20‏/03‏/2017

خلفيات التوتر التركي الأوروبي وتداعياته
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
بيروت 16/3/2017
            لم يكد التوتر التركي الألماني يخبو نسبيا ، حتى قفزت إلى الواجهة صور أخرى من التوتر التركي الهولندي الذي اعتبره البعض امتدادا للأول، ومحاولة تركية للمضي في سياقات محددة من التعامل مع المجموعة الأوروبية على قاعدة الند للند، ذلك بالاستناد إلى خلفيات وسوابق متعددة من التوتير لسبب أو لآخر. صحيح أن ما يشاع من أسباب متعلقة بالخطابات الشعبوية التي مارستها تركيا مؤخرا ، كان لها دور حاسم في تصعيد التوتر القائم حاليا، إلا أن ذلك لا ينفي أو يلغي أسبابا أخرى لها دور في وصول الأمور إلى ما وصلت إليه حاليا.  
        فالسياسات الدعائية والإعلامية التي مارسها حزب العدالة والتنمية باتجاه الترويج للاستفتاء المزمع في تركيا للوصول بالنظام إلى نظام رئاسي، كان شديدا، وموجها إلى الداخل التركي ، وأيضا إلى مجموعات تركية مهاجرة في كافة دول الاتحاد الأوروبي ، وهي بالمناسبة أعداد وازنة ، وبخاصة في ألمانيا وهولندا والسويد والنروج وغيرها، وهي دول لها مواقفها من مجمل ما يحدث في تركيا وحولها، التي استغلت هذه الظروف لتصويب السهام على أنقرة ، كما تروّج قيادات حزب العدالة والتنمية له وبنبرة عالية. وبصرف النظر عن دقة هذه المواقف وخلفياتها، ثمة حاجة تركية واضحة لتجييش الرأي العام التركي في الداخل والخارج، لتحقيق أهداف تعتبرها تركيا إستراتيجية بالنسبة لها، ومنها إعادة هيكلة النظام السياسي على قاعدة رئاسية.فهل ذلك هو السبب الأوحد؟
        ثمة من يقول، إن هناك أسباب أخرى، ربطا ووصلا بسياسات تركيا الإقليمية ومنها الأزمة السورية والمتوجبات الأوروبية فيها. فعلى سبيل المثال ، في العام 2012 عندما احتدم التوتر التركي السوري، طلبت أنقرة من حلف الناتو ووفقا للمادة الخامسة من ميثاقه ، نشر شبكة صواريخ دفاعية على حدودها الجنوبية مع سوريا، وهذا ما تم فعلا منفذة عبر هولندا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، إلا انه تم سحبها أواخر العام الماضي وقبل الموعد المتفق عليه، ما أثار حفيظة أنقرة التي اعتبرته تخليا من قبل الناتو عن دعم سياساتها ، على قاعدة التوجهات والتحالفات التركية المستجدة وبخاصة بعد انقلاب تموز 2016 ضد رجب طيب اردوغان. وما يحكى في دوائر الناتو عن تحول تركي واضح للارتماء في أحضان موسكو ، ردا على مواقف العواصم الغربية الكبرى من الانقلاب المذكور. وبرز ذلك في الاستياء الأوروبي الواضح من قيام أنقرة  بتوقيع اتفاقيات عسكرية مع الصين وروسيا اللتين تعتبران المنافس الأول لدول حلف الناتو، ومنها توقيع أنقرة اتفاقية بناء منظومة للدفاع الجوي مع إحدى الشركات الصينية في مطلع فبراير / شباط 2015.
       وفي الجانب الاقتصادي ؛ ووفقًا لمؤشر البنك الدولي في العام 2015، تحتل تركيا المرتبة الثامنة عشر، بينما تحتل هولندا المرتبة السابعة عشر، وطبقًا لرؤية تركيا 2023، تسعى هذه الأخيرة إلى تحويل موقعها الجغرافي إلى ممر لنقل الطاقة، كما ترمي إلى تأسيس بيئة تجعل من تركيا محطةً أساسيةً في طريق الحرير المراد إحيائها من قبل بعض الدول الهادفة للحد من النفوذ الأمريكي والأوروبي على الممرات التجارية العالمية، وهو أمر يزيد من منسوب التوتر بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي ، الذي لا زال يتحكم بمشاعر تركيا الدفينة بدخول الاتحاد.
    في المحصلة وعلى الأرجح، يبدو أن أوروبا تضغط على أنقرة لثنيها عن المزيد من التقرب باتجاه روسيا، كما المحاولة عرقلة الوصول إلى النظام الرئاسي ، ذلك لعدم قدرة هذه الدول في التأثير على السياسات التركية ، كما هو الحال في النظام البرلماني الذي يكون فيه دور وهامش أكبر للمعارضة التي يمكن التأثير فيها من قبل دول الاتحاد.
       أخيرا، ثمة حاجة تركية أوروبية متبادلة على قواعد برغماتية متعددة الأوجه، فأوروبا مثلا بحاجة إلى تركيا لاحتواء أزمة اللاجئين والإرهاب المتفاقمة أوروبيا، فيما أنقرة بحاجة لدعم أوروبي لوجهة نظرها من الأزمة السورية، أما التداعيات الإيجابية التي يمكن أن تحصدها أنقرة من هذا التوتر، فتتمثل في تمرير الاستفتاء الشعبي لصالح النظام الرئاسي، وتقريب موسكو أكثر منها، لكن في المقابل هل يمكن أن تحصد تركيا المنافع نفسها التي يمكن تحقيقها من خلال التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي؟