09‏/09‏/2014

فرصة جدية لمكافحة الإرهاب الداعشي

فرصة جدية لمكافحة الإرهاب الداعشي د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 2/9/2014 لم يعد الإرهاب الداعشي حدثا إرهابيا عاديا ربما اعتادت الدول والمجتمعات سماعه وإدانته ومحاولة مكافحته، بل بات إرهابا هادفا ومنظما مؤسسا بدولة ادعت الإسلام والخلافة فيها، وتجاوز بأفعاله حدود ما يستوعبه العقل البشري. فلم يعد الإرهاب الداعشي يمارس ضد فئة بعينها بل يمارس أفعاله لتطال أديان وحضارات وثقافات ، وبالتالي بات يهدد وجود البشرية ذاتها. إزاء ذلك لم تعد أيضا وسائل المكافحة التقليدية التي نظمتها اتفاقيات وقرارات دولية وصلت إلى السبع عشرة اتفاقية وعشرات القرارات الدولية مجدية، إذ لم تقترن أولا وأخيرا بجدية المعالجة وابتكار وسائل أخرى اشد صرامة، ويبدو أن المجتمع البشري وليس الدول وحدها مقتنعا بذلك بعدما تحسس من يعنيه الأمر أن القضية تخطت اطر المواجهة التقليدية. صحيح على سبيل المثال أن القرار 1373 /2001 ، وضع اطر تنظيمية وتنفيذية للعديد من وسائل مكافحة الإرهاب، واتبعه بعشرات القرارات التفصيلية بحسب الحالات التي عرضت على مجلس الأمن ، إلا أن ما يجري حاليا تخطى هذه الوسائل وبات الإرهاب الداعشي وداعميه يعرفون كيفية التملص منها، إلا أن الجديد في الموضوع أن الذعر والخوف أصاب الجميع، ما شكل سابقة في الإجماع على ضرورة مواجهته حتى في البيئات التي اعتبرها البعض منطلقا له وخاصة في الشرق الأوسط وتحديدا في العراق وسوريا. والجديد اليوم يظهر بمستوى تجاوب بعض الدول المعنية بالقرار 2170 وتحديدا دمشق التي استجابات وان بشروط ، السماح بضرب المنظمات الإرهابية التي تعيث فسادا في أراضيها ، وهي سابقة في تجاه العلاقات مع الغرب منذ اندلاع الأزمة السورية منذ أربع سنوات خلت. ويترافق ذلك مع حراك إقليمي عربي في الاتجاه ذاته،ما يؤسس لرؤية مستقبلية لكيفية التعاطي مع هذه القضية.على أن مكافحة الإرهاب الداعشي من الصعب مواجهته فقط بغارة عسكرية غربية هنا أو هناك، بل يتطلب الأمر جميع من يعنيهم الأمر وهنا البشرية بأسرها ، أن المواجهة ينبغي أن تنطلق من اعتقاد راسخ بأن هذا النوع من الإرهاب لن يحيّد أحدا والدور سيأتي على جميع الدول والمجتمعات القريبة والبعيدة. إن تجفيف تمويل "الداعشية" أمر يتطلب مساعدة دول المنطقة في العمل على حرمانها من سرقة النفط وبيعه في الأسواق السوداء، علاوة على العمل على إيقاف تدفق الإرهابيين إلى المنطقة ، وتكوين بيئة إعلامية هادفة تتوجه إلى المستهدفين منه وحثهم على عدم الانصياع إرهابا ورعبا وذعرا له ، وبقاء كل فئة أقلية كانت أم أكثرية دينية أم قومية في مناطقها ومواجهته. في السابق نمت وترعرعت تنظيمات أصولية متشددة ناصبت العداء للغرب ، وفسحت المجال للمتضررين من أفعالها لصق الإرهاب بالإسلام ، اليوم ثمة موجة إرهابية تتلبس بالتكفير دينا لها ، وتوجه إرهابها للمسلمين قبل المسيحيين، بل امتدت يدها إلى كل من يخالف رأيها حتى من الفصائل التي نمت في حضنها ، ولتصبح رب العالمين على الأرض. لذلك ثمة مصلحة إنسانية – بشرية جامعة للتخلص من هذه المصيبة الكونية إذا جاز التعبير، لأن آثارها وتداعياتها تمس جوهر الأديان وغاياتها، كما تهدد تراثا إنسانيا وبشريا ممتدا في عمق التاريخ ، كما أن التراخي في مواجهته أو مهادنته أو غض الطرف عن جرائمه في مكان لأهداف استثمارية توظيفية لن يبعد خطره بل سيزيده غيا وعبثا بمصير الإنسانية جمعاء. فالخطر اليوم هو من نوع آخر ، هو محاولة ترسيخ صور نمطية في عقول البشر ، صور جلها الذبح والإبادات الجماعية والقضاء على الحضارات والثقافات وعلى كل مظهر في تقدم البشرية الذي تراكم عبر الدهور، والعودة بالمجتمع الإنساني إلى عصور ما قبل التاريخ، وكأن الإنسان يعيش اليوم كوابيس الأحلام ، فهل الفرصة أتت للمواجهة بعد الإجماع البشري على مكافحته والقضاء على آفته؟

الأبعاد القانونية والسياسية للقرار2170

الأبعاد القانونية والسياسية للقرار2170 د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 25/8/2014 مع صدور القرار 2170 عن مجلس الأمن، اعتقد البعض أن ثمة سياقا جديا اعتمدته الأمم المتحدة لمتابعة مكافحة الإرهاب الإقليمي والدولي الذي بدأته منذ عشرات السنين، والذي أنجز له سابقا سبع عشرة اتفاقية دولية وعشرات القرارات الأممية كان أشهرها القرار 1373 /2001، إلا إن التدقيق في ثنايا القرار وما هدف إليه من أبعاد قانونية وسياسية ،هي في الواقع مجرد تكرار لمحاولات هي اقرب ما تكون إلى الفاشلة منها إلى معالجة جدية لقضية باتت تقض مضاجع دول العالم ومجتمعاتها أينما وجدت. لقد صدر القرار 2170 بعد ثلاث سنوات ونصف تقريبا على انطلاق حفلات المجازر والقتل الجماعي في منطقة هي الأشد حساسية في العالم، وتعتبر مهد الحضارات والأديان، وكأنه كان يستلزم المزيد من حفلات الجنون لكي يستيقظ الضمير العالمي ويحاول معالجة ما يجري، وعلى الرغم من صدور القرار متأخرا أفضل مما لا يصدر، فإن بعض جوانبه الملتبسة وربما المقصودة في بعض نواحيه يطرح أسئلة تحتاج إلى إجابات محددة لكي لا يكون القرار كغيره من القرارات التي سبق وأصدرها مجلس الأمن. ففي مجال المقاربة والمقارنة بين القرار وما سبقه من قرارات واتفاقيات،يبدو أن ثمة إجماعا على أن مكافحة الإرهاب الدولي تتطلب بالدرجة الأولى تجفيف منابع تمويله، ومن الطبيعي أن تجفيف المنابع تستلزم أولا وأخيرا تحديدها وتسميتها وتأطير الجهود الدولية لمواجهتها ،الأمر الذي لم يوضحه القرار الذي أتى بصيغ وعبارات عامة غير محددة وغير جازمة، إذ اكتفى بتكرار الصيغ القانونية – الإنشائية التي وردت في عشرات القرارات السابقة. فرغم وجود وقائع وقرائن واضحة ومؤكدة على الكيانات السياسية والدول وغيرها التي تسهل وتمول وترعى عمليات "داعش" في المنطقة، لم يشر إليها لا تصريحا ولا تلميحا، بل أن بعض الفقرات ظلت ملتبسة بحيث يمكن لبعض هذه القوى الاستفادة منها والتملص من بعض القيود الواردة في القرار.فمثلا ، من يموّل هذه الجماعة الإرهابية ؟ وكيف تستفيد من المناطق النفطية التي سيطرت عليها؟ ومن هي الجهات التي تستفيد من توظيف هذه الجماعات سياسيا وعسكريا واقتصاديا؟ جميعها لم تحدد، واكتفى القرار بتجميد أصول ووضع أسماء قيادات على لائحة التعقب الدولية،رغم وجود أسماء وجمعيات فاعلة لم تذكر في القرار. المفارقة الأغرب في القرار ، رغم صدوره وفقا للمادتين 41 و42، أي ضمن الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز استخدام القوة لتنفيذ القرار، وبالتالي وجوب وضع الأسس العملية والتنفيذية ضمن القرار لكي يكون قابلا للتنفيذ العملي، فيما حاول القرار 2170 إسناد الآليات التنفيذية إلى قرارات سابقة (1373)، ورغم صحة ذلك ، إلا أن خصوصية الإرهاب "الداعشي" تتطلب سياقات تنفيذية أكثر دقة وخصوصية من تلك الواردة في القرارات السابقة. وعليه فالقرار يدعو إلى المواجهة دون سلاح ، وكأنه يعطي الفرصة للأطراف المستفيدة من الإرهاب "الداعشي" الاستفادة قدر المستطاع في الوقت المستقطع من عمر أزمات المنطقة ريثما تعالج بعض القضايا ويكون هذا الملف من ضمن سلة واحدة بعدما يستنفد أغراضه وأهدافه وغاياته. وفي هذا المجال أيضا، إن أهم ما يجب إيراده في القرار هي الآليات العسكرية التنفيذية للمواجهة، والتي غابت بشكل مباشر، وكأن المقصود منه ترك الأمور وفقا للعرض والطلب السياسي في المنطقة ، والاكتفاء فقط بالعمليات الجراحية النوعية كالتي نفذتها الولايات المتحدة ضد "داعش" في منطقة الموصل وبالتحديد المناطق المتاخمة لإقليم أربيل شمالي العراق، أي بمعنى آخر في المناطق التي تتواجد فيها المصالح الأمريكية المباشرة، وهذا ما أعلنه صراحة الرئيس باراك اوباما سابقا. والذي أعلن بعد صدور القرار انه سيترأس وفد بلاده في اجتماع مجلس الأمن في أيلول القادم لمتابعة الموضوع ، ويبدو انه في إطار سلة تسعى الولايات المتحدة الترويج لها ربطا ووصلا في بعض ملفات المنطقة التي ستظهر بدايات نتائجها العملية في تلك الفترة ومن بينها البرنامج النووي الإيراني القابل للاستثمارات الجانبية في سياق مواجهة الإرهاب "الداعشي" في المنطقة. في أي حال من الأحوال، من الصعب الوقوف وراء القرار 2170 كإطار قانوني لمواجهة إرهاب هو الأقصى والأشد فظاعة في تاريخ البشرية، باعتباره لا يملك لا أنياب ولا أظافر، وإنما تم الاكتفاء بتظهيره كقرار ممتلئ الشكل السياسي ، إنما فارغ المضمون القانوني التنفيذي، وبالتالي هو أشيه ببيان رئاسي صادر عن مجلس الأمن لا يسمن ولا يغني عن محاربة إرهاب بات يهدد حضارات وثقافات وأديان وأقليات بأكملها تميزت بها منطقة الشرق الأوسط لقرون طويلة.وكما جرى سابقا في تحديد اطر مكافحة الإرهاب وأبرزها سنة 2001 مع القرار 1373 والذي تم التعامل به بطرق سياسية استثمارية ، يجري التعامل اليوم مع الإرهاب "الداعشي" بأدوات ووسائل بدائية ممجوجة تعرف هذه المنظمات ومن يدعمها كيفية التملص منها بل استثمارها لمصلحتها في اغلب الأحيان ، ويبقى السؤال الأخطر هل سيستعمل هذا القرار للتدخل لاحقا في بعض دول المنطقة التي لا زالت تواجه بعض السياسات الزاحفة إلى المنطقة!

تسليح كردستان بين الضرورة والخطورة

تسليح كردستان بين الضرورة والخطورة د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 18/8/2014 بعد المد "الداعشي" في سوريا والعراق، وما نتج عنه من تهديد لدول إقليمية عدة ، وبعدما امتدت جرائم "الداعشية" إلى أقليات المنطقة دينية كانت أم اثنية قومية من أكراد ومسامين ومسيحيين وايزيدين،ارتفعت وتزايدت الأصوات المطالبة بتسليح كردستان العراق تحت مبررات وضرورات مواجهة الإرهاب الممارس ضد الإقليم، وأخت هذه المطالبات منحى دوليا تمثل بوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ، واستعداد كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا مد الإقليم بالأسلحة المناسبة، بعدما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية جويا في بعض المواضع لضرب قوات "داعش" من باب التهديد الذي يمكن أن يشمل أو يطال مصالحها في اقليم كردستان. في المبدأ يعتبر هذا الحراك ألمطلبي كرديا أو إقليميا ودوليا مطلبا محقا ، وضرورة واجبة التحقيق لمواجهة الإرهاب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل بمقدور كردستان العراق وحدها وان امتلكت السلاح المناسب مواجهة الإرهاب منفردة؟ وهل يجوز للاتحاد الأوروبي مثلا تقرير توريد السلاح لإقليم من حيث المبدأ يعتبر جزءا من دولة عربية؟ كما السؤال يطرح نفسه أيضا ما هي ضمانات عدم وصول هذه الأسلحة الى "داعش" تحديا؟ وما هي حدود مخاطر استعمال هذا السلاح لتعزيز الانفصال الذي يسعى إليه اقليم كردستان عن الدولة إلام العراق؟. في الواقع تعتبر هذه التساؤلات محقة وفي موقعها المناسب التي لا تخلو من خلفيات وتداعيات مجرّبة مسبقا في العديد من الوقائع والأحداث التي جرت وتجري في العراق وحوله. صحيح أن اقليم كردستان يتعرّض لمخاطر حقيقية واضحة المنشأ والمعالم ، وصحيح أن الإقليم يمتلك من القدرات العسكرية عدة وعددا ما يمكنه من استعمال السلاح ربما بكفاءة عالية وفقا للهدف المطلوب منه ، إلا أن التجارب السابقة في مواجهة مثل تلك الجماعات الإرهابية تؤكد عدم قدرة طرف أو دولة أو حتى مجموعة دول من مواجهة مثل تلك الأعمال ، من دون تضامن دولي متعدد المطارح والوسائل ، فمحاربة الإرهاب ليست عسكرية أو أمنية فقط بل تمتد لوسائل كثيرة حددتها قرارات دولية كثيرة بدءا بالقرار 1370 وما تلاه من قرارات وتوصيات صادرة عن منظمات إقليمية ودولية، ورغم هذه الإحاطة الدولية للمواجهة لم تتمكن اعتى الدول قوة من مواجهة الإرهاب بالشكل والكيف الذي يقضي عليه تماما، فكيف بإقليم كردستان مواجهة ذلك؟ إضافة إلى ذلك كيف يمكن تقرير تسليح اقليم هو كيان من فدرالية عراقية موصوفة دستوريا ؟ فبصرف النظر عن الواقع السياسي والدستوري الذي يظهر فيه الإقليم من استقلال واقعي لافت لم ينقصه سوى الإعلان الرسمي ليتحوّل من واقعي إلى قانوني، فإن التوصيف القانوني للإقليم هو جزء من دولة منضوية في الأمم المتحدة ومعترف بوحدة أراضيها وسيادتها، وبالتالي فمن غير القانوني تجاوز السلطة المركزية وتسليح اقليم فيها بمعزل عن رضا وقبول السلطة المركزية. الأمر الأشد خطورة من هذا التسليح ، هو إمكانية وصول هذه الأسلحة إلى مسلحي "داعش"، وهو أمر سبق وحدث في بعض المحافظات العراقية كالموصل مثلا حيث تم تسليم المحافظة مع أسلحتها الكاملة في ظروف ساعات، وذهبت مليارات الدولارات من الأسلحة هباءً منثورا من يد الجيش العراقي إلى العصابات المسلحة ! فما هي الضمانات لتكرر المشهد ذاته مع اقليم كردستان؟ ببساطة لا شيء. الأمر الآخر وهو يطرح بداهة حول إمكان استثمار القوة المضافة من هذا السلاح في تعزيز الانفصال عن العراق. واقعا هذه الفرضية ليست بحاجة لتأكيد في معرض تأكيد المؤكد، وبصرف النظر عن عدم مشروعية الدولة الكردية من عدمها، فان المطالبة بالاستقلال القانوني بعد الواقعي أصبح أمرا واقعا أيضا بل مطلب شعبي وقيادي كردي واضحين، ولم يكبح جماحه حتى الآن سوى إجماع الدول الإقليمية المتضررة من إعلان الدولة الكردية، وبالتالي هذه القوة العسكرية المضافة ستستعمل للوصول إلى حلم الدولة القومية الكردية في المنطقة بصرف النظر عن حدود وإمكانات تحققها والاعتراف بها. يبقى من المؤكد القول ، أن محاربة الإرهاب "الداعشي" في المنطقة أكثر من ضرورة وواجب إنساني ، باعتباره بات يهدد حضارات وثقافات بأكملها، وان أدوات هذه المواجهة تتطلب إجماعا دوليا للمواجهة وتجفيف منابع الدعم له، فالتجارب السابقة في محاربة الإرهاب ، خففت وحدت منه في بعض المناطق والدول والمجتمعات، لكنها نمت وترعرعت وتكاثرت في بعض المناطق نظرا للدعم المباشر والاحتضان السياسي والمالي لهذا الإرهاب. وبالتالي إن مواجهة "الداعشية" يتطلب استراتيجيات اكبر بكثير من تسليح اقليم في دولة، أو مجموعة دول في اقليم ما.