25‏/01‏/2009

هل ثمة ديموقراطيون جدد في البيت الابيض

هل ثمة ديموقراطيون جدد في البيت الابيض
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
ربما الكثير ممن عانوا من سياسات المحافظين الجدد على مدى الثماني سنوات الماضية يتمنون او يـأملون ذلك؛وفي مطلق الاحوال هي حال العرب وغيرهم ممن ينتظرون تعاقب السلطة في البيت الابيض لكي يبنوا على الشيء مقتضاه للتأمل بما سيكون رد فعلهم لا فعلهم.
ذهب المحافظون الجدد وابقوا ارثا ضخما في البيت الابيض من الصعب على الرئيس باراك اوباما التفلّت من تداعاياته الداخلية والخارجية،فهل الديموقراطيون جادون في تمييز ولايتهم عما سبقها؟وما هي حدود التحرك والفاعلية؟ والى اين نحن العرب ذاهبون؟.
في العودة الى تاريخ تداول السلطة بين الجمهوريين والديموقراطيينن من الصعب العثور على فروق واضحة المعالم في القضايا الاستراتيجية الدولية،سوى الاختلاف في الاسلوب لا المضمون، وعليه ان طبيعة المقاربة لما يمكن ان يطرأ من تغيير في السياسات الديموقراطية امر شبه مستحيل سيما وان القضايا المطروحة هي غير قابلة للمساومة وبخاصة المتعلقة باسرائيل.فالرئيس الامريكي تسلّم سلطاته الدستورية بعد جلاء غبار محرقة غزة وهي بطبيعة الحال ستكون مفصلا اساسيا في رؤية الديموقراطيين لمستقبل ادارة التسويات المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي.وبصرف النظر عن الجدول الزمني لهذا الملف،فان ما يمكن قراءته لن يكون بأحسن حال من الرؤى السابقة،فالادارة الديموقراطية السابقة ابان ولاية بيل كلينتون هي من ادارت المفاوضات العربية الاسرائيلية،وهي من رسمت الاحلام الورردية للعرب،في وقت كانت اسرائيل تنفذ عدوانين كبيرين على لبنان في العامين 1993 و1996،فضلا عن عدوان 2006؛اضافة الى عدوانها المستمر على الفلسطينيين في الاراضي المحتلة.
والرئيس الامريكي لم ينتظر اكثر من اربع وعشرين ساعة ليحدد ملامح سياسته الخارجية الشرق اوسطية،فاطلق من وزارة الخارجية سلسلة مواقف تعبر عن استراتيجية واضحة المعالم للتعاطي مع ملفات المنطقة، وكأنها أمر عمليات اول اصدره واستعاد فيه اسوأ مواقف ومصطلحات سلفه جورج بوش، واعلن فيه انحيازا مطلقا لاسرائيل والتزاما شديدا بسياساتها، قبل ان يحدد جدول اعمال اميركي للمرحلة المقبلة، يتضمن تفويض مصر رعاية القضية الفلسطينية، وتكليف الاردن تشكيل الاجهزة الامنية الفلسطينية، واعتبار السلطة الفلسطينية حصرا شريكا وحيدا للمؤسسات الدولية في اعادة اعمار ما هدمته اسرائيل في قطاع غزة.
واللافت في خطاب اوباما المفاجئ في اليوم الثاني من ولايته الرئاسية، تسمية السيناتور السابق جورج ميتشل مبعوثا اميركيا خاصا لتحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، وكذلك "بين اسرائيل وجيرانها العرب" الذين لم يذكروا بالاسم، ويبني على رؤية الدولتين التي اطلقها سلفه، استراتيجية تجعل الدولة الفلسطينية حلما يستحيل تحقيقه، حسب الذريعة الاسرائيلية الدائمة القائلة انه ليس هناك شريك فلسطيني.
. وبدا ان موقف اوباما المخيب لامال كثيرة علقت على توازنه واعتداله ازاء الصراع العربي الاسرائيلي، يستكمل ما بدأته اسرائيل في حربها الاخيرة على قطاع غزة، ويؤسس لحرب اهلية فلسطينية، ويمهد الطريق لوصول اليمين الاسرائيلي الاشد تطرفا الى السلطة بزعامة بنيامين نتنياهو في انتخابات العاشر من شباط القادم .واللافت أيضا للانتباه في خطاب اوباما احجامه ذكر ايران، ولم يعلن كما كان متوقعا اسم مبعوثه الخاص للتعامل مع الملف الايراني، أي دنيس روس الذي طلب ان يتولى هذا المنصب وتعهد في مجالسه الخاصة بان يقدم من خلاله خدمة اخيرة لاسرائيل تقضي بانهاء البرنامج النووي الايراني، بالوسائل الدبلوماسية اولا، والا فان الحرب هي الخيار الاميركي التالي. اما تعيين الدبلوماسي المحنك ريتشارد هولبروك مبعوثا خاصا لافغانستان وباكستان، فلا يخفي نوايا اوباما المعلنة بنقل الحرب من الجبهة العراقية الى الجبهة الافغانية الباكستانية التي تثير اكثر من علامة استفهام حول الدمج بين بلد يخضع للاحتلال وآخر للوصاية، ويتنقل بينهما تنظيم القاعدة.
واذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه فالأجدر بالعرب استخلاص العبر ودروس الماضي للادارات الامريكية المتعاقبة جمهوريون وديموقراطيون،فمن غير الممكن قدرة اوباما على التخلص من خريطة الطريق الاسرائيلية التي وضعتها على طاولة خطاب التنصيب،فهو مكبل اليدين،معصوب العينين يتلمس سياساته بطيب خاطر.فروسيا اليوم غير قبله تستعد لتجربة القوة الناعمة في غير مكان، والوضع المالي والاقتصادي الامريكي والدولي كبل وعوده وشعاراته،وكثيرون من الاوروبيون يلعبون في الوقت الضائع،باستثناء العرب الذين ينتظرون كيل المديح لمبادرتهم السلمية التي هضمتها اسرائيل ويتهيأ العرب لاجترارها.
ربما علينا نحن العرب المراجعة لا التراجع امام الاستحقاقات القادمة ألينا، والتي ستكون اشد قسوة مما سبقتها،ديموقراطيون جدد يتهيأون لتغييرات ربما تكون جذرية في ممارستهم للسلطة.فالمحافظون الجدد الذين ودعوا البيت الابيض تركوا وزيرا للدفاع يكمل ما بدأوه من عسكرة للنظام العالمي،وفي البيت الأبيض كبير موظفين اسرائيلي يدير خبايا السياسات وخفاياها،بينما نحن ننتظر رد افعالنا لا فعلنا.
طريف المفارقات ما بدأه جورج بوش ولايته ببرجين وانهاه بحذاءين!وغريب المفارقات ما سينتظر الرئيس اوباما لعلامتين فارقتين،اسمه وسحنته، فهل سيتمكن من تحقيق ما يحلم به اطفال افريقيا وغيرهم ؟ام ان ملفات جاهزة على طريقة الفساتين الزرق او كغيرها من الالوان السياسية تنتظر من يلبسها؟ربما يتضح الامر في القليل من الايام القادمة!.

22‏/01‏/2009

جرائم اسرائيل في غزة وتداعياتها القانونية والسياسية

جرائم اسرائيل في غزة وتداعياتها القانونية والسياسية
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

كعادتها لم تتورع إسرائيل يوما عن انتهاك القوانين والأعراف الدولية المنظمة للحروب، بل عمدت منذ بداية عدوانها على غزة إلى استهداف المدنيين والمنشآت غير العسكرية، فنفذت المجازر على مساحة غزة بكاملها، وامتدت يد الغدر إلى الأطفال والشيوخ والنساء، دون رادع أو وازع قانوني أو أخلاقي. كما دمّرت بشكل منهجي البنى التحتية من جسور ومنشآت صحية وتربوية ودينية وكل ما يخطر ولا يخطر على البال،خارقة بذلك كل ما يمكن أن يوصف بحقوق الإنسان أو القوانين المنظمة لحماية المدنيين أثناء الحروب والنزاعات.فماذا عن اتفايات القانون الدولي الانساني التي انتهكتها اسرائيل؟ وكيف تعاملت المنظمات العربية والدولية لحقوق الانسان مع محرقة القرن الواحد والعشرين؟ وما هوالاساس القانوني الذي يمكن مواجهتها به؟
اولا : انتهاكات اسرائيل للاتفاقيات الدولية
في الواقع يمكن القول ان جميع الاتفايات الدولية لا يمكن لها ان تغطي فداحة الجرائم المرتكبة التي فاق حجمها اي تصوّر بالمقارنة بين المدة الزمنية ومساحة الارض المحروقة التي اتبعتها اسرائيل وكذلك حجم الكثافة السكانية لغزة التي تعتبر الاولى في العالم! وفي مقاربة اولية لما جرى مع الاتفاقيات الدولية يمكن تسجيل ابرز الانتهكات منها:
- اتفاقية " جنيف الأولى" لسنة 1864.
- إعلان سان بطرسبرغ لعام 1868 لحظر القذائف المتفجرة.
- إعلان لاهاي لسنة 1899 حول قذائف "دم دم" والغازات الخانقة.
-اتفاقية " لاهاي" لعام 1907 وهي تتضمن نصوصا أساسية تضع ضوابط وقواعد وأصول مهمة للنزاعات المسلحة، إذ تهدف إلى تنظيم وسائل حل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية والى وضع قيود على استخدام الأسلحة في النزاعات المسلحة البرية والبحرية.
- اتفاقية هيغ لعام 1907 التي تتضمن قواعد مهمة تتعلق بمفهوم الحياد وبمفهوم الاحتلال وبكيفية إدارة العمليات الحربية. يشار إلى أنه أضيفت على هذه الاتفاقية قواعد الحرب الجوية التي وضعت مسودتها في العام 1923.
- بروتوكول جنيف بشأن حظر استعمال الغازات السامة والأسلحة الجرثومية لعام 1925 .
- ميثاق الأمم المتحدة.
- اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.والبروتوكولات الملحقة بها.
- اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية المواقع الثقافية في زمن النزاعات المسلحة.
- اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية لعام 1972.
- اتفاقية 1983 لمنع استخدام بعض الأسلحة،ومنها الفسفورية ضد المواقع العسكرية التي تقع بين المنشىت المدنية والتي استعملتها اسرائيل بكثافة في عدوانها على غزة.
- اتفاقية باريس لحظر استعمال الأسلحة الكيماوية.
- اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 بشأن حظر أو تقييد بعض الأسلحة التقليدية.
- البروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات جنيف الأربع الموقعان في العام 1977 لاستكمال الحماية التي تضمنها اتفاقيات جنيف لعام 1949 في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وبعد التدقيق في نصوص الاتفاقيات والصكوك الدولية السالفة يتضح أن الحرب المدمرة والمبرمجة التي شنّها الجيش الإسرائيلي على غزة والتي نتج عنها قصف المدنيين الآمنين وتشريد مئات الآلاف منهم وضرب البنى التحتية والاقتصادية دون التركيز على الأهداف العسكرية، تشكّل خرقا فاضحا لقوانين النزاعات المسلحة وللمبادئ العامة والأعراف التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني.
إن العدوان الذي شنته إسرائيل ضد غزة وعلى النحو البربري والوحشي الذي اعتمدته أساسا لنجاحه عبر القضاء على أكبر عدد ممكن من المدنيين الأبرياء وتهديم ما أمكن من المنشآت المدنية، تشكّل انتهاكا فاضحا للعديد من القواعد والمبادئ الأساسية التي تحكم النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، إذ خالفت مبدأ الضرورة في اللجوء إلى استعمال القوة والحل العسكري، ومبدأ التقيّد بحدود دولية معينة لاستعمال وسائل القتال، وموجب تحييد المدنيين ومبدأ تناسب الوسيلة العسكرية المستعملة مع حجم الاعتداء أو الخطر المحدق بالجهة التي تلجأ إلى القوة من أجل حل نزاعها مع الطرف المستهدف.
ففي جانب مخالفة مبدأ الضرورة في اللجوء إلى استعمال الحل العسكري ، فمن الواضح لا تسمح قواعد القانون الدولي الإنساني باللجوء إلى استعمال القوة من اجل حل النزاعات بين الدول أو في داخل الدول، إلا في حالة الضرورة القصوى بحيث تكون القوة الوسيلة الوحيدة التي يمكن استخدامها من أجل التوصّل إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، أو من اجل رد العدوان أو وضع حد للأعمال الإرهابية التي تتعرض لها الدولة المعتدى عليها. وهذا ما يمكن استنتاجه من نص البند الثالث من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الذي جاء فيه أنه " يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر". وهذا ما يؤكّد عليه أيضا وبشكل صريح البند الرابع من المادة ذاتها بنصه على أنه " يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة". ما يعني أن الدولة المعنية لا يمكنها استعمال القوة العسكرية ضد دولة أخرى أو بلد آخر إلا في حالة الضرورة كحالة الدفاع عن النفس أو كالحالة التي يصبح فيها استخدام القوة العسكرية الوسيلة الوحيدة المتوفرة لرد العدوان أو لحفظ الأمن والسلم الدوليين أو لمواجهة أعمال إرهابية تطال من أمن الدولة المعنية ومن سلامة مواطنيها.
إن مراجعة سير وطبيعة الأعمال الجرمية التي قام بها الجيش الإسرائيلي ضد غزة، يتبيّن أن هذه الأعمال لا يمكن إسنادها إلى حالة الضرورة العسكرية، باعتبار أن فعل إطلاق الصواريخ لا يؤلّف مبررا كافيا ومقنعا كي يستخدم كأساس شرعي لهذا العدوان، كما أنه لا يهدد فعلا الكيان الإسرائيلي ولم يحمل اعتداء خطير على أمن إسرائيل وسلامة مواطنيها وبالتالي لا يبرر حربا مدمرة ومنظمة واسعة النطاق.
اما لجهة مخالفة مبدأ التقيّد بحدود معيّنة في استعمال القوة العسكرية ، فأكّدت المادة 35 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الموقع في العام 1977 على "أن حق أطراف أي نزاع مسلح في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا لا تقيده قيود". وفي الاتجاه ذاته، كانت قد أشارت صراحة المادة 22 من اتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية الموقعة في 18 اكتوبر/ تشرين الأول سنة 1907 إلى أنه " ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو" . وعليه ليس للمتحاربين الحق غير المقيّد بأي قيد في اختيار وسائل الإضرار، باعتبار أن الهدف الرئيس للحرب يكون ضرب القوة العسكرية للعدو وإيقاع الهزيمة به. وفي السياق ذاته، يحظّر البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 استخدام الأسلحة التي من شأنها زيادة معاناة الجرحى وآلامهم وجعل تدهور حالتهم الصحية أو موتهم أمرا محتوما ومؤكدا. وهذا ما كانت قد أكّدت عليه من قبل المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان والتي جاء فيها أنه "يجب في جميع الأحوال احترام وحماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة وغيرهم من الأشخاص المشار إليهم في المادة التالية". وكذلك تنص المادة 16 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب على أنه "يكون الجرحى والمرضى وكذلك العجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين".
إن إسرائيل لم تفرط في استعمال القوة العسكرية فقط وإنما لم تتقيد بأي حدود أو سقف في تنفيذ عملياتها العسكرية حيث لجأت إلى استعمال كافة الأسلحة الثقيلة وحتى بعض الأسلحة المدمرة وغير المسموح استعمالها والمحرّمة دوليا ضد المدنيين الشيوخ والأطفال والنساء والمرضى من دون تمييز ولم تضع لعملياتها الحربية أي حدود أو أهداف واضحة ومحددة غير تلك التي تبتغي القتل والدمار والتهجير.
اما مخالفة واجب تحييد المدنيين فيفرض قانون النزاعات المسلحة على الدولة التي تلجأ إلى استعمال القوة العسكرية حماية المدنيين وتحييدهم عبر اتخاذ الإجراءات الضرورية التي يمكن بموجبها التمييز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية والتمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين. وتلتزم الدولة التي تختار القوة العسكرية لحل نزاعها مع دولة أخرى أو لصد عدوان ما أو لوضع حد لخطر إرهابي أو لأعمال إرهابية معينة بحماية الأشخاص العاجزين عن القتال أي المقاتلين الذين عجزوا عن القتال بسبب مرضهم أو إصابتهم بجروح أو أسرهم أو لأي سبب آخر يمنعهم من الدفاع عن أنفسهم وعناصر الخدمات الطبية وأفراد الهيئات الدينية، ذلك تطبيقا لنص المادة 12 من اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى في الميدان ولنص المادة 16 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب. كما يتوجب على القوات المسلحة التي تستخدم القوة العسكرية، عملا بأحكام المادة 21 من اتفاقية جنيف الرابعة، احترام وحماية عمليات نقل الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء التي تجري في البر بواسطة قوافل المركبات وقطارات المستشفى أو في البحر بواسطة سفن مخصصة لهذا النقل. وعلى كل طرف من أطراف النزاع أن يكفل حرية مرور جميع إمدادات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصرا إلى سكان مدنيين حتى ولو كانوا تابعين لدولة عدوة. وعليه أيضا الترخيص بحرية مرور أي إمدادات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال والنساء الحوامل أو النفاس (م 23 من اتفاقية جنيف الرابعة). ويكون من واجبات أطراف النزاع اتخاذ التدابير الضرورية لضمان عدم إهمال الأطفال دون الخامسة عشر من العمر الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم بسبب الحرب وتيسير إعالتهم وممارسة طقوس ديانتهم وإيوائهم في بلد محايد طوال مدة النزاع (م 24 من اتفاقية جنيف الرابعة.
إن الوقائع الثابتة بالصور والمشاهد التلفزيونية والتقارير الصحافية والأمنية تثبت أن القوات الإسرائيلية انتهكت جميع هذه القواعد والأعراف التي تحكم النزاعات المسلحة كونها تستهدف بقصفها العشوائي المدنيين من دون تمييز بين مواقع عسكرية وأخرى مدنية، ومن دون التمييز بين مقاتلين وغير مقاتلين وتقوم بضرب الجسور وبقطع كل المواصلات البرية بهدف منع وصول المؤن والأغذية والأدوية إلى المدنيين المحاصرين. إضافة إلى ذلك أن هذه القوات وبدلا من أن تتخذ إجراءات معينة لتحييد المدنيين من الأطفال والنساء والعجزة ولحمايتهم أو لتسهيل عملية نقلهم إلى مناطق آمنة أو محايدة، راحت تلقي عليهم الأطنان من القنابل وتقطع عنهم المؤن والأغذية وترتكب بحقهم أبشع الجرائم وأخطرها ( جرائم حرب ) التي يعاقب عليها القانون الدولي الجنائي، ما يؤلّف خرقا فاضحا وخطيرا لكل قواعد قانون النزاعات المسلحة أو للقانون الدولي الإنساني.
اما لجهة مخالفة مبدأ التناسب بين الوسيلة العسكرية وحجم الاعتداء وخطورته ،فبات من المسلّم به أن عدوان إسرائيل ضد غزة تخطى بمداه وبنوع الأسلحة والوسائل العسكرية المستعملة وكثافة القصف الجوي الذي لجأ إليه الجيش الإسرائيلي في عملياته الحربية ضد المواطنين المدنيين والبنى التحتية ومحطات البث الإذاعي والتلفزيوني ودور العبادة وغيرها، حجم وخطورة اطلاق الصواريخ التي نفذتها المقاومة ضد القوات العسكرية الإسرائيلية. وهذا ما يخالف مبدأ تناسب الوسائل العسكرية المستعملة مع حجم وخطورة العمل الذي تعرضت له الدولة التي تلجأ إلى استعمال القوة العسكرية. ويقضي هذا المبدأ بعدم الإفراط في استعمال القوة العسكرية ووسائل القتال بحجم لا يتناسب مع خطورة الوضع العسكري أو الصفة العسكرية للهدف المقصود. ومن هذا المنطلق يضع قانون النزاعات المسلحة لزاما على أطراف النزاع ببذل رعاية متواصلة في إدارة العمليات العسكرية من أجل تفادي إلحاق الأذى بالمدنيين وبالامتناع عن اتخاذ قرار بشن هجوم عسكري قد يتوقع منه أن يحدث، بشكل عرضي، خسائر في الأرواح بين المدنيين أو إلحاق الأذى بهم أو بممتلكاتهم. كما أن قواعد قانون النزاعات المسلحة تفرض بأن يلغي أو يعلّق أي هجوم عسكري إذا تبيّن أن الهدف المتوخى من ضربه ليس هدفا عسكريا أو قد ينتج عنه، بصورة عرضية ضررا وخسائر بشرية أو مادية مدنية.
ويظهر من خلال طبيعة العمليات الحربية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في غزة أن الوسائل العسكرية التي استعملها لا تتناسب مع خطورة الأعمال التي قامت بها المقاومة ولا حتى مع الوسائل الحربية المستخدمة من قبل هذه المقاومة التي لا تمتلك كالجيش الإسرائيلي كافة الأسلحة والأعتدة الحربية المتطورة ولا الدبابات ولا الطيران الحربي الذي لجأت إليه إسرائيل بصورة رئيسة في المعركة، ما يعتبر خرقا فاضحا لقواعد قانون النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
ثانيا: منظمات حقوق الانسان وكيفية التعامل
منذ بدء العدوان على غزة انظلقت في غير مكان عربي ودولي بيئة مستنكرة ومدينة للعدوان وجرائمه الموصوفة قانوانا،لكن العبرة لا تتعلق بالتحرك وانما فعاليته وتداعياته ونتائجه العملية.فما هي هذه المنظمات وكيف تعاملت؟وما هي تداعيات تحركها؟فعلى الرغم من فداحة الخروق لم يكن تحرك المنظمات الأهلية والرسمية كافيا لجهة التناسب مع حجم الجريمة،فغالبها تعامل مع القضية من منطلق وظيفي فرضته طبيعة عمل واهداف هذه المنظمات،وبالتلي يُصنف من النوع غير الكافي للبناء عليه.
فعلى سبيل المثال لم يتجاوز عمل "مجلس حقوق الانسان" التابع للامم المتحدة اتخاذ قرار بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق لما يجري في غزة،ولم يتمكن من التوصل الى قرار لادانة المجازر الاسرائيلية وانتهاكات القانون الدولي الانساني،بفعل المعارضة الاوروبية لذلك على قاعدة ما اسماه عدم التوازن في مشروع القرار،ما ادى الى صدور قرار هزيل لا يتناسب وحجم المحرقة.وكما مجلس حقوق الانسان كذلك باقي المنظمات،ومرد ذلك الى العديد من الاسباب والاعتبارت ومن بينها:
- أنّ تصوّرات القائمين على المنظمات شأن معظم منظمات حقوق الإنسان خارج النطاق الرسمي، تنطلق تلقائيًّا من تصورات وإرث فكري وعقائدي ساهم مباشرة في تكوين الشخصية الغربية عبر القرون، فهم مع توفر أشدّ درجات الحماس لدعواتهم ومواقفهم، قد يصطدمون قاصدين أو غير قاصدين بتصورات ومعتقدات أخرى، لا سيما وأنهم ينطلقون في تحديد معاييرهم من بيان حقوق الإنسان العالمي، الذي يتفق في بعض الأحيان مع المعتقدات والتصورات البشرية عمومًا، ولكنه يتضمن أيضًا بعض ما لا ينسجم معها أو مع بعضها، وقد وُضع إجمالاً في حقبة كانت الكلمة الحاسمة فيها للغرب عقب الحرب العالمية الثانية.
- أنها كغيرها تتعرّض لمدِّها بمعلومات غير صحيحة، لا سيما عند اعتمادها في البلدان العربية والإسلامية مثلاً، على مصادر وأشخاص هم أقرب من غيرهم إلى تصوّراتها ومعاييرها في قضايا حقوق الإنسان، فضلاً عن عزوف آخرين من تلقاء أنفسهم عن التعاون معها، ناهيك عن المشاركة في نشاطاتها، بدعوى المعايير المتباينة مع ثوابت إسلامية مثلاً.
- توظيف نشاطاتها وأعمالها وتقاريرها لتحقيق أغراض غير الأغراض التي استهدفتها في الأصل، وفق أساليب منحرفة معروفة تحت عناوين الازدواجية والانتقائية.

ثالثا: ازدواجية المعايير في التعاطي مع المجازر

غريب المفارقات ما يظهر تحديدا في المنظمات الأهلية والرسمية المختصة بحماية الحقوق الأساسية للإنسان،فعلى الرغم من أن جوهر وظائفها ومبرر وجودها وأسلوب عملها يقتضي وجوب الحيادية والنزاهة في العمل والتعاطي مع أطراف القضية الواحدة بموقف يكون على مسافة واحدة،نرى تهميش وتجهيل الأمور المتعلقة بالقضايا العربية تحديدا،وغض الطرف عن الممارسات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
فمنذ سنوات ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من منظمات المجتمع المدني وهي تطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفاعل والجاد واتخاذ إجراءات عملية في مواجهة التحدي المستمر من جانب إسرائيل وقوات احتلالها لقواعد القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بهدف إجبارها على احترام التزاماتها التعاقدية حيال المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى في ايلول/ سبتمبر 2000، تزايدت المطالب من جانب منظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية والدولية بضرورة التدخل الدولي لحماية المدنيين الفلسطينيين، أمام التصعيد المستمر في جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني (كما تحددها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب) التي تواصل قوات الاحتلال اقترافها ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة. وتستند هذه المطالب المشروعة إلى:
- اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب والتي تنص المادة الأولى منها على أن "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال." كما تضع المادة 146 من الاتفاقية التزامات محددة على الأطراف السامية المتعاقدة، بما في ذلك اتخاذ إجراءات تشريعية، لملاحقة المتهمين باقتراف مخالفات جسيمة وتقديمهم إلى المحاكمة أو تسليمهم لطرف ثالث متعاقد معني بمحاكمتهم.
- اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي تنص المادة الثانية منها على وجوب "أن تستند العلاقات بين الأطراف، وشروط هذه الاتفاقية ذاتها، إلى احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، والتي تقود سياساتهم الداخلية والخارجية، وتشكل عنصراً رئيساً من الاتفاقية.
- بالرغم من ذلك، كان هناك فشل مزمن من جانب المجتمع الدولي، بخاصة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة ودول الاتحاد الأوروبي، في الوفاء بالالتزامات القانونية المذكورة أعلاه. وشكّل ذلك عاملاً مشجعاً لإسرائيل (قوة الاحتلال الحربي) للإمعان في تحديها للقانون الدولي والتصرف كدولة فوق القانون تحظى بحصانة سياسية وقانونية خاصة، والمضي قدماً في جرائمها وانتهاكاتها ضد المدنيين الفلسطينيين بل وتصعيدها إلى مستوى غير مسبوق. إذ شملت هذه الجرائم والانتهاكات: الاستخدام المفرط للقوة وجرائم القتل العمد والإعدامات خارج إطار القانون؛ التوسع الاستيطاني وضم الأراضي والاستمرار في تدشين جدار الضم؛ تدمير الممتلكات المدنية؛ فرض العقوبات الجماعية بما فيها الحصار وفرض قيود مشددة على الحركة والتنقل؛ التعذيب وسوء المعاملة؛ وإنكار العدالة للمدنيين الفلسطينيين بما في ذلك حرمانهم من التعويض عن الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال بحقهم بل وعدم التحقيق في الآلاف من تلك الجرائم. وعلى مدى الأعوام الثمانية الماضية، أسفرت هذه الإجراءات عن أزمات إنسانية حادة وتدهور غير مسبوق في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر والتهميش الاجتماعي بكل تفاصيله.
- لقد كانت المطالب التي وجهتها منظمات المجتمع المدني إلى المجتمع الدولي (خاصة الأطراف السامية المتعاقدة على الاتفاقية والاتحاد الأوروبي) غير كافية في نطاق الالتزامات القانونية الواقعة على تلك الأطراف. وعلى سبيل المثال، لم تتضمن المطالب الموجهة لدول الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على دولة إسرائيل، إنما تفعيل المادة الثانية من اتفاقية الشراكة ووقف الامتيازات الممنوحة لإسرائيل بموجب الاتفاقية حتى تذعن الأخيرة لالتزاماتها. ولم تكن المطالب الموجهة للأطراف أكثر من الدعوة لتشكيل لجان تحقيق.
لقد كان من المؤمل أن تجد هذه المطالب آذاناً صاغية وأن يبادر المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات عملية ضد إسرائيل لضمان امتثالها لقواعد القانون الدولي.ولكن للأسف الشديد وبدلاً من معاقبة إسرائيل على جرائمها، يتمَّ معاقبة الضحية، أي معاقبة الشعب الفلسطيني والمدنيين الفلسطينيين الرازحين تحت نير الاحتلال الحربي الإسرائيلي وغملياته الاجرامية في غزة.
رابعا: ضرزرة توثيق الجرائم وسبل مقاضاة اسرائيل
ثمَّة ضرور قصوى لتوثيق جرائم الحرب والابادة الجماهية التي ارتكبتها اسرائيل في عدوانها على غزة باعتبارها حجر الاساس للانظلاق نحو مقاضاة اسرائيل في المحافل الجانئية الدولية؛وفي واقع الامر ثمَّة العديد من المحاولات الجادة التي تشكل بيئة جيدة في هذا المجال وبخاصة الجمعيات العربية وبعض الدولية.لكن العبرة تكمن في جدية المتابعة والاصرار عليها.
في الواقع ثمَّة سبل وطرق متعددة لسلوك المقاضاة رغم العثرات التي يمكن ان تواجهها.ومن الضروري الانطلاق في عدة مناهج كالبيئة الاعلامية القانونية والسياسية القانونية والحقوقية القانونية وعدم الاقتصار على هذه الاخيرة،باعتبار ان المحاكم الجنائية الدولية لا زالت قاصرة بشكل عام على احقاق الحق للعديد من الاعتبارات ويأتي في طليعتها طبيعة النظام العالمي القائم ومن يتحكم بمفاصل مساراته وادواته القانونية والسياسية.
بداية تعنبر السلطة الفلطسنسة كيانا اعتباريا على المستوى الدولي، وبالتالي لها حقوق وواجبات الاتفاقيت الدولية السابقة واللاحقة لنشوئها ما لم تطلب او تعلن عكس ذلك في حدود ما يسمح لها القانون الدولي العام بذلك.وحتى الآن التزمت السلطة الفلطسينية بجميع الاتفاقيات الدولية وبخاصة تلك المتعلقة بالقانون الدولي الانساني باعتبارها صاحبة حق في مندرجاته.
ثمَّة خيارات عدة للمقاضاة ومنها:محكمة العدل الدولية، استنادا الى الاتفاق الدولي المتعلق بمعاقبة جريمة الابادة الجماعية للعام 1948 التي أصبحت نافذة اعتبارا من 12/1/ التي انضمّت إسرائيل اليها. فالمادة )9( من هذا الاتفاق تعطي محكمة العدل الدولية صلاحية النظر في كل نزاع ينشأ عن تفسير هذا الاتفاق أو تطبيقه، بما في ذلك مسؤولية إحدى الدول عن أعمال الإبادة التي ترتكبها، بحيث أن الدعوى - في حال تقديمها على أساس اتفاق عام 1948، تكون مقبولة في الشكل، وفق ما أخذ به اجتهاد هذه المحكمة، من دون الحاجة إلى موافقة خاصة من دولة أخرى منضمة إلى الاتفاق (المقصود هنا اسرائيل) . فالسند القانوني في حال تقديم الدعوى على أساس الإبادة الجماعية، هو اتفاق عام 1948 المتعلق بجريمة الابادة الجماعية، علما أن هذه الجريمة، أسوة بسواها من الجرائم الدولية هي الأكثر خطورة، وان هذا النوع من الجرائم لا يمر الزمن عليه وفق ما تمشى عليه اجتهاد القانون الدولي. وان الجمعية العمومية للأمم المتحدة أقرّت في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1968 اتفاقا أصبح نافذا في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1971 ينص صراحة على أن لا مرور للزمن في جرائم الحرب أو في الجرائم ضد الإنسانية. وكانت إسرائيل في عداد الدول التي صوَّتت على القرار الرقم 2391 العائد إلى هذا الاتفاق.
أما بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية فان فالعديد من الأفعال التي ارتكبتها "إسرائيل" في عدوانها الأخير يقع تحت طائفة الجرائم موضوع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي لا تحاكم دولا، بل يمكنها محاكمة أفراد متهمين بارتكاب جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة ضمن اختصاصها. فالمحكمة تضع يدها على القضية وتمارس اختصاصها إما بإحالة القضية من دولة طرف في نظام المحكمة وقبلت بصلاحياتها (يقتضي استبعاد هذه الحالة إذ أن إسرائيل لم تنضم إلى اتفاق روما أو قبلت بصلاحية المحكمة)، وإما إحالة القضية من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذه الحالة مستبعدة أيضا لاعتبارات الفيتو الأمريكي. وتبقى الحالة الأخيرة، وهي إحالة القضية من جانب المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية الذي يحق له التصرف تلقائيا. وقد لحظت المادة 12 من اتفاق روما في فقرتها الثالثة أنه يمكن للدولة غير المنضمة إلى الاتفاق إذا وقعت إحدى الجرائم على أرضها ( المقصود السلطة الفلسطينية) أن تعلن قبولها بصلاحية المحكمة لهذه الجرائم بالذات، وان تطلب من المدّعي العام أن يتحرك، وان يحيل القضية على المحكمة إذا تبيّن له من التحقيق الذي يجريه وجود أدلّة كافية تشكل أساسا معقولا للمحاكمة.وهذا ما فعله مؤخرا مدعي عام المحكمة "اوكامبو" ضد الرئيس السوداني عمر البشير وهي سابقة دولية سجلتها المحكمة رغم عدم موضوعيتها وسندها الشرعي والقانوني.
كما انه يمكن اللجوء الى محاكم بعض الدول الاوروبية التي اعتبرت نفسها صاحبة صلاحية في النظر في جرائم الحرب التي تقع على مواطنيها في دول اخرى كالمحاكم البلجيكية والاسبانية والفرنسية والبريطانية،عبر تقديم مواطنين يحملون جنسيات مزدوجة بين هذه الدول والسلطة الفلطسينية وثمة سوابق جرت في هذا المجال عند محاولة محاكمة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون على جرائمه في مجزرتي صبرا وشاتيلا العام 1982 في لبنان امام المحاكم البلجيكية.
اضاقة الى ذلك يمكن اللجوء الى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان سندا الى- اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي تنص المادة الثانية منها على وجوب "أن تستند العلاقات بين الأطراف، وشروط هذه الاتفاقية ذاتها، إلى احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، والتي تقود سياساتهم الداخلية والخارجية، وتشكل عنصراً رئيساً من الاتفاقية.
ما جرى ويجري في غزة جرائم تندى لها جبين الانسانية ورغم ذلك لم يتم التوصل الا لقرار دولي حمل الرقم 1860 مضمونه الدعوة لوقف اطلاق النار مع وقف التنفيذ,بل حمل في طياته البيئة المناسبة لاسرائيل لاستمرار تنفيذ جرائمها في غزة وسط صمت عربي ودولي مريب،فماذا في هذا القرار وما هي خلفياته القانونية والسياسية؟
خامسا: القرار 1860 وخلفياته القانونية والسياسية
بداية ثمة ضرورة علمية وموضوعية للجوء الى النص الانكليزي للقرار منعا للالتباس الذي يمكن ان يحصل من تأويل بعض الفقرات من خلال الترجمة غير الدقيقة التي اطلق فيها.سيما وان الكثير من القرارات الدولية المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي قد تمَّ استثمارها قانونيا وسياسيا بغير موضعها الحقيقي،ما ادت الى تداعيات سلبية كثيرة.وكأي قرار صادر عن مجلس الامن الدولي ينبغي النظر اليه بعين مجردة،لكي يأتي تشريحة مطابقا للواقع قدر الامكان.وعليه يمكن تسجيل بعض الملاحظات الاولية ومنها:
- من الناحية الموضوعية، اتى القرار في صيغته اللغوية متوافقا مع التصنيف الذي يضعه في نطاق الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة،وبالتالي فهو ذات طبيعة غير الزامية للمعنيين به،الامر الذي يعني ان لا سلطة لمجلس الامن وفقا لهذه الصيغة اللجوء الى القوة العسكرية او لغيرها لتطبيقة،فهو بالمعنى القانوني "توصية" لا "قرار" ملزم وواجب التطبيق.
- على الرغم من خطورة الوضع القائم في غزة والذي اشار اليه القرار في اكثر من فقرة ولو بلغة ذات توصيف "انساني" لا سياسي،فان التدقيق في الاخطار السياسية والعسكرية الناجمة، او التي يمكن ان تنجم لاحقا،تؤدي الى الاستنتاج القاطع بأن وضعا كهذا يشكل خطرا على الامن والسلم الدوليين،وعليه فان من واجب مجلس الامن الدولي الذي من ابرز مهامه الأساسية حفظ الامن والسلم الدوليين بشتى الوسائل حتى الوصول الى استحدام القوة،الامر الذي لم يفعله مجلس الامن يوما في البيئة التي يتعاطى فيها مع قضايا الصراع العربي الاسرائيلي لا في هذا القرار ولا في غيره،رغم ان الموضوعية تقتضي الاعتراف بأن مجلس الامن عاجز اصلا عن ذلك لاعتبارات كثيرة.
- وللموضوعية ايضا ينبغي الاعتراف بكل شجاعة ان الظروف الذاتية والموضوعية لمن يتواجد في غزة من مدنيين ومقاومين، لم يكن باستطاعتهم انتزاع اي قرار، فوق السقف الذي اتى به القرار 1860،ما يمكن ان يصنف في اطار الممكن وسط الظروف العربية والاقليمية والدولية المعروفة.
- ان التدقيق في النص الانكليزي للقرار والترجمة العربية القانونية الدقيقة له،يظهر ابعادا وخلفيات كثيرة؛فعلى الرغم من اللبس وامكانية التأويل في فقراته المقطعة لغويا،والمعطوفة على شروط واولويات،ثمَّة نقاط ايجابية لا يمكن اغفالها عمليا،وان كانت بعض المظاهر السلبية بارزة للعيان.
- في 521 كلمة وردت في متن القرار لم يذكر فيها اسم "حماس" رغم انها الطرف المعني الاساسي بالقرار،بينما ذكرت "اسرائيل" و "الفلسطينيين" ثلاث مرات بالتساوي،الامر الذي يعني ان ثمة تجاهلا لأصل الموضوع، الامر الذي يضعف القرار عمليا باعتباره لم يخاطب صاحب العلاقة مباشرة،مشيرا اليها بطريق غير مباشر في مناحي عدة.
وبصرف النظر عن التسميات المحددة ودوافعها واعتباراتها، اتت ديباجة القرار 1860 لتعطفه على قرارات اساسية متعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي ومنها،القرار (242) لعام 1967 ،والقرار (337) للعام 1973،وكذلك القرارات (1397) و (1515) و(1850) للاعوام 2002 و 2003 و 2008،ما يعني ان معالجة القضية تأتي في سياق القضية المركزية للصراع،عبرالاشارة اليه نصا وبالتحديد،في المادة (8) " لتحقيق سلام شامل على أساس الرؤية القائمة على وجود دولتين ديموقراطيتين، فلسطين وإسرائيل"، لكنه لم يذكر المسارات العربية الاخرى تحديدا اذ اكتفى بالتعميم.
ثمة توصيف قانوني لقطاع غزة في مقدمة القرار، اذ اعتبرها من الاراضي المحتلة وجزء من الدولة الفلسطينية الموعودة،الامر الذي يرتّب موجبات قانونية على دولة الاحتلال،من ضمنها وجوب احترام مفاعيل القانون الدولي الانساني في مختلف اتفاقياته ومن بينها اتفاقيات جنيف الاربعة وبخاصة الرابعة منها لجهة حماية المدنيين في وقت الحرب،الامر الذي انتهكته اسرائيل بشكل فظ ومكشوف عبر جراشم الحرب والابادات الجماعية المنقولة مباشرة على الفضائيات.
لقد خصص القرار ثلاث مواد مباشرة للوضع الانساني القائم في غزة عدا التي وردت عرضا او بالايحاء،من اصل عشرة مواد وردت في النص،ما يعني ان مجلس الامن لا زال في نفس السياق الذي اعتاد عليه في مقاربته للقضية الفلسطينية تحديدا على قاعدة اختصارها كقضية لاجئين ذات تداعيات وابعاد انسانية. ففي المادة (2) دعا "إلى توفير وتوزيع المساعدات الإنسانية في كافة أرجاء غزة من دون إعاقة ،الا انه لم يذكر او يحدد الجهة المعرقلة،او التي لا تسمح بذلك.وفي المادة (3) رحب "بالمبادرات ا الهادفة إلى فتح ممرات إنسانية" لكنه لم يبادر الى تحديد الكيفية وتركها بصفة عمومية عبر فقرة استطرادية : " وآليات أخرى لضمان التوفير المتواصل للمساعدات الإنسانية"،فما هي هذه الآليات وكيف يمكن تشكيلها وتنفيذها؟ عدا دعوته الى الصفة المتواصلة ،ما يعني بشكل غير مباشر الى رفع الحصار لكن بشروط كما وردت في مواد اخرى.وللتأكيد على المعالجة الانسانية للقضية ابرز ضرورة دعم دول العالم للانوروا في المادة (4) " عبر لجنة التنسيق المؤقتة". فعلى فداحة الوضع الانساني الذي يغرق فيه قطاع غزة، ظلت المواد السالفة الذكر، مجرد توصيات وامنيات خاضعة في كثير من آلياتها الى حسابات سياسية بحتة لا التزامات قانونية واجبة التطبيق في اطار القانون الدولي الانساني.
وغريب المفارقات ما ورد في الصياغة اللغوية والقانونية للمادة الاولى من وقف لاطلاق النار،فبدلا من البدء بالدعوة الى وقف فوري ودائم لإطلاق النار جاء النص لـ " يؤكد على الحاجة العاجلة" ، و"يدعو إلى وقف فوري ودائم يتم احترامه لإطلاق النار" فرغم التأكيد على "الحاجة" اتت الدعوة بصيغة مخففة وبكلمات استطرادية،بعدما اقرنه ليس بوجوب "الاحترام"، انما "يتم احترامه".والمفارقة الاخرى في المادة عينها،انه لم يدعو اسرائيل الى الانسحاب فورا من القطاعين بل ربطه بشكل مباشر بوقف النار، اي ان وقف اطلاق النار"يؤدي الى الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة " ، وهي عبارة قابلة للتأويل والتكييف بحسب الظروف،فلو تصوّرنا ان اية جهة فلسطينية موجودة في غزة قامت باطلاق صاروخ او اي عمل عسكري ولو كان ضمن قطاع غزة لا خارجها، يمكن ان يُفسّر خرقا لوقف اطلاق النار وبالتالي ايجاد الفرصة الذريعة لعدم الانسحاب من القطاع.عدا عن ان البيئة الامنية والعسكرية من الصعب ضبطها او وضع حدود وقواعد لها حتى في الدول المستقرة سياسيا فكيف الامر بقطاع غزة؟!.
علاوة على ذلك ان اطلاق النار امر مرتبط من الوجهة الفلسطينية بمقاومة الاحتلال، الامر الذي أُعترِفَ به في ديباجة القرار نفسه، عبر اعتبار غزة جزءاً محتلا،فكيف يمكن المواءمة بين وقف اطلاق النار ومقاومة المحتل الذي اجازه القانون الدولي العام وتكرَّس في اتفاقات ومعاهدات واعراف شتى.والامر اللافت في هذا المجال ان القرار عالج عمليات وقف اطلاق النار من وجهة إدانة " كل أشكال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين وكل أعمال الإرهاب"ذلك في المادة (5).فالادانة هنا تبدو تبادلية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي مع اختلاف المعايير والتكييف القانوني للاعمال الحربية التي يمكن ان تبرز بين الفريقين.فالمطالبة هنا تشمل بطريق غير مباشر القائم بالاحتلال ومن يقع تحت الاحتلال، وهما اعمالا عنفية او ارهابية بحسب توصيف القرار ،وهي سابقة اقدم عليها مجلس الامن في توصيف الاعمال القائمة بالارهابية وبالتأكيد المقصود هنا الجانب الفلسطيني لا الاسرائيلي ،اذ درجت العادة على تسمية عمليات المقاومة الفلسطينية ضد اسرائيل باعمال العنف،فيما توصّف الاعمال الاسرائيلية بالاعمال المفرطة في استعمال القوة.
ان المحافظة على الوقف الدائم لاطلاق النار امر مرتبط ايضا بتوفير الجهود للتوصل الى " ترتيبات وضمانات" كما ورد في المادة (6) فما هي طبيعة الترتيبات والضمانات ؟ ومن هي الجهة القادرة على توفيرها واعطائها ورعايتها مستقبلا،اذا تمَّ التوصّل اليها؟ الا اذا كانت من قبيل المبادرة المصرية التي اشارت اليها الفقرة الاخيرة من المادة نفسها،وعلى قاعدة اتفاق العام 2005 المتعلق بالمعابر بين الجهتين الفلسطينية والاسرائيلية.
ورغم التذكير في اسس المعالجة التي يستند اليها مجلس الامن في رؤيته لتسوية الصراع بين العرب واسرائيل على قاعدة القرارات الدولية التي اتى على ذكرها،فقد ذكَّر بالمبادرة العربية للسلام من باب رفع العتب السياسي كما وردت في الفقرة الاخيرة من المادة (8).والسابقة من حيث التدرّج في المادة (9) التي رحَّب "بنظر (اللجنة) الرباعية، بالتشاور مع الأطراف، في عقد مؤتمر دولي في موسكو في العام ٢٠٠٩؛والتي تعتبر من باب المكافئة السياسية الموعودة لموسكو لحجز دور وموقع لها في اطار المشاريع في حال انطلاقها.
ان جوهر القرار ربما يكمن في مادته العاشرة التي ابقى فيها الموضوغ قيد نظر مجلس الامن ،ما يعني ان القرار سيؤسس لقرارات اخرى تالية بحسب موازين الوضع على الارض،ليخلق بيئات سياسية وامنية مختلفة لاحقة،وهذا ما يقودنا الى الخلفيات السياسية للقرار،الامر الذي يقودنا الى تحليل الاهداف غير المعلنة لاسرائيل في العدوان على غزة.

سادسا : الاهداف الاسرائيلية غير المعلنة من محرقة غزة

فثمة سلسلة متواضعة من الاهداف اعلنتها القيادتين السياسية والعسكرية "الاسرائيلية" لعملية "الرصاص المسكوب" مقارنة مع حجم ونوع الاسلحة التي استخدمت في المحرقة،الا ان التدقيق في خلفيات العدوان ومساراته يظهرخلغيات اضافية ذات ابعاد استراتيجية يرتبط غالبيتها بالنتائج السياسية المفترضة للعدوان.فاذا كان المعلن القضاء على البيئة السياسية لحركة حماس في غزة وما سيستتبعه من تداعيات ونتائج،فإن المبيّت سيمتد بالضرورة الى عناصر وفواعل اقليمية ودولية لها ثقلها في القضايا الشرق اوسطية؛وبالتالي فالعدوان منذ بداياته حمل رسائل في اكثر من اتجاه.
ففي توقيت العدوان، الذي جاء في الوقت الضائع من عمر الادارة الامريكية الراحلة بعد اقل من اسبوعين،بدا وكأنه فرض خريطة طريق اسرائيلية على ادارة باراك اوباما،اولها التملص من كافة ما سُميَّ التزامات امريكية سابقة لمسار التفاوض الاسرائيلي الفلسطيني ومشاريع الدولة الفلسطينية الموعودة.انتهاءً باعادة تموضع تفاوضي جديد مع سوريا ومع كل من يرغب بذلك من العرب على قواعد جديدة لا علاقة لها بما سبق من اطر ومكونات قانونية - سياسية تفاوضية.مرورا بتقويض كل المبادرات والوساطات الجارية في المنطقة ذات الصلة ومن بينها التركية على سبيل المثال لا الحصر،اضافة الى الاعدام السياسي للمبادرة العربية للتسوية المقرّة في فمة بيروت.
وعطفا على ذلك،انتهاج استراتيجية عزل قوى الممانعة العربية لجهة الجغرافيا السياسية لأدوات الصراع في اقصى حدوده،عبر ايجاد بيئة أمنية دولية ملائمة تقوّض وسائل الصراع وتربطه بقرارات وأطر صعبة الاختراق الا بأثمان اقليمية من الصعب تحمّلها لاي طرف يود الاخلال بها.بمعنى آخر استنساخ قرار دولي بمواصفات القرار 1701 المتعلق بلبنان والذي أثبت قدرته على تحقيق اوجه كثيرة من اهدافه لكافة اطرافه والمستفيدين منه؛سيما وأن هذا السيناريو ظهر للعلن مباشرة بعد انتهاء العدوان على لبنان في محافل اقليمية ودولية وصُرِفَ النظر عنه لاسباب واعتبارات متنوعة تتعلق بغالبيتها في الجانب الاسرائيلي تحديدا في تلك الفترة.
واذا كان توقيت العدوان جاء في الوقت الضائع خارجيا، فهو في الوقت القاتل اسرائيليا،فالجبهة الداخلية الاسرائيلية عانت من كوما سياسية وحزبية بعد حرب تموز 2006 وتداعياتها على المؤسستين العسكرية والسياسية،فكافة الاطراف السياسية والامنية الفاعلة في الحياة السياسية الاسرائيلية تبحث عن نصر موهوم لاستثماره في الانتخابات النيابية الشهر القادم،على قاعدة تجديد شباب الحياة السياسية استنادا الى انتصار مفترض بعد هزيمة 2006 التي اودت بأركان وطواقم سياسية حزبية تعتبر من ثوابت الحياة السياسية في اسرئيل.اضاقة الى محاولة محو صورة الجيش المكسور، واعادة تشكيل هيبته في الذاكرة الجماعية للمجتمع الاسرائيلي.
اما لجهة النظام الاقليمي،فالعدوان كان بمثابة الرسالة الواضحة ،لكل فواعله من العرب وغيرهم بأن لأسرائيل كلمتها ايضا بمعزل عن أي حسابات او ضغوط دولية.ففي الوقت الذي كانت جهودا فارقة تبذل للتهدئة في قطاع غزة نفّذت محرقتها ببرودة اعصاب دون اي رادع او وازع قانوني او اخلاقي،محاولة تكريس صورة بدأت ملامحها تترسخ في المنطثة مفادها ان لا حول ولا قوة للعرب حتى التحرك في قضاياهم الأساسية وإيلاء أمورهم الى الفواعل الاقليمية والدولية في المنطقة وهذا ما ظهر تحديدا عبر دفع تركيا مثلا الى واجهة الوساطات والمبادرات في غياب تام لأي تحرك عربي فاعل وقابل للبناء عليه.وكذلك عبر اعطاء دور لفرنسا بصرف النظر عن حدوده وامكاناته وسقفه.
واذا كانت ظروف الشد والجذب في اعلى صورها في المنطقة وبخاصة بين المحاور العربية،فقد وجدت تل ابيب الفرصة المناسبة لتكريسه وابعاد ذات البين العربية،وهي محاولة مكشوفة لإظهار ان عدوانها على غزة هو نصرة لفريق على آخر، وكأن الشعب الفلسطيني بات ملل ونحل موزع ومقسم بين اطياف ومشارب عربية متباينة.
في كل الحروب والاعتداءات التي نفذتها اسرائيل على العرب مجتمعين او منفردين،كان لها اهدافها المعلنة،كما لها غاياتها غير المعلنة وهذا امر شائع ومتداول في الاستراتيجيات الامنية والعسكرية،الا ان خلفيات محرقة غزة وتداعياتها السياسية التي تأملها اسرائيل هي مركزية بكل المقاييس الداخلية والخارجية لاسرائيل؛وبصرف النظر عما يمكن ان يتحقق منها،تبقى الكلمة الفصل للشعب الفلسطيني الذي اختبر ثورته على مدى 44 عاما بكافة فصائله وتلاوينه السياسية في اتجاه تحديد البوصلة السياسية التي يريد شرط المحافظة على وحدته الوطنية الداخلية الكفيلة بحمايته من اي اهداف غير معلنة.
لقد دفع العرب بشكل عام والفلسطينيون بشكل خاص اثمان باهظة لا نتيجة ضعفهم،بل بقدرة اسرائيل على تفريقهم، واظهارها خلاف ما تبطن،في الوقت الذي لا زلنا نحن العرب نبحث عن اولويات باتت في نظر اسرائيل من الماضي السحيق.
في العام 1967 اجتمع العرب على لاءات ثلاث،لا تفاوض لا صلح لا اعتراف،وتمكنوا من اعادة الهيبة العربية في العام 1973، فهل نحن بحاجة الى ثلاث لاءات جديدة تعيد تجميع ما فرقته اسرائيل،ربما تبدو ضرورة ملحة رغم اختلاف الادبيات السياسية العربية المعلنة وغير المعلنة، تماما كأهداف اسرائيل المعلنة وغير المعلنة من محرقة القرن الواحد والعشرين في عِزّة
ربما من المبالغة القول ان الخلفيات السياسية للقرار 1860 يمكن ان يخدم بقدر كبير الاهداف الاسرائيلية غير المعلنة من عدوان اسرائيل على غزة، الا انه من غير المنطقي استبعاد ما يمكن ان يقدمه القرار من استفادات سياسية وعسكرية للجانب الاسرائيلي في حال تمَّ استثماره لجهة تقطيع الوقت للبناء عليه في مراحل لاحقة ،سيما وان البيئة التي تمّت فيه استصدار القرار وظروفه الذاتية غير القابلة للتطبيق في المدى المنظور،وظروفه الاقليمية والدولية التي تعطيه زخما في التمدد الزمني، تجعله في حكم الكوما السياسية القابل للاستيقاظ عند الطلب.
وفي مطلق الاحوال، وعلى الرغم من خلفيلته القانونية والسياسية، ثمَّة ايجابيات من الصعب التعتيم عليها ومنها محاولة معالجة الجانب الانساني الذي ينبغي اعتباره اولوية مطلقة لشعب لم ينصفه التاريخ ولم تسعفه الجغرافيا.

16‏/01‏/2009

أسلحة الدمار الشامل في القانون الدولي العام


أسلحة الدمار الشامل في القانون الدولي العام
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
المبحث الأول: حيازة أسلحة الدمار الشامل
1- تعريفها:
لا يوجد تعريف محدد ومتفق عليه لمصطلح أسلحة الدمار الشامل، وقد ظهرت مشكلة التعريف منذ بداية مناقشة نزع السلاح في الأمم المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تقدمت الولايات المتحدة بمشروع قرار في 8 أيلول/سبتمبر عام 1947، تحدث عن أسلحة التدمير الجماعي (الأسلحة النووية، والأسلحة البيولوجية والكيماوية) وأية أسلحة تتطور مستقبلاً ولها خصائص مماثلة في التأثير التدميري لخصائص القنبلة الذرية، وقد وصف الإتحاد السوفياتي في حينه هذا التعريف بأنه "تقييدي جداً" مشيراً إلى القنابل والصواريخ التقليدية التي استخدمت في الحرب الثانية، على أنها أسلحة ذات تأثيرات تدميرية جماعية([1]).
وقد جاء في تعريف أشمل لمفهوم أسلحة الدمار الشامل: "أنه يتكون من الأسلحة النووية بأنواعها الذرية والهيدروجينية والنيوترونية والأسلحة الكيميائية والغازات الحربية بأنواعها، إضافة إلى الأسلحة البيولوجية والبكترولوجية بأنواعها، ويتضمن المفهوم مختلف وسائل حمل وإطلاق جميع أسلحة الدمار الشامل([2]).
تلتقي جميع التعريفات عند نقطة أساسية مشتركة وهي أن أسلحة الدمار الشامل تتكون من ثلاثة أنواع رئيسية (ذرية، كمياوية، بيولوجية) وإن كان البعض قد أضاف إليها الأسلحة الإشعاعية، القادرة على إحداث خسائر كبيرة في الكائنات الحية والأهداف المختلفة في مساحات شاسعة. وفي عام 1968 اتجهت لجنة الأسلحة التقليدية التابعة للأمم المتحدة، إلى تزكية التعريف التالي لأسلحة الدمار الشامل: "يجب أن تعرف أسلحة الدمار الشامل، على أساس أنها تتضمن أسلحة الإنفجارات الذرية والأسلحة المصنوعة من مادة ذات نشاط اشعاعي وأسلحة الفتك الكيماوية والبيولوجية وأي أنواع من الأسلحة الأخرى التي يتم صنعها في المستقبل والتي تتشابه خصائصها في الأثر التدميري مع القنبلة الذرية أو الأسلحة الأخرى([3]).
يشمل مفهوم أسلحة الدمار الشامل:
- امتلاك الأسلحة النووية بأنواعها (الذرية، الهيدروجينية، النيوترونية...) والأسلحة الكيمائية، والغازات الحربية بأنواعها (غازات سامة قاتلة، غازات تشل القدرة، الغازات المزعجة) والأسلحة البيولوجية أو البكترولوجية بانواعها (البكتيريا، الفيروسات، الفطريات، سموم الميكروبات).
- امتلاك وسائل الإنتاج ومقوماته: أو ما يمكن تسميته "المنظومة الإجرائية" أو البنية التحتية" وهي تشمل([4]):
o القدرة على توفير الأموال الضخمة اللازمة لاستثمارها في الأبحاث والإنتاج وتوفير مقومات الاستخدام.
o توفر الأبحاث العلمية والطاقة البشرية اللازمة لها من علماء وفنيين.
o انتاج الخامات النووية او الحصول عليها.
o انتاج السلاح النووي من: رؤوس نووية، قنابل ذرية وهيدروجينية وقنابل نيوترون.
o انتاج قواعد الإطلاق ووسائل التوصيل (الصواريخ والطائرات الحربية).
o توفير منظومة القيادة والسيطرة والاتصال واجهزة التشويش الإلكتروني.
2- أنواعها ومخاطرها:
أ‌- أنواعها:
- الأسلحة النووية: تطورت صناعة الأسلحة النووية بعد الحرب العالمية الثانية، وأدت الأبحاث في هذا المجال إلى صناعة قنابل نووية متفاوتة الحجم والقوة التدميرية، وأسلحة نووية باستخدام الطاقة الإشعاعية، لتحقيق أكبر قدر ممكن من التدمير والهلاك.
o القنبلة الذرية: توصل العلماء الغربيون إلى صنع القنبلة الذرية على شكل أجزاء من كتل تحتوي على نسبة كبيرة من مادة اليورانيوم 235، ونقل كتلة كل جزء من هذه الأجزاء عن الكتلة المطلوبة لضم بعضها إلى بعض، وتمت صناعة القنبلة الذرية الأولى ضمن مشروع سمي بمشروع مانهاتين الأميركي (هو الاسم الرمزي لمشروع صناعة القنبلة الذرية في الولايات المتحدة)، وتحدد تفجيرها يوم 16 تموز/يوليو عام 1945، في صحراء نيومكسيكو، وقد أحدث الإنفجار حفرة قطرها نصف ميل، وصهر للرمال، وبريق يعمي البصر، وحفرة في الأرض، وسحابة كثيفة بلغ ارتفاعها 12 كلم، وقد جربت القنبلة الذرية الأميركية ميدانياً في الحرب العالمية الثانية آب/أغسطس 1945، فألقيت الأولى على مدينة هيروشيما اليابانية، والثانية بعد عدة أيام على مدينة ناكازاكي، أدتا إلى حسم الحرب واستسلام اليابان، وأحدثتا تدميراً هائلاً في البشر والحجر (160 ألف قتيل، 200 ألف مصاب) وخراب في البنى والمؤسسات وتشوهات بشرية.
o القنبلة الهيدروجينية: تعتبر أشد فتكاً من القنبلة الذرية، وهي تصنع من مادة اليورانيوم أو البلوتونيوم، وتغلفها كميات من مادتي الريتوريوم والترنيوم. وتقدر الطاقة التفجيرية للقنبلة بملايين الأطنان، وتزداد بازدياد المواد الداخلة في تكوينها. ومما يزيد من قوة انفجار القنبلة الهيدروجينية أن كمية الطاقة الناتجة من اندماج رطل واحد من اليورانيوم في عملية الضم النووي، تعادل سبعة أضعاف الطاقة الناتجة من انشطار رطل واحد من اليورانيوم في عملية الانشطار النووي([5]). وقد أجرت الولايات المتحدة سلسلة تجارب على القنبلة الهيدروجينية عام 1952 ونشرت نتائجها عام 1953 منها تجربة في المحيط الهادئ (جزيرة ايلو جيلاب) قدرت قوتها بـ5 ملايين طن، وقد أدت إلى زوال الجزيرة من الوجود. وامتدت آثارها التدميرية حوالي سبعة أميال، وبالمقابل فقد قام الاتحاد السوفياتي عام 1953 بتجربته الهيدروجينية الأولى وقدرت قوتها بـ 10و20 مليون طن، وقدرت مساحة التدمير الناجم عنها بـ50 ألف ميلاً مربعاً، ثم تبعتها تجربة ثانية أكبر حجماً عام 1961 بلغت قوتها 60 ميغا طن([6]).
- الأسلحة الكيماوية: وتتكون من مركبات كيميائية تنتج الدخان، ومركبات ذات تأثير حارق أو سام أو مزعج، وهي ذات تأثير سام مباشر على الإنسان والحيوان والنبات، وينجم عنها العجز والوفاة، وتأثيرات سامة على الجلد والعين والرئة والدم والأعصاب. لقد استخدمت هذه الأسلحة من قبل الجيش المصري في اليمن، ومن قبل الولايات المتحدة في حرب فيتنام، ومن قبل العراق في حربه ضد إيران، وضد الأكراد وتقسم الأسلحة الكيماوية إلى عدة أنواع هي:
o غازات كاوية: وهي غازات حارقة، وتسبب الإلتهابات والحروق، وقد تحدث تسمماً عاماً يؤدي إلى الوفاة، وتكفي قنبلة من غاز اللويزيت تلقى من الجو لقتل سكان عشرة أحياء من مدينة كبرى كمدينة نيويورك([7]).
o غازات الأعصاب: وهي غازات التامون، زارين، زومان، وذات درجة تسمم عالية على العين والرئة، وتسبب غالباً في الوفاة. وقد انتجت بريطانيا غازاً جديداً أشد فتكاً كما تمكنت الولايات المتحدة من تطوير غاز التابون، إلى غاز جديد (فكس) تكفي جرعة صغيرة منه إلى الفتك بالإنسان.
o غازات الدم: وهي ذات تأثير سريع على الدم وجهاز الأعصاب المركزي إذ تحدث تلفاً في كريات الدم البيضاء والحمراء، وهي تمنع وصول الأوكسجين إلى الأنسجة الحيوية في الجسم، ومن أنواعها: سائل حامض السنيدريك والأيدروجين المكبرت، وسيانيد الهيدروجين وكلوريد السيانوجين([8]).
o الغازات الخانقة: مثل : كالفوسجين، الدايغوسجين، اللكور، وهي تؤثر في الجهاز التنفسي، وتحدث الوفاة خلال أيام قليلة.
o الغازات المهيجة أو المزعجة: وهي تسبب سعالاً مستمراً وعطساً وألماً في الصدر، وبعض أنواعها تسبب عجزاً عضوياً مؤقتاً كالشلل والعمى والصمم.
o الغازات الحارقة: كقاذفات اللهب، والألغام اللهيبة الحارقة والقنابل والسوائل الحارقة – كالنابالم – وهو شديد الاحتراق ويوضع في القنابل وعند انفجارها تتطاير اجزاؤه مسببة حروقاً عميقة وتشويهاً شديداً([9]).
- الأسلحة البيولوجية: عرفها معد استوكهولم لأبحاث السلاح، بأنها : كائنات حية مهما كان نوعها وطبيعتها، او مشتقة منها، تنقل العدوى، وتسبب المرض والموت للانسان والحيوان والنبات، وهي تعتمد في تأثيراتها على قدرتها على التكاثر السريع جداً. وهي تعد أخطر فعالية من الأسلحة الكيماوية وأشد فتكاً، وقد حظيت جرثومة "الجمرة الخبيثة" التي تؤدي إلى وفاة 90% من حالات الإصابة بها، وهي تحول نفسها في ظروف بيئية معينة: كالحرارة والضغط والرطوبة، وأهم أنواع الأسلحة البيولوجية:
o البكتيريا المسببة للمرض: وهي عبارة عن كائنات حية صغيرة جداً، وتسبب الكثير من الأمراض الخطيرة مثل: الطاعون، والحمى المتموجة.
o الفيروسات: هي أصغر الكائنات الحية، وتسبب بمرض الجدري والحمى الصفراء.
o سموم الميكروبات (التوكسنيات): وتشبه البكتيريا من ناحية الحجم والشكل وتسبب الكثير من الأمراض.
o الفطريات: من أصل نباتي ومعقدة التكوين، وتسبب التهابات حادة في الرئة.


ب‌- مخاطرها:
بالإضافة إلى ما سبق ذكره في سياق البحث، عن أخطار أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها، يمكن إضافة التلخيص التالي للآثار المميتة لهذه الأسلحة:
- الأسلحة النووية: تقتل بآثار الحرارة والإنفجار والاشعاع النووي والتساقط المشع، وتحمل الأسلحة النووية في غواصة استراتيجية واحدة على قوة تفجيرية موحدة، أقوى بعدة مرات من كل القنابل التقليدية التي أطلقت في الحرب العالمية الثانية.
- الأسلحة البيولوجية والسامة: تقتل باستخدام جراثيم تهاجم الخلايا والاعضاء في جسم الإنسان، كما أنها قد تستخدم أيضاً لاستهداف المحاصيل والماشية على نطاق واسع. وبعضها معد وسريع الانتشار، أما السميات فهو سموم مميته ولو كانت بكميات مجهرية مثل البوتيلنيوم السام.
- الأسلحة الكيماوية: تقتل بمهاجمة الجهاز العصبي أو الرئتين، أو عن طريق شل القدرة الجسدية على تنشق الأوكسجين وبعضها مصمم للإصابة بالإعاقة الجسدية، عن طريق التسبب بحروق وتشوهات خطيرة([10]).
المبحث الثاني: امتلاك أسلحة الدمار الشامل واستعمالها في القانون الدولي
1- مستويات الامتلاك:
يمكن تقسيم الدول في الوضع الراهن للعالم من حيث قدراتها النووية، وتطبيق النظام الدولي للضمانات فيها إلى المجموعات التالية:
أ- مجموعة الدول الحائزة على الأسلحة النووية: وهي الدول الخمس النووية الكبرى المعترف بها دولياً "دول السلاح النووي" وهي بالتحديد: الولايات المتحدة الأميركية، المملكة المتحدة، فرنسا، روسيا الاتحادية، الصين الشعبية. وقد انضمت دول السلاح النووي إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، لتشجيع الدول الأخرى على الإنضمام للمعاهدة. وبالنسبة لتطبيق النظام الدولي للضمانات النووية فهو ليس اجبارياً على هذه الدول. ولكنها في الوقت نفسه يمكن أن تسمح باختيارها الحر، تطبيق بعض الضمانات النووية للوكالة الدولية، على نوعيات محددة من منشآتها النووية السلمية، حيث يتم تطبيق الضمانات بحسب اتفاقية مع الوكالة الدولية بحسب وثيقة الوكالة 66 في تلك المنشآت النووية فقط([11]).
ب- مجموعة الدول المعروف حيازتها للأسلحة النووية: وهي دول معلوم عنها أنها مالكة للأسلحة النووية في واقع الأمر، ولكن لم يعترف بها دولياً على أنها ضمن مجموعة دول السلاح النووي، وهي الهند وباكستان واسرائيل، وهي غير منضمة للمعاهدة وبذلك ليست عليها أي التزام ببنودها، أي لا يتم تطبيق النظام الدولي للضمانات النووية عليها، إلا بموجب اتفاقات خاصة مع الوكالة.
ج- مجموعة دول العتبة النووية: وهي تلك الدول التي تمتلك قدرات تقنية نووية، والمواد النووية والمنشآت، والقوى البشرية المتخصصة ولكنها لم تتخذ قراراً سياسياً بالتوجه نحو هذا الهدف مثل (ألمانيا، اليابان، كندا، بلجيكا، السويد)، وهي موقعة على معاهدة عدم الإنتشار وتخضع جميع منشآتها النووية والمواد النووية فيها للنظام الدولي للضمانات النووية الشاملة بحسب وثيقة الوكالة الدولية 153.
د- مجموعة الدول غير الحائزة للأسلحة النووية: وهي الغالبية العظمى من دول العالم، ومنظمة لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ويتم فيها تطبيق النظام الدولي للضمانات النووية الشاملة، بحسب وثيقة الوكالة 153.
2- التجريم الدولي لأسلحة الدمار الشامل:
تنطلق فكرة التجريم الدولي لأسلحة الدمار الشامل من مبدأ خطر التهديد باستخدام القوة او استخدامها في العلاقات الدولية، وهو المبدأ الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة (الفقرة الرابعة من المادة الثانية)، كأحد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الأمم المتحدة، وكمقوم أساسي لنظام الأمن الجماعي الدولي.
وبمراجعة الوثائق الدولية ذات العلاقة بتجريم استخدام الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، نجد أنها جميعها تتجه إلى تقرير مبدأ خطر الاستخدام وفرض قيود على الإنتاج والتخزين، ومن أبرز هذه الوثائق معاهدة عدم الانتشار التي تم توقيعها في تموز/يوليو 1968 ودخلت حيّز التنفيذ في 5 آذار/مارس عام 1970. والتي فرضت على الدول النووية تعهداً بعدم نقل الأسلحة النووية إلى دولة أخرى (منع الانتشار) وعدم تقديم أي شكل من أشكال المساعدة إلى الدول غير الحائزة لهذه الأسلحة لانتاجها. وأن تتعهد بالتبادل الكامل للمعرفة التقانية، والتفاوض من أجل تفعيل تدابير نزع السلاح، كما فرضت على الدول غير الحائزة للسلاح النووي التزاماً بعدم طلب أو تلقي أية مساعدة لصنع هذا السلاح، وأن تقبل ضمانات الوكالة الدولية، لمنع تحويل الطاقة النووية من الأغراض السلمية إلى التسلح([12]).
أ- الأسلحة البيولوجية:
وفي اتفاقية حظر استحداث وانتاج الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) وتدمير هذه الأسلحة، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 كانون الأول/ديسمبر 1971، أكدت ديباجة الاتفاقية، تصميم الدول الأطراف على العمل من أجل تحقيق تقدم فعلي نحو نزع السلاح الكامل بما في ذلك حظر وإزالة جميع أسلحة الدمار الشامل. وأنها على اقتناع بأن حظر استحداث وانتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية وإزالة هذه الأسلحة، عن طريق تدابير فعالة، سيسهل الوصول إلى نزع عام شامل وكامل للسلاح في ظل مراقبة دولية فعالة.
وقد أكدت الأطراف تمسكها بمبادئ وأهداف بروتوكول خطر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها وللوسائل البيولوجية الموقع في جنيف في 17 حزيران/يونيو 1925، وقد تضمنت الاتفاقية الإلتزامات التالية على الأطراف:
- عدم تخزينه، ولا اقتنائه أو حفظه على أي نحو آخر:
o العوامل الجرثومية أو البيولوجية الأخرى، أو التسكينات أياً كان منشؤها أو أسلوب انتاجها، من الأنواع وبالكميات التي لا تكون موجهة لأغراض الوقاية أو الحماية أو الأغراض السلمية الأخرى.
o الأسلحة أو المعدات أو وسائل الإيصال الموجهة لاستعمال تلك العوامل أو التسكينات في الأغراض أو المنازعات المسلحة (المادة الأولى).
- التعهد بالقيام، وفي فترة لا تتجاوز تسعة أشهر من بدء نفاذ الاتفاقية بتدمير جميع العوامل والتسكينات والأسلحة والمعدات ووسائل الإيصال، التي تكون بحوزتها أو خاضعة لولايتها أو رقابتها أو بتحويلها للاستعمال في الأغراض السلمية (المادة الثانية).
- التعهد بأن لا تحول إلى أي مكان بصورة مباشرة أو غير مباشرة أي من العوامل والتسكينات أو الأسلحة أو المعدات أو وسائل الإيصال المعينة في البند الأول وبأن لا تقوم بأية طريقة كانت، بمساعدة أو تشجيع أو تحريض أية دولة أو مجموعة من الدول أو أية منظمة دولية على على صنعها أو اقتنائها على أي نحو آخر (المادة الثالثة).
- اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحظر ومنع استحداث أو انتاج أو تخزين أو اقتناء أو حفظ العوامل والتسكينات والأسلحة والمعدات ووسائل الايصال المعنية في البند الأول ضمن اقليمها (المادة الرابعة).
- على كل دولة أن تقدم شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن أي خرق للالتزامات السابقة من جانب أية دولة. وعلى الدول أن تتعاون مع مجلس الأمن بهذا الشأن (المادة السادسة)، وعلى الدول أن تيسر المساعدة الموجهة وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، إلى أي دولة من الدول الأطراف تطلب ذلك في حال تقرير المجلس أن هذه الدولة تتعرض للخطر نتيجة الإخلال بأحكام الاتفاقية والمادة السابعة([13]).

ب- الأسلحة الكيماوية:
وفي 13 كانون الثاني/يناير 1993، أبرمت اتفاقية حظر استحداث أو تخزين أو انتاج واستعمال الأسلحة الكيمائية وتدمير تلك الأسلحة وقد فرضت الاتفاقية على الدول الأطراف التعهد بعدم القيام تحت أي ظرف من الظروف:
- باستحداث أو انتاج الأسلحة الكيماوية.
- باستعمال الأسلحة الكيماوية.
- بالقيام بأية استعدادات عسكرية لاستعمالها.
- بمساعدة أو تشجيع أي كان على القيام بأنشطة محظورة في الاتفاقية.
- التعهد بتدمير جميع الأسلحة الكيماوية التي تملكها أو بحوزتها.
- التعهد بتدمير أي مرافق لإنتاج الأسلحة الكيماوية.
إلى جانب هذه الإتفاقيات التي تحظر امتلاك واستعمال أو تخزين أسلحة الدمار الشامل فقد أكدت اتفاقيات دولية أخرى على تحريم استعمال الأسلحة المحرمة دولياً في العمليات الحربية، أبرزها اتفاقية لاهاي الموقعة عامي 1899-1907، وبروتوكول جنيف لعام 1925 وتوصيات المؤتمر العام لنزع السلاح في جنيف 1933، واتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 والبروتوكولان المكملان لعام 1977 والأسلحة المقصودة في هذه الاتفاقيات:
- المقذوفات المتفجرة أو المحشوة بمواد ملتهبة.
- الغازات الخانقة.
- السم أو الأسلحة المسمومة.
- الأسلحة البيولوجية، التي تقذف بميكروبات.
- بعض أنواع الألغام البحرية.
- السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل.


ج- مشكلات معاهدة حظر الانتشار النووي:
لا تزال الفكرتان الأساسيتان اللتان تشكلان جوهر معاهدة حظر الانتشار النووي تحظيان بدعم دولي قوي: الفكرة التي تقول بأنه كلما زادت الأصابع التي فوق الأزرار النووية، كلما زاد حجم الأخطار التي تحيط بالعالم، والفكرة الثانية التي تقول بأنه سينتج عن التزام الدول غير الحائزة للأسلحة النووية، بعدم الإنتشار والتزام الدول الحائزة لها بنزع السلاح عالم أكثر أمناً.
ولكن في الواقع هناك مشكلات تواجه فعالية معاهدة حظر الإنتشار أبرزها([14]):
- الفشل في إحراز تقدم على صعيد نزع السلاح من قبل الدول الأطراف الحائزة لأسلحة نووية.
- حالات خرق المعاهدة أو خرق التعهدات التي تمليها اتفاقية ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من قبل عدد محدود من الأطراف (العراق، ليبيا سابقاً، كوريا الشمالية، إيران) وفي حين أنه من الضروري دراسة المسائل الأساسية المتعلقة بالتحقق والامتثال والموثوقية والتطبيق، يجب الإشارة إلى أنه لا يوجد في العالم دولاً كثيرة تطمح إلى حيازة أسلحة نووية وأنه لا يوجد حتى الآن ارهابيون يملكون قدرات نووية، وطالما أن العلاقات بين القوى العظمى تتميز بالتعاون، والتوترات الإقليمية لا تشهد تصعيداً، فلا يوجد على الأرجح سبب يدعو إلى الخوف من انهيار معاهدة حظر الإنتشار.
- قضية كوريا الشمالية، وهي أن البند المتعلق بالانسحاب من المعاهدة، لا يصف هذا العمل بالخطورة التي يمثلها فعلاً، بل يصفه بأنه خطوة اجرائية بكل بساطة، ويتعين أن يلفت الإنسحاب من المعاهدة انتباه كافة الأطراف وكذلك مجلس الأمن الدولي، الذي سيقرر إن كان الإنسحاب يشكل خطراً على السلام ويدرس التدابير التي ربما يقوم باتخاذها، لأنه في حال الفشل، ستفكر أطراف أخرى في إعادة النظر بالتزامها بالمعاهدة.
- عدم وجود بند ينص على انشاء أمانة سر دائمة لمساعدة الأطراف على تطبيق المعاهدة.
ولتعزيز الثقة بالمعاهدة وتطوير الإلتزامات المترتبة عليها، فقد وافقت الدول الأطراف عام 1995، على تمديد العمل بالمعاهدة لأجل غير مسمى، كجزء من مجموعة التزامات تضمنت قراراً يتعلق بمبادئ وأهداف عدم الإنتشار ونزع السلاح، وقراراً يتعلق بتعزيز عملية المراجعة وقراراً يتعلق بإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
وقد واصل مؤتمر مراجعة المعاهدة الذي عقد عام 2000 عملية التعاون المتعدد الأطراف، وجرت الموافقة على وثيقة نهائية تضمنت الخطوات العملية الثلاث عشرة "لإحراز مزيد من التقدم نحو نزع السلاح النووي، واعتبرت هذه الخطوات بمثابة استمرار وتطوير للاتفاقات. ومن أجل انعاش معاهدة حظر الإنتشار النووي، قدمت اللجنة المعنية بأسلحة الدمار الشامل WMDC توصيات تضمنت ما يلي([15]):
- يتعين على جميع الأطراف في معاهدة حظر الإنتشار النووي الرجوع إلى الإلتزامات الأساسية والمتوازنة بشأن عدم الانتشار ونزع السلاح، والتي تعهدت بها في إطار المعاهدة.
- على جميع الأطراف في المعاهدة تنفيذ البند المتعلق بمبادئ وأهداف عدم الإنتشار ونزع السلاح والبند المتعلق بمراجعة المعاهدة. والتشجيع على تنفيذ الخطوات العملية الثلاث عشرة لنزع السلاح النووي، والتي اعتمدت عام 2000.
- على جميع الدول غير الحائزة للأسلحة النووية والمشاركة في معاهدة حظر الإنتشار قبول الضمانات الشاملة بصورتها المعززة في البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- ينبغي على الدول الأطراف في معاهدة حظر الانتشار انشاء أمانة سر دائمة للاضطلاع بالمسائل الإدارية للأطراف في المعاهدة، والتي تكلف بتنظيم مؤتمرات مراجعة.
وعلى الرغم من أهمية معاهدة حظر الإنتشار حتى في صيغتها الحالية والإضافات التي أحدثتها المراجعات عليها، فإن انتقادات وجهت إليها شملت أمور عدة أبرزها([16]):
- أن المعاهدة لم تصحح الوضع القائم في حينه (خلال الحرب الباردة) بل على العكس ساعدت على تكريس الوضع الخاطئ والمتمثل بـ "الامتياز النووي" للدول المالكة للأسلحة النووية (وهي الدول التي أنتجت وفجرت أسلحة نووية قبل كانون الثاني/يناير 1967، كما نصت على ذلك المادة الأولى من المعاهدة).
- أنها لا تضم كل دول العالم، وبالتالي سوف تكون الدول غير الأطراف فيها غير ملزمة بعدم انتاج أو حيازة أي أسلحة نووية أو أجهزة تفجيرية أخرى وهذا ما حصل بالفعل مع الهند وباكستان واسرائيل.
- أنها اهتمت كثيراً بمنع ما اصطلح على تسميته "الانتشار الأفقي" أي منع الدول غير الحائزة للأسلحة النووية من حيازتها بينما أبدت اهتماماً قليلاً بمنع ما يسمى بـ"الإنتشار العمودي" أي تطوير الأسلحة النووية وزيادتها بالنسبة للدول الحائزة عليها.
- أنها غير منصفة في توزيع الإلتزامات على الدول الأطراف، حيث ألزمت الدول غير الحائزة للأسلحة النووية باخضاع انشطتها النووية السلمية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين أنها لم تفعل الشيء ذاته مع الدول الحائزة للأسلحة النووية.
- أنها تمنع الدول الحائزة للأسلحة النووية وحدها من مساعدة الدول الأخرى في انتاج وحيازة أسلحة نووية أو أجهزة تفجيرية نووية أخرى، مع العلم أن هناك دولاً غير نووية قادرة على صنع أسلحة نووية (كندا، السويد، اليابان).
ولسد بعض هذه الثغرات، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم 255 لعام 1968 والذي تضمن التزامات معينة من الدول النووية تجاه الدول غير النووية في حال الاعتداء عليهان ثم القرار 984 لعام 1955 والذي حدد نوع المساعدة الممكنة لهذه الدول، ولكن رغم أهمية القرارين المذكورين، فإنهما ما زالا بعيدين عما تطمح إليه الدول غير النووية الأطراف في معاهدة منع الإنتشار والذي تقيض الوصول إلى معاهدة دولية واضحة وملزمة للحؤول دون الاعتداء النووي عليها، أو الدفاع عنها في حال حدوثه.
المبحث الثالث: الإستخدام السلمي للطاقة النووية
1-مجالات الاستخدام والفوائد:
أ‌- الصحة العامة:
لقد أدى التطور الكبير للتقنيات المعتمدة على استخدام النظائر المشعة في تشخيص الأمراض إلى تطور كبير في قدرة الأطباء على إجراء التشخيص الدقيق لمختلف الحالات المرضية، مما كان له الأثر الكبير في نجاح العلاجات المستخدمة، فيما أصبح يعرف بالطب النووي. فقد تمكن الأطباء من تعيين حجم الدم في الإنسان باستخدام الفوسفور-32، كما أمكن تعيين حجم البلازما والكرات الدموية كلاً على حدة باستخدام نظير الحديد-59 ونظير الكروم 51 المشع، كما استخدم الصوديوم-24 لدراسة الدورة الدموية في الشرايين، كما تم تشخيص أمراض عضلة القلب باستخدام التاليوم-201 المشع، وبشكل عام تستخدم مختلف النظائر المشعة لتطوير فعالية عمليات التشخيص.
أما في العلاج فأهم النجاحات التي لقيتها الأساليب والتقنيات النووية في الطب، كانت في عمليات علاج الأورام والسرطانات، فقد استعملت المصادر الإشعاعية من الكوبلات بنجاح كبير للقضاء على الخلايا السرطانية([17]).
وقد لعبت الإشعاعات المؤيّنة دوراً مهماً في تعقيم المعدات الطبية، كما وفرت النظائر المشعة المختلفة امكانات هائلة لعلوم الصيدلة من خلال استخدام المواد الكيماوية والصيدلانية الموسومة بالنظائر المشعة، إذ أصبح ممكناً بصورة دقيقة التعرف على تأثير الدواء ومساره وتحولاته داخل جسم الإنسان أو النبات وفهم آليات التمثيل الغذائي سواء عند الإنسان أو النبات.
ب‌- في الزراعة وانتاج الغذاء:
استخدم الاشعاع النووي، في مجال الزراعة وذلك بتعريض بذور المحاصيل الزراعية للاشعاع مما يؤدي إلى حصول طفرات وراثية قابلة للحياة وهذا يسهل اختيار أفضل للسلالات وأقواها عملاً للظروف البيئية([18]).
كانت الاستخدامات الزراعية المتعددة الاستخدامات التي دفعت بالعلوم الزراعية وعلوم الأرض وفسيولوجيا النبات إلى الأمام، مما أدى إلى ظهور عصر جديد هو عصر الزراعة النووية.
واسهام العلوم والتقانة النووية في تطوير الزراعة يجري خلال ثلاثة مسافات أساسية: الأول يتضمن تطوير الزراعة بذاتها من خلال ضبط العلاقة بين التربة والماء والنبات. والثاني يتضمن عمليات تحضير طفرات مستحدثة من النباتات قادرة على التعايش مع الظروف المختلفة. والثالث يتضمن تطوير عمليات الحفاظ على الغذاء الناتج عن العمليات الزراعية بواسطة الاشعاع الذري([19]).
فقد تمت دراسة الأراضي ونوعياتها وخصائصها ومكوناتها وأساليب انتقال الغذاء والماء من خلالها إلى النبات، واستخدمت النظائر المشعة في دراسة امتصاص الأسمدة من جهة والمبيدات من جهة أخرى، كما أدى استحداث الطفرات النباتية إلى نتائج هائلة، وكان اكتشاف الاشعاعات الذرية وتبيان تأثيراتها في الخلايا وقدرتها على القضاء على الكائنات الدقيقة مدخلاً لاستخدامها في مجال الحفاظ على الغذاء بالاشعاع لمدة طويلة بعد مرحلة الإنتاج.


ج- في الصناعة:
حيث تستخدم المصادر والمواد المشعة على نطاق واسع في مختلف التطبيقات الصناعية على المستوى العالمي، ومن التطبيقات المعروفة دولياً:
- في صناعة النفط: وتستخدم النظائر المشعة لتحديد سرعة تدفق النفط عبر الأنابيب، وتحديد أماكن انسدادها، وفي ضبط مستويات السوائل في الخزانات بصورة دقيقة.
- في صناعة الرقائق: من مواد مختلفة البلاستيك، الورق، المطاط، المنسوجات، وفيها جميعاً تستخدم المصادر المشعة في ضبط سمك الرقائق الناتجة بما في ذلك تعديل السمك..
- في العمليات الصناعية: من أجل تجويد نوعية الاخشاب وتحسين مواصفاتها بتعريضها للاشعاع لضمان مقاومتها للتأكر والرطوبة وعوامل التعرية والتقانة النووية تلعب دوراً اساسياً في خفض التكلفة وضبط الجودة.
د- توليد الطاقة:
في ظل أزمة عالمية متفاقمة في قطاع الطاقة يصبح البحث عن البدائل مسألة حيوية تهم الدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء، خاصة وأن الدول الصناعية الكبرى قد ارست نموها الاقتصادي المتطور وعيشها المزدهر على النفط الرخيص، كما أدت أنماط استهلاك النفط وتمادي استهلاكه إلى اقتراب هذه المادة الهامة والحيوية من مرحلة النضوب، مما يضع خطط الإنتاج والتنمية، على صعيدي الدول المتقدمة والصناعية الكبرى، والدول النامية، امام خيار وحيد ربما هو البحث عن مصادر جديدة للطاقة، والأمل باقتنائها وأبرزها تطويع الطاقة النووية وامتلاكها، في خدمة شبكة الأمان الاقتصادي الاجتماعي على امتداد العالم كله. خاصة وأن النفط، كمادة أساسية للطاقة يواجه أزمة متعددة الجوانب، إذ أن تقليص الاعتماد عليه والتخفيف من استهلاكه مسألة مستحيلة حالياً، وعمليات توسعة الآبار وزيادة الإنتاج، ثم العائد منه، باتت تتطلب بحد ذاتها تقنيات متطورة وتقنيات نووية بالتحديد، التي ستخفف الكثير عن كاهل قطاع النفط العالمي، انتاجاً واستهلاكاً.
لقد شكل البحث باستخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء، العنصر الأبرز في استطلاع البدائل، ذلك أن كمية صغيرة من الوقود النووي، تنتج طاقة هائلة تقدر بملايين أضعاف ما تنتجه كمية مماثلة من الوقود التقليدي. فكل رطل من مادة اليورانيوم-235 القابلة للانشطار ينتج عن انشطار ذراتها طاقة تعادل ما ينتجه 3 مليون طن فحم من النوع الجيد([20]).
إن سعي معظم دول العالم لاستخدام الكهرباء النووية على نطاق واسع، مرده سهولة نقل الوقود النووي ورخص ثمنه مقارنة بالوقود التقليدي، إذ أن الكمية المطلوبة من اليورانيوم لإنارة مدينة كبيرة لمدة عام، لا تزيد عن عشرين رطلاً تنتج 52 مليون كيلو وات/ساعة من الطاقة الكهربائية([21]).
ويوجد في الوقت الحاضر أكثر من 600 محطة وقود نووية لتوليد الكهرباء في مختلف دول العالم، ومن أبرزها منها بعض دول العالم الثالث، وأبرزها الهند وباكستان، كما أن 13 دولة تستخدم الطاقة النووية لتلبية ربع احتياجاتها من الكهرباء من بينها الصين وتايوان، وتأتي اليابان في المرتبة الثلايات المتحدة في هذا المجال.
وقد اكتشف العلماء أن الطاقة المتولدة عن الذرة ليست فقط طاقة كهربائية ولكنها طاقة اقتصادية اجتماعية نظراً لامكاناتها الهائلة في استثمار الصحاري القاحلة وتحويل باطن الأرض إلى كنوز ثمينة وبالتالي رفع مستوى معيشة الإنسان في كل مكان، ومضاعفة الإنتاج الغذائي، وتحسين صحته.
2- الإستخدام السلمي للطاقة النووية:
ارتبط نمو التفكير العالمي بأهمية الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بكسر الاحتكار النووي للولايات المتحدة عقب امتلاك الاتحاد السوفياتي (السابق) للسلاح النووي عام 1949، ومما أحدث توازناً، استفادت منه بعض الدول خاصة بعد أن أعلنت الأمم المتحدة خواص ذرة اليورانيوم: كأساس لتصميم المفاعلات في العام 1955 وهو العام الذي بدأ فيه عقد مؤتمرات منتظمة لبحث الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية لأغراض التنمية([22]).
وقد انطلقت الأبحاث في هذا المجال وسط إلتباس في تحديد مفهوم الاستخدام السلمي للطاقة النووية، في ظل فرضيتين هما([23]):
- الأولى: تقول أن حق الدول في الإستخدام السلمي للطاقة النووية يرتبط بجهود المجتمع الدولي، لتهيئة الفرص الملائمة للاستفادة من التكنولوجيا النووية السلمية.
- الثانية: تقول أن القوى النووية وخاصة الولايات المتحدة، تهدف في تعاملها ومعاييرها مع حاجات الإستخدام السلمي، إلى التحكم في مصادر الطاقة النووية، والتضييق على الدول غير النووية لمنعها من استخدام، أو تأخير استخدامها للتكنولوجيا النووية.
ويرى بعض الباحثين أن الكلام عن فوائد استخدام الطاقة النووية ومنافعه للأغراض السلمية، هو حديث ناقص باعتبار([24]):
- أن هذا المصدر من مصادر الطاقة يخضع لتطور مستمر بحيث يكشف في كل مرة عن استخدام جديد لم يكن معروفاً من قبل.
- وأنه بالرغم من الفوائد والمنافع الكثيرة الناجمة عن استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، يوجد بعض الأضرار الخطرة التي يمكن أن تنتج عن ذلك كوقوع بعض الحوادث النووية (حادثة تشرنوبيل عام 1986 في الاتحاد السوفياتي السابق) وعمليات نقل النفايات النووية بعد استعمالها وما ينتج عنها من مخاطر على البيئة.
ولهذا السبب عقدت عدة اتفاقيات دولية، من أجل ضبط ومنع الأضرار في حال وقوعها وتحديد المسؤولية عنها، كالإتفاقية الموقعة عام 1960 بين دول المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي، والتي حددت المسؤولية في حال الأضرار الناجمة عن الاستخدام، واستكملت باتفاقية بروكسيل لعام 1963 و 1971 اللتان نظمتا شروط نقل المواد النووية.
ويرى البعض الآخر، أن أي دولة ما أن تحصل على مستوى معين من المعلومات والقدرات التكنولوجية لإنتاج الطاقة النووية، ستصبح قادرة على صناعة السلاح النووي، إذ أن الطرق الفنية المتبعة لاستخدام الطاقة لأغراض سلمية، لا تختلف عن تلك المتبعة لانتاج قنابل ذرية. فضلاً عن صعوبة الضبط والرقابة والتمييز بين الاستخدام السلمي والعسكري، إذ يرى البعض أن هناك صعوبة في التمييز بين التفجير النووي السلمي والتفجير النووي العسكري لتشابه أجهزة التفجير في الحالتين، وبسبب ذلك أصدرت الوكالة الدولية بروتوكولاً اضافياً لمعاهدة منع الإنتشار NPT يهدف إلى الكشف عن الأنشطة النووية السرية في الدول غير النووية، من خلال تدابير فنية تسمح بالمراقبة والفحص والتأكد([25]).
ماذا عن مواقف الدول النامية من حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية؟
لقد سعت الدول النامية في تعاملها مع حقها في الاستخدام السلمي في اتجاهين([26]):
- الأول: سعت في سياقه للحصول على ضمانات أمنية إقليمية عبر إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية، بسبب فشل الإتفاقات التي تم توقيعها في إطار هيئة الأمم المتحدة، في تحقيق متطلبات الأمن للدول غير النووية. إذ أن وجود 150 ألف رأس نووي موزعة حول العالم، يشعر الدول النامية بالقلق على أمنها.. وطالبت بصدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يؤمن ضمانات أمنية فاعلة.
- الثاني: محاولة الحصول على التكنولوجيا النووية للطاقة السلمية، وقد أصدرت دول عدم الإنحياز في مؤتمرها المنعقد في القاهرة عام 1994 وثيقة تطالب فيها بالحصول على تكنولوجيا الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، كما عبرت عن رفضها تمديد معاهدة منع الإنتشار NPT في مؤتمر منع الانتشار النووي عام 1995، ولكن الدول النووية تجاهلت كل تلك المطالب.
ويبني توزيع القدرات النووية على مستوى العالم ما يسميه بعض الباحثين "البؤس النووي" الذي يخيم على الدول النامية، فمن بين 437 مفاعلاً مدنياً في 22 دولة في العالم، لا يتجاوز نصيب الدول النامية منها 32 مفاعلاً في 9 دول نامية حسب احصاءات عام 2000([27]).
أ‌- الحق في الاستخدام السلمي للطاقة النووية
إن حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وفقاً لنصوص معاهدة منع الانتشار النووي هو ثابت ومؤكد، بل أنه تلا بالأهمية موضوع حظر الانتشار النووي.
فقد أكدت المعاهدة في ديباجتها المبدأ القاضي بأن:" تتاح للأغراض السلمية لجميع الدول الأطراف فوائد التطبيقات السلمية للتكنولوجيا النووية". كما أكدت "حق جميع الدول الأطراف الثابت في تنمية بحث الطاقة النووية وانتاجها واستخدامها للأغراض السلمية دون تمييز".
وفي الفقرة الثانية من المادة الرابعة، نصت المعاهدة على "حق الدول الأطراف في تبادل المعلومات العلمية والتكنولوجية من أجل استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية([28]).
إن الحق في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، هو من أهم أسباب ومهام قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فالمادة الثانية من النظام الأساسي للوكالة تبين أن الهدف من إنشائها هو "تعجيل وزيادة اسهام الطاقة الذرية في خدمة سلم العالم وصحته ورخائه" كما جاء في المادة الثالثة الفقرة الأولى من نظام الوكالة "العمل على تقدم البحث في مجال الطاقة النووية، وتبادل المعلومات والمعدات والخبراء والمنشآت اللازمة لذلك وتيسيرها".
وتنص المادة الثالثة في الفقرة (أ) من النظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن تخوّل الاختصاصات التالية:
1- أن تقوم الوكالة في جميع أنحاء العالم بتشجيع وبحث واستخدام الطاقة الذرية، في الأغراض السلمية وتيسيره. وتنمية هذا الاستخدام، وتطبيقه العملي، وأن تقوم بأي عمل أو خدمة مفيدة للأبحاث الخاصة باستخدام الطاقة الذرية في الإغراض السلمية.
2- أن تقوم وفقاً لهذا النظام الأساسي بتقديم المواد والخدمات والمعدات والمنشآت اللازمة للأبحاث الخاصة باستخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية، ولتنمية هذا الإستخدام وتطبيقه عملياً بما في ذلك انتاج الطاقة الكهربائية.
3- أن تشجع تبادل المعلومات العلمية والفنية عن استخدام الطاقة الذرية في الإغراض السلمية.
4- أن تشجع تبادل العلماء والخبراء في ميدان استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية وتدريبهم.
لكن استعمال حق الاستخدام السلمي للطاقة النووية، يخضع لقيود بحيث لا يلحق الضرر خارج الحدود الإقليمية للدول المعنية، التزاماً بالمسؤولية الدولية، التي تلزم بالتعويض عن الأضرار التي قد يتسبب بها الاستخدام([29]).
كما نصت معاهدة حظر التجارب النووية في الجو والمجال الخارجي وتحت الماء في المادة الأولى على أن "يتعهد كل عضو في الاتفاقية بتحريم ومنع وعدم اجراء أي تجربة لتفجير سلاح نووي، أو أي تفجير نووي آخر، في أي مكان ما، تحت إشرافه أو تحت سلطته الشرعية إذا ما كان هذا التفجير يسبب نشاطاً اشعاعياً يظهر تأثيره خارج الحدود الإقليمية للدولة التي يجري فيها الإنفجار تحت اشرافها أو سلطتها الشرعية"([30]).
ب‌- الإلتزام في الاستخدام السلمي للطاقة النووية
1- معاهدة منع الإنتشار النووي:
لم يكن كافياً سن القوانين حتى تلتزم الدول غير النووية، وأطراف المعاهدة، بعدم السعي للحصول على الأسلحة النووية، ما لم توضع آليات للتحقق من عدم حصول ذلك.
لذلك فقد نصت المعاهدة في المادة الثالثة الفقرة الأولى من نظامها على أن "تتعهد كل دولة من الدول غير الحائزة للأسلحة النووية وتكون طرفاً في المعاهدة، بقبول الضمانات المنصوص عليها في اتفاق يجري التفاوض عليه، وعقده مع الوكالة وفقاً لنظامها الأساسي ونظام ضماناتها، لتسهيل تحري تنفيذ تلك الدولة للالتزامات المترتبة عليها بموجب المعاهدة، منعاً لاستخدام الطاقة النووية من الأغراض السلمية إلى الأسلحة النووية وأجهزة التفجير الأخرى".
2- الوكالة الدولية للطاقة الذرية
أنشأت الوكالة عام 1958، من أجل العمل على تشجيع استخدام الطاقة النووية لمصلحة السلام والإنسانية، بضمان استخدام هذه الطاقة للأغراض السلمية، وليس للأغراض العسكرية، سواء تعلق الأمر بدول أطراف في منع الإنتشار النووي أم غير ذلك([31]).
وتقوم الوكالة بالتحقق من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية عن طريق ما يسمى بنظام الضمانات الذي يهدف إلى "تأمين عدم استخدام المواد الانشطارية الخاصة والخدمات والمعدات والمنشآت والمعلومات المقدمة من الوكالة، أو بناء على طلبها أو تحت اشرافها أو رقابتها. وأن تطبق هذه الضمانات، على أي اتفاق ثنائي أو متعدد الأطراف، بناء على طلب طرفي هذا الاتفاق أو أطرافه، أو على أي نشاط من نشاطات دولة ما في ميدان الطاقة الذرية بناء على طلب هذه الدولة([32]).
ويجري تنفيذ ضمانات الأمان من خلال متابعة ورقابة من قبل الوكالة على عدة مراحل:
- المرحلة الأولى: وتكون بالرقابة والتفتيش على مواقع معينة، بعد موافقة الدولة المعنية، حيث تقوم الوكالة بمراجعة المواد والتسهيلات النووية، والتأكد من حسن تطبيق نظام الأمان.
- المرحلة الثانية: وتكون الرقابة والتفتيش فيها ذا طابع آلي وفني مما يتطلب أن تقدم الدولة المعنية للوكالة: السجلات والتقارير العامة، عن التشغيل ووسائل الأمان.
- المرحلة الثالثة: وتتضمن مراقبة الأماكن من قبل خبراء الوكالة، للتحقق من المعلومات التي قدمتها الدولة المعنية.
وقد عقدت الوكالة اتفاقيات ضمانات ثنائية أو متعددة الأطراف مع أكثر من 140 دولة، ألحق بها "بروتوكول إضافي" يعطي الحق للوكالة في التحقق والتفتيش عن المواقع والمواد والأنشطة غير المعلن عنها من قبل الدولة المعنية، وقد وقعت على هذا البروتوكول 84 دولة حتى الآن.
وتقوم الوكالة برفع تقارير سنوية عن أعمالها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، التي تربطها به علاقة وثيقة جداً وتقوم بعض دوله الأعضاء بتزويد الوكالة بمعلومات استخباراتية مهمة لتسهيل مهمتها([33]).
وعلى الرغم من أهمية دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنها تواجه مشكلات في تطبيق نظامها الأساسي كما في مهماتها العملية أبرزها التالي:
- الموازنة المالية (يحدود 60 مليون دولار سنوياً)، التي لا تكفي لتغطية نفقات انشطة الوكالة ومهامها، خاصة في ضوء توسع تطور مسؤولياتها.
- النقص في كادر المفتشين (200 مفتش)، بالرغم من أنها تمارس الرقابة والتفتيش على حوالي 1000 موقع في أكثر من 50 دولة.
3- الرقابة على تصدير المواد النووية
خشية أن تستطيع بعض الدول غير المنضمة لمعاهدة منع الانتشار النووي، تصدير ما من شأنه أن يساعد على صنع الأسلحة النووية أو أجهزة التفجير النووية الأخرى دون أي رقابة من الوكالة، ولمعالجة هذه المشكلة:
- صدرت مذكرة زانجر 1974، وبموجبها حددت الدول المصدرة للمواد النووية، كل المعدات والمنشآت التي يجوز التعامل فيها مع الدول غير المسلحة نووياً، والتي لم تنضم إلى معاهدة منع الانتشار النووي، ما دام أن هذه التوريدات سوف تخضع لنظام الرقابة الذي وضعته الوكالة الدولية في البلد المستورد.
- مؤتمر لندن 1975: وقد اتفقت فيه الدول المصدرة للمواد النووية([34])، على مجموعة من القواعد الإرشادية لسياسة التصدير النووي، بحيث تراعي الدول المستوردة سواء أكانت طرفاً في معاهدة منع الانتشار أم لم تكن، عدم استيراد بنود لأغراض التفجير النووي، وتراعي الدول عدم توريد أي مواد أو معدات، مما تشملها قائمة الحظر، إلى الدول غير الحائزة على الأسلحة النووية، ما لم تكن الدول المستوردة قد اخضعتها لرقابة الوكالة واشرافها.
4- متطلبات الأمان النووي:
حددت الوكالة الدولية، باعتبارها الجهاز المسؤول عن مراقبة الإنتشار النووي، وتنفيذ معاهدة حظر الإنتشار عدداً من الإجراءات التي يتعين على الدول غير النووية الراغبة في ممارسة حقها، الذي منحته إياها المعاهدة، الأخذ بها، بعضها يمتاز بصفة إرشادية والبعض الآخر نجحت الوكالة في تضمينه في اتفاقية دولية ملزمة. وجميعها يهدف لتحقيق السلامة النووية، أي تقليل الخطر الناتج عن انعدام الكفاءة أو الإهمال في تشغيل المفاعلات النووية.
وقد حددت المجموعة الاستشارية الدولية للسلامة النووية التابعة للوكالة INSAG خمسين مبدءاً للسلامة النووية، والتي يمكن تصنيفها كإجراءات ارشادية، تغطي كافة مراحل حياة المنشأة النووية، بدءاً باختيار موقعها إلى إنهاء عملها وإغلاقها، وإزالة الوقود النووي منها نهائياً، ومروراً بتصميمها وبنائها ومنح التفويض للجهة المشغلة وتشغيلها تشغيلاً كلياً.
وحددت المجموعة ثلاثة أنواع من الإجراءات التي لا بد أن يلتزم بها كل طرف مشارك في إنشاء وتشغيل المنشأة النووية وذلك على النحو التالي([35]):
- اجراءات خاصة بالجهة المشغلة للمنشأة، والتي تقع عليها الجانب الأكبر من مسؤولية أمان المنشأة، حيث يتعين عليها نشر ثقافة الأمان النووي، التي تحكم تصرفات العاملين داخل المنشأة، وأن تحدد بدقة مسؤوليات كل عامل، وقنوات الاتصال بين مستويات الإدارة المختلفة والعاملين ومواعيد المراجعات الداخلية لمستوى الأمان.
- اجراءات خاصة بالدولة المالكة للمنشأة، فهي المعنية بوضع الإطار القانوني المنظم للصناعة النووية، وانشاء ما يلزم من أجهزة مستقلة تتولى مهام منح التراخيص واجراء المراجعات الدورية، والتقويم المستمر لعمل المنشأة لتحديد مدى اتفاق ما ينفذ بها من اجراءات الأمان النووي، مع تلك التي حددتها المجموعة الاستشارية الدولية، وألزمت الأجهزة الحكومية بتوعية المواطنين، بطبيعة البرنامج النووي وأهدافه قبل البدء به.
- اجراءات خاصة بتصميم المفاعل النووي، بحيث يصمم بما يمنع وقوع الحوادث، وبما يخفف من وطأتها في حال وقوعها، ويتحقق ذلك بأن يرتكز تصميمه على استراتيجية الدفاع في العمق، أي أن تتوافر فيه عدة أنظمة وعدة مستويات من الدفاع للحيلولة دون انبعاث المواد المشعة بحيث إذا حدث خلل في أحد تلك المستويات أو الأنظمة، فيبدأ العمل بالمستوى الثاني تلقائياً، وذلك إلى جانب توافر أنظمة الإنذار المبكر لتمكين الجهة المشغلة للمفاعل والدولة المالكة من اتخاذ ما يلزم من اجراءات كالإخلاء قبل وقوع الحادث.
ورغم عدم إلزامية هذه الإجراءات، إلا أن الوكالة الدولية، تسعى دوماً لاقناع الدول بالوفاء بها، حيث أكدت رسالة المجموعة الاستشارية التابعة للوكالة الدولية، عن مستوى الأمان النووي، ضرورة توفير الحكومة بنية تحتية تضمن السلامة النووية لعدة قرون مقبلة، بما يعنيه ذلك من تدريب فرق عمل، لتكون مؤهلة للعمل في الصناعة النووية ووجود شبكة كهربائية مستقرة وإطار قانوني منظم لتلك الصناعة، ومحاربة الفساد، ونشر ثقافة السلامة النووية بين العاملين في المنشأة النووية بهدف تقليل مستوى حوادث العمل.
تجدر الإشارة إلى أن الوكالة الدولية، تتصرف بموجب ميثاق السلامة النووية الذي أقر في أيلول/سبتمبر 1994، ودخل حيز التنفيذ في 17 حزيران/يونيو 2004 كما رتبت معاهدة حظر الإنتشار النووي على الدول المستفيدة من التقنية النووية في المجال السلمي، التزاماً بأن تكون تلك الإستفادة تحت اشراف الوكالة الدولية، التي ألزمت الدول بتقديم تقارير تفصيلية عن أنشطتها، ويتطلب الوفاء بذلك شفافية حول التفاصيل الدقيقة([36]).
وتعتبر التقنية النووية مصدر طاقة صديقاً للبيئة، إلا أنه قد يتحول إلى مهدد لها، في حال غياب اجراءات السلامة، وهذا يبرر تصنيف اللجنة الدولية قضية السلامة النووية من بين المخاطر المهددة للأمن الدولي.
وقد خبر العالم تهديداً للأمن البيئي مع انفجار الوحدة الرابعة لمفاعل تشيرنوبيل عام 1986، والذي أثبتت الطبيعة المتعدية للحدود لمثل تلك الحوادث، وكان انفجاره بسبب تصميمه الذي لم يراع فيه تمكين المشغلين له من التحكم في مستوى التفاعل النووي وسرعته، فقد صمم بما يسمح بزيادة مستوى التفاعل فجأة وبمعدلات متسارعة يصعب ايقافها، مع غياب أي نظام لتبريد قلب المفاعل.
5- المعاهدات والاتفاقيات الدولية لأسلحة الدمار الشامل:
أ-معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية:
فتحت أمام التوقيع في لندن وموسكو وواشنطن في 1 تموز/يوليو 1968 وأصبحت نافذة في 15 آذار/مارس 1970.
تحظر المعاهدة قيام الدول النووية (معرّفة في المعاهدة بأنها الدول التي صنعت سلاحاً نووياً أو أي جهاز نووي متفجر آخر وفجرته قبل 1 كانون الثاني/يناير 1967)، بنقل أسلحة نووية أو أي أجهزة نووية متفجرة أخرى، إلى أي متلق، أو منحه السيطرة عليها فضلاً عن مساعدة أي دولة غير نووية أو تشجيعها أو حثها على صنع أو حيازة مثل هذه الأسلحة أو الأجهزة، كما أنها تحظر على الدول غير النووية تلقي أسلحة نووية أو أجهزة نووية متفجرة أخرى، وكذلك صناعتها أو حيازتها.
وتتعهد الأطراف بتسهيل تبادل المعلومات والمواد والمعلومات العلمية والتكنولوجية من أجل الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وضمان اتاحة المنافع المحتملة من التطبيقات السلمية للمتفجرات النووية للأطراف غير النووية في المعاهدة، وتتعهد أيضاً بمتابعة المفاوضات بنية طيبة بشأن التدابير الفعالة المتعلقة بوقف سباق التسلح النووي.
وتتعهد الدول غير النووية بعقد اتفاقات تدابير وقائية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بغية منع تحويل الطاقة النووية، من الاستخدامات السلمية إلى أسلحة نووية أو أجهزة نووية متفجرة أخرى، وقد تم في العام 1997 اقرار بروتوكول نموذجي اضافي لاتفاقيات التدابير الوقائية يعزز هذه التدابير، وتوقع هذه البروتوكولات الإضافية للتدابير الوقائية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في كل دولة على حدة([37]).
ب- اتفاقية الحماية المادية للمواد والمنشآت النووية:
وضعت أمام التوقيع في فيينا ونيويورك في 3 آذار/مارس 1980 وأصبحت نافذة في 8 شباط/فبراير 1987. تلزم الاتفاقية الدول الأطراف بحماية المنشآت والمواد النووية المستخدمة في الأغراض السلمية في أثناء خزنها وفي أثناء نقلها.
ج- بروتوكول حظر استخدام الغازات الخانقة:
وقع في جنيف عام 1925 وفيه:
- البروتوكول ملزم للدول التي وقعت وصدّقت عليه أو انضمت إليه ولا يعود البروتوكول ملزماً لهذه الدول، في ما يتعلق بأي دولة معادية تتخلى قواتها المسلحة أو حلفاؤها عن احترام المحظورات المعلنة فيه.
- البروتوكول ملزم لإسرائيل فقط في ما يتعلق بالدول التي وقعت وصدقت عليه أو انضمت إليه، ولا يعود البروتوكول ملزماً لإسرائيل في ما يتعلق بأي دولة معادية تتخلى قواتها المسلحة أو قوات حلفائها أو مجموعات أو أفراد تعمل انطلاقاً من أراضيها عن احترام المحظورات التي هي هدف البروتوكول.
- يتعهد الأردن باحترام الواجبات الواردة في البروتوكول في ما يتعلق بالدول التي تعهدت بالتزامات مماثلة، وهو غير ملزم بالبروتوكول في ما يتعلق بالدول التي لا تحترم قواتها المسلحة أحكام البروتوكول.
- لا يعود البروتوكول ملزماً لهذه الدولة في ما يتعلق باستخدام غازات خانقة وسامة أو غازات أخرى في الحرب، واستخدام جميع السوائل أو المواد أو الأدوات المماثلة في ما يتعلق بأي دولة معادية إذا تخلت هذه الدولة أو أي من حلفائها عن احترام المحظورات المعلنة في البروتوكول([38]).
- سحبت كوريا الجنوبية تحفظاتها المتعلقة بالأسلحة الجرثومية والسمية عام 2002.
د- معاهدة حظر تطوير وانتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية:
تم فتح باب التوقيع والانضمام للاتفاقية في واشنطن وموسكو ولندن اعتباراً من 10 نيسان سنة 1973 وأصبحت سارية المفعول اعتباراً من 26 آذار/مارس 1975 بعد انضمام 23 دولة لها.
تم عقد مؤتمر المراجعة الأول بجنيف في آذار/مارس 1980 وحتى هذا التاريخ كان عدد الدول التي انضمت للاتفاقية 87 دولة وعدد الدول التي وقعت فقط دون أن توثق 39 بينهما مصر ولم تنضم اسرائيل أو توقع على هذه الاتفاقية.
لا تتضمن الإتفاقية أي وسيلة فعالة للتحقق من إلتزام الدول الأطراف للاتفاقية وترك أمر التحقق والتأكد والتفتيش للوسائل الوطنية داخل الدولة وليس للوسائل الدولية أو لجان تعيين من قبل الدول الأعضاء بالاتفاقية.
طالبت مصر في مؤتمر المراجعة سنة 1980 بضرورة تعديل الاتفاقية فيما يتعلق ببند اجراءات التحقق والتفتيش داخل الدولة المشكوك في حقها وبررت عدم انضمامها (توقيعها فقط) بإنها تنتظر ما سيسفر عنه مؤتمر المراجعة بالإضافة لمدى عالمية الانضمام خاصة بالنسبة لدول الشرق الأوسط (وتعني بذلك إسرائيل).

هـ- اتفاقية حظر انتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيماوية:
بعد نحو عقد من الزمن تخلله مفاوضات صعبة ومكثفة عقدت "اتفاقية الأسلحة الكيماوية في مؤتمر نزع السلاح العام 1992 وفتح باب التوقيع عليها ابتداء من كانون الثاني 1993، ثم دخلت حيز النفاذ في 19 نيسان 1997، فكانت أول معاهدة يتم التفاوض عليها بكاملها في اطار منتدى الأطراف وتحظر فئة كاملة من أسلحة الدمار الشامل.
وشمل نطاق المرفقات الملحقة بالاتفاقية الإلتزامات التي قبلت بها الدول الأطراف إضافة إلى نظام متكامل للتحقق غير مسبوق في اتفاقيات مماثلة، تتولاه منظمة دولية قال عنها رئيس مؤتمر نزع السلاح ومثالاً ممتازاً على ما يمكن أن يحققه مؤتمر نزع السلاح.
وتتميز اتفاقية الأسلحة الكيميائية بأنها غير محدودة المدة وأنها على الرغم من اعطاء كل دولة طرف الحق في الانسحاب منها، إلا أنه أوجبت بالمقابل على الدولة المعنية اخطار جميع الدول الأعضاء اضافة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل 90 يوماً من سريانه، من دون أن يؤثر ذلك الانسحاب على مواصلة التزام الدولة المعنية ببروتوكول للعام 1925، كما سمحت الإتفاقية بالإنضمام اللاحق إليها مانعة أي شكل من أشكال التحفظ على أي من موادها أو المرفقات الملحقة بها، وعينت من جهة أخرى الأمين العام للأمم المتحدة بصفته ضامناً لهذه الاتفاقية.
في الإلتزامات:
تتعهد كل دولة طرف بعدم استحداث أو انتاج الأسلحة الكيميائية أو حيازتها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها او استعمالها أو نقل الأسلحة الكيميائية بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أي كان، كما تتعهد كل دولة طرف بعدم اجراء أية استعدادات لاستعمال تلك الأسلحة أو مساعدة أي كان على القيام بأنشطة محظورة بموجب هذه الإتفاقية، وأنها سوف تقوم بتدمير جميع الأسلحة الكيميائية التي تمتلكها أو تلك القائمة في مكان خاضع لحمايتها، كما تتعهد كل دولة طرف أيضاً بتدمير أية مرافق لإنتاج الأسلحة الكيميائية تمتلكها أو تكون خاضعة لولايتها كما لحظت الاتفاقية تدمير جميع الأسلحة الكيميائية القديمة أو المخلفة([39]).
تقديم خطة عامة شاملة ومفصلة لتدمير جميع الأسلحة الكيميائية المحظورة ومرافق انتاجها، سواء تلك التي تمتلكها الدولة الطرف على أراضيها أو تلك القائمة في أقاليم خاضعة لولايتها أو سيطرتها، على أن تذكر الدولة المعنية في الخطة جميع أنواع وكميات الأسلحة الكيميائية المخطط لتدميرها في كل سنة وتحديد المرفق الخاص بالتدمير وموقعه ومواصفاته والطرق المتبعة في عمليات التدمير، على أن تبدأ علميات التدمير في موعد أقصاه سنة واحدة من بدء نفاذ الاتفاقية وتنتهي منه في عضون عشر سنوات على الأكثر، باستثناء بعض الدول التي قد تواجه بعض المشاكل الفنية أو المالية أو غيرها فيمكنها تقديم طلب لتمديد تلك المهل عند توفر أسباب موضوعية.
- تحديد الإجراءات المتعين اتخاذها لاغلاق أي مرفق لانتاج أسلحة كيميائية، وذلك ضمن مهلة 90 يوماً من تاريخ نفاذ الاتفاقية.
- تحديد الإجراءات المتعين اتخاذها لتحويل أي مرفق لانتاج أسلحة كيميائية مؤقتاً إلى مرفق لتدمير تلك الأسلحة تمتلكه الدولة الطرف أو يخضع لسيطرتها بطريقة تجعل المرفق المحول غير قابل للتحويل مرة أخرى إلى مرفق لانتاج الأسلحة الكيميائية.
- الإعلان عن أية مرافق سبق أن صممت أو استعملت لاستحداث الأسلحة الكيميائية مع تحديد مفصل للمواقع والمختبرات والإعلان عن عوامل مكافحة الشغب وتحديد الإسم الكيميائي والتركيب الكيميائي لتلك العوامل، على أن يتم تحديد هذا الإعلان في مهلة لا تتجاوز 30 يوماً من حصول التغيير.
و- الإعلان الختامي لمؤتمر حظر الأسلحة الكيماوية باريس 7-11/1/1989
إن ممثلي الدول المشاركة في مؤتمر حظر الأسلحة الكيميائية الذي يضم الدول الأطراف في بروتوكول جنيف لعام 1925 والدول المعنية الأخرى، والمنعقد في باريس في الفترة 7-11 يناير/كانون الثاني 1989 يعلنون رسمياً ما يلي:
- إن الدول المشاركة مصممة على تعزيز السلم والأمن الدوليين في العالم أجمع، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وعلى المضي في اتخاذ تدابير فعالة لنزع السلاح، وفي هذا الإطار فهي مصممة على منع أي لجوء إلى استعمال الأسلحة الكيميائية عن طريق إزالتها تماماً. وتؤكد رسمياً تعهداتها بعدم استعمال الأسلحة الكيميائية وتدين مثل هذا الإستعمال. وتذكر بقلقها الشديد ازاء الانتهاكات التي وقعت مؤخراً حسبما أثبتتها وأدانتها الأجهزة المختصة التابعة للأمم المتحدة وتؤيد المساعدات الإنسانية التي تقدم إلى ضحايا استعمال الأسلحة الكيميائية.
- إن الدول المشاركة في المؤتمر تعترف بأهمية واستمرار صلاحية بروتوكول حظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها ولوسائل الحرب البكترويولوجية، الموقع في جنيف في 17 يونيو 1925، وأن الدول الأطراف في البروتوكول تؤكد رسمياً من جديد ما قرر في البروتوكول المذكور. وتدعو جميع الدول التي لم تنضم بعد إلى ذلك البروتوكول إلى الإنضمام إليه.
- إن الدول المشاركة في المؤتمر تؤكد على ضرورة إبرام اتفاقية في وقت مبكر بشأن حظر استحداث وانتاج وتخزين واستعمال جميع الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة. ويتعين أن تكون تلك الإتفاقية عالمية وشاملة وقابلة للتحقق الفعال. وينبغي أن تكون غير محددة المدة. وتوخياً لهذه الغاية، فإنها تحث مؤتمر نزع السلاح في جنيف على أن يضاعف جهوده على وجه الاستعجال من أجل حسم القضايا المتبقية على وجه السرعة، وابرام الاتفاقية في أقرب وقت. وجميع الدول مدعوة إلى أن تسهم على النحو الملائم اسهاماً له شأنه في مفاوضات جنيف عن طريق بذل الجهود في المجالات ذات الصلة.
- لذلك ترى الدول المشاركة أنه ينبغي ان تمكن من الإسهام في تلك المفاوضات كل دولة ترغب في ذلك. وفضلاً عن هذا فإنها لكي تضمن أن يتحقق للاتفاقية طباعها العالمي الذي لا غنى عنه، في أقرب وقت ممكن، تناشد جميع الدول أن تصبح أطرافاً فيها بمجرد إبرامها.
- إن الدول المشاركة يساورها شديد القلق من جراء التهديد المتزايد للسلم والأمن الدوليين الناجم عن خطر استعمال الأسلحة الكيميائية ما بقيت مثل هذه الأسلحة وانتشرت، وهي تشدد في هذا الصدد على ضرورة أن يتم في وقت مبكر إبرام ونفاذ الإتفاقية، التي ستوضع على أساس لا ينطوي عن التمييز. وتعتبر أن من الضروري ريثما يتم ذلك، أن تمارس كل دولة ضبط النفس وأن تتصرف بمسؤولية وفقاً للغرض من هذا الإعلان.
- إن الدول المشاركة تؤكد مساندتها التامة للأمم المتحدة في أدائها لدورها الذي لا غنى عنه، وفقاً لميثاقها، وتنوه بأن الأمم المتحدة توفر إطاراً وأداة يمكنان المجتمع الدولي من إلتزام اليقظة بشأن حظر استعمال الأسلحة الكيميائية. تؤكد من جديد مساندتها للخطوات المناسبة والفعالة التي تتخذها الأمم المتحدة في هذا الصدد وفقاً لميثاقها. كما أنها تؤكد من جديد تأييدها التام للأمين العام في أدائه مسؤولياته عن التحقيق في حالة ادعاء حدوث انتهاكات لبروتوكول جنيف. وتعرب عن رغبتها في الإنجاز المبكر للأعمال الجارية بغية تعزيز فعالية الإجراءات القائمة، وتدعو إلى تعاون جميع الدول في هذا المجال تيسيراً لعمل الأمين العام.
- إن الدول المشاركة، إذ تشير إلى الوثيقة الختامية الصادرة عن الدورة الاستثنائية الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة المكرسة لنزع السلاح في عام 1978، تشدد على ضرورة أن تواصل بعزم جهودها الرامية إلى تحقيق نزع السلاح العام الكامل في ظل رقابة دولية فعالة، بحيث يكفل حق جميع الدول في السلم والأمن.
ز- المناطق المنزوعة السلاح النووي([40]):
- معاهدة القطب الجنوبي لعام 1959: وتقضي هذه المعاهدة بجعل المنطقة المتجمدة الجنوبية، منزوعة السلاح، وتستخدم فقط للأغراض السلمية، وهي تحظر اجراء التفجيرات النووية أياً كان نوعها أو استخدامها في التخلص من النفايات النووية. وتعد هذه المعاهدة أول اتفاقية عن أول منطقة في العالم خالية من الأسلحة النووية وقد وقعت الإتفاقية في 1/12/1959 ودخلت حيّز التنفيذ في 23/6/1961 ووقعتها 12 دولة، وصادقت عليها 45 دولة.
- معاهدة المبادئ المنظمة لنشاطات الدول في ميدان استكشاف الفضاء الخارجي لعام 1967: وهي تنص على عدم جواز وضع أسلحة نووية وغيرها من الأسلحة ذات التدمير الشامل في مدار حول الأرض، كما تحظر الاستخدام العسكري للأجرام السماوية ووضع مثل هذه الأسلحة على هذه الأجرام في الفضاء الخارجي، وقد وقعت هذه المعاهدة في 27/1/1967 ودخلت حيّز التنفيذ في 10/10/1967، ووقعت عليها 88 دولة، وصادقت عليها 98 دولة.
- معاهدة حظر الأسلحة النووية في أميركا اللاتينية لعام 1967: وهي تحظر اجراء تجارب أو استعمال أو صنع أو انتاج أو الحصول بأي وسيلة كانت، أو تسليم أو تخزين أو تركيب أو نشر أو أي شكل من أشكال الملكية، لأي سلاح نووي في أمريكا اللاتينية، وقد وقع عليها في 14/2/1967 ودخلت حيز التنفيذ بالنسبة إلى كل دولة على حدة.
- معاهدة قاع البحار والمحيطات لعام 1971: وتقضي هذه المعاهدة بمنع وضع أسلحة نووية وغير ذلك من أسلحة الدمار الشامل، أو توفير التسهيلات اللازمة لوضع مثل هذه الأسلحة في باطن البحار. وقد وقع عليها في 11/2/1971، ودخلت حيز التنفيذ في 18/5/1972، ووقع عليها 86 دولة، في حين صادقت عليها 92 دولة.
- معاهدة حظر الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادئ لعام 1985: وبمقتضى هذه المعاهدة، التي تضم 13 دولة من دول جنوب المحيط الهادئ فإنه يحظر صنع أو تملك أو الحصول أو السيطرة على أي سلاح نووي أو أجهزة تفجيرية أخرى، داخل المنطقة أو خارجها، وتحظر كذلك تخزين أو إيداع أي من هذه الأسلحة في أراضي الدول الأطراف، كذلك تمنع اجراء تجارب نووية أو المساعدة في اجراء مثل هذه التجارب في أراضي الدول الأطراف وقد وقع عليها في 6/8/1985 ودخلت حيّز التنفيذ في 11/12/1986 ووقعت وصادقت عليها 13 دولة.
- معاهدة حظر الأسلحة النووية في أفريقيا لعام 1995: وهي تقضي بجعل قارة أفريقيا خالية من الأسلحة النووية، وقصر استخدام الطاقة النووية على الأغراض السلمية، وقد وقع عليها في القاهرة بحضور 43 دولة من أصل 50 دولة أفريقية ولم تصدق عليها إلا 19 دولة من أصل الدول الخمسين الموقعة.
- معاهدة حظر الأسلحة النووية في دول جنوب شرق آسيا لعام 1995: وهي تحظر على الدول الأطراف فيها تطوير او صنع أو الحصول أو ملكية الأسلحة النووية.
هـ- تعريفات عن اسلحة الدمار الشامل:
طرق التخلص من المواد النووية([41]):
- اعادة المواد النووية المستوردة إلى الدول المصدرة لتأمين الإثراء منها.
- تحويل المفاعلات البحثية من مفاعلات تستخدم وقود اليورانيوم العالي الإثراء إلى وقود يورانيوم متدي الإثراء.
- تعزيز أمن اليورانيوم العالي العالي الإثراء المستخدم في انتاج النظائر المشعة.
- تجميع المواد الانشطارية في مواقع مركزية تخضع لتدابير أمنية مشددة.
- التوقف عن تخزين اليورانيوم العالي الإثراء في منشآت تصنيع الوقود.


تعزيز الحماية المادية([42]):
- اعدت أمانة سر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العام 2001 مجموعة من أهداف الحماية المادية والمبادئ الأساسية، وتبناها في وقت لاحق مجلس حكام الوكالة وهي قامت بتطوير خطة عمل لمواجهة الإرهاب النووي مدعومة بصندوق أمن نووي بميزانية اضافية من الدول المانحة.
- لغاية 2005 وبموجب قانون بن لوغار الأمريكي لعام 1991 وقانون لوغار دومنيشتي لعام 1996، استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 5 مليارات دولار في نشاطات متعلقة بنزع أسلحة الدمار الشامل في روسيا، وجرى انفاق ربع هذا المبلغ على تحسين الأمن النووي.
مصطلحات الاستعداد([43]):
- الإطلاق عند الإنذار: وضعية نووية يراد منها ضمان الرد السريع في حال وقوع هجوم صاروخي، وهي تتطلب نظماً للإنذار المبكر وللقيادة والسيطرة تستخدم الأقمار الصناعية في كشف عملية الاطلاق، وبالنظر إلى زمن التحليق الوجيز لهذه الصواريخ، لا توفر وضعية الإطلاق عند التحذير للقيادة السياسية سوى دقائق معدودات لاتخاذ أخطر أنواع القرارات التي يمكن تخيلها، كالتصريح بشن حرب نووية واسعة النطاق.
الأسلحة النووية غير الاستراتيجية: تعريفات([44]):
- تشير عبارة "غير استراتيجية" بوجه عام إلى الأسلحة التي تلعب دوراً تكتيكياً في ميدان المعركة، والتي لا يقصد منها استخدامها ضد الصواريخ النووية للعدو أو ضد مراكزه السكانية، غير أنه بات من الصعب تمييزها عن الأسلحة الاستراتيجية، وهي تتضمن الصواريخ القصيرة المدى وقذائف المدفعية والألغام النووية.
- الحصيلة النووية: يمكن أن تتراوح ما بين الحصيلة المتدنية والمرتفعة جداً. ويمكن أن تتراوح الحصيلة النووية للقنبلة الثقالية بي-61 بين 0,3 كيلو طن و 170 كيلو طن (أي 14 ضعف حصيلة قنبلة هيروشيما).
- المدى: يقل عن 1000 كيلومتر بالنسبة للصواريخ المتوسطة المدى، لكن يصل مدى طائرة ف-16 المزودة بسلاح نووي غير استراتيجي إلى نحو 4000 كيلومتر.
- الاستخدام المزدوج: يوجد لكافة وسائل ايصال الأسلحة النووية غير الإستراتيجية (صواريخ، طائرات، مدفعية) استخدامات مزدوجة نووية وتقليدية، وبالتالي من الصعب مراقبة استخدامها أو نشرها.
- الأعداد: تتوافر الأسلحة النووية غير الاستراتيجية باعداد كبيرة ويوجد اليوم (بعد انتهاء الحرب الباردة ونزع الكثير منها) لدى روسيا 3000 إلى 4000 سلاح ميداني، ولدى الولايات حوالي 2100 سلاح ميداني علماً بأن العديد من الأسلحة التي تم سحبها من النشر لا تزال قيد التخزين وفي الإمكان إعادة نشرها.
تحديات المواد الانشطارية([45]):
ينتج الإنفجار النووي عن الطاقة التي تتحرر مع انشطار ذراتت المادة الانشطارية في تفاعل متسلسل فجائي، وقد حددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية كمية 8 كيلوغرامات من البلوتونيوم و 25 كيلوغراماً من اليورانيوم العالي الإثراء بأنها "كمية هامة" ينبغي الكشف عنها بموجب الضمانات، برغم أنه يمكن صنع أسلحة نووية بكميات أقل من ذلك.
الكميات المتوافرة عالمياً من المواد الانشطارية
نوع الاستخدام
بلوتونيوم
يورانيوم العالي الانزاء
مجموع الكميات
مدني
1700
175
1875
عسكري
155
1725
1880
المجموع الكلي (طن-متري)
1855
1900
3755
أنواع أنظمة الإطلاق الجوية:
- الصاروخ الباليستي: يجري دفعه بواسطة محرك صاروخي عقب اطلاقه ويحلق متوجهاً نحو هدفه في مسار باليستي، مثل حجر مقذوف.
- الصاروخ كروز: وهو صاروخ يمكن المناورة في دفعه. وعادة ما يحلق على ارتفاعات منخفضة نحو هدفهه بواسطة محرك نفاث يعمل طوال رحلة الصاروخ.
- الطائرة المأهولة.
- المركبة الجوية غير المأهولة: وهي طائرة بدون طيار.
- مركبة الإطلاق الفضائي: وهي عبارة عن صاروخ، الهدف من اطلاقه وضع حمولة في الفضاء لغايات سلمية برغم امكانية استخدامه في ايصال سلاح دمار شامل.
المعاهدات الروسية الأميركية للحد من الأسلحة النووية والقدرات الصاروخية([46]):
- اتفاق هوت لاين (الخط الساخن) عام 1963.
- معاهدتا الحد من الأسلحة الاستراتيجية 1، 2 عام 1972 وعام 1979، ومعاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية 1972.
- معاهدة إزالة القوات النووية المتوسطة والقصيرة المدى 1987.
- معاهدتا الحد من التسلح الاستراتيجي 1، 2، عام 1991، 1993.
- الإتفاق الذي أعلن في قمة كلينتون-يلتسين في هلسنكي في آذار/مارس 1997، والذي وضع الشروط لمعاهدة الحد من التسلح الاستراتيجي 3، ووضع القيود الأساسية في معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية.
- معاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية عام 2002 (معاهدة موسكو).






























74.

[33] -هذه الدول هي: كندا، فرنسا، ألمانيا،
[34] - تتطلب المادة الثالثة، الفقرة ب"4" من النظام الأساسي للوكالة، أن ترفع








.