14‏/04‏/2013

الجيوش الالكترونية العربية

الجيوش الالكترونية العربية
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج العربية بتاريخ 14/4/2013
       قبل سنتين ونيف تمكنت الاحزاب الالكترونية العربية من قيادة العديد من المجتمعات العربية وتحريكها في اتجاه اسقاط هذا النظام أو ذاك،وتمكنت أيضا من عزل العديد من الاحزاب المعارضة أو الحاكمة،بل تخطتها بمسافات كثيرة في كيفية توجيه الجماهير الحاقدة على انظمتها.
      اليوم ظهرت تجربة جديدة ، جديرة بالملاحظة والمتابعة وبالضرورة بالاهتمام نظرا لدلالاتها الرمزية، وهي تمكن الهاكرز العربي من اختراق العديد من المواقع الرسمية الاستراتيجية الاسرائيلية والتحكم فيها،مما يدفع إلى طرح العديد من التساؤلات التي تبدو محقة بل مفيدة ، بهدف القاء نظرة ولو سريعة على واقعنا العربي الذي بات بنظر الكثيرين مزريا وغير قابل للنهوض من غفوته التي طالت كثيرا.
      صحيح ان الهاكرز العربي قد تمكن من السيطرة على مفاصل المواقع الاسرائيلية وهي بلغة التكنولوجيا مواقع افتراضية، وبالتالي ثمة من يقول ان هذا النصر هو مجرد نصر افتراضي، إلا ان المسألة ابعد من ذلك بكثير وهي متعلقة بقدرة العقل العربي وامكاناته المتقدمة، وبالتالي امكانية استخدامها في الصراع المفتوح مع اسرائيل.
       ففي زمن الهزائم العربية ، سجل الانمينوس العربي سابقة هي الاولى بمواجهة اسرائيل ،حيث اجبرت وللمرة الاولى ان تكون في حالة دفاع لا هجوم، الامر الذي يؤسس إلى بيئة يمكن البناء عليها مفادها، ان لا تفوق للعقل الاسرائيلي وبالتالي للتكنولوجيا الاسرائيلية التي تفاخر فيها، اي ان ثمة قدرات قابلة للمنافسة والحاق الهزائم بالدولة التي لا تقهر تكنولوجيا بعدما ساد شعار في السابق انها دولة لا تهزم عسكريا وهزمت في عدة مواقع من بينها 2006 في لبنان و2009 في غزة.
        المفارقة المبكية المضحكة في آن هذه المرة ، تكمن في سلوك انظمتنا العربية التي صرفت مئات مليارات الدولارات على حفلات التسلح اما لمواجهة اسرائيل واما لمواجهة بعضها البعض،في وقت لم تسجل اي موازنة لاي دولة عربية ولو قسما رمزيا للبحث االعلمي والتكنولوجي،وفي احسن الاحوال لا تتعدى الواحد بالمئة ان وجدت،فيما الموازنات الاسرائيلية خصصت ارقاما لافتة تتعدى العشرة بالمئة للبحث العلني، فأين نحن العرب من هذه القضية الملحة التي يتوقف عليها مصير الامم في عالمنا اليوم.
       لقد خاضت الانظمة العربية اربعة حروب رئيسية استراتيجية ضد اسرائيل 1948 و1956 و1967 و1973،ومثلها حروب تكتية بالمفهوم العسكري، وفي جميعها تقريبا لم يتمكن العرب من احراز نصر حقيقي قابل للصرف السياسي،بل تمكنت اسرائيل في معظم حروبها من تحويل هزائمها التكتية إلى انتصارات استراتيجية، ذلك بفضل البنية الاستراتيجية التي تتمتع بها من امكانات علمية وتكنولوجية ومهارات بشرية متنوعة، طبعا علاوة على تخلفنا وتفرّقنا  نحن العرب في مواجهتها.
       اليوم خاض جنود الكترونيون مجهولون معركة جريئة وتمكنوا من اثبات قدراتهم الفارقة،بمواجهة دولة تدّعي انها اصبحت من بين الدول الاوائل في العالم في مجالات التكنولوجيا المتقدمة وبخاصة من الجيل الرابع، الامر الذي سينعكس سلبا على صورتها عالميا، خاصة انها على شراكة عملاقة مع العديد من الشركات المماثلة في غير دولة ولأهداف متنوعة ومتعددة.
     المهم في هذا الاطار هو الاستفادة القصوى من تداعيات هذه المعركة وان كانت برمزيتها من النوع الافتراضي القابل للهضم والبلع، اذ ان الدرس الاول الذي يجب ترسيخه في ذاكرتنا الجماعية، ان لا استحالة تحت الشمس، وان التطور والتقدم ينبغي ان يكون سبيل الشباب العربي. كما ان الدرس الاول الموجه للأنظمة تحديدا ان التقدم العلمي والتكنولوجي هو الذي يحفظ للأمم والشعوب مكانتها الدولية وسطوتها وهيبتها، لا صفقات السلاح وتخصيص المليارات لها.
       ان تطوير المهارات والكفاءات وصقلها يستتبع بالضرورة تخصيص ارقام وازنة في الموازنات العربية للبحث العلمي،بهدف انتاج قيم علمية وتكنولوجية قابلة للصرف في عالم بات العلم فيه هو مقياس الوجود والبقاء بكرامة. ثمة ملايين من الجنود العرب المحشورين في جيوش تحمي انظمتها لا حدودها، وهذا ما مكَّن اسرائيل من تفوقها المضطرد علينا، فهل آن الآوان لكي نعيد النظر بمجمل فهمنا ورؤيتنا للمواجهة، لقد اسقطت الاحزاب الالكترونية العربية مثل الفايس بوك والتويتر وغيرها انظمة عاثت فسادا لعقود في مجتمعاتها،فهل أتى دور الانمينوس لاثبات وجودها ودورها أيضا،انها تجربة لافتة تعيد بعض الثقة التي افتقدناها منذو زمن!

      

07‏/04‏/2013

الامم المتحدة والسلاح التقليدي


الامم المتحدة والسلاح التقليدي

د.خليل حسين

استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 7/4/2013

 

       في وقت تتراكم نذر حرب نووية بين الكوريتين ومن يدعمهما، تمكنت الامم المتحدة عبر الجمعية العامة من اقرار معاهدة تنظيم الاتجار بالاسلحة التقليدية،وهي سابقة في هذا المجال،اذ ان السلاح التقليدي لم يأخذ الحيز المفترض من الاهتمام، رغم ان مخاطره وانتشاره وطبيعة استعماله تفوق تصورات الكثيرين من متابعي تجارة الاسلحة وتداعياتها.

      وغريب المفارقات في هذه القضية، ان الامم المتحدة والكثير من الدول المنضمة إليها،اعطت اهتماما لافتا للاسلحة غير التقليددية، وعقدت لها مؤتمرات ومتابعات هائلة،وتمكنت من خلالها التوصل للعديد من المعاهدات الدولية ذات الصلة، فيما الاسلحة التقليدية وان كانت وما زالت مثار جدل كبير،لم تأخذ القسط الوافر إلا في السنوات السبعة الماضية وهو التاريخ الذي اطلقت فيه مفاوضات متعددة الاطراف، فيما واجهت هذه المتابعات مصاعب وعثرات من غير جهة دولية وبخاصة من الدول المنتجة والمصدرة ،ذلك للعديد من الاعتبارات المتعلقة بالجوانب المالية أو السياسية.

      واللافت في هذا المجال، ان اقرار المعاهدة التي تمّت في الجمعية العامة للأمم المتحدة حازت على 154 صوتا مقابل امتناع 23 ورفض ثلاث دول هي ايران وسوريا وكوريا الشمالية، وهي دول موصّفة من قبل الولايات المتحدة الامريكية بأنها دول "مارقة"، أو "حاضنة للارهاب". وبمقايسس الموافقة على المعاهدات الدولية يعتبر هذا الاقرار عاليا مقارنة بعدد المنضمين إلى الامم المتحدة البالغ عددهم 193 دولة، ما يعكس اهتماما دوليا بنوعية هذا السلاح ومدى مخاطره على البشرية جمعاء. يشار الى ان نمو تجارة الأسلحة غير التقليدية يزداد بشكل لافت لارتباطها باقتصاديات الدول الكبرى، حيث قُدر حجم تجارة الأسلحة دولياً بحوالي 100 مليار دولار أمريكي في عام 2012 وحده، بعدما كان لا يتجاوز 70 مليار دولار قبل سنوات.

      يشار الى ان المفاوضات السابقة في الأمم المتحدة منذ عام 2006 وآخرها في شهر تموز /  يوليو 2012 باءت بالفشل بعد انضمام الولايات المتحدة للصين وروسيا في الدعوة إلى تأجيل المحادثات، إذ إن الدول الثلاث تعدّ من أكبر مصدّري السلاح الرئيسيين في العالم، الأمر الذي أثار حفيظة العديد من الفاعلين الدوليين وغير الدوليين، في ظل بيئة أمنية دولية مضطربة ومتفجرة في كثير من الاحيان، إذ تلعب زيادة الصراعات الدولية وتنامي دور الجماعات المسلحة وتهديداتها لنظم الحكم دوراً في تنامي مشتريات السلاح التقليدي، خاصة بواسطة الفاعلين من غير الدول، ما عرقل المساعي الدولية للتوصل للمعاهدة، إذ يتم توجيه صفقات الأسلحة بهدف تغذية الصراع ودعم أطرافه، وامتداد مجاله في العديد من الدول، وارتباط ذلك بجماعات الضغط ومصالح الشركات متعددة الجنسيات والمحتكرة لإنتاج السلاح، ومساندة الدول الكبري لها.وقد تكون الدول الصناعية السبب في إعاقة الاتفاقية لخدمة مصالحها، أو بمعنى ادق زيادة مبيعاتها من السلاح؛ باعتبار أن تجارة الاسلحة ترتبط بشبكة سرية من العملاء والصفقات السرية التي لا يتم الكشف عن مزيد منها.

        يشار الى ان الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن تسيطر على سوق صادرات السلاح الدولي والمكوّن من الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا بالإضافة إلى ألمانيا بنسبة 80% من جميع صادرات الأسلحة في العالم التي تقدر بحوالي 70 مليار دولار سنوياً، وتضاعف نصيب الولايات المتحدة من تجارة السلاح بنحو ثلاثة أمثال، وارتفع من 40% إلى 87% من تجارة الاسلحة عام 2011.

     ان الاهداف المعلنة من هذه المعاهدة يظهر في العديد من الجوانب؛ أهمها تأكيد وسهولة الجهود الدولية في مجال التعامل مع الأسلحة التقليدية عن غيرها من أسلحة الدمار الشامل النووية أو الكيماوية أو البيويولوجية أو حتى الجرثومية ، ذلك لسهولة التعامل مع السلاح التقليدي في النقل والاستخدام.كما مثل حجم المخاطر الدولية من تجارة الأسلحة التقليدية دافعاً للوصول للاتفاقية، فحوالي 750.000 شخص يقتلون سنوياً بالأسلحة التقليدية، كما يزداد ضحايا العنف المسلح المنتشر في مناطق الصراع داخل الدول وبينها، خاصة في الشرق الأوسط.كما تستهدف المعاهدة إعادة توجيه النفقات إلى مشروعات تنمية حقيقية بدلاً من شراء السلاح لإنعاش الاقتصاد العالمي.وقد يكون إبرام معاهدة تنظيم تجارة الأسلحة التقليدية التي لا تقل خطورة عن أسلحة الدمار الشامل، اطارا قانونيا لتفعيل عمليات الرقابة والتفتيش على هذه التجارة بين الدول، ما يؤدي بالتالي إلى تقليص عملية شراء المعدات والأسلحة العسكرية وتقليل عمليات الفساد المرتبطة بها.

        ان مستقبل المعاهدة مرهون بموقف الدول الكبرى منها والتي تحتفظ بفاعليتها الوازنة عبر التحكم في صادرات الأسلحة بهدف ضمان مكاسبها المادية حتى وإن كان الأمرعلى حساب الأرواح وحقوق الإنسان والأمن والسلم الدوليين. لقد فتكت الاسلحة التقليدية أضعاف أضعاف ما فتكت الاسلحة غير التقليدية عبر الحروب الدولية او الداخلية للدول، وربما تأتي هذه المعاهدة في وقت تحتاج البشرية الى المزيد من الوعي للمخاطر التي تحيط بها جراء هذه التجارة غير المنظمة دوليا والتي تستحق الاهتمام والمتابعة لتنفيذ الاتفاقية.

 

02‏/04‏/2013

خلفيات استقالة الحكومة اللبنانية وتداعيتها


خلفيات استقالة الحكومة اللبنانية وتداعيتها
د.خليل حسين
اسناذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 2/4/2013

        لم تكن استقالة الحكومة اللبنانية امرا مفاجئا ، ولا هي سابقة لجهة التوقيت. إلا ان تداعياتها الداخلية والخارجية تعطي هذا الحدث ابعادا خطرة من الصعب تجاوزها دون إحداث متغيرات وازنة في طبيعة المرحلة القادمة.

       فبعد الفراغ الأمني الذي اشتدت آثاره في المرحلة السابقة، اتت الاستقالة لتكرّس بيئة الفراغ السياسي لاحقا. فقانون الانتخاب الذي اسقط عمليا وفعليا الحكومة ولو عبر استقالة طوعية، اعاد للاذهان مقولة استحالة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها المفترض قبل العشرين من حزيران القادم موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي. الامر الذي يطرح تساؤلات أخرى أشد خطورة وحساسية لجهة الفراغ الذي سيقع به لبنان وبالتالي الآثار المترتبة عليه في سياق ادارة أزماته الداخلية وارتباطاتها الخارجية ، وبخاصة الأزمة السورية.

        ربما مفارقة استقالة الحكومة انها تزامنت مع مواقف واضحة للرئيس الامريكي باراك اوباما تجاه بعض المكونات السياسية للواقع اللبناني،التي اطلقها في خلال جولته في المنطقة ،والتي تُرجمت كإشارة واضحة لانعطافة السياسة الامريكية تجاه بعض الملفات اللبنانية المرتبطة تحديدا بسوريا واسرائيل.فلبنان من الناحية العملية والفعلية كان موضوعا ضمن لائحة الانتظار لما ستتوضح عليه الصورة في الأزمة السورية، وفي ظل عدم قدرة لبنان الفعلية على المضي بسياسة النأي بالنفس المفترضة، أتت اللحظة المناسبة لاعادة تدوير ازماته لما يخدم اعادة خلط الاوراق وموازين القوى الداخلية وفي المنطقة. فماهي التداعيات المحتملة؟

      اولا لقد دخل لبنان عمليا في نفق الفراغ السياسي والامني المظلم، والذي يبدو انه سيكون طويلا، فآلية التكليف ومن ثم التشكيل ليست واضحة المعالم، واذا تمت اصلا من الصعب التوافق على تشكيلة حكومية بفعل الانقسام السياسي الحاد ،وعدم قدرة أي طرف على حسم العملية دون اللجوء إلى الكتلة الوسطية التي لها شروطها الخاصة المكلفة عمليا للفريقين الاساسيين.وعليه ان مشاريع التمديد لبعض المؤسسات والمواقع الدستورية بات امرا واقعا في ظل حكومة كانت تُصرّف الاعمال منذ انطلاقتها اصلا.

       ثانيا، لقد تم ربط الازمة اللبنانية وتفاصيلها الداخلية بشكل عضوي بالازمة السورية، وبالتالي ان فكاك عناصر الأزمة اللبنانية بات صعبا للغاية بمعزل عن حل متكامل لمكونات ازمات المنطقة العربية وغير العربية.وهنا تكمن خطورة المسألة. فالفاعلون الاساسيون في ادارة الأزمة لا يملكون القدرة الفعليه على التأثير لا في قواعد اللعبة ولا في آليات التحكم بها ولو بالقدر اليسير دون إحداث متغيرات واضحة وهو أمر شبه مستحيل في ظل التوازنات الداخلية اللبنانية القائمة.

        ثالثا، ان الاتكاء على شماعة الحوار الوطني اللبناني بهدف سد الفجوات الواسعة الحاصلة في التركيبة السياسية اللبنانية، امر دونه عقبات هائلة، فالخلافات اللبنانية حول بعض الملفات هي أكبر منهم مجتمعبن، وهي ملفات اقليمية بطبيعتها ولا يملكون وسائل الحل والربط فيها اصلا، وبالتاللي ان اعادة تجربة الحوارات والمشاورات السابقة هي كمن يستجير من الرمضاء بالنار،ولا تعدو كونها اعادة لتأجيج الخلافات على قواعد أشد عنفا في ظروف لم يعد الوقت بكافٍ لدى جميع الأطراف للتفكير بحل ما قبل الحوار فيه.

        فسياسة النأي  بالنفس التي ابتدعتها الحكومة المستقيلة هي عمليا مستحيلة.فاللبنانيون هم منقسمون حول الأزمة السورية بل منخرطون فيها بقغل اسباب وعوامل كثيرة ومتنوعة، وبالتالي ان اللجوء إلى فكرة الحوار في هذه القضية لن تقدم أو تؤخر في سياق الموضوع، ب ان هذه القضية كانت سببا في تعليق الحوار في المرة الأخيرة. والأمر نفسه ينسحب أيضا على سلاح المقاومة، الذي أصبح مادة صدامية قبل ان يكون خلافيا فيما بينهم.

       لقد سبق للبنان ان دخل وأدخل،في أزمات ظاهرها داخلي وباطنها خارجي، وسرعان ما كانت تداعياتها تفتك فيه،إلا ان ما يمر به حاليا وما ينتظره ، ربما يفوق أي خطر كان قد تعرّض له سابقا. فالفتن المذهبية اوقظت فيه،والفراغ الامني استشرى فيه، والفراغ السياسي بدأ فيه.

      ثمة ثوابت في التاريخ السياسي للدول، من بينها ان التسويات الكبرى غالبا ما تأتي على حساب الدول الضعيفة والصغرى ، فهل ادخل لبنان في نفق ازمات المنطقة؟ وهل ان ثمة بوادر للتسويات قادمة وتستلزم بعض الوقود لدفعها؟ وهل في قدرة لبنان تحمّل ذلك مجددا؟ يبدو ان ثمة اسبابا معلنة ومضمرة لاستقالة الحكومة اللبنانية، والمستقبل القريب كافٍ لاظهار  المجهول وايضاح بعض المعلوم!

      

       

      

       

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خلفيات استقالة الحكومة اللبنانية وتداعيتها

د.خليل حسين

اسناذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 2/4/2013

 

        لم تكن استقالة الحكومة اللبنانية امرا مفاجئا ، ولا هي سابقة لجهة التوقيت. إلا ان تداعياتها الداخلية والخارجية تعطي هذا الحدث ابعادا خطرة من الصعب تجاوزها دون إحداث متغيرات وازنة في طبيعة المرحلة القادمة.

       فبعد الفراغ الأمني الذي اشتدت آثاره في المرحلة السابقة، اتت الاستقالة لتكرّس بيئة الفراغ السياسي لاحقا. فقانون الانتخاب الذي اسقط عمليا وفعليا الحكومة ولو عبر استقالة طوعية، اعاد للاذهان مقولة استحالة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها المفترض قبل العشرين من حزيران القادم موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي. الامر الذي يطرح تساؤلات أخرى أشد خطورة وحساسية لجهة الفراغ الذي سيقع به لبنان وبالتالي الآثار المترتبة عليه في سياق ادارة أزماته الداخلية وارتباطاتها الخارجية ، وبخاصة الأزمة السورية.

        ربما مفارقة استقالة الحكومة انها تزامنت مع مواقف واضحة للرئيس الامريكي باراك اوباما تجاه بعض المكونات السياسية للواقع اللبناني،التي اطلقها في خلال جولته في المنطقة ،والتي تُرجمت كإشارة واضحة لانعطافة السياسة الامريكية تجاه بعض الملفات اللبنانية المرتبطة تحديدا بسوريا واسرائيل.فلبنان من الناحية العملية والفعلية كان موضوعا ضمن لائحة الانتظار لما ستتوضح عليه الصورة في الأزمة السورية، وفي ظل عدم قدرة لبنان الفعلية على المضي بسياسة النأي بالنفس المفترضة، أتت اللحظة المناسبة لاعادة تدوير ازماته لما يخدم اعادة خلط الاوراق وموازين القوى الداخلية وفي المنطقة. فماهي التداعيات المحتملة؟

      اولا لقد دخل لبنان عمليا في نفق الفراغ السياسي والامني المظلم، والذي يبدو انه سيكون طويلا، فآلية التكليف ومن ثم التشكيل ليست واضحة المعالم، واذا تمت اصلا من الصعب التوافق على تشكيلة حكومية بفعل الانقسام السياسي الحاد ،وعدم قدرة أي طرف على حسم العملية دون اللجوء إلى الكتلة الوسطية التي لها شروطها الخاصة المكلفة عمليا للفريقين الاساسيين.وعليه ان مشاريع التمديد لبعض المؤسسات والمواقع الدستورية بات امرا واقعا في ظل حكومة كانت تُصرّف الاعمال منذ انطلاقتها اصلا.

       ثانيا، لقد تم ربط الازمة اللبنانية وتفاصيلها الداخلية بشكل عضوي بالازمة السورية، وبالتالي ان فكاك عناصر الأزمة اللبنانية بات صعبا للغاية بمعزل عن حل متكامل لمكونات ازمات المنطقة العربية وغير العربية.وهنا تكمن خطورة المسألة. فالفاعلون الاساسيون في ادارة الأزمة لا يملكون القدرة الفعليه على التأثير لا في قواعد اللعبة ولا في آليات التحكم بها ولو بالقدر اليسير دون إحداث متغيرات واضحة وهو أمر شبه مستحيل في ظل التوازنات الداخلية اللبنانية القائمة.

        ثالثا، ان الاتكاء على شماعة الحوار الوطني اللبناني بهدف سد الفجوات الواسعة الحاصلة في التركيبة السياسية اللبنانية، امر دونه عقبات هائلة، فالخلافات اللبنانية حول بعض الملفات هي أكبر منهم مجتمعبن، وهي ملفات اقليمية بطبيعتها ولا يملكون وسائل الحل والربط فيها اصلا، وبالتاللي ان اعادة تجربة الحوارات والمشاورات السابقة هي كمن يستجير من الرمضاء بالنار،ولا تعدو كونها اعادة لتأجيج الخلافات على قواعد أشد عنفا في ظروف لم يعد الوقت بكافٍ لدى جميع الأطراف للتفكير بحل ما قبل الحوار فيه.

        فسياسة النأي  بالنفس التي ابتدعتها الحكومة المستقيلة هي عمليا مستحيلة.فاللبنانيون هم منقسمون حول الأزمة السورية بل منخرطون فيها بقغل اسباب وعوامل كثيرة ومتنوعة، وبالتالي ان اللجوء إلى فكرة الحوار في هذه القضية لن تقدم أو تؤخر في سياق الموضوع، ب ان هذه القضية كانت سببا في تعليق الحوار في المرة الأخيرة. والأمر نفسه ينسحب أيضا على سلاح المقاومة، الذي أصبح مادة صدامية قبل ان يكون خلافيا فيما بينهم.

       لقد سبق للبنان ان دخل وأدخل،في أزمات ظاهرها داخلي وباطنها خارجي، وسرعان ما كانت تداعياتها تفتك فيه،إلا ان ما يمر به حاليا وما ينتظره ، ربما يفوق أي خطر كان قد تعرّض له سابقا. فالفتن المذهبية اوقظت فيه،والفراغ الامني استشرى فيه، والفراغ السياسي بدأ فيه.

      ثمة ثوابت في التاريخ السياسي للدول، من بينها ان التسويات الكبرى غالبا ما تأتي على حساب الدول الضعيفة والصغرى ، فهل ادخل لبنان في نفق ازمات المنطقة؟ وهل ان ثمة بوادر للتسويات قادمة وتستلزم بعض الوقود لدفعها؟ وهل في قدرة لبنان تحمّل ذلك مجددا؟ يبدو ان ثمة اسبابا معلنة ومضمرة لاستقالة الحكومة اللبنانية، والمستقبل القريب كافٍ لاظهار  المجهول وايضاح بعض المعلوم!

      

       

      

       

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خلفيات استقالة الحكومة اللبنانية وتداعيتها

د.خليل حسين

اسناذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية

نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 2/4/2013

 

        لم تكن استقالة الحكومة اللبنانية امرا مفاجئا ، ولا هي سابقة لجهة التوقيت. إلا ان تداعياتها الداخلية والخارجية تعطي هذا الحدث ابعادا خطرة من الصعب تجاوزها دون إحداث متغيرات وازنة في طبيعة المرحلة القادمة.

       فبعد الفراغ الأمني الذي اشتدت آثاره في المرحلة السابقة، اتت الاستقالة لتكرّس بيئة الفراغ السياسي لاحقا. فقانون الانتخاب الذي اسقط عمليا وفعليا الحكومة ولو عبر استقالة طوعية، اعاد للاذهان مقولة استحالة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها المفترض قبل العشرين من حزيران القادم موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي. الامر الذي يطرح تساؤلات أخرى أشد خطورة وحساسية لجهة الفراغ الذي سيقع به لبنان وبالتالي الآثار المترتبة عليه في سياق ادارة أزماته الداخلية وارتباطاتها الخارجية ، وبخاصة الأزمة السورية.

        ربما مفارقة استقالة الحكومة انها تزامنت مع مواقف واضحة للرئيس الامريكي باراك اوباما تجاه بعض المكونات السياسية للواقع اللبناني،التي اطلقها في خلال جولته في المنطقة ،والتي تُرجمت كإشارة واضحة لانعطافة السياسة الامريكية تجاه بعض الملفات اللبنانية المرتبطة تحديدا بسوريا واسرائيل.فلبنان من الناحية العملية والفعلية كان موضوعا ضمن لائحة الانتظار لما ستتوضح عليه الصورة في الأزمة السورية، وفي ظل عدم قدرة لبنان الفعلية على المضي بسياسة النأي بالنفس المفترضة، أتت اللحظة المناسبة لاعادة تدوير ازماته لما يخدم اعادة خلط الاوراق وموازين القوى الداخلية وفي المنطقة. فماهي التداعيات المحتملة؟

      اولا لقد دخل لبنان عمليا في نفق الفراغ السياسي والامني المظلم، والذي يبدو انه سيكون طويلا، فآلية التكليف ومن ثم التشكيل ليست واضحة المعالم، واذا تمت اصلا من الصعب التوافق على تشكيلة حكومية بفعل الانقسام السياسي الحاد ،وعدم قدرة أي طرف على حسم العملية دون اللجوء إلى الكتلة الوسطية التي لها شروطها الخاصة المكلفة عمليا للفريقين الاساسيين.وعليه ان مشاريع التمديد لبعض المؤسسات والمواقع الدستورية بات امرا واقعا في ظل حكومة كانت تُصرّف الاعمال منذ انطلاقتها اصلا.

       ثانيا، لقد تم ربط الازمة اللبنانية وتفاصيلها الداخلية بشكل عضوي بالازمة السورية، وبالتالي ان فكاك عناصر الأزمة اللبنانية بات صعبا للغاية بمعزل عن حل متكامل لمكونات ازمات المنطقة العربية وغير العربية.وهنا تكمن خطورة المسألة. فالفاعلون الاساسيون في ادارة الأزمة لا يملكون القدرة الفعليه على التأثير لا في قواعد اللعبة ولا في آليات التحكم بها ولو بالقدر اليسير دون إحداث متغيرات واضحة وهو أمر شبه مستحيل في ظل التوازنات الداخلية اللبنانية القائمة.

        ثالثا، ان الاتكاء على شماعة الحوار الوطني اللبناني بهدف سد الفجوات الواسعة الحاصلة في التركيبة السياسية اللبنانية، امر دونه عقبات هائلة، فالخلافات اللبنانية حول بعض الملفات هي أكبر منهم مجتمعبن، وهي ملفات اقليمية بطبيعتها ولا يملكون وسائل الحل والربط فيها اصلا، وبالتاللي ان اعادة تجربة الحوارات والمشاورات السابقة هي كمن يستجير من الرمضاء بالنار،ولا تعدو كونها اعادة لتأجيج الخلافات على قواعد أشد عنفا في ظروف لم يعد الوقت بكافٍ لدى جميع الأطراف للتفكير بحل ما قبل الحوار فيه.

        فسياسة النأي  بالنفس التي ابتدعتها الحكومة المستقيلة هي عمليا مستحيلة.فاللبنانيون هم منقسمون حول الأزمة السورية بل منخرطون فيها بقغل اسباب وعوامل كثيرة ومتنوعة، وبالتالي ان اللجوء إلى فكرة الحوار في هذه القضية لن تقدم أو تؤخر في سياق الموضوع، ب ان هذه القضية كانت سببا في تعليق الحوار في المرة الأخيرة. والأمر نفسه ينسحب أيضا على سلاح المقاومة، الذي أصبح مادة صدامية قبل ان يكون خلافيا فيما بينهم.

       لقد سبق للبنان ان دخل وأدخل،في أزمات ظاهرها داخلي وباطنها خارجي، وسرعان ما كانت تداعياتها تفتك فيه،إلا ان ما يمر به حاليا وما ينتظره ، ربما يفوق أي خطر كان قد تعرّض له سابقا. فالفتن المذهبية اوقظت فيه،والفراغ الامني استشرى فيه، والفراغ السياسي بدأ فيه.

      ثمة ثوابت في التاريخ السياسي للدول، من بينها ان التسويات الكبرى غالبا ما تأتي على حساب الدول الضعيفة والصغرى ، فهل ادخل لبنان في نفق ازمات المنطقة؟ وهل ان ثمة بوادر للتسويات قادمة وتستلزم بعض الوقود لدفعها؟ وهل في قدرة لبنان تحمّل ذلك مجددا؟ يبدو ان ثمة اسبابا معلنة ومضمرة لاستقالة الحكومة اللبنانية، والمستقبل القريب كافٍ لاظهار  المجهول وايضاح بعض المعلوم!