25‏/02‏/2014

الارهاب يجرف لبنان إلى جنيف

الارهاب يجرف لبنان إلى جنيف
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 24/2/2014
 
        ثمة من اعتقد في لبنان ان حكومة المصلحة الوطنية التي ولدت بعد احد عشر شهرا ، ستنهي أو تخفف من جولات الارهاب التي تجرفه هذه الايام ، لكن سرعان ما تبيّن عمق الازمة اللبنانية وارتباطها الوثيق في الازمة السورية ، وبالتالي من الصعب النظر إلى مكونات حل الازمة اللبنانية من دون النظر إلى ما يجري في سوريا. ففي الماضي القريب دخلت السيارات المفخخة الساحة السياسية اللبنانية من بوابة معركة القصير السورية ، وازدادت حدتها مع فتح جبهة القلمون، ومع وصول مفاوضات جنيف السورية إلى حائط مسدود في جولتها الثانية، ومع ارتفاع نبرة الجدل الروسي الامريكي في اوكرانيا ومصر وغيرهما، ومع دخول قضية الصواريخ البالستية الايرانية على خط مفاوضات الخمسة زائد واحدا،يبدو ان خليطا من الاوراق الاقليمية الوازنة يُعاد تركيبها وإعادة جدولة استثماراتها في غير ملف تفصيلي في المنطقة.
       واليوم أيضا ، يُعاد تركيب جدولة الازمة السورية ونوعية الملفات المثارة في ادارتها ربطا بمجمل تفرعاتها التي بدا لبنان اليوم ، احد اضلعها الرئيسة. فبعد فشل جنيف 2 ، بات البحث عن مقدمات جنيف 3 امرا ضروريا في سياق تهيئة البيئة لإطلاق جولة المفاوضات القادمة ، ويبدو ان معركة يبرود في القلمون السوري ، فتحت الباب واسعا  لإعادة تعريف جديد لإدارة الازمة في المرحلة القادمة والتي سيكون للجبهة الجنوبية السورية ولبنان دور وازن فيها ، ما يعني مزيد من العبء السياسي والأمني على لبنان الذي يترجم هذه الايام بارتفاع منسوب الضغوط عبر السيارات المفخخة  في غير منطقة لبنانية ذات الدلالة والرمزية المحددتين.
     وما يعزز تلك الرؤى، المواقف اللبنانية المعلنة تلميحا وتصريحا قبل اطلاق الحكومة وبعدها مباشرة ، وما ترافق مع تفجيرات امنية تصرف سياسيا في هذا السياق. فهل ان لبنان وضع مباشرة وتزامنا مع ما حُضر ويحضر في جنيف السوري وحتى الايراني ؟ في مبدأ المقاربة واستنساخ ادارة الازمات السابقة يبدو ان الامر كذلك ، ما يعني ان لبنان ادخل بشكل مباشر وقوي في اتون الارهاب تحضيرا لمتغيرات ربما تمس تركيبة النظام السياسي القائمة،ان لم يكن كيانه ربطا بما يُحضر من جغرافيا سياسية للكثير من المعارك في المنطقة ، ومن هنا ان للإرهاب المزدهر حاليا في الساحة اللبنانية له صلة وظيفية للبيئة التي تحضر لرسم نظام اقليمي تبدو معالمه هلامية حتى الآن.
         في عقد الثمانينات من القرن الماضي ، وفي زمن التحولات التي كانت ترسم اقليميا ودوليا ، وضع لبنان تحت ضغط الاحتراب الداخلي بنكهات ولمسات خارجية واضحة ، وباتجاه تغليب الدور الخارجي في ادارة ازماته الداخلية، ربطا ووصلا في العديد من ملفات المنطقة، اليوم يبدو ان لبنان وضع مرة اخرى في هذه الصفة التوظيفية وان كانت بأدوات ووسائل مغايرة عما سبق ، لكن النتائج والآثار المبتغاة تبدو شديدة الصلة بنتائج ما يحصل في اقليميا.
      ويبدو ان قدر لبنان حتى ما قبل ولادته قانونا في العام 1920 ، مرتبط بتسويات وموازين قوى اقليمية ودولية ، وهو عرضة لمتغيرات سريعة عند  اي مفترق ليس بالضرورة ان يكون مفصليا في حياة امم وشعوب المنطقة ، فلبنان الذي بدا هلامي التكوين والمصير والمسار السياسي ، ارتبط واقعه بالكثير من المتغيرات وليس بالثوابت كما هو متعارف عليه في في حياة الامم والشعوب والدول.
       لقد اثبتت التجارب والسوابق الدولية ، ان من اخطر ادارات الازمات الاقليمية والدولية،ان تلصق وسائلها وموضوعاتها وأدواتها مع آثار وتداعيات ونتائج الافعال الارهابية ، وهذا ما ادخل لبنان عمليا فيه ، ما يعني بالمحصلة ان لبنان قادم على موجة كبيرة من العنف العبثي المترجم عمليا بالتفجيرات والموت المجاني ، وصولا إلى الترتيبات التي ستفرضها ظروف المرحلة القادمة، التي ليست بالضرورة ان تكون على غرار ما يشتهيه اللبنانيون.
      وإذا كان نجم جنيف قد لمع  مع ملفات الازمتين السورية والإيرانية مؤخرا ، فلبنان سبق وان تشرّف بهذه الميزة التي لا تتمناها اي دولة ، لكن قدر لبنان ، أو بالأحرى عدم قدرة ابنائه على تحديد مصيرهم ، هي من وضعت لبنان ومجتمعه في هذا المصاب الذي لا يحسد عليه!

 

14‏/02‏/2014

فدرالية اليمن وأخواتها

فدرالية اليمن وأخواتها
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 14/2/2014

       في العام 1945 انقسمت سبع دول عربية مستقلة حول جنس وطبيعة جامعتهم العربية، واستقر الرأي على كونفدرالية لا تغني ولا تسمن من جوع الوحدة بعدما رُفضت الفدرالية كآلية للوحدة الشاملة ، تحت مبررات وأعذار جلها تعود إلى تمسك الزعماء العرب آنذاك بسيادة دولهم ، وعدم الميل إلى الاندماج باعتباره يذيب الزعامات القطرية.
       اليوم انضم اليمن غير السعيد إلى مسار الفدرالية كنظام دستوري على قاعدة حل بعض جوانب الازمة الداخلية التي يتخبط بها ، باعتبار ان الحل يكمن في ست اقاليم ترتبط باتحاد هو أهون من الانقسام وأقل من الوحدة.فهل سيستقيم وضع اليمن في هذا الاطار من الحل المجرّب قبلا في غير منطقة من العالم ؟ وهل تكمن المشكلة في طبيعة أو نوع الاتحاد أو التعاون المقترح ؟ ثمة اسئلة كثيرة ومتنوعة بكثرة وتعدد خلفيات المشاكل لتي يتخبط بها اليمن كغيره من البلدان العربية الأخرى.
      لا شك ثمة اسباب وجيهة تحتم المجتمعات والشعوب المتعددة اللجوء إلى خيارات كانت مستبعدة في الماضي ، على قاعدة اهون الشرور اذا جاز التعبير السياسي والدستوري الذي يحكم بعض الأنظمة العربية ومنها اليمن. فاليمن الذي يهيمن عليه طابع النزاع القبلي الذي وصل في بعض مراحله إلى الاحتراب السياسي والعسكري ،  تجذر في الحياة السياسية والدستورية بعد فشل تجربتين قاسيتين ، الاولى تجربة الانقسام بين الشمال والجنوب ، وهي تجربة تعكس جو الحرب الباردة التي صبغت المنطقة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ابان مرحلة نشوء العديد من الكيانات العربية، والثاني اعادة تركيب ودمج اليمنين الشمالي والجنوبي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وموجة الوحدة والديموقراطية التي سادت غير منطقة في العالم.
      وفي ظل هذه الوحدة المزعومة ،  كانت ترسم مخططات اخرى في غير منطقة عربية لإعادة تفكيك وتركيب كيانات اخرى ، ومنها العراق على سبيل المثال، فالحروب التي خاضها في الخارج والداخل ومن ثم غزوه واحتلاله، هيأ البيئة المناسبة لإطلاق واستقرار الفدرالية السياسية ضمن اطر دستورية داخلية لأقاليم مختلفة في العراق ، وهي في المناسبة الخطوة الاولى التي خطاها نظام عربي باتجاه اقرار الفدرالية السياسية وهي بطبيعة الحال ، تعتبر انقسامات بغلاف دستوري مشرعن، لا يلغي صورة وفكرة التجزئة والانقسام والتفتيت التي نخافها نحن العرب اكثر من اي شيء آخر ، باعتبارها ربما الحالة الوحيدة التي تظهر عجزنا وضعفنا ، لكن في الواقع ثمة عشرات الأسباب للضعف والعجز والوهن الذي اوقعنا انفسنا به.
       في المقلب الآخر ثمة حالة اخرى ظهرت وأخذت مكانا وحيزا واسعا من النقاشات الفكرية في الحياة السياسية اللبنانية ، حيث طرحت فكرة الفدرالية وحتى الكونفدرالية كصيغ لحل الأزمات اللبنانية المتعاقبة فصولا وأشكالا وأنواعا منذ نشأة الكيان اللبناني في العام 1920. وعلى الرغم من عدم اقرارها أو اعلانها بصيغ دستورية وقانونية واضحة ، إلا ان بعض التفسيرات والممارسات الدستورية والقانونية والعرفية تخفي وراءها نوعا من الحنين باتجاه الفدرالية ، التي ترجمت وصرفت بطريق غير مباشر عبر اللامركزية الادارية الموسعة التي أخفت بدورها مطالب ذات نزعات سياسية طائفية مذهبية لا تخفى على احد.
      ان التدقيق في بعض الاوضاع الخاصة التي مرّت وتمر بها العديد من الأنظمة العربية ، توحي وتشير إلى العديد من المشاريع التي ظهرت في العقل الباطني لبعض دعاة التجزئة والتفتيت في المجتمع العربي.بدءا من اقصى المغرب العربي مع صحرائه وادعاء البوليساريو بها، مرورا بقضية الامازيغ والبربر وقضية جنوب السودان ولبنان والعراق والأردن وحتى بعض الدول الخليجية . باختصار ثمة خليط غريب عجيب يمكن ان يستثمر في اتجاه التفتيت والتجزئة التي تلمع صورتها بصيغ دستورية كالفدرالية التي ستستتبع حتما بالكونفدرالية السياسية التي تعني التقسيم وتشتيت طاقات الأمة العربية أكثر مما هي مشتتة.
      صحيح ان ثمة قضايا متصلة بأوضاع الاقليات القومية والاتنية والطائفية وحتى المذهبية تعشش في وطننا العربي ، وصحيح أيضا ان الفكر القومي العربي لم يستطع تجاوز مشكلة الاقليات وطرح الحلول لها ، وصحيح ان معظم الحكام العرب ، قد استفادوا من هذا الواقع المؤلم ، إلا ان جميع هذه الوقائع وان كان بعضها مبالغ به أو محجم لسبب أو لآخر ، فذلك لا يعني بالضرورة مضي العرب واستسلامهم لمشاريع التجزئة والتفتيت التي تُقدم بحلل وألوان ولبوس تبدو زاهية ووردية. صحيح ان مثل تلك المشاريع يمكن ان تكون حلا ناجعا في بعض الظروف، إلا انها ليست بالضرورة ان تكون ناجحة في بعض تجاربنا العربية. فمثال السودان الذي انتقل من فدرالية غير معلنة إلى التقسيم تحوّل جنوبه وشماله إلى مشروع حرب قائم ودائم لأسباب متعلقة بالموارد وبالتالي هي اسباب مالية اقتصادية أكثر من كونها اسبابا قومية أو اتنية او غيرها. اضافة إلى التجربة العراقية بعد دستور العام 2005 الذي اعتمد صيغة الاقاليم ضمن طبيعة فدرالية ، واليوم تبدو النزاعات الداخلية هي اقرب للصراع على الموارد منها على الخلفية القومية او غيرها.
       باختصار نحن العرب نعيش ازمات متلاحقة ، ومنها المسألة القومية وكيفية تجاوز بعض مشاكلها ، الحل يكمن في اعادة النظر في الكثير من المفاهيم ، وحتى في الأوهام التي نسجناها حولنا وحول فكرنا وعقائدنا. ربما يكمن الحل في اعادة قراءة موضوعية لمشكلة الأقليات والتبصر في كيفية حلها لئلا تصبح لاحقا ذريعة وسببا للنزاعات والصراعات البينية العربية وحتى ضمن المجتمع في البلد الو احد.

09‏/02‏/2014

مقدمات جنيف 3 وتوابعه

مقدمات جنيف 3 وتوابعه
د.خليل حسن
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 9/2/2014

      كما كان واضحا ان جنيف 2 لن يكون سوى بداية اعلانية لتوابع مستقبلية ، فإن جنيف 3 لن يكون أيضا سوى محطة اخرى في سياق مفاوضات متعددة الاطراف والأغراض ، بمعزل عن ما هو معلن بشأن خصوصية الأزمة السورية ومآلات مشاريع حلولها. وبصرف النظر عن التوصيفات التي اطلقت لجهة منسوب النجاحات والفشل في الثاني ، فان الموضوعية تقتضي الاعتراف بأن الثاني قد وضع اطراف الازمة المباشرين امام استحقاق لا بد منه وهو اللقاء اولا ، بعيدا عن الافكار والمواقف المسبقة لجهة الالغاء أو الاقصاء لأي طرف من الاطراف.
      وإذا كان جنيف 2 انطلق على مضض سياسي مقرون بتحدي امني عسكري للأطراف السورية ، فإن ما جرى منذ انتهاء جولة التفاوض لا تبشر بمتغيرات فارقة في موازين القوى الداخلية وبطبيعة الأمر الاقليمية من خلال بعض ملفات الازمة السورية المتفرعة، ما يعني ان جنيف 3 لن ينطلق من جديد محدد ،سوى التمحور حول نقاط جنيف 1 ، والعودة إلى المربع الاول حول الحكومة الانتقالية واسعة الصلاحيات لا وجود وازن للنظام فيها، في مقابل طروح محاربة الارهاب . وفي ظل هذين المتناقضين ليس واضحا كيف يمكن للراعي الدولي العربي الأخضر الابراهيمي ان يوازن دفة التفاوض ويجتهد في تدوير الزوايا المطلبية الاستراتيجية لكل الاطراف. ما يعني ان ثمة مسائل من الصعب ان تجد لها طريقا للحل في اللقاء القادم.
     ومن الواضح ان بيئة اي تسوية مفترضة يمكن الاتفاق عليها لاحقا هي بالضرورة نتاج توافق مصالح اطراف اقليمية ودولية متداخلة ،وبالتالي ان البحث في كنه هذه الجولة يستدعي النظر بما يجري في الخطوط الخلفية للمفاوضين. في الشأن الدولي الاميركي الروسي ثمة توافق مضمر ومعلن حول بعض القضايا ، اولها ان اي بيئة حل للقضايا الأساسية في المنطقة والتي من المفترض ان تراعي مصالح اطراف اقليميين ينبغي ان تؤخذ بعين الاعتبار ، فمن جهة يعتبر اتفاق الاطار بين ايران والغرب نقطة ارتكاز في التعاطي مع مسائل المنطقة الأساسية والفرعية ، وهي خاضعة الآن لشد وجذب كبيرين من الصعب حسم ملامحها قبل تموز القادم ، وبالتالي ثمة مزيد من الوقت ليس لجنيف 3 وإنما الرابع والخامس ....، كما ان الملف الكيمائي السوري الذي تدرج بمرونة واضحة في البداية ، لكنه يشهد الآن عثرات واضحة استدعت رفع اللهجة الدولية ومن بينها الاميركية الإسرائيلية .
      وبموازاة ذلك ثمة اذرع فرعية للأزمة القائمة تمتد على مساحة المنطقة من العراق إلى لبنان والعديد من المواقع ذات التأثير الضئيل ربما ، لكنها مرتبطة بشكل أو بآخر في سياق الضغوط على جدول التفاوض القادم.وعلى الرغم من محاولة كل الاطراف الاقليميين اعادة خلط اوراقها والتلميح بنسج خيوط جديدة لها دلالاتها كما حصل بين ايران وتركيا مؤخرا ، علاوة على الهجمة الاقتصادية والمالية الاستثمارية الاوروبية على ايران ، جميعها توحي بشكل أو بآخر إعادة النظر في بعض صيغ وأوجه التفاوض التي يمكن ان تعزز فرضية على حساب فرضيات أخرى. 
     وعلى الرغم من محاولة الاطراف السورية تكريس وقائع امنية عسكرية في محاولة لتحسين اوضاعها التي ستكون غير وازنة في المحصلة النهائية ، يبدو ان لعبة تقطيع الوقت هي السائدة والتي اقتنع بها الاطراف المباشرون وغير المباشرين في عملية التفاوض ، بهدف اتاحة الوقت لنشوء ظروف اخرى في الأشهر القادمة تعيد تنظيم اوضاعها مجددا.
     وفي ظل ذلك الوضع المعقد سياسيا ، يبدو ان بيئة الارهاب المنتشرة في غير بلد عربي قد وجدت طريقها للتموضع والانتشار بأشكال وأساليب مذهلة ، مستفيدة من الاستفادات المتبادلة لنتائجها الكارثية . فالإرهاب ابتلع معظم النظم العربية ومجتمعاتها بحيث باتت العمليات الارهابية وسيلة فضلى للتعبير عن الرفض لبعض المشاريع والرؤى السياسية ، وباتت أداة مثلى للضغوط الممارسة ضد اي طرف يعارضها. وبالتالي كيف سيكون مآل بند كيفية محاربة الارهاب في جنيف 3 ، وهل بالتالي سيحجب البنود الأخرى المواجهة ؟ ثمة الكثير من المعطيات والوقائع التي تشي بأن افق جنيف 3 سيتمدد في غير اتجاه بانتظار غربلة وفرز مصالح القوى النافذة في المنطقة وليست بالضرورة روسية وأميركية فقط!

      

08‏/02‏/2014

محمد خالد برع / توطين المعاهدات الدولية في ثنايا القانون الوطني

اسم الطالب محمد خالد برع
موضوع الاطروحة: توطين المعاهدات الدولية في ثنايا القانون الوطني
الشهادة المستهدفة : الدكتوراه اللبنانية في الحقوق
تاريخ المناقشة : 7/2/2014
اللجنة المشرفة: خليل حسين- كمال حماد - احلام بيضون - ابراهيم مشورب - ايلي كلاس
التقدير الممنوح : جيد جدا

04‏/02‏/2014

مفارقة الرئاسة المصرية

مفارقة الرئاسة المصرية
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
      في العام 1952 استلم اللواء محمد نجيب السلطة في مصر وانهي الحكم الملكي فعليا . ما لبث ان قاد الثورة التصحيحية الثانية الزعيم الراحل عبد الناصر في العام 1954، وهو من مجموعة الضباط الاحرار أيضا الذين استلموا السلطة في العام 1952.استمر عهد ناصر حتى وفاته في ايلول 1970, اسلتم السلطة نائبه انور السادات وهو من ذات الحقبة العسكرية والسياسية حتى اغتياله في العام 1981، فتولى الرئاسة حسني مبارك وهو أيضا من رفاق السلاح والسياسة حتى عزله بانتفاضة 25 يناير 2011.
         من هذه المفارقات الأبرز ان ثلاثة عسكريين تسلموا السلطة في مصر بالنظر لبعض الظروف التي سادت بداية مرحلة نشوء الدولة المتخلصة من الاستعمار (البريطاني)، واذا كان ذلك ما يبرر وجود عبد الناصر في السلطة، فثمة اسئلة كثيرة تطرح على عهدي سلفيه السادات ومبارك في طريقة حكم مصر والأحوال التي آلت إليها لاحقا لجهة الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
         وإذا كانت مفارقة الرئاسة المصرية لستون سنة مضت اتسمت بطابع حكم العسكر ، فان التجربة التي اتت بعدها ، وهي تجربة حكم الأخوان كانت مفارقة اخرى اشد غرابة واستثناءً في تاريخ الانتفاضات والثورات في معظم دول العالم الثالث ومنها الدول العربية. فقد حكم الاخوان مصر لفترة وجيزة جدا باسم الدين والنظام المدني في آن معا، اي خارج نطاق العسكر، لكن مراجعة دقيقة لتلك الفترة الوجيزة تظهر تداعيات سلبية كثيرة كما يصورها غالبية المجتمع المصري. ورغم قصر تلك الفترة ففيها من الآثار والتداعيات التي فاقت غيرهم على مدى ثلثي قرن من الزمن.
        اليوم تمر مصر بظروف دقيقة جدا، ومجددا ظهرت المؤسسة العسكرية كمنقذ اخير للشعب المصري لما يحضر له من فوضى منظمة تلامس تمزيق مجتمعي باتجاه حرب اهلية داخلية بين من يدعون حقا لهم في السلطة اقصوا عنها، وبين من يتحضرون لها استفتاءً وانتخابا. والمفارقة الأخرى في هذا المجال ايضا ان المؤسسة العسكرية في مصر تعتبر اليوم حامية للثورة ومصححة لها كما حدث تماما في الفترة التي تولى فيها عبد الناصر الرئاسة في العام 1954، اي قبل ستون عاما.
      وبصرف النظر عن المقاربة ونتائجها ،لجهة تلميع صفة سياسية أو عسكرية على أخرى، فالمفارقة الأشد غرابة تبدو في العقل الجمعي للمجتمع العربي ونظرته لعسكرة السلطة في غير بلد عربي. ففي الكثير من المجتمعات النامية حيث يطغى التخلف والمحسوبية والفساد وانتشار المساوئ السياسية والإدارية فإن حركة الجيش قد تكون فاتحة لتحقيق اطر ديمقراطية ، اضافة لمظاهر استقرار النظام السياسي . ولكن حركات الجيوش في الوطن العربي غالبا ما قادت إلى حكم عسكري متواصل، فالعنصر الأبرز في الأنظمة العربية تم عبر معالجة الأمور بقانون القوة وليس بقوة القانون، وإن شخصية القائد العسكري أو زعيم الجيش تلعب دوراً قيادياً كارزمياً باعتباره يجسد النظام.  
فالانقلابات العسكرية تحوّلت إلى نظم سياسية دكتاتورية ، مارست الحكم من خلال قمع المجتمعات من ناحية وعن طريق نخب سياسية مارست الفساد على أوسع مدى.، وكان من الطبيعي تبخر المكتسبات الوطنية سريعاً ، لأنها لم ترتبط بدولة مؤسسات التي تفرض هيبة القانون وتوازن الواجبات والحقوق على أساس أن الأولى هي التي تسبق الثانية وتخلفها ،  إنما ارتبطت بدولة الزعامات العسكرية والأشخاص.
إن ظاهرة الانقلابات العسكرية التي تمثل الشكل الأبرز لتدخل الجيش في السياسة شهدت تراجعاً كبيراً . ومرد هذا التراجع مجموعة من العوامل منها نكسة 1967 وأثرها في ضعف مصداقية الجيوش حتى في مجال تخصصها ،وأخرى ارتبطت بآليات النظام في التعامل مع الجيش ، واستخدام وسائل الترهيب والترغيب ، والتغيير المستمر لمواقع القيادات العسكرية وإحالتها على التقاعد المبكر بما يمنعها من تكوين الولاءات والانتماءات ، فضلاً عن تكوين جيوش موازية وحزبية وميليشيات خاصة من العناصر الموالية لها.
أما موقف المؤسسة العسكرية من ثورات الربيع العربي مثلاً ، في تونس وبالأخص في مصر ، اتخذت موقف الحياد السلمي لأسباب عديدة منها : قناعاتها بضرورة إجراء تغييرات في مسار الحكم وربما بموافقة أو إيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أن المؤسسة كانت تخشى وما تزال من ردة فعل سلبية من أفرادها وصفوف ضباطها وضباط صفها، لذلك اعتبرت مطالب المتظاهرين مشروعة منذ البداية.
وخلاصة القول ، ان المؤسسة العسكرية لعبت مثلا في مصر دورا فارقا في التحولات الاجتماعية والسياسية الأخيرة ، وبخاصة بعد ثورة 25 يناير، فهل تكرر المؤسسة نفسها تجربة الرئاسات السابقة ؟ وهل بمقدور من رشحته المؤسسة العسكرية للرئاسة المصرية قادر في ظل الظروف الداخلية والخارجية لمصر من اعادتها لموقعها الاقليمي الفاعل ؟ ثمة كثير من المصريين يراهنون على ذلك ، لكن التحديات المقبلة هي كثيرة بكثرة الشكوك التي اثارتها  سوابق التاريخ والجغرافيا في منطقتنا العربية؟