06‏/08‏/2015

خلفيات التحول التركي في الأزمة السورية

خلفيات التحول التركي في الأزمة السورية د.خليل حسين أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 1-8-2015 من الواضح أن ثمة محاولات تركية متعددة جرت سابقا لاتخاذ مواقف متمايزة في الأزمة السورية، اختلفت باختلاف الوقائع والظروف في كل مرحلة منها. إلا أن الملفت في بعضها ازدياد منسوب العمل على إنشاء منطقة حظر في الشمال السوري، في ظل تضارب وتقاطع مصالحها مع مصالح اللاعبين الآخرين ومن بينها الولايات المتحدة. ويبدو إن اندفاع اردوغان الحالي باتجاه إحياء هذه الرغبة عبر عملياته العسكرية ضد تنظيم داعش وبالتفاهم مع واشنطن، بعد منحها استعمال قاعدة انجرليك الجوية، لها أبعاد وخلفيات عدة. فقبول اردوغان الانضمام للتحالف الدولي لمحاربة داعش بعد ممانعته سابقا، وبشروطه غير المعلنة، يحاول الاستفادة لاحقا من أولويات وضعها في أجندته الداخلية والإقليمية والدولية. فهو أولا يسعى لإقامة منطقة حظر هدفها المعلن طرد داعش منها وتسهيل عودة اللاجئين السوريين ، لكن غير المعلن يتعلق بالجغرافيا السياسية للأكراد بدءا من كردستان العراق مرورا بشمال سوريا وانتهاءً بالمناطق الكردية في الجنوب الشرقي لتركيا، وهي منطقة تشكل الخاصرة الرخوة لتركيا في أي طروح مستقبلية، وهو أمر يعتبر من الأمور الحيوية التي تسعى أنقرة لمواجهتها ولو بالقوة العسكرية ، وهذا ما عمدت إليه في مختلف مراحل معالجتها للأزمة الكردية وبخاصة الجانب المتعلق بحزب العمال الكردستاني ، وما يعزز هذا السيناريو حاليا، نتائج الانتخابات التشريعية التركية التي أوصلت حزب الشعوب الديمقراطي اليساري الكردي إلى البرلمان ، والذي حرم أردوغان شخصيا من تحقيق الكثير من طموحاته وسياساته الداخلية والخارجية. وبالتالي إن تحقيق مكاسب أمنية وعسكرية في سياق محاربته لداعش ومعها الأكراد، سيعزز من فرصه في قلب الموازين في الانتخابات التشريعية المبكرة في الخريف القادم كما يعتقد. إلا أن الصورة الوردية التي ترسمها أنقرة تصطدم واقعيا وعمليا بالموقف الأميركي من ملفات الأزمة السورية. فواشنطن مثلا تختلف مع أنقرة في أولوية إسقاط النظام السوري أولا قبل داعش، وان اتفقا حاليا على ذلك ولو على مضض، فهما يختلفان في قراءتهما للمسألة الكردية، فواشنطن لا تؤيد ضرب الأكراد مع داعش في سلة واحدة، وهي تفضل إبقاء المسألة الكردية رهن بالتطورات المستقبلية ضمن التوازنات السورية اللاحقة، في وقت يراهن أردوغان تحديدا على كسب ود واشنطن لمنع الأكراد مستقبلا الاستفادة من أي وضع ميداني يُستثمر في قضايا إستراتيجية كردية في الواقع التركي. كما إن التحول التركي، له أبعاد إقليمية تتعلق بمجمل التوازنات والتفاهمات التي يمكن أن تحصل بعد الاتفاق النووي الإيراني، والذي تعتقد تركيا وغيرها من الفواعل الإقليمية انه سيقلص من دورها، وبالتالي تعتقد انقره أن تحولها هذا سيكبح من تداعيات الاتفاق عبر خلق واقع جديد تعيد خلط الأوراق من خلاله والبناء عليه في إعادة تموضعها الشرق أوسطي ، بعد ضموره في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي والتي لعبت فيه دور الحاجز بين موسكو والشرق الأوسط. ثمة تحول تركي غير مسبوق في الأزمة السورية، وهي تلعب ورقة عسكرية بأبعاد سياسية إستراتيجية، وبصرف النظر عن قدرة أنقرة في تحقيق رغباتها وأولوياتها ، فان محاولة أردوغان ربط ما انقطع في حرارة التواصل مع واشنطن دونه حسابات تركية وأميركية متبادلة. فالطرفان وان أدركا حاجتهما الدائمة للبحث عن تقاطع المصالح، إلا أن أنقرة ظلت ولفترات طويلة تشعر بغبن العلاقة مع واشنطن ، وبخاصة في الفترات الأخيرة، حيث لم تعد هناك قراءات واحدة لتفاصيل ملفات الأزمة السورية ، فكل يقرأ على ليلاه، في وقت يعتبر أردوغان أن هذا التحول سيجني له المكاسب الداخلية التي تبخرت في الانتخابات الأخيرة، كما سيعزز أوراقه التفاوضية في سياقات الملفات الخارجية ، وهو أمر يحتمل تكهنات كثيرة وليس إجابات محددة ،بالنظر لارتباط هذا الموضوع بالكثير من المؤثرات التي تخرج بطبيعتها وبظروفها عن حسابات كل من أنقرة وواشنطن وحتى دمشق ومن من يتحالف معها.