29‏/11‏/2011

حكومة لبنان ومحكمته

حكومة لبنان ومحكمته
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 29/11/2011
مفارقة الحكم والحكومة في لبنان ان يظل أسير استحقاقات داهمة غالبا لا يكون له فيها حول ولا قوة،ومن بينها تمويل المحكمة الخاصة بقتلة الرئيس رفيق الحريري، وقدر لبنان ان يظل على تماس مع مجموعة قضايا تصل في اغلب الأحيان إلى مستوى الأزمات،ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد،بل يتعداه بشكل مستمر إلى ربط هذه القضايا- الأزمات بأوضاع خارجية، غالبا ما كانت هي الكلمة الفصل في تأجيج الواقع اللبناني أو تدجينه، بانتظار ظروف أخرى يمكن استثمارها بشكل مناسب داخليا وخارجيا.
المفارقة هذه المرة ، رغم أنها ليست بسابقة، ان أزمة المحكمة الخاصة وتمويلها ،مرتبط أيضا بوضح الحكومة واستمرارها، بل يمكن ان تتعداها إلى أزمة حكم من الصعب ضبط حدودها ومآلاتها. وإذا كانت أزمات الحكم هي عادة وصلت إلى حد العرف في القضايا التي يفترض بها ان تكون عادية،فان أزمة الحكومة والمحكمة هي من النوع الذي يمكن ان يضع لبنان في خضم سياسات حفة الهاوية، التي من الصعب عليه إجادتها وتمرير قطوعاتها في ظروف إقليمية ودولية شديدة الحساسية.
لقد طرحت جميع الأطراف المعنية بملف المحكمة ما عندها، وباتت المواقف واضحة لا لبس فيها،بحيث يصعب تدوير الزوايا وإيجاد الخيارات القابلة لتجنيب لبنان ما ينتظره. بعض الفئات السياسية حسمت أمرها برفض التمويل،فيما الفريق الآخر يعتبر موقف رئيس الحكومة موقفا غير كاف، ولا يعبر عن نهج ينبغي محاكاته ،ما دفعه لاتخاذ موقف يعتبر في السياسة تشريع الأبواب على احتمالات يصعب على جميع الأطراف اللبنانية تحمل وزر نتائجها.
إن معادلة بقاء الحكومة وعدم استقالتها، بات مرتبط بإيجاد مخرج لتمويل المحكمة، الأمر الذي يبدو من الأمور صعبة التحقيق، إلا في حال حدوث معجزة،وهي في أي حال من الأحوال ليست صناعة لبنانية خالصة، فهل تتوافر ظروف خارجية تقتضي مثل تلك المعجزات؟
المعني في هذه القضية طرفان ، سوريا وإيران،ولو في حدود تقاطع وتباين المصالح واستثمارها في ملفات أخرى،ليس بالضرورة ان يكون لبنان مستفيدا منها سوى في تقطيع أزمة سرعان ما ستعود وتظهر بعد وقت ليس ببعيد.في السابق سقطت حكومة سعد الحريري بضربة معلم سياسي من الطراز الأول، في ظاهرها قضية تمويل المحكمة وفي جوهرها تحديد سياسات ومواقف من قضايا إقليمية ودولية ذات صلة بموقع لبنان فيها.اليوم يتكرر المشهد مع إضافات أشد حساسية وتعقيدا ، فهل يتحمل الواقع اللبناني تداعيات انهيار حكومة ستتحول بالتأكيد إلى أزمة حكم؟.
ظروف اليوم مختلفة، ثمة حراك عربي في غير دولة عربية ومن بينها سوريا،كما ثمة ضغوط ثقيلة على إيران، ففي أي من المجالات يمكن ان تتم المفاوضة والمقايضة؟ وهل الأزمة بحد ذاتها توازي تقديمات وحتى تنازلات محتملة من هذا الطرف أو ذاك. وفي الأساس من مستعد ان يسمع من؟ ومن القادر على إقناع من؟ الكل مشغول بملفاته وأقداره.
استحقاقات لبنان الداهمة ليست فقط المحكمة وتمويلها ولا الحكومة واستقالتها، الاستحقاق الأهم الذي ينتظره هو نتائج ما يحدث بالقرب منه، وهو بطبيعة الأمر شديد الحساسية بما يدور فيه وعليه وحوله، وفي مطلق الأحوال ثمة ثابتة في الحياة السياسية اللبنانية الحديثة كما المعاصرة، مفادها بقاءه المتلقي للحدث لا الفاعل فيه وبنتائجه.
ثمة تلازم وتواتر في أزمات الحكم والحكومة في لبنان مع القضايا الخارجية الحساسة، فمن الصعب العثور في الحياة السياسية والدستورية في لبنان على سلوك سياسي مرن لفترات طويلة،بل ان السمة الحاضرة الناضرة هي قضية المشاركة في الحكم وربطها بقضايا تفوق قدرته تحمل وزرها وتداعياتها. فهل يمكن للبنان تحمل عقوبات اقتصادية دولية؟ وهل يمكنه تحمل حكومة تصريف أعمال لحين إجراء انتخابات نيابية جديدة في العام 2013؟
يمكن القول،انه تعاقب على لبنان أشد الأزمات الداخلية ذات الأبعاد الخارجية،وتمكن من الإفلات نسبيا من بعض تداعياتها ونتائجها، وثمة من يقول بأن ثمة قدرات عجائبية يختزنها.فهل هذا الكلام هو واقعي،أم من نوع الكلام الذي يُمني النفس بعد العجز؟ إنها أسئلة محيرة في بلد الاستثناء فيه هو القاعدة. والقاعدة فيه هي من غرائب الأشياء في طبيعتها وممارستها.
أخيرا،بصرف النظر عن أحقية ربط الحكومة بتمويل المحكمة من عدمه، ثمة مفارقة واضحة،ان اللبنانيين ينتظرون قدرهم دائما ، على قاعدة عدم القدرة على رده ،بل العمل على اللطف بآثاره، فهل سينجو لبنان وحكومته هذه المرة؟ثمة من يقول، إنه بلد العجائب والغرائب،هذا هو لبنان!

24‏/11‏/2011

مصر وضرورات العقل والتعقل
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 24/11/2011
قبل أسبوع واحد من انطلاق انتخابات مجلس الشعب والشورى في مصر،انطلقت أيضا حفلات التشكيك بإجرائها،وكأن الأوضاع عادت إلى المربع الأول في مسيرة ثورة 25 يناير. ثمة وقائع ومؤشرات كثيرة انطلقت من ميدان التحرير وأعقبتها مجموعة مواقف أرخت بظلال كثيفة على مستقبل الأوضاع الداخلية،بعدما خطت خطوات لافتة في مسارات التغيير الداخلي المصري،وأسست لمسارات عربية أخرى.
بالطبع ما جرى ويجري في مصر ينبغي التوقّف عنده مليا،ليس باعتباره أمرا يخص مصر وثورتها، بل إضافة إلى ذلك أمر يمكن ان ينسحب على باقي أخواتها العربيات،حيث المزيد من الضحايا والدماء والانتظار والتردد.
في مصر اليوم حراك من نوع آخر، وكأنه فعل ورد فعل على إجراءات ومواقف وبرامج،لكن بمجملها لم تكن مدروسة وواضحة،صحيح ان الأحداث وتداعياتها كانت متسارعة ومن الصعب اللحاق بها،لكن الصحيح أيضا ان فواعلها السياسية والاجتماعية من النوع الذي يصعب ضبط تحركاتها كما مطالبها وتطلعاتها. بداية سقط النظام وثمة من يقول انه تم احتواء الثورة وتداعياتها،وان من استلم دفة الحكم لم يتمكن من مجاراة مطالب الشارع.في المقابل ثمة شرائح اجتماعية سياسية ذات حراك حيوي من الصعب ضبطه في ظل سلوك سياسي غير مقنع بالنسبة له.
فعلى الصعيد السياسي والقانوني، إن خطط الطريق والجداول الزمنية والوعود، انطلقت من المجلس العسكري وإليه تنتهي الأمور، وفي الواقع تكرّس سلوكه السياسي عبر استعادة ما تخلى عنه سابقا من السلطة، مثل تحديد طبيعته بوصفه سلطة حكم، الطبيعة التي أظهر ترفعا عن ممارستها في الأسابيع الأولى التي تلت الثورة، حيث كان الحرص واضحا على انه يدير ولا يحكم، حتى جاء حكم محكمة القضاء الإداري في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني لينهي هذه الصورة، ويؤكد أن المجلس سلطة حكم.باعتباره يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية بصفته سلطة حكم وليس سلطة إدارة، وان كل ما يصدر عنه من قرارات هو عمل من أعمال السيادة.وواقعا طبق هذا الحكم، حيث رفضت المحكمة أن تنظر بالطعون الخاصة بوقف إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشورى، باعتبار أن إجراء الانتخابات عمل من أعمال السيادة قرره المجلس العسكري.
والأمر لا يقتصر على الانتخابات بحد ذاتها فقط، بل يتعداها إلى "وثيقة المبادئ فوق الدستورية"،التي يعتبرها الكثيرون التفافا على الإعلان الدستوري، وافتئاتا على حق الشعب وإرادته في صياغة الدستور الذي يريد عبر الجمعية التأسيسية المفترض انتخابها في 28 الجاري.وبصرف النظر عن المواقف المتبادلة ثمة آراء دستورية وفقهية أشارت إلى مخالفات واضحة فيها لا سيما،المادة 60 التي تقيد آليات لجنة صياغة الدستور،علاوة على المادة العاشرة المتصلة بشؤون القوات المسلحة ومجلس الدفاع الوطني.
وبصرف النظر عن السجال الدستوري وآلياته،ثمة وقائع وأحداث من الصعب القفز فوقها،باعتبارها ستؤسس لمنعطف خطير في السلوك السياسي للشعب بمختلف تلاوينه السياسية، كما السلوك السياسي أو غيره،للمجلس العسكري،ما ينذر بتداعيات على مآل الثورة نفسها،كما على الوضع الداخلي لجهة تماسكه سيما وأن حفلات "الفوضى الخلاقة" جارية في غير بلد عربي.
ان التدقيق بواقعية وموضوعية للواقع الشعبي العربي ومنه المصري بالتحديد، يستوجب البصيرة والتبصر،كما العقل والتعقل؛ باعتبار ان كل موقف أو خطوة ناقصة ولو كانت صغيرة، سيكون أثرها كبيرا في ظروف استثنائية تمر بها مجمل المنطقة العربية ومنها مصر تحديدا. فمصير العرب حاليا مرتبط بالكثير من الاستحقاقات الداخلية والخارجية لدولها،ومن المفيد جدا ان تمر مصر من هذا القطوع لتلعب دورا وازنا فيما تبقى من نظام إقليمي عربي.
المطلوب اليوم من مختلف شرائح المجتمع المصري، ان تكون واعية وواعدة في مواقفها، لتمرير الاستحقاقات الداهمة بأقل الخسائر السياسية الممكنة، لأن الأمر معقود بها وعليها. فمن الضروري أن تأخذ الواقعية طريقها في طرح الشعارات والمطالب في الظروف الاستثنائية،كما ينبغي ان تكون الوعود صادقة في مواقيتها.
لقد ظلت مصر إلى جانب فواعل عربية وإقليمية أخرى،تلعب أدوارا بارزة في صياغة السياسات والمواقف، وربما العرب اليوم هم بأمس الحاجة لأن تسترجع مصر هذا الدور الريادي،ولتكن البداية من الداخل هذه المرة، حيث تحاول الشعوب صياغة مستقبلها، ولئلا تأكل الثورة أبنائها على من يحركها أو يديرها أو يحكمها،عبء التأسيس لنظام سياسي واعد، يعيد مصر إلى ريادتها لكي تكون أم العرب كما أم الدنيا.

18‏/11‏/2011

المشترك والمفترق في الثورات العربية

المشترك والمفترق في الثورات العربية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 18-11-2011

شهدت المنطقة العربية في شهور ما لم تشهده في عقود. فبعد أن ظل العالم العربي خارج موجات التغيير والتحوّل الديمقراطي المتتابعة - مما دفع البعض إلى الحديث عن وجود استثناء عربي في هذا المجال أو عن وجود تناقض بين الثقافة العربية وقيم الديمقراطية،شهد العالم العربي بدايات تفكك بنية النظم السلطوية بفعل انتفاضات شعبية بداية في تونس ومصر، ثم في ليبيا، والأردن، واليمن، والعراق، وسوريا. وأيا كانت أسماء ساحات الاحتجاجات ورمزيتها، فالهدف ظلَّ واحدا وهو سقوط الأنظمة ، سواءً كان كليا عن طريق تغيير شامل للنظام، أو جزئيا عن طريق إدخال بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وبالرغم من الاختلافات المهمة بين النظم العربية، فإن هذه النظم كانت تتفق في الكثير من السياسات والخصائص، ولذلك كانت مطالب القوى الثائرة متشابهة إلى حد بعيد. وقد تركزت هذه المطالب على إطلاق الحريات السياسية، وتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كما تشابهت أيضا استجابة النظم العربية لهذه الثورات بشكل كبير، حيث اتهم الثوار بالخيانة والعمالة، وتمَّ استخدام العنف والترهيب. كما تشابهت تصريحات المسؤولين العرب التي أكدت أن كل دولة عربية لها خصوصيتها، ولكن واقعا ، ما حدث في تونس تكرر إلى حد كبير في مصر، وبدأت تحركات على الطريق نفسه في ليبيا واليمن وسوريا، مما يشكل بداية نحو التحوّل الديمقراطي والحرية والعدالة الاجتماعية.
وقد أسهمت عدة عوامل في ظهور الانتفاضات والثورات الشعبية في العالم العربي، على رأسها أن الشباب (الفئة العمرية بين 15 و29 سنة) يشكل أكثر من ثلث سكان العالم العربي بما يعرف بالطفرة الشبابية. وتعاني تلك الفئة أشكالا متعددة من الإقصاء والتمييز جعلتها ساخطة على الأوضاع الراهنة. وبالرغم من الثروات البشرية والطبيعية الهائلة التي تتمتع بها المنطقة العربية، فقدا شهدت في العقود الأخيرة خللا كبيرا في منظومة توزيع الثروة، حيث استأثرت نخب ضيقة ذات ارتباط وثيق بالسلطة بمقومات الثروة، بينما همشت قطاعات واسعة من المجتمعات العربية. وقد تزايدت تلك الظاهرة في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، مع التوجه لتبني آليات السوق والتجارة الحرة، وتراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة. كما عانت المنطقة العربية القمع، والاستبداد، وغياب الحقوق والحريات، وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، مع تركيز السلطة في يد نخب ضيقة مرتبطة بالحزب أو الأسرة الحاكمة.
كما أدت حالة الاختناق السياسي الذي تشهده المنطقة العربية إلى ظهور عدد كبير من الحركات الاحتجاجية، بعضها ذات صبغة سياسية أو اجتماعية، وبعضها ذات صبغة دينية أو عرقية. من ناحية أخرى، فشلت معظم الدول العربية في تحقيق الاندماج الوطني بين الجماعات الدينية والعرقية والإثنية المختلفة، وتعرضت معظم الأقليات أو الأغلبيات المهمشة في الوطن العربي لمظاهر الإقصاء والتمييز الديني والثقافي والاجتماعي. وفي السنوات الأخيرة ومع تزايد مظاهر القهر السياسي والاجتماعي في العديد من الدول العربية، وتصاعد دور قوى إقليمية وخارجية، بدأت هذه الجماعات تتحرك للمطالبة بحقوقها الثقافية والسياسية، أو للمطالبة بالانفصال بشكل جزئي أو كامل عن الدولة الأم. وأخيرا، أسهم التدخل الخارجي المتصاعد لقوى إقليمية وخارجية في الشؤون الداخلية للمنطقة العربية في تعميق حالة الضعف والانقسام التي تشهدها دول المنطقة.
وإذا كان ثمة عوامل عديدة مشتركة أدت إلى تغييرات دراماتيكية سريعة في بعض الأنظمة،فثمة عوامل أخرى تفترق فيما بينها، لجهة الفواعل المحركة،كما الآليات أو النتائج.ففي حين كانت النقابات العمالية الفاعل الرئيس في التغيير التونسي مثلا، تحركت باقي الثورات بفعل حراك شبابي شبه منظم كالمثال المصري.وفيما تمكنت الثورات من إسقاط الأنظمة بأكلاف بشرية وسياسية متواضعة نسبيا كحالتي تونس ومصر، شهدت الأخرى ثورات ذات طابع دموي بأكلاف باهظة كالحالة الليبية واليمنية والسورية. وفيما سقط النظامان التونسي والمصري دون تدخلات خارجية تذكر، ظهرت في حالات أخرى كدعم الناتو للثوار في ليبيا،والمبادرة الخليجية في اليمن والعربية في سوريا.
وبصرف النظر عن هذه المقارنة والمقاربة في ظروف المجتمعات العربية وأنظمتها،ثمة أمر ثابت في حياة الشعوب ومجتمعاتها السياسية، ان الفقر والتهميش يعتبران من أبرز محركات الثورات،كما ان غياب حقوق الإنسان تعتبر من المحفزات الأساسية للتحريك الجماهيري، فمتى يدرك حكامنا وسياسيونا ذلك؟ أنها مفارقة ان نعيش ونحيا في القرن الواحد والعشرين ونحن لا زلنا بحاجة للتنظير عن الحقوق التي باتت من مخلفات القرون الماضية لدى غيرنا من شعوب وأمم هذه الأرض!

17‏/11‏/2011

ماجستير حقوق الححماية الدولية للاجئئين


تقرير حول رسالة الطالب عمر سلمان صالح النعيمي
بعنوان الحماية الدولية للاجئين
لنيل درجة الماجستير في القانون العام

منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى تكاثر عدد الفارين والنازحين إلى أماكن أخرى بحثاً عن الحماية والأمن والطمأنينة بسبب ما يعانونه من اضطهاد وقهر واستبداد وإهدار لحقوق الإنسان. فبينما كان عدد اللاجئين في بدايات هذا القرن، حسب الإحصائيات الرسمية، مليوناً ونصف لاجئ تقريباً، وصل في وقتنا هذا إلى ثلاثة وأربعين مليون لاجئ ومشرد موزَّعين في شتى أنحاء العالم، ما يدعو إلى القلق والحذر لدى الأوساط المهتمة بشؤون اللاجئين، لا سيما المجتمع الدولي بأكمله.
وأضحت أعداد اللاجئين الكبيرة مشكلة سياسية واقتصادية، فضلاً عن اعتبارها مشكلة إنسانية ترتّب على المجتمع الدولي مسؤوليات أكيدة للنهوض بمهمة توفير حماية لهؤلاء الفئات من الأشخاص ومساعدتهم في وضع الحلول النهائية لمشاكلهم. وبناءً على تلك الضرورات، حاول المجتمع الدولي ترسيخ الجهود الدولية، منذ عهد عصبة الأمم، وتطورت هذه الجهود في ظل منظمة الأمم المتحدة بهدف إيجاد الحلول لقضايا اللاجئين، سواء بتعيين مفوضين لهذه الغاية أو لاحقاً بإنشاء مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو بوضع اتفاقية خاصة باللاجئين.
تبدو أهمية الدراسة من خلال العوامل التي تحكم مضمون الجهود وترسم في الوقت نفسه اتجاهاتها؛ فمن ناحية أولى إنَّ مشكلة اللاجئين مسألة دولية، تهم المجتمع الدولي بُرَّمته سواء لارتباطها بحماية حقوق الإنسان أو لتعلقها بالمحافظة على السلم والأمن الدوليَّين. ومن ناحية ثانية يلاحظ أن التزايد الكبير في أعداد اللاجئين قابلها قلة الجهود المتفرقة وعدم كفايتها، التي تبذلها الدول، سواء فيما يتعلق بقبول عدد معيَّن من اللاجئين داخل أراضيها أو بتقديم المعونات المادية بهدف نجدتهم. ودخول أعداد كبيرة من اللاجئين أقاليم دولة ما قد يجعلها غير قادرة بإمكاناتها الذاتية على تحمُّل العبء الناجم عن إيواء هؤلاء الوافدين، ومن ثمَّ تضطر إما إلى إخراج اللاجئين من إقليمها وإما إلى عدم السماح بدخول لاجئين جدد. وقد تلجأ إلى الأسلوبين معاً.
إنّ الإشكالية الأساسية تكمن في كيفية تحقيق حماية اللاجئين في الوقت الذي تلتزم فيه معظم الدول بمقتضى المعاهدات التي انضمت إليها لحماية اللاجئين، من خلال اخضاع قوانينها وممارساتها إلى نصوص تلك الإتفاقيات بهدف التوصل إلى حل مرض لهذه الإشكالية عرض الطالب أسئلة مركزية من بينها، ما المقصود بطلب الاستفادة من اللجوء؟ وما هي المعايير الثابتة لتمكين طالب اللجوء من الحصول على هذا الحق؟
اعتمد الطالب في دراسته على مجموعة من مناهج البحث العلمي، كالمنهج التحليلي والمنهج التاريخي والمنهج الوصفي في محاولة لتوضيح دور المؤسسات المعنية بهذا الموضوع.واعتمد على مروحة واسعة من المراجع التي أغنت البحث.
قسّم الطالب بحثه إلى فصلين تناول في الفصل الأول مضمون الحماية الدولية الخاصة باللاجئين لجهة ماهية هذه الحماية وتوضيح نشأتها والتطور التاريخي الذي مرت به منذ أن عرفتها الإنسانية. كما بحث في التنظيم القانوني الدولي المعاصر لهذه الظاهرة، والقواعد القانونية الدولية النافذة التي ترمي إلى وضع الحلول المناسبة لهذه المشكلة. وهذا الاهتمام دخل تحت مظلة الاتفاقيات الدولية، العالمية والإقليمية. حيث بحث في إتفاقية جنيف 1951 التي تعتبر الأساس الدولي لنظام حماية اللاجئين، ثم بروتوكول 1967 المتعلق بالإتفاقية. ثم الاتفاقيات الإقليمية، ومنها اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية بشأن الجوانب الخاصة بمشاكل اللاجئين في أفريقيا لعام 1969. وكذلك الاتفاقية العربية لتنظيم أوضاع اللاجئين باعتبارها اتفاقية خاصة على صعيد الوطن العربي.
أمّا الفصل الثاني فتضمن الأحكام المترتبة على الحماية الدولية. وهي الإلتزامات المتبادلة بين اللاجئ ودولة الملجأ، بالتشريعات العالمية والإقليمية المتعلقة بالحماية الدولية للاجئين، وكذلك كل ما يتعلق بكيفية ضمان الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية. وكذلك علاقة القانون الدولي الإنساني وحماية اللاجئين، باعتبار أنّ الانتهاكات التي تتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان هي التي تقود في الأغلب إلى نشوء ظاهرة اللجوء، الأمر الذي يعني الارتباط الوثيق والدائم بين ظاهرة اللجوء في كل مقوماتها ومراحلها والحماية الدولية لحقوق الإنسان. وهذا الترابط يحتم بذل الجهود لحماية اللاجئين ضمن إطار اتخاذ القرارات بشأنهم من قبل المجتمع الدولي، ووضع آليات تعتمد على التحرك الميداني أساساً لتقديم المعونة إليهم. وفي ذلك محاولة لتكريس مفهوم الارتباط الوثيق بين مفهوم الحماية والمساعدة لغير المنفصلين في الواقع. وتتمثل تلك الآليات في كل من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ناقش الطالب رسالته أمام اللجنة المكونة من الدكاترة محمد المجذوب وجورج عرموني وخليل حسين وسامي سلهب،حيث قبلت اللجنة الرسالة ومنحت صاحبها شهادة الماجستير في الحقوق اختصاص القانون العام بدرجة جيد جدا.
بيروت: 17/11/2011 أ.د.خليل حسين

كتوراه/ ادارة الأزمات الدولية

اطروحة دكتوراه رواد سليقا
اسم الطالب:رواد سليقا
عنوان الأطروحة ادارة الازمات الدولية في ظل نظام الامن الجماعي
الشهادة الممنوحة:دكتوراه في القانون الدولي العام
الدرجة :جيد جدا
تاريخ المناقشة: 17-10-2011

ومما جاء في مقدمة الاطروحة
عانى الإنسان على مر العصور والأزمان من الكوارث والأزمات على اختلاف أنواعها، و تعامل معها بأساليب عديدة، إختلفت طبيعتها ،على مر التاريخ ، إذ كانت تُسمى آنذاك ببراعة القيادة وحُسن الإدارة أو حسن التنظيم و التقدير والإدارة السليمة.
و كانت هذه الممارسات تشكل محكا رئيسيا، وعنوانا حقيقيا لإظهار قدرة الإنسان في التغلب على الأزمات ومواجهتها، هذه الممارسات التي تكوّن مفهوم إدارة الشيء، أي التعامل معه للوصول إلى أفضل النتائج الممكنة بما يُحقق مصالح القائم بالإدارة.
أما مصطلح إدارة الأزمات، بمفهومه العصري ، فلم يدخل حيّز التداول الدولي إلاّ في العام 1962 إثر أزمة الصواريخ الكوبية حينها ، التي كادت أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة بين القطبين الكبيرين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي السابق.
أما وسائل إدارة الأزمات الدولية فإنها متعددة ومتباينة، وتتنوع بين وسائل دبلوماسية (المفاوضات، المساعي الحميدة والوساطة والتحقيق والتوفيق) و قانونية ( التحكيم الدولي والقضاء الدولي) إلى وسائل زجرية ( الضغوطات الإقتصادية والسياسية أو اللجوء إلى القوة العسكرية كخيار أخير). وقد عددت المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة مختلف هذه الوسائل، كما نص الميثاق في مواضيع أخرى منه على وجوب عرض النزاع ، إذا استعصى حله بإحدى هذه الوسائل على الهيئة الدولية للبت فيه. ([1])
ويجب ألاّ ننسى أن الأزمات متنوعة، فمنها الأزمات الطبيعية ، التي تتشابه مع الكارثة، ومنها الإقتصادية، ومنها الإجتماعية والمالية والأمنية والسياسية، كذلك تنقسم الأزمات من حيث المستوى إلى داخلية ، إقليمية أو دولية ، ثم إن للأزمة مراحل تمر بها ، كما للإدارة مناهج ومبادىء تعتمدها لحل هذه الأزمات. كل هذا سيبحث في الباب الأول من هذه الأطروحة حيث يركز قسمها الأول على الأزمة مفهوماً، ومراحلها وخصائصها وأنواعها وأدواتها من خلال الفصل الأول ، وعلى المناهج والمقومات والمبادىء والمراحل التي تتم بها إدارة الأزمات، بالإضافة إلى وسائل إدارة النزاعات الدولية من خلال الفصل الثاني .
أما موضوعنا التخصصي أي إدارة الأزمات الدولية في ظل نظام الأمن الجماعي، فسوف نعالجه في القسم الثاني من الباب الأول وفي الباب الثاني، حيث سنتعرف في القسم الثاني إلى ماهية الأمن الجماعي ،ونعالج جانبيه الوقائي والعلاجي ،ثم سوف نتكلم على الشلل الذي أصاب منظومة الأمن الجماعي في معالجتها للأزمات الدولية التي وقعت خلال الحرب الباردة وأبرزها ( الأزمة الكورية عام 1950 والكوبية 1962) والتي كانت تعالج فقط بين قادة القطبين الكبيرين نظراً لوقوعها ضمن مناطق نفوذ الطرفين، وخوفاً من أن تؤدي إلى مواجهات عسكرية تعصف بالإستقرار العالمي.وبعد وصول الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف MIKHAILGORBATCHEV إلى السلطة عام 1985، بدأ يظهر ملامح تغيير على الصعيد الدولي، ما أفسح المجال أمام الأمم المتحدة لتلعب دوراً جيداً في حفظ النظام والأمن الدوليين، من خلال عمليات حفظ السلام ، إلى أن تطور هذا الدور، وبشكل لافت ، خلال أزمة الخليج الثانية ، التي أدّت إلى تفعيل وتطوير نظام الأمن الجماعي ، ولكن ليس لفترة طويلة.
بعدها ، وفي الباب الثاني ، سوف نستعرض مرحلة جديدة ، على الصعيد الدولي، وهي مرحلة ما بعد الحرب الباردة ، وبداية سيطرة القطب الأميركي على المنظمة الدولية ، من دون أي منافس ، وتجلّى ذلك في معالجة بعض الأزمات الدولية ،كأزمة لوكربي، وأزمة البوسنة والهرسك ، وذلك من خلال الفصل الأول من الباب الثاني ، ومع بداية القرن الواحد والعشرين ، تطور نظام الأمن الجماعي بسبب تزايد الصراعات داخل الدول ، فضلاً عن أحداث 11 أيلول 2001 وما تلاها من تفاعلات على الساحة الدولية ، ما أدى إلى تغيرات لا يمكن إغفال آثارها على المجتمع الدولي ، بصفة عامة ، وعلى طبيعة الرؤى المختلفة للأمم المتحدة كمنظمة دولية فوق القومية ، كما أراد لها البعض أن تكون، وكما تصورها آخرون أنها سوف تكون إنتهاء للحرب الباردة.
ونظراً لأن مناطق الأزمات تقع في ما سماهُ المحافظون الجدد ، في الولايات المتحدة ، بالشرق الأوسط الكبير، فأن هذا القسم،سيبحث في الإستراتيجيات الأميركية تجاه مناطق الأزمات في الشرق الأوسط الكبير وأثره على دور نظام الأمن الجماعي والشرعية الدولية. ثم سنستعرض في القسم الثاني والأخير أبرز الأزمات الدولية التي حصلت في القرن الجديد ، والأخرى التي ما زلنا نعيشها كالملف النووي الإيراني ، مع تحليلنا لدور الأمم المتحدة في معالجة هذه الأزمات.
أما أهمية هذا الموضوع الذي نعالجهُ فتكمن في الإشكاليات العديدة التي يطرحها وأبرزها:
1- يتم إدارة الأزمات بعيداً عن المشروعية الدولية ونظام الأمن الجماعي، وهذا ما يظهره دور الأمم المتحدة الضعيف في إدارة الأزمات الدولية خلال الحرب الباردة نتيجة المصالح المادية للدول كالولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي والتي ظهرت بوضوح في إدارة الأزمة الكورية عام 1950 والأزمة الكوبية عام 1962.
2- من الإشكاليات المطروحة أيضاً، توسع المسائل التي دخلت في صلاحيات نظام الأمن الجماعي بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى تحريم اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية ، أو التهديد باستخدامها .
3- إتساع مهام نظام الأمن الجماعي لتشمل حقوق الإنسان والأقليات وإرساء الديموقراطية والمساعدة في الإنتخابات والتدخل لأسباب إنسانية.
4- إن تدخل الأمم المتحدة في الأزمات الدولية ، التي حصلت ، إختلف باختلاف حجم الإهتمام بها ، ما أدّى إلى تصنيف أنماط تدخلها إلى ثلاثة أنماط،هي، النمط الإستبعادي، والنمط الإفتعالي، ونمط المشاركة المحسوبة.
5- الإشكالية الأخيرة المطروحة ،هي أثر المتغيرات الدولية ، بعد أحداث 11 أيلول على دور الأمم المتحدة في إدارة الأزمات الدولية ، والآثار المترتبة عن سوء الإدارة التي تؤدي ، في معظم الأحيان ليس إلى حل الأزمة، بل إلى خلق أزمات دولية أخرى،وعلى سبيل المثال ، إن الحرب الأميركية على أفغانستان عام 2001 وعلى العراق عام 2003 قد ولّدت آثاراً كبيرة على الدول المجاورة ، في باكستان وإيران وسوريا ولبنان والعالم العربي والإسلامي كله.
6- ولسبر أغوار الإشكاليات المطروحة ،كان لا بد لي من إعتماد المناهج التالية:
المنهج الأول ،هو المنهج التاريخي ومن خلاله تم الإحاطة بالموضوع من جوانبه المتعددة والإضاءة على معظم الأزمات الدولية ذات التأثير في النظام الدولي بدءاً من مرحلة الحرب الباردة ثم في المرحلة الإنتقالية المتمثلة بوصول الرئيس الأسبق للإتحاد السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة عام 1985 ثم مرحلة ما بعد الحرب الحرب الباردة وأخيراً المرحلة الممتدة منذ وصول المحافظين الجدد الى السلطة في الولايات المتحدة الأميركية.
المنهج الثاني،المنهج المقارن ومن خلاله تم توضيح الفروقات في أداء نظام الأمن الجماعي وتأثيرها على إدارة كل أزمة من الأزمات خلال المراحل التاريخية الآنفة الذكر.
المنهج التحليلي، حيث تم إعتماده لتحليل أثرالتغير في النظام العالمي بالإضافة إلى تحليل الإستراتيجيات الأميركية الممتدة من حلف بغداد حتى مشروع الشرق الأوسط الكبير وأثرها جميعا على نظام الأمن الجماعي ودوره في إدارة الأزمات الدولية وفي فرض السلم والأمن الدوليين .
هذا كله دفعنا إلى طرح التساؤل التالي:
ماذا بقي ، بعد هذا كله ، من الأمم المتحدة، من سلطتها ومن مرجعية ميثاقها ومن هيبة مؤسساتها؟ هل ما زال في وسعها أن تفعل شيئاً لحماية دورها بل وجودها؟ وهل أصبحت بعد أحداث 11 أيلول نظاماً للأمن الجماعي أم لإدارة الفوضى الدولية؟
وبناء عليه فقد قسمنا هذه الأطروحة على الشكل التالي:
v الباب الأول : الأزمة ،إدارة الأزمات خلال الحرب الباردة في ظل نظام الأمن الجماعي
§ القسم الأول:الأزمة وإدارة الأزمات
§ القسم الثاني : الأمن الجماعي في إدارة الأزمات الدولية
v الباب الثاني :إدارة الأزمات في ظل الأحادية القطبية
§ القسم الأول :إدارة الأزمات والإستراتيجيات الأميركية المتبعة
§ القسم الثاني : أبرز الأزمات الدولية في القرن الواحد والعشرين.
في الختام ،ان هذه الأطروحة تدرجت تسلسليا لتوثيق التاريخ بعد أن تم تحليل مراحله وتثبيت مواطن القوة والضعف التي تمثلت فيها المنظمة الدولية كاءطار تلجأ اليه الشعوب عبر حكوماتها لحلحلة المشاكل المعقدة .
وانجاز هذه الأطروحة ،لم ينج من العثرات والعوائق خاصة قلة المراجع المتخصصة باءدارة الأزمات بشكل عام والأزمات الدولية بشكل خاص وانحصارها بالمراجع الأجنبية ،بالاضافة الى ضيق الوقت لدي بسب وظيفتي الأمنية ،حيث أنه تم التغلب عليها بفضل الله أولا ،وبفضل رعاية المشرف البروفيسير كمال حماد الذي لا يمكنني الا وان اسدي اليه ومن خلاله الى كل من ساهم في اتمام عملي أسمى آيات الشكر والامتنان والتقدير ،وما توفيقي الا بالله عز وجل.
ناقشت اللجنة المكونة من الدكاترة محمد المجذوب وكمال حماد وخليل حسين،اطروحة الطالب رواد سليقا،فقبلت الاطروحة ومنحت صاحبها شهادة الدكتوراه في القانون الدولي العام بدرجة جيد جدا.

11‏/11‏/2011

القراءة الروسية للثورات العربية

القراءة الروسية للثورات العربية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية بتاريخ 11-11-2011
بصرف النظر عن ميراث السياسة الخارجية بين الحقبة السوفياتية والروسية الحالية، وما يبني عليها البعض في قراءته للموقف الروسي من القضايا العربية المزمنة والحديثة، ثمة صور رمزية غير مفهومة ظهرت في السلوك السياسي تجاه الحراك العربي، مرده عدم وجود موقف واضح ومحدد تجاه ما يجري، تجلى بمواقف ذات طابع لا مبالي بداية ، مرورا بسياسات انتظارية وصولا إلى مواقف اتسمت بطابع المواجهة.
بداية الأمر كان مع الحراك التونسي الذي لم يسمع فيه موقفا روسيا ذات شأن،ربما سرعة الوقائع وتداعياتها غير المتوقعة لم يفسح المجال لموسكو بتكوين موقف محدد مما يجري، رغم ان النظام السابق مثَّل مادة دسمة لكل القوى الإقليمية والدولية الطامحة لإعادة التموضع، فرصة التدخل والاستثمار ولو على المستوى الشعبي القابل للاستثمار السياسي اللاحق،الأمر الذي افتقدته السياسة الخارجية الروسية.
الموقف الروسي الأكثر حيرة كان تجاه الحراك المصري، فقد ظلت العلاقة مع نظام حسني مبارك شبه عادية،وظلت اللقاءات بين المسؤولين الروس والنظام تجري بشكل طبيعي حتى في عز الحراك، إلى ان سقط أيضا بشكل فجائي، وكأن موسكو تتعاطى مع قضية على كوكب آخر. المواقف نفسها انسحبت على الحراك البحريني والأردني والجزائري والمغربي.
حاولت موسكو استدراك الأمر مع الحراك الليبي، لكن بأدوات ووسائل لم تمكنها من ترجمة أهدافها وغاياتها. رضخت لتدخل الناتو عبر عدم عرقلة صدور القرار 1973 بالامتناع عن التصويت في مجلس الأمن.واكتفت بالمراقبة ومحاولة تقديم المقترحات لتقريب ذات البين بين القذافي والمجلس الانتقالي،لكن دون فعالية ملحوظة. دعمت النظام بشكل خجول على قاعدة المصالح الاقتصادية وعقود السلاح البالغة أربع مليارات دولار ،كما عقود استثمار النفط وغيره. سقط النظام ويبدو أنها ظلت خارج خارطة الاستثمار ذات القاعدة الغربية،ويبدو أنها انكفأت كذلك بانتظار ما يمكن ان تحصل عليه في عمليات مقايضة أخرى.
لكن المحيّر في مواقف روسيا،هي ازدواجية الرؤية والموقف تجاه القضايا الواحدة،وقد تجلى ذلك عبر الموقف من الحراك السوري على سبيل المثال. لقد وقفت موسكو مثلا بوجه صدور قرارات عن مجلس الأمن بفرض عقوبات على دمشق،واستعملت حق النقض الفيتو إلى جانب الصين،وهو موقف ذات دلالات واضحة.فما هي الخلفيات؟ أهي اقتصادية أم مبدئية؟ أم ذات طابع تبادلي؟.
في المبدأ سادت في الماضي بين موسكو ودمشق علاقات ذات طابع استراتيجي مغلف بواقع مصلحي - برغماتي أكثر منه مبدئي، وبخاصة في الحقبة الروسية. ثمة عقود سلاح واستثمارات متبادلة، كما ثمة موقع سوري جيوسياسي يستفاد منه روسياً، لكن هل ذلك كافيا لأن تمضي موسكو بمواقفها تجاه دمشق في مواجهة الداخل والخارج؟ يبدو أنها في بعض مراحل الأزمة السورية استنسخت التجربة الليبية ، فاستقبلت وفودا من المعارضة السورية، وهي تحاول التوفيق بين الطرفين، فهل ستتمكن من المكوث طويلا في هذا المربع،وهل ستجني مكتسبات محددة من هذه الرؤية؟ في الواقع ثمة ضغوط كبيرة بعد استنفاد وساطة جامعة الدول العربية،ما يؤشر إلى منعطف آخر تتجه فيه الأزمة السورية نحو التدويل فكيف سيكون الموقف الروسي؟.
من حيث المبدأ، في السياسات والمواقف الدولية تبحث القوى الكبرى عن الطرق الأقل كلفة ، إما لجني المكاسب،أو التقليل قدر الإمكان من الخسائر، وفي هذه الحالة ثمة سيناريوهات محتملة يمكن ان تنتهجها روسيا، وهي إما سياسة المواجهة مع الغرب بشكل عام لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن وهو أمر مكلف عمليا. وإما إعادة استنساخ التجربة الليبية وهو خيار خاسر بالنسبة إليها.وإما سلوك سياسات برغماتية على قواعد تبادلية أحد ملامحها مثلا الدرع الصاروخي المنشور في تركيا، وضمانات بشأن قاعدة طرطوس من أي تحول سوري مفترض.
في المحصلة ثمة قراءات وصور مشوشة للموقف الروسي من الحراك العربي وتداعياته. فهو غير واضح المعالم، ولا محدد التوجهات والأهداف، ولا هو بقادر أيضا على اتخاذ مواقف فاعلة باتجاهات محددة. ثمة من يراهن على تداول أو بالأحرى تبادل السلطة بين ميديديف وبوتين في العام 2012 ؛ لكن في مطلق الأحوال، ثمة خوف وقلق شديدين على انتشار الحراك العربي شمالا باتجاه دول ومناطق تعتبرها موسكو مجالا حيويا لها، عدا عن الريبة والحيرة اذا ما امتد الحراك إلى روسيا نفسها، وماذا يمنع ذلك، طالما ان الحراك شوهد بالعين المجردة في شارع وول ستريت عصب الاقتصاد والمال الأمريكي.
في الماضي القريب،بنى الاتحاد السوفياتي السابق هيبته وسمعته وحتى موقعه وقوته،جراء مساندته لقضايا الاستقلال والتحرر في غير مكان في العالم ومنها المنطقة العربية، فهل ستعيد روسيا القراءة في كتب السياسة الخارجية السوفياتية؟ ثمة ضرورة لأن تسمع القوى الدولية ومنها روسيا ماذا تريد الشعوب!

02‏/11‏/2011

الوساطة العربية في الأزمة السورية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
من الواضح ان إحدى تداعيات الفيتو المزدوج الروسي الصيني في مجلس الأمن بما اختص إبعاد كأس العقوبات الدولية عن سوريا، ترك مساحة للتحرك السياسي العربي باتجاه دمشق من بوابة جامعة الدول العربية.وبصرف النظر عن المآلات السلبية المتوقعة من هذا التحرك،ثمة أسباب واعتبارات كثيرة لها علاقة بحدود الوساطة وحجمها ونوعيتها،وبالتالي الإمكانات المعقودة عليها.
في المبدأ، لجامعة الدول العربية صلاحيات محددة في ميثاقها،تتراوح بين التدخل لتقريب ذات البين بين الدول العربية في حال نشوب أزمات أو نزاعات، وصولا إلى التعاون. لكن التدقيق في الميثاق يوضح بعض المحرمات اذا جاز التعبير ،ومن بينها التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة. وغريب المفارقات ان جميع الدول العربية المؤسسة للجامعة أو المنضمة أليها لاحقا أصرّت على هذه البيئة القانونية الواضحة،حفاظا على ما يسمى من سيادة لهذه الدول أولا،والابتعاد بشكل دبلوماسي مهذب عن الوصول إلى مرحلة الوحدة.
إذا ان طبيعة ونوعية الصلاحيات الممنوحة للجامعة في الظروف العادية والاستثنائية لا تسمح لها التوغل كثيرا في أزمات من السهل على بعض دولها ان تسميها قضايا داخلية،وبالتالي وأد أي مهمة قبل انطلاقها.وما جرى من مسعى عربي باتجاه دمشق لا يعدو كونه من المحاولات المعروفة النتائج سلفا.
ان اجتماعي دمشق والدوحة، وما أطلق بينهما من تصريحات ومواقف متباينة في جوهرها وافقها،وما تمخض بعدها من نتائج معلنة على الأقل،تشير إلى ان ثمة مناح أخرى تتجه إليها الأزمة في سوريا كما سبل التدخل لحلها.فهل ستستمر الجهود العربية عبر اللجنة نفسها؟أم سيكون ثمة آليات أخرى للتدخل؟
من الناحية المبدئية ثمة ثقة مفقودة بين الجانبين السوري واللجنة العربية أو بشكل أدق مع رئاستها،ما يعزز صعوبة الاستمرار بنفس الآليات التي اتبعت سابقا،سيما وأن نوعية التصريحات المتبادلة هي من نوع الرسائل الواضحة التي ترقى إلى مستوى المواقف المسبقة قبل أي اجتماع منوي عقده،علاوة على النقاط التي تم بحثها وهي تلامس جوهر وجود النظام السوري وآليات الحكم فيه،ما يعني ان هامش المناورة وتقديم البدائل بين الأطراف تكاد تكون معدومة،الأمر الذي يمكن ان يوسّع الهوة وبالتالي الانتقال إلى آليات أخرى اذا وجدت بين الطرفين،أو انتهائها عند حد يصعب الرجوع معها للتلاقي مجددا.ماذا يعني هذا السيناريو؟
من الواضح أيضا، ان التحرّك العربي هو تحرك في الوقت المستقطع من أزمات المنطقة العربية، وبالتالي ان إغلاق الملف الليبي من الناحية المبدئية،يعني التفرّغ إلى أزمات أخرى ومنها الأزمة السورية التي تبدو أكثر حساسية وأولوية من أزمات أخرى كالأزمة اليمنية مثلا،علاوة على ارتباط الوضع السوري بالوضع العراقي على سبيل المثال كالانسحاب الأميركي آخر كانون الأول/ ديسمبر المقبل. كل ذلك يعزز فرضية الانتقال إلى بيئة التدخل الدولي المباشر بصرف النظر عن حدة الموقفين الروسي والصيني المانع حتى الآن.
ما يؤكد هذه الفرضية أيضا،تحذير الرئيس السوري،بشار الأسد، من أن أي تدخل دولي في سوريا يعتبر كالمسِّ في صفائح زلزالية ستطال تردداتها السياسية والأمنية الارتدادية مناطق أخرى بعيدة، ما يعني أن تصوّر دمشق ان الانتقال إلى مستويات أخرى بات قاب قوسين أو أدنى،إذ يأتي التحذير السوري بمثابة الموقف الواضح الذي لا لبس فيه بأن دول المنطقة لن تكون بمنأى عن تداعيات الحروب المذهبية والأهلية التي ستقسمها وتجزئها.
ثمة سوابق كثيرة قامت بها جامعة الدول العربية لحل بعض أزمات دولها البينية والداخلية،إلا ان قلة قليلة جدا منها،تمكّنت من الوصول بها إلى نهايات سعيدة ولفترات غالبا لم تكن طويلة، وان التدقيق في حيثيات هذا التحرك وظروفه العربية والإقليمية والدولية لا يبشر بنتائج مغايرة لما هو متوقع منها.وأن التدقيق في معظم الأزمات قديمها وحديثها يقود إلى استنتاجات واحدة،هو مزيد من التعقيد، وتسليم عربي بالفشل،تعنت في المواقف، وتشريع الأبواب للخارج،فهل ستشذ الأزمة السورية عن هذا المسار؟وهل سيغير العرب من أسلوب التعاطي مع أزماتهم؟
من المعروف بشكل واضح،ان الدبلوماسية السورية، تمكنت في فترات سابقة من تقطيع أكبر الأزمات وأصعبها وأكثرها تعقيدا،لكن كانت بمجملها أزمات ذات طابع وضغط خارجي،لم يكن للقوى الداخلية أي دور فيها،فيما اليوم تعاني ضغوطا خارجية هائلة أيضا،لكن بأدوات وأطراف داخلية،فهل ستستطيع دمشق قراءة المتغيرات الخارجية والداخلية التي تحيط بها وفيها؟ أمر مرهون بالإجابة على بعض التحديات الخارجية أكثر منها داخلية...
إن اجتماع القاهرة بعد ثلاثة أيام من اجتماع الدوحة،يعني ان ثمة إصرار عربي على إجابات محددة لمشروعها، وبصرف النظر عن الإجابات ومدى الاستجابات للمتطلبات والظروف الذاتية والموضوعية لسوريا،سيكون الاجتماع بمثابة الخط الفاصل بين مسارين، عربي ودولي، وفي كلا الحالين، ستكون المواقف من كلا الطرفين، على قاعدة أني بلغت،لكن البلاغ لن يكون الرقم واحد، فقد سبقه رقمان،العراق وليبيا!