28‏/02‏/2008

جلسات التشاور وآفاقها

جلسات التشاور وآفاقها
د.خليل حسين
بيروت: 2-11-2006
مرة ثانية، يجد زعماء الطيف السياسي اللبناني، أنفسهم، مضطرين إلى التلاقي في 6 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري حول طاولة التشاور، التي دعا إليها رئيس مجلس النواب، نبيه بري، ويزمع نصبها في مقر مجلس النواب في القاعة عينها التي شهدت اجتماعات مؤتمر الحوار الوطني التي بدأت في أوائل آذار/ مارس الماضي واستمرت إلى عشية اندلاع العدوان الإسرائيلي على لبنان في 12 تموز/يوليو الماضي.
العنوان العريض العام للتلاقي هذه المرة هو التشاور، وهو محدود في الزمن (15 يوماً فقط راح منها سبعة أيام نتيجة التأجيل) ومحدود في المواضيع، إذ سيتناول فقط موضوعين لا ثالث لهما، الأول وضع قانون انتخاب يرضى عنه الجميع وينهي بالتالي دوامة مشاريع قوانين الانتخاب التي شهد لبنان 3 صِيغ منها منذ عام 1992 وحتى عام 2005 بصيغة انتخابية أخيرة.
والثاني، التشاور حول حكومة جديدة تضع حداً للسجال القائم حول الحكومة الحالية، بالوصول إلى صيغة حكومة وحدة وطنية تنطوي على أمرين ترفعهما المعارضة منذ زمن وهما:
- إدخال ممثلين للتيار الوطني الحر بزعامة النائب العماد ميشال عون، بعد أبعاد وزراء مسيحيين آخرين.
- جعل الثلث المعطل بيد تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل بحيث يحرم الأكثرية الحاكمة من فرصة إمساكها بقرار الحكومة، انطلاقاً من مفهوم أنها أكثرية انتخابية وتتمتع بهذا الحق.
إن غالبية اللبنانيين فوجئوا بمبادرة الرئيس نبيه بري التي فضَّل أن تسمى "بعيدية" تزف كبشرى إلى اللبنانيين.وعنصر المفاجأة تبدّل من جهة إلى أخرى، ولكن الواضح أن فريق 14 آذار/مارس، أو فريق الأكثرية كان الأكثر تفاجؤاً بمبادرة الرئيس نبيه بري التشاورية إن لجهة زمانها ( 15 يوماً فقط) أو مواضيعها التي ستطرح فيها، وخصوصاً مطلب حكومة الوحدة الوطنية.
فالمعلوم أن الأكثرية النيابية والوزارية كانت من الأصل تعرب عن معارضتها المطلقة لمطلب تبديل الحكومة بتهمة رافعي هذا الشعار بأنهم يخدمون "أجندة سورية" تريد قطع الطريق على تأليف المحكمة ذات الطابع الدولي المولجة متابعة التحقيق بقضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فإنهم يريدون في الوقت عينه "تنفيس" القرار الدولي الرقم 1701 وإعادة عجلة الأمور في البلاد إلى ما صاروا يسمونه في قاموسهم السياسي ب "حقبة الوصاية السورية".
وفي مرحلة لاحقة، وعندما اشتدت حركة المطالبين بحكومة الوحدة الوطنية، واظهروا حضورهم في أكثر من مناسبة اضطرت الأكثرية إلى تقديم تراجع وتنازل، فأعلنوا مراراً أنهم ليسوا بالمطلق ضد حكومة، ولكنهم يخشون فراغاً، لا يمكن ملؤها إذا ما استقالت الحكومة الحالية، لذا فهم مع أي مشاورات آو حوارات مسبقة لتأليف الحكومة المنشودة.
وفي مرحلة لاحقة أيضا ومع اشتداد مطالبة "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" و"اللقاء الوطني اللبنانيط بزعامة رئيس الوزراء الأسبق عمر كرامي، ومع حركة رؤساء الوزراء السابقين، الداعية إلى حل ألازمة السياسية الخانقة المتمثلة بانقسام حاد في الشارع السياسي، حاولت الأكثرية القيام ب "هجوم ايجابي" مضاد باتجاه أبداء الرغبة في فتح قنوات الحوار الموصدة مع قوى المعارضة وفي مقدمها "حزب اللهط، وتمثل ذلك بدعوات متكررة أطلقها أقطاب الأكثرية لوقف السجالات، وللاحتكام إلى الحوار بدل الاحتكام إلى الشارع والى التشنج والاحتقان، بل إن المعلومات التي سرّت في بيروت ذكرت أن زعيم تيار "المستقبل" النائب سعد الدين الحريري طلب موعداً رسمياً لمقابلة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر لوصل ما انقطع من جلسات الحوار معه، لكن الحزب رد بالقول أن ظروف هذا اللقاء لم تنضج بعد وان الحزب لا يحبذ فكرة اللقاء بل يريد ان يكون هناك برنامج حوار حول كل المواضيع والقضايا الخلافية.
وحيال وصول الأمور إلى هذه المرحلة العالية المنسوب من التشنج والاحتقان والسجالات اليومية، توجهت الأنظار مجدداً ولا سيما أنظار فريق 14 آذار/ مارس، إلى الرئيس نبيه بري متمنية عليه فتح الأبواب الموصدة، وإزالة الجدران المرتفعة بين الافرقاء.
وذهب أقطاب من هذا الفريق إلى حد مطالبة بري بأي حركة سريعة تعيد الحرارة والحيوية إلى قنوات التحاور التي أصابها التجمد.
لذا لم يكن سهلاً على هذه القوى أن تتهرب مبدئياً من التجاوب مع مبادرة التشاور التي أطلقها الرئيس بري في اليوم الثالث لعيد الفطر المبارك. لكنها أعربت عن صدمتها باقتصار برنامج التشاور على بندين خلافيين فقط.

وفي الكواليس السياسية شرع بعض قوى 14 آذار/ مارس باتهام الرئيس نبيه بري ضمناً بأنه قدم خدمة للفريق الآخر، وباشر بالضغط السياسي والإعلامي بشكل مباشر وغير مباشر على الرئيس بري لتطويل جدول أعمال التشاور بحيث يشمل بندين آخرين هما البحث بمصير رئاسة الجمهورية وبسلاح المقاومة في الجنوب لكن بري أجاب عبر وسائل الأعلام بأن لا مجال لزيادة القضايا على برنامج التشاور، وان على الجميع إما أن يقبلوا به كما هو أو أن يرفضوه وبالتالي ما عليهم إلا اللجوء إلى الشوارع المتقابلة والاضطرابات التي تفتح الأوضاع على المجهول.
وذهب الرئيس بري في معرض تمسكه بالمبادرة في صيغتها الأولى ونصها الأصلي، إلى القول إنه لا فائدة ترجى من طرح بند الرئاسة الأولى، ولا جدوى من إثارة موضوع سلاح حزب الله في الجنوب الذي عجزت كل قوة إسرائيل وآلتها الحربية عن دفع الحزب إلى إلقائه والتخلي عنه.
وأمام هذا الإصرار من قبل الرئيس بري، حضر إلى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة وفد لقاء قوى 14 آذار/ مارس، ليبلغ بري قبوله بمبادرة التشاور كما وردت في صيغتها الأولى ولكن يتمنى عليه تأجيل الجلسة الأولى (كانت مقررة الاثنين الماضي في 3 تشرين الأول/ أكتوبر) إلى موعد آخر نظراً لارتباط ركني 14 آذار/ مارس النائب وليد جنبلاط بمواعيد في واشنطن، وسعي النائب سعد الحريري لثني موسكو عن تحفظاتها تجاه المحكمة ذات الطابع الدولي.
لقد فتح حزب الله في الأيام القليلة الماضية المجال لمعاودة التحاور مع السفير السعودي في لبنان عبد العزيز الخوجة، الذي التقى السيد نصر الله مطولاً، فسقطت بذلك قطيعة كانت امتدت على مدى أربعة شهر بين الحزب والرياض، انعكست سلباً على بعض جوانب الحياة السياسية اللبنانية الداخلية. لذا فإن هذا اللقاء المستجد بين نصر الله والسفير السعودي، في نظر الضالعين بالشأن اللبناني، عنصر من العناصر التي من شأنها أن تدعم بشكل أو آخر مبادرة التشاور المنتظر ترجمتها عملياً في الأسبوع المقبل، ومن شأنها أن تبدد من الجمود والاحتقان السياسي الحاصل.
ولكن كل ذلك على بلاغته وأهميته لا يعني أطلاقا أن الاحتقان السياسي الحاصل في لبنان، والذي يعبر عن نفسه بمظاهر عدة منها التهديد المتبادل بالشوارع، قاب قوسين أو أدنى من التبدد، ولكن ثمة من يرى بأن هناك فرصة ما زالت بعيدة نسبياً لحل الخلاف حول الحكومة محورها الأساسي القبول بتوسيع الحكومة الحالية عبر إدخال ممثلين عن العماد عون، وهو طرح يبدو أن الرئيس بري من المتحمسين له، وان النائب جنبلاط لا يعارضه، ولكن ذلك يحتاج إلى مراحل صعبة وشاقة لتدوير الزوايا وبالتالي جعله طرحاً يرضي الجميع.
وعملياً يبدو أن أمام لبنان فرصة جديدة للحوار والتشاور وحول ابرز القضايا الملحة والأكثر إشكالية وهي حكومة جديدة، فالوضع أفضل من مرحلة ما قبل مبادرة الرئيس بري، حيث كانت كل الأبواب موصدة، وكل جسور التلاقي والحوار بين طرفي النزاع مقطوعة، وبالتالي فإن مبادرة، الرئيس بري، هي بادرة أقل للبنانيين عليهم أن يرتقبوها سواء قبلوا بمضمونها أم رفضوه.

الهيكل التنظيمي والإداري لمنظمة المؤتمر الإسلامي

الهيكل التنظيمي والإداري لمنظمة المؤتمر الإسلامي
د.خليل حسين

أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مدير الدراسات في مجلس النواب اللبناني
استطاعت منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتوسع في هيكلها التنظيمي ليصل عدد المؤسسات واللجان التابعة لها إلى عشرات الهيئات التي تعمل في مجالات النشاط الإنساني المتعدد.ويمكن لنا أن نجمع هذه الهيئات تحت خمسة أقسام رئيسية هي:
- الهيئات الأساسية للمنظمة، وعددها أربع هيئات.
- اللجان المتخصصة، وعددها خمس لجان.
- الأجهزة المتفرعة عن المنظمة، وعددها تسع مؤسسات.
- المؤسسات المتخصصة، وعددها أربع مؤسسات.
- المؤسسات المنبثقة عن المنظمة، وعددها سبع مؤسسات.

الهيئات الأساسية للمنظمة
1 - مؤتمر القمة الإسلامي (مؤتمر ملوك وأمراء ورؤساء الدول والحكومات) وهو الهيئة العليا للمنظمة التي يُعهد إليها تحديد الاستراتيجيات الخاصة بسياسات وإجراءات المنظمة، وينعقد مرة كل ثلاث سنوات.
2 - مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية ويجتمع دورياً كل سنة في إحدى الدول الأعضاء للنظر في وسائل تنفيذ السياسة العامة للمنظمة واتخاذ قرارات في الأمور ذات المصالح المشتركة وفقاً لأهداف وأغراض المؤتمر الإسلامي. كما ينظر في المصادقة على تقرير اللجنة المالية الدائمة وموازنة الأمانة العامة، وله صلاحيات التوصية بعقد مؤتمر قمة. وقد اجتمع حتى نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 28 مرة منذ تأسيس المنظمة في دورات عادية. كما جرت العادة على أن يجتمع وزراء الخارجية كل سنة في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وينعقد مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية للمهام التالية:
- النظر في وسائل تنفيذ السياسة العامة للمؤتمر.
- مراجعة ما أنجز من قرارات الدورات السابقة.
- اتخاذ قرارات في الأمور ذات المصالح المشتركة وفقاً لأهداف وأغراض المؤتمر الواردة في الميثاق.
- مناقشة تقرير اللجنة المالية والمصادقة على موازنة الأمانة العامة.
- يعين المؤتمر الأمين العام والأمناء المساعدين بناء على ترشيح الأمين العام.
- تحديد موعد ومكان دورة المؤتمر التالي لوزراء الخارجية.
- دراسة أية قضية تؤثر على دولة أو أكثر من الدول الأعضاء في حالة طلب ذلك لاتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها.
- يتم اتخاذ القرارات أو التوصيات لمؤتمر وزراء الخارجية بأغلبية الثلثين، ويمثل ثلثا عدد الدول الأعضاء النصاب القانوني في أية دورة من جلسات مؤتمر وزراء الخارجية.
- يقرر مؤتمر وزراء الخارجية قواعد الإجراءات التي يتبعها والتي يمكن اتباعها في مؤتمر ملوك ورؤساء الدول والحكومات، وينتخب رئيساً لكل دورة، كما تطبق تلك القواعد في الأجهزة الفرعية التي ينشئها مؤتمر ملوك ورؤساء الدول والحكومات أو مؤتمر وزراء الخارجية.
3 - الأمانة العامة
هي الهيئة التنفيذية للمنظمة، أنشئت بمقتضى قرار صادر عن المؤتمر الأول لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عُقد بجدة في الفترة من 23 - 25/3/1970، وتباشر الشؤون الموكلة إليها من المؤتمر وفق أحكام الميثاق ومجموعة نظم منظمة المؤتمر الإسلامي وفي إطار خطط العمل التي يقررها المؤتمر والأمين العام. كما تتولى معاونة الأجهزة الفرعية والمتخصصة على النهوض بعملها والتنسيق بين برامجها. وتعمل كذلك على متابعة قرارات وتوصيات مؤتمرات القمة ومؤتمرات وزراء الخارجية.
يرأس الأمانة العامة أمين عام يعينه المؤتمر ويساعده أمناء عامون مساعدون. وقد أوصى مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي انعقد بمكة المكرمة عام 1981 بأن تصبح مدة ولاية الأمين العام أربع سنوات غير قابلة للتجديد بعد أن كانت سنتين فقط. أما فيما يتعلق بمدة نيابة الأمناء العامين المساعدين فقد أوصى المؤتمر الثاني عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية بأن تصبح أربع سنوات بدلاً من سنتين، كما أوصى باستحداث منصب أمين عام مساعد جديد لشؤون فلسطين والقدس الشريف، فيصبح بذلك عدد الأمناء العامين المساعدين أربعة.
توزع اختصاصات الأمانة العامة في إدارات رئيسية يرأس كل واحدة منها أو أكثر أمين عام مساعد ويكون مسؤولا أمام الأمين العام عن سير أعمالها. وتتكون الإدارات الرئيسية من أقسام ومكاتب ينشئها الأمين العام في ضوء الحاجة وفي حدود الاعتمادات المالية وطبقاً لبرامج العمل المقررة، ويرأس الإدارات والأقسام موظفون يختارهم الأمين العام طبقاً لأحكام النظام الأساسي لموظفي المنظمة.
نص ميثاق المنظمة على أن يكون مقر الأمانة العامة بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية إلى أن يتم تحرير القدس لتصبح مقراً دائماً لها. اللغات المعتمدة في المنظمة هي العربية والإنجليزية والفرنسية.
4 - محكمة العدل الإسلامية الدولية
هي جهاز قضائي رئيسي لمنظمة المؤتمر الإسلامي تباشر مهامها وفقاً لأحكام قانونها الأساسي.وكان إنشاء المحكمة بقرار من القمة الإسلامية الثالثة، وتتكون من سبعة أعضاء ينتخبهم مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية وتتحمل الدول الأعضاء مصاريف المحكمة وتكون لها ميزانية مستقلة. وتشمل أهلية المحكمة جميع القضايا التي يتفق أعضاؤها على إحالتها إليها، كما تشمل كذلك كافة المسائل المنصوص عليها في الاتفاقيات والمعاهدات النافذة من مثل:
- النظر في الخلافات التي قد تنشأ بين الأعضاء بصفة عامة.
- النظر في الخلافات التي قد تنشأ عن تفسير أو تأويل ميثاق المنظمة.
- تقديم فتاوى في المسائل القانونية بطلب من مؤتمر الملوك والرؤساء أو مؤتمر وزراء الخارجية أو سائر أجهزة المنظمة بعد إذن مؤتمر وزراء الخارجية.
اللجان المتخصصة
شكلت مؤتمرات القمة والمؤتمرات الوزارية لمنظمة المؤتمر الإسلامي لجاناً مختلفة لتنسيق ودعم العمل وتوحيد المواقف وتحقيق نتائج ملموسة في مجالات التعاون المختلفة (السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والروحية والعلمية) بين الدول الأعضاء.
أولاً: لجنة القدس تأسست بتوصية من المؤتمر السادس لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي انعقد في جدة عام 1395هـ الموافق 1975م. وقد قرر المؤتمر العاشر المنعقد بفاس إسناد رئاستها إلى ملك المغرب.
أهداف الجنة
- دراسة الوضع في القدس.
- متابعة تنفيذ القرارات المصادق عليها والتي ستصادق عليها مستقبلا مؤتمرات وزراء خارجية الدول الإسلامية ومتابعة القرارات المصادق عليها حول القدس من مختلف الهيئات الدولية.
- الاتصال بالمنظمات الدولية الأخرى التي قد تساعد في حماية القدس.
- تقديم مقترحات للدول الأعضاء ولكل المنظمات المعنية بالأمر تتعلق بالخطوات المناسبة التي يجب اتخاذها لضمان تنفيذ القرارات لمجابهة التطورات الجديدة، واللجنة مطالبة بتقديم تقرير سنوي لمؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية.
تكوين اللجنة تتكون من 16 عضواً هم: المغرب، الأردن، سوريا، لبنان، مصر، باكستان، إندونيسيا، النيجر، السعودية، العراق، فلسطين، موريتانيا، بنغلادش، إيران، السنغال، غينيا. وتجتمع بدعوة من رئيسها أو من الأمين العام للمنظمة.
ثانياً: اللجنة الدائمة للإعلام والشؤون الثقافية
عقدت هذه اللجنة ست دورات، آخرها انعقد في 25/10/2000. وتتكون من كل الأعضاء.
أهداف اللجنة
- تنظر في كل المواضيع الإعلامية والشؤون الثقافية.
- تقوم بمتابعة البرامج والخطط وتنفيذها ورفع تقرير تقويمي للقمة عن مدى تنفيذ وبلورة أفكارها.
ثالثاً: اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري
أنشئت في مؤتمر القمة الإسلامية الثالثة الذي عُقد بمكة المكرمة عام 1981 وأصبحت فاعلة مع القمة الرابعة عام1984 بانتخاب رئيس تركيا لرئاستها. ويتلخص هدفها في إعداد برامج العمل المشترك وتنسيق ومتابعة الأنشطة المتعلقة بالتعاون الاقتصادي داخل إطار منظمة المؤتمر الإسلامي.
رابعاً: اللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي
أنشئت في القمة الإسلامية الثالثة عام 1981، وتتكون من جميع الدول الأعضاء بالمنظمة.
أهداف اللجنة
- تقييم الموارد البشرية والمادية، وبناء الكفاءات الرائدة في المجالات العلمية والتقنية.
- تشجيع ومواصلة التعاون والتنسيق في المجالات العلمية والتقنية للدول الأعضاء.
- تكوين بنية تعليمية فاعلة لتخطيط البحث والتطوير ومراقبة الأنشطة العلمية والتقنية على مستوى الأمة.
خامساً: اللجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية
تأسست في يناير/ كانون الثاني 1977 بموجب قرار صدر عن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية باستانبول عام 1976.
أهداف اللجنة
- استعراض ومتابعة تنفيذ القرارات التي يعتمدها المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
- وضع وتنفيذ ومتابعة تقدم التعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين الدول الأعضاء.
- دراسة وتقييم المسائل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تنوي تقديمها الدول الأعضاء لمؤتمر وزراء الخارجية.
تكوين اللجنة
تتكون اللجنة من ممثلين عن كل الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.
تجتمع اجتماعين في السنة، وقد عقدت إلى الآن تسعة اجتماعات كان أولها بكراتشي في يناير/ كانون الثاني1977، والثاني في مكة المكرمة في ديسمبر/ كانون الأول من نفس السنة، والثالث بجدة في أبريل/ نيسان 1978، والرابع بجدة في ديسمبر/ كانون الأول 1978، والخامس بكوناكري في يناير/ كانون الثاني 1980، والسادس بجدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1980، والسابع بجاكرتا في أبريل/ نيسان 1981، والثامن بطرابلس في يناير/ كانون الثاني 1982.

الأجهزة المتفرعة
أولاً: مركز البحوث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية
تكوّن هذا المركز بقرار من المؤتمر الثامن لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عُقد بطرابلس في الفترة من 16 - 25/5/1977.
أهداف المركز
- دراسة الهياكل الاقتصادية في الدول الأعضاء وتقييمها وتلافي ما قد يعرض لها من خلل أو نقص.
- القيام بأبحاث لتوثيق العلاقات التجارية وتنسيقها بين الدول الأعضاء وذلك بتوفير المعلومات السياسية لمختلف مصالحها الاقتصادية.
- دراسة هياكل الإنتاج في الدول الأعضاء وبحث إمكانية تكاملها وتعاونها.
- دراسة الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصبغة الاجتماعية المبرمة فيما بين الدول الأعضاء.
- القيام بدورات تدريبية بصفة منتظمة للمنتسبين من الدول الأعضاء في ميدان الإحصائيات.
- دراسة إمكانية تطوير الاستغلال الأقصى للموارد المتوفرة في البلدان الأعضاء.
ثانياً: مركز البحوث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية ـ استانبول
تأسس عام 1980 بقرار من مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية السابع المنعقد في استانبول في الفترة من 12 - 15/5/1976.
أهداف المركز
- إتاحة الفرصة للعلماء والمؤرخين والكتاب ورجال الفن في البلدان الإسلامية للقيام ببحوث حول التراث المشترك بهدف إيجاد تفاهم أفضل بين شعوب العالم الإسلامي.
- توفير الشروط الضرورية الملائمة للتعاون الوثيق بين المؤرخين والكتاب في البلدان الإسلامية من أجل وضع حد للأحكام المتحيزة التي يروجها بعض المؤلفين الأجانب حول تاريخ الشعوب الإسلامية وفنها وثقافتها.
- نشر البحوث على شكل كتب وكراسات.
- التشاور والاتفاق على تصحيح المعلومات الخاطئة المدسوسة في الكتب المدرسية المتداولة في بعض البلدان الإسلامية.
- السعي لحث العلماء ورجال الفن في البلدان الأعضاء على التعاون.
- تشجيع التعاون وتبادل الكتب في ميدان التاريخ والفن والثقافة بين الجامعات وغيرها من مؤسسات البحث في البلدان الإسلامية.
- تنظيم حلقات دراسية وندوات دورية سواء في المركز أو في الدول الأعضاء في المؤتمر الإسلامي، وتنظيم مؤتمرات في التاريخ والفن والثقافة بهذه الدول.
- نشر مجلة حول تاريخ البلاد الإسلامية وكذلك نشر المبادئ الرئيسية للحضارة الإسلامية.
ثالثاً: المركز الإسلامي للتدريب التقني والمهني والبحوث ـ دكا
تكون المركز بقرار من المؤتمر التاسع لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد في داكار بجمهورية السنغال في شهر أبريل/نيسان 1978م.
أهداف المركز
- تكوين المدربين المختصين في ميدان التدريب المهني والتقني.
- إجراء البحوث حول التعليم التقني والمهني في البلدان الأعضاء.
- تقييم حاجيات التدريب في البلدان الأعضاء.
- تشجيع التعاون التقني بين الدول الأعضاء ونشر المعلومات الأساسية في مجالات تنمية القوة البشرية بصفة عامة والتعليم التقني والمهني بصفة خاصة.
- تنسيق سياسات التشغيل والتدريب المهني والتقني في البلدان الأعضاء.

رابعاً: المركز الإسلامي لتنمية التجارة ـ الدار البيضاء
صادق مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد بمكة المكرمة في شهر يناير/كانون الثاني 1981م على القانون الأساسي لهذا المركز.
هداف المركز
- توثيق العلاقات في مجال التجارة والتبادل التجاري بين الدول الأعضاء في المنظمة.
- تشجيع المبادلات التجارية بين الدول الأعضاء بصفة منتظمة وجمع المعلومات ذات الصبغة التجارية.
- مساعدة الدول الأعضاء في المنظمة على تنسيق سياستها التجارية لما فيه مصلحة التجارة بين المجتمعات الإسلامية.
- العمل على تشجيع الاستثمارات الموجهة نحو تنمية المبادلات التجارية في الدول الأعضاء.
خامساً: مجمع الفقه الإسلامي ـ جدة
صادق مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد بمكة المكرمة والطائف على قرار إنشاء مجمع الفقه الإسلامي.
أهداف المجمع
- تحقيق الوحدة الإسلامية نظرياً وعملياً عن طريق محاولة جعل السلوك الإنساني الذاتي والاجتماعي موافقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
- ربط الأمة الإسلامية بعقيدتها.
- دراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهاداً أصيلاً لتقديم الحلول لها حسب مقتضيات الشريعة الإسلامية.
سادساً: اللجنة الدولية للحفاظ على التراث الحضاري الإسلامي ـ استانبول
صادق المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية المنعقد بإسلام آباد في شهر مايو/ أيار 1980 على القانون الأساسي لهذه اللجنة.
أهداف اللجنة
- توفير رؤية واسعة وشاملة وموحدة للتراث الثقافي تشمل المدن والأماكن التاريخية علاوة على المخطوطات والمكتبات والفنون.
- تطوير الأنشطة في جميع نواحي التراث الثقافي ضمن إطار عمل إسلامي وصيانته.
- رفع مستوى التعاون والتنسيق وتبادل الأفكار والمعلومات حول التراث الثقافي في العالم الإسلامي.
- تصنيف ونشر المؤلفات والمخطوطات وموارد التراث الإسلامي الأخرى.
- إقامة صناديق وموارد مالية لمساعدة الدول الأعضاء في هذا المجال مع التركيز بصفة خاصة على آثار القدس الشريف.
سابعاً: المجلس الدائم لصندوق التضامن الإسلامي
تكون هذا الصندوق بموجب قرار اتخذه مؤتمر القمة الإسلامي الثاني الذي انعقد في فبراير/ شباط 1974م في لاهور .
أهداف المجلس
- رفع مستوى المسلمين في العالم.
- المحافظة على عقيدتهم ودعم ثقافتهم في جميع المجالات.
- منح مساعدات ومعونات مادية للبلدان والأقليات والجاليات المسلمة.
- دعم نشاط الشباب المسلم وتنظيم حلقات دراسية في التشريع والتقنين والاقتصاد والثقافة والعلوم.
- تنفيذ المشروعات التي تدخل في اختصاصه ويقرها المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية.
- المساهمة في بناء المساجد والمستشفيات والمدارس.
- تشجيع البحث العلمي والتقني وإنشاء الجامعات الإسلامية.
ثامناً: الجامعة الإسلامية بالنيجر
أنشئت في شهر فبراير/ شباط1974 بقرار من مؤتمر القمة الثاني الذي عُقد في لاهور. بدأت أعمالها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 1986م، ويدرس فيها 550 طالباً موزعين بين 4 كليات ومعهد عالٍ للتدريب المهني، وينتمون إلى 16 دولة إفريقية.
تاسعاً: الجامعة الإسلامية بأوغندا
أنشئت لدى انعقاد مؤتمر القمة الثاني الذي عقد بلاهور في 22-24/2/1974م لصالح أبناء شرق القارة الإفريقية ووسطها.
بدأت في شهر فبراير/ شباط 1988م. ويدرس فيها الآن 1239 طالباً ينتمون إلى 12 دولة إفريقية تضم خمس كليات: كلية الشريعة، العلوم، الآداب، التربية، الإدارة والاقتصاد.
المؤسسات المتخصصة
أولاً: المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" ـ فاس
وهي هيئة دولية تعمل في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي متخصصة في شؤون التربية والبحث العلمي والثقافة الإسلامية.
التأسيس صادق مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الحادي عشر الذي عقد في إسلام آباد في شهر مايو/ أيار1980م على تأسيسها بعد أن اتخذ المؤتمر العاشر قراراً بتأسيسها.
أهداف المنظمة
1- تقوية التعاون بين الدول الأعضاء في ميادين التربية والثقافة والبحث العلمي وجعل الثقافة الإسلامية محور مناهج التعليم في جميع مراحله ومستوياته.
2- دعم الثقافة الإسلامية الأصيلة وحماية استقلال الفكر الإسلامي من عوامل الغزو الثقافي والمسخ والتشويه.
3- تشجيع التعاون بين الدول الأعضاء في ميادين الأبحاث العلمية، وتطوير العلوم التطبيقية واستخدام التكنولوجيا المتقدمة في إطار القيم والمثل العليا الإسلامية الثابتة والمحافظة على معالم الحضارة الإسلامية وخصائصها المتميزة.
4- إيجاد سبل حماية الشخصية الإسلامية للمسلمين في البلدان غير الإسلامية.
5- تدعيم التفاهم بين الشعوب والمساهمة في إقرار السلم والأمن في العالم بشتى الوسائل لاسيما عن طريق التربية والعلم والثقافة.
6- التنسيق بين المؤسسات المتخصصة بمنظمة المؤتمر الإسلامي في مجالات التربية والعلوم والثقافة وبين الدول الأعضاء في المؤتمر الإسلامي تدعيماً للتضامن الإسلامي والتكامل الثقافي في العالم الإسلامي.
ثانياً: منظمة إذاعات الدول الإسلامية "إيسبو" ـ جدة:
تأسست بموجب قرار المؤتمر السادس لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد بجدة في يوليو/ تموز1975م.
أهداف المنظمة
1- نشر مبادئ الإسلام، والتعريف بالقضايا الإسلامية والدفاع عنها.
2- تعميق روح الأخوة بين الشعوب الإسلامية.
3- تعريف الشعوب الإسلامية بعضها ببعض.
4- شرح الأسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعتمد عليها التضامن الإسلامي.
5- تنمية التعاون بين الهيئات والمنظمات الإسلامية والدولية الفنية العاملة في الميدان الإذاعي.
ثالثاً: وكالة الأنباء الإسلامية الدولية "إينا" ـ جدة:
تأسست الوكالة بموجب قرار صادر عن المؤتمر الثالث لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد بمدينة جدة عام 1972م وبناء على توجيه من المؤتمر الثاني لوزراء الخارجية للمنظمة الذي عقد بمدينة كراتشي.
أهداف الوكالة
1- نشر التراث الثقافي الإسلامي الضخم والحفاظ عليه.
2- توثيق العلاقات فيما بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.
3- تعزيز الصلات المهنية والتعاون الفني فيما بين وكالات الأنباء للدول الأعضاء.
4- العمل على توحيد أهداف العالم الإسلامي.
5- العمل على زيادة تفهم الشعوب الإسلامية للمسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كما نص قرار تأسيس الوكالة على أن تقوم بتسهيل تبادل المعلومات والمقالات والصور الفوتوغرافية وجمع وتوزيع المعلومات التي تهم البلدان الإسلامية، وأن تقوم بتسهيل تبادل المراسلين والصحفيين.
نشاط الوكالة
توزع أخباراً وتقارير يومية باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية للتعريف بقضايا العالم الإسلامي، وأوضاع الأقليات المسلمة، والنشاطات الدينية والدعوية والخيرية، ومشاريع التنمية والتعريف بآراء العلماء في أحوال المسلمين وشؤونهم في المجالات الدينية والاجتماعية والعامة .
وتبث أخبارها يومياً عن طريق وكالة الأنباء القطرية التي تقوم بإرسال أخبار الوكالة إلى 700 نقطة في العالم العربي وأوربا وأميركا باللغات العربية والإسبانية والإنجليزية والبرتغالية، كما ترسل أخبارها إلى وكالات الأنباء في جميع الدول الإسلامية، وإلى العديد من المراكز والمؤسسات الإسلامية، وتصدر الوكالة كتاباً سنوياً يعتبر مرجعاً للمعلومات عن أحوال المسلمين والعمل الإسلامي في مختلف أنحاء العالم، وترسل نسخاً منه إلى الجامعات والمؤسسات الإسلامية الدينية والثقافية والإعلامية والمراكز الإسلامية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، كما أصدرت كتابين عن قضية البوسنة والهرسك والصومال.
ولوكالة الأنباء الإسلامية الدولية مراسلون في عدة بلدان تسعى لزيادة عددهم باستمرار، وترسل الوكالة صحفيين من العاملين فيها إلى عدد من الدول الإسلامية لجمع التقارير والأخبار وبحث التعاون مع المؤسسات الإسلامية والإعلامية في هذه البلدان.
رابعاً: البنك الإسلامي للتنمية ـ جدة
هو مؤسسة مالية دولية، وترجع فكرة تأسيس البنك إلى مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الثاني الذي عقد بكراتشي عام 1970. وقد أكد هذه الفكرة البيان الصادر عن مؤتمر وزراء مالية البلدان الإسلامية الذي عقد في جدة في ديسمبر/ كانون الأول 1973م، وتم افتتاح البنك رسمياً في أكتوبر/ تشرين الأول 1975م.
بدأ البنك أعماله بعضوية متواضعة لم تتجاوز 22 دولة، وهو يضم الآن في عضويته 53 دولة منتشرة في قارات أفريقيا وآسيا وأوربا وأميركا اللاتينية.
أهداف البنك
1- دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية، مجتمعة ومنفردة، وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية.
2- تضطلع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية بأنشطة متنوعة في عدد من المجالات كتمويل المشروعات في القطاعين العام والخاص، وعمليات التجارة البينية للدول الأعضاء.
3- تقديم المساعدة إلى المجتمعات الإسلامية في الدول غير الأعضاء لتعزيز التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لهذه المجتمعات. وتحديد احتياجات هذه الدول عن طريق الحوار، واستحداث سلسلة من أساليب وأدوات التمويل، إضافة إلى البرامج والخطط الهادفة لتحقيق التنمية الاقتصادية.

المؤسسات المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي
أولاُ: الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة ـ كراتشي
تأسست بتوصية من مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية العاشر الذي عٌقد في فاس بالمغرب في مايو/ آيار 1979.
أهداف الغرفة
1- تنمية التعاون بين أعضائها والمؤسسات الأخرى المماثلة في العالم الإسلامي.
2- تشجيع التجارة والصناعة والزراعة والحرف اليدوية واقتراح سياسات اقتصادية ملائمة للأعضاء وتهيئة الأجواء للتعاون بين أعضائها والمنظمات المماثلة في العالم الإسلامي من أجل التنمية الاقتصادية.
3- تقديم التوصيات لحماية المصالح الاقتصادية والتجارية للعالم الإسلامي واتخاذ إجراءات جماعية يمكن أن تشمل المقاطعة الاقتصادية لأي طرف يعتدي على أي دولة إسلامية.
4- دعم التعاون بين الغرفة الإسلامية من جهة والمنظمات الدولية التجارية والصناعية والزراعية من جهة أخرى.
5- تشجيع الدول الأعضاء على تقديم التسهيلات التجارية فيما بينها.
6- تشجيع فرص الاستثمار والمشروعات المشتركة بين الدول الأعضاء.
7- تنمية التعاون في مجالات البنوك، والتأمين، وإعادة التأمين، والشحن، ووسائل النقل الأخرى في العالم الإسلامي.
8- النهوض بأعباء التحكيم في تسوية النزاعات التي تنشأ عن الاتفاقات التجارية والصناعية بين الأطراف التي ترغب في التقيد بحكم الغرفة الإسلامية.
9- تنظيم المعارض التجارية، وغرف العرض المشتركة، والمعارض الأخرى، والمؤتمرات، والمحاضرات، وحملات الدعاية كلما كان ذلك ممكناً.
10- تشجيع تبادل الكفاءات الإدارية في المجالات التجارية والفنية والصناعية والمعلومات العلمية والتثقيف والمهارات بين أعضائها.
11- القيام بكافة الجهود الأخرى التي من شأنها دعم أهداف الغرفة الإسلامية.
12- وأخيراً السعي من أجل إيجاد المجتمع الاقتصادي الإسلامي.
ثانياً: منظمة العواصم والمدن الإسلامية ـ مكة
تأسست بموجب مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية التاسع في داكار عام 1978. وتمت الموافقة على نظامها الأساسي في مدينة فاس عام 1980.
أهداف المنظمة
1- تطوير التعاون بين العواصم الإسلامية وتشجيعه.
2- الحفاظ على هوية العواصم والمدن الإسلامية وتراثها.
3- العمل على رفع مستوى الخدمات العامة عن طريق تبادل الزيارات والبحوث والدراسات والتجارب بين العواصم الإسلامية بتوسيع تعاونها على المستويات الثقافية والاجتماعية والعمرانية.
4- عقد ندوات لمناقشة مشاكل العواصم الإسلامية.
ثالثاً: الاتحاد الرياضي لألعاب التضامن الإسلامي ـ الرياض
تأسس بموجب توصية مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الحادي عشر بإسلام آباد في مايو/ أيار 1980، وبقرار من مؤتمر القمة الإسلامي الثالث بمكة المكرمة.
أهداف الاتحاد
1- دعم روابط الوحدة والصداقة والأخوة بين شباب الدول الأعضاء في المنظمة.
2- توعية الشباب في الدول الأعضاء بأهداف منظمة المؤتمر الإسلامي وتوحيد المواقف في المحافل الدولية والإقليمية بشأن الألعاب الأولمبية والتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية.
3- تشجيع التعاون بين الدول الأعضاء في المسائل المتعلقة بالنشاطات الرياضية.
4- دعم النظام الإسلامي والهوية الإسلامية في مجال الرياضة.
رابعاً: اللجنة الإسلامية للهلال الدولي ـ بنغازي
أقر المؤتمر العاشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عُقد في فاس بالمغرب في مايو/ أيار 1979 مبدأ إنشاء هذه اللجنة.
أهداف اللجنة
1- تقديم المساعدة لكل المنظمات الدولية والمحلية المهتمة بخدمة الإنسانية.
2- السهر على تقديم الإسعافات الطبية والإنسانية في حالة حدوث كوارث طبيعية.
خامساً: الاتحاد الإسلامي لمالكي البواخر ـ جدة
تم تأسيسه في مؤتمر القمة الثالث الذي عُقد بمكة المكرمة عام 1981.
أهداف الاتحاد
1- تنسيق وتوحيد جهود الأعضاء لتحقيق التعاون بين الشركات البحرية من أجل تقدم النقل البحري في الدول الأعضاء والاستفادة إلى الحد الأقصى من طاقة أساطيل شركاتها.
2- العمل على تعزيز النقل البحري بين الدول الأعضاء.
3- تشجيع الأعضاء على إنشاء شركات محلية مشتركة.
4- إنشاء خطوط ملاحة بين الدول الأعضاء.
5- ربط العالم الإسلامي والبلدان الأخرى بشبكة نقل بحري متكاملة.
6- تأمين حمولات ورحلات دورية منتظمة للشحن والمسافرين بين موانئ الدول الإسلامية وغيرها من الدول الأخرى.
7- إجراء دراسات وبحوث في مختلف شؤون النقل البحري.
سادساً: الاتحاد العالمي للمدارس العربية والإسلامية الدولية ـ جدة
أنشئ في مارس/ آذار 1976 في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية السابع.
أهداف الاتحاد
1- دعم ومساعدة المدارس العربية الإسلامية المنتشرة في جميع أنحاء العالم.
2- نشر الثقافة الإسلامية وتعليم اللغة العربية.
3- تأهيل الكفاءات والتعاون بين المؤسسات وإنشاء المدارس العربية الإسلامية.
سابعاً: الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية ـ القاهرة
تأسس في أغسطس/ آب 1978 في القمة الثانية.
أهداف الاتحاد
1- التنسيق مع البنوك الإسلامية من أجل توحيد العمليات المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية.
2- إجراء بحوث في مجال الاقتصاد الإسلامي وتقديم مساعدات لتطوير الأيدي العاملة.
3- إنشاء بنك معلومات عن جميع المؤسسات الإسلامية.
4- منح المساعدات في مجال العمليات المصرفية الإسلامية.
5- تمثيل المصالح المشتركة للبنوك الإسلامية على المستويين الوطني والدولي.
اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي
الأجهزة التالية تجتمع دورياً أو في المناسبات:
- لجنة القدس.
- اللجنة الدائمة للإعلام والشؤون الثقافية.
- اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري.
- اللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي.
- اللجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
- اللجنة الخاصة بأفغانستان.
- اللجنة الإسلامية للتضامن مع شعوب الساحل.
- اللجنة السداسية لشؤون مسلمي الفلبين.
- اللجنة السداسية للشؤون الفلسطينية.
- مجموعة الاتصال لشؤون البوسنة والهرسك.
- مجموعة الاتصال لشؤون جامو وكشمير.
- مجموعة الخبراء الحكوميين لمتابعة إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام.
- لجنة خبراء دراسة التحديات التي تواجه العالم الإسلامي في القرن الحادي والعشرين.
- مجموعة الخبراء الحكوميين للأقليات والجاليات المسلمة في الدول غير الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي.
- مجموعة الخبراء الحكوميين لمتابعة مدونة السلوك لمكافحة الإرهاب الدولي.
- مجموعة الخبراء الحكوميين لبحث مشاكل اللاجئين في العالم الإسلامي.
- مجموعة الخبراء الحكوميين للأمن والتضامن بين الدول الإسلامية.
- لجنة النظر في متابعة التطورات في وسط وشرق أوروبا.
- اللجنة الدائمة للتمويل.
- مجلس مديري الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية.
- اللجنة الإسلامية للهلال الدولي.
- لجنة توحيد التقويم الهجري.
تفعيل مؤسسات المنظمة
رغم الهيكل التنظيمي العريض لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ورغم الجهود التي تقدمها العديد من مؤسسات المنظمة، فإن بعضاً من أهم هذه المؤسسات - مثل محكمة العدل الإسلامية الدولية - لا تزال بحاجة إلى مصادقة من أعضاء المنظمة لمباشرة مهامها، كما أن العديد من اللجان والمؤسسات تفتقر إلى إلزامية القرار على الدول الأعضاء مما يدفع إلى التساؤل عن جدوى وجودها أساساً!








القوة الدولية في القرار 1701 وشروط نجاحها

د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني


من الواضح أن اللجوء لإنشاء قوة دولية في جنوب لبنان كانت مخرجا للمأزق الإسرائيلي إبان العدوان وبعده، بيد أن ما حصل ويحصل بشأنها يطرح اسئلة ينبغي التدقيق فيها نظرا للالتباسات التي تطرحها،لجهة التكييف القانوني لهذه القوة وبالتالي المهام الملقاة على عاتقها والأهداف المنوي تنفيذها،علاوة على آليات عملها،فما هي خلفيات النصوص في القرار 1701 المتعلقة بالقوة ؟وهل هي قابلة للتنفيذ في الحدود المعلن عنها عمليا؟.
من حيث المبدأ وان كان الاتجاه المعلن في القرار أن كنه وهدف هذه القوة هي "حفظ السلام" وليس "فرض السلام" أي بمعنى آخر توصيف آليات عملها وفقا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة،فثمة بنود في الفقرات التنفيذية من القرار تشير إلى ابعد من ذلك إلى حد ملامسة استعمال القوة وإعطائها صلاحيات تقريرية وتنفيذية ويمكن تسجيل العديد من الملاحظات في هذا المجال أبرزها:
- ان كنه القرار ومسار تنفيذه وأهدافه وحتى نص بعض الفقرات فيه تدل على انه يقع ضمن الفصل السابع، وعليه إن تنفيذ القرار مرتبط باستعمال القوة بصرف النظر عن رغبة ورضا الأطراف ذات الصلة بالموضوع.فمثلا ما جاء في الفقرة التنفيذية (12) "... يسمح لقوات اليونيفيل القيام بكل التحركات الضرورية في مناطق نشر قواتها وفي إطار قدراتها، للتأكد من أن مناطق عملياتها لا تستخدم للأعمال العدائية بأي شكل، ومقاومة المحاولات عبر وسائل القوة لمنعها من أداء مهماتها بتفويض من مجلس الأمن".إن كل التحركات الضرورية تعني ما تقرر هذه القوة لتنفيذ مهامها دون أي حدود واضحة، كما إن إجازة استعمال القوة كما هو وارد في النص هو مرتبط بالتفويض من مجلس الأمن والذي يعتمد في الأساس على منطوق القرارين 425 و 426 لعام 1978 المتعلقان باليونيفل، ومن المعروف إن هذين القرارين يتمتعان بفرادة خاصة لجهة اعتبارههما أعلى من الفصل السادس وأقل من الفصل السابع لما ورد في متن القرار 426 إن مهام قوة اليونفيل هي "تثبيت السلم والأمن"وليس "حفظ " أو " فرض" الأمر الذي يوحي بأن التفويض هو في الفصل السابع وليس السادس.علاوة على ذلك ما استند إليه القرار 1701 في الفقرة (5) لجهة عطفه على اتفاقية الهدنة والصادرة ضمن الفصل السابع للميثاق.وكذلك الفقرة التمهيدية (10) " الإقرار بأن التهديد الذي يتعرض له لبنان يشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين" وهي من المواضيع التي يجب على مجلس الأمن اتخاذ قراراته في الفصل السابع لحماية الأمن.
- وعطفا على ما سبق كيف يمكن التأكد من الأعمال العدائية في الجانب الإسرائيلي، وما هي الطرق والكيفية التي ستحدد فيها هذه الفوات تحديد الأعمال العدائية في مناطق تواجدها؟وما هي حدود القوة التي ستستعملها ؟اسئلة كثيرة تطول بطول الأهداف غير المعلنة في القرار.
- إشراك قوة اليونفيل من الناحية العملية بأمور سيادية لبنانية كمراقبة المطارات والموانئ وفقا للفقرة التنفيذية (11) كما وردت مكررة في الفقرة(14) للتأكيد على المهمة.
- إن أخطر ما في الحالة السابقة إعطاء دور تقريري وتنفيذي لقوات اليونفيل بما هو ممنوع أو مسموح إدخاله إلى لبنان ذلك ما ورد في المقطع (ب) من الفقرة (14) " غير أن هذا المنع لا يطبق على الأسلحة والمعدات المتصلة والتدريب أو المساعدة التي تسمح بها الحكومة اللبنانية أو اليونيفيل كما تنص عليه الفقرة 11." فورود "أو" قد سمح لهذه القوات تحديد حالات المنع أو السماح بشكل صريح لا لبس فيه ذلك بمعزل عن طلب الحكومة اللبنانية.الأمر الذي يضع لبنان تحت سلطة أن لم يكن تحت وصاية دولية فعلية.
- إن تمديد انتداب قوة اليونفيل إلى سنة قادمة وفقا للفقرة التنفيذية (16) وفقا لعزم مجلس الأمن "إعطاء دعم إضافي لهذا الانتداب وللخطوات الأخرى..." يعطي الانطباع بأن مهامها ستكون واسعة وشاملة أمور غير منظورة في القرار أو متعلقة بالظروف التي تمَّ فيها اتخاذ القرار.سيما وأن القرار انتهى بفقرة (19) اخذ مجلس الأمن على عاتقه إبقاء الموضوع قيد نظره الفعلي. فما هي حدود الدعم الإضافي المؤسسة على القرارين 425 و 426،وما هي حدود "الخطوات الأخرى"وكيفيتها ومداها في إطار الصلاحيات المزمع إعطائها لهذه القوات.
وإذا كان هذا التوصيف القانوني يرخي ظلالا كثيفة على مستقبل عمل هذه القوات والآليات التي ستعتمدها لتنفيذ مهامها فان الشق السياسي المتعلق بإنشاء هذه القوة يعزز أيضا الكثير من الشكوك حول مستقبل أدائها أيضا،فبعد الحماس الفرنسي اللافت بداية ظهر تراجع واضح حول حجم المشاركة الفرنسية،ذلك يعود للعديد من الاعتبارات من بينها اقتناع فرنسا بعدم نضوج البيئة السياسية اللازمة لإنجاح عملها وهو أمر مرتبط بكافة الأطراف المحليين والإقليميين والدوليين ومرهون باستحقاقات إقليمية كالملف النووي الإيراني والإيحاءات المتعلقة بمفاوضات عربية إسرائيلية ربما تهب رياحها بعد حين.
من هنا يمكن القول أن القوة الدولية وردت في القرار ضمن الفصل السادس شكلا، إلا انه من الناحية العملية لا يمكن تنفيذ المهام الملقاة على عاتقها إلا في استعمال القوة كما ورد صراحة في متن القرار.وبصرف النظر عن ذلك فتجربة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان UNIFIL تظهر عددا من الدروس اللافتة للراغبين في انشاء قوة جديدة تحل محلها رغم فشلها في منع اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 وفي منع اعتداءات أخرى كبيرة في عامي 1993 و 1996، إضافة إلى فشلها في منع العدوان الأخير.وثمة أسباب عديدة لهذا الفشل من بينها،إنشاء هذه القوات على عجالة باعتبارها مؤقتة، وعملها المؤقت طبقا للمبادئ التقليدية لقوات حفظ السلام: الحياد في النزاعات الناشئة والتقيَّد في استخدام القوة ،فلم تتعرض لأي خروق أو اعتداء كانت تقوم به القوات الإسرائيلية ضد لبنان.، وافتقادها القوة البشرية اللازمة لتأمين جميع مناطق العمليات.
ورغم الفشل الذي منيت به فثمة دروس يمكن الاستفادة منها لاحقا، فالحصول على الشروط المرجعية والتعديلات الخاصة بالقوات الدولية منذ البداية أمر هام، حيث قد لا يكون هناك فرصة ثانية لتصحيح الأخطاء التي قد تنهي المهمة. كما يمكن الاستفادة من دروس لقوات حفظ سلام أخرى في الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم. فمنذ قيام إسرائيل عام 1948 ثمة 7 عمليات حفظ سلام عربية - إسرائيلية: خمسة منها رعتها الأمم المتحدة، فيما الأخريان تضمنت "قوات متعددة الجنسيات". وقد فشلت عمليات كل من: منظمة الإشراف على الهدنة التابعة للأمم المتحدة UNTSO، وقوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة UNEF I، ثم القوات الموجودة الآن في لبنان UNIFIL، والتواجد الدولي المؤقت في الخليل TIPH. ويرجع ذلك إلى أنه لم يتم حل مصدر النزاع القائم في هذه الحالات قبل نشر القوات، ولأنها افتقدت إلى مهام محددة وإلى المقدرة على إرساء السلام.أما القوات التي نجحت مهامها، فهي قوات مراقبي نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة في الجولان UNDOF، والقوات المتعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء MFO. ويعزى نجاحها إلى أنها ضمّت أطرافا كانت مهتمة بحفظ السلام على حدودها المعروفة.إن تجاوز عمليات الفشل من التجارب السابقة ينبغي الأخذ بالاعتبار عدة أمور من بينها:
- إن نجاح عمل قوات حفظ للسلام مرتبط بالإشراف على الترتيبات السياسية التي يمكن التوصل إليها، بمعنى إن محاولة التوصل لهذه الأهداف عبر القوة العسكرية أمر غير ممكن فتجربة الصومال وحتى تجربة القوة المتعددة الجنسيات في لبنان في العام 1982 لا زالت ماثلة في الأذهان.
- في الحالات التي لم يتم التوصل فيها إلى ترتيبات سياسية، واجهت القوات الدولية اختيارين؛ إما أن يتم الزج بها في الصراعات والنزاعات القائمة؛ أو أن تبقى بعيدة عن الصراع ويتضمن ذلك عدم أدائها لمهمتها كما حصل لقوات اليونفيل في جنوب لبنان.
- أما في عمليات فرض السلام، فغالبا ما تصبح القوات الدولية جزءًا لا يتجزأ من النظام السياسي الجديد؛ ولهذا السبب تتحول عمليات فرض السلام إلى التزام مفتوح قد يبقى لعقود.إلا أن هذا الأمر مرتبط بشروط واعتبارات كثيرة صعبة التحقق.فقوات حفظ السلام أو فشلها في لبنان يعتمد على عدد من العوامل أبرزها: البيئة السياسة والعمليات العسكرية، والمهام المكلفة بها، وكيفية تسليحها وتنظيمها وقيادتها.
- البيئة السياسة والعمليات من أجل نجاح عملية حفظ السلام، ينبغي خلق الظروف السياسية والعسكرية الملائمة إن من الجانب الإسرائيلي أو اللبناني.فضلا عن ذلك ورغم مطالبة إسرائيل بشكل قوي لقوة فرض للسلام،فان ظروف نجاحها مرتبط أولا وأخيرا بالتزامات يجب على إسرائيل تقديمها وبخاصة ما يتعلق بمطالب حزب الله لجهة الأسرى ومزارع شبعا والألغام وغيرها من القضايا ذات الصلة.
وفي المقلب الآخر من هذه القضية ثمة قوتان لا يمكن تجاهلهما وهما إيران وسوريا.فدمشق تعارض كما هو مطروح توسيع عمل القوات ليشمل حدودها مع لبنان،فيما تعتبر إسرائيل والولايات المتحدة أن هذا الأمر يبدو حيويا لجهة ما تسميه ممرا لإمداد حزب الله بالسلاح.أما بالنسبة لإيران فالأمر مماثل وعلى علاقة بجميع هذه الأمور ذات الصلة إضافة إلى ملف البرنامج النووي.
- المهام الرسمية: يجب أن تكون مهام قوات حفظ السلام واضحة وقابلة للتنفيذ.
- الهيكيلة والعديد يفترض أن تكون قوات حفظ السلام قوية بدرجة تكفي لمنع التحديات المفتوحة للقوات المسلحة اللبنانية ولسلطاتها ولمواجهة محاولات الاعتداءات الإسرائيلية كالتي حصلت مؤخرا .
إضافة إلى ذلك ينبغي أن تكون القوات قادرة على مساعدة الحكومة اللبنانية في التعامل مع تحديات إعادة الأعمار. وينبغي أن تضم مهندسين مدنيين للمساعدة في إعادة أعمار الطرقات وإصلاح شبكات الكهرباء، إضافة إلى متخصصين في الشؤون المدنية لتقديم الدعم في مجال الصحة العامة والتعليم والإدارة المحلية وما شابه. كما ينبغي نشر الهيكل الأساسي لهذه القوات على جانبي الحدود الدولية بشكل متوازن لجهة المسافة والمساحة والعدد والعدة.
وفي أي حال من الأحوال،فإن نجاح عمل مثل هذه القوات ليس بالأمر الهين،فدونه عقبات سياسية وعسكرية كبيرة،وأن تجاوزها يعني تجاوز مسائل استراتيجية لجميع الأطراف المباشرين وغير المباشرين بدء بإسرائيل وحزب الله مرورا بسوريا وانتهاء بإيران.فهل ستستطيع نتائج هذا العدوان من فرض الشروط والشروط المضادة على تكوين البيئة السياسية لإيجاد مدخل للحل ومنها قوات حفظ السلام؟سؤال برسم الإجابة لمن في يده القرار.

عملية السلام الشامل في الشرق الاوسط(*)


عملية السلام الشامل في الشرق الاوسط(*)
وآفاق الحصار المفروض على العراق

د. خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات القانونية والسياسية
في المجلس النيابي اللبناني
(*) – ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر السنوي للحوار العربي- الاوروبي المنعقد في بروكسل ما بين 20 و23/ 2002

يشكل التعاون السياسي العربي – الاوروبي مفتاحا لعلاقات متميزة يسعى اليها الطرفان منذ فترة طويلة ، وفي قائمة الاولويات يظهر موضوع النزاع العربي - الاسرائيلي وحصار العراق ، من بين المواضيع الاكثر حساسية ، التي تستوجب المزيد من الاهتمام وتصويب الاهداف وفقا لمرجعيات باتت مسلمات وضرورات لحل شامل وعادل في المنطقة وفقا لوجهة النظر العربية .
لقد وافقت جميع الدول العربية الدخول في مؤتمر مدريد العام 1991 استناداً الى رسائل التأكيدات والضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة الاميركية لاطراف النزاع ، على خلفية الارض مقابل السلام ووفقا لقررات الشرعية الدولية الممثلة بقررات مجلس الامن الدولي ذات الصِلة لا سيما القرارات 242 و338 و425 ؛ وعلى الرغم من التسويف الذي رافق المفاوضات في شقها السياسي المتمثل بالمفاوضات الثنائية ومحاولة تقديم الجانب الاقتصادي المتمثل بالمفاوضات المتعددة الطرف ، تابع الجانبان اللبناني والسوري تمسكهما بالعملية السلمية وفقا للاسس السالفة الذكر ، رغم الانحراف الواضح الذي اتخذته مجمل العملية السلمية لا سيما المفاوضات السرية وما نجم عنها من اتفاقات في اوسلو.
ان توقف المفاوضات منذ العام 1996 على المسارين اللبناني والسوري قد اعطى انطباعا واضحا على نية اسرائيل وأهدافها من العملية السلمية برمتها بصرف النظر عن الجهة السياسية الحاكمة في اسرائيل ، ففي الوقت الذي ترأس حزب العمل الحكومة الاسرائيلية نفذ الجيش الاسرائيلي عمليتين عسكريتين واسعتين ضد لبنان الاولى " تصفية الحساب 1993" والثانية "عناقيد الغضب 1996 " والاثنتان من طبيعة سياسية واحدة، هدفتا الى اجبار لبنان على مفاوضات لا تمتُّ بِصِلة الى اسس مؤتمر مدريد .
وعلى الرغم ايضا من تأكيد الولايات المتحدة الاميركية بأنها الراعي النزية للمفاوضات بين الجانبين العربي والاسرائيلي ، الا ان تداعيات الاحداث اثبتت عكس ذلك، مما اسهم بشكل او بآخر في بلورة مواقف جديدة للسياسة الخارجية الاوروبية تمثلت ببعض الانفتاح والاهتمام بقضايا الشرق الاوسط ، بصرف النظر عن مستوى النجاحات المحققة او الآمال المرجوة، او حتى حدود الدور المعطى لها .
ان التعاون السياسي العربي – الاوروبي الذي بدأ بحوارات سياسية على مستوياات وزارية ودبلوماسية منذ منتصف الثمانينيات توِّج باعلان برشلونة العام 1995، ورغم نفي العديد من القادة الاوروبيين بأن لا علاقة لهذا الاعلان بالمفاوضات العربية - الاسرائيلية ، الا انه من الناحية العملية والواقعية يشكل محاولة موازية لادارة هذه المفاوضات حيث تدعو الحاجة وفقا لمعايير ومستويات واهداف ليست بالضرورة اوروبية المنشأ او الأصل .
ان الاهتمام الاوروبي بقضابا الدول العربية بشكل عام والنزاع العربي – الاسرائيلي وحصار العراق بشكل خاص ، ينم عن مدى فهم السياسة الخارجية الاوروبية لاهمية وحساسية هذه القضايا ومدى أثرها في استثمار المواقع في السياسات الدولية ، ومن هنا يفسَّر تعيين مندوب خاص للسياسة الخارجية الاوروبية في منطقة الشرق الاوسط ؛ ورغم هذا الاحتكاك المباشر لا زال الكثير من النقاط التي تستلزم البحث والتصويب في الرؤى الاوروبية من بعض التفاصيل الهامة في موضوع النزاع العربي الاسرائيلي وغيره من القضايا التابعة له .
ان احداث الحادي عشر من ايلول 2001 في نيويورك قد خلطت الكثير من الاوراق في غير مكان من العالم ، وأرخت ظلالا كثيفة على العديد من القضايا الدولية والاقليمية العالقة ، ومنها النزاع العربي - الاسرائيلي الذي فتح مجددا وتمَّ التعامل معه على اسس مغايرة للتي سبقت بفعل العديد من الاسباب والخلفيات التي تُستغل بشكل سلبي ولغير مصلحة الدول العربية ، وكما جرى في استثمار حرب الخليج الثانية لغير مصلحة العرب ، فقد تمّ التعامل مع تداعيات 11 ايلول والحرب على الارهاب في افغانستان كاطار لاجبار الدول العربية التخلي عن مواقفها المعلنة من عملية التسوية في الشرق الاوسط .
لقد كان الرد العربي واضحا جدا في اطار قمة بيروت ، اذ حولت المبادرة السعودية للسلام الى مبادرة عربية واضحة المعالم والاهداف، اذ زاوجت بين المتغيرات الدولية الطارئة والضغوط الناجمة عنها، والثوابت العربية التي لا تقبل المساومة والتنازل ؛ وبات الموقف العربي للتسوية محكوم مجددا في اطار الثوابت التي دخل عليها اطراف النزاع في مفاوضات مدريد ، مع بعض مراعاة المتغيرات الحاصلة على الساحة العربية .
ان الاجماع العربي الذي تحقق حول مبادرة السلام العربية في قمة بيروت تشكل الاطار للحل الشامل والعادل في المنطقة ، وهي وازنت بين الرؤية اللبنانية والسورية للسلام وظروف المنطقة والتوازنات الاقليمية والدولية بعد 11 ايلول ، اما ابرز هذه المرتكزات ودواعيها فهي :
- ان السلام العادل والشامل هو خيار استراتيجي عربي يتحقق في ظل الشرعية الدولية ، لا سيما التمسك بتطبيق قراري مجلس الامن الدولي 242 و 338 والانسحاب من جميع الاراضي العربية المحتلة العام 1967 .
- الانسحاب الكامل من الجولان المحتل وحتى خط الرابع من حزيران 1967 .
- الانسحاب من الاراضي اللبنانية التي لا زالت محتلة ( مزارع شبعا). والتطبيق الكامل للقرار 425 .
- حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 194 .
- قيام الدولة الفلسطينية على الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران 1967 ، في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية .
- رفض كل اشكال التوطين الذي يتنافى مع الوضع الخاص في الدول المضيفة .
- وعند ئذ تعتبر الدول العربية ان النزاع مع اسرائيل منتهيا ، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين اسرائيل مع تحقيق الامن لجميع دول المنطقة؛ واقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل وفق اطار السلام الشامل .
لقد اطلق رئيس الحكومة الاسرائيلية ارئيل شارون رصاصته الاولى على المبادرة العربية للسلام فور اعلانها، فاجتاح اراضي السلطة الفلسطينية وأعاد خلط الاوراق مجددا ، مما يفسر بوضوح نية شارون ومواقفه تجاه عملية التسوية برمتها، اذ ان طرحه لفكرة المؤتمر الاقليمي بشروط يبدو منها استبعاد لبنان وسوريا عنه ، هي من الناحية العملية قتل عملية السلام او حرفها نهائيا عن الاسس التي بدأت منها في مدريد .
ان الدول العربية تنظر الى دور اوروبي ريادي في هذه المرحلة من منطلق انقاذ الوضع الراهن للمنطقة وما يمكن ان يتأتى عنه من عواقب غير معروفة النتائج، ولذلك ان التحرك الاوروبي يستلزم اعادة النظر ببعض المواقف التي تحاول واشنطن رسمها بهدف ابقاء جميع الادوار رهينة الموقف الاسرائيلي وتحديدا الشاروني منها.
ان الدور المتميز الذي يمكن ان تلعبه المجموعة الاوروبية من المفترض ان ينطلق من عدة مبادىء ابرزها :
- الضغط على اسرائيل لاجبارها على الاذعان لقررات الشرعية الدولية وتطبيق كافة القرارات الصادرة عنها لا سيما 242 و338 و425 و194 .
- حض اسرائيل على وقف الممارسات اللا انسانية ضد الشعب الفلسطيني ووقف عمليات الاستيلاء على الاراضي واقامة المستوطنات.
- اطلاق سراح الاسرى العرب في السجون الاسرائيلية .
- اجبار اسرائيل على تسليم خرائط الالغام التي زرعتها في جنوب لبنان والتي تشكل احتلالا غير مباشر للارض والناس في جنوب لبنان.
- كما ان الدور الاوروبي المتميز يجب الانطلاق من مراعاة التفريق بين الارهاب والمقاومة وحق الشعوب في تحرير ارضها المحتلة، سيما وان غالبية الدول الاوروبية عانت الامرين في حروبها المتتالية لتحرير اراضيها من الاحتلال النازي.
ان الجانب الآخر من النزاع العربي – الاسرائيلي غير المعلن والذي ارتبط به بشكل او بآخر ، هو موضوع الحصار ضد العراق الذي لم يعد مبررا بجميع المقاييس والاعراف ، لذا ان اكتمال الدور الاوروبي لملف الشرق الاوسط يستدعي موقفا حاسما من الموضوع العراقي للعديد من الاعتبارات ابرزها :
- ان السبب الاساس قد زال بانسحاب القوات العراقية من الكويت .
- ان ملف الاسلحة غير التقليدية الذي تدعي واشنطن به لاستمرار الحصار على العراق ، لهو مبرر غير منطقي بعد التقارير التي اعدتها لجان التفتيش مؤخرا، والذي بات مؤكدا من الجميع ان الحصار لا يعدو كونه عقابا لايتزاز المواقف السياسية في غير اتجاه وموقع .
- ان الحصار قد طال الشعب العراقي بشكل اساسي بلقمة عيشه ودوائه، اذ يموت الآلاف سنويا من الاطفال بفعل سوء التغذية ونقص الادوية والمعدات الطبية، واصبح برنامج النفط مقابل الغذاء السيف المسلط على رقاب الناس ، وعقابا بسياسة العصا والجزرة .
- ان استمرار الحصار سيولد امورا اخرى هي اشد هولا من الاسباب التي فرضت على اساسها ، فهي بالدرجة الاولى قد زادت النقمة من الشعوب العربية على الغرب بسبب الكيل بمكيالين ، ففي الوقت الذي تمتلك اسرائيل على أقل تقدير مئتي رأس نووي ، عدا الاسلحة الجرثومية والكيميائية ، تكافىء وتزاد وتغرق بالمساعدات المالية والعسكرية وبمختلف التقنيات المتطورة ، وفي الوقت الذي تمارس اشد انواع ارهاب الدولة ، يُحجَز لها موقعٌ ودورٌ وشروطُ المنتصر في محاربة كل ما يُسمى ارهابا .
- ان الحصار قد سقط عمليا بفعل تخلي العديد من الدول الغربية قبل العربية عنه، وبفعل المصالحة العربية في قمة بيروت .
لقد بات الانهاء القانوني لحصار العراق امرا ملحا بعد زوال اسبابه ومسبباته، ولم يعد هناك معنى من الناحية العملية لاستنباط وابتداع المصطلحات التي تغطي شكلا للحصار، فاذا كان البحث جاريا في عقوبات ذكية على العراق ، فانه بالتأكيد ان الحصار الذي لا يزال مستمرا منذ اثنتا عشرة سنة لهي عقوبات غبية بجميع المقاييس والمعايير .

الانتفاضة الفلسطينية : ظروفها وعوامل نجاحها

الانتفاضة الفلسطينية : ظروفها وعوامل نجاحها
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية
في الجامعة اللبنانية


ورقة عمل المجلس النيابي اللبناني الى ندوة البرلمان الجزائري المنعقدة في الجزائر ما بين 28و30 نيسان / ابريل 2003 .
ان التدقيق في تاريخ استقلال الشعوب ، يظهر بشكل جازم الدور الاساسي والهام الذي لعبته حركات المقاومة والانتفاضات الشعبية في تحرير شعوبها من الاحتلال والاستعمار ، خصوصا عندما تتوفر الارادة والتصميم على المجابهة والاستعداد لدفع ضريبة الدم لنيل الحرية والاستقلال اللذان يعتبران الاساس في بناء الامة والدولة. وكما كل الامم والشعوب التي سبقت الفلسطينيين في هذا المجال ، فقد سجلت سلسلة الانتفاضات الشعبية الفلسطينية ان كانت منظمة او غير منظمة حالات هامة قي دوام احياء القضية الفلسطينية وعدم نسيانها وسط ظروف قاسية لفت مسيرة نضالها .
وفي الواقع تعتبر الانتفاضة الفلسطينية الثانية الاكثر دموية وعنفا عما سبقها نظرا للعديد من الاعتبارات المتصلة بظروف الشعب الفلسطيني وما يحيط به، وكذلك لظروف السلطة الفلسطينية وما مشت بها من مسارات تفاوضية غير واضحة المعالم والاهداف، ووسط تفلت اسرائيلي واضح من عملية التسوية في ظل سيطرة صقور الليكود على السلطة في اسرائيل .
اولا : ظروف الانتفاضة
ان استعراض الظروف القاسية التي تمر بها الانتفاضة الفلسطينية تعطي فكرة واضحة عن القوة الكامنة في الشعب الفلسطيني ومدى تصميمه على الوصول الى ما يصبو اليه باعتباره الطريق والخيار الوحيد الذي سيوصله الى مبتغاه، وأبرز هذه الظروف هي:
- تزامن الانتفاضة مع عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض وتبني هذه الادارة خطا استراتيجيا متشددا ، وسعيها لصياغة بيئة دولية وبيئات إقليمية تستجيب للمصالح الأميركية؛ وكان نصيب الوطنن العربي من هذا الخط الاستراتيجي المتشدد ، النظر إلى الإقليم ككيان واحد والبحث عن تحقيق استقرار قائم على تسوية سياسية للصراع العربي - الإسرائيلي بشروط إسرائيلية تمنح إسرائيل أفضلية في الإقليم وعلى السيطرة على النفط العربي عبر التركيز على الملف العراقي ، لذا رأت في الانتفاضة عقبة في وجه تحقيق الاستقرار المنشود وفي وجه تحقيق إجماع عربي حول برنامج الإدارة فرض عقوبات "ذكية" على العراق فسعت عبر تبنيها لرؤية رئيس الحكومة الاسرائيليى\ة ارئيل شارون التي تعطي الأولوية للأمن الإسرائيلي والتي ترفض التحدث السياسي مع السلطة الوطنية الفلسطينية قبل وقف ما يسميه "دورة العنف " ، الامر الذي يقوض مشاريعها في العراق وغيرها .
- تردد وارتباك عربي رسمي إزاء الانتفاضة ودعم الصمود الفلسطيني حيث شاب تعاطي الدول العربية مع الملف الفلسطيني المراوغة والغموض ، فقد تبنت دعم الانتفاضة ولكنها لم ترسل من الدعم المقرر إلا مبالغ زهيدة من المقرر اصلا، في وقت فاقت فيه خسائر الفلسطينيين المليارات وبلغ العجز المالي في السلطة الوطنية الفلسطينية حدا دفع أطرافا دولية إلى التحذير من خطورة الوضع ومن اقتراب السلطة الوطنية الفلسطينية من الانهيار الكامل, ناهيك عن حالة الجوع التي يعيش الفلسطينيون تحت وطأتها .
- سلبية ألموقف الاوروبي الواضحة المتحصنة وراء حيادية مفتعلة وغير منصفة مع ميل إلى تفهم دوافع العنف الإسرائيلي والتذرع بأنه يرد على "العنف" الفلسطيني ضد المدنيين الإسرائيليين, ومساومات روسيا الاتحادية وجمهورية الصين مع الإدارة الأميركية الجديدة على قاعدة "الربط" بين القضايا والملفات وتبادل المصالح وفق نظرية تقاسم المصالح على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ثانيا :عوامل نجاح الانتفاضة
كي تحقق الانتفاضة أهدافها في الاستقلال وازالة الاحتلال والاستيطان وتوفر حل عادل لقضية اللاجئين، غليها الاستمرار لفترات طويلة، وهذا ممكن في حال توافر عوامل محددة. وأبرز هذه العوامل: قدرة الانتفاضة على تنظيم وتوظيف العوامل الإيجابية الكامنة في الصراع وتوجيه حركة المجتمع الفلسطيني ليتمكن من التعايش مع ظروف المواجهة ولفترة طويلة ، وقد تمكن المجتمع الفلسطيني عبر نضاله الطويل من توفير عناصر ايجابية كثيرة في تصديه للمئروع الصهيوني وأبرها:
- نجحت الأمهات الفلسطينيات في نقل إدراك الهوية إلى الأطفال في سن مبكرة, إذ لا يكاد الفلسطيني يبلغ الثانية من العمر حتى يعلم أنه فلسطيني من قرية كذا أو مدينة كذا وأن الصهاينة سلبوا أرضه, وهذا أوجد أرضية للنضال الفلسطيني وأمده بالشباب والمناضلين, وعكس إلى حد بعيد اتجاه ذلك التقدير القائل بعدم امتلاك العرب أرضية لمواجهة تبعات الحروب (تحمل تبعات الصراع: قتلى, أرامل, أيتام, خراب اقتصاد, حياة قلقة.. إلخ) .
- الخبرة النضالية التي وفرتها تجربة الانتفاضة الأولى (1987) من التعليم في المنازل إلى تفعيل الاقتصاد المنزلي وزراعة الحدائق المنزلية، والتكافل الاجتماعي الشديد, جعلته البيئة الريفية الغالبة في فلسطين ممكنا وتلقائيا.
- التركيبة العمرية التي يغلب عليها الشباب بحيويته واندفاعه.
- المكاسب التي حققها النضال الفلسطيني: الاعتراف الدولي بالشعب الفلسطيني وبحقوقه السياسية, وعودة القيادة مع حوالي 100 ألف من ذوي الخبرة التنظيمية والسياسية والعسكرية والعلمية إلى فلسطين.
- ازدياد عمليات الحصار والإغلاق وتقطيع الأراضي الفلسطينية بالمستوطنات والطرق الالتفافية, بالإضافة إلى النقص في لقمة العيش..جميعها زادت الفلسطينيين كرها للكيان الصهيوني وتصميما على الاستقلال وأفسحت أمام الشباب فرصة المشاركة في الانتفاضة.
- تهرب إسرائيل من تنفيذ الاتفاقات المرحلية وعدم الإقرار بالمطالب الفلسطينية. ففي عرضها بشأن الحل النهائي لم يترك للفلسطينيين إلا خيار المجابهة، مما زاد من قوة الكفاح وروح المجابهة بين الفلسطينيين.
- التوتر والفصام الذي اخترق روح الجندي الإسرائيلي نتيجة تحوله من "مقاتل" إلى "قاتل" يطلق الرصاص على مدنيين عزل.
- وجود وسائل الإعلام وبخاصة القنوات الفضائية, ودورها في تقييد أيدي قوات الاحتلال والمساعدة على افشال خططها.
ان جميع تلك العناصر هي من الضرورات لاكمال النجاحات التي حققتها الانتقاضة الفلسطينية ، الا ان توظيفها بشكل سليم يبدو امرا ملحا في بعض الاتجاهات االموضوعية الأخرى ومنها :
- تمسك القيادة الفلسطينية بجوهر المطالب والحقوق الفلسطينية وعدم تقديم المزيد من التنازلات المرهقة لها وللانتفاضة .
- تفعيل الأطر والمؤسسات الوطنية والتأسيس لقيام دولة مستقلة كاملة السيادة.
- إعادة تشكيل مؤسسات السلطة الوطنية على قاعدة الوحدة الوطنية ومشاركة كل التيارات فيها دون استثناء لاحد على قواعد واضحة الاهداف والمعالم .
- استثمار الظرف الراهن (الحصار والعزل) والتأسيس للانفصال الاقتصادي عن إسرائيل.
- إعادة النظر وباستمرار في أساليب وأدوات المواجهة لتخفيض مستوى الخسائر البشرية .
- محاولة الاستفادة من تجارب الغير في مقاومة الاحتلال، وأبرزها اساليب المقاومة الوطنية اللبنانية ونجاحاتها الموصوفة في اجبار اسرائيل على الانسحاب من معظم الاراضي اللبنانية المحتلة .
ان توفر تلك الخلفية الهامة للانتفاضة امر من شأنه توفير فرص نجاح هائلة لما تطمح اليه ، الا ان هناك جوانب اخرى يجب تفعيلها وعدم الركون لليأس من امكانية الاستفادة منها مهما بلغ حد التهرب من جهاتها المعنية بها وأبرزها:
- حث الدول العربية بضغط من جماهيرها على توفير الدعم السياسي الواضح وتوجيه رسالة واضحة إلى إسرائيل بإعلان التمسك باتفاقية الدفاع العربي المشترك وبتنفيذها وإدراج فلسطين ضمن الدول التي يجب حمايتها من العدوان, ورسالة إلى الولايات المتحدة تعكس مزاج الشعب العربي من السلوك الأميركي المستخف بمشاعرهم ومصالحهم واتخاذ إجراءات عملية ضد المصالح الأميركية في المنطقة, والقيام بشرح طبيعة الانتفاضة وحقوق الفلسطينيين في استعادة حقوقهم المسلوبة.
- دعم اقتصادي مالي يسمح ليس فقط بإقامة بنية تحتية خدماتية لقيام دولة فلسطينية مستقلة اقتصاديا بل وخلق قاعدة صناعية - زراعية عبر الاستثمار في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية لتوفير فرص عمل للأيدي العاملة الفلسطينية يتيح لها الاستغناء عن العمل في إسرائيل وانفصال الاقتصاد الفلسطيني عن الإسرائيلي وفتح الأسواق العربية أمام المنتجات الفلسطينية كي تجنبها الكساد والخسائر وتسمح لها بالتكامل مع الاقتصاديات العربية خاصة في دول الطوق .
- تشديد المقاطعة العربية مع إسرائيل وتجميد كل أشكال الاتصال معها .
ربما تكون هذه الافكار والمقترحات ضربا من ضروب التنطلع الى الماضي بعدما تجاوزت الاحداث المتسارعة في المنطقة الكثير من المعطيات والوقائع ، الا ان ما يهيء له في المنطقة العربية وبخاصة في العراق بعد فلسطين لا يقل خطرا عن الاحداث التي مرت بها المنطقة منذ خمسة وخمسين عاما، ومن هنا تبرز اهمية ودور المقاومة والانتفاضات الشعبية في تغيير احوالها ، ويبدو ان الصورة ستتكرر في غير الاراضي الفلسطينية لتشمل العراق قريبا.
ان تجارب دول الاحتلال مع الدول والشعوب المضطهدة والمستعمرة هي تجارب مريرة وقاسية في آن معا في كل العصور، بل ان بعض التجارب الرائدة في المقاومة تظل ضوءا منيرا وساطعا في طريق حركات التحرر ، وتظل مثالا يحتذى به ، كثورة المليون شهيد في الجزائر ورمزها "جميلة بوحيرد" ، والمقاومة الوطنية في لبنان ، ...وتطول اللائحة ولن تنتهي طالما هناك قوة ظالمة غاشمة وشعوب محتلة ومقهورة.
صحيح ان للحق غطاء شرعي وقانوني ، الا ان القانون في شرعة الغاب لا معنى ولا قيمة اخلاقية او رمزية له، وتبقى القوة الى جانب الحق والشرعية هي المطلوب، وقوة الارادة في المقاومة والانتقاضة لدى الشعوب المقهورة تبقى اقوى بكثير من كل المدافع والصواريخ .


التعاون العربي الاوروبي :الواقع والمرتجى

التعاون العربي الاوروبي :الواقع والمرتجى
د.خليل حسين
استاذ المنظمات والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

تستند العلاقات العربية - الاوروبية الى العديد من الاسس والاعتبارات المتعلقة بالطرفين او بمجمل الظروف الاقليمية والدولية المؤثرة في دائرة هذه العلاقات ؛ والتدقيق في تاريخ هذه العلاقات تقودنا الى مرحلتين اساسيتين ، هما مرحلة الحرب الباردة بين الشرق والغرب ومحاولة الدول الاوروبية اتخاذ موقع لها على الصعيد الدولي من خلال علاقاتها مع الدول العربية ، وهذا ما ترجمته عمليا بين الاعوام 1974 و1991 عبر الحوار العربي - الاوروبي بواسطة وزراء الخارجية او دبلوماسيين معتمدين لدى دولها ؛ اما المرحلة الثانية فهي اشد وضوحا من الاولى اذ اتخذت الابعاد السياسية والامنية والاقتصادية نواح اكثر وضوحا في الاهداف والوسائل بشكل عام.
وفي الواقع يعود الاهتمام المشترك في العلاقة بين الجانبين الى خلفيات عديدة منها ما يتعلق بالمصالح المشتركة بين الدول العربية والدول الاوروبية او اغلبها، ومنها ما يتعلق بأسباب تاريخية وجغرافية ، واخرى لها علاقة بالتوازنات الدولية والاقليمية ومحاولة كل طرف الاستفادة من معطيات موجودة لتكريس دور او موقع يسعى اليه ، ومن ابرز اسباب الاهتمام في العلاقت بين الجانبين :
- سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة وتفرد الولايات المتحدة الاميركية بقيادة العالم ، ما حدا بالجماعة الاوروبية الى محاولة رسم سياسة خارجية متمايزة عن واشنطن في حدود معينة ولو ان اثرها يبقى محدودا في الغالب.
- ان شبكة العلاقات التي رسمتها كل من فرنسا وبريطانيا مع الدول العربية ( وهما قطبا السياسة الاوروبية) خلال مرحلة الانتداب استمرت واتخذت اشكالا جديدة بعد الاستقلال ، الامر الذي كوّن قاعدة ثابتة لتمييز العلاقات العربية - الاوروبية في بعض القضايا المشتركة .
- ان شعور بعض الدول العربية بخيبة امل من السياسة الاميركية فيما يتصل بالصراع العربي - الاسرائيلي ، قد حدا بالعديد من هذه الدول التقرب من الجماعة الاوروبية لا سيما المحور الفرنسي أملا بالحد من اختلال موازين القوى القائم في المنطقة من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية .
- ان العامل الجغرافي لكلا الطرفين ، وتوزع القوى الفاعلة على ضفتي البحر الابيض المتوسط ، عطفا على الموقع الجيو- سياسي والجيو – اقتصادي للدول العربية قد اعطى اندفاعا اوروبيا اضافيا باتجاه تكوين وتطوير اطر تساهم في تثبيت وتمتين العلاقات مع الدول العربية .
وفي الحقيقة عقدت العديد من المؤتمرات على مستويات وزارية تمخض عنها اتفاقيات وبروتوكولات تعاون عديدة في مجالاتها وغاياتها، الا ان النصف الثاني من عقد التسعينيات قد شهد تطورا في مسار العلاقات العربية - الاوروبية عبر اتجاهات مختلفة عما سبقها ،اذ برزت بمفاهيم واهداف جديدة تمثلت بتركيز العلاقات من ضمن اطار اوروبي - متوسطي ، أي بمعنى آخر ادخال عناصر اضافية في العلاقة التي شملت ايضا دول متوسطية غير عربية كالنموذج التركي والاسرائيلي والقبرصي، وفي الواقع تعود خلفية هذا الادخال المتجدد الى ظروف تلك المرحلة من المفاوضات العربية – الاسرائيلية التي تعقدت على المسارين اللبناني والسوري ، ومحاولة اسرائيل انذاك تقديم المفاوضات المتعددة الطرف على الثنائية، فكانت الشراكة الاوروبية – المتوسطية مخرجا لتعقد مفاوضات السلام العربي – الاسرائيلي .
فمنذ اعلاان برشلونة في العام 1995 والاتحاد الاوروبي والدول العربية سعيا الى احراز تقدم في موضوع الشراكة الاوروبية - المتوسطية التي تختصر بكلمة – EUROMED – التي تضمنت مجالات سياسية واقتصادية وامنية واجتماعية ومالية وثقافية وانسانية، بهدف التوصل الى الرخاء والسلام والتبادل التجاري الحر بين دول الاتحاد الخمس عشرة ودول البحر المتوسط الاثنتي عشرة ،الاولى تضم ( ايطاليا البرتغال النمسا اسبانيا فرنسا بلجيكا اللوكسمبورغ المانيا هولندا ايرلندا بريطانيا الدنمرك السويد والنروج وفنلندا) فيما المجموعة الثانية تضم ، ثماني دول عربية هي ( مصر تونس الجزائر والمغرب الاردن لبنان سوريا والسلطة الفلسطينية ) اما الدول الاربع الاخرى هي ( اسرائيل مالطا قبرص وتركيا) وعلى الرغم من ان ليبيا دولة متوسطية فقد استبعدت لاسباب الحصار المفروض عليها ، فيما موريتانيا الدولة غير المتوسطية تدعى للاجتماعات بصفة مراقب .
ولقد تجلت الشراكة الاوروبية - العربية بمسارين ، الاول ثنائي والآخر اقليمي :
- المسار الثنائي وينطلق من مبدأ تقدم كل دولة باتفاقات مع الدول الاوروبية في اطار "ميدا" (National indicative program )
- المسار الثاني وينطلق من مبدأ اقليمي عبر التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مقابل برامج اقليمية تستأثر ب 14 بالمئة من تمويل برنامج ميدياRegional indicative program
اولا : مضمون الشراكة العربية الاوروبية وأهدافها:
ان التدقيق في اعلان برشلونه يظهر ثلاثة ابعاد اساسية ، مبدأها التعاون والتواصل وأهدافها الرخاء والسلام وهي:
1- الشراكة السياسية والامنية
وذلك عبر تأمين السلام والاستقرار في المنطقة من خلال مجموعة اجراءات ومبادىء وحوارات تستند الى:
- احترام سيادة الدول وأراضيها ، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، واحترام التعددية فيها .
- حل النزاعات التي يمكن ان تنشأ بالطرق السلمية وعدم اللجوء الى القوة لفرض الحلول .
- العمل وفقا لشرعة الامم المتحدة واهدافها ومبادئها .
- احترام الحقوق الاساسية الواردة في شرعة حقوق الانسان بما فيها حرية التعبير عن الرأي والحرية الدينية .
- التعاون في محاربة الارهاب ومكافحة الجريمة والآفات الاجتماعية كالمخدرات .
- تعزيز الامن الاقليمي عبر مكافحة انتشار اسلحة الدمار الشامل بما فيها النووية والكيميائية والبيولوجية .
وعلى الرغم من ان مؤتمر برشلونة وما اسس له من شبكة علاقات اوروبية - عربية هو منفصل تماما عن مؤتمر مدريد 1991 وما تمخض عنه ، الا ان الخلفية التي بنيت عليها مقررات برشلونة هي في الحقيقة متممة وداعمة لمؤتمر مدريد ولو بطريق غير مباشر ، فهو يؤسس للحوار بين الدول وان كان هناك صراع فيما بينها، كما يسعى مؤتمر برشلونة الى الحفاظ على السلام حين التوصل اليه عبر معاهدات ومواثيق تدعى Euro- Mediterranean charter for peace and stability .
ومن الناحية العملية فقد اصبح الحوار امرا واقعا على الصعيدين الاقليمي والثنائي، فمنذ اعلان برشلونة عقدت اربع مؤتمرات ( مالطا1997 ، شتوتغعارت1999 ، مرسيليا 2000، بروكسل 2001) وقد تغيب كل من لبنان وسوريا عن مؤتمر مرسيليا بسبب الممارسات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني .
2- الشراكة الاقتصادية والمالية
وتتم عبر انشاء منطقة للتجارة الحرة بين الدول العربية والاوروبية من جهة ، والدول المتوسطية فيما بينها من جهة اخرى، على ان تكون غير قابلة للالغاء ، ويتوقع الوصول اليها في العام 2010 ؛ وبهدف الوصول الى الشراكة الجماعية ، تأتي الشراكات الثنائية كعمل تمهيدي عبر شكلين هما : اتفاقية الشراكة الاوروبية وتعقد مع البلد المعني وكان من المفترض ان تتم في نهاية العام 2001 ، وقد تخلف لبنان عن توقيعها لاسباب سياسية تتعلق بظروف المنطقة والممارسات الاسرائيلية المتعنتة فيما يتصل بالمفاوضات .اما الثانية فهي الاتفاقت الثنائية بين الدول المتوسطية وهي قليلة وغير قابلة للتطوير في هذه الظروف لما تنطوي عليه من خلفيات سياسية غير ملائمة لبعض الدول العربية ومفهومها لحل الصراع العربي – الاسرائيلي .
ان برنامج ميديا الذي يعتبر العصب المالي لمؤتمر برشلونة يعطي اولوية محددة للمشاريع المدروسة ذات الطابع التشاركي بين الدول المتوسطية وليس للمشاريع ذات الصفة الوطنية للدولة ، كما ان البرنامج يقدم هبات لهذه المشاريع بخلاف بنك الاستثمار الاوروبي الذي يعطي قروضا لهذه المشاريع. وواقعا مر مشروع ميديا بمرحلتين اساسيتين ، الاولى من العام 1995 وحتى العام 1999 حيث رصد مبلغ 3435 مليون اورو لم يصرف منها سوى 26% بسبب التعقيدات الادارية للمفوضية الاوروبية وهي بمجملها مبالغ صرفت على مشاريع تشاركية . اما المرحلة الثانية فتمتد من العام 2000 وحتى العام 2006 وقد رصد لها 5350 مليون اورو .
كما تهدف الشراكة الاوروبية - العربية في المجالين الاقتصادي والمالي مجموعة من القضايا الى جانب التجارة الحرة وايرزها، قطاعات النقل والبيئة والمعلومات والمياه والطاقة والصناعة ، وطبعا انشاء البيئة القانونية المناسبة لتحرير التجارة لا سيما الجانب المتعلق بالتشريعات الجمركية والضريبة على القيمة المضافة ؛ ويمكن استخلاص العديد من الاهداف النهائية لكلا الجانبين من هذه الشراكة وتتلخص بعدة امور للجانب الاوروبي ابرزها:
- امكان الوصول الى الموارد الطبيعية وغيرها بطرق اسهل وأوفر .
- اتاحة الفرص لدول الاتحاد الترويج للبضائع والسلع .
- تجنب اغراق اسواق العمل الاوروبية من امواج الهجرات الوافدة اليها ان كانت من خبرات العمال المهرة او غير المهرة لما تؤثر على التركيبة الاجتماعية في دول الاتحاد .
اما فيما يختص بدول المتوسط لا سيما العربية منها فتهدف الى تحقيق العديد من الامور وأبرزها :
- جذب رؤوس الاموال الاوروبية بهدف الاستثمار
- زيادة فرص الوصول الى الاسواق الاوروبية .
- نقل المعلومات والخبرات والتكنولوجيا .
- الحصول على الدعم التقني والمالي لتحديث اقتصادياتها .
3 – الشراكة الاجتماعية الثقافية والانسانية
ويتم ذلك عبر توثيق التعاون والتبادل والتفاهم بين الحضارات والشعوب ، على ان يكون هناك اهتمام خاص بالثقافة والطفولة والاعلام والصحة ومبادىء القانون واحترام حقوق الانسان ، وكان للاتحاد الاوروبي في الفترة السابقة قدم دعما للمنظمات الاهلية غير الحكومية التي تهتم بهذه الامور ؛ كما يقدم الاتحاد ثلاث برامج اقليمية هي :
- برنامج التراث الثقافي المشترك بين الدول الاوروبية والدول المتوسطية المشاركة ، هدفه الحفاظ على المعالم الحضارية والثقافية والانسانية .
- برنامج الوسائل المسموعة والمرئية ، ويهدف الى التعاون في مجال الراديو والتلفزيون .
- برنامج الشباب الذي يهتم بتسهيل الاندماج الاجتماعي والتوجيه الثقافي ، وترسيخ قيم الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون .

ثانيا : تقييم وملاحظات على الشر اكة الاوروبية العربية
ان التقييم الموضوعي للشراكة يبدو غير متوفر في هذه الظروف بالنظر الى قصر الفترة الزمنية ، الا انه يمكن ادراج بعض الملاحظات على ما تحقق في مجالات هذه الشراكة.
1 - في الشراكة السياسية والامنية
- رغم حدوث بعض الاتصالات السياسية الهادفة الى خلق جو من الاستقرار والسلام ، الا ان نتائج الشراكة الاوروبية - المتوسطية في هذا المجال لا تزال متواضعة جدا ، ويعود ذلك بالدرجة الاولى الى الموقف الاسرائيلي من عملية السلام بعد وصول ارئيل شارون الى السلطة ، وبالتالي ان أي امل لما تحاول اوروبا الوصول اليه سيبقى محتوما بالفشل ، وبالتالي ان جوهر هذه الشراكة معرضة لمخاطر كثيرة يصعب تجاوزها في هذه الظروف .
- استمرار تعثر انشاء ميثاق السلام الذي يعتبر ايضا عصب الشراكة الاوروبية - العربية ، فمنذ مؤتمر شتوتغارت عام 1999 لم يتحقق أي تقدم في هذا المجال ، وظل الخلاف قائما بعدما تقدمت الجامعة العربية بمشروع بديل لهذا الغرض .
- ظهور خلافات واضحة في مجال التسلح لا سيما غير التقليدي ، اذ ان اسرائسل تمتلك اسلحة نووية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل ولا زالت ترفض الانضمام الى معاهدة الحد من الاسلحة غير التقليدية ، كما ان الاتحاد الاوروبي لم يمارس أي ضغظ يذكر على اسرائيل في هذا المجال رغم ان اتفاقيات الشراكة تنص على هذه الامور .
- هناك تباين واضح بين الموقفين العربي والاوروبي حول تحديد مفهوم الارهاب ، ففي حين ترى الدول العربية ان مقاومة الاحتلال امرا مشروعا ، لا توافق اوروبا الدول العربية على اعتبار الممارسات الاسرائيلة امرا غير مشروع .
2 - في المجال الاقتصادي والمالي
وفيما يتعلق بهذا الجانب ، فقد تمّ بعض التقدم اذ دخلت بعض الاتفاقيات حيز التنفيذ ، فيما شهدت الاخرى تقدما ، كما تمّ انجاز العديد من المشاريع رغم بطء صرف ما رصد من اموال في اطار برنامج ميديا ، كما ان الامر الجوهري في هذا الموضوع سوريا ولبنان واشراكهما في هذه المشاريع لا يزال مجمدا ، نظرا للموقف المبدأي المتعلق بأولوية التقدم في المفاوضات الثنائية قبل البحث في المفاوضات المتعددة .
3 – في المجال الاجتماعي والثقافي والانساني
وعلى الرغم من تسجيل بعض التقدم المتواضع جدا في هذا الخصوص عبر المشاريع التي لا تظهر نتائجها سريعا ، فان التفدم في هذه المجالات يستلزم المزيد من الوقت والجهد ، فالموضوع يتعلق بسلوكيات اجتماعية تراكم فيها الكثير من النفور والتناقضات على مر العصور ، وهي موضوعات متعلقة بالتراث والحضارة واحيانا كثيرة بالاديان ومفاهيمها للعديد من الامور المعاشة .
كما ان موضوع الهجرة العربية باتجاه اوروبا لا تزال تشكل تحديا كبيرا في اطار المشاركة ، ومن الصعب ايجاد حلول ملائمة لها من دون معالجة اسباب المشكلة التي تقع علىعاتق الطرفين معا، ففي الوقت الذي تعاني معظم دول المتوسط ومنها الدول العربية ازمات اقتصادية واجتماعية كبيرة تعجز على حلها ما يدفع الكثيرين الى الهجرة ، وفي المقابل لا توجد رؤى ومشاريع جادة بمستوى الازمة من الاطراف الاوروبيين لحلها .

ثالثا: عملية السلام الشامل في الشرق الاوسط والدور الاوروبي

يشكل التعاون السياسي العربي – الاوروبي مفتاحا لعلاقات متميزة يسعى اليها الطرفان منذ فترة طويلة ، وفي قائمة الاولويات يظهر موضوع النزاع العربي - الاسرائيلي ، من بين المواضيع الاكثر حساسية ، التي تستوجب المزيد من الاهتمام وتصويب الاهداف وفقا لمرجعيات باتت مسلمات وضرورات لحل شامل وعادل في المنطقة وفقا لوجهة النظر العربية .
لقد وافقت جميع الدول العربية الدخول في مؤتمر مدريد العام 1991 استناداً الى رسائل التأكيدات والضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة الاميركية لاطراف النزاع ، على خلفية الارض مقابل السلام ووفقا لقررات الشرعية الدولية الممثلة بقررات مجلس الامن الدولي ذات الصِلة لا سيما القرارات 242 و338 و425 ؛ وعلى الرغم من التسويف الذي رافق المفاوضات في شقها السياسي المتمثل بالمفاوضات الثنائية ومحاولة تقديم الجانب الاقتصادي المتمثل بالمفاوضات المتعددة الطرف ، تابع الجانبان اللبناني والسوري تمسكهما بالعملية السلمية وفقا للاسس السالفة الذكر ، رغم الانحراف الواضح الذي اتخذته مجمل العملية السلمية لا سيما المفاوضات السرية وما نجم عنها من اتفاقات في اوسلو.
ان توقف المفاوضات منذ العام 1996 على المسارين اللبناني والسوري قد اعطى انطباعا واضحا على نية اسرائيل وأهدافها من العملية السلمية برمتها بصرف النظر عن الجهة السياسية الحاكمة في اسرائيل ، ففي الوقت الذي ترأس حزب العمل الحكومة الاسرائيلية نفذ الجيش الاسرائيلي عمليتين عسكريتين واسعتين ضد لبنان الاولى " تصفية الحساب 1993" والثانية "عناقيد الغضب 1996 " والاثنتان من طبيعة سياسية واحدة، هدفتا الى اجبار لبنان على مفاوضات لا تمتُّ بِصِلة الى اسس مؤتمر مدريد .
وعلى الرغم ايضا من تأكيد الولايات المتحدة الاميركية بأنها الراعي النزية للمفاوضات بين الجانبين العربي والاسرائيلي ، الا ان تداعيات الاحداث اثبتت عكس ذلك، ما اسهم بشكل او بآخر في بلورة مواقف جديدة للسياسة الخارجية الاوروبية تمثلت ببعض الانفتاح والاهتمام بقضايا الشرق الاوسط ، بصرف النظر عن مستوى النجاحات المحققة او الآمال المرجوة، او حتى حدود الدور المعطى لها .
ان التعاون السياسي العربي – الاوروبي الذي بدأ بحوارات سياسية على مستوياات وزارية ودبلوماسية منذ منتصف الثمانينيات توِّج باعلان برشلونة العام 1995، ورغم نفي العديد من القادة الاوروبيين بأن لا علاقة لهذا الاعلان بالمفاوضات العربية - الاسرائيلية ، الا انه من الناحية العملية والواقعية يشكل محاولة موازية لادارة هذه المفاوضات حيث تدعو الحاجة وفقا لمعايير ومستويات واهداف ليست بالضرورة اوروبية المنشأ او الأصل .
ان الاهتمام الاوروبي بقضابا الدول العربية بشكل عام والنزاع العربي – الاسرائيلي ، ينم عن مدى فهم السياسة الخارجية الاوروبية لاهمية وحساسية هذه القضايا ومدى أثرها في استثمار المواقع في السياسات الدولية ، ومن هنا يفسَّر تعيين مندوب خاص للسياسة الخارجية الاوروبية في منطقة الشرق الاوسط ؛ ورغم هذا الاحتكاك المباشر لا زال الكثير من النقاط التي تستلزم البحث والتصويب في الرؤى الاوروبية من بعض التفاصيل الهامة في موضوع النزاع العربي الاسرائيلي وغيره من القضايا التابعة له .
ان احداث الحادي عشر من ايلول 2001 في نيويورك قد خلطت الكثير من الاوراق في غير مكان من العالم ، وأرخت ظلالا كثيفة على العديد من القضايا الدولية والاقليمية العالقة ، ومنها النزاع العربي - الاسرائيلي الذي فتح مجددا وتمَّ التعامل معه على اسس مغايرة للتي سبقت بفعل العديد من الاسباب والخلفيات التي تُستغل بشكل سلبي ولغير مصلحة الدول العربية ، وكما جرى في استثمار حرب الخليج الثانية لغير مصلحة العرب ، فقد تمّ التعامل مع تداعيات 11 ايلول والحرب على الارهاب في افغانستان كاطار لاجبار الدول العربية التخلي عن مواقفها المعلنة من عملية التسوية في الشرق الاوسط .
لقد كان الرد العربي واضحا جدا في اطار قمة بيروت ، اذ حولت المبادرة السعودية للسلام الى مبادرة عربية واضحة المعالم والاهداف، اذ زاوجت بين المتغيرات الدولية الطارئة والضغوط الناجمة عنها، والثوابت العربية ؛ وبات الموقف العربي للتسوية محكوم مجددا في اطار الثوابت التي دخل عليها اطراف النزاع في مفاوضات مدريد ، مع بعض مراعاة المتغيرات الحاصلة على الساحة العربية .
ان الاجماع العربي الذي تحقق حول مبادرة السلام العربية في قمة بيروت تشكل الاطار للحل الشامل والعادل في المنطقة ، وهي وازنت بين الرؤية اللبنانية والسورية للسلام آنذاك وظروف المنطقة والتوازنات الاقليمية والدولية بعد 11 ايلول ، اما ابرز هذه المرتكزات ودواعيها فهي :
- ان السلام العادل والشامل هو خيار استراتيجي عربي يتحقق في ظل الشرعية الدولية ، لا سيما التمسك بتطبيق قراري مجلس الامن الدولي 242 و 338 والانسحاب من جميع الاراضي العربية المحتلة العام 1967 .
- الانسحاب الكامل من الجولان المحتل وحتى خط الرابع من حزيران 1967 .
- الانسحاب من الاراضي اللبنانية التي لا زالت محتلة ( مزارع شبعا). والتطبيق الكامل للقرار 425 .
- حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرقم 194 .
- قيام الدولة الفلسطينية على الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران 1967 ، في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية .
- رفض كل اشكال التوطين الذي يتنافى مع الوضع الخاص في الدول المضيفة .
- وعند ئذ تعتبر الدول العربية ان النزاع مع اسرائيل منتهيا ، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين اسرائيل مع تحقيق الامن لجميع دول المنطقة؛ واقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل وفق اطار السلام الشامل .

ان الدول العربية تنظر الى دور اوروبي ريادي في هذه المرحلة من منطلق انقاذ الوضع الراهن للمنطقة وما يمكن ان يتأتى عنه من عواقب غير معروفة النتائج، ولذلك ان التحرك الاوروبي يستلزم اعادة النظر ببعض المواقف التي تحاول واشنطن رسمها بهدف ابقاء جميع الادوار رهينة الموقف الاسرائيلي وتحديدا الشاروني منها.
ان الدور المتميز الذي يمكن ان تلعبه المجموعة الاوروبية من المفترض ان ينطلق من عدة مبادىء ابرزها :
- الضغط على اسرائيل لاجبارها على الاذعان لقررات الشرعية الدولية وتطبيق كافة القرارات الصادرة عنها لا سيما 242 و338 و194 .
- حض اسرائيل على وقف الممارسات اللا انسانية ضد الشعب الفلسطيني ووقف عمليات الاستيلاء على الاراضي واقامة المستوطنات.
- اطلاق سراح الاسرى العرب في السجون الاسرائيلية .
- اجبار اسرائيل على تسليم خرائط الالغام التي زرعتها في جنوب لبنان والتي تشكل احتلالا غير مباشر للارض والناس في جنوب لبنان.
- كما ان الدور الاوروبي المتميز ينبغي الانطلاق من مراعاة التفريق بين الارهاب والمقاومة وحق الشعوب في تحرير ارضها المحتلة، سيما وان غالبية الدول الاوروبية عانت الامرين في حروبها المتتالية لتحرير اراضيها من الاحتلال النازي.
ان القمة الاورو - متوسطية مدعوة اكثر من أي وقت مضى لاجتراح الحلول الخلاقة لمشاكل المتوسط لا سيما الصراع العربي الاسرائيلي الذي بات يهدد الامن والسلم الدوليين لما له من ارتباطات اقليمية واسعة الاستثمار والغايات،وبخاصة ما جرى به من تداخل خلال الفترة السابقة من اعادة خلط اوراق كثيرة بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما يمارس من ضغوط هدفها الجقيقي الصراع العربي الاسرائيلي.



21‏/02‏/2008

الانتخابات الرئاسية المصرية واصلاح النظام السياسي

الانتخابات الرئاسية المصرية واصلاح النظام السياسي
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
بيروت:3-9-2005
تعود أهمية انتخاب رئيس الجمهورية في مصر برأينا بدلا من الاستفتاء إلى كونها خطوة من بين عدة خطوات تهدف إلى إصلاح النظام السياسي الرئاسي، الذي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة جدا وفقا للمادة 77 من الدستور المعمول به منذ العام 1971. ومن بين الخطوات الأخرى لتحقيق ذلك: تطبيق إشراف قضائي على معظم مراحل العملية الانتخابية ان لجهة انتخاب رئيس الجمهورية أو انتخاب البرلمان المقبل في نوفمبر القادم، وتعديل العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بما يسمح بتقوية دور البرلمان في المجالين التشريعي والرقابي.
وبهذا المعنى تشكل انتخابات الرئاسة قاعدة الارتكاز في مشروع إصلاح النظام السياسي المصري بطريقة سلمية تتسم بالتدرج وإتاحة الفرصة لأكبر مشاركة للاحزاب والقوى السياسية المختلفة في تحديد توجهات عملية الإصلاح السياسي. ولذلك فهي تعد اختبارا حقيقيا لمدى مصداقية النخبة الحاكمة بمعناها العام، وبخاصة قيادة الحزب الوطني الحاكم التي طرحت مشروع الإصلاح السياسي المتدرج ردا على مطالب القوى السياسية والأحزاب التي تنادي بتغيير جذري في آليات عمل نظام الحكم عبر صياغة دستور جديد تقوم به جمعية تأسيسية يتم تشكيلها عبر انتخابات حرة، وان يكون شكل النظام برلمانيا وليس رئاسيا. وهو المطلب الذي رفضه الحزب الوطني.
وفى ضوء هذه التناقضات والاختلافات السياسية جاءت برامج المرشحين العشرة، مصحوبة بحملات إعلانية وانتخابية كبيرة لم تحدث من قبل، وباتت تشكل مجالا واسعا للتدريب المجتمعي على آليات المشاركة السياسية. وهى المرة الأولى أيضا الذي يواجه فيها المواطنون المصريون هذا الكم الكبير من الأفكار والسياسات المقترحة لإعادة التوازن في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل بات عليهم الاختيار بينها، وتفضيل أحدها على باقي البرامج. مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية البرامج الحزبية المطروحة، لاسيما من قبل الأحزاب الصغيرة بعيدة الصلة عن مفهوم البرنامج الحزبي الانتخابي، وبما يثير في الواقع أسئلة عديدة حول جدوى وجود أحزاب صغيرة كثيرة العدد وفاقدة الدور ولا شعبية لها. والمرجح أن تكون هذه الأسئلة جزءا من الحوار السياسي العام لاحقا بهدف تنشيط الأحزاب وحجب الوجود القانوني عن تلك التي لا تستطيع أن تعمل كحزب سياسي حقيقي وله جذور جماهيرية وشعبية عريضة على المستوى الوطني.
وبناء على ما سبق ، فإن انتخابات الرئاسة تشكل بالفعل نقطة فاصلة بين مرحلتين تاريخيتين في مسيرة النظام السياسي المصري، فهي تؤسس لنوع جديد من الشرعية لمنصب الرئيس، وهى شرعية سوف تكون مستندة إلى رضا المواطنين واختيارهم الحر، وذلك بافتراض أن الانتخابات قد تمت وفق أعلى درجة من الشفافية والنزاهة ولم تتعرض إلى أي نوع من التلاعب أو التزوير أو التدخلات غير القانونية.
وأيا تكن نسبة الفوز التي سيحصل عليها الرئيس المنتخب فإنها ستمثل نهاية لعصر كامل من الشرعية القائمة على استفتاءات لم تكن أبدا بعيدة عن الشبهات وعن افتقاد المواطنين حق الاختيار الحر. وفى المقابل سوف تؤسس هذه الانتخابات الرئاسية لعصر جديد يستند إلى مبدأ الاختيار الطوعي والرضا الجماعي.
ولا تخلو الانتخابات الرئاسية من عدة إشكاليات سياسية وقانونية تتعلق بالشفافية والنزاهة وغياب الضغوط على المواطنين، وبناء على الطريقة التي سيتم بها تجاوز هذه الإشكاليات سوف يتضح حجم التغير في النظام السياسي وآفاق عملية الإصلاح المتدرج لاحقا. اما ابرز هذه الاشكالات فهي:
- القدرة على جذب المواطنين من حالة السلبية السياسية إلى حالة المشاركة، وهذه الإشكالية تتعلق أساسا بأن ثقة المواطنين في القدرة على المشاركة الحرة في الانتخابات دون التعرض لتزوير الإرادة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ليست موجودة بالشكل المطلوب او المقبول، وذلك استنادا إلى خبرات سابقة في الانتخابات البرلمانية وبخاصة دورتي 1995 و العام 2000 التي شهدتا عمليات تزوير فاضحة، وأساليب أمنية حالت دون قدرة المواطنين على القيان بحقهم الانتخابي ، الأمر الذي شكل لدى غالبية المصريين ميلا قويا للنزوع نحو عدم المشاركة، وبما يهدد من نجاح الانتخابات الرئاسية نفسها، في حال استمرت حالة الثقة مفقودة أو محدودة. وتشكل عدم ثقة المواطنين في نزاهة الانتخابات تحديا حقيقيا لكل المرشحين الرئاسيين العشرة، الذين بات عليهم التنافس في جذب المواطنين نحو مشاركة فعالة من خلال التوجه إلى مقرات الانتخاب والإدلاء بالأصوات، وهو ما يطرح في الواقع مسألة الشروط الواجب توافرها حتى يتحقق للمواطنين درجة من الثقة والاطمئنان بأن أصواتهم ستذهب إلى من أعطيت لهم بالفعل.
- اما الإشكالية الثانية وهى متعلقة بالضمانات القانونية والعملية التي تحقق اكبر درجة من الشفافية والنزاهة. وهى إشكالية ذات شقين؛ الأول منها يتعلق بطبيعة الإشراف القضائي على العملية الانتخابية، ومدى شمول هذا الإشراف كل مراحلها، والثاني يتعلق برقابة منظمات المجتمع المدني التي سوف يُسمح بها.
لقد حقق الإشراف القضائي تطورا مهما قياسا للوضع الذي كان عليه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة،التي لم يتجاوز فيها الإشراف القضائي سوى خطوة واحدة، تتعلق بالتأكد من أن الفرد القائم بالتصويت هو نفسه الوارد اسمه في السجلات.وبناء على الصلاحيات التي وفرها قانون الانتخابات الرئاسية ، يمكن القول أن الإشراف القضائي بات يشمل عددا اكبر من خطوات العملية الانتخابية وليس كلها ،ولكن يبقى التطبيق في الواقعي هو الفيصل في الحكم على مدى نزاهة الانتخابات الرئاسية، وأيضا على مدى الشرعية التي يمكن أن يتمتع بها الرئيس المنتخب.
أما الشق الثاني فيتعلق بقدرة منظمات المجتمع المدني على الرقابة على الانتخابات. وهنا يظهر تناقض واضح بين رؤيتين؛ الأولى، وتميل إليها لجنة الانتخابات الرئاسية وترى أن الإشراف القضائي وفقا للقواعد الجديدة ينفي الحاجة إلى أي نوع من الرقابة المدنية، سواء المحلية أو الخارجية، ولأن وجود مبدأ الرقابة المدنية من شأنه أن يثير تساؤلات على دور القضاة أنفسهم الذين سيبدون في هذه الحالة موضعا للتقييم من آخرين، في حين أنهم ـ أي القضاة ـ هم المناط بهم تقييم أداء الانتخابات ككل. والرؤية الثانية ترى أن الرقابة المدنية هي حق أصيل من حقوق الإنسان كفلته المواثيق الدولية،
لا شك أن الطريقة التي سيجرى بها التصويت في الانتخابات الرئاسية ستشكل معلما مهما من معالم تطور النظام السياسي المصري ككل، فإما أن تصبح قاعدة مهمة من قواعد المشروع الإصلاحي، وإما تعيد الأمور إلى الوراء. والفارق بين المسارين يكمن في حجم النزاهة والمصداقية وثقة المواطنين أنفسهم، ووراء ذلك مقدار الشرعية التي ستتوفر للنظام السياسي في المرحلة المقبلة.
ومهما يكن من امر فإن الانتحابات الرئاسية تشكل تطورا بارزا في الانتقال من آلية الاستفتاء على مرشح واحد الى اجراء انتخابات حرة بين عشرة مرشحين،وبصرف النظر عن الآلية المتبعة حاليا،فان التغيير بات مطلبا شعبيا حتى على مستوى الرئاسة،فهل يعقل ان تكون مصر ام العالم والحضارات حُكمت بثلاث رؤساء لأكثر من نصف قرن؟ فعلا حان الوقت للقول كفاية لهذه الظاهرة في مصر وفي كل بلداننا العربية.

تعزيزالتشريعات حول اللامركزية


مداخلة
وفد الجمهورية اللبنانية

امام المنتدى الاقليمي الآسيوي الأول
للبرلمانيين العالميين حول الموئل

حــول بنـــد

" تعزيزالتشريعات حول اللامركزية
والادارة الحضرية السليمة التشاركية "

( مانيلا ، الفيليبيين ، 22/4/2002 )

باتت اللامركزية الادارية منذ السبعينيات من القرن الماضي اسلوبا من الاساليب الهامة في ادارة الموارد وتوفير الخدمات في مختلف الدول، باعتبار ان تعدد وتنوع الخدمات المطلوب تقديمها ، باتت من الاتساع بمكان تعجز فيه السلطات المركزية عن تقديمها منفردة بالشكل والنوع اللذين يتناسبان مع حجم الطلب عليها.
وانطلاقا من اهمية ادارة المسؤوليات من مستويات متعددة، فقد عمدت دول كثيرة متقدمة ونامية على اعادة هيكلة بناها الادارية وفقا لهذا التصور ، ومن بينها على سبيل المثال، فرنسا وبريطانيا وايطاليا والمانيا حيث وسّعت من صلاحيات الهيئات المحلية، كما فعلت الامر نفسة الولايات المتحدة وكندا والمكسيك ونيجيريا والهند والبرازيل وحتى العديد من الدول الاسيوية ذات النظام الاشتراكي (قبل انهيار الاتحاد السوفياتي) قد اعترفت بمزايا اللامركزية وفعلت الامر عينه بما يتعلق من توسيع صلاحيات الهيئات المحلية .
وفي الواقع يعتبر الاتجاه نحو اللامركزية الادارية بمثابة الاجراء التصحيحي للمركزية المفرطة التي اتبعت سابقا والتي كانت انعكاسا للنظريات التي استندت على قواعد وهمية ومفادها ان التقدم الهائل في التكنولوجيا سيساعد الدولة في ادارة مرافقها ومواردها وخدماتها بشكل مركزي .الا ان الايام اثبتت عقم هذه النظريات ، على اعتبار ان الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسة والخدماتية لا يمكن تبسيطها بهذا الشكل وان الامر يتطلب مقاربة اكثر تطورا لتوزيع المسؤوليات على مستويات متعددة. وللتدليل على اهمية توزيع السلطة وانعكاسه على مستوى تطور الدول، ففي الولايات المتحدة الاميركية اكثر من 40000 حكومة محلية او ادارة مستقلة، اما في فرنسا فتبلغ 37708، فيما في المانيا تصل الى 22510 .

اولا : مساوىء المركزية

هناك اجماع على مظاهر سلبية للمركزية ، وتختلف من دولة الى اخرى بحسب ظروفها واوضاعها وأبرزها:
- تبعد المركزية المواطن عن سياسات الدولة وبرامجها، باعتبار عدم مشاركته في انتخابات الهيئات المحلية فهو يسلم سلفا بما يملى عليه من برامج ومشاريع ربما لا تتوافق مع مصالحه وتطلعاته .
- تتعارض المركزية المفرطة مع الجغرافيا الطبيعية للعمران والاستقرار الاجتماعي ، وكذلك مع شبكة العلاقات المعقدة للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
- تقلص المركزية من مساءلة المسؤولين في الحكم وبالتالي محاسبتهم على برامجهم ومستوى ادائهم.



-2-

- ان فعالية وكفاءة أي حكومة ديموقراطية تعتمد على الشفافية في صنع القرار وبالتالي وضوح رؤيتها ومسار سياستها، التي تفترض بالدرجة الاولى حرية الاطلاع على خططها وبرامجها وتمويلها وادارتها، الامر الذي تفتقره الحكومات التي تعتمد النظم المركزية.
- ان صنع القرار بمختلف اوجهه في الدول المركزية غالبا ما يمثل وجهة نظر الفئة السياسية الحاكمة ، وليس حاجات ومطالب المناطق.
- وفيما يتعلق بالمسائل المالية والضريبية، فالنظام الذي يعتمد المركزية غالبا ما يتكل على الضرائب الموحدة على صعيد الدولة وكذلك على الانفاق، الامر الذي يؤدي الى صعوبات هائلة في جباية الواردات لاسباب كثيرة من بينها: امتناع المواطن او تهربه عن واجباته الضريبية لانه لا يعلم الوجهة الحقيقية التي تذهب اليها هذه الضرائب .

ثانيا : مزايا اللامركزية الادارية

هناك العديد من المزايا التي تتمتع بها اللامركزية الادارية، ولا تقتصر ايضا على الجانب الاداري في الدولة بل تتعداها الى جوانب مختلفة وأبرزها :

- ان اولى مزايا اللامركزية الادارية تظهر في اهتمام المنتخبون في هذه الهيئات الى مطالب ناخبيهم بصرف النظر عن توجهات وسياسات السلطة المركزية ، نظرا للمصالح الانتخابية والمساءلة التي يمكن ان توجه لهذه الهيئات .

- تساعد اللامركزية على تقريب القرارات العامة من المواطنين ، لاعتبارين اساسيين: الاول يتعلق بالقضايا المحلية حيث المواطن يكون اكثرمعرفة بالقضايا المطروحة وبالتالي اكثر قدرة وفعالية في المساهمة في صنع القرارالمتعلق بالشأن العام المحلي؛ اما الثاني فيتعلق بالتصاق المواطن فيما يحيط به وما يطلبه ، وبالتالي فان مشاركته لا تقتصر في صنع القرار فحسب وانما تتخطاها الى المشاركة في توزيع الموارد والارصدة في المنطقة التابع لها .







-3-

- تساعد اللامركزيــة على زيادة مساءلة المواطن للحكومة المركزية لعدة اسباب : اولا لسهولة تحديد الاشخاص المسؤولين عن اعمالهم وبالتالي مساءلتهم ومحاسبتهم ابان الانتخابات ، وثانيا لما تتمتع اللامركزية من شفافية على مستوى الادارة مما يتيح المجال للمواطن المعرفة الدقيقة لطبيعة الانظمة المعمول بها، وثالثا لما تمتاز الامور المطروحة على المستوى المحلي من بساطة وقابلية للفهم والتصرف لدى المواطن وبالتالي سهولة خياراته واحكامه على مستوى تقييم السياسات العامة للهئيات المحلية .
- تساعد اللامركزية على النمو المتوازن والمتكافىء للمناطق ، كما تساعد على صقل البرامج التنموية للمناطق وفقا لحاجة كل منطقة ، أي بمعنى آخر تساعد على البرامج العقلانية للتنمية وفقا للمعطيات المتوافرة على صعيد الدولة ككل وامكانية توزعها على المناطق المراد انماءها .
- تساعد اللامركزية على عدم تركز رأس المال الاستثماري في العاصمة، وتوجهه الى المناطق .
- تساعد المناطق على التنافس لجذب رؤوس الاموال الاستثمارية وخلق فرص العمل وعدم تمركزها في العاصمة.
- كما تساعد اللامركزية على تمرين وتثقيف القادة المحليين في المجالس الادارية والتشريعية ، وتأهيلهم لادوار متقدمة على مستوى الدولة ككل في اوقات لاحقة .
- كما يؤسس الحكم المحلي لنظام تمثيلي يتميز ببقائه على مسافة قريبة من الناخبين .
- يساهم الحكم المحلي في التوافق والانسجام الاجتماعي .
- وعلى المستوى السياسي يعزز الحكم المحلي الحرية والديموقراطية.

ثالثا : اللامركزية والتجرية اللبنانية

في الواقع يمكن النظر الى التجربة اللبنانية من زاويا عدة ابرزها ، القوانين والتطبيق الفعلي لها وما ينجم عن ذلك من مظاهر يمكن تلافيها او تخطيها باجراءات تشريعية، فلبنان عبر قوانينه وتشريعاته المتعاقبة طبق اللامركزية عبر البلديات ، كما طبق اللاحصرية الادارية في تنظيماته الادارية عبر المحافظين والقائمقامين ، وفي كلا الحالتين، يسجل العديد من المظاهر الايجابية من حيث المبدأ ، الا ان هناك العديد من الامور التي يجب العمل على تحسينها، او اعادة النظر في البنية القانونية التي تراعاها ، وهذا ما عمدت اليه السلطات المختصة في مشروع قانون البلديات الجديد، وما عبرت عنها في الاساس وثيقة الوفاق الوطني .



-4-
وفي مجال اللاحصرية الادارية هناك العديد من المظاهر التي يمكن تسجيلها وأبرزها :
- تعتبر المحافظات والاقضية امتدادا للسلطة المركزية .
- ربط حدود المحافظات والاقضية بالعملية السياسية بدلا من العملية الادارية .
وفيما يتعلق باللامركزية وفي جوهرها البلديات يمكن تسجيل الآتي :
- هناك تفاوت بين البلديات فيما يتعلق بالنطاق الجغرافي والمالي والاداري ، كالبلديات الكبيرة في المدن والبلديات الصغيرة في القرى .
- هناك ربط واضح بين البلديات والسلطة المركزية عبر الاقضية والمحافظات
- ان القضايا الضريبية محصورة الى حد بعيد في السلطة المركزية ، الا في حدود استثنائية جدا حيث تعطى البلديات حق فرض الرسوم على بعض الخدمات .
- هناك تفاوت بين الناخبين في البلديات والمقيمين فيها ، وهذا امر ظاهر في المدن الكبيرة .
رابعا : مقترحات لتحسين اوضاع الهيئات المحلية
وفي هذه الاطار يمكن ادراج العديد من المقترحات ابرزها :
- تحديد مسؤولية البلديات بنصوص قانونية واضحة والحرص على عدم الخلط بين مسؤولياتها ومسؤوليات ممثلي السلطة المركزية كالمحافظين والقائمقامين
- تحديد انواع البلديات لجهة حجمها ومواردها الى بلديات مدن وبلدات وقرى واعطائها مسؤوليات بحجم قدراتها .
- توسيع صلاحيات البلديات في تحديد وجباية الضرائب والرسوم ، على ان تكون ضمن الخطوط العريضة للسياسة الضريبية العامة للدولة .
- اخضاع البلديات للهيئات الرقابية المركزية كسائر المؤسسات العامة في الدولة .
- اعادة رسم حدود البلديات بما يتوافق مع النهضة العمرانية لبعضها وتوسعها بشكل كبير .
- حصر المرشحين للهيئات المحلية من بين المقيمين في نطاق البلدية وليس للمسجلين فيها ، لما لها من مزايا مهمة على تنظيم ورسم وتنفيذ السياسات العامة للبلدية .
- اعطاء الموظف في المؤسسات العامة حق الترشح للهيئات المحلية لما يمكن ان تتوفر فيه من خبرات في ادارة الشأن العام .
- رفع الحدود الدنيا المطلوبة لانشاء البلديات بهدف عدم كثرتها وقلة فاعليتها .
- السعي لتقليص عدد البلديات الصغيرة والتشجيع على سياسة انشاء الاتحادات البلدية .


20‏/02‏/2008

زيارة الاسد لطهران : علاقات الضرورة ام تقاطع المصالح؟

زيارة الاسد لطهران : علاقات الضرورة ام تقاطع المصالح؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني

بصرف النظر عن بعض الاعتبارات تظل العلاقات بين الدول انعكاسا لطبيعة الأنظمة ومدى تقارب أو تطابق مصالحها،وينطبق الأمر نفسه على العلاقات الإيرانية السورية،فهي وان شهدت مستويات متدنية جدا وصلت الى حد الصدام السياسي في فترة ما قبل الثورة الإسلامية فان بعدها ولعوامل عديدة ايضا أفضت الى علاقات هي في الواقع أكثر من تقاطع في المصالح وصلت في بعض الفترات والملفات الى علاقات من مستوى استراتيجي يعكس مدى الاستهدافات التي تلاحق كلا البلدين في منطقة تعج بالصراعات والتدخلات والمصالح الأجنبية التي لا ترحم.
فمع خروج مصر من دائرة الصراع العربي الاسرائيلي وسقوط حكم الشاه في ايران تشكلت النواة الاولى لتقريب المسافة بين دمشق وطهران على قاعدة العديد من المصالح المشتركة التي تخدم السياسات الخارجية لكلا البلدين وكذلك في مجال تدعيم اسس النظامين في الداخل،وعلى الرغم من بعض تباين المواقف ازاء بعض الملفات التي واجهت المنطقة فان امورا كثيرة جمعت الطرفين الى حدود التحالف في الحالات التي وصلت حدود التهديدات الى مستويات خطرة ومنها الاحتلال الامريكي للعراق،ما دفع العلاقات بين البلدين الى مستويات غير مسبوقة،ومن الواضح ان زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى طهران تأتي ترجمة لهذا الواقع المفروض في المنطقة.فما هي التحديات التي تواجه البلدين وما هو المتوقع كرد لدفع ما يمكن ان يستهدف الدولتين؟.
فبالنسبة لسوريا،هناك العديد من الملفات ذات الطابع الاستراتيجي التي لن تتمكن دمشق منفردة من تجاوزها من دون نسج تحالفات تؤدي الى تفاعلات سياسية اقليمية مختلفة عن التفاعلات التي سادت المنطقة سابقا،فالعلاقات الامريكية السورية تكاد تكون مقطوعة وان وجدت كوة في قناة اتصال ما فهي لايصال رزم المطالب التي لم يعد لها حدود وهي من النوع غير القابل للمساومة او المقايضة كما كانت سائدة في العقود الثلاث الماضية،فدمشق وان انسحبت من لبنان تحت ضغط القرار الدولي 1559 فهي مطالبة ولو بطرق غير مباشرة بتطبيق باقي بنوده وابرزه سلاح المقاومة في لبنان والذي يعتبر حاجة سورية وايرانية مشتركة لمواجهة الضغوط الامريكية – الاسرائيلية المشتركة.اضافة الى السيف المسلط على دمشق في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتداعياته،ناهيك عن عقدة الممر او المستقر للدول الاجنبية من لبنان باتجاه سوريا والتي تمثل ربط النزاع الدائم في السياسة الخارجية السورية.
وفي المقلب الآخر من سوريا،فالولايات المتحدة الامريكية وقواتها لن تعد مجرد قوة عظمى تقود النظام العالمي بل باتت على حدود سوريا وهي في موقع مشاريع الاشتباك الدائم مع سوريا بحسب متطلبات الوضع العراقي وتداعياته،وعلى الرغم من تقديم دمشق الكثير في هذا الملف بالذات لم تتمكن من التملص من الضغوط المتزايدة والقابلة للاستثمار في الوضع الداخلي السوري،على قاعدة قانون محاسبة سوريا،مرورا بمشروع القانون الامريكي لتحرير لبنان وسوريا الذي وضع موضع التطبيق الفعلي في الكونغرس الشهر الماضي.وكل ذلك في وقت غابت أي مشاريع تسوية او مفاوضات سورية اسرائيلية.
اما بالنسبة الى ايران فالامر لا يقل تعقيدا عن الوضع السوري،فطهران المحاصرة سياسيا ودبلوماسيا حتى الآن بالملف النووي لم تتمكن من التخلص لا من التهديدات الاسرائيلية المباشرة ولا من الضغوط الامريكية،كما لم تستطع اختراق الترويكا الاوربية في ملف المفاوضات للنفاذ الى مواقع مريحة لاعادة خلط الاوراق والانتقال الى مراحل اخرى اكثر امنا على مستوى الواقع الداخلي والخارجي لايران.وكما دمشق كذلك طهران لم تتمكن من الاستثمار الفاعل لسقوط نظام صدام حسين،فهي وان تخلصت من مشروع الاستنزاف الدائم لقواها فقد حل مكانه عمليا قوة عظمى لن توفرها وهي عقدة كأداء في تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير.
واذا كانت الملفات الخارجية التي تواجهها ايران هي من النوع غير القابل للتفاوض مع واشنطن او غيرها من الدول الفاعلة على المستويين العالمي والاقليمي،فان الوضع الداخلي لا يقل تأثرا من الوجهة الامريكية،فوصول احمدي نجاد الى سدة الرئاسة وبصرف النظر عن التوصيفات التي اعطيت له،يبقى من وجهة النظر الامريكية رئيسا متشددا شارك في احتلال السفارة الامريكية في طهران،وهو من نفس الوجهة امتدادا للسياسات الخارجية للجمهورية الاولى الايرانية،وبذلك لم تتح واشنطن حتى الآن أي فرصة لايران لتحسين مواقعها الاقليمية.
ان سوريا وايران تمكنتا ولاسباب واعتبارات متنوعة ومتعددة من لعب ادوار اقليمية بارزة ليس على قاعدة الظروف العرضية بقدر ما هي سياسات مقررة وتندرج في اطار مصالح النظام على الصعيدين الداخلي والخارجي،ومن هذا المنطلق يبدو ان طبيعة الظروف المحيطة بالبلدين كما اوضاعهما الداخلية تحكمان عليهما بممارسة هذه الادوار والطموحات الاقليمية،بالقدر الذي يزعج ان لم نقل يقلق قوى اقليمية اخرى،ما يحتم على الجانبين البحث الدائم عن صيغ للعلاقات تتعدى تقاطع المصالح بهدف الوصول ال قواعد قابلة للاستثمار في القضايا الاسترتيجية للبلدين.
ان التدقيق في اوضاع المنطقة والظروف الدقيقة التي تمر بها كل من دمشق وطهران في الحسابات الامريكية تقودنا الى استنتاجات مفادها ان زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى طهران لن تكون زيارة تأتي في ظروف استثنائية فقط ، وعلى الرغم من وجود اللجان المشتركة بمختلف الانواع والصعد،وعلى الرغم من تكرر زيارات مسؤولي البلدين وبشكل دوري،الا ان المرحلة الانتقالية التي تمر بها بعض الدول في المنطقة لا سيما لبنان والعراق وما يشكله هذان البلدان على مستقبل كل من سوريا وايران سيحتم على الجانبين اتخاذ قرارات ربما تضع المنطقة على مفترق طرق من الصعب الرجوع فيه الى الوراء،وما يبرر ذلك العديد من الامور ابرزها:
- ان واشنطن قد حزمت امرها كما يبدو بخصوص الموقف من طهران ودمشق ونظام الحكم فيهما،فتحت مسميات الحريات والديموقراطية والانظمة الشمولية وغيرها من المصطلحات المستحدثة كـ "الحكم الجيد"و"الشفافية"... وصولا الى "دول محور الشر" لم تعد واشنطن مقتنعة بفائدة التحاور وهي ترى ان التخلص من المتاعب هو اوفر حظا من أي خيار آخر.
- ان اسرائيل التي تمكنت من استثمار كل تداعيات احتلال العراق بفعاالية كبيرة لن تجد انسب وافضل من هذه الظروف لفرض شروطها حتى ولو بالقوة،ليس باتجاه الصراع العربي الاسرائيلي فقط بل كذلك بالعديد من ملفات المنطقة ومنها الملف النووي الايراني.
- ان غياب أي دور فاعل وحقيقي على المستوى الدولي باتجاه قضايا المنظقة ومنها الدور الاوروبي والروسي والصيني سيحمل كل القوى المتضررة من السياسات الامريكية تذهب باتجاهات اكثر تشددا،وبالتالي تغليب الحلول الامنية غير القابلة للحياة على الحلول السياسية المفقودة اساسا.
واستنادا على ما سبق هل سيكون بمقدور كل من سوريا وايران المضي في المواجهة بمعزل عن عوامل وقوى اضافية مساعدة؟وهل لا زال بالامكان المراهنة على متغيرات دولية ما؟ وهل لا زالت عدة العمل التقليدية قادرة على تقطيع الوقت لفترات اضافية ريثما يتمكن الطرفان من انجاز الملفات الاستراتيجية ذات النوع او الطابع الردعي؟اسئلة محيرة تنتظر ما يمكن ان تتمخض عنه زيارة الاسد لطهران سيما وانها تأتي بعد تسلم احمدي نجاد رئاسة ايران وزيارة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الى طهران.



سنتان ولبنان بلا رفيق

سنتان ولبنان بلا رفيق

د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

سنتان ولبنان بلا رفيق، فمن أين نبدأ والتاريخ يتلاشى، والجغرافيا تضيق بأصحابها،وكأن الزمن يهرب بنا إلى الوراء والمساحات تضج ذرعا بمن يدبُّ عليها،الكل يسأل عن رفيق رحل عنه أو أُخذ منه،ويتردد الصدى بداخل أجوف لا معنى له،وتسكت الحدقات عن الحراك وترتخي الجفون بأهداب تتوسل الإتكاء على قلب حريري. وطن لا زال يناديه· رجل دولة لم تَسَّعهُ،ورجل سلطة لم تِذعِنهُ، حاكم حكيم،طيب النفس كريم،كلمته حد سيف في الوغى وقراره حسام إذ انبرى·جال في أصقاع الأرض مغربها ومشرقها ،فكَبُرَ لبنان به واتكأ شعبه على طمأنينة افتقدها، فكوَّن لبلده رصيدا بين الدول وشعر كبيرها كما صغيرها بأهمية دوره وموقعه· فلبنان لم يعد كما كان وبات دائما في الحسبان· وحَّد شعبا مزقته الحروب وفرقته التدخلات، علَّم أجيال وبنى مؤسسات·هاجسه وحدة لبنان وما يحفظها، حمى المقاومة بريف العيون،فأمَّن لها غطاءً دولياً وجَهِدَ في لمِّ اللبنانيين حولها· كسر خطط التوطين وفرض قرار اللبنانيين · عمَّر بشرا في الثمانينيات، وعمَّر حجرا في التسعينيات، ونقل لبنان إلى ألفية ثالثة موحدا مستقرا آمنا،فأين نحن اليوم؟
سنتان من الظلام غابت فيهما الحقيقة أو غُيبت، دولة ومؤسسات واهنة، شعب تباعده الأهواء وتهدده الأنواء، وحدة وطنية في مهب الريح، مصير مجهول وأمل مقتول ، قضايا مركزية باتت تلوكها الألسن بمشاعر استفزازية، لا قيّمَ حضارية ولا إنسانية،أمور فلتت من عِقالها،قلة تعرف ماذا تريد وكثرة تختبئ بالشعارات لتستفيد، لبنان بشعبه ماضٍ إلى مصير محتوم يعيد كرَّة زمن غابر دَفع فيه الكثير الكثير·في الذكرى الثانية لغيابه ثمة أسئلة تُطرح وتنتظر أجوبة ،ما هي الأهداف الرئيسة للاغتيال ؟وما هي سبل المواجهة لدرء تداعياتها؟وغيرها الكثير من الأسئلة التي لا تعد ولا تحصى،إلا أن أهمها على الإطلاق، هل يرضى الرئيس الشهيد بما هو عليه لبنان الآن؟.
ثمة أهداف وخلفيات كثيرة ومتنوعة يمكن أن تسجل في عملية الاغتيال وأبرزها:
- إن الحجم السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي الذي تمتع به الرئيس الحريري على الصعيد الداخلي قد اثر بشكل واضح وكبير على التركيبة السياسية اللبنانية ،بحيث بات من الصعب إعادة التوازن إلى نظام الحكم في لبنان في غياب رجل بهذا الحجم والدور،وفي ظل غياب قطب سياسي قادر فعليا على لعب مثل هذا الدور داخليا وخارجيا.وبالتالي إن نظام الحكم في لبنان الذي استند إلى اتفاق الطائف والذي كان الرئيس الحريري احد مهندسيه بات في دائرة الخطر،بعد سلسلة عمليات التصويب عليه تصريحا وتلميحا،وصولا للدعوة التي سميت من قبل البعض بالعودة إلى الجذور أي إلى ما قبل اتفاق الطائف،وهذا ما كان الرئيس الحريري يقف ضده بقوة ويدعو إلى التمسك به نصا وروحا داخليا وخارجيا وهذا ما ميّز به نفسه عن باقي أطراف المعارضة.
- إن تغييب الرئيس الحريري في تلك الظروف أثرت بشكل سلبي على الوضع اللبناني بالذات، فالفرز بات واضحا كما أسلفنا،وإسقاط اتفاق الطائف يعني العودة إلى الجذور كما يسميه البعض،وبالتالي إقحام لبنان في دائرة المجهول كما العراق وغيره،وبالتالي إن مصير الكيان اللبناني كموقع ودور بات تحت وطأة علامات استفهام كثيرة لا يملك أحدا إلا الإجابات السوداء عليها.
- إن وصول الرئيس الشهيد إلى السلطة في العام 1992 ترافق مع مشاريع السلم في المنطقة بدءً من مؤتمر مدريد والمفاوضات الثنائية والمتعددة وما أعقبها من مشروع الشرق الأوسط الجديد وما أثير من دور للبنان في المنطقة بعد السلام، واليوم هل يمكن الربط بين تغييب الرئيس الحريري ومشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تقوده واشنطن في المنطقة؟ وهل يمكن التساؤل أيضا حول دور وموقع لبنان في هذا المشروع إذا كتب له النجاح في غياب الرئيس الحريري؟وبالتالي هل كان الرئيس الحريري عقبة لهذا المشروع أم تغييبه كان بمثابة وسيلة لخلط الأوراق في المنطقة لتمريره؟وما هي حدود التوافق والاختلاف بين باريس وواشنطن على دور لبنان المستقبلي وما هو حدود الحجم الذي يمثله الرئيس الحريري للأحلام الفرنسية القديمة الجديدة في المنطقة؟
- وكما هو صحيح بأن الظروف التي وصل بها الرئيس الحريري إلى الحكم كانت تتطلب شروطا محددة في الداخل اللبناني،ورغم ذلك فقد تمكن من مواءمة وضع لبنان ودوره الاقتصادي الصاعد ودور المقاومة في تحرير الأرض،ومزج ببراعة لافتة بين فكرتي "هونغ كونغ" و "هانوي"؛فحمى المقاومة وفرض اتفاق نيسان 1996 وأكد شرعية عمل المقاومة،بل بدا احد أعمدتها وحماتها وهذا ما كشفته وأكدته بعض وقائع جلساته المتعددة مع السيد حسن نصرالله،فمن يكون المستفيد من اغتياله سوى المتضرر من هذا التقارب إن لم نقل التطابق في المواقف مع المقاومة.
- لقد شهد لبنان نقلة نوعية إبان فترة حكمه، جيل متخصص بكامله،ونهضة اعمارية لافتة مترافقة مع إحياء ادوار لافتة للبنان في المنطقة،مشاريع استثمارية واسعة وجذب لرؤوس أموال واعدة،باختصار وضع منافس بل مهدد لوضع إسرائيل في المنطقة،فمن يكون المستفيد من اغتيال المشروع الذي أسسه وعمل عليه الرئيس الشهيد.
- كان الهمَّ والهاجس الأساس حماية الوحدة الوطنية والكيان،الأمران الظاهران في اتفاق الطائف عبر هوية لبنان وموقعه ودوره العربي،والحفاظ على الكيان يستدعي حماية الوحدة الوطنية الداخلية وشروطها وأهمها توازن تركيبته الاجتماعية الأمر الذي استدعى منه رفض التوطين،وأيضا من المتضرر من هذه المواقف والمشاريع؟أليست هي إسرائيل الباحثة دوما عن حل مشاكلها في لبنان وعلى حسابه؟.
وأين نحن اليوم في غياب رجل بوزن الرئيس الشهيد؟ بعد سنتين تحاول كل القوى المعادية لمشروعه في الداخل والخارج تمرير ما تستطيع من مشاريع مشبوهة الأمر الذي يستدعي طرح العديد من التساؤلات والمقاربات منها:
لو كان الرئيس الشهيد حيا هل تمكنت إسرائيل من تنفيذ عدوانها على لبنان في تموز الماضي؟وبالتالي هل بإمكان الولايات المتحدة وإسرائيل أن تفرض ما تحاول فرضه من شروط وضغوط على لبنان؟وللتذكير أيضا ماذا تمكنت إسرائيل من فعله بعد عدوان 1993 (تصفية الحساب) و 1996(عناقيد الغضب)؟ ألم يشرع عمل المقاومة باتفاق دولي وباعتراف إسرائيلي؟وماذا عن الآن وكيف تتصرف الأكثرية التي تدّعي خط الرئيس الشهيد؟كيف تحاول استثمار القرار 1701 لنزع سلاح المقاومة؟وهل يرضى بذلك؟كيف تصرف الرئيس الشهيد إبان مجزرة قانا الأولى 1996 وكيف تمَّ التصرف في المجزرة الثانية 2006؟هل كان الرئيس الشهيد يقبل إن يجتمع مجلس وزراء الخارجية العرب في بيروت تحت الحصار الإسرائيلي وبإذنه لدخول وخروج الوزراء؟وهل يقبل الرئيس الشهيد أن تدار "المعركة الدبلوماسية" كما يحلو للأكثرية تسميتها بالاستجداء والبكاء والعويل؟.
هل يقبل الرئيس الشهيد أن يُحكم لبنان بهذا الفريق؟ وهل يقبل ترؤس حكومة تفتقد الشرعية الدستورية؟وهل يقبل الرئيس الشهيد بتقوقع رئاسة مجلس الوزراء وراء أسلاك شائكة؟ أليس الرئيس الشهيد من آثر إلى الاعتذار عن التكليف في العام 1998 احتجاجا على احتساب الأصوات المؤيدة له والتي لها دلالات تتعلق بحجم التمثيل والمشاركة؟ هل يقبل الرئيس الشهيد بأن تختزل رئاسة الحكومة بطائفة وهي السلطة التنفيذية لكل لبنان؟ وهل كان الرئيس الشهيد يقبل التمسك بهذا المنصب وهو أول من علق لافتة على مدخل رئاسة الحكومة"لو دامت لك لما وصلت لغيرك"؟
لقد شوه بعض الورثة السياسيين غير الشرعيين مشروع الرئيس الشهيد وباتوا اليوم يتصرفون دون خجل أو وجل بما رفضه وحاربه،ينفخون بنار الفتنة المذهبية ويوقدون نارها على حساب الوحدة الوطنية،يتظللون بشعارات جوفاء ملتها الألسن والعقول،سيادة تنتهكها إسرائيل يوميا وبحماية دولية،حدود مستباحة ترسّمها وتحددها قوات دولية – إسرائيلية بإيعاز من رسائل "رسمية"، حرية مكبلة بشروط سياسية مالية – اقتصادية،واستقلال مرهون بالتزامات كيانية،فهل يقبل الرئيس الشهيد بظلامة بعض ورثته؟ بالتأكيد لم ولن يقبل لما يجري للبنان وفيه بإسمه وإرثه الوطني الكبير.
ومهما يكن من أمر سيظل الرئيس الشهيد ، علامة فارقة في تاريخ لبنان،ونقطة فاصلة في خريطته السياسية،وبصرف النظر عن من المخطط والمنفذ والمستفيد من اغتياله،بل من تغييبه في هذه الظروف بالذات،يبقى لرحيله أثرا ربما ستمضي سنوات كثيرة قبل الإجابة عليها بدقة نظرا للموقع والحجم والدور الذي لعبه في الحياة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية.وهو بهذا المعنى ليس مجرد رجل سياسة ودولة مر في تاريخ لبنان السياسي المعاصر،بقدر ما هو حقبة سياسية من الصعب ملأها بسهولة وبوقت يسير؛ومن هنا تطرح علامات استفهام كثيرة حول مستقبل لبنان كموقع ودور وحتى كتركيبة اجتماعية سياسية قابلة للحياة،ولا نجد غضاضة في القول إن الفراغ الذي تركه أرخى بظلال كثيفة على مستقبل الكثير من المواقع السياسية في المنطقة.

إن تكريم رجل بهذا القدر من المكانة مرتبط بالمضي في تحقيق ما حلم به لوطنه وشعبه، وبالتالي تضافر كل الجهود الصادقة لإعادة نقل لبنان إلى بر الأمان كما نقله الرئيس الشهيد، وهذا يتطلب مكاشفة صريحة بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني حول سبل إعادة ترميم الوحدة الوطنية ،وهذا الشرط مرتبط بثابت آخر وهو الكشف عن حقيقة الاغتيال وأهدافه ودوافعه علَّ في ذلك بداية جامعة على مختلف القضايا المصيرية· لقد بات لبنان في عين العاصفة ويتطلب وضعه مواقف وخيارات بمستوى خيارات ومواقف شهيد الدولة، فهل يعي من بيدهم الأمر خطورة ذلك؟إن اخطر الزلازل تلك التي تضرب الزمان لا المكان،فهي تمحي ذاكرة الشعوب عندما تفتقد قادتها أو تنقلب على قيمها،فيما المكان قابل للتطويع كما نريد·
إن رجلا وقف في وجه الأعاصير دفاعا عن قِيَمَ لبنان وأسباب منعته وقوته يجب أن يُكرم مكرمة الشهداء، فلم يسأل يوما عن خرائط الجغرافيا ولا التاريخ لأن إيمانه بوطنه وشعبه لا يحده المكان ولا الزمان، فأي معنى للحدود وهو الذي لفَّ العالم بأسره بحثا عن سبل حماية وطنه· فكم نحن اليوم بحاجة لحكمتك في حمأة الهوج الذي نعيش، وكم نحن اليوم بحاجة إلى بعد نظرك وعلاقتك، إننا بحاجة لكل شيء ولا نملك شيئاً،نحتاج لرفيق صادق إذا وعد وفى، نحتاج لرفيق كلمته خيار وقرار،من أين ننهي فراغاً في المكان والزمان صعب النطق فيه·