26‏/06‏/2013

جواس رسول/ برلمان الاتحاد الاوروبي طريق الى التكامل الاوروبي

اسم الطالب جواس حسن رسول
عنوان الاطروحة برلمان الاتحاد الأوروبي طريق إلى التكامل الأوروبي
الشهادة الممنوحة :لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق  (تخصص القانون الدولي العام)
تاريخ المناقشة : 26/6/2013
التقدير :جيد جدا
 
لم يكن في مقدور الدول الأوروبية النجاح، هذه المرة، في البدء بعملية التكامل والوحدة وتأسيس الاتحاد الأوروبي لولا تفاعل وتضافر عدة عوامل، منها السياسي والاقتصادي، ومنها ما يتعلق باختيار المنهج التكاملي الملائم لأوضاعها، ومنها ما يتعلق بالهيكلية المؤسسية الصحيحة والفعالة لمؤسسات الاتحاد. وفيما يتعلق بالعامل الأخير (البناء المؤسسي للاتحاد الأوروبي) فقد حرص الآباء المؤسسون، منذ البداية، على بناء مؤسسات ذات هياكل وصلاحيات واضحة، لإدارة العملية التكاملية على أحسن وجه، ولكي تحل تدريجيا محل الدول الأعضاء بالنسبة إلى ممارسة السيادة التي يتم التنازل عنها من قبل الدول الأعضاء، كلما كان ذلك ضروريا لتحقيق أهداف العملية التكاملية.
ويعتبر البرلمان الأوروبي من بين المؤسسات الرئيسية التي تم إنشاؤها منذ البداية في هذا الإطار، أملا في أن يسهم بشكل فعال، وكمؤسسة ديمقراطية، في رفع مستوى العلاقات بين المجتمعات البشرية إلى مستوى العلاقات الدولية التي لا تزال عملية صنع القرار فيها مقتصرة بشكل رئيس على الأروقة الدبلوماسية والدبلوماسيين. وقد لعبت هذه المؤسسة الفريدة، طوال مسيرة التكامل الأوروبي، دورا بارزا حتى أصبحت محط أنظار السياسيين والأكاديميين الأوروبيين، وأصبحت محل جدل واسع حول دورها وتأثيرها في عملية التكامل الأوروبي.
ان ميزة تجربة الاتحاد الأوروبي هي أنها حققت أهدافها من خلال تبنيها منهجاً وآليات مبتكرة وملائمة لأوضاع الدول المشاركة، ساعدتها على التغلب على معظم الصعوبات التي واجهتها خلال مسيرتها الطويلة. وقد ابتكرت مؤسسات فريدة من نوعها على صعيد القانون الدولي، مثل البرلمان الأوروبي، لتصبح أدوات فعالة لإنجاح التجربة وإيصالها إلى عتبة الوحدة الكاملة، في الوقت الذي عجزت فيه محاولات تكاملية ووحدوية إقليمية أخرى، مثل جامعة الدول العربية، في الوصول إلى غاياتها الوحدوية، رغم أن عوامل الوحدة والاندماج بين الدول العربية، مثل اللغة والدين والأرض والتاريخ، هي أقوى من مثيلاتها في الدول الأوروبية المشاركة في الاتحاد الأوروبي، ورغم أن تجربة جامعة الدول العربية سابقة لتجربة الاتحاد الأوروبي بسنوات.
ومن هنا تبرز أهمية دراسة الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وهيئاته التمثيلية (البرلمان الأوروبي بشكل خاص) بالنسبة لتجارب وحدوية أخرى، وذلك للوصول إلى أجوبة عن أسئلة جوهرية مثل: لماذا وكيف نجح الأوروبيون في تحقيق التكامل، بينما عجز الآخرون عن ذلك؟ وكذلك تبرز أهمية دراسة البرلمان الأوروبي ودوره في عملية التكامل الأوروبي في وقت قررت فيه جامعة الدول العربية منذ عام 1945 إنشاء برلمان عربي إقليمي على غرار البرلمان الأوروبي، الأمر الذي يضفي أهمية إضافية على دراسة البرلمان الأوروبي، وذلك من خلال استخلاص العبر والدروس من تجربة هذا البرلمان، والقيام، بالتالي، بعملية تقييم البرلمان العربي وتحديد جوانب الضعف والقوة في نظامه الأساسي والدور الذي من المؤمل أن يلعبه في تحقيق أهداف الجامعة.
وعلى الرغم من إن فكرة الوحدة الأوروبية ترجع بجذورها إلى القرن الثالث عشر، إلا أن تحويل هذا الحلم إلى واقع قد بدأ بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بفضل اختيار منهج الوظيفية الجديدة الذي غدا يلائم الأوضاع السياسية والاقتصادية التي كانت تمر بها الدول الأوروبية في تلك الفترة. وهو المنهج الذي طرحه جان مونيه، وتبناه روبرت شومان، وزير خارجية فرنسا، من خلال إنشاء الجماعة الأوروبية للفحم والصلب عام 1950، وأدى إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي عام 1992، الذي أصبح أساساً للتكامل السياسي بعد أن كانت عملية التكامل الأوروبي، قبل إنشائه، تقتصر على المجالات الاقتصادية.
والجدير بالذكر أن إتّباع منهج الوظيفية الجديدة انعكس على البناء المؤسسي واختصاصات المؤسسات التكاملية الأوروبية. ومن أبرز معالم هذا المنهج هو وجود مؤسسات فوق وطنية في عملية التكامل، مثل البرلمان الأوروبي. وهنا تبرز عدة أسئلة حول هذه المؤسسة الفريدة، أي البرلمان الأوروبي، مثل:
1)    ما هو دور البرلمان في تطبيق منهج وإستراتيجية الاتحاد الأوروبي في التكامل الأوروبي؟
2)    ما هو دور البرلمان الأوروبي في عملية التكامل الأوروبي من حيث إعطائها قوة الدفع الذاتي باتجاه المزيد من التكامل والاندماج؟
3)  هل كان لوجود البرلمان الأوروبي، كمؤسسة تعمل على دمقرطة الاتحاد الأوروبي، أثر في العملية التكاملية باتجاه المزيد من الوحدة والتكامل؟
اعتمد الطالب في كتابة الأطروحة على المناهج التالية:المنهج التاريخي والمنهج التحليلي  والمنهج المقارن .
تكونت الأطروحة من قسمين، وكل قسم تكون من فصلين، وتليها الخاتمة. عالج القسم الأول شؤون الاتحاد الأوروبي وبرلمانه، من خلال التعرف على الاتحاد من حيث نشأته وتطوره والسياسات التي يقوم بإدارتها في الفصل الأول، والتعرف على البرلمان الأوروبي من حيث تشكيلته وأعضائه وهيئاته وصلاحياته في الفصل الثاني.أما القسم الثاني فقد خصصه لدراسة دور البرلمان الأوروبي في التكامل الأوروبي والدروس المستفادة منه للبرلمان العربي. وقد عالج الفصل الأول من مسألة دور البرلمان الأوروبي في عملية التكامل الأوروبي، من ناحية البرلمان الأوروبي وتطور التكامل الأوروبي ودمقرطة الاتحاد الأوروبي. وقد خصص الفصل الثاني منه لبحث البرلمان العربي في ضوء تجربة البرلمان الأوروبي، وذلك من خلال التطرق إلى تجربة جامعة الدول العربية أولاً، والبرلمان العربي في ضوء تجربة البرلمان الأوروبي فيما بعد وتضمنت خاتمة الأطروحة عدة استنتاجات وتوصيات.
ناقش الطالب جواس رسول اطروحته برلمان الاتحاد الأوروبي طريق إلى التكامل الأوروبي بتاريخ  26/6/2013 ،امام اللجنة المكونة من الدكاترة محمد المجذوب خليل حسين وجوروج عرموني وسامي سلهب ووليد عبد الرحيم، وبعد المناقشة والمداولة قبلت اللجنة الاطروحة ومنحت صاحبها درجة الدكتوراه في الحقوق تخصص القانون الدولي العام بتقدير جيد جدا.
بيروت: 26/6/2013                                               أ.د.خليل حسين

20‏/06‏/2013

الجدل التركي بين ازمة الهوية وأزمة النظام

الجدل التركي بين ازمة الهوية وأزمة النظام
د.خليل  حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبناني
بيروت: 12/6/2013
        ربما تختصر ساحة تقسيم في اسطنبول الدلالة الرمزية للاحتجاجات الجارية،فهي نقطة الوسط التي تفصل قسميها الشرقي والغربي،بأبعاد ثقافية حضارية تصل،إلى انتاج صورة مشوشة عن تسعة عقود من الحيرة ، من ضمنها عقد من زمن حكم الاسلام السياسي والذي حاول بعض العرب التمثل به واللحاق بركبه.
       منذ العام 1923 وتركيا الاتاتوركية تبحث عن هوية بديلة للعثمانية، فسقطت في اتون الحيرة ،وتحولت من دولة حائرة إلى مربكة، واليوم تبدو دولة خائفة وعلى الارجح انها دخلت مرحلة الذعر. ليس ذلك بالضرورة ان تركيا غير قادرة على تخطي أزمتها الحالية بقدر ما هو البحث عن خيار معبر عن واقع عاشه الاتراك مدة عقود خلت ، ومن الصعب نقلها من حضن علماني إلى حضن اسلام سياسي حاول مد تجربته إلى عالم آخر حكمه سابقا وباسم الدين اربعة قرون.
      فمهما يكن من أمر خلفيات الاحتجاجات القائمة،ان كانت ذات خلفية سياسية ام اجتماعية ام اقتصاديه ، وبالمناسبة هي مزيج من ذلك، إلا ان الأصل يكمن في ازمة هوية ونظام توّجتها ازمة حكم بتجربة حزب العدالة والتنمية،فوقع في خطأ تصدير تجربته كما هي حال تجربة بعض الثورات المماثلة بداية ثمانينيات القرن الماضي في ايران.
      لقد تمكن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان من استغلال الضائقة الاقتصادية التركية والتخلص منها، وتحويلها إلى نصر سياسي ليس على الازمة الاقتصادية بقدر ما هو نصر على الهوية الثقافية والحضارية التي كانت تشق طريقها بصعوبة نحو الغرب، لكن هذا الواقع المستحضر غير قادر بطبيعة الامر على نقل تركيا من حالتها المتواضعة الرفاهية إلى دولة تضاهي المقاييس الاوروبية،باعتبار ان اقتصادها السياحي الريعي لم يستفد منه سوى طبقة محددة ضمن الاسلام السياسي الحاكم وباقي مكونات الطبقة الليبرالية التي حكمت تركيا لعقود خلت،فيما ظلت الشرائح الاجتماعية المتواضعة تبحث عن هويتها وسط ضغوط وهموم الشظف والعوز.
        صحيح ان ثمة من الأسباب الكثيرة التي تأخذ المدقق باتجاه الجوانب المعيشية لتفسير ما يحدث،إلا ان الازمة الحقيقية في مكان آخر ،ومتعلقة اساسا بإعادة صياغة هوية قومية افتقدتها تركيا دون التمكن من اكتساب بديلا منها، وهذا ما برز جليا في السياسات الداخلية والخارجية التي مارسها القادة الاتراك سابقا وحاليا.فتركيا وان اعادت قراءة امكاناتها بعد الحرب الباردة  وتوجهت شرقا نحو عمقها التركماني في بعض دول آسيا الوسطى وجنوبا باتجاه ثقافتها الاسلامية، لم تتمكن من اقتلاع أو اجتثاث حلم الدخول إلى الاتحاد الاوروبي من الذاكرة الجماعية التركية ، وهذا ما جعلها دولة حائرة في بحث دائم عن هوية تحتضنها وتعيد تموضعها في واقع اقليمي ودولي يعيد تعريف نفسه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
        في هذا الواقع ، بدت تركيا دولة اقليمية وظيفية تجاهد للصعود نحو دور اقليمي فاعل ، في محيط تنافسي مربك يعيد انتاج قواه وسط ازمات معقدة تبدأ بحروب الاحتلال ولا تنتهي بحقن وحروب طائفية ومذهبية، معطوفة على صعود قوى جيران منافسين اقوياء. وقد ادى هذا الواقع إلى تكريس ازمة الهوية التركية وليظهر لاحقا في أزمة نظام حاول الاسلام السياسي التركي ملأه فنجح في بعض جوانبه وأخفق في جوانب أخرى،وهذا ما انعكس أيضا على مجمل التجارب التي حاولت تركيا مدها إلى بعض البلدان العربية مؤخرا
      اليوم تبدو تركيا بأمس الحاجة إلى اعادة قراءة هادئة لواقع استمر تسعة عقود متواصلة بصرف النظر عن من حكمها، العسكريون بواجهات برلمانية ديموقراطية ،ام اسلاميون بواجهات اعتدالية غير متطرفة. كما ان الثابت في هذا الاطار ان ازمة تركيا الحالية ناجمة عن الدور الوظيفي التي وقعت فيه،وبالتالي ان القوى الداخلية الفاعلة حاكمة كانت ام معارضة من الصعب بمكان التحكم في مجريات وظروف ما يحدث،باعتبار ان الحالات المماثلة في غير مكان من العالم ومنها دولنا العربية هي في موقع تلقي الفعل دون القدرة على الفعل،وهنا تكمن خطورة الوضع التركي وتداعياته أيضا. فالأزمة الأساس هي ازمة هوية ونظام قبل ان تكون أزمة حكم وسياسات.
       أخيرا يبقى علينا نحن العرب ان نتعلم من تجارب غيرنا وهي امور غير معتادة بالمناسبة ، كما علينا التيقن ان رقي الشعوب والأمم تتأتى من هوياتها،وليس من أي شيء آخر، كما يحلو للبعض ترويجه مؤخرا،فعلا انها ازمة هوية اينما كان.

ماذا يحدث في تركيا؟


ماذا يحدث في تركيا؟
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 4/6/2013
       غريب المفارقات في الاعلام العربي سرعة الأحكام وإطلاق التوصيفات والمصطلحات على الظواهر الاجتماعية والسياسية في غير مكان. ومن بينها اطلاق الربيع التركي على ما يحصل من تظاهرات في غير مدينة تركية.صحيح ان ما جرى وسيجري لم يكن مفاجئا ،لكن توصيفاته ليست بالضرورة ان تقودنا إلى تصورات دراماتيكية سريعة يمكن ان تحصل في المجتمع التركي ومؤسساته.
       وبصرف النظر عن نهايات ما يحدث الآن، ثمة الكثير من الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الشخصية،التي تطبع صورة التظاهرات التركية وأبعادها المختلفة. فثمة اولا نوع من التخبط في الذاكرة الجماعية للمجتمع التركي بمختلف تلاوينه السياسية والمجتمعية على تحديد هويته منذ العام 1923 .فلا زالت تركيا حائرة حتى الآن بين ان تكون شرقية الهوى بخلفياتها العثمانية،وان تكون غربية الطموح بتطلعاتها.وهي حتى الآن لم تتمكن من تقديم نموذج مقنع لمجتمعها إلى اين تسير والى اين يمكن ان تصل.
       وان تمكنت تركيا ثانيا من بناء دولة علمانية بحماية عسكرية وبواجهة سياسية برلمانية، ظلت إلى عقد مضى في صراع سياسي مجتمعي لافت، إلى ان وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة،محاولا تقديم نموذج جديد لتركيا على الصعيدين الداخلي والخارجي،لكن تداعيات هذه السياسات وبنظر الكثيرين كانت سببا لتأجيج المعارضة وتقويتها، لكن في المقابل لا يعني ذلك ان تحرك المعارضة هو اعتراض على سياسات خارجية متبعة الآن بقدر ما هو تنازع على السلطة في اطار مصالح تبدأ بالاقتصاد ولا تنتهي بالسياسة أو حتى بالخلفيات الثقافية والحضارية التي لا زالت تبحث عنها وتحاول أخذ موقع فيها.
      وكما في السياسة كذلك في الاقتصاد، صحيح ان تركيا شهدت طفرة اقتصادية ومالية لافتة في العقود الماضية، إلا ان التدقيق في الارقام والإحصاءات الموثوقة الجانب تشير إلى ان هذه الطفرة لا تعدو كونها انتفاخا اقتصاديا وماليا على قواعد غير استثمارية ،وجله يعتبر اقتصادا ريعيا متأت عن قطاع ثالثي مجمله سياحي، ما يعني ان ثمة فوارق كبيرة بين المستفيدين من هذا الاقتصاد الذي لم يشمل بالضرورة فئات واسعة من الطبقات المتواضعة اجتماعيا.
       ورابعا ثمة خوف اجتماعي يصل إلى حد الذعر ،على خلفية التحولات التي يُجرُّ لها المجتمع التركي عبر سياسة التديين في اساليب العيش والحياة معا، أو بمعنى آخر انتزاع صبغة العلمنة التي تم الباسه اياها قبل تسعة عقود، ما ادى نزاع نفسي اجتماعي بين ما تم التعوّد عليه وما يعمل عليه لانتزاعه.
      وان كان العسكر قد اخرج من السلطة عمليا منذ عقد من الزمن،إلا ان ثمة صراع مجتمعي يطفو بين الحين والآخر على خلفية المقارنة والمقاربة بين ما عاشته تركيا قبل العام 2002 وبعده ، وبالتالي ثمة ما يدعو إلى العودة لماضٍ وان كان غير مستحب من بعض الشرائح الاجتماعية على قاعدة "الكحل افضل من العمى".
      اما الجانب الآخر من الأسباب وهو متعلق بالسلوك السياسي والقيادي لحزب العدالة والتنمية وفي مقدمتهم رجب طيب اردوغان، الذي بات بنظر الاتراك امبراطورا غير متوج يسعى إلى تقويض النظام البرلماني والانتقال به إلى نظام رئاسي ولو بعد حين،بعدما حاول مسح ظاهرة العسكرة من ذاكرة الاتراك.
       ثمة الكثير من الاسباب المباشرة وغير المباشرة لما يجري الآن،لكن المؤكد ان تركيا الآن لا زالت بعيدة عن التغيرات التي يتهيأ البعض انها قادمة عليه.صحيح ان ثمة اعتراضات كبيرة لما تحاول انقرة القيام به على انها دولة اقليمية عظمى تحاول فرضه عبر سياسات خارجية لم يتعود المجتمع التركي عليه وبخاصة خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا ان الصحيح أيضا ان ما تشهده الساحة التركية يبدو اقرب إلى الاعتراض على السياسات الداخلية التي وسّعت الهوة لكنها لم تصل إلى حدود التغيير المفترض.
     صحيح ان حزب العدالة والتنمية انطلق من شعار "صفر مشاكل مع الدول المجاورة"،لكنه في المقابل مشى بعكس شعاره،فتحول مشاكل مئة في المئة في الخارج والداخل،لكن التركيبة الاجتماعية وبناها المتراكمة منذ العام 1923 لا زالت بعيدة عن امتلاك وسائل التغيير وأدواتها المفترضة. يبقى علينا نحن العرب ان لا نذهب كثيرا كالعادة في مخيلتنا وتصور ان حدثا ما قد انطلق ولن يتوقف، بل علينا التدقيق في الاحداث وتعلم العِبر منها.

            

04‏/06‏/2013

روسيا وسوريا من الجو إلى البحر


روسيا وسوريا من الجو إلى البحر
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت: 21/5/2013
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 4/6/2013

      بعد الجدل الصاخب حول صفقة صواريخ اس اس 300 الروسية الصنع المفترضة لسوريا ، وما تشكله من نقلة نوعية كاسرة للتوازن المفترض أيضا، اندلع جدل قديم جديد على نفس القاعدة، وهو متعلق بصفقة صواريخ ارض بحر ياخونت الروسية إلى سوريا.
      فصواريخ ياخونت ليست بالنوع الجديد الذي تسلمته سوريا، وهي صفقة تمت في العام 2010 خلال بدايات الأزمة السورية، إلا ان الجديد فيها هي نوعية الصفقة المطوّرة من هذه الصورايخ القادرة على اصابة اهدافها البحرية بدقة متناهية على مسافة 300 كيلومترا، الأمر الذي يعني ان استعمالها لا يبدو فقط موجها لمنع دعم المعارضة بالسلاح بحرا، بل يمتد الى ابعد من ذلك وهو مرتبط بمواجهة اي محاولة غربية للتدخل العسكري في الازمة السورية،وهو امر جاهرت به موسكو علنا واعتبرته خطا احمرا مقارنة ذلك بما حصل من تدخل غربي سابق في القضية الليبية التي ابعدت موسكو عمليا عن المجال الحيوي البحري لجنوب البحر المتوسط وهو المدخل الرئيس للقارة السمراء.
      علاوة على ذلك ان منظومة صواريخ ياخونت الروسية تعد من الاسلحة الاستراتيجية التي نادرا ما يؤخذ قرار بنشرها خارج المجال الحيوي الاستراتيجي المباشر لموسكو، وهو اذ نشر في سوريا في العام 2010 من باب التأكيد على تمسك موسكو بالقاعدة البحرية الوحيدة المتبقية لها في المياه الدافئة وتحديدا في المتوسط،قبل ان يكون عملية دعم لبقاء النظام السوري الحالي في السلطة ام لا.
       كما ان تقنيات هذه الصواريخ هي مرنة وقابلة للاستثمار الامثل في مجالات استعمالاتها وبخاصة الجيل المتطور منها والذي يقال انها نشرت مؤخرا في الساحل السوري. وهي اضافة إلى ذلك تعد من عمليات مراكمة القوة النوعية الروسية في البحر الابيض المتوسط، ذلك بخلاف القوى البحرية الأخرى ومنها الامريكية.فحاملات الطائرات الامريكية وبوارجها ومدمراتها تصول وتجول وتخرج من المنطقة،بينما الروسية ترابط في قاعدة طرطوس وتطور وسائل وأساليب انتشارها ومرابطتها، ذلك يعني فيما يعنيه ان موسكو معنية بالمجالات البحرية الحيوية في منطقة هي الأشد تعقيدا في العالم بصرف النظر عن اي تحالفات استراتيجية مع انظمة ودول،وهي في هذه الحالة تصرف كعادتها على طريقة برغماتية تحاكي اي تطور مرحلي لأي قضية واستثمارها وفقا لحاجاتها التكتية والاستراتيجية.
      في الامس القريب اثار نشر الولايات المتحدة الامريكية لصواريخ بارتيوت على الاراضي التركية،اضطرابا روسيا لافتا،باعتباره موجها اليها بصرف النظر عن الربط والوصل الذي ظهر في الأزمة السورية،حينها ردت موسكو على طريقتها الدبلوماسية بنشر أو الايحاء بنشر صواريخ اس اس 300 في سوريا. حادثة لا زالت وقائعها ملتبسة وهي الطائرة بدون طيار التي اسقطت فوق حيفا،  والتي رجحت بعض الفرضيات انها روسية وانطلقت من احد بوارجها الحربية ، تعطي اشارات واضحة على انخراط روسيا المباشر في محاولة اقتسام المجالات البحرية في المتوسط مع اطراف اخرى ومنها الاوروبية والأمريكية التي تعتبره تاريخيا حديقة خلفية بحرية لها.
        وبصرف النظر عن دقة التوصيف وانطباقه واقعيا على العديد من الوقائع المتداولة عمليا،يبقى من المؤكد ان ذيول الازمة السورية وتداعاتها الاقليمية،قد نقلت الطرفان السوري والروسي من امكانية المواجهات الجوية إلى البحرية، ولو في الاطار النظري حتى الآن.
       لقد جربت كل من موسكو ابان الحقبة السوفياتية والولايات المتحدة الحروب الباردة وبالواسطة في الشرق الأوسط، وكان نظريا وعمليا الصراع العربي الاسرائيلي بكافة تفرعاته  ومنها الاسلحة احد اوجهها. اليوم ثمة سباق من نفس النوع بين موسوكو وواشنطن ولو لخلفيات مغايرة. انطلقت مؤخرا حرب الصواريخ ارض جو، وثمة من يقول ان اسقاط المقاتلة التركية اف 16 كانت بصواريخ وإدارة روسية، وثمة من يقول أيضا ان الغارة الاسرائيلية الأخيرة على دمشق،كان هدفها استدراج صواريخ اس اس 300 لمعرفة المزيد عنها.فهل سيتكرر المشهد مستقبلا على قاعدة تجربة منظومة صواريخ ياخونت ارض بحر؟
      بات الشرق الاوسط بأزماته المتعددة والمفتوحة على كل الاحتمالات بدءاً من الازمة السورية وانتهاءً بالبرنامج النووي الايراني،مرورا بكل مستجدات الحراك العربي، مجالا واسعا لعودة الشد والجذب السياسي والأمني والعسكري،بما فيه التلويح باستعمال اسلحة كاسرة للتوازن ، مرورا بأسلحة ردعية بطبيعتها لكنها وازنة في مجال الرعب، مرورا بصواريخ اس اس 300 وياخونت وغيرها من المسميات التي تعني الكثير في علم الاستراتيجيا العسكرية.