17‏/12‏/2014

لبنان وشروط التفاوض لاسترجاع عسكرييه

لبنان وشروط التفاوض لاسترجاع عسكرييه د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية شرت في صحيفة الشرق الاوسط / لندن/ 16 /12/2014 ليست سابقة أن يدخل لبنان في متاهات الأزمات المتلاحقة التي لا أفق واضح لها، لكن أزمة العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش وجبهة النصرة ، جعلت من الحكومة اللبنانية لقمة سائغة في أتون المفاوضات التي لا مثيل لها في تاريخ مفاوضات الدول مع الجماعات الإرهابية. وعلى الرغم من كثرة السوابق التي تمت لاسترجاع أسرى لبنانيين إن كان مع إسرائيل مثلا أو تلك المتعلقة بالأزمة السورية حاليا، إلا أن ثمة تخبط وضياع واضحين في السلوك التفاوضي اللبناني ، الذي يمكن تبرير بعض أوجهه لظروف ذاتية وموضوعية تتعلق بالأزمة نفسها، وبالأطراف الداخليين والخارجيين المعنيين فيها. في المبدأ، إن تفاوض الدول مع جماعات إرهابية يعتبر من اعقد وأدق طرق وأساليب المفاوضات على الإطلاق، بالنظر لطبيعة كل طرف، وقدرته على المناورة والمساومة تجاه القضايا المطروحة، إضافة إلى انعدام الضوابط الواجب توفرها لحسن سيرها والوصول فيها إلى نهايات محددة. فلبنان بدأ مفاوضاته بقنوات متعددة مع الخاطفين، يعكس كل منها وجهة نظر سياسية خاصة استغلها الخاطفون بدقة ، فاستعملها وسيلة للتفلت من أي التزام لطرف ضد طرف آخر، والمضحك المبكي في لبنان أن الجهات السياسية المتصارعة استعملت خلافاتها ونزاعاتها في اطر وسياقات المفاوضات نفسها، حتى أن عضوية خلية الأزمة التي شكلت لهذا الغرض جمعت مختلف الأطراف اللبنانية المتنازعة. ثمة شروط وشروط مضادة وضعها الخاطفون ، وهي بمعظمها شروط من النوع التعجيزي الذي يلغي ما تبقى من هيبة الدولة، ويجلها أسيرة مزاج وسلوك إرهابي لا يعرف احد كيفية التصرف معه ، أو كبح جماحه أو احتوائه، سيما وان الشروط التي تدفع بوجه الدولة يقابلها تهديد بذبح عسكري وهو أمر نفذ بخمسة من العسكريين تباعا وبطرق وحشية ومرعبة، تعبر عن همجية يستحيل التفاوض أو التعاطي معها بطرق اعتيادية. إضافة إلى ذلك إن شروط الخاطفين ليست مرتبطة بقرار أو إجراء تحدده الحكومة اللبنانية، بل ربطه الخاطفون بسوريا عبر الإفراج عن معتقلين لديها ، وفي ظل انقطاع التواصل الرسمي اللبناني السوري، يبدو هذا الأمر أكثر من تعجيزي، الأمر الذي يضطر معه لبنان لولوج قنوات خاصة لذلك بعيدا عن القنوات الرسمية المفترضة، ما يزيد الأمور تعقيدا. في الواقع ليس بمقدور لبنان مواجهة هذه القضية منفردا ، للعديد من الاعتبارات المتعلقة أصلا بالجماعات الإرهابية نفسها وطرق تعاملها مع قضية المخطوفين. صحيح أن لبنان يمتلك بعض الأوراق التفاوضية الوازنة إلا انه غير قادر على استثمارها بشكل جيد. فمثلا نفذ الإرهابيون تهديداتهم بذبح بعض الجنود، إلا أن الدولة اللبنانية عجزت عن تنفيذ أحكام بالإعدام صادرة بحق إرهابيين موقوفون لديها لأسباب كثيرة من بينها خلافات السياسيين اللبنانيين على ذلك. إن مجمل الأوراق التي يمتلكها الطرفان لا تسمح الاستثمار فيها إلى نهايات محددة تتعلق بالإفراج عن العسكريين، ما يستدعي البحث عن مسارات أخرى من بينها إدخال دول وقوى خارجية يمكن أن تؤثر على سلوك الخاطفين لإجبارهم على إطلاق سراح العسكريين المخطوفين. وعلى الرغم من اختلاف الظروف ونوعية القضايا، ثمة سوابق انتهجت في السابق ، وأدت إلى الإفراج عن مخطوفين كقضية الـ 19 لبنانيا الذين احتجزتهم فصائل سورية مسلحة في اعزاز ، وتم إطلاق سراحهم بعد إدخال عناصر خارجية إلى الأزمة، مما وفر البيئة المناسبة لعملية التبادل. طبعا ، يمتلك لبنان أوراق قوة يمكن الاستفادة منها بشكل كبير، إذا تم الاتفاق عليها بين اللبنانيين أولا، إلا أن ذلك يبدو متعذرا في الوقت الراهن ، ما يعزز فرضية السلوك باتجاه إدخال العناصر الخارجية إلى الأزمة للمساعدة في تفكيك طلاسمها إذا جاز التعبير. فالخاطفون لم ولن يستجيبوا لأي ضغط لبناني وفي أي ورقة يتم التعامل فيها والتفاوض عبرها، سيما وان الخاطفين يستعملون الرهائن كوسيلة ابتزاز يومية للبقاء على قيد الحياة في ظروف جبلية قاسية، وهم غير مستعجلين على إيجاد حل طالما أن المخطوفين بمثابة الأوكسجين الذين يتنفسونه عبرهم. إضافة إلى ذلك أن عامل الوقت يبدو حادا في آثاره على الخاطفين ، ما يفسر ظاهرة الإرباك الواضح والمتمثل بالتهديد بالذبح وهذا ما نفذ بكل برودة أعصاب ، الأمر الذي سيتكرر إذا لم يتم التعامل معه بجدية ووضوح وحزم .

14‏/12‏/2014

المعلن والمضمر في “النووي الإيراني”

د .خليل حسين / المعلن والمضمر في “النووي الإيراني” / صحيفة الخليج الاماراتية 6-12-2014 مفارقة المفاوضات في البرنامج النووي بين طهران والغرب، تكمن في ازدواجية الصور التي يطلقها الطرفان، إن كان في الجانب المعلن منها، أو المضمر إيحاءً وتأويلاً . وفي كلتا الحالتين ثمة صور نمطية باتت مألوفة لدى الجانبين وهي بمثابة الإشارات التي يُحسن كل طرف استثمارها والبناء عليها لمراحل لاحقة، وإن اختلفت الأهداف والغايات منها، إن كانت مباشرة أو غير مباشرة . انتهت مفاوضات مسقط في سلطنة عمان وكأنها الفرصة الأخيرة قبل قيام الساعة، فيما الواقع غير ذلك تماماً، كان الجانب التقني للملف شبه منجز وهو ما يهم الغرب عامة و"إسرائيل" خاصة، فيما الجانب المتعلق برفع العقوبات هو أيضاً متفق عليه بصرف النظر عن حجمه وكمه النوعي والزمني، في وقت انتقلت فيه المفاوضات إلى جنيف لتختتم في الرابع والعشرين كما هو متفق عليه في إطار الاتفاق الثاني . والمفارقة هنا أيضاً اتفاق الطرفين على قاعدة "واقضوا حوائجكم بالكتمان"، في المعلن إعلان نوايا متمم لما سبق، وفي المضمر اتفاق على إغلاق ملف هذه الجولة في يونيو/ حزيران المقبل، ضمن آلية محددة لمسار وآليات التفاوض الفرعية تبدأ الشهر المقبل، على أمل التوصل إلى نهايات محددة أكثر دقة في مارس/ آذار المقبل قبل الوصول إلى خواتم واضحة في يونيو . في الجانب التقني المضمر، لم تتخل طهران عملياً عن التخصيب، لكن تم تحجيم العملية بكميتها وأيضاً بنوعيتها . وهو أمر لا يشكل خسارة استراتيجية لطهران، خاصة أن التفاوض هو على عدم زيادة أجهزة الطرد المركزي التي هي بمجملها تصل إلى التسعة عشر ألف جهاز، وهي علمياً وعملياً من الوسائل التي باتت تقليدية مقارنة مع وسائل أخرى، كما هو الحال مثلاً في "مجمع أراك" الذي يعمل بالمياه الثقيلة لإنتاج البلوتونيوم، وهي الوسيلة الأسرع والأهم تكنولوجياً مقارنة بتخصيب اليورانيوم . وهو ما تحاول الدول الست وبخاصة فرنسا التوصل إلى اتفاق محدد بشأنه . إضافة إلى ذلك ثمة جوانب متعلقة بآليات التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية المتعلقة بادعاءات غربية حول منشأة في جنوب غرب إيران يجرى فيها تجارب وصلت إلى مراحل متقدمة وتشكل قلقاً "إسرائيلياً" شديداً . وفي هاتين المسألتين تمكنت إيران من تقديم بدائل مقنعة للغرب تخفف الهواجس والمخاوف الأمر الذي سيعمل على تظهيره بصوره النهائية في حدود آذار المقبل . وفي جانب إنهاء العقوبات المفروضة على إيران، قدمت الدول الست عرضاً يبدو مجزأ، لكنه يوصل إلى أهداف طهران العملية . لا رفع للعقوبات دفعة واحدة، وإنما على مراحل زمنية متقاربة ضمن كميات مالية تصل الواحدة منها إلى 700 مليون دولار، مترافقة مع حوافز تجارية ونفطية تراها طهران ضرورية في المجال الاقتصادي الراهن الذي بدأت آثاره تشكل أمراً ينبغي التوقف عنده . وفي الواقع تثار الأسئلة حول الدوافع التي جعلت واشنطن تبدي استعدادها للتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي حتى لو أدى ذلك إلى تبرم حلفائها من العرب و"الإسرائيليين" . في الواقع لا بد من ملاحظة أن الإدارة الأمريكية لم تتمكن من إحباط مساعي إيران في المجال النووي من خلال العقوبات، كما أن العمل العسكري يبدو غير مضمون النتائج، في ضوء الحسابات العسكرية المعقدة والتداعيات المحتملة لذلك . كما لا تستطيع الإدارة الأمريكية الاستمرار في الحفاظ على تماسك المجموعة الدولية "5+ 1"، بخاصة أنها أخفقت مرة أخرى في العودة إلى مجلس الأمن لمتابعة البرنامج النووي، في ضوء معارضة موسكو وبكين، بل إن روسيا أعلنت مواقف واضحة بشأن استعدادها لرفع العقوبات عن طهران من جانب واحد، إضافة إلى عقد صفقات طويلة الأجل معها في الشقين النووي والاقتصادي . في المقلب "الإسرائيلي" الآخر، تبدو القراءة لما تم التوصل إليه قراءة متوترة يغلب عليها طابع التوجس كالعادة، باعتباره ملفاً لا ينبغي التوصل إلى حل فيه على قاعدة دبلوماسية، وتعتبره في أحسن الأحوال إعلاناً أفضل من اتفاق سيء يمكن التوصل إليه، وهذا ما ظهر واضحاً عبر تصريحات كثيرة للقيادات السياسية والعسكرية "الإسرائيلية" خلال المفاوضات وبعدها . في أي حال، تشكل الفترة المقبلة فترة بالغة الأهمية على المنطقة وملفاتها الملتهبة، وهي بمثابة بداية تشكل إطاراً لنظام إقليمي، فيه الكثير من المتغيرات التي سادت العقود الماضية، ويبدو من الواضح حتى الآن أن ترتيبات كثيرة ستظهر وتعيد النظر بالكثير من الصور التي سادت مؤخراً . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/b8876a44-c327-4b63-a261-dee61a64e197#sthash.1T0DGhVK.dpuf

بوتين وقمة العشرين

د . خليل حسين / بوتين وقمة العشرين / 28-11-2014 في القمة ما قبل السابقة التي عقدت في موسكو، كانت الأزمتان الأوكرانية والسورية في أوج صعودهما، وكانت المواقف الدولية بحاجة لمخرج ما يعيد توازن القوى في التقديمات والتنازلات المتبادلة، إلى حد ترضى به الأطراف الرئيسة الفاعلة في الأزمتين، دون ضرورة موافقة أصحاب الأزمتين نفسيهما . قطف بوتين اللحظة المناسبة فقدم إيقونة السلاح غير التقليدي السوري المتمثل بالسلاح الكيميائي والبيولوجي هدية مجانية لطرف ثالث هو "إسرائيل"، فكان التلقف الغربي وسكوته المؤقت في الأزمة الأوكرانية، ضُم القرم بصرف النظر عن غطائه القانوني، وظلت الأزمة قائمة بين الغرب وموسكو، دون تحديد أطر وآليات محددة لحلها، زادت الأمور تعقيداً في مجمل الملفات الإقليمية بدءاً من المجال الحيوي الروسي، مروراً بالشرق الأوسط، وصولاً إلى شرق آسيا وغيرها، والملفت في السلوك الروسي هنا البحث الدائم عن ملفات للمقايضة وشراء الوقت ولو كان مكلفاً . في قمة العشرين الأخيرة في أستراليا، عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حنقه وسخطه من الضغوط الغربية وبخاصة الأمريكية عليه، بالانسحاب الدبلوماسي قبل الاتفاق على البيان الختامي، متذرعاً بحاجته للنوم، وهو أسلوب تهكمي يعكس واقع روسيا بوتين وعدم قدرتها على فرض ما تريد في بعض الملفات ومن بينها الأوكرانية تحديداً . باعتبار أن باقي الملفات هي قابلة للأخذ والرد في حدود معينة وفي بعض جزئياتها . في ملف الأزمة الأوكرانية، قدّم بوتين طرحاً مبتكراً من الطريقة السويسرية والنمساوية في مرحلة الحرب الباردة في القرن الماضي، على قاعدة فيدرالية أوكرانية لحل عقدة الأقليات في الداخل ومنها الروسية، مقرونة بحياد في الخارج بين الأحلاف بهدف إبعادها عن المنافسات والمناكفات الإقليمية والدولية الحاصلة . وإذا كانت ظروف الأوضاع الأوروبية السابقة سمحت بتمايز النمسا وسويسرا بحيادهما، فهل ثمة ظروف متشابهة تسمح بمثل هذا التمايز لأوكرانيا حالياً؟ وما هو الموقف الآخر من ذلك؟ ثمة قول يُتندر به مفاده: "يحج والناس راجعة" وهذا ما ينطبق على الرئيس بوتين، فالنمسا وسويسرا تخلتا عن حيادهما، بعدما أصبح الحياد مستحيلاً في هذا الزمن، الذي تحكمه شبكات معقدة جداً من المصالح، بصرف النظر عن الخلفيات الإيديولوجية أو العرقية أو القومية أو غيرها . وبالتالي إن طرح الحياد الأوكراني غير قابل للتطبيق لا من الوجهة الذاتية المتعلقة بظروف أوكرانيا وقدرتها على فرضه إذا تم التوافق عليه، ولا من الوجهة الموضوعية غير المتوفرة أصلاً والمتمثلة برفض الأطراف الإقليميين والدوليين، وهما شرطان أساسيان ولازمان لنجاح المشروع . في الواقع قدّم بوتين مشروعه بشكل لا يمكن القبول به، حتى وإن اقتنع الآخرون به، فهو حيّد منطقة القرم عن المشروع، معتبراً أنها ضُمت نهائياً إلى روسيا، وهي المنطقة المختلف عليها في الأصل بصرف النظر عن حجم ووزن وتعداد الروس في باقي الأقاليم الأوكرانية , وهو الأمر الذي لم يهتم به الغرب لا من قريب ولا من بعيد، بل كان مجالاً لإطلاق المواقف التي تزيد منسوب التوتر بين موسكو والغرب، أقلها تشبيه روسيا بوتين، بالخطر على العالم مثل فيروس إيبولا أو داعش ! وهي توصيفات تعكس مدى حجم الأزمة بين الطرفين . في أي حال، إن الأزمة لا تبدو في طريقها للضمور أو التراجع النسبي، وبالتالي إن الطرفين سيبحثان عن وسائل أخرى إما للاحتواء أو التصعيد وهو الأرجح، لكن على قاعدة التفتيش مرة أخرى على سلة من التنازلات المتبادلة، فيها نوع من المكاسب والخسائر، القابلة للتعويض في بعض جزئيات من ملفات أخرى لا تزال عالقة، ومن بينها الملفات العربية وبالتحديد السورية . فهل ستشهد الفترة القادمة خلط بعض جزئيات الملفات الإقليمية لبلورة خارطة طريق روسية للتعامل مع الغرب؟ إن مشكلة موسكو تكمن في امتلاكها من القوى التي يمكن أن تمكنها في يوم من الأيام العودة إلى الساحة الدولية كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة، لكنها في نفس الوقت أيضاً وأن امتلكت الوسائل المشروعة، فهي بحاجة إلى مزيد من الوقت لتقبل العالم لطموحاتها وتطلعاتها، ذلك رغم وجود الكثير من الممتعضين والمناوئين للسياسات الأمريكية، والتي لم تعرف موسكو كيف تستغل هذه الميزة المجانية . في أي حال ظلت قمة العشرين وأن توصلت إلى تقديم العديد من الرؤى لبعض المسائل الدولية، محطة جمعت قادة كبار الدول، والطريف فيها هذه المرة، حجج النعاس الذي غلب على صاحب الوجه الرخامي . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/2cccc60e-232a-4738-98b6-bfd6456f4063#sthash.Ey16QCBP.dpuf

النووي الإيراني بين التمديد والتحجيم

د .خليل حسين /النووي الإيراني بين التمديد والتحجيم / صحيفة الخاليج الاماراتية 19-11-2014 الطرفان الإيراني والغربي مضطران لتحديد أطر واضحة لمستقبل ملف طهران النووي الذي يرتبط بالكثير من القضايا التقنية ظاهرياً، والسياسية الإقليمية مضموناً، وفي هذه الحال من الطبيعي أن يصل أسلوب التفاوض وتقديماته المتبادلة إلى خطوط تبدو صعبة للطرفين . في المبدأ، وإن بدت مفاوضات مسقط الأخيرة نوعاً من سياسة حافة الهاوية التي تنطوي على شد وجذب تعدى الإطار التقني للملف، إلى سياسات متبادلة برزت مظاهرها في الرسائل المتبادلة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والمرشد علي الخامنئي، على قاعدة المشاركة في الحرب على الإرهاب . وإذا كان هذا الملف يعتبر مدخلاً للشراكة الغربية الإيرانية مستقبلاً، إلا أنه من المبكر التحدث عن تفاصيله في ظروف تغرق فيها المنطقة بكثير من أزمات مزمنة متشابكة ومعقدة لجهة المصالح وكيفية التعاطي معها لحلها . في الجانب التقني للمفاوضات، ما زالت المواقف عند حدها الأولي، طهران واصلت التشدد في مطالبها لجهة إبقاء أجهزة الطرد المركزي عند الحد الفعلي الذي تمتلكه، مع تقديم ليونة في عدم زيادتها، ذلك بالتوازي مع تقديم تسهيلات أخرى في إجراءات الرقابة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية . في مقابل الاقتراحات الغربية المتمثلة بتخفيض عدد أجهزة الطرد إلى عدة آلاف لا تتجاوز الخمسة، مع نقل وتخزين كميات اليورانيوم المخصب إلى روسيا ومساعدة هذه الأخيرة بإمداد طهران بالكميات التي تحتاج إليها في النسب التي تتخطى الخمسة في المئة . ما يعني أن إطار المفاوضات ظل في بدايته، رغم إصرار الطرفين على التوصل لأطر أخرى ولو كانت جزئية، ضمن سلة متكاملة يمكن تظهيرها في جولات مقبلة . وإن كان الجانب التقني على أهميته الإقليمية وبخاصة إلى الجانب "الإسرائيلي"، فإن ملفات أخرى يربطها الطرفان في سياق الحل النهائي للملف النووي، وعليه ستشهد الجولة المقبلة مزيداً من المزج والخلط التقني بالسياسي، على قاعدة عدم فصل القوة التكنولوجية عن الثقل السياسي للدول، وهو اعتبار غربي كما هو إيراني، ومن الصعب تجاهله والقفز فوقه في أية تسوية محتملة مستقبلاً . إضافة إلى ذلك، ثمة معطيات إضافية مستجدة لدى الطرفين الأمريكي والإيراني، ستدفعهما إلى التفكير ملياً قبل الإقدام على أي خطوات حاسمة، من بينها سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ مؤخراً، والواقع الذي يمكن من خلاله عرقلة الإدارة الأمريكية الديمقراطية ومنعها من التوصل إلى اتفاقات نهائية قبل سنتين من الانتخابات الرئاسية، في مقابل تربص المتشددين في إيران بالسلوك التفاوضي والسياسي للإصلاحيين، وعليه يبدو أن ثمة مصلحة متقاطعة لكل من الطرفين للتوصل إلى إنجاز ما، ولو كان جزئياً يحمي المفاوضات نفسها من الانهيار أولاً، ويحمي البيئة السياسية الداخلية لكلا الطرفين من مراقبة المتشددين . في أي حال من الأحوال، ثمة مصالح متقاطعة يبحث الطرفان إلى عدم ضياعها، وبالتالي إيجاد فرص أخرى للتواصل على قاعدة عدم الخسارة الكاملة والربح الكامل . تبدو طهران مضطرة لتقديم شيء ما في الجانب التقني، مقابل حاجتها للجانب الاقتصادي الذي أرهقته العقوبات مترافقاً مع كسب في ملفات سياسية وأمنية إقليمية تحاكي طموحاتها، مقابل مرونة غربية في الجانبين السياسي والاقتصادي لمصلحة التشدد في الجانب التقني الذي يريح الغرب ويطمئن "إسرائيل"، ويعطي الانطباع للطرفين بثقة غير المهزوم الذي يحاول قطف النصر الذي لم تكتمل شروطه حتى الآن . في أكتوبر/تشرين الأول ،2013 تم التوصل إلى اتفاق إطاري، جرى بعض التقدم الخجول فيه، وصولاً إلى تمديد ثان حتى 24 الحالي، يبدو أن الطرفين بحاجة إلى مزيد من الوقت لإنجاز اتفاق مبدئي جزئي، وهو أفضل السيناريوهات المطروحة جدياً وعملياً، على قاعدة أن قضم الحل قطعة قطعة، أفضل من بلعه من دون هضم، وهو مسار يعرف الطرفان كيفية المضي فيه والاستفادة منه ولو اتخذ أشكالاً وأنواعاً من الشد والجذب السياسي والأمني في المنطقة . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/ef5356e8-852f-4d9a-be4b-aaff7800e036#sthash.ljTuTvHe.dpuf

أسباب تصاعد الحركات الأصولية

د . خليل حسين /أسباب تصاعد الحركات الأصولية/ صحيفة الخليج الاماراتية 15-11-2014 ثمَّة العديد من الأسباب الذاتية والموضوعية التي ساعدت في تصاعد الأحزاب والحركات الأصولية في المنطقة العربية . فوصول الجمهوريون وبالتحديد فئة "المحافظون الجدد" إلى السلطة في الولايات المتحدة، شكَّل تحوّلاً دراماتيكياً في السياسات الخارجية الأمريكية وبخاصة تجاه الشرق الأوسط، والذي أدّى إلى تشكيل بيئة مواجهة وصلت إلى حدود استعمال القوة العسكرية في مواجهتها . فاجتياح "إسرائيل" على سبيل المثال للبنان في العام 1982 وعدوان تموز ،2006 والعدوان على غزة 2008 و2010 و2014 وبدعم أمريكي واضح، نقل منطقة الشرق الأوسط من ضفة إلى أخرى، تميّزت بمواجهات دامية وأسست لبيئات سياسية واجتماعية متطرِّفة نظرت إلى الولايات المتحدة نظرة عداء كونها تشكل الداعم الاستراتيجي ل "إسرائيل" في المنطقة . وسرعان ما ترسخ هذا الاتجاه في عقد الثمانينات من القرن الماضي وما تلاه . كما ساعد الوضع السالف الذكر، بشكل مباشر على إحياء إيديولوجيات ذات طابع أمني عسكري، ومرد تلك الاحتلالات التي ظهرت في غير منطقة في الشرق الأوسط، بدءاً من لبنان وصولاً إلى أفغانستان والعراق، الأمر الذي أوجد غطاءً شرعياً اجتماعياً حاضناً للأحزاب والحركات التي واجهت الوضع القائم آنذاك . كما أن فشل الأحزاب القومية العربية والشيوعية في تحقيق الآمال التي وعدت بها شعوبها، أدى إلى واقع اجتماعي سياسي تعبوي مختلف، سرعان ما تحولت الجماهير العربية والإسلامية عن أحزابها ومضت باتجاه الأحزاب الراديكالية التصورات، والتي تمثلت بالأحزاب ذات التوجه الديني وحتى المذهبي . وتشكل قدرة هذه الأحزاب التعبوية الهائلة بحكم الأدوات والوسائل التي تستعملها وبخاصة الدينية منها، جعلها بحراً كبيراً لاستيعاب جماهيرها في الوقت الذي تميّزت بحسن تقديماتها وحل مشاكل جماهيرها، الأمر الذي رسّخ فكرة نجاحها في الذاكرة الجماعية لمناصريها، وبالتالي تأييدها والاندماج في صفوفها بصرف النظر عن دقة وصوابية طروحاتها تجاه الأزمات التي ينبغي اتخاذ مواقف فيها . إن فشل الأنظمة الحاكمة في تقديم أي أمر وعدت به، أدّى إلى تهميش دورها ورعايتها المفترضة لناسها ومواطنيها، ما سهّل للأحزاب البديلة الحلول مكانها وقيادتها للسياسات الداخلية والخارجية للدولة، حتى باتت سلطات الأنظمة هيكلاً فارغاً من دون مضمون، الأمر الذي سهل عملياً تآكلها من الداخل تمهيداً لانهيارها . كما أن فشل مشاريع السلام المقترحة أمريكياً أدّى بشكل أو آخر إلى تقوية مواقف الأحزاب الدينية، التي توصف عادة بالراديكالية أو بالأصولية، ما عقَّد الأوضاع القائمة من دون ظهور محاولات جديدة قابلة للحياة . إن الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه معظم الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط، باتت قاب قوسين أو أدنى لتغيير العديد من أنظمتها التي استهلكتها عبر عقود طويلة . بل إن مجمل الثورات العربية القائمة حالياً تعبّر عن انعكاس موضوعي لواقع الحال التي وصلت إليها هذه الأنظمة وعدم قدرتها على تقديم أي بديل للأمر الواقع التي تعيش فيها جماهيرها . صحيح أن عمليات التغيير يمكن أن تؤدي إلى استقرار سياسي واجتماعي، لكنه ليس بالضرورة قادر على إنتاج وقائع وأوضاع يمكن أن يبنى عليها لبيئة سلمية في الشرق الأوسط . ومرد ذلك أن هذه الثورات في الأعم الأغلب، سوف تتجه بعكس ما كان عليه الأمر مع الأنظمة السابقة، وبالتالي عودة التشدد إلى الحياة السياسية العربية في ظل إعادة تموضع الأحزاب المتشددة بين الثورات القائمة وشرائح الشباب المحرك لها . من هنا يثار السؤال الأهم، ما العمل؟ هل ثمة حاجة ملحة وضرورية لإعادة صياغة فكر قومي عربي يتلاءم والمتغيرات الحاصلة في مجتمعاتنا وأنظمتنا العربية، أم أن أخطاء وخطايا ممارسات الأحزاب والحركات القومية في وطننا العربي، باتت راسخة في الوعي والعقل الجماعي العربي، ما يبعد هذا الاحتمال الحل، وبالتالي بقاء الحركات والتنظيمات المنافسة لها هي البديل رغم صورها السوداء في عقول معظم المجتمعات العربية، خاصة بعد ظهور "داعش"، وما حاولت ترسيخه من صور نمطية مظلمة . يبدو أننا نحن العرب نمر بأزمات خطرة وحرجة، من الصعب احتوائها وتقديم بدائل سريعة قابلة للحياة . ويبدو أننا ما نمر به اليوم هو تكرار إلى حد كبير للذي مرت به المجتمعات الأوروبية في القرون الوسطى، ويبدو مرة أخرى أننا بحاجة نحن العرب لقراءة دقيقة لما مرَّ به غيرنا من شعوب وأمم، وبالتالي محاولة فهم دقيق للاستفادة من هذه التجارب، لكن معروف عنا أننا أمة لا تقرأ، وإذا قرأت وفهمت لا تعرف كيف تستفيد من أخطاء غيرها، إنها حقاً مصيبة! - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/a2015e22-cade-4395-bb2b-e8233c7f23f4#sthash.oQddqAMV.dpuf

النازحون السوريون في لبنان ومؤتمر برلين

د .خليل حسين / النازحون السوريون في لبنان ومؤتمر برلين / الخليج الاماراتية 6-11-2014 لا يكفي لبنان من الأزمات القاتلة ليزداد عليها ملف يمس كيانه إن لم يكن وجوده، وهذا تقريباً ما بات يجمع عليه اللبنانيون على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية . فلبنان الذي احتضن وعبر سياسة "النأي بالنفس" عن الأزمة السورية، ما يقارب نصف عدد سكانه من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، ما بات يهدد فعلاً التركيبة الديموغرافية للبنانيين التي تعاني أصلاً خللاً واهتزازاً اجتماعياً أدى في غير مناسبة، إلى إشعال أزمات وطنية حادة تطورت غالباً إلى صراعات مستترة أحياناً، ومكشوفة أحياناً أخرى . ولبنان الذي يعاني أساساً أزمات اقتصادية واجتماعية يضاف إليها الأمنية، بات عاجزاً عن الاستيعاب القسري لموجات النازحين، وهو في الواقع غير قادر لأكثر من سبب على تطبيق ما يتخذه من قرارات حتى تلك المتعلقة بوقف استقبال النازحين، وهو الملف الذي حمله رئيس الوزراء، تمام سلام، إلى مؤتمر برلين، لعل وعسى أن يجد مخرجاً للوضع المأساوي القائم . جل ما كان متاحاً هو السماع لأفكار ومقترحات مرتبطة أولاً وأخيراً بمواقف الدول الوازنة في هذا الشأن، من بينها إنشاء مخيمات في مناطق آمنة على الحدود اللبنانية السورية لإيواء وتنظيم اللاجئين في مقدمة للعودة إلى مناطقهم الأساسية في سوريا، وهو أمر اعتبره المؤتمر، مرتبطاً بالحل السياسي للأزمة السورية، ما يعني أن الموضوع بآليته التنفيذية أمر مؤجل من الصعب التكهن بتوقيته ولا حتى بداياته أو نهاياته المحتملة . وبصرف النظر عن هذه الحيثية أو تلك التي سادت المؤتمر، تمكن لبنان عملياً من عدم الوقوع في فخ التوقيع على اتفاقية 1951 للاجئين، والتي تجعل من لبنان بلداً مستقبلاً ومستوعباً للنازحين واللاجئين، وبما يترتب عليه من واجبات ومسؤوليات دولية لو وقع عليها، وهو أمر من الصعب على لبنان تحمل نتائجه الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في ظل ظروفه الحالية وحتى المستقبلية . فاللاجئون وفقاً لهذه الاتفاقية تمنح لهم حقوق تصل إلى حد التوطين والاندماج الاجتماعي، ما يعني أن اللبنانيين في لبنان سيصبحون جالية لبنانية في بلدهم، كبقية الجاليات الموجودة فيه، الأمر الذي سيشكل تهديداً لكيانه ووجوده الذي أنشئ في عام 1920 وفق تركيبة جيو طائفية ومذهبية دقيقة، راعت الكثير من التوازنات الطائفية والمذهبية، فكيف بالإمكان إضافة ما يوازي نصف سكانه إلى هذا الخليط الهجيني التركيب الذي لم يعرف طعم اللحمة الوطنية الحقيقية منذ تأسيسه . في عام 1969 شُرع الوجود المسلح الفلسطيني وما رافقه من نزوح بعد معركة أيلول الأسود في الأردن، عبر اتفاق القاهرة، الذي يعتبره بعض اللبنانيين السبب الأساسي لانطلاق الحرب الأهلية، اليوم يتوجس اللبنانيون خوفاً مما ينصب لهم من محاولات لتشريع وتنظيم الوجود السوري في لبنان، باعتباره سيصبح واقعاً مؤثراً في المستقبل كما حدث مع الفلسطينيين بدءاً من العام 1948 في لبنان، وتحولوا من لاجئين إلى فئة اجتماعية يصعب تصنيفها القانوني أو وضعها العملي . لم يكن مؤتمر برلين سوى محطة من محطات أزمة اللاجئين السوريين وغيرهم في لبنان، ولم يتمكن لبنان من إقناع المشاركين وهم أربعون دولة واثنتا عشرة منظمة بوجهة نظره، وجل ما تمكن من تحقيقه وعد مالي بثمانية ملايين دولار، وهولا يسمن ولا يغني من جوع، في بلد وصلت نسبة العجز فيه إلى مستويات مرعبة، وازدياد نسبة مواطنيه الذين يعيشون فيه إلى ما دون خط الفقر، إضافة إلى الضغط الأمني والاجتماعي والنفسي المرعب . وُعد لبنان بمتابعة المؤتمر في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، لكن من يعرف ماذا سيحدث في لبنان إلى ذلك الحين، ثمة تطورات أمنية وعسكرية متسارعة، فكيف سيكون عليه حال هذا الملف؟ وهل المجتمع الدولي جاد في تسوية مثل هذه الملفات؟ أم أن الأمر لا يعدو بحثاً عن مجموعة من الملفات تزيد الأمر تعقيداً في لبنان لتسهيل انفجاره من الداخل حين يراد له ذلك، يبدو أن الأمر كذلك . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/07a3e942-6d71-4d0a-9a3f-846378f7954b#sthash.daFUyVdv.dpuf

سيكيولوجيا الارهاب الداعشي

د.خليل حسين / سيكيولوجيا الارهاب الداعشي/ صحيفة الخليج الاماراتية 27-10-2014 بات من المؤكد في سياقات علم الإجرام، أن الإرهاب بمختلف مظاهره ووسائله وأنواعه وأدواته، ظهر منذ بدء تأسيس المجتمعات البشرية، بعضها ساد وحقق نتائج محددة، وبعضها الآخر انتهى وتلاشى دون ترك أثر فاعل يذكر . واليوم يعيش العالم بأسره وبخاصة المناطق العربية والإسلامية، مظاهر إجرام "داعشي" هو الأشد عنفاً وسوءاً وتداعيات، ولم يسبقه في ذلك في تكريس صوره النمطية إلا الإرهاب الصهيوني، فيما نحن العرب والمسلمين ما زلنا مختلفين حول جنسه وكيفية محاربته، بعدما بات يهدد العقل العربي والإسلامي في سلوكه وخياراته وطريقة تعاطيه مع الوقائع المستجدة بشكل متسارع . والذي يتميز به الإرهاب الداعشي ليس وحشيته ووسائل زرع رعبه، وإنما تميزه وبشكل لافت عن غيره، باللعب وعبر وسائل نفسية يظهرها بأطر دعائية فيها الكثير من الحنكة والدهاء، ولا نقصد "داعش" هنا بالتحديد، بقدر ما نسلط الضوء على هذه الظاهرة الاستثمارية التي يمكن الاستفادة وبنسب عالية جداً منها . لقد أجادت "داعش" لعبة الميديا لاختراق العقل والذاكرة العربية والإسلامية، فقد لجأت مثلاً إلى تصوير عمليات الذبح، والرجم، وبطرق تصويرية وأنماط متقدمة جداً، بالنظر لاعتقادها المسبق أن من تمارس عليهم إرهابها هم كفرة في الأساس، ويجوز قتلهم واسترقاقهم وسبي نسائهم . لماذا تقدم "داعش" الصورة والصوت، لترويج أفعالها الإرهابية؟ بكل بساطة لدب الذعر والخوف على من يمارس الفعل عليهم، وبصرف النظر عن البيئة التي ينتمون إليها، اقتصادياً واجتماعياً وعقائدياً . لكن ثمة جانب آخر لهذه القضية، وهو تخدير العقل العربي بسلوك يعتاد عليه مع الوقت ولا يصبح أمراً اجتماعياً محرجاً . وإذا كان الإطار العام يبدو بتعميم الرعب والخوف، فإن الجانب الأكثر فاعلية يمارسه عبر انتقاء ضحاياه بدقة، وإن يكن الظاهر جماعات أكثر منها أفراداً . فالمهم هنا استغلال خصائص الضحية بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستغلال المزدوج في بعض الحالات، ذلك كما حدث مثلاً مع الأقلية المسيحية والازيدية في العراق، وهي حالات يراد منها التعميم على جميع الأقليات المذهبية والدينية في المجتمع العربي . والأمر ينطبق أيضاً على الأقليات القومية كما حدث مع الأكراد وما يجري حالياً في كوباني . والأخطر من ذلك كله، يبحث عن الصور الإجرامية الأكثر استفزازاً، ويطبقها في مكان وزمان محددين، وليس بالضرورة الإعلان عنها أو عرضها في وقتها، وإنما يمكن تركها لظروف تكون الاستفادة منها أكثر رعباً وخوفاً، كما تم عرض رجم امرأة، كان نفذ الحكم فيها قبل أشهر عدة . والأخطر من ذلك، أنه يتلبس لبوس الدين في الشرع والشريعة على ضحاياه . إن مقاربة بسيطة لتلك الصور النمطية، تثبت أنه لعب ويلعب على عامل الوقت لترسيخ سلوك نفسي اجتماعي في العقل الباطني العربي، مفاده أن لا رد لهذا القدر، فإما الاستسلام والانهزام، وإما مواجهة القتل بأبشع صوره ووسائله . وهو وضع يكون فيه الفرد وكذلك المجتمع، في حالة يأس واكتئاب وجودي، ما يسهّل ممارسة ضغوط نفسية اجتماعية أخرى عليه تزيده ضياعاً واستسلاماً . وإذا كان بيت القصيد في الإرهاب "الداعشي"، الإخضاع والخنوع، فإن مكمن التصدي له هو التصميم على مواجهته، وعدم القبول بأمر واقع يحاول فرضه . وسر القضاء على هذا النوع من الإرهاب هو الاقتناع بسهولة كسره، باعتباره نمراً من كرتون أولاً، وثانياً التأكد من أنه لا يعدو كونه حالة استثمارية يُعمل به لأهداف محددة، وسرعان ما يتم التخلي عنه بعد قضاء مستلزمات الظروف والبيئة التي يتم وضعه بها . إن سيكيولوجيا الإرهاب "الداعشي"، أمر ليس بالسهل القضاء على نتائجه وتداعياته أينما حل وأجرم، إنما الأكيد أن الإجماع البشري على خطورته وضرورة القضاء عليه، يعطي دفعاً إضافياً لكل متضرر ومتوجس العمل لمواجهته ولو باللحم الحي . ثمة تطابق كامل بين الإرهاب الداعشي والصهيوني، وقد لعبت هذه الثانية على العامل النفسي للقضاء على العرب الفلسطينيين خلال أكثر من ستة عقود ولم تتمكن، بفضل المواجهات الجادة لها، واليوم ربما التجربة ستتكرر مع الصهيونية الجديدة، المتلبسة لبوس "داعش" وأخواتها في المنطقتين العربية والإسلامية . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/a5fa7f83-772a-44e0-b20c-eba7548b3d8f#sthash.1zBwypXD.dpuf

النووي الايارني بين التهديد والتمديد

د.خليل حسين النووي الايارني بين التهديد والتمديد / صحيفة الخليج الاماراتية 18-10-2014في وقت تتصاعد فيه التصريحات حول مستقبل مفاوضات إيران النووية مع الدول الست، واحتمال تمديدها لفترات أخرى، تتصاعد وتيرة تأجيج الأزمات وملفاتها في المنطقة . وعلى وقع التفاوض على حافة الهاوية، تظهر بؤر التصعيد الاستثماري في غير منطقة وفي غير ملف، فما هي إمكانية التمديد؟ وما حقيقة التهديدات المتبادلة ولو بالواسطة؟ والى أين تتجه الأمور؟ في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، وفي خضم الأزمة السورية وتبدد مسلسل جنيف السوري، تم التوصل إلى اتفاق إطار بين طهران ومجموعة الست، سقفه الزمني يوليو/تموز العام ،2014 بهدف التوصل إلى حل نهائي . وفي تلك الفترة تصاعد النزاع الداخلي على السلطة في العراق وتم إبعاد نوري المالكي الذي استبدل بحيدر العبادي، ترافق ذلك مع تمديد جزئي حتى 24 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل . وعلى الرغم من عدم الإفصاح لا تلميحاً ولا تصريحاً عن خطوات نوعية في مسار المفاوضات، تم الإيحاء بأن مسار المفاوضات يتطلب قفزات نوعية يبرر التمهيد لوقت إضافي مستقطع لمتابعة المفاوضات . وفي وقت شهد اليمن تطورات نوعية في مسار أزمته الداخلية ببعدها الإقليمي وسيطرة الحوثيين على مناطق استراتيجية على البحر الأحمر، ما مهّد لبيئة إمكانية تمديد المفاوضات على قاعدة أن الاتفاق الإطاري شهد تفهماً متبادلاً يستوجب أحكاماً غير نهائية في هذه الفترة . وسط ذلك، كله تمدد تنظيم "داعش" باتجاهات إقليمية موجعة للفواعل الأساسيين، إن كان في العراق أو سوريا، وكذلك التمهيد إلى إدخال لبنان أيضاً في لعبة الشد والجذب الإقليمي، وهو المكان الأكثر حساسية لطهران، وبرز ذلك عبر افتعال معارك عرسال في سلسلة لبنان الشرقية المواجهة للقلمون السوري، إضافة إلى جبهة الجنوب باتجاه مزارع شبعا والعملية التي تبنتها المقاومة ضد "إسرائيل"، الأمر الذي اعتبر محاولة للتأثير في إمكانية تغيير قواعد الاشتباك وإدارة الأزمات في المنطقة من البوابة اللبنانية عبر "إسرائيل" تحديداً، المعني المباشر في تأزيم الملف النووي الإيراني وإيصاله إلى أماكن غير مرغوبة أمريكياً أو أوروبياً . إن إمكانية إدخال تنظيم "داعش" كحالة استثمارية في الملف النووي الإيراني من البوابة اللبنانية، أمر وارد بنسب عالية، وهي الورقة التي تحرص طهران على عدم اللعب بها في لبنان تحديداً، ويبدو أن الورقة الأصعب التي سترمى في سلة التجاذبات المقبلة هي معركة الشمال اللبناني بدءاً من جرود عرسال مروراً بعكار وصولاً إلى طرابلس، وهي المنطقة التي تتيح ل"داعش" الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط وما يعنيه هذا الوصول من خلط أوراق استراتيجية في المنطقة توازي إن لم يكن أكثر وصول الحوثيين إلى مياه البحر الأحمر . إن عمليات ربط الجغرافيا السياسية بأزمات المنطقة وملفاتها، باتت واضحة وأمراً مرغوباً فيه من كافة الفواعل الإقليمية، لما لها من تأثير مباشر في اتخاذ قرارات مصيرية، وهذا ما أجادته وتجيده القوى صاحبة المصلحة بذلك . وإذا كان الكثير من الملفات يحتاج إلى المزيد من الوقت والمزيد من تبادل التهديدات الموجعة، فإن حسم بعضها أو معظمها، أمر يبدو بعيد المنال، لذا فإن تبادل الضغوط وبخاصة في الجغرافيا السياسية للمنطقة أمر بات من مسلمات إدارة أزمات المنطقة، ومنها الملف النووي الإيراني، وعليه فإن إدارة الأزمات بالأزمات هي السمة الأكثر وضوحاً في هذه المرحلة . لم يعد هناك متسع للوقت قبل استنفاد الوقت المستقطع من عمر التمديد الأول للمفاوضات النووية الإيرانية، الذي سينتهي في الرابع والعشرين من الشهر المقبل، في وقت يتزايد فيه منسوب التهديدات الموجعة للأطراف كافة، فهل ستتمكن أطراف الملف النووي من اجتراح وسائل أخرى لتمديد المفاوضات؟ أم أن الطرف "الإسرائيلي" الأكثر تضرراً بهذا الملف سيعمد إلى إجبار واشنطن على خلط الأوراق مجدداً؟ يبدو أن عملية مزارع شبعا الأخيرة في الأراضي اللبنانية المحتلة رسالة واضحة ل"إسرائيل" في هذا المجال، ويبدو أن القيادتين السياسية والعسكرية "الإسرائيليتين" قد قرأتاها جيداً، ما يعني أن احتمال تمديد المفاوضات بين طهران والدول الست بات أمراً واقعاً ومرغوباً فيه . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/d36be1c1-6c93-496b-a1b1-e02e1dabcd61#sthash.MTaRpoTr.dpuf

16‏/10‏/2014

داعش من كوباني إلى طرابلس

داعش من كوباني إلى طرابلس د.خليل حسين نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 16/10/2014 أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية بصرف النظر عن قدرة "داعش" منفردة ، التقرير في أي جهة تريد التمدد وفتح الجبهات، أو بمعنى أدق، قدرتها على التفلت من كونها حالة استثمارية لقوى إقليمية ودولية لها مصالحها في المنطقة، يبقى أن لها حساباتها الخاصة في العمل على الاستفادة من بعض الظروف والوقائع المحيطة بها وبالفواعل الإقليمية المعادية أو الداعمة لها. إن التدقيق في ظروف التمدد الذي قامت به في سوريا والعراق مؤخرا، يثبت آن ثمة تراخٍ قد حصل في مواجهتها، وان التحالف الدولي الذي تم إطلاقه على عجل، في أحسن أحواله سيحاول احتوائها وكبح جماحها في المنطقة، ولن يكون الهدف الأساس القضاء عليها، وهذا ما بات واضحا من خلال آليات المواجهة عبر غارات جوية هنا أو هناك، الأمر الذي سيوفر فرصة قوية لداعش الاستفادة من فتح جبهات جديدة تضغط من خلالها على دول المنطقة ،وكان آخرها منطقة كوباني في الشمال السوري الملاصق لتركيا. وبصرف النظر عن حجم الاستفادة الداعشية في هذه المنطقة بالذات التي تبدو منعدمة قياسا على خسائرها الحالية في مواجهة الأكراد، فان الاستفادة الفعلية هي اكبر بكثير للجانب التركي الذي يطرح وبقوة إنشاء منطقة عازلة بذريعة حماية الأكراد على غرار ما حصل في حرب الخليج الثانية وتداعياتها في الشمال والجنوب العراقيين. فالمعركة الجارية حاليا في كوباني ليست معركة "داعش" الحقيقية ، لان مردودها التكتي والاستراتيجي لن يكون كبيرا ، فهي وان استطاعت السيطرة على هذه المنطقة الكردية، لن تقدم أو تؤخر عمليا في واقعها الجيو سياسي ، فهي ليست ببعيدة عن البيئة التركية السياسية المتفهمة والتي يعتبرها البعض داعمة لها.أي بمعنى آخر إن "داعش" تفتش في الحقيقة عن معركة أخرى تعيد شد العصب العسكري والسياسي لها. وفي الواقع، لم تكن المجموعات التكفيرية الإرهابية من "داعش" وأخواتها، ببعيدة عن هذه الخيارات العسكرية ، فهي حاولت غير مرة غرب سوريا وفشلت، وكان آخرها معركة جرود عرسال وقبلها معارك الساحل السوري، وهي في الحقيقة تخفي أمرا استراتيجيا بالنسبة إليها قوامه الوصول إلى منفذ بحري يتمم الجيوبولتيك السياسي للخلافة الإسلامية المزعومة حاليا. ان عدم تمكن "داعش" وجبهة النصرة من السيطرة على الساحل السوري شمالا، وخسارتها لمعظم مواقعها في جبهة القلمون، ومحاصرة مقاتلين لها في الجرود الفاصلة بين سلسلة لبنان الشرقية والجرود السورية المقابلة لها، اجبرها التركيز عسكريا على فتح ممرات لوجستية داعمة لها عبر جرود عرسال اللبنانية، وهذا ما عملت عليه قبل شهرين وفشلت. ومع اقتراب فصل الشتاء الذي لن يكون بمقدور احد البقاء في هذه الجرود،فقد بدأت "داعش" التفكير عمليا وفعليا في التمدد غربا وعبر جرود عرسال وصولا إلى الساحل اللبناني الشمالي ،وتحديدا طرابلس ومنطقة عكار عموما. ان عمليات استهداف الجيش اللبناني وبشكل مستمر وبوتيرة متسارعة، والمترافقة مع حرب نفسية تقوم بها هذه المجموعات الإرهابية عبر الإيحاء بانشقاق بعض الجنود اللبنانيين، وهم بالمناسبة ثلاثة فارين وملاحقين بمذكرات توقيف عسكرية، يعني أن "داعش" تعد العدة لمغامرة عسكرية جديدة من بوابة لبنان الشمالي، بهدف الوصول إلى البحر، وهي بذلك تكون قد حققت ممرا لوجستيا آمنا واستراتيجيا في الوقت نفسه، علاوة على قدرة أطراف إقليمية ودولية كثيرة من استثمار هذه الحالة تحديدا باعتبارها ملامسة من وجهة الجغرافيا العسكرية لمواقع إستراتيجية روسية في الساحل السوري. إن تمكن "داعش" ومن يدعمها من تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي ، يعني أن أوضاعا إقليمية ودولية مستجدة ستظهر إلى الواقع السياسي والعسكري، ويعني في الوقت نفسه إعادة تموضع جديد لإدارة أزمات المنطقة، سيما وان هذه المجموعات ستكون على تماس مع قوى متواجدة في البحر الأبيض المتوسط ، إضافة إلى إعادة رسم قواعد اشتباك جديدة لن يكون طرف بعينه قادر على ضبطه والتحكم بمساراته، خصوصا إذا ترافق هذا الأمر مع فتح جبهة أخرى في جنوب لبنان. إن كثيرا من الوقائع تشير إلى هذه الخيارات الداعشية، ما يعني أن معركة كوباني،لن تكون سوى حلقة استثمارية تركية ، فيما المعركة الأهم والأضخم بالنسبة إلى "داعش" هي في غير مكان، فهل سيكون شمال لبنان الحد الفاصل بين المعارك التكتية والإستراتيجية في المنطقة؟ وهل سيشهد البحر الأبيض المتوسط ما لم يشهده المحيطين الأطلسي والهادئ في الحربين العالميتين الأولى والثانية؟

تركيا وداعش وجيوبولتيك المنطقة

تركيا وداعش وجيوبولتيك المنطقة د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية تعتبر تركيا من الدول القليلة التي استفادت فعليا وعمليا من سياساتها الإقليمية ، وبخاصة تجاه العراق وسوريا. وعلى الرغم من انقلاب الصورة في شعارها السياسي الذي أتى به حزب العدالة والتنمية "صفر مشاكل" مع دول الجوار، إلا أن أنقرة تحاول إعادة التاريخ نفسه في التعاطي مع قضايا التدخل العسكري ، من خلال الدخول في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الداعشي؛ وهي في هذا المجال مارست "الغنج السياسي" على الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية ومن ثم احتلال العراق، بهدف تحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والاقتصادية في المنطقة، واليوم تمارس البرغماتية نفسها لأهداف إضافية جيوبوليتيكية من البوابتين العراقية والسورية تحديدا. ورغم تغيّر بعض الظروف والوقائع في المنطقة، ظلت أنقرة شاخصة إلى تكوين بيئة إضافية مساعدة لإقامة منطقة عازلة ولو تحت مسمى منطقة آمنة، وجاءت هذه المرة على قاعدة محاربة الإرهاب الداعشي وتداعياته ولو من أبواب إنسانية ، كقضية اللاجئين الأكراد السوريين مؤخرا، علاوة على اللاجئين الذين دخلوا تركيا في الفترات السابقة . بداية ترددت تركيا في الدخول إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، بذريعة الرهائن الأتراك الذين احتجزتهم داعش والذي تم الإفراج عنهم مؤخرا، اليوم بدأ الموقف التركي بالتحوّل لكن ضمن محددات وشروط ظاهرها يبدو مقبولا وباطنها يحتاج لمزيد من التوافق الدولي، وجلها تتسم بالعمومية وتتعلق بالأمن القومي التركي. وفي الواقع لم تكن هذه المحددات لتعبر عن حقيقة المواقف التركية، إلا في مسألتين أساسيتين، الأولى حماية الأمن القومي التركي خاصة في ظل لعبة فك الارتباط ببعض التنظيمات ودخولها لاحقا في الصراع المباشر معه على الأراضي التركية وخارجها. وتتمثل الثانية في السيطرة على النفط في دولتي جوار مهمتين مثل العراق وسوريا، إذ تخشى أنقرة بان تفضي الحملة الأميركية ضد داعش إلى السيطرة على بعض المناطق النفطية بدون مشاركتها الفعلية ، الأمر الذي يصطدم وفكرة الإبقاء على الوحدة الجغرافية لهذه الدول ، التي يبدو أنها قادمة على مشاريع الفدرلة التي تناسب المظلة التركية – الأميركية. إضافة لذلك، صرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بعد عودته من نيويورك ، أن بلاده تفرض شروطاً محددة لاستخدام قاعدة انجرليك، في إشارة إلى بداية التغيير في الموقف التركي، ومن بين هذه الشروط العمل على تشكيل منطقة عازلة داخل الأراضي السورية لاستقبال وإعادة توزيع اللاجئين السوريين الذين أجهدوا الاقتصاد والأمن التركيين، إضافة إلى شرط آخر هو الإعلان عن منطقة حظر للطيران فوق الأراضي السورية بذريعة حرمان سوريا من إمكانية استخدام الطيران والأوضاع الإستراتيجية التي ستظهر لاحقا لتسجيل مكاسب ضد المعارضة السورية. في مقابل ذلك، ردت الإدارة الأمريكية على هذه الخطوة عبر الإعلان بأنها تفكر جديا بالعمل على إقامة منطقة عازلة في سوريا وإقرار منطقة حظر للطيران ،وبالتالي ثمة تناغم واضح بدأ بالتشكل بين واشنطن وأنقرة في صياغة التفاعلات الجيوبولتيكية في المنطقة، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات والمخاوف التي بدأت تتراكم جراء الإشارات التي تم التأكيد عليها بين الدولتين ، والتي بدأت بتشكل مرحلة جديدة، ستظهر فيها ملامح العقيدة الجيوبولتيكية للطرفين في تقاسم الأدوار وتحديد مجالات النفوذ في الحملة ضد الإرهاب. وعلى الرغم من الاستجابة الأمريكية الواضحة للمحددات التركية لمواجهة داعش، ثمة العديد من الأسئلة التي ستثار حول ردة الفعل السورية والعراقية التي ستضاعف من منسوب شكوكهما ، بعد تنامي فكرة أن الضربات الجوية لدول التحالف، ليست حملة موجهة بالضرورة ضد داعش مباشرة، بقدر ما هي حملة موجهة لإعادة صياغة الجغرافيا السياسية مجددا في العراق وسوريا ،عبر تشكيل وسائل نفوذ تركية – أميركية بأدوات جديدة ، بعد الانتهاء من استثمار داعش واستنفاد دورها. في المحصلة ،ثمة صورة واضحة لسياسات تركيا العراقية والسورية، بصرف النظر عن أي وقائع مستجدة، فيبقى النفط في مقدمة القضايا الاقتصادية، وتبقى القضية الكردية في مقدمة القضايا الأمنية القومية، وهذا ما ترجمته أنقرة في تاريخها السياسي الحديث والمعاصر ، وبخاصة في عصر الأحادية القطبية، فهل ستطبق أنقرة نفس المحددات في محاربتها لداعش ؟ يبدو أن الأمر كذلك.

02‏/10‏/2014

اليمن مجددا بين الحسابات الاقليمية والدولية

اليمن مجددا بين الحسابات الاقليمية والدولية د.خليل حسين نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 30-9-2014 بعد أربع وعشرين سنة وحدة بين شطري اليمن، وبعد ثلاث سنوات من حراك شعبي واسع، تخللها شتى أنواع الصراع، وضع اليمن مجدداً في حالة هي أشبه بحالة انتظار لما ستكون عليه أوضاع المنطقة برمتها، سيما أن خصوصيات الواقع اليمني، جاهزة لهذا النوع من الاحتمالات . ورغم ما حدث من تبدل دراماتيكي سريع في موازين القوى الداخلية، بعد سيطرة الحوثيين على مفاصل السلطة السياسية والعسكرية، والتعفف السياسي الذي مارسته بعدم استلامها السلطة، والاكتفاء بتوقيع شراكة الحكم برعاية دولية، كل ذلك يشي مبدئياً أن التركيبة السياسية الداخلية القائمة حالياً، ستستهلك المزيد من الوقت والمزيد من ديناميات النزاع الداخلي، قبل الوصول إلى مرحلة استقرار النظام ولو بحدود وشروط معقولة . فاليمن المعاصر كما الحديث، كان عبر تاريخه السياسي مرتبط إلى حد كبير، بجملة توازنات داخلية طابعها الأساسي عشائري - طبقي ضمن تركيبة معقدة من السلطة، والتي يصعب اختراقها من دون إحداث تغييرات بنيوية في هيكلية التركيبة الحاكمة . علاوة على الواقع الجيو سياسي اليمني الذي كان عبر التاريخ، محط أنظار قوى إقليمية ودولية فاعلة للسيطرة عليه أو على سياساته، وهذا ما كان سبباً رئيسياً في تقسيمه، والعودة به أيضاً إلى الوحدة عام 1990 التي لم يستفد من هذه التجربة تحديداً، لإعادة هيكلة النظام السياسي الذي واجه متاعب كثيرة وصولاً إلى ما وصل إليه حالياً . وبصرف النظر عن آليات الحكم الداخلية وتوازناتها المصطنعة التي تم التوصل إليها عبر الاتفاق، يبقى للعامل الجيو سياسي الأثر الفاعل في تحديد موقعه ودوره، وبالتالي نسبة استقراره الداخلي، أسوة ببقية العوامل المحيطة به عربيا وغير عربي . فباب المندب الذي يقع في منتصف خط النفط العالمي الذي يربط مضيق هرمز بقناة السويس، ظل عبر التاريخ موقعاً سعت غير قوة للسيطرة عليه، في محاولة للتحكم بالرئة النفطية للعالم، بدءاً بأيام الحرب الباردة، مروراً بالتدخلات العربية وغير العربية في شأنه الداخلي، وصولاً، إلى السيطرة الأمريكية الكاملة عليه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، كل ذلك جعل من اليمن ساحة اختبار إقليمي ودولي حقيقي، ويرتبط بشكل أو بآخر في محاور إقليمية غالباً ما كان الوضع الداخلي أداة طيعة ومرنة للاستخدام والاستثمار في غير سياسة ومحور . واليوم يبدو أن اليمن كان ساحة نموذجية للاشتباك والاستثمار الإقليمي والدولي، وثمة اعتقاد شائع وفيه نسبة عالية من الصحة، أن مقايضات قد حصلت وستحصل في غير موقع في الإقليم، بدءاً من العراق وليس انتهاءً بلبنان أو سوريا وغيرهما من البلدان الملتهبة، وثمة من يؤسس ويعزز لهذه الفرضيات السياسية التي لها كثير من السوابق، اللقاءات الجارية حالياً بين إيران والسعودية والولايات المتحدة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة . واليمن الذي كان مرتعاً رحباً للعمليات الإرهابية التي مارستها "القاعدة" ضد القوات الأمريكية وغيرها، يجد نفسه اليوم وسط عاصفة دولية - إقليمية لمحاربة الإرهاب "الداعشي"، وهو بالتأكيد سيكون جزءاً منه باعتباره مركزاً للشد والجذب وبخاصة الإقليمي، وعليه أن عاملاً إضافياً آخر، سيدخل على خط التوازنات الداخلية والتي لها ارتباطات خارجية واضحة، مما سيؤثر في مدى ونسبة الاستقرار الداخلي، وبالتالي ترجمة مقبولة ومعقولة للاتفاق السياسي الأخير . لقد تحوّل اليمن السعيد في زمن التحولات العربية، إلى بلد لا يشبه مكونات السعادة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشيء، بل إن مجمل مكونات الواقع اليمني لم يعد كافياً لأن يأخذ دوراً ولو مقبولاً في محيطه، وبات يدور في سياسات محاور لم تكن يوماً قادرة على حل مشاكله التي باتت لا تعد ولا تحصى، فهل أن الاتفاق المبرم برعاية دولية سيكون مدخلاً للملمة الوضع اليمني، أم أنه سيكون كغيره من الاتفاقات السابقة كالمبادرة الخليجية، إن واقع المنطقة التي تمر في مرحلة هلامية هجينة يعطي صورة قاتمة لوضع ربما سيستمر لأكثر مما يتصوره المراقبون، أو حتى أصحاب القرار في المنطقة . وعليه فاليمن غير السعيد بما يجري فيه وعليه، سيكون قدره في حال انتظار لحسابات إقليمية ودولية أخرى . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/9debb039-16fc-403a-8485-5cdfee3d74c7#sthash.8AW9U0Op.dpuf

الانقسام عى محاربة الارهاب الداعشي

الانقسام عى محاربة الارهاب الداعشي د.خليل حسين نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 23-9-2014 انتشر الإرهاب ماضياً وحاضراً، وبلغ ذروة الإجماع الدولي على مواجهته والقضاء عليه، بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة، وتوّج بقرار دولي (1373) غير مسبوق لجهة الشمول والوسائل وآليات المواجهة . كما أسند القرار بإجماع دولي غير مسبوق إلى قضية محددة بعينها . وبعد بروز الإرهاب الداعشي وتمدده في غير مكان، جاء القرار 2170 ليعطي اندفاعة دولية جديدة، لكن سرعان ما انقسمت وجهات النظر حول خلفيات المواجهة، وباتت محاربة الإرهاب تجمع ضمن محور محدد، وسط غياب أطراف أخرى معنية فيه وبآثاره . فما هي تداعيات الانقسام؟ وهل يمكن مواجهة إرهاب بهذا المستوى والخطورة بعين واحدة؟ فالإمكانات التي وضعت لتنفيذ القرار 1373 - ،2001 لم يسبق لها مثيل، ورغم ذلك لم تتبدل صور الإرهاب، بل إن التدقيق في بعض مظاهره، يثبت العكس، رغم أن نية المكافحة والرغبة والإمكانات متوافرة، ما يعزز فرضية إما قدرة هذه المنظمات الإرهابية على تسويق نفسها في بيئات محددة والنمو فيها، وإما وجود ثغر هائلة في وسائل المكافحة وآلياتها . وفي مطلق الأحوال ثمة اعتقاد شائع وصحيح إلى حد كبير، مفاده إسناد فشل المكافحة إلى ازدواجية المعايير وكيفية التعاطي مع قضايا ذات خلفية وآثار واحدة . في العام 2001 احتلت أفغانستان ومن ثم العراق ،2003 وجرى العديد من الحروب التكتيكية الصغيرة هنا وهناك، على خلفية مكافحة الإرهاب، ورغم بعض الاعتراضات تابعت الولايات المتحدة بحجج وذرائع مختلفة للمضي في نفس الوسائل والأدوات لمواجهة من يعترضها بذريعة مكافحة الإرهاب، وبصرف النظر عن الأهداف المعلنة وغير المعلنة، لم تتمكن واشنطن لا من القضاء على الإرهاب ولا احتوائه، بل بالعكس أسهمت في زيادة منسوب معارضتها ومواجهتها عسكرياً وأمنياً في بعض مناطق العالم . وفي موازاة الفشل الأمريكي في مواجهة الإرهاب، نمت مظاهر إرهابية أشد أثراً وفتكاً بالبشرية وبالقيم الإنسانية، وما زالت الولايات المتحدة تحارب الإرهاب بنفس العدة والعقلية التي اتبعتها في السابق، ما يعزز الاعتقاد أن الخطر سيستمر وأن تداعياته ستكون أكثر إيلاماً وفتكاً بالمجتمعات وما تبقى من أنظمة ودول . فمن المتعارف عليه في علم الاجتماع السياسي، أن التراخي في مواجهة أي جماعات صاعدة، سيعزز من فرص وصولها إلى غاياتها بأثمان متواضعة، وبخاصة إذا ما تمت تجزئة مواجهتها، أو استثناء أطراف هم معنيون بمكافحتها وهذا ما يحصل حالياً في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد في مواجهة الإرهاب الداعشي . إن مكافحة الإرهاب من منطلق محور إقليمي أو دولي، مهما بلغت قوة حشده ووسائل مواجهاته، سيظل عاجزاً عن تأمين متطلبات الحسم ولو في جزئيات محددة من المواجهة، وبالتالي إن تأمين الإجماع وعدم الاستثناء بالتأكيد سيعزز من فرص نجاح المواجهة المفترضة . كما أن الانقسام في سبل المواجهة، سيعزز من عزم الجماعات الإرهابية ويعطيها دفعاً إضافياً لتمكينها وتثبيت نفوذها وسيطرتها، وبالتالي تمكينها من تكريس صور نمطية في العقل الجمعي للمناطق التي تسيطر عليها، مقابل ضمور القوى المواجهة لها وانحلالها، ما يزيد الأمر تعقيداً، وبالتالي صعوبة القضاء عليها . إن أبرز وسائل اكتساب القوة والتغلغل في الوسط الاجتماعي، عندما تتمكن مطلق مجموعة الاستفادة من الانقسام في التعاطي معها، عندها وعندها فقط تجد البيئة الخصبة والمثالية لزيادة فعاليتها . وبالتالي إن تمترس قوى إقليمية ودولية في مواقع متقابلة لمواجهة الإرهاب عمل من شأنه إضعاف قوى الفريقين في الوقت الذي يُعتبر الطرفان هما المتضرران من الأفعال الإجرامية الإرهابية . ثمة إجماع لا سابق عليه، بأن الإرهاب الداعشي فعل إجرامي غير مسبوق، وهو موجه ضد الجنس البشري، وضد الإنسانية بقيمها وثقافاتها وحضاراتها، وبالتالي إن الجميع معني بالمكافحة والمواجهة، فلا يمكن استثناء أحد، وإلا اعتبرت المواجهة ناقصة وبالتالي سبل النجاحات منعدمة - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/cb14097d-ffbc-46ff-91c1-21f9c5f9dd81#sthash.RYH4akwt.dpuf

استراتيجية اوباما لمكافحة الارهاب

استراتيجية اوباما لمكافحة الارهاب د.خليل حسين صحيفة الخليج الاماراتية 14-9-2014 في الذكرى الثالثة عشرة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة، وعلى قاعدة "رب صدفة خير من ألف ميعاد"، أطلق الرئيس الأمريكي استراتيجيته لمواجهة الإرهاب، في وقت يمر فيه العالم بمرحلة تشكل نظام عالمي- إقليمي غير واضح المعالم بدقة . وعلى الرغم من الترويج الإعلامي الهائل الذي سبق الإعلان، جاءت مواصفات المواجهة وأدواتها وأساليبها ووسائلها عادية جداً، ولا تعبر عن المستوى المفروض الذي فرضه الإرهاب الداعشي ليس في الشرق الأوسط وحده، وإنما في العالم بأسره . ما يطرح جملة من الأسئلة من بينها، جدية المواجهة وإمكانيات النجاح، وحتى مصلحة الفاعل الأبرز الذي يديره، وبالتالي جدية الاستنتاج عما إذا كان مجمل عملية المواجهة هو مكافحة أم احتواء لإرهاب لم يسبق للبشرية أن واجهت مثله . ففي الأدوات والوسائل، ومن خلال الحراك السياسي والإعلامي الذي تقوده الأطراف الفاعلة في المشروع، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، يبدو أن استبعاد أطراف من التحالف الإقليمي - الدولي، كروسيا وإيران وسوريا وغيرها، أمر يشي بربط ووصل بين مواجهة الإرهاب وملفات دولية وإقليمية ساخنة، كالأزمة الأوكرانية لروسيا، والبرنامج النووي لإيران، ومجمل تفاعلات الأزمة السورية وتداعياتها الفرعية بدءاً من العراق وصولاً إلى لبنان، مروراً في غير بلد عربي معني بطريقة أو بأخرى بما يحصل من تطورات في المنطقة . وإذا كانت مجمل الدول المستثناة لها مصلحة في المشاركة في الجهد الدولي المفترض، فإن عوامل الشد والجذب في ملفاتها المطروحة في إطار سلة الحلول الممكنة، لا تجعل منها فاعلاً يفرض وجوده في الاستراتيجية الأمريكية حتى الآن، ومن وجهة النظر الأمريكية عليها أن تقدم تنازلات متصلة بملفاتها لكي تكون جزءاً غير مستثنى من المواجهة، بصرف النظر عن موقعها أو وزنها في الجهود المطلوبة . إضافة إلى ذلك، وفي إطار الدول المشاركة في جهود المواجهة، وان اتسمت بطابع القبول المغلف بالخجل السياسي، إذا جاز التعبير، فهو أمر محيّر من الوجهة السياسية والعملية . فعلى سبيل المثال ثمة دول لها أوضاع داخلية وارتباطات إقليمية خاصة، جعلت من هذه الدول، وكأنها أوقفت في هذا المشروع على رجل سياسية واحدة، إما بقرار ذاتي في محاولة للاستفادة الخاصة المحتملة في ملفات متصلة، وإما بقرار من الفاعل الأساسي في المواجهة لأهداف إستراتيجية لاحقة، وبالتالي ثمة تصنيف واضح في نوعية الدول المدعوة أو المستثناة، الأمر الذي يضعف مجمل العملية ويضعها في أطر أقل من المستوى المطلوب . أما لجهة مضمون الوسائل المعلنة للمواجهة ، فتبدو من وجهة النظر العملية غير كافية بالمقارنة مع أحجام الأعمال الإرهابية للفئات الموجهة إليها، أو لجهة الجغرافيا السياسية التي تعمل في إطارها . فالوسيلة المقترحة حتى لا تعدو ضربات جوية محددة الموقع والأهداف، مع إمكانية توسيعها لمناطق أخرى، وتمثل عمليات موضعية يحاول القيّمون عليها إبرازها كعمليات نوعية، إنما هي في الشكل والمضمون نوع من رسم خطوط حمر، ينبغي عدم تجاوزها، كما حصل مثلاً في الضربات الجوية التي تلقتها داعش عند اقترابها من حدود إقليم كوردستان العراق . وفي أي حال من الأحوال، تبدو الاستراتيجية الأمريكية المعلنة حتى الآن، تكتيكاً مرحلياً وظرفياً، ليس بمقدورها معالجة كارثة إنسانية عالمية بهذا الحجم . فهي تقصر المعالجة على ظرف بعينه دون مواجهة المشكلة الأساسية وتداعياتها المستقبلية، وما زالت تنظر إلى الكارثة من زاوية استثمارية في السياسة والأمن والاقتصاد، وهي الصورة النمطية التي كرستها في محاولات سابقة، بدءاً من أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وليس انتهاءً بما يحدث الآن . ثمة محطات تاريخية فارقة، أجبرت الولايات المتحدة على التدخل لتبديل موازين قوى إقليمية ودولية، جلها كانت موجهة لمصالحها وعلى أرضها . بدءاً بالأسباب التي أجبرتها على دخول الحرب العالمية الأولى والثانية، مروراً بتداعيات سقوط الاتحاد السوفييتي، واحتلال أفغانستان بعد 11 سبتمبر/أيلول، وصولاً إلى احتلال العراق 2003 وما يجري حالياً في المنطقة . وفي معظم هذه الحالات، كان الإرهاب بمختلف أشكاله وصوره مدخلاً لتعاطي واشنطن مع هذه الكوارث البشرية، فهل ثمة أسباب أخرى ينبغي توفرها لتجعل من الولايات المتحدة أكثر جدية في التعاطي مع هذه الكوارث الإرهابية؟ يبدو أن الأمر كذلك من وجهة النظر الأمريكية، باعتبار أن السلوك الأمريكي هو مجرد احتواء لتداعيات إرهابية، لم تصل إلى مستوى المكافحة والقضاء عليها، وهنا تكمن المصيبة الكبرى التي ستمتد وتتوسع في غير اتجاه، إذا ظلت هذه العقلية في المعالجة هي التي تحكم سلوك وعقل الفاعلين في النظام العالمي . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/320f1873-b4e9-4865-9c38-3fa313098be8#sthash.745MRnNV.dpuf

خصائص الإرهاب الداعشي

خصائص الإرهاب الداعشي خليل حسين صجبفة الحليج الاماراتية 10-9-2014 ثمة أنواع وصور كثيرة للإرهاب ظهرت عبر التاريخ البشري، إلا أن أسوأها وأبشعها، تلك التي تلفعت بعباءة الدين غاية وهدفاً لتنفيذ إجرامها . ففي القرون الوسطى ظهرت الحملات الصليبية ضد الشرق نموذجاً فجاً، وقبلها ظهرت عصابات السيكارى التي اختبأت تحت الديانة اليهودية قبل المسيحية، وصولاً إلى عصابات الهاغانا والشترن اليهوديتين في فلسطين، وما بينها من منظمات إرهابية قومية شوفينية ويسارية ويمينية، وصولاً إلى المنظمات التي لبست لبوس الدين الإسلامي وسيلة لتنفيذ مجازرها . إن أغلب المنظمات المتطرفة التي وصلت أفعالها إلى مستوى الإرهاب والإجرام، اشتركت في صور نمطية طغى عليها طابع بث الرعب والذعر بين الجماعات التي استهدفتها، وفي أغلب الأحيان تمكنت من الوصول إلى غاياتها بيسر وسهولة، نتيجة عدم وجود استراتيجيات موحدة لمواجهتها والقضاء عليها . ورغم وجود أوجه كثيرة للتشابه بين تلك المنظمات لجهة الفعل والنتيجة، إلا أن ما تقوم به داعش ميّزها عن غيرها لجهة الوسائل والأهداف والحالات التوظيفية التي تستفيد ويستفاد منها . فعلى الرغم من كونها منظمة تجمع مرتزقة العالم ومجرميه، أعلنت دولتها وخلافتها، وهي سابقة في أن تتمكن منظمة إرهابية من إعلان دولتها من دون مواجهة فعالة واستثنائية من المجتمع الدولي، سوى قرارات تفتقد إلى الآليات التنفيذية . كما أنها المنظمة الوحيدة في العالم، التي تمكنت من إعادة رسم خرائط الجغرافيا السياسية لمنطقة هي الأشد حساسية في العالم، وكسرت اتفاقات قام عليها النظام الجيو سياسي الشرق أوسطي منذ نحو تسعين عاماً، وفوق ذلك كله لها نيات واضحة بالتمدّد إلى غير اتجاه . كما باتت داعش أغنى منظمة إرهابية في العالم، بعدما سيطرت على مناطق شاسعة فيها حقول نفط تعتبر الأهم في العالم . ورغم إجماع دول العالم على وجوب التصدي لها والعمل على ضربها، تمكنت من فتح قنوات كثيرة في الأسواق السوداء لتصدير النفط وبالتالي، امتلاك ذاتية التمويل والاستمرار . وعلى الرغم من ذاتية التمويل، فلا تزال تعد من المنظمات ذات الطابع التوظيفي في إطار السياسات المحلية والإقليمية والدولية، والمفارقة أن الأعداء والخصوم والحلفاء والحكام والمعارضات في دول المنطقة، تجد سهولة واضحة في إيجاد الوسائل للاستفادة من أفعالها وإرهابها، وبطرق غير مكلفة سياسياً وعسكرياً وأمنياً . والمفارقة الأغرب والأسوأ في طبيعة المستهدفين من إجرامها، فهم البشرية برمتها، فداعش وجهت رعبها إلى جميع من يخالفها الرأي حتى ولو في أبسط الأمور تفصيلاً دينية أم دنيوية . فهي منظمة تكفيرية تؤمن بدين على شاكلتها، وتفتي بشرائع وقوانين لم تشهدها حتى مجتمعات العصر الحجري، وبالتالي الأمر لا يقتصر على دين أو مذهب، بل تشمل أفعالها الإنسان كإنسان، بصرف النظر عن عرقه أو قوميته أو دينه، وهنا تكمن بشاعة القضية، وكأننا أمام مشهد سريالي يمهّد لإنهاء البشرية وحضاراتها وثقافاتها . في الحقبات الماضية حتى يومنا هذا، ثمة أعداد من صور الصراعات التي وصلت إلى حد الإرهاب التي لا تعد ولا تحصى، وكانت جميعها، وبصرف النظر عن نتائجها، محاولات لتحسين صور البقاء نحو الأفضل، أما في عصر الداعشية، فثمة أمر مختلف، أقله العودة بالعالم وساكنيه إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث العدمية المطلقة . والسؤال الأهم في هذه الصور الظلامية، ما العمل لتفادي الأسوأ؟ إذا كانت سبل ووسائل مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، باتت أمراً مفروغاً منه، فإن مواجهة الإرهاب الداعشي يتطلب سبلاً ووسائل استثنائية، بقدر أخطاره وآثاره على الجنس البشري، وطالما أن الإنسانية مهدّدة به، فيستوجب النظر إليه بطرق مختلفة، أولاً الاقتناع بجدية خطره، وثانياً توفير آليات تنفيذية جدية لمواجهته والقضاء عليه، وثالثاً، والأهم من هذا وذاك، عدم تلبس صور الرعب والذعر منه، باعتبار أن أبرز وسائل نجاحاته، الخوف منه، وعدم مواجهته والهروب إلى الأمام منه . ألا تستحق هذه الخصائص الإرهابية طرقاً مختلفة؟ يبدو الأمر أكثر ضرورة ووجوباً من أي وقت مضى . د . خليل حسين - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/3a1e557c-cd81-4d89-8035-8511b3767650#sthash.umUh9k7M.dpuf

09‏/09‏/2014

فرصة جدية لمكافحة الإرهاب الداعشي

فرصة جدية لمكافحة الإرهاب الداعشي د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 2/9/2014 لم يعد الإرهاب الداعشي حدثا إرهابيا عاديا ربما اعتادت الدول والمجتمعات سماعه وإدانته ومحاولة مكافحته، بل بات إرهابا هادفا ومنظما مؤسسا بدولة ادعت الإسلام والخلافة فيها، وتجاوز بأفعاله حدود ما يستوعبه العقل البشري. فلم يعد الإرهاب الداعشي يمارس ضد فئة بعينها بل يمارس أفعاله لتطال أديان وحضارات وثقافات ، وبالتالي بات يهدد وجود البشرية ذاتها. إزاء ذلك لم تعد أيضا وسائل المكافحة التقليدية التي نظمتها اتفاقيات وقرارات دولية وصلت إلى السبع عشرة اتفاقية وعشرات القرارات الدولية مجدية، إذ لم تقترن أولا وأخيرا بجدية المعالجة وابتكار وسائل أخرى اشد صرامة، ويبدو أن المجتمع البشري وليس الدول وحدها مقتنعا بذلك بعدما تحسس من يعنيه الأمر أن القضية تخطت اطر المواجهة التقليدية. صحيح على سبيل المثال أن القرار 1373 /2001 ، وضع اطر تنظيمية وتنفيذية للعديد من وسائل مكافحة الإرهاب، واتبعه بعشرات القرارات التفصيلية بحسب الحالات التي عرضت على مجلس الأمن ، إلا أن ما يجري حاليا تخطى هذه الوسائل وبات الإرهاب الداعشي وداعميه يعرفون كيفية التملص منها، إلا أن الجديد في الموضوع أن الذعر والخوف أصاب الجميع، ما شكل سابقة في الإجماع على ضرورة مواجهته حتى في البيئات التي اعتبرها البعض منطلقا له وخاصة في الشرق الأوسط وتحديدا في العراق وسوريا. والجديد اليوم يظهر بمستوى تجاوب بعض الدول المعنية بالقرار 2170 وتحديدا دمشق التي استجابات وان بشروط ، السماح بضرب المنظمات الإرهابية التي تعيث فسادا في أراضيها ، وهي سابقة في تجاه العلاقات مع الغرب منذ اندلاع الأزمة السورية منذ أربع سنوات خلت. ويترافق ذلك مع حراك إقليمي عربي في الاتجاه ذاته،ما يؤسس لرؤية مستقبلية لكيفية التعاطي مع هذه القضية.على أن مكافحة الإرهاب الداعشي من الصعب مواجهته فقط بغارة عسكرية غربية هنا أو هناك، بل يتطلب الأمر جميع من يعنيهم الأمر وهنا البشرية بأسرها ، أن المواجهة ينبغي أن تنطلق من اعتقاد راسخ بأن هذا النوع من الإرهاب لن يحيّد أحدا والدور سيأتي على جميع الدول والمجتمعات القريبة والبعيدة. إن تجفيف تمويل "الداعشية" أمر يتطلب مساعدة دول المنطقة في العمل على حرمانها من سرقة النفط وبيعه في الأسواق السوداء، علاوة على العمل على إيقاف تدفق الإرهابيين إلى المنطقة ، وتكوين بيئة إعلامية هادفة تتوجه إلى المستهدفين منه وحثهم على عدم الانصياع إرهابا ورعبا وذعرا له ، وبقاء كل فئة أقلية كانت أم أكثرية دينية أم قومية في مناطقها ومواجهته. في السابق نمت وترعرعت تنظيمات أصولية متشددة ناصبت العداء للغرب ، وفسحت المجال للمتضررين من أفعالها لصق الإرهاب بالإسلام ، اليوم ثمة موجة إرهابية تتلبس بالتكفير دينا لها ، وتوجه إرهابها للمسلمين قبل المسيحيين، بل امتدت يدها إلى كل من يخالف رأيها حتى من الفصائل التي نمت في حضنها ، ولتصبح رب العالمين على الأرض. لذلك ثمة مصلحة إنسانية – بشرية جامعة للتخلص من هذه المصيبة الكونية إذا جاز التعبير، لأن آثارها وتداعياتها تمس جوهر الأديان وغاياتها، كما تهدد تراثا إنسانيا وبشريا ممتدا في عمق التاريخ ، كما أن التراخي في مواجهته أو مهادنته أو غض الطرف عن جرائمه في مكان لأهداف استثمارية توظيفية لن يبعد خطره بل سيزيده غيا وعبثا بمصير الإنسانية جمعاء. فالخطر اليوم هو من نوع آخر ، هو محاولة ترسيخ صور نمطية في عقول البشر ، صور جلها الذبح والإبادات الجماعية والقضاء على الحضارات والثقافات وعلى كل مظهر في تقدم البشرية الذي تراكم عبر الدهور، والعودة بالمجتمع الإنساني إلى عصور ما قبل التاريخ، وكأن الإنسان يعيش اليوم كوابيس الأحلام ، فهل الفرصة أتت للمواجهة بعد الإجماع البشري على مكافحته والقضاء على آفته؟

الأبعاد القانونية والسياسية للقرار2170

الأبعاد القانونية والسياسية للقرار2170 د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 25/8/2014 مع صدور القرار 2170 عن مجلس الأمن، اعتقد البعض أن ثمة سياقا جديا اعتمدته الأمم المتحدة لمتابعة مكافحة الإرهاب الإقليمي والدولي الذي بدأته منذ عشرات السنين، والذي أنجز له سابقا سبع عشرة اتفاقية دولية وعشرات القرارات الأممية كان أشهرها القرار 1373 /2001، إلا إن التدقيق في ثنايا القرار وما هدف إليه من أبعاد قانونية وسياسية ،هي في الواقع مجرد تكرار لمحاولات هي اقرب ما تكون إلى الفاشلة منها إلى معالجة جدية لقضية باتت تقض مضاجع دول العالم ومجتمعاتها أينما وجدت. لقد صدر القرار 2170 بعد ثلاث سنوات ونصف تقريبا على انطلاق حفلات المجازر والقتل الجماعي في منطقة هي الأشد حساسية في العالم، وتعتبر مهد الحضارات والأديان، وكأنه كان يستلزم المزيد من حفلات الجنون لكي يستيقظ الضمير العالمي ويحاول معالجة ما يجري، وعلى الرغم من صدور القرار متأخرا أفضل مما لا يصدر، فإن بعض جوانبه الملتبسة وربما المقصودة في بعض نواحيه يطرح أسئلة تحتاج إلى إجابات محددة لكي لا يكون القرار كغيره من القرارات التي سبق وأصدرها مجلس الأمن. ففي مجال المقاربة والمقارنة بين القرار وما سبقه من قرارات واتفاقيات،يبدو أن ثمة إجماعا على أن مكافحة الإرهاب الدولي تتطلب بالدرجة الأولى تجفيف منابع تمويله، ومن الطبيعي أن تجفيف المنابع تستلزم أولا وأخيرا تحديدها وتسميتها وتأطير الجهود الدولية لمواجهتها ،الأمر الذي لم يوضحه القرار الذي أتى بصيغ وعبارات عامة غير محددة وغير جازمة، إذ اكتفى بتكرار الصيغ القانونية – الإنشائية التي وردت في عشرات القرارات السابقة. فرغم وجود وقائع وقرائن واضحة ومؤكدة على الكيانات السياسية والدول وغيرها التي تسهل وتمول وترعى عمليات "داعش" في المنطقة، لم يشر إليها لا تصريحا ولا تلميحا، بل أن بعض الفقرات ظلت ملتبسة بحيث يمكن لبعض هذه القوى الاستفادة منها والتملص من بعض القيود الواردة في القرار.فمثلا ، من يموّل هذه الجماعة الإرهابية ؟ وكيف تستفيد من المناطق النفطية التي سيطرت عليها؟ ومن هي الجهات التي تستفيد من توظيف هذه الجماعات سياسيا وعسكريا واقتصاديا؟ جميعها لم تحدد، واكتفى القرار بتجميد أصول ووضع أسماء قيادات على لائحة التعقب الدولية،رغم وجود أسماء وجمعيات فاعلة لم تذكر في القرار. المفارقة الأغرب في القرار ، رغم صدوره وفقا للمادتين 41 و42، أي ضمن الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز استخدام القوة لتنفيذ القرار، وبالتالي وجوب وضع الأسس العملية والتنفيذية ضمن القرار لكي يكون قابلا للتنفيذ العملي، فيما حاول القرار 2170 إسناد الآليات التنفيذية إلى قرارات سابقة (1373)، ورغم صحة ذلك ، إلا أن خصوصية الإرهاب "الداعشي" تتطلب سياقات تنفيذية أكثر دقة وخصوصية من تلك الواردة في القرارات السابقة. وعليه فالقرار يدعو إلى المواجهة دون سلاح ، وكأنه يعطي الفرصة للأطراف المستفيدة من الإرهاب "الداعشي" الاستفادة قدر المستطاع في الوقت المستقطع من عمر أزمات المنطقة ريثما تعالج بعض القضايا ويكون هذا الملف من ضمن سلة واحدة بعدما يستنفد أغراضه وأهدافه وغاياته. وفي هذا المجال أيضا، إن أهم ما يجب إيراده في القرار هي الآليات العسكرية التنفيذية للمواجهة، والتي غابت بشكل مباشر، وكأن المقصود منه ترك الأمور وفقا للعرض والطلب السياسي في المنطقة ، والاكتفاء فقط بالعمليات الجراحية النوعية كالتي نفذتها الولايات المتحدة ضد "داعش" في منطقة الموصل وبالتحديد المناطق المتاخمة لإقليم أربيل شمالي العراق، أي بمعنى آخر في المناطق التي تتواجد فيها المصالح الأمريكية المباشرة، وهذا ما أعلنه صراحة الرئيس باراك اوباما سابقا. والذي أعلن بعد صدور القرار انه سيترأس وفد بلاده في اجتماع مجلس الأمن في أيلول القادم لمتابعة الموضوع ، ويبدو انه في إطار سلة تسعى الولايات المتحدة الترويج لها ربطا ووصلا في بعض ملفات المنطقة التي ستظهر بدايات نتائجها العملية في تلك الفترة ومن بينها البرنامج النووي الإيراني القابل للاستثمارات الجانبية في سياق مواجهة الإرهاب "الداعشي" في المنطقة. في أي حال من الأحوال، من الصعب الوقوف وراء القرار 2170 كإطار قانوني لمواجهة إرهاب هو الأقصى والأشد فظاعة في تاريخ البشرية، باعتباره لا يملك لا أنياب ولا أظافر، وإنما تم الاكتفاء بتظهيره كقرار ممتلئ الشكل السياسي ، إنما فارغ المضمون القانوني التنفيذي، وبالتالي هو أشيه ببيان رئاسي صادر عن مجلس الأمن لا يسمن ولا يغني عن محاربة إرهاب بات يهدد حضارات وثقافات وأديان وأقليات بأكملها تميزت بها منطقة الشرق الأوسط لقرون طويلة.وكما جرى سابقا في تحديد اطر مكافحة الإرهاب وأبرزها سنة 2001 مع القرار 1373 والذي تم التعامل به بطرق سياسية استثمارية ، يجري التعامل اليوم مع الإرهاب "الداعشي" بأدوات ووسائل بدائية ممجوجة تعرف هذه المنظمات ومن يدعمها كيفية التملص منها بل استثمارها لمصلحتها في اغلب الأحيان ، ويبقى السؤال الأخطر هل سيستعمل هذا القرار للتدخل لاحقا في بعض دول المنطقة التي لا زالت تواجه بعض السياسات الزاحفة إلى المنطقة!

تسليح كردستان بين الضرورة والخطورة

تسليح كردستان بين الضرورة والخطورة د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 18/8/2014 بعد المد "الداعشي" في سوريا والعراق، وما نتج عنه من تهديد لدول إقليمية عدة ، وبعدما امتدت جرائم "الداعشية" إلى أقليات المنطقة دينية كانت أم اثنية قومية من أكراد ومسامين ومسيحيين وايزيدين،ارتفعت وتزايدت الأصوات المطالبة بتسليح كردستان العراق تحت مبررات وضرورات مواجهة الإرهاب الممارس ضد الإقليم، وأخت هذه المطالبات منحى دوليا تمثل بوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ، واستعداد كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا مد الإقليم بالأسلحة المناسبة، بعدما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية جويا في بعض المواضع لضرب قوات "داعش" من باب التهديد الذي يمكن أن يشمل أو يطال مصالحها في اقليم كردستان. في المبدأ يعتبر هذا الحراك ألمطلبي كرديا أو إقليميا ودوليا مطلبا محقا ، وضرورة واجبة التحقيق لمواجهة الإرهاب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل بمقدور كردستان العراق وحدها وان امتلكت السلاح المناسب مواجهة الإرهاب منفردة؟ وهل يجوز للاتحاد الأوروبي مثلا تقرير توريد السلاح لإقليم من حيث المبدأ يعتبر جزءا من دولة عربية؟ كما السؤال يطرح نفسه أيضا ما هي ضمانات عدم وصول هذه الأسلحة الى "داعش" تحديا؟ وما هي حدود مخاطر استعمال هذا السلاح لتعزيز الانفصال الذي يسعى إليه اقليم كردستان عن الدولة إلام العراق؟. في الواقع تعتبر هذه التساؤلات محقة وفي موقعها المناسب التي لا تخلو من خلفيات وتداعيات مجرّبة مسبقا في العديد من الوقائع والأحداث التي جرت وتجري في العراق وحوله. صحيح أن اقليم كردستان يتعرّض لمخاطر حقيقية واضحة المنشأ والمعالم ، وصحيح أن الإقليم يمتلك من القدرات العسكرية عدة وعددا ما يمكنه من استعمال السلاح ربما بكفاءة عالية وفقا للهدف المطلوب منه ، إلا أن التجارب السابقة في مواجهة مثل تلك الجماعات الإرهابية تؤكد عدم قدرة طرف أو دولة أو حتى مجموعة دول من مواجهة مثل تلك الأعمال ، من دون تضامن دولي متعدد المطارح والوسائل ، فمحاربة الإرهاب ليست عسكرية أو أمنية فقط بل تمتد لوسائل كثيرة حددتها قرارات دولية كثيرة بدءا بالقرار 1370 وما تلاه من قرارات وتوصيات صادرة عن منظمات إقليمية ودولية، ورغم هذه الإحاطة الدولية للمواجهة لم تتمكن اعتى الدول قوة من مواجهة الإرهاب بالشكل والكيف الذي يقضي عليه تماما، فكيف بإقليم كردستان مواجهة ذلك؟ إضافة إلى ذلك كيف يمكن تقرير تسليح اقليم هو كيان من فدرالية عراقية موصوفة دستوريا ؟ فبصرف النظر عن الواقع السياسي والدستوري الذي يظهر فيه الإقليم من استقلال واقعي لافت لم ينقصه سوى الإعلان الرسمي ليتحوّل من واقعي إلى قانوني، فإن التوصيف القانوني للإقليم هو جزء من دولة منضوية في الأمم المتحدة ومعترف بوحدة أراضيها وسيادتها، وبالتالي فمن غير القانوني تجاوز السلطة المركزية وتسليح اقليم فيها بمعزل عن رضا وقبول السلطة المركزية. الأمر الأشد خطورة من هذا التسليح ، هو إمكانية وصول هذه الأسلحة إلى مسلحي "داعش"، وهو أمر سبق وحدث في بعض المحافظات العراقية كالموصل مثلا حيث تم تسليم المحافظة مع أسلحتها الكاملة في ظروف ساعات، وذهبت مليارات الدولارات من الأسلحة هباءً منثورا من يد الجيش العراقي إلى العصابات المسلحة ! فما هي الضمانات لتكرر المشهد ذاته مع اقليم كردستان؟ ببساطة لا شيء. الأمر الآخر وهو يطرح بداهة حول إمكان استثمار القوة المضافة من هذا السلاح في تعزيز الانفصال عن العراق. واقعا هذه الفرضية ليست بحاجة لتأكيد في معرض تأكيد المؤكد، وبصرف النظر عن عدم مشروعية الدولة الكردية من عدمها، فان المطالبة بالاستقلال القانوني بعد الواقعي أصبح أمرا واقعا أيضا بل مطلب شعبي وقيادي كردي واضحين، ولم يكبح جماحه حتى الآن سوى إجماع الدول الإقليمية المتضررة من إعلان الدولة الكردية، وبالتالي هذه القوة العسكرية المضافة ستستعمل للوصول إلى حلم الدولة القومية الكردية في المنطقة بصرف النظر عن حدود وإمكانات تحققها والاعتراف بها. يبقى من المؤكد القول ، أن محاربة الإرهاب "الداعشي" في المنطقة أكثر من ضرورة وواجب إنساني ، باعتباره بات يهدد حضارات وثقافات بأكملها، وان أدوات هذه المواجهة تتطلب إجماعا دوليا للمواجهة وتجفيف منابع الدعم له، فالتجارب السابقة في محاربة الإرهاب ، خففت وحدت منه في بعض المناطق والدول والمجتمعات، لكنها نمت وترعرعت وتكاثرت في بعض المناطق نظرا للدعم المباشر والاحتضان السياسي والمالي لهذا الإرهاب. وبالتالي إن مواجهة "الداعشية" يتطلب استراتيجيات اكبر بكثير من تسليح اقليم في دولة، أو مجموعة دول في اقليم ما.

15‏/08‏/2014

عهد الحكومتين من لبنان الى العراق

عهد الحكومتين من لبنان إلى العراق د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية في الثالث والعشرين من أيلول العام 1988 انتهت ولاية الرئيس اللبناني أمين الجميل ، وفي الربع الساعة الأخير من ولايته أعلن عن تشكيل حكومة برئاسة قائد الجيش آنذاك ميشال عون، ذلك بمواجهة حكومة الرئيس سليم الحص، لم تنقض ساعات حتى استقال جميع الوزراء المسلمين في الحكومة الجديدة، وظلت الحكومتان تحكمان البلد حتى وُقع اتفاق الطائف برعاية أمريكية سعودية سورية بعدما أزيح الجنرال عون من قصر بعبدا عنوة إلى باريس. والمفارقة في هذه الوقائع التاريخية أن هزيمة الجنرال عون آنذاك اعتبرت هزيمة للرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الذي رعى وموّل مشروعه. والمهم أيضا في هذه الوقائع نتائجها الكارثية من احتراب وتدمير وقتل كلف لبنان الكثير الكثير ماديا ومعنويا. اليوم ما يجري في العراق هو مماثل تماما لما حدث في لبنان مع اختلاف بعض الظروف والوقائع، إلا أن النتيجة في المحصلة واحدة وهذا ما تشير إليه معظم المؤشرات والوقائع العراقية السياسية والأمنية والعسكرية السائدة حاليا. رئيس الحكومة نوري المالكي مصر على ترشحه لرئاسة الحكومة رغم الانقلاب السياسي الذي دبر ضده في كتلته البرلمانية والحزبية حيث لم يعد يملك الغالبية لإعادة ترشيحه ،في مواجهة حيدر العبادي. والأمور لا تقف عند هذا الحد ،بل شمل محاولة إعادة تركيب المشهد الداخلي خلط أوراق تفاهمات خارجية ورغم عدم وضوحها الدقيق، إلا أنها تعبر بمعظم جوانبها اتفاقا وتقاطعا مبدئيا حول إنهاء الدور السياسي لنور المالكي، مترافقا مع جولة التنازع على الأثمان السياسية والعسكرية للأطراف الإقليمية والدولية في ملفات ذات صلة بالأزمة العراقية كالأزمة السورية واللبنانية وملفات "داعش" وغيرها في المنطقة. الولايات المتحدة الأمريكية نفضت يدها عمليا من نوري المالكي فيما بدا الموقف الإيراني غير ممانع لكن بشروط وأثمان، بينما اعتبر الأمر نصرا سعوديا. ترافقت هذه المواقف مع تحرك داخلي للمالكي تمثل بمظاهر أمنية وعسكرية وشعبية، ما يوحي استعداده للمضي قدما بالمواجهة رغم التحذيرات الأمريكية له، ما يعني أن بعض أطياف المجتمع العراقي تتحضر لمواجهات قوية تشي بحرب أهلية حتى ضمن الطائفة أو المذهب السياسي والديني الواحد ؛ وهو أمر توفرت له الظروف الذاتية والموضوعية في العراق منذ عقد من الزمن تقريبا ، وبات واقعا وخيارا لدى بعض الفئات في العراق ولو على حساب الكيان والمجتمع. ربما عوامل التفجير الداخلي في العراق اليوم هي أسهل بكثير مما سبق، وإذا كان بالإمكان تفادي التفجير سابقا، فمعطيات اليوم مزدحمة في الواقع العراقي وهي قاب قوسين أو ادني من تفجير واسع يأتي على جميع المكونات السياسية والجغرافية العراقية. فتمدد "داعش" في غير منطقة عراقية وسورية، جعل منها واقعا مأساويا وابتزازيا في المشهد العراقي المشتعل أساسا، وبدلا من أن يكون هذا التمدد دافعا لخلط الأوراق ومواجهته داخليا بات عاملا مساعدا للتفجير الداخلي والخارجي. ما جرى في لبنان قبل عقدين ونيف من الزمن عبر حكومتين متنافستين ، ربما سيتكرر وبقوة في المشهد العراقي، فالمسألة ليست بالضرورة مسألة دستورية كما يصورها نوري المالكي، ولا هي بعملية إعادة ترتيب سياسي لوضع ما، بقدر ما بات سياقا معتادا في المجتمعات العربية حاليا،بهدف المزيد من التمزيق والتفتيت والتفجير ،وكأنه بات أمرا مقضيا،. ما يجري في العرق اليوم أيضا ليس مفصولا عن المشهد الإقليمي العام ، من إيران شرقا مرورا بسوريا وابنان وغزة ومصر وليبيا، باختصار مشهد دموي إرهابي لا أفق سياسي له، بل يشي بمجموعة من الصور الدموية التي ستركِب مشاهد خطرة على الجغرافيا السياسية لدول ومجتمعات وأنظمة أدت قسطها للعلا لقرن مضى، والمفارقة أن جميع فواعلها الداخليين منخرطون فيها وفق أجندات خارجية واضحة المعالم ، دون رغبة أو قدرة على الاستثمار الداخلي الايجابي فيها. ربما المفارقة الأغرب في هذا المجال تبدو بما جرى في لبنان سابقا والعراق حاليا، عهد الحكومتين في لبنان استنفدت قوى الأطراف جميعا وأدت إلى اتفاق إقليمي دولي، رتّب الوضع اللبناني لعقد ونصف من الزمن (1990- 2005) ؛ فيما الواقع العراقي معاكس تماما ونتائجه ربما تكون كذلك، احتراب طائفي مذهبي يسانده ويسعره صراعات إقليمية ودولية، والأغرب أيضا في هذا السياق ما أشيع عن مشاريع تسويات جزئية في ملفات المنطقة، ومن بينها التسهيل لعزل نوري المالكي سياسيا في العراق، مقابل تسهيل انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية في لبنان، وكأن إعادة الفصل والوصل في جزئيات أزمة المنطقة ارتبط مجددا بين بيروت وبغداد ، عبر طهران والرياض!

13‏/08‏/2014

تدعيش لبنان

تدعيش لبنان د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية ثمة مصلحة إقليمية ودولية سادت سابقا ولو على مضض لتحييد لبنان عن بعض ملفات المنطقة ، وبخاصة الأزمة السورية ومتفرعاتها في لبنان. إلا أن ما جرى مؤخرا من تطورات دراماتيكية أمنية وعسكرية في سوريا، وما تبعها في العراق ، أعاد خلط الأوراق من جديد لترتيب إدارة أزمة بعض الملفات الفرعية في المنطقة من البوابة اللبنانية تحديدا، وعبر فتح معركة البقاع اللبناني الشمالي المتصل جغرافيا وديموغرافيا بسوريا. وعلى الرغم من تهيأ الظروف الفعالة لتفجير الأوضاع في لبنان في المرحلة السابقة، جرت تفاهمات متنوعة الأبعاد والغايات لإبقائه في وضع لا هو بالمستقر ولا هو بالمتفجر، أملا بإجراء عمليات استثمار أمنية وعسكرية في غير ملف محلي أو إقليمي لما يحيط بلبنان من ظروف ذاتية وموضوعية مساعدة لذلك. اليوم أطلقت داعش صفارة إدخال لبنان ضمن عملياتها الإرهابية بمواجهة الجيش اللبناني، مستغلة جملة عوامل داخلية لبنانية يأتي في طليعتها الانقسام العامودي بمختلف أنواعه، بدءا بالسياسي وصولا إلى الديني والمذهبي. كما أن ثمة ظروف موضوعية مساعدة لذلك ، من بينها وجود أعداد وأحجام هائلة من النازحين السوريين في معظم المناطق اللبنانية، وهم في طبيعة الأمر بينهم من يوالي جبهة النصرة وداعش وبالتالي إن بيئة تفجير الوضع اللبناني من الداخل هي متوفرة وبشكل خطر، إضافة إلى ذلك ثمة بيئة بعض المخيمات الفلسطينية التي استقطبت مثل تلك الجماعات، علاوة على بدايات النزوح العراقي إلى لبنان أيضا، جميعها تكوّن الأرض الخصبة لتدعيش الواقع اللبناني المهيأ أصلا للفوضى والفلتان الأمني والعسكري. وإذا كان الأمر كذلك ، فما هو مسار ومصير الواقع المستجد في لبنان، صحيح أن داعش فتحت معركتها في لبنان من البوابة البقاعية الشمالية عبر بلدة عرسال ، إلا أن الأمر لن يقتصر على تلك المنطقة بل ستكون بداية انطلاق لمناطق أخرى ولأهداف إرهابية وإستراتيجية بالنسبة لمشروعها في المنطقة. فبعد معارك القصير والقلمون وخسارة داعش وجبهة النصرة لهذه المواقع لم يبق لها سوى المناطق المتاخمة لسلسلة جبال لبنان الشرقية، ووسط عجزها عن الوصول إلى الساحل السوري لإيجاد ممر بحري لعمقها العسكري في سوريا والعراق لم يبق لها خيارات متاحة سوى التغلغل في لبنان من البقاع الشمالي شرقا نحو مناطق عكار وطرابلس غربا، وهو خيار جدي طرحته داعش منذ العام 2013 ومن غير المستبعد العمل عليه بصورة جدية وعملية. والأمر من الناحية العملية لن يقف عند هذا الحد، فمن الطبيعي في خلال تنفيذ هذه المخططات في منطقة بعينها، وعند تعرضها لضغوط ومواجهات كبيرة سوف تستغل العوامل المساعدة في بعض المناطق اللبنانية الأخرى لتخفيف الضغوط العسكرية عليها، وبالتالي إغراق لبنان عمليا في فوضى أمنية وعسكرية تم سابقا الحؤول دون وقوعها بشكل واسع. اليوم جميع الظروف الداخلية اللبنانية قد تهيأت للتفجير رغم وجود بعض الضوابط والرغبة الخارجية بعدم التفجير الواسع لحسابات ومصالح إقليمية، فهل سيتمكن لبنان من الاستفادة من الوقت المستقطع في منطقة باتت على شفير الهاوية العسكرية. فالوقائع الممتدة أصلا من غزة جنوبا وسوريا والعراق شرقا وما تحتويه المنطقة من عوامل الفوضى والفراغ توحي بأن لبنان بات جزءا من لعبة الصراعات في المنطقة ومن الصعب فصله عما يجري في غير منطقة عربية. ان الإرهاب الإسرائيلي في غزة اليوم ، هي جزء واضح من معركة داعش في لبنان، فسلاح المقاومة لم تتمكن إسرائيل من فرض شروطها لانتزاعه في العام 2006، وهي حاولت بشتى الوسائل لتحقيق ذلك عبر شق الوحدة الوطنية الداخلية اللبنانية ، واليوم تراهن إسرائيل على ظاهرة الداعشية في غير منطقة عربية ومنها لبنان ، في محاولة لتحقيق مآربها وغاياتها، ويبدو أن التناغم والتطابق بين أعمال وأفعال الصهيونية والداعشية هي واحدة بالنتيجة. الأولى أقامت دولة يهودية خالصة في فلسطين بوسائل الإرهاب والقتل والترويع عبر عصابات الأرغن وشتيرن وغيرها في مطلع القرن الماضي، واليوم تحاول الظاهرة الداعشية إقامة ما تسميه خلافة إسلامية بالترويع والترهيب والقتل. فهما وجهان لعملة واحدة. فهل سيتمكن لبنان من الإفلات من الفخ الذي نصب له؟ يبدو أن الأمر صعب في ظل المعطيات والوقائع القائمة، إلا أن الملح حاليا ، إن تصبح محاربة الإرهاب الداعشي أولوية إقليمية ودولية قبل أي عمل آخر.

06‏/08‏/2014

عِزّةُ غزّة

عِزّةُ غزّة د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية عندما أطلقت إسرائيل عنوان الجرف الصامد لعدوانها على غزة ، اعتقدت بأنها قادرة على جرف غزة إلى البحر كما تمنى في تسعينيات القرن الماضي رئيس وزرائها الأسبق اسحق شامير، لكن سرعان ما انقلبت موازين القوى عبر صمود الشعب الفلسطيني بوجه آلة القتل الإسرائيلية، وفرضت معطيات جديدة هي سابقة في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي تحديدا. أقه في هذه المرحلة إجبار إسرائيل التفتيش عن مخرج يحفظ ماء الوجه الإرهابي الذي مارسته ضد أطفال غزة لا مقاوميها. وهنا تكمن أهمية الصمود في الحفاظ على المكتسبات وعدم إتاحة الفرصة لإسرائيل في تحويل النصر الفلسطيني إلى هزيمة ، كما برعت به سابقا في تاريخ مواجهاتها مع العرب عموما ومع الفلسطينيين خصوصا. اليوم دفعت غزة ما يفوق الألف شهيد وسبعة آلاف جريح ووضعت إسرائيل أمام استحقاق كانت تخشاه بداية العدوان، وهو الوصول إلى مكان تبحث فيه عن سبيل لوقف إطلاق النار ولو تحت مسمى هدنة إنسانية تصورها وتسوقها لمصلحة الفلسطينيين ، إنما في الواقع هو تقطيع الوقت في محاولة إسرائيلية مكشوفة لتعبئة الضغوط العسكرية والسياسية لفرض شروط ما بعد العدوان، وهي شروط بالمناسبة لا تتناسب أصلا وحجم المأزق الذي وضعت نفسها به؛ ما يعني اعتراف مبدئي بالفشل وعدم القدرة على مجرد رفع السقف السياسي للمفاوضات الجارية حاليا. إسرائيل اليوم مقهورة عسكريا بنخبتها في لواء غولاني ومجموعات ايغوز ، وهي تحتمي بقبة كرتونية لم تحمِ حتى مطار بن غوريون من أشعة الشمس لا من صواريخ المقاومة التي وصلت إلى الألفي صاروخ خلال عشرين يوما.وسياسيا محشورة في الداخل قبل الخارج بكيفية استجداء العالم لوقف إطلاق النار، وسط مبادرة أميركية لا تعدو فخا تفاوضيا اعتادت إسرائيل اللجوء إليه عند الحشرة السياسية والعسكرية في مثل هذه الحالات. وهنا بيت القصيد في استمرار الصمود السياسي الفلسطيني بوجه الضغوط الهائلة التي تمارس عليه للقبول بوقف إطلاق نار مقرون بمواصلة العدوان تحت شعار تدمير الإنفاق والصواريخ الفلسطينية ، في موازاة محاولة لتكريس واقع مستقبلي مفاده عدم اللجوء إلى تصنيع الصواريخ أو نقلها من الخارج ، مقابل وعود بفك الحصار وإعادة الإعمار . ربما اليوم القيادة الفلسطينية والعسكرية مطالبة بمزيد من التشدد التفاوضي بمواجهة إسرائيل ، لكي لا يتحول الصمود والنصر إلى جرف وهزيمة، ولعل الاتعاظ من تجارب المقاومة اللبنانية في العام 2006 دليلا وطريقا لترجمة الصمود لتحقيق مطالب هي من مسلمات حقوق الشعوب والدول ولو نظريا . ففك الحصار ليس مطلبا حديثا أو آنيا، وهو أمر مزمن مارسته إسرائيل عبر الاحتلال وعبر علاقاتها بالسلطة الفلسطينية لاحقا ، ولم يكن يوما قضية طارئة وبالتالي إن فك الحصار ينبغي أولا وأخير عدم ربطه بمطالب إسرائيلية أخرى لا بوقف القتل ولا بغيره من المطالب كقضايا الأنفاق التي تعتبر أصلا نتيجة للحصار لا فعلا سابقا له. إن محاولة إسرائيل ربط وقف العدوان بشروط هي من الحقوق الأساسية للشعوب والدول، هو خروج اعتادت إسرائيل القيام به ومحاولة المضي به إلى نهاياته ، وسط ظروف إقليمية ودولية مساعدة لها، إلا أن ظروف اليوم هي متغيرة إلى حد كبير ويمكن للفلسطينيين تحسين وترقية شروط التفاوض للمرحلة المقبلة بأكلاف سياسية وعسكرية معقولة بعد العدوان. ولنكن واقعيين هنا ونتحلى بالجرأة المفترضة، إن القيادة الفلسطينية بشقيها السياسي والمقاوم المحتضنة شعبيا لديها فرصة تاريخية لإعادة رسم وسائل وطرق تموضعها السياسي اللاحق في منطقة تعج بالمفاجئات والمشاريع من هنا وهناك. عِزّةُ غزة اليوم ، قدرتها على فرض سابقة عسكرية وسياسية على إسرائيل لم تعتد عليها منذ العام 2006، والمبادرة الأمريكية والفرنسية المطروحة اليوم عبر الأمم المتحدة سقفها محاولة الوصول إلى قرار أممي مشابه للقرار 1701 في لبنان ، يحاول تقطيع أوصال الجغرافيا السياسية الفلسطينية المقطعة أصلا ، وينهي القوة النوعية العسكرية الفلسطينية . ففي تموز العام 2006 حاولت إسرائيل عبر الأمم المتحدة فرض سياق عسكري وامني وسياسي على المقاومة اللبنانية، النتيجة كانت مضاعفة قوة المقاومة اللبنانية أضعاف المرات حيث فرضت معادلات وقواعد اشتباك سياسية وعسكرية وحتى استخبارية مذلة لإسرائيل ، فهل ستتمكن المقاومة الفلسطينية من استنساخ التجربة اللبنانية؟ إن حجم التضحيات التي قدمها أطفال غزة تستحق ذلك!

مصير المفاوضات النووية الإيرانية ومسارها

مصير المفاوضات النووية الإيرانية ومسارها د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية في الرابع والعشرين من تشرين الثاني العام 2013 أنهت مجموعة الست مفاوضاتها النووية مع إيران باتفاق حفة الهاوية ، والذي تم الاعتراف من خلاله بإيران دولة نووية واقعيا مع الملامسة القانونية لمجمل الملف. في ذلك الوقت حكمت عدة معطيات هذا المسار الانفتاحي بين الغرب وطهران، استمرت المفاوضات حتى العشرين من تموز الحالي وتم تمديد مهلة إعادة التفاوض إلى تشرين الثاني القادم، فما جرى وما هي المعطيات المفترضة والى أين تتجه المفاوضات؟ عدة نقاط حساسة حُسمت سابقا، من بينها حق إيران بالتخصيب بنسبة خمسة بالمئة ودون تجاوز هذا الحد، علاوة على حسم عدم إنهاء البرنامج في فترة التفاوض، مع الحرص على عدم إقدام طهران على إنشاء المزيد من منشآت التخصيب، وتقليص التخصيب في مجمع نتانز وفوردو ، في مقابل تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية. وعلى الرغم من التفاؤل المفرط أحيانا ، لم يتم التوصل في الجولات الست إلى نهايات مخطط لها مبدئيا.ورغم ذلك تم تمديد جولات التفاوض لأربع أشهر قادمة دون تحديد المكان عمليا. ثمة العديد من المؤشرات التي توحي بالتفاؤل، إلا ان ثمة العديد من العقبات التي تحد من إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي في الموعد المفترض في ظل وجود أزمات سياسية عميقة في المنطقة من السهل الربط والوصل بينها وبين جولات التفاوض القادمة. في الصورة الأولى ثمة بوادر تباين بين الدول الست نفسها لكيفية إدارة ملف التفاوض وغاياته النهائية ويبرز في هذا المجال الموقف الروسي في مواجهة الآخرين ربطا واستثمارا بملف أوكرانيا مثلا، كما وجهة النظر الفرنسية المتشددة وبخاصة تجاه ملف منشأة آراك العاملة بالمياه الثقيل التي تتطلع إلى الاستفادة منه مستقبلا باعتبارها الأكثر تقدما بهذا النوع من التشغيل عالميا. إضافة إلى ذلك عدد وحجم أجهزة الطرد المركزي الذي يحاول الغرب تقليصها إلى مستويات غير مقبولة إيرانيا في ظل تصريحات إيرانية متشددة بهذا الخصوص مترافقة مع تهديدات مبطنة بإمكانية العودة إلى التخصيب بنسبة العشرين بالمئة المتوقفة حاليا. أما العقبة الكأداء أو الخط الأحمر الإيراني والذي كاد في الجولة الثالثة أن يوتر المفاوضات ويوقفها هي قضية الصواريخ الباليستية الإيرانية والتي يعتبرها الغرب جزءا من وسائل نقل الأسلحة غير التقليدية المحتملة، فيما تعتبرها طهران جزءا مركزيا وأساسيا من سلاحها التقليدي المقدّس الذي لا يمكن مقاربته أو مجرد التفكير بربطه في إطار المفاوضات الجارية وهو موضوع فرنسي الطرح والتبني لاقى معارضة شرسة بمجرد وضعه على الطاولة. جانب آخر من المصاعب المحتملة الضغوط التي تمارس على الرئيس الأميركي بارك اوباما باتجاه تشديد العقوبات على طهران وعدم التعامل بمرونة مع هذا الملف، وهي قضية قد تؤثر على مسار ومصير المفاوضات إذا لم يتم التعامل معها بدقة، إذ أن جلوس طهران على طاولة المفاوضات هدفه المرحلي والاستراتيجي حاليا هو الاقتصاد. إضافة إلى ذلك ، ثمة جانب آخر من المصاعب المحتملة متعلق بمستوى الاتفاق وتداعياته الإقليمية وبخاصة الخليجية منها، علاوة على العرقلة الإسرائيلية الدائمة لسير المفاوضات وحذرها في تقبل مطلق مقترح يطلق من هنا أو هناك. في المحصلة ثمة جملة من العقبات التي تواجه سير المفاوضات ومصيرها المحتمل في تشرين الثاني القادم، في ظل ظروف إقليمية ضاغطة جدا ، بدءا من عدوان إسرائيل على غزة وهو المكان الأكثر عرضة للاستثمار والتموضع الإقليمي، مرورا بالأزمة السورية والعراقية، وصولا إلى الملف اللبناني برمته، جميعها قضايا تجيد كل الأطراف استعمالها وممارسة عمليات الشد والجذب السياسي والأمني بهدف الحصول على القدر الأكبر من المكاسب. فهل سيتوصل الطرفان إلى حل ما للبرنامج النووي وبالتالي بداية الولوج في مشاريع حلول لأزمات المنطقة المستعصية، أم أن الخريف القادم سيكون مناسبة أخرى لجولات جديدة من التصعيد في بعض المواقع الإقليمية تعيد خلط أوراق التفاوض من جديد؟ يبدو أن التجارب السابقة تعزز مثل هذه الفرضيات!

غزة من الأمر الواقع إلى فرض الوقائع

غزة من الأمر الواقع إلى فرض الوقائع د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 19-7-2014 من مسلمات استراتيجيات الأمن الإسرائيلية التفوّق وعدم السماح بكسر معادلة الردع تجاه الآخرين. وإذا حصل واختل التوازن لغير مصلحتها فهي مستعدة لشن الحروب والاعتداءات خدمة لتصحيح معادلات الردع. ؛ وثمة سوابق كثيرة في هذا المجال من بينها عدوان 2006 على لبنان الذي أعقبته بعدوان آخر على غزة في العام 2008 ومن ثم 2012 و2014 ، فما الذي جنته إسرائيل في اعتداءاتها السابقة وما يمكن أن تجنيه في اعتدائها الحالي؟ في جميع حروبها (ضد المقاومة في لبنان وغزة) رفعت إسرائيل سقف مطالبها إلى أقصى الحدود في كل عملية كانت تقوم بها، لكن بدء المعركة ليس كإدارتها أو نهايتها، والمفارقة أن في اغلب الجولات العسكرية كانت إسرائيل هي السبّاقة لطلب التدخل الغربي للحد من خسائرها ومحاولة التوسّط للتهدئة والهدنة ، وهذا ما جرى بشكل واضح في اليوم الرابع مثلا لعدوان تموز 2006 على لبنان، الأمر يتكرر اليوم في طلب التوسط للتهدئة رغم تلويحها الدائم بالاجتياح البري لقطاع غزة وهذا ما تنتظره المقاومة. في الجولات السابقة وان تمكنت المقاومة في غزة من تسجيل انجازات الصمود والتوصل لجملة تفاهمات برعاية إقليمية ودولية، إلا أن هذه التفاهمات لم تكن لتصمد طويلا، فهل تغيّرت التوازنات والمعادلات الآن؟ في الواقع تمكنت المقاومة من جر إسرائيل إلى حيث لا تريد وهي إطالة الأزمة وبالتالي المزيد من الصواريخ على كافة الأراضي الإسرائيلية من الجنوب إلى الشمال كما الشرق والساحل، ما يعني إن إسرائيل لم تعد متحكمة بقواعد اللعبة الأمنية والعسكرية التي تعوّدت غمار الخوض فيها مع الفلسطينيين وغيرهم، علاوة على أن فصائل المقاومة حاليا باتت تفجر المفاجئة تلو الأخرى وهي من العيار الثقيل الذي لا قدرة لإسرائيل على بلعها وهضمها بسهولة وبساطة، وخاصة لجهة إدخال سلاح الطائرات من دون طيار والصواريخ المتوسطة المدى، كما استهداف مواقع تمثل عصب الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية برا وبحرا وجوا ، وببساطة تامة وكأن القبة الحديدية التي تتبجح بها إسرائيل تهاوت على رأسها. في العام 1996 تمكنت المقاومة اللبنانية من فرض "تفاهم نيسان"بعد ما أسمته إسرائيل آنذاك عملية عناقيد الغضب، ومفاده عدم الاعتداء على المدنيين اللبنانيين ووضع قواعد اشتباك محددة كما طورنه وحسنت شروطه في القرار 1701، اليوم تحاول المقاومة في غزة فرض تفاهم من هذا القبيل وهي قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه. فالمقاومة تمكنت إلى حد بعيد من امتلاك الأسس والقواعد التي تمكنها من البحث بجدية حول تحديد قواعد الاشتباك مع إسرائيل ، وفرض بعض الشروط التكميلية لقواعد اللعبة في حال التوصل إليها . وساعدها في ذلك بشكل أساسي إدخال التكنولوجيا في الحرب القائمة وهو السلاح الذي تدعي إسرائيل تفوقها به وفي جميع أوجهه. اليوم حلقت طائرات فلسطينية فوق وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب ، وتم اختراق الإعلام الإسرائيلي الكترونيا، ولم ينقص إسرائيل إلا أن تنزل قواتها العسكرية إلى الملاجئ مع ملايين المدنيين، إضافة إلى خسائر الاقتصاد والمال غير المسبوقة إلا في الحروب الكبرى، ثمة صور نمطية جديدة بات على الإسرائيليين التعوّد عليها ، وهي أن الأراضي الفلسطينية المحتلة بكاملها باتت تحت رحمة الصواريخ الفلسطينية. طبعا ثمة انجازات نوعية قد تحققت وينبغي استغلالها واستثمارها جيدا، وهنا بيت القصيد في المواجهات الحالية، وحتى لا نغرق بالكثير من التفاؤل المعتاد عليه عربيا، يجب على المفاوض الفلسطيني كما المقاوم أن يدرك جيدا بأن الانتصار هو في النتائج المحققة سياسيا بعد النتائج العسكرية وهي البيئة التي لم نحسن نحن العرب استغلالها في كافة المواجهات مع إسرائيل. ومن الموضوعية الاعتراف بأن العدوان على غزة يحصل اليم وسط بيئة إقليمية ودولية معقدة وخطرة، ما يسهل استثمار نتائجه في غير ملف داخلي عربي وإقليمي ، بدءا من الاقتتال الداخلي في غير بلد عربي ، مرورا بإعادة التموضع لبعض الدول الإقليمية الكبرى في المنطقة ، وصولا إلى إمكانية صرفه في مفاوضات نووية على قياس غير عربي. باختصار ثمة الكثير من المسائل التي كانت يوما ما امرأ واقعا على الفلسطينيين، واليوم الفرصة سانحة لأن تفرض الوقائع الفلسطينية امرأ واقعا على الإسرائيليين ، فهل سنتمكن من ذلك وان كانت التجارب السابقة غير مشجعة!

21‏/07‏/2014

غزة بين العدوان والاستثمار

غزة بين العدوان والاستثمار د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في الخليج الامارايتة بتاريخ 13-7-2014 في تسعينيات القرن الماضي أطلق ،رئيس الوزراء الأسبق، اسحق رابين ، أمنية أن يستيقظ يوما ويرى البحر قد ابتلع قطاع غزة، وفي الواقع لم يتخلف أحدا من القادة الإسرائيليين عن هذه الأمنيات العنصرية ، التي كانت تظهر في جميع أسماء العمليات التي كانت تطلقها في بدء كل عدوان، ومنها الرصاص المسكوب، وآخرها الجرف الصامد ،وهي دلالات تخفي الكثير من صور العنصرية والشوفينية. وبصرف النظر عن مسببات العدوان وأهدافه وتداعياته الإقليمية، ثمة العديد من المفارقات التي حكمت انطلاقة العدوان وكيفية المواجهة وبالتالي إمكانية النظر في نتائجه لاحقا. في الاعتداءات الموسعة السابقة ومن بينها العام 2008 – 2009 تمكنت المقاومة في غزة من مواجهة العدوان بأساليب تقليدية ، وطورت وسائلها في عدوان 2012 كماً ونوعاً، ما أعطى القوى الفلسطينية مزيدا من الثبات في مواجهة إسرائيل رغم الظروف العربية والإقليمية المحيطة ، الضاغطة على الوضع الفلسطيني. اليوم بدأ العدوان بنية إسرائيلية متدحرجة نحو توسيع العمليات وتكثيفها، لكن المفاجأة وحتى السابقة، قيام القوى الفلسطينية بعمليات استباقية برا وبحرا ( قاعدة سيزكين) نحو أهداف عسكرية إسرائيلية تعتبر إستراتيجية وفقا للتصنيف العسكري، ما يعني أن المقاومة بدأت تكتيكا استراتيجيا مغايرا يمكن إعادة خلط الأوراق والتأثير على مجمل التفاهمات التي يمكن التوصل إليها لاحقا؛ وما يعزز هذا الانتقال النوعي في التعاطي مع مواجهة العدوان، استعمال صواريخ بعيدة المدى (M 302 ) أصابت تل أبيب والقدس، وحيفا والخضيرة للمرة الأولى ، وهي إشارة واضحة بأن التصعيد الإسرائيلي سيواجه بردود موجعة من الصعب أن تتحملها إسرائيل لأوقات مفتوحة وغير محدّدة. وبصرف النظر عن حدود العدوان ونية طرفيه المباشرين في إدارة الأزمة الحالية، ثمة إمكانية لإعادة تموضع لأطراف عربية وغير عربية في استثمار الأزمة ومحاولة الاستفادة منها كل بحسب ما يريد ، وهذا ما اعتاد عليه الوضع إقليميا ودوليا وبخاصة في الاعتداءات الواسعة، حيث كانت الكثير من التوازنات والمعادلات وبالتالي المواقف يُعاد النظر فيها وفقا لنتائج المعركة وحجم كل طرف فيها. ثمة مصلحة مصرية لإعادة تموضع سياسي جديد مع قطاع غزة بحكم الجغرافيا السياسية التي يرتبطان بها ، وهو أمر لا مفر منه بخاصة بعد المتغيرات المصرية الأخيرة. الأمر ينسحب أيضا ولو بصور مختلفة على كل من إيران وسوريا اللتان تفضلان أيضا الاستفادة من إدارة الأزمة للتخفيف من الضغوط اللتان تتعرضان لها في غير ملف وموقع. بالمحصلة لن يُغرق البحر قطاع غزة كما تمنى رابين يوما، وبصرف النظر عما إذا تمكن رئيس الوزراء الحالي،بنيامين نتنياهو من إعادة غزة أربعين سنة للوراء أم لا، فإن المؤكد إن جملة تفاهمات سيتم التوصّل إليها بين الفلسطينيين وإسرائيل ، وهي في أحسن الأحوال ستتطابق مع ما توصل إليه الجانبان في تفاهمات سابقة، مع ملاحظة إعادة التموضع السياسي للقوى العربية والإقليمية في العديد من الملفات الفلسطينية. ولا يغيب عن البال أصلا ، أن هدف إسرائيل الأول من إطلاق هذا الاعتداء على مصراعيه، هو ضرب المصالحة الفلسطينية الأخيرة، وهو ما يجب الحفاظ عليه كرد موجع على إسرائيل . إن إطلاق القوى الفلسطينية تسمية "البنيان المرصوص" على عملية مواجهة العدوان الإسرائيلي له من الدلالات الهامة لجهة الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية التي كانت ولا زلت هم إسرائيل الأول في ضربها وتشتيتها. ثمة داعشية إسرائيلية واضحة ضد الشعب الفلسطيني ومؤسساته وقياداته، فأين حل الدولتين، وأين وقف بناء المستوطنات وأين وأين...، أسئلة كثيرة يطرحه عدوان إسرائيل الآن، في ظل صمت دولي مطبق، وفي ظل غياب وتمزق عربيين . يبدو أن تل أبيب عرفت كيف تقرأ أوضاع المنطقة لتنقض على فريستها في زمن الداعشية الذي بدأ ينهش ويبتلع دولنا ومجتمعاتنا! .

20‏/07‏/2014

غزة من الأمر الواقع إلى فرض الوقائع

غزة من الأمر الواقع إلى فرض الوقائع د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 13-7-2014 من مسلمات استراتيجيات الأمن الإسرائيلية التفوّق وعدم السماح بكسر معادلة الردع تجاه الآخرين. وإذا حصل واختل التوازن لغير مصلحتها فهي مستعدة لشن الحروب والاعتداءات خدمة لتصحيح معادلات الردع. ؛ وثمة سوابق كثيرة في هذا المجال من بينها عدوان 2006 على لبنان الذي أعقبته بعدوان آخر على غزة في العام 2008 ومن ثم 2012 و2014 ، فما الذي جنته إسرائيل في اعتداءاتها السابقة وما يمكن أن تجنيه في اعتدائها الحالي؟ في جميع حروبها (ضد المقاومة في لبنان وغزة) رفعت إسرائيل سقف مطالبها إلى أقصى الحدود في كل عملية كانت تقوم بها، لكن بدء المعركة ليس كإدارتها أو نهايتها، والمفارقة أن في اغلب الجولات العسكرية كانت إسرائيل هي السبّاقة لطلب التدخل الغربي للحد من خسائرها ومحاولة التوسّط للتهدئة والهدنة ، وهذا ما جرى بشكل واضح في اليوم الرابع مثلا لعدوان تموز 2006 على لبنان، الأمر يتكرر اليوم في طلب التوسط للتهدئة رغم تلويحها الدائم بالاجتياح البري لقطاع غزة وهذا ما تنتظره المقاومة. في الجولات السابقة وان تمكنت المقاومة في غزة من تسجيل انجازات الصمود والتوصل لجملة تفاهمات برعاية إقليمية ودولية، إلا أن هذه التفاهمات لم تكن لتصمد طويلا، فهل تغيّرت التوازنات والمعادلات الآن؟ في الواقع تمكنت المقاومة من جر إسرائيل إلى حيث لا تريد وهي إطالة الأزمة وبالتالي المزيد من الصواريخ على كافة الأراضي الإسرائيلية من الجنوب إلى الشمال كما الشرق والساحل، ما يعني إن إسرائيل لم تعد متحكمة بقواعد اللعبة الأمنية والعسكرية التي تعوّدت غمار الخوض فيها مع الفلسطينيين وغيرهم، علاوة على أن فصائل المقاومة حاليا باتت تفجر المفاجئة تلو الأخرى وهي من العيار الثقيل الذي لا قدرة لإسرائيل على بلعها وهضمها بسهولة وبساطة، وخاصة لجهة إدخال سلاح الطائرات من دون طيار والصواريخ المتوسطة المدى، كما استهداف مواقع تمثل عصب الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية برا وبحرا وجوا ، وببساطة تامة وكأن القبة الحديدية التي تتبجح بها إسرائيل تهاوت على رأسها. في العام 1996 تمكنت المقاومة اللبنانية من فرض "تفاهم نيسان"بعد ما أسمته إسرائيل آنذاك عملية عناقيد الغضب، ومفاده عدم الاعتداء على المدنيين اللبنانيين ووضع قواعد اشتباك محددة كما طورنه وحسنت شروطه في القرار 1701، اليوم تحاول المقاومة في غزة فرض تفاهم من هذا القبيل وهي قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه. فالمقاومة تمكنت إلى حد بعيد من امتلاك الأسس والقواعد التي تمكنها من البحث بجدية حول تحديد قواعد الاشتباك مع إسرائيل ، وفرض بعض الشروط التكميلية لقواعد اللعبة في حال التوصل إليها . وساعدها في ذلك بشكل أساسي إدخال التكنولوجيا في الحرب القائمة وهو السلاح الذي تدعي إسرائيل تفوقها به وفي جميع أوجهه. اليوم حلقت طائرات فلسطينية فوق وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب ، وتم اختراق الإعلام الإسرائيلي الكترونيا، ولم ينقص إسرائيل إلا أن تنزل قواتها العسكرية إلى الملاجئ مع ملايين المدنيين، إضافة إلى خسائر الاقتصاد والمال غير المسبوقة إلا في الحروب الكبرى، ثمة صور نمطية جديدة بات على الإسرائيليين التعوّد عليها ، وهي أن الأراضي الفلسطينية المحتلة بكاملها باتت تحت رحمة الصواريخ الفلسطينية. طبعا ثمة انجازات نوعية قد تحققت وينبغي استغلالها واستثمارها جيدا، وهنا بيت القصيد في المواجهات الحالية، وحتى لا نغرق بالكثير من التفاؤل المعتاد عليه عربيا، يجب على المفاوض الفلسطيني كما المقاوم أن يدرك جيدا بأن الانتصار هو في النتائج المحققة سياسيا بعد النتائج العسكرية وهي البيئة التي لم نحسن نحن العرب استغلالها في كافة المواجهات مع إسرائيل. ومن الموضوعية الاعتراف بأن العدوان على غزة يحصل اليم وسط بيئة إقليمية ودولية معقدة وخطرة، ما يسهل استثمار نتائجه في غير ملف داخلي عربي وإقليمي ، بدءا من الاقتتال الداخلي في غير بلد عربي ، مرورا بإعادة التموضع لبعض الدول الإقليمية الكبرى في المنطقة ، وصولا إلى إمكانية صرفه في مفاوضات نووية على قياس غير عربي. باختصار ثمة الكثير من المسائل التي كانت يوما ما امرأ واقعا على الفلسطينيين، واليوم الفرصة سانحة لأن تفرض الوقائع الفلسطينية امرأ واقعا على الإسرائيليين ، فهل سنتمكن من ذلك وان كانت التجارب السابقة غير مشجعة!

15‏/07‏/2014

هل حقا هزمت اميركا في الشرق الاوسط

هل حقا هزمت أميركا في الشرق الأوسط ؟ د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية ثمة تحليلات ونظريات كثيرة روَّج لها مفكرون وأصحاب قرار، ،مفادها أن مشروع الولايات المتحدة الأمريكية وطبعا إسرائيل من خلفها، حول الشرق الأوسط الجديد أو الكبير قد سقط ،بعد سلسلة مواجهات جرت في غير منطقة بدءا من أفغانستان مرورا بالعراق وليس انتهاءً بغزة ولبنان.وبالعودة إلى الوراء قليلا من السهل قراءة ذلك المشروع ومقارنته وحتى مقاربته بما يحصل حاليا، لنجد أن ثمة تطابقا بين هذا المشروع وما وصلنا إليه حاليا. ولنضع جانبا القسم المتعلق بنشر الديمقراطية وهو العنوان والشعار الذي اعمي بصر وبصيرة الكثيرين، ولندقق بخرائط المشروع وغاياته. في مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز، الذي هدف إلى إدخال إسرائيل في منظومة النظام الإقليمي العربي، الحصيلة الحالية انهيار النظام وتشتت العرب وبقاء إسرائيل دولة إقليمية فاعلة تحدد مصير ومسارات الكثير من المسائل الشرق أوسطية وبالتحديد العربية وغير العربية، كنموذج الملف الكيميائي السوري الذي انتهى عمليا، والملف النووي الإيراني والذي لا زالت إسرائيل حتى الآن تتحكم بالكثير من آلياته التفاوضية ولو عن بعد ، لكن بقدرة وفعالية واضحتين. في الشق الآخر من المشروع الأمريكي الشرق أوسطي الكبير، فقد نشر حوله الكثير الكثير من الآراء والتحليلات وصلت إلى حد الأساطير، وبصرف النظر عن صحتها ودقتها لجهة تقسيم الدول وإعادة هيكلة الجغرافيا السياسية لدول الشرق الأوسط وفقا لمعايير مذهبية واتنية وعرقية، عبر نظريات الفوضى الخلاقة وصراع الحضارات وغيرها، فان ما جرى حتى الآن متطابق للكثير من الوقائع التي كرست حتى الآن. فكيف بالإمكان القول أن المشروع الأمريكي قد هزم! الفوضى العارمة تسود وطننا العربي، أنظمتنا ودولنا انهارت ، مجتمعاتنا تمزقت. السودان قسم قانونيا بين شمال وجنوب، والعراق قسم واقعيا وإقليم كوردستان يستعد للاستفتاء والانفصال، ناهيك عن الحوثيين في اليمن غير السعيد وصولا إلى المغرب العربي والامارزيغ / والطوارق ،باختصار التقسيم يلف العرب شرقا وغربا شمالا وجنوبا . ولم يكفنا هذا التشتت والتمزق، حتى ظهر لنا خلافة "داعشية" لتجزئ المجزأ وتفتت المفتت ، وتمزق دولتين عربيتين مركزيتين زعمتا يوما قيادة امة واحدة لرسالة خالدة. أين هزمت الولايات المتحدة؟ وأين انتصرنا نحن العرب؟ أقله منذ العام 1948 والنكبات والنكسات تنهش فكرنا وعقلنا وأوطاننا، كنا نرفع شعارات اكبر منا وندعي النضال لإسقاط خرائط (سايكس بيكو) واليوم نترحم عليها ونناضل لبقائها! أحزابنا التي حكمت تغنت بالديمقراطية وحكمت شعوبها قهرا وقسرا بحجة الأولويات ! واليوم نترحم على ما سبق من حكام أحياء وأموات بعدما فقدت الحياة معناها في مجتمعات يُجزّر فيها الكبير والصغير! أين انتصرنا؟ أين انتصرنا بفكرنا النيّر وإيديولوجياتنا المبتكرة بين القومية والاشتراكية، أم بالإسلام السياسي وبعض حركاته وتنظيماته التي نكات وجزّرت ومارست أبشع أنواع الحكم والقهر! ماذا فعلنا لنقاوم مشاريع الغير فينا؟ باختصار لا شيء ، أنها سمة العرب في مواجهة الغير! لنعترف أننا امة هزمت نفسها بنفسها، ولم تعد حتى الآن قادرة على استنساخ أمجاد غابرة لا زالت تتغنى وتتباهى بها، في وقت لم يعد يقرأنا العالم بلفة شبه مفهومة! انه الفراغ القاتل الذي يلف مجتمعانا وأنظمتنا، وحتى الآن لم نعترف بأن من طبيعة السياسة والحكم كره الفراغ ، فلماذا نلوم غيرنا ونمجد أنفسنا ؟ أنها فرصة ذهبية لتلك التنظيمات الإرهابية لتعبأ الفراغ الذي أوجدته أنظمتنا ، فأين انتصرنا ؟ ربما المطلوب اليوم إعادة قراءة واعية لواقعنا وما يتطلبه من توصيف دقيق لما نحن فيه، ينبغي الاعتراف بأننا هزمنا بفكرنا وعقلنا قبل أي أمر آخر، ولم نكن يوما قادرين على الانتصار في ظل وسائل وأدوات باتت ممجوجة ، ولنخرج من الصور النمطية للانتصار المزعوم على المشاريع الأمريكية ، علنا نعيد يوما صياغة انتصار حقيقي يعيد أمجاد العرب والمسلمين إلى ما كانوا عليه قبل قرون !

غزة بين العدوان والاستثمار

غزة بين العدوان والاستثمار د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية في تسعينيات القرن الماضي أطلق ،رئيس الوزراء الأسبق، اسحق رابين ، أمنية أن يستيقظ يوما ويرى البحر قد ابتلع قطاع غزة، وفي الواقع لم يتخلف أحدا من القادة الإسرائيليين عن هذه الأمنيات العنصرية ، التي كانت تظهر في جميع أسماء العمليات التي كانت تطلقها في بدء كل عدوان، ومنها الرصاص المسكوب، وآخرها الجرف الصامد ،وهي دلالات تخفي الكثير من صور العنصرية والشوفينية. وبصرف النظر عن مسببات العدوان وأهدافه وتداعياته الإقليمية، ثمة العديد من المفارقات التي حكمت انطلاقة العدوان وكيفية المواجهة وبالتالي إمكانية النظر في نتائجه لاحقا. في الاعتداءات الموسعة السابقة ومن بينها العام 2008 – 2009 تمكنت المقاومة في غزة من مواجهة العدوان بأساليب تقليدية ، وطورت وسائلها في عدوان 2012 كماً ونوعاً، ما أعطى القوى الفلسطينية مزيدا من الثبات في مواجهة إسرائيل رغم الظروف العربية والإقليمية المحيطة ، الضاغطة على الوضع الفلسطيني. اليوم بدأ العدوان بنية إسرائيلية متدحرجة نحو توسيع العمليات وتكثيفها، لكن المفاجأة وحتى السابقة، قيام القوى الفلسطينية بعمليات استباقية برا وبحرا ( قاعدة سيزكين) نحو أهداف عسكرية إسرائيلية تعتبر إستراتيجية وفقا للتصنيف العسكري، ما يعني أن المقاومة بدأت تكتيكا استراتيجيا مغايرا يمكن إعادة خلط الأوراق والتأثير على مجمل التفاهمات التي يمكن التوصل إليها لاحقا؛ وما يعزز هذا الانتقال النوعي في التعاطي مع مواجهة العدوان، استعمال صواريخ بعيدة المدى (M 302 ) أصابت تل أبيب والقدس، وحيفا والخضيرة للمرة الأولى ، وهي إشارة واضحة بأن التصعيد الإسرائيلي سيواجه بردود موجعة من الصعب أن تتحملها إسرائيل لأوقات مفتوحة وغير محدّدة. وبصرف النظر عن حدود العدوان ونية طرفيه المباشرين في إدارة الأزمة الحالية، ثمة إمكانية لإعادة تموضع لأطراف عربية وغير عربية في استثمار الأزمة ومحاولة الاستفادة منها كل بحسب ما يريد ، وهذا ما اعتاد عليه الوضع إقليميا ودوليا وبخاصة في الاعتداءات الواسعة، حيث كانت الكثير من التوازنات والمعادلات وبالتالي المواقف يُعاد النظر فيها وفقا لنتائج المعركة وحجم كل طرف فيها. ثمة مصلحة مصرية لإعادة تموضع سياسي جديد مع قطاع غزة بحكم الجغرافيا السياسية التي يرتبطان بها ، وهو أمر لا مفر منه بخاصة بعد المتغيرات المصرية الأخيرة. الأمر ينسحب أيضا ولو بصور مختلفة على كل من إيران وسوريا اللتان تفضلان أيضا الاستفادة من إدارة الأزمة للتخفيف من الضغوط اللتان تتعرضان لها في غير ملف وموقع. بالمحصلة لن يُغرق البحر قطاع غزة كما تمنى رابين يوما، وبصرف النظر عما إذا تمكن رئيس الوزراء الحالي،بنيامين نتنياهو من إعادة غزة أربعين سنة للوراء أم لا، فإن المؤكد إن جملة تفاهمات سيتم التوصّل إليها بين الفلسطينيين وإسرائيل ، وهي في أحسن الأحوال ستتطابق مع ما توصل إليه الجانبان في تفاهمات سابقة، مع ملاحظة إعادة التموضع السياسي للقوى العربية والإقليمية في العديد من الملفات الفلسطينية. ولا يغيب عن البال أصلا ، أن هدف إسرائيل الأول من إطلاق هذا الاعتداء على مصراعيه، هو ضرب المصالحة الفلسطينية الأخيرة، وهو ما يجب الحفاظ عليه كرد موجع على إسرائيل . إن إطلاق القوى الفلسطينية تسمية "البنيان المرصوص" على عملية مواجهة العدوان الإسرائيلي له من الدلالات الهامة لجهة الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية التي كانت ولا زلت هم إسرائيل الأول في ضربها وتشتيتها. ثمة داعشية إسرائيلية واضحة ضد الشعب الفلسطيني ومؤسساته وقياداته، فأين حل الدولتين، وأين وقف بناء المستوطنات وأين وأين...، أسئلة كثيرة يطرحه عدوان إسرائيل الآن، في ظل صمت دولي مطبق، وفي ظل غياب وتمزق عربيين . يبدو أن تل أبيب عرفت كيف تقرأ أوضاع المنطقة لتنقض على فريستها في زمن الداعشية الذي بدأ ينهش ويبتلع دولنا ومجتمعاتنا! .

02‏/07‏/2014

كوردستان بعد السودان

كوردستان بعد السودان د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 30-6-2014 العراق والسودان والى حد بعيد مجمل باقي الدول العربية ، عانت الكثير الكثير من حالات وحركات الانفصال، ذلك بفعل التركيبة القومية والعرقية التي ظُهرت على زغل ، إبان اتفاق (سايكس بيكو)، علاوة على السياسات الخاطئة التي اعتمدت في غير حقبة سياسية في معظم بلداننا العربية، والتي وصلت في بعضها إلى حد الخطيئة التي لا تغتفر بحق بعض الأقليات. في العقود الماضية جرت حفلات الوحدة "القسرية" بين بعض الدول العربية تحت شعارات وعناوين مختلفة، معظمها انهار ،وإذا استمر بعضها، لا فعالية سياسية إقليمية أو دولية لها.كان آخرها في بداية تسعينيات القرن الماضي، توحيد اليمن غير السعيد بأحداثه الآن. لم تمض سنوات حتى أطلت مجددا شعارات الفدرالية والكونفدرالية، التي تعني إعادة تموضع الجغرافيا السياسية لبعض الأقليات بلغة دبلوماسية أو بقفازات دستورية. لكن الأخطر من ذلك حالتي السودان والعراق ، اللذان يتشابهان بأوجه كثيرة ومتنوعة. الاثنان كانا تحت الانتداب البريطاني الذي استفاد كثيرا من سياساته في هذين البلدين. والبلدان يضمان خليطا اتنيا وعرقيا شكلا أزمة حقيقية لنظامي الحكم في البلدين. والاثنان أيضا شهدا نزاعات داخلية ذات أبعاد خارجية متواصلة على مدى عقود. كما أن طبيعة النظامان السياسيان كانا ذات يوم، ذات طابع إما إيديولوجي قومي أو يساري أو إسلامي، وفي مطلق الحالات كان النظامان من ابرع الأنظمة والأكثر تفننا في ابتداع الحل – المأزق لمشاكلهما. شهد جنوب السودان وشماله حربا أهلية ضروس، ورغم الحكم الذاتي الذي أعطي لإقليم الجنوب استمرت الحرب واتخذت طابعا دينيا – مذهبيا، ونتيجة ظروف ما سميَّ يوما بربيع العرب انفصل الإقليم وأعلنت الدولة في 9 فبراير / شباط 2011 . الأمر تكرر ولو بصور مختلفة مع أكراد العراق في مختلف الحقب السياسية التي حكمت العراق. وعلى الرغم من خصوصية القومية الكردية الموزعة بين أربع دول بالإضافة إلى إيران وتركيا، سوريا والعراق، فكان هذا الأخير البلد الوحيد الذي أعطى أكراده حكما ذاتيا منذ العام 1970 ، ورغم ذلك ظل شعور الدولة القومية في الذاكرة الجمعية الكردية عاملا وسببا مباشرا للنزاع الداخلي . اليوم بعد دستور العام 2005 العراقي الذي أعطى أكراد العراق صفة الإقليم ضمن فدرالية سياسية واضحة المعالم والتي اقتربت إلى مفهوم الكونفدرالية، تتعالى الأصوات إلى المطالبة بالاستقلال النهائي عن الدولة الأم، ذلك بفعل تغيّر موازين القوى بعد تمدد تنظيم داعش من سوريا إلى غرب العراق والذي يؤسس إلى ملامح تغييرات الجغرافيا السياسية للمنطقة بكاملها. فخلال تسع سنوات تمكن إقليم كردستان العراق من تنظيم قواعده السياسية والدستورية، وبناء مؤسساته ومرافقه العامة التي وصلت إلى شكل الدولة التي لا يلزمها سوى الإعلان ليتم الاعتراف بها قانونيا. وفي سبيل ذلك ثمة عوامل عدة مساعدة لذلك التحرك بصرف النظر عن المعوقات الإقليمية والدولية التي تحكم هذا الإعلان أو المطالبة. الملفت في هذا الامر ، ان معظم الدول العربية عانت وتعاني من هذه المظاهر والحركات الانفصالية ، ورغم ضخامة هذه المخاطر لم تفكر أنظمتنا يوما بحل موضوعي للأقليات القومية والعرقية والدينية يكفل الحد الأدنى لاستمرار الدول التي تعاني من هذه الأزمات ، بل معظمها لجأ إلى حلول مجتزأة ذات طابع امني لا سياسي أو حضاري يكفل الحقوق السياسية وغيرها في مجتمعات متعددة. فكانت النتيجة انفصال جنوب السودان وتهيأ كردستان العراق للمصير ذاته، فيما باقي الدول تنتظر أزماتها للتفاقم والانفجار. ربما لن تكون حالة كردستان هي الثانية فقط بعد جنوب السودان ، بل من المؤكد وسط هذه الظروف الإقليمية والدولية ووسط هذه الفوضى العارمة ، أن تتمدد الحركات الانفصالية في غير منظفة وبلد عربي، فماذا عن الامازيغ وماذا عن الحوثيين وماذا وماذا .....؟ أسئلة كثيرة وهواجس مقلقة تواجهنا ونحن لا زلنا نتسلى بجنس الملائكة . أحزابنا القومية واليسارية والتقدمية العربية ، ابتدعت عشرات الشعارات وتغنت بالوحدة والحرية والاشتراكية، وحكمت وتحكمت باسم شعاراتها، وكانت أول من أسهم في تفتيت مجتمعاتنا ودولنا. اليوم نترحم ونناضل ونجاهد من اجل البقاء على حدود (سايكس – بيكو) ، أليس ذلك بمضحك ومبك ؟!