني وخليل حسين ووليد عبد الرحيم،حيث منحت اللجنة الطالب شهادة الماجستير في العلوم السياسية/اختصاص علاقات دولية بدرجة جيد جدا.
بيروت:2/4/2012 أ.د.خليل حسين

اسم الطالب : عيسى محمد عبيد
موضوع الرسالة محكمة العدل الدولية ودورها في تطوير قواعد القانون الدولي الجنائي
الشهادة الماجستير في الحقوق/ اختصاص القانون العام

تاريخ ومكان المناقشة بيروت:23/3/2012
الددرجة :جيد جدا



أصبحت قواعد القانون الدولي العام، بحكم تطورها واستقرارها، مرجعاً أساسياً في تنظيم علاقات المجتمع الدولي، حتى أن بعضها راح يلامس علاقات الأفراد فيه। ونجد هذه القواعد ماثلة في المواثيق الدولية والمعاهدات الشارعة والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تبرم برعاية الأمم المتحدة।



إلا أن الجهود المبذولة لقيام شرعية دولية في ظل الأمم المتحدة ما زالت تتخبط في أتون المصالح الدولية، التي ما زالت تعتمد على منطق القوة. والمؤسف أن المجتمع الدولي يشهد تطبيق قوة القانون الدولي في الدول النامية حصراً، وينأى عن تطبيقها في الدول الكبرى وحلفائها. ولم يقف هذا التناقض القائم على تطبيق قوة القانون الدولي وقواعده على فئة معينة من الدول، وإنما امتد إلى قواعد القانون الدولي الإنساني من خلال التمييز بين إنسان وآخر، فهو مطبق وملزم لإنسان الدول النامية، وشديد الرحمة والبعد عن التطبيق بالنسبة إلى إنسان الدول الكبرى وحلفائها. ولهذا تظهر شرعية القوة بوضوح في المجتمع الدولي الحديث من خلال التطبيق الفعلي لقانون القوة وفق المعايير النفعية والمصلحية لدول نادي العضوية الدائمة في مجلس الأمن. ورغم ما يعانيه المجتمع الدولي من آثار التطبيق المزدوج والانتفائي للقواعد القانونية الدولية فإن القانون الدولي العام استطاع أن يخطو خطوات هامة في كل فروعه، فيطور قواعده ويقنّن الأعراف ويستكمل إنشاء الهيئات المتخصصة برعاية مباشرة من منظمة الأمم المتحدة وبالإستناد إلى ميثاقها الأممي. ومما لا شك فيه إن وجود المنظمات الدولية هو الذي سمح بتنظيم الوظيفة القضائية على المستوى الدولي، وخصوصاً بإنشاء محاكم دولية دائمة، كمحكمة العدل الدولية الدائمة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، والمحاكم الإدارية المنشأة في إطار العديد من المنظمات الدولية للنظر في العلاقات بين المنظمة وموظفيها، على الرغم من وجود محاولات أخرى لم يكتب لها النجاح.
وكان لمحكمة العدل الدولية دور بارز وكبير في تطوير قواعد القانون الدولي العام بصفتها أعلى جهة قضائية في الساحة الدولية. وقد قامت المحكمة بهذا الدور من خلال تفسيرها لقواعد القانون الدولي وكشفها عن العديد من قواعد هذا القانون.ومن أمثلة القواعد التي اكتشفتها محكمة العدل الدولية، إضفاء الشخصية القانونية الدولية على المنظمات الدولية عندما أصدرت المحكمة رأياً استشارياً في قضية "الكونت برنادوت" حول مسألة تعويضات الأمم المتحدة عن الأضرار التي تصيب موظفيها أثناء تأديتهم وظيفتهم. وكان ذلك في 11/4/1949. وكذلك رأيها الاستشاري حول مسألة التحفظات عن منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1951، ورأيها الاستشاري حيث ذكرت المحكمة بوجوب عدم تعارض التحفظ مع جوهر وهدف المعاهدة، وحول وجود دولة جنوب أفريقيا في ناميبيا عام 1971، والإقرار بوجوب تطبيق نظام الوصاية مكان نظام الانتداب الذي كان سائداً في عهد عصبة الأمم. وهذا بالإضافة إلى العديد من المساهمات الأخرى التي قامت بها المحكمة من أجل تطوير قواعد القانون الدولي العام.
لم تكتف محكمة العدل الدولية بتطوير قواعد القانون الدولي العام المتعلقة بالدول، بل اهتمت كذلك بالأفراد، فهناك فروع من القانون الدولي العام تتعلق وتخص الأفراد بالدرجة الأولى، وهي القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وكذلك القانون الدولي الجنائي. وإلى جانب هذه القوانين هناك مجموعة من المعاهدات التي تتعلق بالقانون الدولي الجنائي. ويجب عند الاختلاف حول معناها، عرض الأمر على محكمة العدل الدولية. ومن هذه المعاهدات، معاهدة منع ومعاقبة جريمة الإبادة لعام 1948، والمعاهدة المتعلقة بوضع اللاجئين لعام 1951، والمعاهدة الدولية المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز العنصري لعام 1965، والمعاهدة المتعلقة بحظر التعذيب لعام 1982.
وقد عرض العديد من هذه المعاهدات على محكمة العدل الدولية التي سعت لتطوير المواضيع المتعلقة بالقانون الدولي الجنائي من خلال أحكام صدرت عن المحكمة وتتعلق بالقانون الدولي الجنائي، مثل قضية كورفو عام 1949، وقضية نيكاراغوا عام 1986، وقضية الأسلحة النووية عام 1996.
جاءت (المحكمة الجنائية الدولية) لتبلور الجهود الدولية المضنية ولإقرار نظام دولي يحظى بالقبول لدى الجماعة الدولية وملاحقة مرتكبي الجرائم التي تمس الكيان البشري وتهدد سلامته، ومجازاتهم. وعلى هذا النحو لم تعد سيادة الدولة ذلك السد المنيع الذي يستتر وراءه الحكام الطغاة، وكبار المجرمين الدوليين، بحجة الدفاع عن المصلحة العامة لشعوبهم.
والمحكمة مؤسسة دولية قضائية مختصة، تنوب عن المجتمع الدولي في تطبيق أحكام القانون الجنائي الدولي. وبوصفها كذلك فلها وحدها أن تنظر في الدعاوى الجنائية الدولية عندما يعجز القضاء المحلي عن ذلك. وهي لن تكون علاجاً فعالاً لكل مساوئ الإنسانية، ولن تقضي على الصراعات والمنازعات، ولن تعيد الحياة إلى المجني عليهم والسعادة لذويهم. وإذا كان من الصعب تطبيق العدالة على كل المجرمين الدوليين فإنه يمكنها على الأقل منع وقوع بعض الجرائم الدولية، وتقليص عدد الضحايا، ومعاقبة بعض المجرمين الدوليين، الأمر الذي سيساعد في النهاية على نشر السلام والأمن الدوليين.
تهدف الدراسة إلى توضيح دور محكمة العدل الدولية في تطوير قواعد القانون الدولي الجنائي، وإلى توضيح القواعد القانونية التي جاءت بها محكمة العدل الدولية وساهمت من خلالها في سد الثغرات في القانون الدولي الجنائي، وكذلك تبيان ما إذا كان ما جاءت به المحكمة مطبقاً في الساحة الدولية من طرف المنظمات الدولية، الحكومية أو غير الحكومية.
أما إشكالية الدراسة فتتمثل في كيفية نقل مكان محكمة العدل الدولية من موقع إلى آخر أي من موقع، حيث للمحكمة دور هام في إثراء القانون الدولي من خلال كشف وتفسير قواعده وحماية سيادة الدول ومكتسباتها. إلى موقع آخر وهو تطوير القانون الدولي الجنائي الأكثر إرتباطاً بالأفراد وحقوقهم؟ بكلام آخر كيفية التوفيق بين مصلحة الدولة السيدة الحاكمة ومصلحة الأفراد رعايا هذه الدولة الخاضعين لسلطتها؟
قسَّم الطالب دراسته إلى فصلين، حيث تناول في الفصل الأول موضوع محكمة العدل الدولية ونطاق اختصاصها وبحث فيه ماهية محكمة العدل الدولية من حيث طبيعتها وتكوينها وإختصاصها وولايتها. وكذلك بحث فيه أهم الجرائم الدولية وأركانها من حيث التعريف والأركان وأهم الجرائم الدولية الأربع.وتناول في الفصل الثاني القانون الدولي الجنائي وعلاقته بمحكمة العدل الدولية وبحث فيه المبادئ العامة للقانون الدولي الجنائي من حيث المفهوم والمصادر ومبدأ الشرعية الجنائية في القانون الدولي الجنائي والعلاقة بين القانون الدولي الجنائي بغيره من القوانين وعلاقته بمحكمة العدل الدولية. وبحث فيه عن أهم القواعد القانونية التي جاءت بها محكمة العدل الدولية وتطبيقات هذه القواعد المتعلقة بجريمة الإبادة وجرائم الحرب وجريمة العدوان.وتضمنت الدراسة خاتمة توصل فيها إلى بعض الإستنتاجات والتوصيات التي يمكن أن تسهم في إغناء الموضوع.
ناقش الطالب رسالته امام اللجنة المكوّنة من الدكاترة محمد المجذوب وجورج عرموني وخليل حسين ووليد عبد الرحيم،بتاريخ 23/3/2012، حيث منحت اللجنة الطالب عيسى محمد عبيد درجة الماجستير في الحقوق بدرجة جيد جدا.

بيروت:23/3/2012 أ.د.خليل حسين