17‏/12‏/2014

لبنان وشروط التفاوض لاسترجاع عسكرييه

لبنان وشروط التفاوض لاسترجاع عسكرييه د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية شرت في صحيفة الشرق الاوسط / لندن/ 16 /12/2014 ليست سابقة أن يدخل لبنان في متاهات الأزمات المتلاحقة التي لا أفق واضح لها، لكن أزمة العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش وجبهة النصرة ، جعلت من الحكومة اللبنانية لقمة سائغة في أتون المفاوضات التي لا مثيل لها في تاريخ مفاوضات الدول مع الجماعات الإرهابية. وعلى الرغم من كثرة السوابق التي تمت لاسترجاع أسرى لبنانيين إن كان مع إسرائيل مثلا أو تلك المتعلقة بالأزمة السورية حاليا، إلا أن ثمة تخبط وضياع واضحين في السلوك التفاوضي اللبناني ، الذي يمكن تبرير بعض أوجهه لظروف ذاتية وموضوعية تتعلق بالأزمة نفسها، وبالأطراف الداخليين والخارجيين المعنيين فيها. في المبدأ، إن تفاوض الدول مع جماعات إرهابية يعتبر من اعقد وأدق طرق وأساليب المفاوضات على الإطلاق، بالنظر لطبيعة كل طرف، وقدرته على المناورة والمساومة تجاه القضايا المطروحة، إضافة إلى انعدام الضوابط الواجب توفرها لحسن سيرها والوصول فيها إلى نهايات محددة. فلبنان بدأ مفاوضاته بقنوات متعددة مع الخاطفين، يعكس كل منها وجهة نظر سياسية خاصة استغلها الخاطفون بدقة ، فاستعملها وسيلة للتفلت من أي التزام لطرف ضد طرف آخر، والمضحك المبكي في لبنان أن الجهات السياسية المتصارعة استعملت خلافاتها ونزاعاتها في اطر وسياقات المفاوضات نفسها، حتى أن عضوية خلية الأزمة التي شكلت لهذا الغرض جمعت مختلف الأطراف اللبنانية المتنازعة. ثمة شروط وشروط مضادة وضعها الخاطفون ، وهي بمعظمها شروط من النوع التعجيزي الذي يلغي ما تبقى من هيبة الدولة، ويجلها أسيرة مزاج وسلوك إرهابي لا يعرف احد كيفية التصرف معه ، أو كبح جماحه أو احتوائه، سيما وان الشروط التي تدفع بوجه الدولة يقابلها تهديد بذبح عسكري وهو أمر نفذ بخمسة من العسكريين تباعا وبطرق وحشية ومرعبة، تعبر عن همجية يستحيل التفاوض أو التعاطي معها بطرق اعتيادية. إضافة إلى ذلك إن شروط الخاطفين ليست مرتبطة بقرار أو إجراء تحدده الحكومة اللبنانية، بل ربطه الخاطفون بسوريا عبر الإفراج عن معتقلين لديها ، وفي ظل انقطاع التواصل الرسمي اللبناني السوري، يبدو هذا الأمر أكثر من تعجيزي، الأمر الذي يضطر معه لبنان لولوج قنوات خاصة لذلك بعيدا عن القنوات الرسمية المفترضة، ما يزيد الأمور تعقيدا. في الواقع ليس بمقدور لبنان مواجهة هذه القضية منفردا ، للعديد من الاعتبارات المتعلقة أصلا بالجماعات الإرهابية نفسها وطرق تعاملها مع قضية المخطوفين. صحيح أن لبنان يمتلك بعض الأوراق التفاوضية الوازنة إلا انه غير قادر على استثمارها بشكل جيد. فمثلا نفذ الإرهابيون تهديداتهم بذبح بعض الجنود، إلا أن الدولة اللبنانية عجزت عن تنفيذ أحكام بالإعدام صادرة بحق إرهابيين موقوفون لديها لأسباب كثيرة من بينها خلافات السياسيين اللبنانيين على ذلك. إن مجمل الأوراق التي يمتلكها الطرفان لا تسمح الاستثمار فيها إلى نهايات محددة تتعلق بالإفراج عن العسكريين، ما يستدعي البحث عن مسارات أخرى من بينها إدخال دول وقوى خارجية يمكن أن تؤثر على سلوك الخاطفين لإجبارهم على إطلاق سراح العسكريين المخطوفين. وعلى الرغم من اختلاف الظروف ونوعية القضايا، ثمة سوابق انتهجت في السابق ، وأدت إلى الإفراج عن مخطوفين كقضية الـ 19 لبنانيا الذين احتجزتهم فصائل سورية مسلحة في اعزاز ، وتم إطلاق سراحهم بعد إدخال عناصر خارجية إلى الأزمة، مما وفر البيئة المناسبة لعملية التبادل. طبعا ، يمتلك لبنان أوراق قوة يمكن الاستفادة منها بشكل كبير، إذا تم الاتفاق عليها بين اللبنانيين أولا، إلا أن ذلك يبدو متعذرا في الوقت الراهن ، ما يعزز فرضية السلوك باتجاه إدخال العناصر الخارجية إلى الأزمة للمساعدة في تفكيك طلاسمها إذا جاز التعبير. فالخاطفون لم ولن يستجيبوا لأي ضغط لبناني وفي أي ورقة يتم التعامل فيها والتفاوض عبرها، سيما وان الخاطفين يستعملون الرهائن كوسيلة ابتزاز يومية للبقاء على قيد الحياة في ظروف جبلية قاسية، وهم غير مستعجلين على إيجاد حل طالما أن المخطوفين بمثابة الأوكسجين الذين يتنفسونه عبرهم. إضافة إلى ذلك أن عامل الوقت يبدو حادا في آثاره على الخاطفين ، ما يفسر ظاهرة الإرباك الواضح والمتمثل بالتهديد بالذبح وهذا ما نفذ بكل برودة أعصاب ، الأمر الذي سيتكرر إذا لم يتم التعامل معه بجدية ووضوح وحزم .

14‏/12‏/2014

المعلن والمضمر في “النووي الإيراني”

د .خليل حسين / المعلن والمضمر في “النووي الإيراني” / صحيفة الخليج الاماراتية 6-12-2014 مفارقة المفاوضات في البرنامج النووي بين طهران والغرب، تكمن في ازدواجية الصور التي يطلقها الطرفان، إن كان في الجانب المعلن منها، أو المضمر إيحاءً وتأويلاً . وفي كلتا الحالتين ثمة صور نمطية باتت مألوفة لدى الجانبين وهي بمثابة الإشارات التي يُحسن كل طرف استثمارها والبناء عليها لمراحل لاحقة، وإن اختلفت الأهداف والغايات منها، إن كانت مباشرة أو غير مباشرة . انتهت مفاوضات مسقط في سلطنة عمان وكأنها الفرصة الأخيرة قبل قيام الساعة، فيما الواقع غير ذلك تماماً، كان الجانب التقني للملف شبه منجز وهو ما يهم الغرب عامة و"إسرائيل" خاصة، فيما الجانب المتعلق برفع العقوبات هو أيضاً متفق عليه بصرف النظر عن حجمه وكمه النوعي والزمني، في وقت انتقلت فيه المفاوضات إلى جنيف لتختتم في الرابع والعشرين كما هو متفق عليه في إطار الاتفاق الثاني . والمفارقة هنا أيضاً اتفاق الطرفين على قاعدة "واقضوا حوائجكم بالكتمان"، في المعلن إعلان نوايا متمم لما سبق، وفي المضمر اتفاق على إغلاق ملف هذه الجولة في يونيو/ حزيران المقبل، ضمن آلية محددة لمسار وآليات التفاوض الفرعية تبدأ الشهر المقبل، على أمل التوصل إلى نهايات محددة أكثر دقة في مارس/ آذار المقبل قبل الوصول إلى خواتم واضحة في يونيو . في الجانب التقني المضمر، لم تتخل طهران عملياً عن التخصيب، لكن تم تحجيم العملية بكميتها وأيضاً بنوعيتها . وهو أمر لا يشكل خسارة استراتيجية لطهران، خاصة أن التفاوض هو على عدم زيادة أجهزة الطرد المركزي التي هي بمجملها تصل إلى التسعة عشر ألف جهاز، وهي علمياً وعملياً من الوسائل التي باتت تقليدية مقارنة مع وسائل أخرى، كما هو الحال مثلاً في "مجمع أراك" الذي يعمل بالمياه الثقيلة لإنتاج البلوتونيوم، وهي الوسيلة الأسرع والأهم تكنولوجياً مقارنة بتخصيب اليورانيوم . وهو ما تحاول الدول الست وبخاصة فرنسا التوصل إلى اتفاق محدد بشأنه . إضافة إلى ذلك ثمة جوانب متعلقة بآليات التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية المتعلقة بادعاءات غربية حول منشأة في جنوب غرب إيران يجرى فيها تجارب وصلت إلى مراحل متقدمة وتشكل قلقاً "إسرائيلياً" شديداً . وفي هاتين المسألتين تمكنت إيران من تقديم بدائل مقنعة للغرب تخفف الهواجس والمخاوف الأمر الذي سيعمل على تظهيره بصوره النهائية في حدود آذار المقبل . وفي جانب إنهاء العقوبات المفروضة على إيران، قدمت الدول الست عرضاً يبدو مجزأ، لكنه يوصل إلى أهداف طهران العملية . لا رفع للعقوبات دفعة واحدة، وإنما على مراحل زمنية متقاربة ضمن كميات مالية تصل الواحدة منها إلى 700 مليون دولار، مترافقة مع حوافز تجارية ونفطية تراها طهران ضرورية في المجال الاقتصادي الراهن الذي بدأت آثاره تشكل أمراً ينبغي التوقف عنده . وفي الواقع تثار الأسئلة حول الدوافع التي جعلت واشنطن تبدي استعدادها للتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي حتى لو أدى ذلك إلى تبرم حلفائها من العرب و"الإسرائيليين" . في الواقع لا بد من ملاحظة أن الإدارة الأمريكية لم تتمكن من إحباط مساعي إيران في المجال النووي من خلال العقوبات، كما أن العمل العسكري يبدو غير مضمون النتائج، في ضوء الحسابات العسكرية المعقدة والتداعيات المحتملة لذلك . كما لا تستطيع الإدارة الأمريكية الاستمرار في الحفاظ على تماسك المجموعة الدولية "5+ 1"، بخاصة أنها أخفقت مرة أخرى في العودة إلى مجلس الأمن لمتابعة البرنامج النووي، في ضوء معارضة موسكو وبكين، بل إن روسيا أعلنت مواقف واضحة بشأن استعدادها لرفع العقوبات عن طهران من جانب واحد، إضافة إلى عقد صفقات طويلة الأجل معها في الشقين النووي والاقتصادي . في المقلب "الإسرائيلي" الآخر، تبدو القراءة لما تم التوصل إليه قراءة متوترة يغلب عليها طابع التوجس كالعادة، باعتباره ملفاً لا ينبغي التوصل إلى حل فيه على قاعدة دبلوماسية، وتعتبره في أحسن الأحوال إعلاناً أفضل من اتفاق سيء يمكن التوصل إليه، وهذا ما ظهر واضحاً عبر تصريحات كثيرة للقيادات السياسية والعسكرية "الإسرائيلية" خلال المفاوضات وبعدها . في أي حال، تشكل الفترة المقبلة فترة بالغة الأهمية على المنطقة وملفاتها الملتهبة، وهي بمثابة بداية تشكل إطاراً لنظام إقليمي، فيه الكثير من المتغيرات التي سادت العقود الماضية، ويبدو من الواضح حتى الآن أن ترتيبات كثيرة ستظهر وتعيد النظر بالكثير من الصور التي سادت مؤخراً . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/b8876a44-c327-4b63-a261-dee61a64e197#sthash.1T0DGhVK.dpuf

بوتين وقمة العشرين

د . خليل حسين / بوتين وقمة العشرين / 28-11-2014 في القمة ما قبل السابقة التي عقدت في موسكو، كانت الأزمتان الأوكرانية والسورية في أوج صعودهما، وكانت المواقف الدولية بحاجة لمخرج ما يعيد توازن القوى في التقديمات والتنازلات المتبادلة، إلى حد ترضى به الأطراف الرئيسة الفاعلة في الأزمتين، دون ضرورة موافقة أصحاب الأزمتين نفسيهما . قطف بوتين اللحظة المناسبة فقدم إيقونة السلاح غير التقليدي السوري المتمثل بالسلاح الكيميائي والبيولوجي هدية مجانية لطرف ثالث هو "إسرائيل"، فكان التلقف الغربي وسكوته المؤقت في الأزمة الأوكرانية، ضُم القرم بصرف النظر عن غطائه القانوني، وظلت الأزمة قائمة بين الغرب وموسكو، دون تحديد أطر وآليات محددة لحلها، زادت الأمور تعقيداً في مجمل الملفات الإقليمية بدءاً من المجال الحيوي الروسي، مروراً بالشرق الأوسط، وصولاً إلى شرق آسيا وغيرها، والملفت في السلوك الروسي هنا البحث الدائم عن ملفات للمقايضة وشراء الوقت ولو كان مكلفاً . في قمة العشرين الأخيرة في أستراليا، عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حنقه وسخطه من الضغوط الغربية وبخاصة الأمريكية عليه، بالانسحاب الدبلوماسي قبل الاتفاق على البيان الختامي، متذرعاً بحاجته للنوم، وهو أسلوب تهكمي يعكس واقع روسيا بوتين وعدم قدرتها على فرض ما تريد في بعض الملفات ومن بينها الأوكرانية تحديداً . باعتبار أن باقي الملفات هي قابلة للأخذ والرد في حدود معينة وفي بعض جزئياتها . في ملف الأزمة الأوكرانية، قدّم بوتين طرحاً مبتكراً من الطريقة السويسرية والنمساوية في مرحلة الحرب الباردة في القرن الماضي، على قاعدة فيدرالية أوكرانية لحل عقدة الأقليات في الداخل ومنها الروسية، مقرونة بحياد في الخارج بين الأحلاف بهدف إبعادها عن المنافسات والمناكفات الإقليمية والدولية الحاصلة . وإذا كانت ظروف الأوضاع الأوروبية السابقة سمحت بتمايز النمسا وسويسرا بحيادهما، فهل ثمة ظروف متشابهة تسمح بمثل هذا التمايز لأوكرانيا حالياً؟ وما هو الموقف الآخر من ذلك؟ ثمة قول يُتندر به مفاده: "يحج والناس راجعة" وهذا ما ينطبق على الرئيس بوتين، فالنمسا وسويسرا تخلتا عن حيادهما، بعدما أصبح الحياد مستحيلاً في هذا الزمن، الذي تحكمه شبكات معقدة جداً من المصالح، بصرف النظر عن الخلفيات الإيديولوجية أو العرقية أو القومية أو غيرها . وبالتالي إن طرح الحياد الأوكراني غير قابل للتطبيق لا من الوجهة الذاتية المتعلقة بظروف أوكرانيا وقدرتها على فرضه إذا تم التوافق عليه، ولا من الوجهة الموضوعية غير المتوفرة أصلاً والمتمثلة برفض الأطراف الإقليميين والدوليين، وهما شرطان أساسيان ولازمان لنجاح المشروع . في الواقع قدّم بوتين مشروعه بشكل لا يمكن القبول به، حتى وإن اقتنع الآخرون به، فهو حيّد منطقة القرم عن المشروع، معتبراً أنها ضُمت نهائياً إلى روسيا، وهي المنطقة المختلف عليها في الأصل بصرف النظر عن حجم ووزن وتعداد الروس في باقي الأقاليم الأوكرانية , وهو الأمر الذي لم يهتم به الغرب لا من قريب ولا من بعيد، بل كان مجالاً لإطلاق المواقف التي تزيد منسوب التوتر بين موسكو والغرب، أقلها تشبيه روسيا بوتين، بالخطر على العالم مثل فيروس إيبولا أو داعش ! وهي توصيفات تعكس مدى حجم الأزمة بين الطرفين . في أي حال، إن الأزمة لا تبدو في طريقها للضمور أو التراجع النسبي، وبالتالي إن الطرفين سيبحثان عن وسائل أخرى إما للاحتواء أو التصعيد وهو الأرجح، لكن على قاعدة التفتيش مرة أخرى على سلة من التنازلات المتبادلة، فيها نوع من المكاسب والخسائر، القابلة للتعويض في بعض جزئيات من ملفات أخرى لا تزال عالقة، ومن بينها الملفات العربية وبالتحديد السورية . فهل ستشهد الفترة القادمة خلط بعض جزئيات الملفات الإقليمية لبلورة خارطة طريق روسية للتعامل مع الغرب؟ إن مشكلة موسكو تكمن في امتلاكها من القوى التي يمكن أن تمكنها في يوم من الأيام العودة إلى الساحة الدولية كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة، لكنها في نفس الوقت أيضاً وأن امتلكت الوسائل المشروعة، فهي بحاجة إلى مزيد من الوقت لتقبل العالم لطموحاتها وتطلعاتها، ذلك رغم وجود الكثير من الممتعضين والمناوئين للسياسات الأمريكية، والتي لم تعرف موسكو كيف تستغل هذه الميزة المجانية . في أي حال ظلت قمة العشرين وأن توصلت إلى تقديم العديد من الرؤى لبعض المسائل الدولية، محطة جمعت قادة كبار الدول، والطريف فيها هذه المرة، حجج النعاس الذي غلب على صاحب الوجه الرخامي . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/2cccc60e-232a-4738-98b6-bfd6456f4063#sthash.Ey16QCBP.dpuf

النووي الإيراني بين التمديد والتحجيم

د .خليل حسين /النووي الإيراني بين التمديد والتحجيم / صحيفة الخاليج الاماراتية 19-11-2014 الطرفان الإيراني والغربي مضطران لتحديد أطر واضحة لمستقبل ملف طهران النووي الذي يرتبط بالكثير من القضايا التقنية ظاهرياً، والسياسية الإقليمية مضموناً، وفي هذه الحال من الطبيعي أن يصل أسلوب التفاوض وتقديماته المتبادلة إلى خطوط تبدو صعبة للطرفين . في المبدأ، وإن بدت مفاوضات مسقط الأخيرة نوعاً من سياسة حافة الهاوية التي تنطوي على شد وجذب تعدى الإطار التقني للملف، إلى سياسات متبادلة برزت مظاهرها في الرسائل المتبادلة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والمرشد علي الخامنئي، على قاعدة المشاركة في الحرب على الإرهاب . وإذا كان هذا الملف يعتبر مدخلاً للشراكة الغربية الإيرانية مستقبلاً، إلا أنه من المبكر التحدث عن تفاصيله في ظروف تغرق فيها المنطقة بكثير من أزمات مزمنة متشابكة ومعقدة لجهة المصالح وكيفية التعاطي معها لحلها . في الجانب التقني للمفاوضات، ما زالت المواقف عند حدها الأولي، طهران واصلت التشدد في مطالبها لجهة إبقاء أجهزة الطرد المركزي عند الحد الفعلي الذي تمتلكه، مع تقديم ليونة في عدم زيادتها، ذلك بالتوازي مع تقديم تسهيلات أخرى في إجراءات الرقابة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية . في مقابل الاقتراحات الغربية المتمثلة بتخفيض عدد أجهزة الطرد إلى عدة آلاف لا تتجاوز الخمسة، مع نقل وتخزين كميات اليورانيوم المخصب إلى روسيا ومساعدة هذه الأخيرة بإمداد طهران بالكميات التي تحتاج إليها في النسب التي تتخطى الخمسة في المئة . ما يعني أن إطار المفاوضات ظل في بدايته، رغم إصرار الطرفين على التوصل لأطر أخرى ولو كانت جزئية، ضمن سلة متكاملة يمكن تظهيرها في جولات مقبلة . وإن كان الجانب التقني على أهميته الإقليمية وبخاصة إلى الجانب "الإسرائيلي"، فإن ملفات أخرى يربطها الطرفان في سياق الحل النهائي للملف النووي، وعليه ستشهد الجولة المقبلة مزيداً من المزج والخلط التقني بالسياسي، على قاعدة عدم فصل القوة التكنولوجية عن الثقل السياسي للدول، وهو اعتبار غربي كما هو إيراني، ومن الصعب تجاهله والقفز فوقه في أية تسوية محتملة مستقبلاً . إضافة إلى ذلك، ثمة معطيات إضافية مستجدة لدى الطرفين الأمريكي والإيراني، ستدفعهما إلى التفكير ملياً قبل الإقدام على أي خطوات حاسمة، من بينها سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ مؤخراً، والواقع الذي يمكن من خلاله عرقلة الإدارة الأمريكية الديمقراطية ومنعها من التوصل إلى اتفاقات نهائية قبل سنتين من الانتخابات الرئاسية، في مقابل تربص المتشددين في إيران بالسلوك التفاوضي والسياسي للإصلاحيين، وعليه يبدو أن ثمة مصلحة متقاطعة لكل من الطرفين للتوصل إلى إنجاز ما، ولو كان جزئياً يحمي المفاوضات نفسها من الانهيار أولاً، ويحمي البيئة السياسية الداخلية لكلا الطرفين من مراقبة المتشددين . في أي حال من الأحوال، ثمة مصالح متقاطعة يبحث الطرفان إلى عدم ضياعها، وبالتالي إيجاد فرص أخرى للتواصل على قاعدة عدم الخسارة الكاملة والربح الكامل . تبدو طهران مضطرة لتقديم شيء ما في الجانب التقني، مقابل حاجتها للجانب الاقتصادي الذي أرهقته العقوبات مترافقاً مع كسب في ملفات سياسية وأمنية إقليمية تحاكي طموحاتها، مقابل مرونة غربية في الجانبين السياسي والاقتصادي لمصلحة التشدد في الجانب التقني الذي يريح الغرب ويطمئن "إسرائيل"، ويعطي الانطباع للطرفين بثقة غير المهزوم الذي يحاول قطف النصر الذي لم تكتمل شروطه حتى الآن . في أكتوبر/تشرين الأول ،2013 تم التوصل إلى اتفاق إطاري، جرى بعض التقدم الخجول فيه، وصولاً إلى تمديد ثان حتى 24 الحالي، يبدو أن الطرفين بحاجة إلى مزيد من الوقت لإنجاز اتفاق مبدئي جزئي، وهو أفضل السيناريوهات المطروحة جدياً وعملياً، على قاعدة أن قضم الحل قطعة قطعة، أفضل من بلعه من دون هضم، وهو مسار يعرف الطرفان كيفية المضي فيه والاستفادة منه ولو اتخذ أشكالاً وأنواعاً من الشد والجذب السياسي والأمني في المنطقة . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/ef5356e8-852f-4d9a-be4b-aaff7800e036#sthash.ljTuTvHe.dpuf

أسباب تصاعد الحركات الأصولية

د . خليل حسين /أسباب تصاعد الحركات الأصولية/ صحيفة الخليج الاماراتية 15-11-2014 ثمَّة العديد من الأسباب الذاتية والموضوعية التي ساعدت في تصاعد الأحزاب والحركات الأصولية في المنطقة العربية . فوصول الجمهوريون وبالتحديد فئة "المحافظون الجدد" إلى السلطة في الولايات المتحدة، شكَّل تحوّلاً دراماتيكياً في السياسات الخارجية الأمريكية وبخاصة تجاه الشرق الأوسط، والذي أدّى إلى تشكيل بيئة مواجهة وصلت إلى حدود استعمال القوة العسكرية في مواجهتها . فاجتياح "إسرائيل" على سبيل المثال للبنان في العام 1982 وعدوان تموز ،2006 والعدوان على غزة 2008 و2010 و2014 وبدعم أمريكي واضح، نقل منطقة الشرق الأوسط من ضفة إلى أخرى، تميّزت بمواجهات دامية وأسست لبيئات سياسية واجتماعية متطرِّفة نظرت إلى الولايات المتحدة نظرة عداء كونها تشكل الداعم الاستراتيجي ل "إسرائيل" في المنطقة . وسرعان ما ترسخ هذا الاتجاه في عقد الثمانينات من القرن الماضي وما تلاه . كما ساعد الوضع السالف الذكر، بشكل مباشر على إحياء إيديولوجيات ذات طابع أمني عسكري، ومرد تلك الاحتلالات التي ظهرت في غير منطقة في الشرق الأوسط، بدءاً من لبنان وصولاً إلى أفغانستان والعراق، الأمر الذي أوجد غطاءً شرعياً اجتماعياً حاضناً للأحزاب والحركات التي واجهت الوضع القائم آنذاك . كما أن فشل الأحزاب القومية العربية والشيوعية في تحقيق الآمال التي وعدت بها شعوبها، أدى إلى واقع اجتماعي سياسي تعبوي مختلف، سرعان ما تحولت الجماهير العربية والإسلامية عن أحزابها ومضت باتجاه الأحزاب الراديكالية التصورات، والتي تمثلت بالأحزاب ذات التوجه الديني وحتى المذهبي . وتشكل قدرة هذه الأحزاب التعبوية الهائلة بحكم الأدوات والوسائل التي تستعملها وبخاصة الدينية منها، جعلها بحراً كبيراً لاستيعاب جماهيرها في الوقت الذي تميّزت بحسن تقديماتها وحل مشاكل جماهيرها، الأمر الذي رسّخ فكرة نجاحها في الذاكرة الجماعية لمناصريها، وبالتالي تأييدها والاندماج في صفوفها بصرف النظر عن دقة وصوابية طروحاتها تجاه الأزمات التي ينبغي اتخاذ مواقف فيها . إن فشل الأنظمة الحاكمة في تقديم أي أمر وعدت به، أدّى إلى تهميش دورها ورعايتها المفترضة لناسها ومواطنيها، ما سهّل للأحزاب البديلة الحلول مكانها وقيادتها للسياسات الداخلية والخارجية للدولة، حتى باتت سلطات الأنظمة هيكلاً فارغاً من دون مضمون، الأمر الذي سهل عملياً تآكلها من الداخل تمهيداً لانهيارها . كما أن فشل مشاريع السلام المقترحة أمريكياً أدّى بشكل أو آخر إلى تقوية مواقف الأحزاب الدينية، التي توصف عادة بالراديكالية أو بالأصولية، ما عقَّد الأوضاع القائمة من دون ظهور محاولات جديدة قابلة للحياة . إن الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه معظم الدول العربية والإسلامية في الشرق الأوسط، باتت قاب قوسين أو أدنى لتغيير العديد من أنظمتها التي استهلكتها عبر عقود طويلة . بل إن مجمل الثورات العربية القائمة حالياً تعبّر عن انعكاس موضوعي لواقع الحال التي وصلت إليها هذه الأنظمة وعدم قدرتها على تقديم أي بديل للأمر الواقع التي تعيش فيها جماهيرها . صحيح أن عمليات التغيير يمكن أن تؤدي إلى استقرار سياسي واجتماعي، لكنه ليس بالضرورة قادر على إنتاج وقائع وأوضاع يمكن أن يبنى عليها لبيئة سلمية في الشرق الأوسط . ومرد ذلك أن هذه الثورات في الأعم الأغلب، سوف تتجه بعكس ما كان عليه الأمر مع الأنظمة السابقة، وبالتالي عودة التشدد إلى الحياة السياسية العربية في ظل إعادة تموضع الأحزاب المتشددة بين الثورات القائمة وشرائح الشباب المحرك لها . من هنا يثار السؤال الأهم، ما العمل؟ هل ثمة حاجة ملحة وضرورية لإعادة صياغة فكر قومي عربي يتلاءم والمتغيرات الحاصلة في مجتمعاتنا وأنظمتنا العربية، أم أن أخطاء وخطايا ممارسات الأحزاب والحركات القومية في وطننا العربي، باتت راسخة في الوعي والعقل الجماعي العربي، ما يبعد هذا الاحتمال الحل، وبالتالي بقاء الحركات والتنظيمات المنافسة لها هي البديل رغم صورها السوداء في عقول معظم المجتمعات العربية، خاصة بعد ظهور "داعش"، وما حاولت ترسيخه من صور نمطية مظلمة . يبدو أننا نحن العرب نمر بأزمات خطرة وحرجة، من الصعب احتوائها وتقديم بدائل سريعة قابلة للحياة . ويبدو أننا ما نمر به اليوم هو تكرار إلى حد كبير للذي مرت به المجتمعات الأوروبية في القرون الوسطى، ويبدو مرة أخرى أننا بحاجة نحن العرب لقراءة دقيقة لما مرَّ به غيرنا من شعوب وأمم، وبالتالي محاولة فهم دقيق للاستفادة من هذه التجارب، لكن معروف عنا أننا أمة لا تقرأ، وإذا قرأت وفهمت لا تعرف كيف تستفيد من أخطاء غيرها، إنها حقاً مصيبة! - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/a2015e22-cade-4395-bb2b-e8233c7f23f4#sthash.oQddqAMV.dpuf

النازحون السوريون في لبنان ومؤتمر برلين

د .خليل حسين / النازحون السوريون في لبنان ومؤتمر برلين / الخليج الاماراتية 6-11-2014 لا يكفي لبنان من الأزمات القاتلة ليزداد عليها ملف يمس كيانه إن لم يكن وجوده، وهذا تقريباً ما بات يجمع عليه اللبنانيون على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية . فلبنان الذي احتضن وعبر سياسة "النأي بالنفس" عن الأزمة السورية، ما يقارب نصف عدد سكانه من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، ما بات يهدد فعلاً التركيبة الديموغرافية للبنانيين التي تعاني أصلاً خللاً واهتزازاً اجتماعياً أدى في غير مناسبة، إلى إشعال أزمات وطنية حادة تطورت غالباً إلى صراعات مستترة أحياناً، ومكشوفة أحياناً أخرى . ولبنان الذي يعاني أساساً أزمات اقتصادية واجتماعية يضاف إليها الأمنية، بات عاجزاً عن الاستيعاب القسري لموجات النازحين، وهو في الواقع غير قادر لأكثر من سبب على تطبيق ما يتخذه من قرارات حتى تلك المتعلقة بوقف استقبال النازحين، وهو الملف الذي حمله رئيس الوزراء، تمام سلام، إلى مؤتمر برلين، لعل وعسى أن يجد مخرجاً للوضع المأساوي القائم . جل ما كان متاحاً هو السماع لأفكار ومقترحات مرتبطة أولاً وأخيراً بمواقف الدول الوازنة في هذا الشأن، من بينها إنشاء مخيمات في مناطق آمنة على الحدود اللبنانية السورية لإيواء وتنظيم اللاجئين في مقدمة للعودة إلى مناطقهم الأساسية في سوريا، وهو أمر اعتبره المؤتمر، مرتبطاً بالحل السياسي للأزمة السورية، ما يعني أن الموضوع بآليته التنفيذية أمر مؤجل من الصعب التكهن بتوقيته ولا حتى بداياته أو نهاياته المحتملة . وبصرف النظر عن هذه الحيثية أو تلك التي سادت المؤتمر، تمكن لبنان عملياً من عدم الوقوع في فخ التوقيع على اتفاقية 1951 للاجئين، والتي تجعل من لبنان بلداً مستقبلاً ومستوعباً للنازحين واللاجئين، وبما يترتب عليه من واجبات ومسؤوليات دولية لو وقع عليها، وهو أمر من الصعب على لبنان تحمل نتائجه الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في ظل ظروفه الحالية وحتى المستقبلية . فاللاجئون وفقاً لهذه الاتفاقية تمنح لهم حقوق تصل إلى حد التوطين والاندماج الاجتماعي، ما يعني أن اللبنانيين في لبنان سيصبحون جالية لبنانية في بلدهم، كبقية الجاليات الموجودة فيه، الأمر الذي سيشكل تهديداً لكيانه ووجوده الذي أنشئ في عام 1920 وفق تركيبة جيو طائفية ومذهبية دقيقة، راعت الكثير من التوازنات الطائفية والمذهبية، فكيف بالإمكان إضافة ما يوازي نصف سكانه إلى هذا الخليط الهجيني التركيب الذي لم يعرف طعم اللحمة الوطنية الحقيقية منذ تأسيسه . في عام 1969 شُرع الوجود المسلح الفلسطيني وما رافقه من نزوح بعد معركة أيلول الأسود في الأردن، عبر اتفاق القاهرة، الذي يعتبره بعض اللبنانيين السبب الأساسي لانطلاق الحرب الأهلية، اليوم يتوجس اللبنانيون خوفاً مما ينصب لهم من محاولات لتشريع وتنظيم الوجود السوري في لبنان، باعتباره سيصبح واقعاً مؤثراً في المستقبل كما حدث مع الفلسطينيين بدءاً من العام 1948 في لبنان، وتحولوا من لاجئين إلى فئة اجتماعية يصعب تصنيفها القانوني أو وضعها العملي . لم يكن مؤتمر برلين سوى محطة من محطات أزمة اللاجئين السوريين وغيرهم في لبنان، ولم يتمكن لبنان من إقناع المشاركين وهم أربعون دولة واثنتا عشرة منظمة بوجهة نظره، وجل ما تمكن من تحقيقه وعد مالي بثمانية ملايين دولار، وهولا يسمن ولا يغني من جوع، في بلد وصلت نسبة العجز فيه إلى مستويات مرعبة، وازدياد نسبة مواطنيه الذين يعيشون فيه إلى ما دون خط الفقر، إضافة إلى الضغط الأمني والاجتماعي والنفسي المرعب . وُعد لبنان بمتابعة المؤتمر في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، لكن من يعرف ماذا سيحدث في لبنان إلى ذلك الحين، ثمة تطورات أمنية وعسكرية متسارعة، فكيف سيكون عليه حال هذا الملف؟ وهل المجتمع الدولي جاد في تسوية مثل هذه الملفات؟ أم أن الأمر لا يعدو بحثاً عن مجموعة من الملفات تزيد الأمر تعقيداً في لبنان لتسهيل انفجاره من الداخل حين يراد له ذلك، يبدو أن الأمر كذلك . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/07a3e942-6d71-4d0a-9a3f-846378f7954b#sthash.daFUyVdv.dpuf

سيكيولوجيا الارهاب الداعشي

د.خليل حسين / سيكيولوجيا الارهاب الداعشي/ صحيفة الخليج الاماراتية 27-10-2014 بات من المؤكد في سياقات علم الإجرام، أن الإرهاب بمختلف مظاهره ووسائله وأنواعه وأدواته، ظهر منذ بدء تأسيس المجتمعات البشرية، بعضها ساد وحقق نتائج محددة، وبعضها الآخر انتهى وتلاشى دون ترك أثر فاعل يذكر . واليوم يعيش العالم بأسره وبخاصة المناطق العربية والإسلامية، مظاهر إجرام "داعشي" هو الأشد عنفاً وسوءاً وتداعيات، ولم يسبقه في ذلك في تكريس صوره النمطية إلا الإرهاب الصهيوني، فيما نحن العرب والمسلمين ما زلنا مختلفين حول جنسه وكيفية محاربته، بعدما بات يهدد العقل العربي والإسلامي في سلوكه وخياراته وطريقة تعاطيه مع الوقائع المستجدة بشكل متسارع . والذي يتميز به الإرهاب الداعشي ليس وحشيته ووسائل زرع رعبه، وإنما تميزه وبشكل لافت عن غيره، باللعب وعبر وسائل نفسية يظهرها بأطر دعائية فيها الكثير من الحنكة والدهاء، ولا نقصد "داعش" هنا بالتحديد، بقدر ما نسلط الضوء على هذه الظاهرة الاستثمارية التي يمكن الاستفادة وبنسب عالية جداً منها . لقد أجادت "داعش" لعبة الميديا لاختراق العقل والذاكرة العربية والإسلامية، فقد لجأت مثلاً إلى تصوير عمليات الذبح، والرجم، وبطرق تصويرية وأنماط متقدمة جداً، بالنظر لاعتقادها المسبق أن من تمارس عليهم إرهابها هم كفرة في الأساس، ويجوز قتلهم واسترقاقهم وسبي نسائهم . لماذا تقدم "داعش" الصورة والصوت، لترويج أفعالها الإرهابية؟ بكل بساطة لدب الذعر والخوف على من يمارس الفعل عليهم، وبصرف النظر عن البيئة التي ينتمون إليها، اقتصادياً واجتماعياً وعقائدياً . لكن ثمة جانب آخر لهذه القضية، وهو تخدير العقل العربي بسلوك يعتاد عليه مع الوقت ولا يصبح أمراً اجتماعياً محرجاً . وإذا كان الإطار العام يبدو بتعميم الرعب والخوف، فإن الجانب الأكثر فاعلية يمارسه عبر انتقاء ضحاياه بدقة، وإن يكن الظاهر جماعات أكثر منها أفراداً . فالمهم هنا استغلال خصائص الضحية بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستغلال المزدوج في بعض الحالات، ذلك كما حدث مثلاً مع الأقلية المسيحية والازيدية في العراق، وهي حالات يراد منها التعميم على جميع الأقليات المذهبية والدينية في المجتمع العربي . والأمر ينطبق أيضاً على الأقليات القومية كما حدث مع الأكراد وما يجري حالياً في كوباني . والأخطر من ذلك كله، يبحث عن الصور الإجرامية الأكثر استفزازاً، ويطبقها في مكان وزمان محددين، وليس بالضرورة الإعلان عنها أو عرضها في وقتها، وإنما يمكن تركها لظروف تكون الاستفادة منها أكثر رعباً وخوفاً، كما تم عرض رجم امرأة، كان نفذ الحكم فيها قبل أشهر عدة . والأخطر من ذلك، أنه يتلبس لبوس الدين في الشرع والشريعة على ضحاياه . إن مقاربة بسيطة لتلك الصور النمطية، تثبت أنه لعب ويلعب على عامل الوقت لترسيخ سلوك نفسي اجتماعي في العقل الباطني العربي، مفاده أن لا رد لهذا القدر، فإما الاستسلام والانهزام، وإما مواجهة القتل بأبشع صوره ووسائله . وهو وضع يكون فيه الفرد وكذلك المجتمع، في حالة يأس واكتئاب وجودي، ما يسهّل ممارسة ضغوط نفسية اجتماعية أخرى عليه تزيده ضياعاً واستسلاماً . وإذا كان بيت القصيد في الإرهاب "الداعشي"، الإخضاع والخنوع، فإن مكمن التصدي له هو التصميم على مواجهته، وعدم القبول بأمر واقع يحاول فرضه . وسر القضاء على هذا النوع من الإرهاب هو الاقتناع بسهولة كسره، باعتباره نمراً من كرتون أولاً، وثانياً التأكد من أنه لا يعدو كونه حالة استثمارية يُعمل به لأهداف محددة، وسرعان ما يتم التخلي عنه بعد قضاء مستلزمات الظروف والبيئة التي يتم وضعه بها . إن سيكيولوجيا الإرهاب "الداعشي"، أمر ليس بالسهل القضاء على نتائجه وتداعياته أينما حل وأجرم، إنما الأكيد أن الإجماع البشري على خطورته وضرورة القضاء عليه، يعطي دفعاً إضافياً لكل متضرر ومتوجس العمل لمواجهته ولو باللحم الحي . ثمة تطابق كامل بين الإرهاب الداعشي والصهيوني، وقد لعبت هذه الثانية على العامل النفسي للقضاء على العرب الفلسطينيين خلال أكثر من ستة عقود ولم تتمكن، بفضل المواجهات الجادة لها، واليوم ربما التجربة ستتكرر مع الصهيونية الجديدة، المتلبسة لبوس "داعش" وأخواتها في المنطقتين العربية والإسلامية . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/a5fa7f83-772a-44e0-b20c-eba7548b3d8f#sthash.1zBwypXD.dpuf

النووي الايارني بين التهديد والتمديد

د.خليل حسين النووي الايارني بين التهديد والتمديد / صحيفة الخليج الاماراتية 18-10-2014في وقت تتصاعد فيه التصريحات حول مستقبل مفاوضات إيران النووية مع الدول الست، واحتمال تمديدها لفترات أخرى، تتصاعد وتيرة تأجيج الأزمات وملفاتها في المنطقة . وعلى وقع التفاوض على حافة الهاوية، تظهر بؤر التصعيد الاستثماري في غير منطقة وفي غير ملف، فما هي إمكانية التمديد؟ وما حقيقة التهديدات المتبادلة ولو بالواسطة؟ والى أين تتجه الأمور؟ في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، وفي خضم الأزمة السورية وتبدد مسلسل جنيف السوري، تم التوصل إلى اتفاق إطار بين طهران ومجموعة الست، سقفه الزمني يوليو/تموز العام ،2014 بهدف التوصل إلى حل نهائي . وفي تلك الفترة تصاعد النزاع الداخلي على السلطة في العراق وتم إبعاد نوري المالكي الذي استبدل بحيدر العبادي، ترافق ذلك مع تمديد جزئي حتى 24 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل . وعلى الرغم من عدم الإفصاح لا تلميحاً ولا تصريحاً عن خطوات نوعية في مسار المفاوضات، تم الإيحاء بأن مسار المفاوضات يتطلب قفزات نوعية يبرر التمهيد لوقت إضافي مستقطع لمتابعة المفاوضات . وفي وقت شهد اليمن تطورات نوعية في مسار أزمته الداخلية ببعدها الإقليمي وسيطرة الحوثيين على مناطق استراتيجية على البحر الأحمر، ما مهّد لبيئة إمكانية تمديد المفاوضات على قاعدة أن الاتفاق الإطاري شهد تفهماً متبادلاً يستوجب أحكاماً غير نهائية في هذه الفترة . وسط ذلك، كله تمدد تنظيم "داعش" باتجاهات إقليمية موجعة للفواعل الأساسيين، إن كان في العراق أو سوريا، وكذلك التمهيد إلى إدخال لبنان أيضاً في لعبة الشد والجذب الإقليمي، وهو المكان الأكثر حساسية لطهران، وبرز ذلك عبر افتعال معارك عرسال في سلسلة لبنان الشرقية المواجهة للقلمون السوري، إضافة إلى جبهة الجنوب باتجاه مزارع شبعا والعملية التي تبنتها المقاومة ضد "إسرائيل"، الأمر الذي اعتبر محاولة للتأثير في إمكانية تغيير قواعد الاشتباك وإدارة الأزمات في المنطقة من البوابة اللبنانية عبر "إسرائيل" تحديداً، المعني المباشر في تأزيم الملف النووي الإيراني وإيصاله إلى أماكن غير مرغوبة أمريكياً أو أوروبياً . إن إمكانية إدخال تنظيم "داعش" كحالة استثمارية في الملف النووي الإيراني من البوابة اللبنانية، أمر وارد بنسب عالية، وهي الورقة التي تحرص طهران على عدم اللعب بها في لبنان تحديداً، ويبدو أن الورقة الأصعب التي سترمى في سلة التجاذبات المقبلة هي معركة الشمال اللبناني بدءاً من جرود عرسال مروراً بعكار وصولاً إلى طرابلس، وهي المنطقة التي تتيح ل"داعش" الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط وما يعنيه هذا الوصول من خلط أوراق استراتيجية في المنطقة توازي إن لم يكن أكثر وصول الحوثيين إلى مياه البحر الأحمر . إن عمليات ربط الجغرافيا السياسية بأزمات المنطقة وملفاتها، باتت واضحة وأمراً مرغوباً فيه من كافة الفواعل الإقليمية، لما لها من تأثير مباشر في اتخاذ قرارات مصيرية، وهذا ما أجادته وتجيده القوى صاحبة المصلحة بذلك . وإذا كان الكثير من الملفات يحتاج إلى المزيد من الوقت والمزيد من تبادل التهديدات الموجعة، فإن حسم بعضها أو معظمها، أمر يبدو بعيد المنال، لذا فإن تبادل الضغوط وبخاصة في الجغرافيا السياسية للمنطقة أمر بات من مسلمات إدارة أزمات المنطقة، ومنها الملف النووي الإيراني، وعليه فإن إدارة الأزمات بالأزمات هي السمة الأكثر وضوحاً في هذه المرحلة . لم يعد هناك متسع للوقت قبل استنفاد الوقت المستقطع من عمر التمديد الأول للمفاوضات النووية الإيرانية، الذي سينتهي في الرابع والعشرين من الشهر المقبل، في وقت يتزايد فيه منسوب التهديدات الموجعة للأطراف كافة، فهل ستتمكن أطراف الملف النووي من اجتراح وسائل أخرى لتمديد المفاوضات؟ أم أن الطرف "الإسرائيلي" الأكثر تضرراً بهذا الملف سيعمد إلى إجبار واشنطن على خلط الأوراق مجدداً؟ يبدو أن عملية مزارع شبعا الأخيرة في الأراضي اللبنانية المحتلة رسالة واضحة ل"إسرائيل" في هذا المجال، ويبدو أن القيادتين السياسية والعسكرية "الإسرائيليتين" قد قرأتاها جيداً، ما يعني أن احتمال تمديد المفاوضات بين طهران والدول الست بات أمراً واقعاً ومرغوباً فيه . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/d36be1c1-6c93-496b-a1b1-e02e1dabcd61#sthash.MTaRpoTr.dpuf