24‏/10‏/2017

خلفيات الموقف الروسي الملتبس من الاستفتاء الكردي

خلفيات الموقف الروسي الملتبس من الاستفتاء الكردي
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

      صاغت روسيا مؤخرا موقفا دقيقا من الاستفتاء الكردي، انطلاقا من عدة عوامل مؤثرة وناظمة لعلاقاتها الإقليمية مع كل من الدول الأربعة المعنية مباشرة بالأزمة الكردية. ولم تكن موسكو في الواقع قادرة على تجاهل أو تجاوز موضوع الاستفتاء ، وهي التي نظمت قبلا استفتاءً في صيف العام 2014 في شبه جزيرة القرم في أوكرانيا لضمه إلى روسيا.
       في الجانب العراقي، حددت موسكو موقفها عبر وحدة الأراضي العراقية في موازاة احترام تطلعات الكرد، واللافت في الموقف الروسي تمييزه بين المناطق الواقعة إداريا في إقليم كردستان، وبعض المناطق التي تسيطر عليها بعض القوى الكردية في نينوى وديالى مثلا، انطلاقا من تعزيز مبدأ الحوار بين اربيل وبغداد على النقاط الخلافية.
    ولتعزيز موقف موسكو من هذه السياسة نسجت علاقات استثمارية واسعة مع الأكراد ، تطمح من خلالها إلى دخول قطاع الطاقة في الإقليم الذي يحتوي على احتياطات تقدر بنحو 45 مليار برميل من النفط و5.66 تريليون متر مكعب من الغاز. وقد بدأت شركة غازبروم الاستخراج  بالإقليم منذ العام 2012. كما ضاعفت استثماراتها إلى أربعة مليارات دولار، كان آخرها تشغيل خط الغاز الطبيعي من الإقليم عبر تركيا بطاقة 30 مليار متر مكعب سنويا،والمفارقة أن الإعلان عن المشروع اتى قبل تنظيم الاستفتاء بأيام معدودة.
    ورغم تشعب التباين وتعقيدات المصالح بين أنقرة وطهران وبغداد وأربيل ، تنسج موسكو علاقاتها مع هذه الإطراف انطلاقا من تراجع الدور الأميركي وانسحابها التدريجي من المنطقة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وفي الوقت الذي تدرك موسكو عدم قدرتها على منافسة واشنطن؛ فقد استثمرت في ظروف المنطقة المعقدة لبناء وجود إستراتيجي في المنطقة، انطلاقا من سوريا بعد تمكنها من جمع أنقرة وطهران في منصة أستانا، وتمكنت ببراعة في التعامل مع القضية الكردية كورقة لتعزيز المغانم المحتملة في سوريا، والضغط على كل من أنقرة وطهران بهدف تقديم  تنازلات على قاعدة ما يترتب على الاستفتاء في كردستان ، ذلك انطلاقا من رؤية روسية أن الهدف من الاستفتاء هو تحسين شروط التفاوض بين رئيس الإقليم مسعود البرزاني وبغداد، وهو ما يستلزم وساطة لاحقة تطمح موسكو القيام به.
    ولتعزيز قابلية تلك الرؤية للتحقق ، تعمد موسكو إلى وقف تقدم قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور، بهدف قطع الطريق على مساعي أكراد سوريا لإيجاد فرص التواصل الجغرافي مع العراق.. كما تنسق في المقلب الآخر مع تركيا لتعزيز دخولها إلى منطقة تتجاوز مئة كيلومتر وبعمق يصل إلى 40 كيلومترا المطلوبة تركيا والمرفوضة طبعا سوريا، بهدف ضمان  محاصرة منطقة عفرين الكردية شرقا وغربا ، لقطع الطريق على أي تواصل مع المناطق ذات الأغلبية الكردية شمال سوريا المتصلة مع أكراد تركيا.
     في المحصلة ترى روسيا أن من مصلحتها الاستفادة من بؤر التوتر على حدودها الجنوبية، وهي فرصة لتعظيم نفوذها، وهذا ما يُفسر عمليا وواقعيا الموقف الملتبس الذي اتخذته من القضية الكردية والاستفتاء الأخير، إذ يؤمن هذا الموقف الحذر والمدروس بعناية فائقة فرصا لهندسة  إقليمية تعزز من فرص بقاءها في المنطقة، علاوة على لعب دور الوسيط والحكم في النزاعات المحتملة بعد تصفية تنظيم داعش في سوريا والعراق.
       لا شك ثمة عناية فائقة ومشي بين الألغام تحاول موسكو تخطيها في سبيل بناء منظومة من المصالح الإقليمية التي يمكن الاستثمار فيها، ورغم مظاهر النجاحات المحققة نسبيا، تبقى المنطقة بظروفها ووقائعها ترقد على براميل النفط القابلة للاشتعال في أي لحظة، وبالتالي الإطاحة بكافة المتغيرات الحاصلة، وبالتالي أيضا  إعادة خلط أوراق كثيرة من بينها السياسات الروسية والقضية الكردية، وغيرها الكثير من الملفات المتصلة والملتهبة في المنطقة.


خلفيات الموقف الروسي من الاستفتاء الكردي

خلفيات الموقف الروسي الملتبس من الاستفتاء الكردي
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية

      صاغت روسيا مؤخرا موقفا دقيقا من الاستفتاء الكردي، انطلاقا من عدة عوامل مؤثرة وناظمة لعلاقاتها الإقليمية مع كل من الدول الأربعة المعنية مباشرة بالأزمة الكردية. ولم تكن موسكو في الواقع قادرة على تجاهل أو تجاوز موضوع الاستفتاء ، وهي التي نظمت قبلا استفتاءً في صيف العام 2014 في شبه جزيرة القرم في أوكرانيا لضمه إلى روسيا.
       في الجانب العراقي، حددت موسكو موقفها عبر وحدة الأراضي العراقية في موازاة احترام تطلعات الكرد، واللافت في الموقف الروسي تمييزه بين المناطق الواقعة إداريا في إقليم كردستان، وبعض المناطق التي تسيطر عليها بعض القوى الكردية في نينوى وديالى مثلا، انطلاقا من تعزيز مبدأ الحوار بين اربيل وبغداد على النقاط الخلافية.
    ولتعزيز موقف موسكو من هذه السياسة نسجت علاقات استثمارية واسعة مع الأكراد ، تطمح من خلالها إلى دخول قطاع الطاقة في الإقليم الذي يحتوي على احتياطات تقدر بنحو 45 مليار برميل من النفط و5.66 تريليون متر مكعب من الغاز. وقد بدأت شركة غازبروم الاستخراج  بالإقليم منذ العام 2012. كما ضاعفت استثماراتها إلى أربعة مليارات دولار، كان آخرها تشغيل خط الغاز الطبيعي من الإقليم عبر تركيا بطاقة 30 مليار متر مكعب سنويا،والمفارقة أن الإعلان عن المشروع اتى قبل تنظيم الاستفتاء بأيام معدودة.
    ورغم تشعب التباين وتعقيدات المصالح بين أنقرة وطهران وبغداد وأربيل ، تنسج موسكو علاقاتها مع هذه الإطراف انطلاقا من تراجع الدور الأميركي وانسحابها التدريجي من المنطقة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وفي الوقت الذي تدرك موسكو عدم قدرتها على منافسة واشنطن؛ فقد استثمرت في ظروف المنطقة المعقدة لبناء وجود إستراتيجي في المنطقة، انطلاقا من سوريا بعد تمكنها من جمع أنقرة وطهران في منصة أستانا، وتمكنت ببراعة في التعامل مع القضية الكردية كورقة لتعزيز المغانم المحتملة في سوريا، والضغط على كل من أنقرة وطهران بهدف تقديم  تنازلات على قاعدة ما يترتب على الاستفتاء في كردستان ، ذلك انطلاقا من رؤية روسية أن الهدف من الاستفتاء هو تحسين شروط التفاوض بين رئيس الإقليم مسعود البرزاني وبغداد، وهو ما يستلزم وساطة لاحقة تطمح موسكو القيام به.
    ولتعزيز قابلية تلك الرؤية للتحقق ، تعمد موسكو إلى وقف تقدم قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور، بهدف قطع الطريق على مساعي أكراد سوريا لإيجاد فرص التواصل الجغرافي مع العراق.. كما تنسق في المقلب الآخر مع تركيا لتعزيز دخولها إلى منطقة تتجاوز مئة كيلومتر وبعمق يصل إلى 40 كيلومترا المطلوبة تركيا والمرفوضة طبعا سوريا، بهدف ضمان  محاصرة منطقة عفرين الكردية شرقا وغربا ، لقطع الطريق على أي تواصل مع المناطق ذات الأغلبية الكردية شمال سوريا المتصلة مع أكراد تركيا.
     في المحصلة ترى روسيا أن من مصلحتها الاستفادة من بؤر التوتر على حدودها الجنوبية، وهي فرصة لتعظيم نفوذها، وهذا ما يُفسر عمليا وواقعيا الموقف الملتبس الذي اتخذته من القضية الكردية والاستفتاء الأخير، إذ يؤمن هذا الموقف الحذر والمدروس بعناية فائقة فرصا لهندسة  إقليمية تعزز من فرص بقاءها في المنطقة، علاوة على لعب دور الوسيط والحكم في النزاعات المحتملة بعد تصفية تنظيم داعش في سوريا والعراق.
       لا شك ثمة عناية فائقة ومشي بين الألغام تحاول موسكو تخطيها في سبيل بناء منظومة من المصالح الإقليمية التي يمكن الاستثمار فيها، ورغم مظاهر النجاحات المحققة نسبيا، تبقى المنطقة بظروفها ووقائعها ترقد على براميل النفط القابلة للاشتعال في أي لحظة، وبالتالي الإطاحة بكافة المتغيرات الحاصلة، وبالتالي أيضا  إعادة خلط أوراق كثيرة من بينها السياسات الروسية والقضية الكردية، وغيرها الكثير من الملفات المتصلة والملتهبة في المنطقة.