16‏/06‏/2009

ماذا في خطاب نتنياهو؟

ماذا في خطاب نتنياهو؟Middle East Online ميدل ايست اونلاين

نتنياهو قرع طبول الحرب .. فمتى تبدأ وأين؟

نتنياهو قرع طبول الحرب .. فمتى تبدأ وأين؟
د.خليل حسين
استاد القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com

غريب المفارقات في مواقف وشعارات الصراع العربي "الإسرائيلي" انقلابها وانعكاس أدوارها.فعندما أطلق العرب عام 1967 اللاءات الثلاث الشهيرة،كانت "اسرائيل" تبحث عن اعتراف واقعي ولم تصل طموحاتها إلى الاعتراف القانوني.وعندما قبل العرب بالسلام العادل والشامل بعد العام 1973 هربت "اسرائيل" إلى الأمام في سلسلة الاجتياحات ضد لبنان،وفي خلال ذلك كانت "اسرائيل" تخوض غمار المفاوضات مع باقي الدول العربية من خلال مؤتمر مدريد بشقّيه الثنائي والمتعدّد.فكانت اتفاقات وادي عربة وأوسلو وما تبعها من مشاريع ومؤتمرات كانت تجهض في كل مرة ما تمّ التوصّل إليه سابقا.
واليوم جاء نتنياهو بعد غياب،لينعطف بهذه المسارات إلى جهة أخرى لا علاقة لها بما أشاعته الأجواء الإقليمية والدولية مؤخرا،ومنها المحادثات السورية – "الإسرائيلية" غير المباشرة في تركيا،وتصورات الرئيس الأمريكي باراك اوباما. فما الذي أتى به نتنياهو؟ وما هي تداعياته؟وهل يمكن الركون إلى أوهام التصورات "الإسرائيلية" الأمريكية المتجددة بلبوس السلام؟
بغير عناء أو تدقيق بين سطور الخطاب، نجد تحدّيات ثلاثة آخرها القضية الفلسطينية وأولها الخطر الإيراني وثانيها الوضع الداخلي وبخاصة الاقتصادي.لذا قدّم نتياهو مجموعة من الأفكار هي اقرب إلى محاضرة في علم التاريخ ، حيث التركيز على التاريخ اليهودي الذي زعم انه ممتد إلى ما يقارب الثلاثة آلاف سنة في هذه الأرض، وكأنه يدغدغ الذاكرة الجماعية لليهود على أنهم لم يأتوا إلى فلسطين تحت تأثير وضغط الحركة الصهيونية والاستعمار، وتحت تأثير ما يسمى بمعاناة اليهود في أوروبا ، بل أن اليهود موجودين في ارض آبائهم : إبراهيم ، إسماعيل ، يوشع وآخرين .... تحدث عن التاريخ ورفض الحديث عن الحاضر ومتطلباته كما رفض الحديث عن المستقبل وآفاقه.
ثم أتى على فكرة الدولة الفلسطينية في صيغة غامضة ، ملتوية وملتبسة ومرتبطة بشروط تعجيزية من المستحيل على أي فلسطيني الاستجابة لها، إذ اشترط قبل الحديث عن دولة فلسطينية اعتراف الفلسطينيين أولا، بان دولة "إسرائيل" هي "دولة الشعب اليهودي" .. أي دولة قومية لليهود، بمعنى آخر، عودة إلى أفكار مؤسس الحركة الصهيونية ، هرتسل ،متجاهلا أن اليهودية ديانة ولا يمكن أن تشكّل بأي حال قومية لليهود الذين جاؤوا إلى فلسطين من كل حدب وصوب تحت تأثير الفكر الصهيوني الذي انتزع اليهود من مجتمعاتهم الأوروبية وزرعهم في ارض فلسطين التي صورها بأنها ارض الميعاد.
علاوة على ذلك،فالدولة الفلسطينية الموعودة منزوعة السلاح،ولا سيادة برية أو بحرية أو جوية لها.فهي خارج القانون الدولي،فالدولة ليست محمية أو تحت الانتداب أو الوصاية أو الحياد أو التحييد،إنما منزوعة السلاح،ففي القانون الدولي ليس ثمّة دولة منزوعة السلاح،بل ثمة منطقة في دولة يمكن ينزع سلاحها.بعبارة أخرى يضع الدولة الفلسطينية الموعودة في إطار الإقليم التابع،لدولة اسرائيل.
والأخطر إدارة الظهر لقضية اللاجئين الفلسطينيين إذ اقترح إيجاد حلّ لهم خارج حدود الدولة اليهودية، واقترح على القادة العرب إيجاد حلّ لهذه القضية تماما كما نجحت "إسرائيل" في إيجاد حلّ للاجئين اليهود الذين جاؤوا من البلاد العربية!وهو ما تناغم مع طروحات مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى بيروت،وخلفيات ما ألمح إليه المبعوث الأمريكي جورج ميتشل في جولته الأخيرة لعواصم المنطقة.
لم يأت نتنياهو على ذكر أي إشارة في خطابه حول خارطة الطريق كأساس متفق عليها للشروع في تنفيذ استحقاقات عملية السلام ،وبالتالي محاولة للتملص وعدم الاعتراف بمضمونها التي تتحدث بوضوح عن مبدأ الدولتين، وكذلك مبدأ وقف الاستيطان في الكتل الاستيطانية الكبرى، بل عكس ذلك فقد أشاد نتنياهو بالمستوطنين ووصفهم بالأبطال الذين يستحقون كل الإمكانيات لمواصلة حياتهم وعيشهم الطبيعي في المستوطنات.
كما انه لم يتجاهل وضع مدينة القدس كمدينة فلسطينية محتلة، بل حسم أمرها بقوله :" القدس عاصمة إسرائيل وستبقى مدينة موحدة مفتوحة أمام الأديان " . وبذلك تجاوز الاعتراف بالاتفاقات السابقة الموقعة بين دولة "إسرائيل" والسلطة الوطنية الفلسطينية، التي تتحدث عن : مدينة القدس ، الحدود ، الاستيطان ، اللاجئين والمياه كقضايا لمفاوضات الوضع النهائي .
كما تجاهل مشروع السلام العربي المطروح منذ سنين دون إجابة إسرائيلية عليه؛ واليوم جاء خطاب نتنياهو ليشكل صفعة قوية للمبادرة وللقادة العرب الذين منحوا فرصا كثيرة متلاحقة بهدف التعامل معها بجدية.لكنه أكد في المقابل على مفهومه للسلام من منظور اقتصادي فقط ( السلام الاقتصادي) تماما كما أكد على ذلك خلال حملته الانتخابية فدعا القادة العرب ورجال الأعمال والمستثمرين للحضور إلى إسرائيل والمناطق الفلسطينية لاستثمار أموالهم حيث سيجدون الخبراء والعلماء الإسرائيليين الذين بإمكانهم إشاعة الرخاء الاقتصادي في المنطقة ،وبذلك يؤكد على البعد الاقتصادي للسلام ويتجاهل بالكامل الإبعاد السياسية الحقيقية لصنع السلام .
وإذا كانت هذه التحدّيات التي ذكرها قي المرتبة الثالثة،فان ما وضعه في أولها،الخطر الإيراني عبر البرنامج النووي الذي يعتبره تحدّيا لوجود الكيان لا خطرا عليه.فهل يأتي قلب الطاولة عبر البوابة الإيرانية؟ وإذا كان الخطاب بمثابة إعلان حرب مغلف بوعود سلام مسموم،فمتى تبدأ وأين؟.
ففي الوقت الذي تولى فيه نتنياهو رئاسة الحكومة،كان وفد الموساد يبحث في واشنطن إمكانية توجيه ضربة خاطفة لإيران،إلا أن مآل الأمور تأجل إلى أواخر العام بانتظار مستجدّات المفاوضات الإيرانية الأمريكية والغربية،فهل تقرِّب ظروف إيران الحالية بعد الانتخابات الرئاسية هذا الخيار،وتضرب اسرائيل ضربتها،وتحصد أرباحها الإستراتيجية مع إيران والسياسية مع الدول العربية؟ عندما فعلتها إسرائيل في مفاعل تموز العراقي لم يكن أحدا يعتقد أن العين "الإسرائيلية "امتدت إلى العراق.
باختصار لقد أعاد نتنياهو خلط أوراق المغامرات "الإسرائيلية" مجددا في المنطقة،فأطلق رصاصة الرحمة على مبادرة السلام العربية وعلى رهانات الاعتدال العربي،ومد يده باتجاه الزناد أيضا ربما للّعب في الوقت المستقطع في أزمة إيران الداخلية.لقد عوّدتنا "اسرائيل" على إطعامنا السم المدسوس بالعسل،فهل وصلت الرسالة إلى من يعنيهم الأمر من أهل الحل والربط بين العرب؟ وهل آن الأوان للعرب أن يسألوا عن وعود باراك اوباما عن الدولة الفلسطينية في العام 2012؟ أم أن الانتظار إلى حينه واجب لمعرفة الجواب.

03‏/06‏/2009

ماذا بعد الانتخابات النيابية اللبنانية؟

ماذا بعد الانتخابات النيابية اللبنانية؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com

ربما تعتبر الانتخابات النيابية ونتائجها من أغرب الانتخابات النيابية في تاريخ لبنان السياسي.فقد ارتبطت بمجموعة عوامل وان لم تشكل سابقة ،إلا أنها ارتدت هذه المرة خلفيات وأبعاد يبدو في ظاهرها ستؤسس لمراحل مختلفة عما سبقها.بيد أن التدقيق فيها ومقاربتها مع العوامل المحيطة بها،توضح صورا مغايرة تماما في المضمون.
فبصرف النظر عن الأحجام والأوزان التي ستتكون في مراحل لاحقة،ثمَّة اصطفاف سياسي جديد تحت لبوس ومسميات مختلفة،إلا أن نتائجها من الصعب أن تغيّر من الواقع السياسي اللبناني.ذلك يعود إلى عدة معطيات خارجية لها أثر مباشر على الواقع والتركيبة السياسية اللبنانية.فما هي هذه المؤثرات؟وما هي تداعياتها على النتائج ومسار الحكم داخليا؟.
في المقام الأول، ثمَّة’ حالة من الستاتيكو السياسي تمر بها المنطقة،عنوانها تقطيع الوقت لأواخر هذا العام، يتحدد في خلالها النتائج الأولية للحوار الأميركي - الإيراني حول البرنامج النووي،وبالتالي تحديد المفاصل التي تحكم ضوابط الوضع القائم في المنطقة، وبالتالي إن الوضع اللبناني برمته موضوع على لائحة الانتظار،باعتبار أن الساحة اللبنانية تشكل موقعا هاما لحركات الشدِّ والجذب الإقليمي والدولي.وبالتالي إن النتائج السياسية للانتخابات مجمدة أقله خلال هذه الفترة.
المعطى الثاني متعلق،بسياسة المحاور العربية بشكل عام،والعلاقات السورية السعودية بشكل خاص؛وعلى الرغم من أثر متبادل بين الوضعين الداخلي والخارجي لهذه العلاقة،فإن الجديد فيها يتمثل في أثر نتائج الانتخابات على هذه العلاقة واستعداد الطرفين لتقبل نتائجها.وفي مطلق الأحوال،إن عامل الحوار الأميركي الإيراني له الأثر المباشر في هذا المعطى،ويشكل عاملا أساسيا في تحديد معطياته وحجم تقدمه أو تراجعه وبالتالي انعكاساته على الساحة اللبنانية.
وإذا كانت النتائج السياسية مرهونة بهذين الملفين الإقليميين الكبيرين،فإن نتائج الانتخابات في الملفات الداخلية هو واضح وسيكون له تداعيات كثيرة،اقلها في المواضع التي تتأثر في الظروف الخارجية وتخدم معطيات حركتها وآثارها.
أولى التداعيات ستكون على الوضع الحكومي بالتحديد،فبحكم الدستور تعتبر الحكومة مستقيلة،فماذا عن الحكومة ومن يستطيع تشكيلها بالكيفية التي يمكنها القيام بعملها في المرحلة القادمة؟ وهل سيكون الثلث المعطل أولى الألغام في طريقها؟ وإذا لم تشكل في المرحلة الأولى سيكون ذلك مؤشرا واضحا على إمكانية استمرار الأزمة لفترات طويلة ؟وإذا كان الأمر كذلك هل ستبقى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بحكم المصرِّفة للأعمال لأربع سنوات قادمة؟ربما تعتبر هذه الأسئلة أسئلة افتراضية يصعب التكهّن بمساراتها بدقة،لكن المؤشرات العامة تجيز طرح مثل هذه الأسئلة الخطرة،سيما وان تاريخ لبنان السياسي شهد الكثير من الحالات المماثلة لجهة أزمة الحكم والحكومة.
ثاني التداعيات المحتملة، تتعلق بالحوار لجهة القيادات الوافدة إليه والمغادرة منه باعتباره قام في الأساس على طبيعة التركيبة السياسية الممثلة في البرلمان؛إضافة إلى ذلك ثمَّة أمر متعلق به لجهة المواضيع والملفات التي ستطرح،هل ستبقى كما هي أم سيضاف عليه،أو سيعزل منه مواضيع وملفات؟وفي مطلق الأحوال سيكون من الناحية المبدئية مقاربة جديدة لمجمل الحوار وملفاته،إن لجهة التركيبة الجديدة لقياداتها وموضوعاتها وأسلوب عملها. إلا أن المهم في كل ذلك فعالية هذا الحوار وإمكاناته العملية لجهة القدرة على ترجمة مقررات معينة في حال اتخاذها.
ثالث التداعيات ستكون الاختبار العملي والفعلي على مدى التزام الأطراف اللبنانيين،بتفاهم الدوحة الذي يعتبره البعض تفاهما له مبرراته وظروفه ونتائجه المرحلية وبالتالي مدة صلاحيته قد انتهت وينبغي العودة إلى اتفاق الطائف،فيما يرى البعض الآخر إن اتفاق الطائف قائم ومستلزمات اتفاق الدوحة لا زالت موجودة وهي تدعم اتفاق الطائف وظروف استمراره،وبالتالي ينبغي التوفيق والتعامل مع ظروف وشروط الاثنين معا.الأمر الذي سيشكل مادة سجالية دستورية وفقهية ظاهرا، لكنها تخفي أبعادا وخلفيات سياسية أخرى.
إن مقاربة الوقائع اللبنانية الانتخابية والسياسية وما يتعلق فيها من تفاصيل، تبدو مرشحة للتفاعل في المرحلة القادمة وليس بالضرورة الاتجاه نحو تغييرات دراماتيكية سريعة،بل ربما تشهد عمليات تقطيع وقت متواز مع ما يستلزمه العامل الخارجي،الأمر الذي يستدعي إحضار عدة شغل سياسية لمجمل الأطراف الداخلية ،ما سيبرز مزيدا من الانقسام الذي يمكن أن يتجه في مراحل لاحقة إلى مادة تفجيرية في الواقع اللبناني المهتز أصلا.
وإذا كانت هذه الآثار نتاج واقع الستاتيكو الموجود في المنطقة،فماذا لو اختلفت ظروف هذا المعيار،وما هي نتائجه المفترضة لاحقا؟ في المبدأ الكثير من الوقائع يمكن أن تتغير بنسب متفاوتة،إن لجهة ملفاتها أو موادها أو عدتها؛وهي بجميعها يمكن أن تأخذ حدودا متطرفة يصعب ضبط نتائجها وآثارها.فملف المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ستكون مادة دسمة في تأجيج الانقسام اللبناني،على قاعدة إدخال عنصر جديد فيه عبر اتهامات موجهة إلى حزب الله،الأمر الذي سيرخي بتداعيات كبيرة على الواقعين السياسي والأمني لاحقا.علاوة على ذلك فملف العملاء الإسرائيليين التي بدأت تتهاوى شبكاتها والحديث عن وصول الأمور في التحقيق إلى مجالات ومدى أبعد مما يتداول في الإعلام،مفادها فتح الملفات إلى ابعد من حدودها الأمنية إلى حدود سياسية،الأمر الذي سيكشف الواقع السياسي اللبناني على أبواب غير مسبوقة.
هذا الواقع السالف الذكر، مرتبط بمعطيات الوضعين الإقليمي والدولي،فإذا ما ذهبت الأمور إلى مواضع تصعيدية،فإن الوضع اللبناني سيكون ساحة مناسبة لهذه الخيارات وستستخدم كل الأطراف أحجامها وأوزانها الانتخابية في المعارك الداخلية.الأمر الذي يصعب التكهن بنهاياتها ونتائجها العملية على الوضع اللبناني تحديدا.
ثمَّة انتخابات نيابية كثيرة تمّت في لبنان قبل الحرب وبعدها،لكن جميعها كانت متشابهة لجهة فعالية نتائجها،لكن الانتخابات ونتائجها هذه المرة فيها نكهة خاصة جدا،مفادها إن جميع الأطراف تعتبرها مصيرية،إلا أن حقيقة الأمر مختلفة تماما،فلبنان لم يكن في تاريخه السياسي قادر على حسم موقعه ودوره،وبالتالي لم تكن أية مفردة من مفرداته السياسية حاسمة لجهة نقله من ضفة إلى أخرى بشكل حاسم ونهائي.
ربما تعتبر الفرادة اللبنانية سرَّ استمراره وبقائه كما هو،لكن هذا الاستمرار لا يشكل ظاهرة الدولة القابلة للحياة بشكل طبيعي كباقي دول العالم،لذا استعملت الانتخابات في الماضي كما هذه، عدة شغل ممتازة لكسب المعارك السياسية بالنقاط لا بالضربة القاضية كما يحلم الكلّ في لبنان.