14‏/03‏/2015

فلسطين والمحكمة الجنائية بين الضرورات والمحظورات

فلسطين والمحكمة الجنائية بين الضرورات والمحظورات أ.د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية بيروت: 19-1-2015 نشرت في الملحق السياسي لصحيفة الخليج بتاريخ 22-1-2015 عندما أعلنت السلطة الفلسطينية نيتها التوجه إلى المحافل الدولية لا سيما الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ، هدفت إلى الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لتسريع عملية المفاوضات والوصول قانونيا للدولة الفلسطينية ، وبالتالي ليس واقعيا أو تعاقديا كما رغبت واشنطن عبر ربط السلطة بالمفاوضات وبنتائجها غير المعروفة سلفا. وإزاء الحراك الفلسطيني نحو المحكمة يثير العديد من الأسئلة حول الاستفادة والضرر من الخطوة، والذي بدوره يثير عدة أسئلة مركزية حول استيفاء السلطة الفلسطينية لشروط الانضمام إلى المحكمة، وهو أمر تدعي واشنطن عدم اكتمال شروطه، وكذلك ما هي فاعلية الإجراءات التي يمكن تتخذها المحكمة تجاه إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وما هي المخاطر التي تواجه عمل المحكمة ؟ أولا : شروط الانضمام إلى المحكمة يعتبر نظام المحكمة اتفاقا متعدد الأطراف بين الدول، والمعروف فان الدولة بموجب القانون الدولي العام، تتكون من الشعب والإقليم والسلطة، وهذه الشروط ليست متوفرة بالمعنى المطلق للسلطة الفلسطينية، لجهة الإقليم الذي لم تحدد حدوده المرتبط أساسا بالمفاوضات مع إسرائيل.ورغم ذلك فقد حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على اعتراف أكثر من مئة دولة، كما رحبت الجمعية العامة بإعلان المجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ 15-11-1988 قيام الدولة الفلسطينية. وفي العام 2012 وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قبول الدولة الفلسطينية كدولة غير عضو في الأمم المتحدة بصفة مراقب.، الأمر الذي حفّز المزيد من الدول الغربية على الاعتراف بها ،وكان آخرها فرنسا. وفي أي حال من الأحوال، فقد وافق الأمين العام للأمم المتحدة على قبول طلب فلسطين الانضمام إلى نظام المحكمة، وهو أمر إجرائي تخطته السلطة الفلسطينية، وبات بإمكانها الاستفادة من مزايا الانضمام بدءا من الأول من نيسان القادم 2015. ثانيا :اختصاصات المحكمة والاستفادة الفلسطينية يحدد نظام المحكمة نطاق الإختصاص الزمني, والإقليمي والشخصي, والموضوعي. فقد نصت المادة (11) الفقرة ( 1) على أنه : "ليس للمحكمة اختصاص إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الأساسي" . ما يعني أن المحكمة تختص بالنظر في الجرائم التي ترتكب بعد دخول نظامها الأساسي حيز التنفيذ، أي أنه لا اختصاص للمحكمة على الجرائم التي وقعت قبل بدء النظام الأساسي . فالنظام الأساسي للمحكمة أخذ بالقاعدة العامة المطبقة في جميع الأنظمة القانونية في العالم والتي تقضي بعدم جواز تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي. وكذلك الحال بالنسبة للدول التي تصبح طرفًا في النظام الأساسي بعد نفاذه فلا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ النظام بالنسبة لتلك الدولة. وبالتالي يمكن القول: إن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية هو اختصاص مستقبلي فقط. ويرتكز الإختصاص الإقليمي على مبدأ راسخ في القوانين الداخلية والدولية المتعلق بسيادة الدولة على أراضيها.ويقف الإختصاص الإقليمي مستقلا أمام الإختصاص الشخصي, لتكون المحكمة الصالحة للنظر في قضايا جرائم المادة 5, عند وقوعها في إقليم إحدى الدول الأطراف, سواء أكان المعتدي تابعا للدولة الطرف أم لدولة ثالثة, مع فارق جوهري عند وجود المتهم في دولة ثالثة, إذا أن هذه الأخيرة غير ملزمة بالتعاون مع دولة الإقليم ، إلا بتوافر دولي كاتفاقيات التسليم أو المعاهدات المتعددة الأطراف. أما الاختصاص الشخصي فمرده المسؤولية الجنائية للفرد التي لا تؤثر في مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي، وهذا ما قررته الفقرة(4) من المادة الخامسة، بنصها على : " لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الأساسي يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية في مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي".فالدولة تبقى مسؤولة عن الضرر الذي يلحق بالآخرين نتيجة لأعمالها غير المشروعة، وتلتزم الدولة بالتعويض عن هذا الضرر على النحو المقرر في أحكام المسؤولية الدولية .وبحسب المادة (27 ) والمادة (28)، يمكن ملاحقة فئتين من الأشخاص : رؤساء الدول وأصحاب المناصب العليا . والقادة والرؤساء العسكريون المسؤولون عن أعمال مرؤوسيهم .فوفقا للمادة (27) أن جميع الأشخاص متساوون أمام القانون دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية. فالشخص سواء أكان رئيسًا لدولة أو حكومة أو عضوًا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبًا أو موظفًا حكوميًا، مسؤول عن جريمته، وصفته الرسمية لا تعفيه بأي حال من المسؤولية الجنائية، كما أن هذه الصفة لا تكون سببًا في تخفيف العقوبة عن الجرائم التي يكون قد ارتكبها في أثناء وجوده في منصبه.ووفقا للمادة (28 فقرة أ) اعتبرت القائد العسكري أو من يقوم مقامه يكونان مسؤولين مسؤولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين، في حال توافر شرطان :أن يعلم القائد أن قواته ترتكب أو توشك أن ترتكب إحدى الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة. أو إذا لم يتخذ القائد العسكري جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع هذه الجرائم أو قمعها أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة . أما الاختصاص الموضوعي وهي الأخطر والتي اختصرتها المادة الخامسة بجرائم الإبادة الجماعية, والجرائم ضد الإنسانة, وجرائم الحرب, وجرائم العدوان. وقد عرفت المادة السادسة جريمة الإبادة الجماعية أي فعل من الأفعال يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً. أما المادة (7) فعرفت الجرائم ضد الإنسانية عبر تعداد الأفعال التي تشكل في حالة ارتكابها في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين عن علم بهذا الهجوم وهي :القتل العمد والاسترقاق والتعذيب والإبادة وإبعاد السكان أو النقل القسري والإخفاء القسري للأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم ورفض إعطاء معلومات عن مصيرهم. أما جرائم الحرب ، فنصت عليها المادة 8 وهي الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 أغسطس / آب 1949 .أما جريمة العدوان: فلم ينجح مؤتمر روما في تعريف لها. فيما عرفها القانون الدولي وحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14-12-1974 فهو: " استعمال دولة ما، القوة المسلحة ضد دولة أخرى ضد السيادة وسلامة الأرض والحرية السياسية أو بأية طريقة أخرى". أما ممارسة الاختصاص فتتم عبر مرجعيات حددها النظام ، فوفقا للمادة 14 لكل دولة طرف في الاتفاقية أن تحيل للمدعي العام إذا ما كان هناك أي جريمة دولية للنظر فيها، كما يجوز لدولة غير طرف أن تتقدم بذلك شرط إعلانها خطيا القبول باختصاص المحكمة. كما يمكن لمجلس الأمن إحالة القضية للمدعي العام لمباشرة التحقيق وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما للمدعي العام وفقا للمادة 15 المباشرة عفوا بالتحقيق إذا توفرت لديه معلومات عن الجرائم المرتكبة،إن عبر دولة طرف أو غير طرف في الاتفاقية، علما أن التحقيق مرتبط بموافقة الغرفة الابتدائية.ووفقا لهذه الصلاحيات يمكن للسلطة الفلسطينية الاستفادة منها عمليا بمواجهة إسرائيل إلا أن ذلك دونه عقبات كثيرة. ثالثا : عقبات التحقيق والتنفيذ التي ستواجه السلطة الفلسطينية إذا سلمنا جدلا بأن المحكمة ستسلك في قضية ما تقدمها السلطة الفلسطينية، فما هي الاحتمالات؟ لعلَّ الثُغر الأساسية في المحاكم الدولية ومنها المحكمة الجنائية الدولية ، صعوبة تنفيذ أحكامها. إضافة إلى ذلك العقبة الإسرائيلية التي ستواجهها السلطة الفلسطينية بطبيعة الأمر. وهنا لا سبيل أمام المحكمة إلا اللجوء إلى مجلس الأمن لمباشرة التحقيق وتنفيذ الأحكام. وقد لجأت المحكمة في عدة مناسبات إلى ذلك كقضية درافور، وقضية الرئيس السوداني الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف، وكذلك سيف الإسلام في ليبيا. وإذا كان هدف السلطة الفلسطيني الاكتفاء بالإدانة السياسية إذا تعذرت القضائية، فأيضا دونها عقبات معروفة وبخاصة من الولايات المتحدة. علاوة على ذلك وبموجب المادة 16 يجوز لمجلس الأمن إيقاف التحقيق أو تنفيذ الحكم لمدة اثنا عشر شهرا ، وتمديد ذلك أيضا بنفس الشروط وفقا للفصل السابع من الميثاق. وبالمقارنة هنا لا يستطيع مجلس الأمن مثلا إيقاف أو تعطيل قرار محكمة العدل الدولية بشأن أي قضية وفقا للمادة 94 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، فيما يستطيع ذلك وفقا لنظام المحكمة الجنائية. كما أن نظام المحكمة يتيح التملص من المثول أمامها، عن طريق المحاكمة الوطنية أي أمام المحاكم الإسرائيلية وقد لجأت إليها إسرائيل في معرض تقرير غولدستون عام 2009. أو عن طريق اللجوء للمادتين 17 و18 حول الموافقة على الدعوة بداية وموافقة الهيئة التمهيدية. رابعا : مخاطر الانضمام ومحاذيره إن قبول السلطة الفلسطينية بنظام المحكمة الجنائية يحتم عليها موجبات والتزامات. فإذا كان من الفوائد التي يمكن أن تجنيها السلطة الفلسطينية من إمكانية رفع الدعاوى بعد الحصول على الاعتراف بها كدولة، فينبغي عليها التدقيق والتبصر في حالات ستحاول إسرائيل جرها إليها ومن بينها، التوصيف القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة التي تبقى ضمن حماية اتفاقيات جنيف الأربعة 1949 ، وقد فرضت إسرائيل بعد اتفاق أوسلو 1993 منحى"الأراضي المتنازع عليها" وبالتالي إخضاعها للمفاوضات الثنائية ، وبالتالي عدم اعتبارها مسالة قانونية ،وهذا ما يجب على السلطة تجنبه أو أخذه بعين الاعتبار ، إضافة إلى مسائل أخرى من بينها، محاولة إسرائيل المطالبة بمحاكمة بعض الفلسطينيين أمام المحكمة بالاستناد إلى التوصيف الأمريكي وبعض الغربي بأن حركة حماس منظمة إرهابية، وذلك على السلطة تسليم المتهمين وفقا للمادة 95. إضافة إلى إمكانية سعي إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة على استصدار قرار من مجلس الأمن بوقف التحقيق أو التنفيذ وهو أمر معتاد في ظل المساومات في مجلس الأمن وطبيعة الضوابط التي تتحكم بقراراته. وكذلك رفض إسرائيل الاستجابة للمحكمة وعدم تسليم المتهمين، وفي هذه الحالة ما على المحكمة إلا الاستعانة بمجلس الأمن وهنا الفيتو الأميركي جاهز للاستعمال كالعادة. وخلاصة القول، أن ثمة محاذير على السلطة الفلسطينية التبصر فيها، وينبغي عليها التشبث بالحقوق القانونية التي اكتسبتها سابقا ومنها، الإبقاء على توصيف "الأراضي الفلسطينية المحتلة" ، وبالتالي محاسبة إسرائيل على جرائمها وفقا لاتفاقيات جنيف لا سيما الرابعة منها وبخاصة المواد 7 و147 و148. والتمسك بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية العام 2004 حول الجدار العازل، وأهميته لجهة توصيف الأراضي المحتلة. والعمل على الانضمام للمنظمات الدولية المتخصصة ، وتحفيز الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية بعدما تخطى عدد المعترفين بها المئة دولة. كلمة أخيرة ينبغي قولها ، أن ليس ثمة سابقة دولية ، ان تمكنت محكمة دولية أو مختلطة أو خاصة من الوصول إلى نهايات وردية بالنسبة لأصحابها.

لائحة الاتهام الفلسطينية ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية

لائحة الاتهام الفلسطينية ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية بيروت: 7-3-2013 نشرت في الملحق السياسي لصحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 12-3-2015 كاد المريب أن يقول خذوني، هو حال إسرائيل وقياداتها السياسية والعسكرية ،لدى إعلان المحكمة الجنائية الدولية دراسة احتمال ، أن يكون الجيش الإسرائيلي قد تورط بجرائم حرب خلال العدوان على قطاع غزة صيف العام 2014، والذي ذهب ضحيته، أكثر من 2250 فلسطيني، منهم 1563 مدنياً، بينهم 538 طفلاً و306 سيدة. وبعد خمسة أشهر من انتهاء الأعمال العدائية، ظلت آلاف القنابل من مخلفات الحرب غير المنفجرة منتشرة في أنحاء قطاع غزة، وظل نحو مئة ألف شخص مشردين، إذ تم تدمير 22 ألف منزل أو إصابته بأضرار جسيمة أثناء النزاع، بحسب تقارير هيومن رايتس وتش. ونتيجة لذلك عمدت إسرائيل بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي للعمل على عدم قبول فلسطين الانضمام إلى المحكمة الجنائية بذرائع وحجج غير قانونية ن كما عرقلت مهام مجلس حقوق الإنسان عبر ضغوطها لإجبار القاضي وليام شاباس، التنحي عن ملف التحقيق بعدنا تبين لها أن تقريره لم يكن لمصلحتها. إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة حسم الجدل الكبير حول قبول السلطة الفلسطينية الانضمام إلى معاهدة روما الناظمة لأعمال ومجريات المحكمة. ذلك بعدما أودع وثيقة التوقيع ، مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة، في الأمانة العامة بوصفها هيئة إيداع المعاهدة المنشئة للمحكمة، حيث قبلت الوثيقة رسمياً في 6 يناير/ كانون الثاني، وصدر إخطار يشير إلى دخول معاهدة المحكمة حيز النفاذ في فلسطين ، اعتباراً من الأول من أبريل/ نيسان المقبل، مما يجعلها العضو رقم 124 في المحكمة. الأمر الذي حدا بالسلطة الفلسطينية الإعلان عن نيتها تقديم أول لائحة اتهام ضد إسرائيل أمام المحكمة في الأول من ابريل / نيسان القادم. فما هي اختصاصات المحكمة ؟ وما هي آليات المساءلة؟ وما هي معوقاتها ؟ اختصاصات المحكمة يحدد نظام المحكمة ، نطاق الإختصاص الزماني والإقليمي والشخصي والموضوعي. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة (11) على أنه : "ليس للمحكمة اختصاص إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الأساسي" . ما يعني أن المحكمة تختص بالنظر في الجرائم التي ترتكب بعد دخول نظامها الأساسي حيز التنفيذ . فالنظام الأساسي للمحكمة أخذ بالقاعدة العامة المطبقة في جميع الأنظمة القانونية في العالم ، والتي تقضي بعدم جواز تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي. وكذلك الحال بالنسبة للدول التي تصبح طرفًا في النظام الأساسي بعد نفاذه ، فلا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها ، إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ النظام بالنسبة لتلك الدولة. ويرتكز الإختصاص الإقليمي على مبدأ راسخ في القوانين الداخلية والدولية المتعلق بسيادة الدولة على أراضيها.ويقف الإختصاص الإقليمي مستقلا أمام الإختصاص الشخصي, لتكون المحكمة الصالحة للنظر في قضايا جرائم المادة الخامسة, عند وقوعها في إقليم إحدى الدول الأطراف, سواءً أكان المعتدي تابعا للدولة الطرف أم لدولة ثالثة, مع فارق جوهري عند وجود المتهم في دولة ثالثة, إذا أن هذه الأخيرة غير ملزمة بالتعاون مع دولة الإقليم ، إلا بتوافر دولي كاتفاقيات التسليم أو المعاهدات المتعددة الأطراف. أما الاختصاص الشخصي ، فمرده المسؤولية الجنائية للفرد ، التي لا تؤثر في مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي، وهذا ما قررته الفقرة(4) من المادة الخامسة، بنصها على : " لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الأساسي يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية في مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي".فالدولة تبقى مسؤولة عن الضرر الذي يلحق بالآخرين نتيجة لأعمالها غير المشروعة، وتلتزم الدولة بالتعويض عن هذا الضرر على النحو المقرر في أحكام المسؤولية الدولية .وبحسب المادة (27) والمادة (28)، يمكن ملاحقة فئتين من الأشخاص : رؤساء الدول وأصحاب المناصب العليا ؛ والقادة والرؤساء العسكريون المسؤولون عن أعمال مرؤوسيهم .فوفقا للمادة (27) أن جميع الأشخاص متساوون أمام القانون دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية. فالشخص سواء أكان رئيسًا لدولة أو حكومة أو عضوًا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبًا أو موظفًا حكوميًا، مسؤول عن جريمته، وصفته الرسمية لا تعفيه بأي حال من المسؤولية الجنائية، كما أن هذه الصفة لا تكون سببًا في تخفيف العقوبة عن الجرائم التي يكون قد ارتكبها في أثناء وجوده في منصبه.ووفقا للمادة (28 فقرة أ) اعتبرت القائد العسكري أو من يقوم مقامه يكونان مسؤولين مسؤولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين، في حال توافر شرطان :أن يعلم القائد أن قواته ترتكب أو توشك أن ترتكب إحدى الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة. أو إذا لم يتخذ القائد العسكري جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع هذه الجرائم أو قمعها أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة . أما الاختصاص الموضوعي ، وهو الأخطر والذي اختصرته المادة الخامسة بجرائم الإبادة الجماعية, والجرائم ضد الإنسانية, وجرائم الحرب, وجرائم العدوان. وقد عرفت المادة السادسة جريمة الإبادة الجماعية أي فعل من الأفعال يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً. أما المادة (7) فعرفت الجرائم ضد الإنسانية عبر تعداد الأفعال التي تشكل في حالة ارتكابها في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين عن علم بهذا الهجوم وهي :القتل العمد والاسترقاق والتعذيب والإبادة وإبعاد السكان أو النقل القسري والإخفاء القسري للأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم ورفض إعطاء معلومات عن مصيرهم. أما جرائم الحرب ، فنصت عليها المادة 8 وهي الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 أغسطس / آب 1949 .أما جريمة العدوان: فلم ينجح مؤتمر روما في تعريف لها. فيما عرفها القانون الدولي وحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14/12/1974 فهو:" استعمال دولة ما، القوة المسلحة ضد دولة أخرى ضد السيادة وسلامة الأرض والحرية السياسية أو بأية طريقة أخرى". أما ممارسة الاختصاص ، فتتم عبر مرجعيات حدَّدها النظام ، فوفقا للمادة 14 لكل دولة طرف في الاتفاقية أن تحيل للمدعي العام إذا ما كان هناك أي جريمة دولية للنظر فيها، كما يجوز لدولة غير طرف أن تتقدم بذلك شرط إعلانها خطيا القبول باختصاص المحكمة. كما يمكن لمجلس الأمن إحالة القضية للمدعي العام لمباشرة التحقيق وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما للمدعي العام وفقا للمادة 15 المباشرة عفوا بالتحقيق ، إذا توفرت لديه معلومات عن الجرائم المرتكبة،إن عبر دولة طرف أو غير طرف في الاتفاقية، علما أن التحقيق مرتبط بموافقة الغرفة الابتدائية.ووفقا لهذه الصلاحيات يمكن للسلطة الفلسطينية الاستفادة منها عمليا بمواجهة إسرائيل، إلا أن ذلك دونه عقبات كثيرة. عقبات وثغر قانونية وسياسية ثمة العديد من الثغر التي يمكن أن تستغلها إسرائيل للتملص من مجريات المحاكمة والنتائج المحتملة عنها ، وهذه المعوقات والعقبات بعضها ذات طابع سياسي وأخرى ذات طابع قانوني وأبرزها: 1 . مبدأ تكاملية اختصاص المحكمة: إذ إن المادة الأولى باعتبار اختصاص المحكمة مكملاً للاختصاصات القضائية الجنائية الوطنية ، يعطي "إسرائيل" فرصة للتحايل على القانون ، عبر الإعلان أنها سوف تقدم بعض المتهمين إلى لجان تحقيق "إسرائيلية" ، تمهيداً لتقديمهم إلى محكمة جنائية إسرائيلية. ولـ"إسرائيل" سوابق قانونية عديدة في هذا المجال، فقد قدمت بعض جنودها وضباطها إلى محاكم صورية وحكمت عليهم أحكاماً شكلية. وصحيح أيضا ،أن المادة 17 من النظام الأساسي نصت على حالتين تستثنيان من مبدأ التكاملية ، بحيث تقبل المحكمة الشكوى وتسير فيها إذا توفرت إحدى الحالتين التاليتين:إذا أجرت دولة لها اختصاص وطني كـ"إسرائيل" مثلاً، تحقيقاً في الدعوى ، إلا أنه ثبت للمحكمة بأنها:غير راغبة في الاضطلاع بالتحقيق. أو أنها غير قادرة على القيام بذلك.وهنا يمكن التساؤل: كيف ستتمكن المحكمة الدولية من الجزم بأن دولة ما غير راغبة في مقاضاة المتهم أو المتهمين ، أو أنها غير قادرة على القيام بذلك. لا شكّ أن التأكد من عدم القدرة أسهل من الحالة الأخرى وهي عدم الرغبة، خصوصاً وأن "إسرائيل" لديها قدرة فائقة على التفنن في اختراع المبررات، خصوصاً إذا كان الضحية عربياً. وثمة عشرات السوابق في هذا المجال، خصوصاً وأن النظام الأساسي للمحكمة لا يتطلب حضور المتهم أمامها بل يمكن محاكمته والسير في الدعوى غيابياً. 2 . الطعن في مقبولية الدعوى: يمكن للمتهم أو الدولة التي لها اختصاص إقليمي في التحقيق أو المحاكمة ، أن تقدم طلباً بعدم مقبولية الدعوى. والدولة التي تدعي بأن الدعوى من اختصاصها تدفع في طلبها بأنها تحقق أو تباشر المقاضاة في الدعوى أو لكونها حققت فعلاً المقاضاة وباشرت فيها. ولدى تقديم مثل هذا الطعن فإنه يحال إلى دائرة ما قبل المحاكمة للنظر والبت فيه، ثم يحال الطعن إلى الدائرة الابتدائية، ويجوز لمن قدم الطلب استئناف القرارات الصادرة والمتعلقة بالاختصاص أو المقبولية إلى دائرة الاستئناف وفقاً للمادة 82 من النظام الأساسي. 3 . تستطيع "إسرائيل" الادعاء بأنها ارتكبت كافة المخالفات الجسيمة المنسوبة لضباطها وجنودها ومسؤوليها السياسيين ، وفقاً لما لها من حقّ "الدفاع الشرعي" عن أمن مواطنيها وسيادة أراضيها. وفي هذا الصدد يمكنها تقديم بيانات صادرة عن عدد من رؤساء الدول الغربية أو الطلب من بعضهم ، كي يشهد لصالحها بأنها كانت في حالة دفاع. ، والمادة 31 من النظام الأساسي تعطي المتهم هذا الحق شرط أن يتصرف على نحو معقول للدفاع عن النفس، أو عن شخص آخر، أو عن ممتلكات في حالات أخرى. 4 . لعلَّ ابرز المعوقات ما ورد في المادة 16 من النظام الأساسي تحت بند "إرجاء التحقيق أو المقاضاة"، إذ أعطت هذه المادة لمجلس الأمن الحق في أن يطلب من المحكمة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بأن "لا تبدأ في المحاكمة أو أن لا تواصل المضي في التحقيق أو المقاضاة لمدة اثني عشر شهراً". كما يجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط نفسها. وبناءً عليه، لا تستطيع المحكمة السير في أيّ شكوى أو مقاضاة بل تجميد ذلك لفترة 12 شهراً قابلة للتجديد لمدة مساوية من قبل مجلس الأمن. 5 . إمكانية إقامة "إسرائيل" دعاوى ضدّ قيادات المقاومة بموجب نصّ المادة 12 من ذلك النظام أو قبلت باختصاص المحكمة وفقاً للفقرة (3) المادة 12، فإن "إسرائيل" تستطيع تقديم شكوى أو شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضدّ أيّ من قيادات المقاومة، أو حتى ضدّ بعض القيادات السياسية في الضفة الغربية، إذا كانت لها علاقة بما حدث في قطاع غزة من أعمال حربية. أخيرا وبصرف النظر عن كون إسرائيل استثناءً للقوانين والشرائع الدولية، تعتبر الخطوة الفلسطينية رغم معوقاتها ومحاذيرها، أمرا ضروريا ينبغي المضي به، اقله حفظ الحق من وجهة نظر القانون الدولي أولا، واعتباره سابقة فلسطينية في المحاكم الدولية يمكن البناء عليها ثانيا، سيما وان إسرائيل وتاريخها الحافل بالمجازر ضد العرب ، لن ترتدع إلا إذا شعرت أن ثمة من يراقبها ويحاسبها.

خبابارت ايران النووية

خبابارت ايران النووية - خليل حسين - نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 13-3-2015 بصرف النظر عن حجم التأثير "الإسرائيلي"، الذي ضخه، بنيامين نتنياهو، عبر مواقفه مؤخراً أمام الكونغرس الأمريكي في مفاوضات إيران النووية مع الغرب، والذي ذكرها بالاسم 107 مرات، فإنها تعتبر دلالات كافية لحجم القلق والخوف المتزايد حول احتمال التوصل لاتفاق خلال الشهور الثلاثة المقبلة، وهو بالمناسبة احتمال متقدم لكن دونه عثرات جدية ، تبدأ بالتقني ولا تنتهي بالسياسي والعسكري، سيما وأن الجولة الأخيرة رفعت إلى منتصف الشهر القادم ، على خلفية الاقتراح الأمريكي بتجميد مجمل البيئة التكنولوجية العالية لمدة عشر سنوات، الأمر الذي تعتبره طهران ضربا على اليد التي توجعها، والأمر الذي يضاعف من منسوب البحث الإيراني عن خيارات أخرى، ولو كانت ذات طابع استفزازي، وبالتالي إمكانية التفاوض ضمن سياسة حافة الهاوية، وهو أمر أجادته باحتراف مطلق خلال الجولات السابقة، بفعل أدوات ووسائل الضغط السياسية والعسكرية التي تمتلكها في الإقليم . وفي أي حال من الأحوال تمتلك طهران خيارات متعددة لكل واحدة منها محاذيرها وصعوباتها وتداعياتها وأبرزها: الخيار الأول وهو الخيار الكوري، أي الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NNPT) ولا تحمل هذه الخطوة بالضرورة نيّة إيران تصنيع أسلحة نووية، لكنها في المقابل تتيح لها هوامش أوسع للمناورة لم تكن متاحة لها منذ التوقيع على المعاهدة ، والتي تفسح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارات مفاجئة للمنشآت النووية الإيرانية؛ وبالتالي يمكن لإيران اللعب في هذا المجال ، عبر التهويل بالاتجاه نحو التسليح أو الإقدام على الخطوة، إذا ما ازدادت خطوات الغرب نحو طرح الخيار العسكري مجدداً . وثمة خطوات مماثلة لذلك الخيار ، تمثل في انسحاب كوريا الشمالية من المعاهدة ذاتها العام 2003 . أما الخيار الثاني، ويتمثل في الإعلان عن تعزيز أنشطة مفاعل (أراك) للماء الثقيل، على قاعدة أن البلوتونيوم الذي ينتجه المفاعل ، له استخدامات مزدوجة، مدني وعسكري، وهو أمر متعلق بالقرار السياسي . لذا تعاملت واشنطن بدقة متناهية مع هذا الموضوع في جولات التفاوض السابقة ، فيما رفضت إيران وبشدة عملية تحويل المفاعل للعمل بالماء الخفيف . ويتعلق الخيار الثالث بإنشاء دورة نووية متكاملة في منشأة (فردو)، المفاعل المثير للجدل ، الذي حوّلته إيران إلى معمل مركزي لتخصيب اليورانيوم ، وتم بناؤه داخل جبال الغرانيت في محيط مدينة قم، ما جعله محصّنا بحسب التقديرات الاستخبارية الغربية ضد الهجمات النووية التكتية . وبالنظر لموقعه البعيد عن الحدود المائية والبرية، فيمكن الارتكاز عليه في دورة نووية آمنة يمكن لإيران من خلالها تعزيز خيارات الردع النووي في مواجهة أي عمل عسكري خارجي . الخيار الرابع ، إقامة 400 ألف وحدة فرز نووية لتخصيب اليورانيوم، وهي عملية تستوجب زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي إلى عشرين ألفاً، علماً أن الطرح الأمريكي الحالي حدّد عدد أجهزة الطرد ب4000 فقط . ما يعني عودة طهران عن قبولها بنسبة التخصيب عند نسبة 5 % وتفعيلها المباشر لعمليات التخصيب العالية ، التي تصل إلى نسبة ال20 %، ما يعني عملياً انسحابها النهائي من اتفاق جنيف بكل مندرجاته وشروطه . أما الخيار الخامس، فيتعلق بإزالة القيود عن الدراسات والأبحاث والتجارب النووية . ويعتبر من أهم المطالب الغربية، المتعلقة مباشرة بمنشأة البحوث والتجارب النووية المخبرية في العاصمة طهران، وفيها يعمل الخبراء الإيرانيون على تطوير عمل أجهزة الطرد المركزي والقدرة التخصيبية بشكل عام . وتعد هذه المسألة من ابرز نقاط الخلاف القائم في المفاوضات، إذ تكمن القدرة التكنولوجية الإيرانية النووية الفعلية فيها، كما يعتبر البرنامج النووي بشقه التخطيطي ينفذ هناك، حيث تتم أرشفة الأبحاث وتحويلها إلى منتج تكنولوجي معرفي نووي متكامل . كما تمتلك إيران عملياً خيارات فرعية موازية، لا تقل خطورة إذا ما فشل المسعى التفاوضي . من بينها تدويل إعادة معالجة اليورانيوم، وهو أمر تقوم به موسكو حاليا، علاوة على نقل البيئة التكنولوجية الفضائية إلى بيئة عسكرية، وبمعنى آخر، إنتاج صواريخ باليستية عابرة للقارات، اعتماداً على نماذج استخدمت في إيصال القمر الصناعي المحلي (فجر) إلى الفضاء خلال الشهر الماضي ، وهو أمر حاول الغرب إدراجه في ملف المفاوضات من باب الصواريخ الباليستية وخطورتها في نقل الأسلحة غير التقليدية ، الأمر الذي رفضته طهران رفضا مطلقا في السابق . ورغم هذه الخيارات المتاحة، ثمة صعوبات وعقبات تواجهها إيران عملياً، يأتي في طليعتها الوضع المالي والاقتصادي الذي بلغ من العمر 36 عاماً، جراء الحصار والانخراط المباشر في سياسات إقليمية مكلفة، الأمر الذي يكبل ويحد من المضي بأي من هذه الخيارات المتاحة، الأمر الذي ترجمته إيران برسائل واضحة إلى الغرب، أن فرصة الاعتدال الممنوحة لفريق الإصلاحيين، ستكون وخيمة إذا ما فشلت المفاوضات، وبالتالي ثمة من يحيك صورا مستنسخة عن السياسات (النجادية) في الداخل، الأمر الذي سينعكس على واقع المفاوضات بشكل مباشر، فهل يعي الطرفان الإيراني والغربي خطورة الخيارات والنتائج المحتملة في الجولة المقبلة؟ - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/998b0d55-87d7-4156-82bb-8ddf7cd8b701#sthash.K4sXcwef.dpuf

اسرائيل في مفاوضات النووي الايراني

اسرائيل في مفاوضات النووي الايراني - خليل حسين - نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 5-3-2015 اتخذت المفاوضات النووية الإيرانية، نوبة حراك سريع وبنوعية جديدة لجهة المشاركين فيه، أو الملفات المطروحة كالتقنية ظاهراً والمضمرة سياسياً، ففي الرابع والعشرين من الشهر الحالي، يدخل مشروع الاتفاق النووي الإيراني مرحلة الوقت الحرج لجميع الأطراف المباشرين وغير المباشرين المنخرطين في تفاصيله، وهو توقيت قاتل يمتد إلى أواخر يوليو/ حزيران المقبل، الموعد المفترض لوضع مشروع الاتفاق موضع التنفيذ من الناحية المبدئية . ففي وقت تجرى المفاوضات على مستوى وزيري الخارجية بشكل مباشر، ضمت الوفود، مفاوضين ذات طبيعة تقريرية خاصة، مثل وزير الطاقة الأمريكي أرنست مونيز، وتلميذه الإيراني في سبعينات القرن الماضي رئيس وكالة الطاقة الإيرانية، ونائب الرئيس الإيراني، علي أكبر صالحي، ما يشي بأن مستوى المفاوضات وملفاتها، قد وصلت إلى نقاط تقريرية تستلزم قرارات تنفيذية . إلى جانب هذه البيئة التفاوضية، ثمة مفاوضات من نوع آخر، جرت في واشنطن وسط سقوف عالية قادها رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، مع الإدارة الأمريكية، قوامها ابتزاز الولايات المتحدة، وبخاصة الرئيس باراك أوباما والكونغرس لإجهاض مشروع الاتفاق الإيراني، وإفراغه من مضمونه التقني والسياسي، في مرحلة أولى، بهدف إعادة الخيارات العسكرية إلى الواجهة، الأمر الذي يشكل حساسية مفرطة لواشنطن بشقيها الرئاسي والكونغرسي، في ظل الحاجة الأمريكية لنصر ما في هذا الملف . في المبدأ، ثمة رؤية استراتيجية أمريكية "إسرائيلية" واحدة، حول الملف النووي، إلا أن الطرفين اختلفا حول الوسائل والأطر المحتملة، ومن الواضح أن "إسرائيل" جهدت في مجمل محطات المفاوضات، الضغط على الإدارة الأمريكية بمختلف مستوياتها لعدم التوصل إلى أي مرحلة تتيح لإيران مجرد امتلاك التكنولوجيا الدقيقة في هذا الإطار، علاوة على تفضيلها حسم الملف برمته عسكرياً، فيما فضلت واشنطن ضمن مجموعة (5+1) إعطاء الدبلوماسية فرصاً للتوصل إلى حل يرضي بالنتيجة "إسرائيل" تحديداً، الطرف الأساس غير المعلن فيه . وأياً يكن الموقف الأمريكي ثمة إصرار "إسرائيلي" على التشدد، وقد ظهر ذلك جلياً في مواقف بنيامين نتنياهو أمام "آيباك" و"الكونغرس" ولو بدت بلهجات مخففة لجهة اللياقات الدبلوماسية، إلا أن هذا الأخير يعتبر هذا الحراك فرصته الأخيرة، في سياق متزامن مع انتخاباته التشريعية في "إسرائيل" أولاً، وهو أمر يحتاج إليه كنصر أساسي في سياق معاركه الداخلية والانطلاق بها إلى الملفات الإقليمية ثانياً، وعلى رأسها البرنامج النووي الإيراني . مقابل ذلك، ثمة حراك أمني عسكري تقوده إيران في ساحات متعددة في الإقليم، لمراكمة أوراق القوة في عمليات التفاوض الجارية، بدءاً من انخراطها المباشر في العمليات ضد "داعش" حالياً في العراق، وهو رد واضح على واشنطن والتحالف الدولي، بأنه من يمسك القرار وهو من يتواجد على الأرض وليس في الجو، علاوة على شراكاتها في إدارة غير أزمة، كالسورية واللبنانية واليمنية، والتي شكلت هذه الأخيرة باباً استراتيجياً جديداً في لعبة الجغرافيا السياسية من باب المضائق في المنطقة، كمضيقي هرمز وباب المندب، والتلويح الإيراني بإمكانية قدرتها على فرض عقوبات مماثلة للتي تتعرض لها من خلال التحكم والسيطرة على هذه المضائق من بوابة الصادرات النفطية والغازية للغرب . إلى جانب ذلك، ثمة موقف إيراني متشدد من آليات المشروع، مفاده قبول طهران، بإمكانية تقديم تنازلات مؤلمة في الجانب التقني النووي، مقابل إنهاء الحصار ضمن سلة واحدة ومتكاملة، وهو أمر يمثل حاجة اقتصادية إيرانية، بعدما تمكنت سياسة العقوبات من التأثير بشكل مباشر في القواعد الشعبية الإيرانية، وهو أمر يلزم إيران في إبراز نوع من المرونة، لكن تأمل في المقابل من ذلك، تحقيق مكاسب سياسية واضحة في الإقليم، وهو أمر تخشاه دول عربية كثيرة . في أي حال من الأحوال، لم يعد الهامش الزمني المتاح لجميع الأطراف، أمراً مساعداً، بل بات عاملاً ضاغطاً لتكوين بيئة ما، لا تتيح التخلص من التواريخ المحددة مثل 24 من الجاري أو الآخر من يونيو/حزيران، بل من الممكن التوصل وكما بات متعارفاً عليه، إلى اتفاق لا يظهر كسر التوازنات القائمة، ولا يلغي مخاوف بعضهم، في موازاة عدم تسجيل نصر أو خسارة مدوية لأي من الأطراف المنخرطة في المفاوضات . وهو أمر يسعى إليه الجميع، باستثناء "إسرائيل" التي فقدت صبرها، وربما وعيها، الأمر الذي سيحرك غرائزها العدوانية باتجاهات عربية عدة، ومن بينها لبنان أو قطاع غزة، وهو أمر في مطلق الأحوال أيضاً، يعتبر كباشاً إيرانياً "إسرائيلياً"، جُرب مرات عدة منذ العام 2006 ولغاية ،2014 فهل سيكون صيف 2015 حاراً؟ إن جميع الوقائع والمواقف تشي بذلك، ما لم تحصل معجزة في العقل الباطني "الإسرائيلي"! - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/7e769a23-a54f-499d-bcd0-f75530dabdc4#sthash.2L2jVbry.dpuf

مصر بعد العراق وسوريا

مصر بعد العراق وسوريا - خليل حسين - نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 27-2-2015 في مقاربة بسيطة ، وبالعودة إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، فاز الإسلاميون في الجزائر، وكان ثمن إلغاء الانتخابات، ضرب الجيش الجزائري، الجيش الذي ورث أيقونة المليون شهيد للوصول إلى الاستقلال، وراكم إيديولوجيته السياسية بمساهماته الفعالة في سياق الحروب العربية "الإسرائيلية"، الأمر عينه ينطبق على الجيش العراقي، ذلك بصرف النظر عن طبيعة النظامين السياسي في كل من العراق والجزائر . وبذلك تم القضاء عملياً على جيشين شك لا خط الدفاع الثاني في مسار الصراع العربي "الإسرائيلي"، بصرف النظر عن أشكال وطرق ضرب هذين الجيشين . منذ العام ،2010 يُستنزف الجيش السوري في متاهات حرب داخلية بأبعاد إقليمية ودولية واضحة، إلا أن الهدف يبدو جلياً، هو إنهاء دوره المركزي في الصراع العربي - "الإسرائيلي"، بصرف النظر عن حجم هذا الدور بعد حرب العام ،1973 وفترة السكون العسكري على جبهة الجولان . اليوم العيون شاخصة على الجيش المصري، كأن قدره آت بعد الجيشين العراقي والسوري، فلسلسة الضربات الأمنية والعسكرية التي وجهت له في سيناء في السنوات الماضية، يشي بسياق سبق وإن جُرب في غير جيش عربي، حيث تم تهميشها وإضعافها وتحويلها إلى قوى أمنية داخلية، أُدخلت في أتون الاقتتال الداخلي وأُلهيت بصراعات ونزاعات ثانوية ليست من اختصاصها في الأساس . وعلى الرغم أيضاً من إخراج الجيش المصري من موقعه الطبيعي بمواجهة "إسرائيل" بعد معاهدات كامب ديفيد ومندرجاتها، لم يطمئن هذا الوضع "إسرائيل" تحديداً، فعمدت في مناسبات عدة للتأثير في تغيير وتحويل بوصلته، لكن عقيدته السياسية المغروزة في عقله الباطني ظلت القوة التي يحسب لها حساب في أي صدام محتمل مع "إسرائيل"، وهو شعور جماهيري عام بموازاة العقيدة العسكرية للجيش ، أقلها غير المعلنة رسمياً . إن السهام الموجهة اليوم للجيش المصري، ليست من صور نمطية عبثية، إنما تستند إلى جملة معطيات وثوابت من الصعب أن يتم تجاهلها، لا من "إسرائيل" ولا من غيرها في المنطقة . لما للدور الريادي الذي يضطلع به الجيش المصري داخلياً وخارجياً . ففي الداخل يعتبر صمام أمان اقتصادي إلى حد كبير، لما له من يد طولى في المؤسسات الصناعية الثقيلة، علاوة على مساهمتها في ثلث موازنة الدولة، معطوفاً على شبكة العلاقات التجارية والاقتصادية الخارجية التي أنشأها وراكم خبراتها لتصبح سنداً فاعلاً في أدائه السياسي الداخلي كما الخارجي . إضافة إلى ذلك، تعتبر المؤسسة العسكرية المصرية من صانعي السياسات الخارجية المصرية وصاحبة الكلمة الفصل فيها، ما يؤهلها لأن تكون الذراع الأقوى في أذرع النظام في كل الحقب السياسية التي توالت على الحكم في أرض الكنانة . وقد سبق هذه الاستهدافات المباشرة وغير المباشرة للجيوش العربية الأخرى، وأدت إلى السياقات والنتائج نفسها كما حصل للبنية العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها بعد العام ،1982 إضافة إلى الجيش اللبناني الذي ادخل في متاهات النزاعات الداخلية، كما المحاولة مؤخراً للجيش الأردني . وفي قراءة دقيقة للوقائع السالفة، تثبت أن ثمة استهدافاً واضحاً لكل القوى العسكرية لدول الطوق وللدول العربية المساندة لها، بصرف النظر عن ثقل وفعالية هذه القوى في الصراع مع "إسرائيل" . إلا أن الأمر الأخطر في كل ذلك، التصويب على الجيش المصري من بوابة محاربة الإرهاب الداعشي في ليبيا، وهي خصوصية قاتلة للعلاقات المصرية - الليبية التي فيها الكثير مما يقال، وذلك لا يعني بالضرورة أن على الجيش المصري أن يحيّد نفسه في مواجهة الإرهاب، إلا أن الطرق والوسائل التي يُجر إليها، تنذر بعواقب قاسية على وضعه في تركيبة النظام العام . لقد قضى ما سميَّ يوما بالربيع العربي على معظم الأنظمة، بعضها تلاشى وبعضها الآخر ينتظر، ونتيجة لذلك تمزقت المجتمعات العربية وأدخلت في أتون نزاعات وصراعات طاحنة، واليوم يأتي الدور على الجيوش التي تمكّنت ولفترات من مكابدة ما جُرت إليه ومن بينها أن تكون طرفاً في النزاعات الداخلية داخل أنظمتها، وربما اليوم نشهد الفصول الأخيرة من تمزيق الجيوش التي كانت في يوم من الأيام صمام أمان لمجتمعاتها، بصرف النظر عن أدوارها في حماية أنظمتها في الداخل، وبعضها لمحاربة "إسرائيل" في الخارج . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/a83f3711-c233-49bf-92d4-6a505192a36b#sthash.g8ka64zw.dpuf

حصوصية الارهاب الداعشي في مصر

حصوصية الارهاب الداعشي في مصر- خليل حسين - نشرت في صحيفة الخليج الامارتية بتاريخ 23-2-2015 ليست مصادفة أن يتابع تنظيم داعش مسلسلاته الإجرامية مباشرة بعد بث شريط حرق الطيار الأردني، ولم يكن اختيار الساحة المصرية من البوابة القبطية مصادفة أيضاً، فهي صورة نمطية أراد حفرها في الذاكرة الجمعية لمن يواجهه، وهذه المرة بأشكال أكثر إيلاما وقسوة في ارتداداتها وتداعياتها ورد فعلها المحتملة . لقد استفاد تنظيم داعش إلى أقصى الحدود من عملية حرق الطيار الأردني، إذ جرَّ هذه الأخيرة إلى مواجهات مباشرة معه، بعد سلسة من محاولات النأي، وتكرر ذلك مع الذبح الجماعي للأقباط، العملية التي لها دلالات فارقة من الصعب تقدير أحجامها النهائية منذ الآن . فعملية الذبح الجماعي المصورة، هي سابقة لجهة العدد، الذي أريد من ترويجه تهييج الشارع المصري وتأليبه وبخاصة الأقباط منه، وخلق حالة من الغليان المجتمعي في مصر، لا سيما أن بيئة الصدام تراكمت منذ سنوات مؤخرا، رغم حالات الاحتواء التي أسهمت في تبريد الأجواء بعد الحراك الداخلي، بمختلف خلفياته ونتائجه السياسية التي تسلمت الحكم منذ عزل الرئيس حسني مبارك وطاقمه السياسي . والصور التي بثت لترويج آثار الجريمة، تختلف عن سابقاتها من الصور، ومفارقاتها التي لا تعد غريبة بالضرورة قياساً على عمليات الترويج السابقة، أنها حاولت إيصال صور البحر الذي طغى عليه لون الدم، وهي رسالة إجرامية لمكنونات الإيديولوجية الداعشية ووسائلها القائمة على فن الصدمة والترويع، وهي وسيلة استعملت في غزو الولايات المتحدة للعراق في عام ،2003 والتي هدفت القضاء على الخصم بأقل الخسائر الممكنة إن لم تكن معدومة . وهي بذلك رسالة مزدوجة للداخل المصري، وللضفة الشمالية للبحر المتوسط بشقه الأوروبي الذي لا يبعد سوى مئات الكيلومترات عن مسرح الحدث . والمسألة هنا لا تقتصر على عدد المذبوحين فقط، إنما تم انتقاء الضحايا لجهة دينهم وليس لأي سبب آخر، بهدف استغلال هذا العامل المؤثر في سياق الاستثمار الإجرامي لاحقاً، وعلى الرغم من أنها ليست الحالة الأولى التي يتم ذبح مسيحيين، إذ جرت عمليات منفردة عدة لضحايا غربيين، كانت تمرر صفتهم الدينية إلى جانب انتمائهم لدولة بعينها . لكن هذه المرة كان التصويب مباشرة على الصفة الدينية ليس إلا . والمسألة الأكثر احترافية كانت في انتقاء المكان الجغرافي، الذي يمثل حساسية مفرطة لمصر ولليبيا نفسها أيضاً، وبخاصة ما يرتاب هذه العلاقة من شوائب مردها خلفيات وأسباب مختلفة راكمتها ظروف كثيرة في السابق، يصعب بلعها وهضمها في أي سياق رد فعل مصري على الجريمة، وما يقابله من رد فعل ليبي أيضا، وهو ما بدأت صوره تظهر بشكل متسارع حيال كيفية التدخل لمواجهة داعش في شمال إفريقيا وفي الساحة الليبية تحديداً، فهل يستوجب رداً منفرداً من قبل مصر، أم يتطلب الأمر تحالفاً دولياً على غرار ما تمَ إنشاؤه في القرار ،2170 وهو أمر يبدو خلافياً في مجلس الأمن حتى الآن . من الواضح، أن تنظيم داعش يعرف تماماً سياسة الجر والتوريط والاستثمار، فهو لعبها باحترافية في الساحة الأردنية، واليوم يستنسخها باحترافية أكبر وأضخم في الساحة المصرية، وبهذا تمكن من وضع نفسه تنظيماً إرهابياً بمواجهة دول وازنة في المنطقة، بعد سلسلة انتكاسات تعرّض لها مؤخراً، علاوة على قدرته على تكوين بيئات قوية لاقتتال دول ومجتمعات بعضها ببعض، ويبدو أن جريمته الأخيرة ستجر شمال إفريقيا وبخاصة العربية إلى ساحات لعمليات إرهابية من الصعب أن يُغض النظر عنها في الدول والمجتمعات المستهدفة، الأمر الذي ستكون له ارتدادات اجتماعية وسياسية لا يستهان بآثارها مستقبلاً . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/951bda33-35f5-49d5-813c-61e9915ad6fe#sthash.N6vYh1iv.dpuf

القطبة المخفية في القرار 2199

القطبة المخفية في القرار 2199 د.خليل جسين نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 17-2-2015 في المبدأ، وإن يكن مجلس الأمن قد تحرك أخيراً لضرب الإرهابيين كتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، من البوابة المالية والاقتصادية عبر عناوين تجفيف مصادر تمويل الإرهاب، فإن قراره المتخذ بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين، لا يعدو تحركاً استنسابياً من الناحية العملية، وغير كافٍ لتحقيق أغراضه، رغم صدوره وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة . فالفصل السابع الذي يتضمن 12 مادة، توضح كيفية التصرف مع حالات تهديد الأمن والسلم الدوليين، تدرّجت في سبل استعمال وسائل المواجهة، فبدأت بالمادة (41) التي تنص على: "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية، وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية" . وانتقل بعدها إلى المادة (42) التي تنص على: "إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة (41) لا تفي بالغرض، أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه . ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة" . ووفقاً لنص القرار 2199 الذي أشار إلى عدم إمكانية استعمال القوة العسكرية لتنفيذ مقاصد القرار، وبالتالي، يخضع تنفيذ القرار إلى المادة (41)، أي تطبيق الإجراءات الواردة ضد الدول والجماعات التي تتعاطي بطرق مباشرة أو غير مباشرة مع الجماعات الإرهابية بوسائل الحصار وصولاً إلى قطع العلاقات الدبلوماسية . وعلى الرغم من أن مجلس الأمن هو سيد نفسه لجهة اعتبار أي مشروع قرار سيصدره هو عمل إجرائي لا يستلزم بالضرورة موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية، أو اعتباره موضوعياً، وبالتالي يستلزم موافقة الدول الخمس صاحبة حق النقض . وفي ذلك تصرف مجلس الأمن بإصداره القرار ضمن الفصل السابع ووفقاً للمادة (41) إضافة إلى اعتباره أمراً موضوعياً . ما يعني أن مقاصد القرار تستهدف حماية الأمن والسلم الدوليين من الإرهاب "الداعشي"، الأمر الذي ذكره صراحة في النص . إن المشكلة هنا في كيفية تعاطي مجلس الأمن مع قراراته تحديداً، فهو كان قد اتخذ العديد من القرارات ذات الصلة بالأعمال الإرهابية وكيفية تجفيف منابع التمويل، وجلها خضعت للمادة (42)، أي استعمال القوة العسكرية لتطبيقها مع المتخلفين عن تنفيذها . والمفارقة في هذه الحالة تحديداً، هي المقاربة القانونية لطبيعة القرار 2170 الذي شكل قوة عسكرية دولية لمواجهة إرهاب تنظيم "داعش" وأخواته، فيما القرار 2199 لم يصل إلى إمكانية استعمال القوة العسكرية لتنفيذه، الأمر الذي يفسر تراخياً ويصنف بعدم اتساقه بالتدرج المفترض للشدة في معرض التنفيذ، وهو أمر يتعارض ويتناقض عملياً وفعلياً مع الأعراف المفترض اتباعها في معرض تكوين البيئة القانونية لأي عمل يفترض مواجهته، وهو أمر غير متوفر في سياق القرار 2199 . ومن المسلم به عملياً، أن إحدى الوسائل الناجحة للقضاء على الإرهاب هي تجفيف منابع تمويله، وهو أمر يستلزم مزيداً من الشدة في التعامل وليس الإيحاء بالتراجع عن القوة العسكرية إلى الحصار الاقتصادي وقطع العلاقات الدبلوماسية، سيما وأن الأطراف المستفيدة من التعامل الاقتصادي وتبادل المنافع هي معروفة، ولا تتطلب جهداً لمعرفتها وتوقيع الجزاءات عليها . ثمة ثابتة محققة في تاريخ التعامل مع الجماعات الإرهابية، وهي وجوب مواجهتها بقسوة وبقوة وعدم التساهل والمواربة في طرق مكافحتها، فالسلوك الإجرامي لهذه الجماعات يزداد عنفاً وقسوة، كلما رأت ضحاياها أقل قوة ومنعة في مواجهة أعمالها، وعليه فإن استعمال التدرج رجوعاً في المواجهة أمر لن يصيب إلا الضحايا، وبالتأكيد لن يصيب الجماعات الإرهابية أو من يسهل أعمالها، وهو أمر ظاهر إلى حد كبير في القرار ،2199 والسوابق التي تم فيها التعامل مع حالات مماثلة هي كثيرة، ولا تحتاج إلى عناء كبير للبحث والتدليل عليها .