24‏/09‏/2012

الرد على الاساءات بالفعل لا الانفعالات

الرد على الاساءات بالفعل لا الانفعالات
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

من تفاهات آيات سلمان رشدي الشيطانية في بريطانيا،وصولا إلى فيلم براءة المسلمين في الولايات المتحدة الامريكية،مرورا بالصور الكاريكاتورية في الدانمرك، سلسلة من محاولات الاهانة قام بها أشخاص،يجمع بينهم صفة المغمورين وشبهة طالبي الشهرة علاوة على أشياء أخرى. في المقابل ما جمعنا نحن العرب والمسلمين في شرق الأرض ومغربها، سرعة الانفعال لا الفعل، وضخامة التداعيات غير محسوبة النتائج وغياب الرد بالمنطق الذي يسفه القائم والداعي والمحرض والممول لمثل تلك المحاولات.
ثمة علم قائم نجهله تماما في مثل تلك الظروف،وهي الحروب النفسية التي تُخاض ضدنا بهدف استنزافنا بوسائل يمكن مواجهتها بكل بساطة وبأكلاف لا تذكر.ومثال ذلك آيات سلمان رشدي الشيطانية في اواخر ثمانينات القرن الماضي، حيث صرف الكثير من الوقت والمال والتحركات فكانت النتيجة ان اخذ ما اراده من شهرة وبيع من نسخات كتابه آلاف الأضعاف بفضل سوء التعامل مع تلك الظاهرة، فبدلا من رصد الملايين لقتله مثلا يمكن انتاج مواد دعائية فكرية وثقافية تفتح عيون وآذان من يسمع وينظر لأفكاره باتجاهات صحيحة وهادفة، وتكون مساهمة فاعلة لإمكانية تلافي ما يمكن ان يثار بعدها من محاولات الاساءة. ولأن كانت الطريقة في التعاطي مع تلك المظاهر التي لا تشكل حيثيات وازنة، تكررت الصور نفسها في الدانمرك وبعدها في أميركا فكانت النتيجة من محاولات الاهانة كتابيا ورسما،إلى المحاولات بالصورة وبالصوت،وهي من بين الوسائل الأكثر انتشارا والأكثر تأثيرا وهذا ما هدف اليه من قام بها.
في المبدأ وكما هو معروف لدى علماء الاجتماع السياسي بمختلف مدارسهم ، ان الاستفزازات الدينية والمذهبية هي الأكثر فتكا وسرعة انتشار بين المجتمعات ، وهذا ما اثبتته الوقائع عبر التاريخ في مختلف الجماعات البشرية ، وبصرف النظر عن الخلفيات التي تقف وراء تلك الموجات المتجددة من الاهانات التي نعتقد انها غير بريئة ، وليست بالضرورة ان لا تكون أيضا من صنف المؤامرات التي يمتعض البعض من تسميتها أو توصيفها، إلا ان الظروف التي أحاطت بانطلاقتها حاليا تدفعنا إلى القول بوجوب التعامل معها بطرق غير انفعالية أو تقليدية كما اعتدنا عليها.
ما جرى حاليا مع الفيلم الاميركي الطويل اذا جاز التعبير ، ترافق مع الذكرى الحادية عشر لأحداث 11 ايلول ، علما انه كان منجزا قبل عام تقريبا لكن الترويج له بهذه الضخامة اتى ليؤدي صورة رمزية مرسومة بدقة لعلاقة المسلمين مع الغرب، كما ترافقت مع الزيارة البابوية للبنان وإطلاقه الارشاد الرسولي للشرق الأوسط بما يحمل في طياته من معاني السلام بين المسيحيين والمسلمين في الشرق وهي المنطقة المستهدفة بهذا الاستفزاز الذي اريد له عدم القدرة على تحمله أو تجاوزه أو الرد عليه بطرق هادفه.
ان أفضل الطرق لقتل فكرة أو ظاهرة في مهدها هي تجاهلها وعدم اعطائها الفرصة للظهور والانتشار المجاني ، وهذا ما لم نتمكن من فعله، فبالتفكير السليم وعدم الانجرار وراء الانفعال العاطفي كفيلان بالوصول إلى سلوك قادر على الرد المفيد. فعلى سبيل المثال لماذا لا يتم اللجوء لتوكيل منظمة المؤتمر الاسلامي بمتابعة التداعيات ومكافحتها وابتداع الطرق لمواجهتها،كما فعلت مثلا بعد احراق المسجد الاقصى في العام 1969، وكذلك تكليف هيئات من المجتمع المدني في الولايات المتحدة بمتابعة الموضوع قانونيا وكشف خلفياتها.
ولماذا لا يتم مثلا اعادة احياء مؤتمرات حوار الاديان والحضارات والثقافات كمدخل لتعريف الآخر بما في الاسلام من معاني السلام والتسامح وغيره من القيم التي يجهلها أو حتى يتجاهلها بعض من في الغرب. لقد بات ذلك ضرورة واجبة، بعدما برع الكثير من وسائل الاعلام وخبراء الحروب النفسية من استفزاز المسلمين في عقائدهم، فهل يجب الانجرار وراء مخططاتهم.ام ينبغي التعامل معها بوسائل مختلفة؟ عندما قرَّر تيري جونز حرق المصحف الشريف، تم الرد بتوزيع مليون نسخة من ترجمة القرآن الكريم باللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة، بدلا من الانشغال بالشد والجذب مع متعصب بحث عن الشهرة بالتشهير.
ثمة مسؤولية كبرى على من وصل إلى الحكم في غير بلد عربي لمواجهة تلك المحاولات من الإساءات، كما ينبغي عدم التلطي وراء العلاقات التي تسمى جيدة بين تلك القوى والولايات المتحدة الامريكية بهدف التساهل مع الموضوع، ثمة مسؤوليات وواجبات ينبغي التعامل معها بجدية،لأنها لن تكون الأخيرة ، ومن الممكن ان تتكرر في سياقات وظروف مختلفة وتكون تداعياتها أشد أذى وإيلاما.





14‏/09‏/2012

ابعاد زيارة البابا للبنان

ابعاد زيارة البابا للبنان
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 16/9/2012

زيارتان بابويتان نعم بهما لبنان،لكل منها دلالاتها ورمزيتها ، ورغم التقاء الكثير من العناوين فيهما،إلا ان ثمة فوارق كثيرة يمكن ملاحظتها،منها ما يتعلق بالظروف اللبنانية،ومنها ما يتعلق بالظروف الاقليمية.فما هي ابعادها اللبنانية والشرق اوسطية
في العاشر من أيار 1997 اطلق بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني السينودس من اجل لبنان ، وهو عبارة عن ارشاد رسولي لمسيحي لبنان ، وبعد خمسة عشر عاما أطلق البابا بنديكتوس السادس عشر الارشاد الرسولي لمسيحي الشرق الأوسط. بين الارشادين ثمة الكثير من المتغيرات اللبنانية والشرق اوسطية التي فعلت فعلها في المجتمع العربي القائم على التنوع والتعدّد في بعض دوله وبخاصة الشرقية منها.
فلبنان الذي وصف فيما مضى بالرسالة الكونية التي تجمع في طياته الاجتماعية المكونين الاسلامي والمسيحي،كان في العام 1997 خارجا من حرب اهلية اختزلت الكثير من التناقضات الاجتماعية والسياسية والطبقية،فكان الارشاد آنذاك على قياس لبنان ومشاكله المزمنة، والمفارقة هنا ان حيثيات الارشاد بكل تفاصيله رسمت خطوطا عريضة للواقعية السياسية والاجتماعية التي ينبغي على اللبنانيين اتباعه في محاولة لشد اللحمة الوطنية بعد سني قتال مرير، بينما في الواقع لم تكن الحرب بين مسامين ومسيحيين في المعنى العام ، بقدر ما هو نزاع بين افر قاء لبنانيين حول قضايا وطنية وقومية وسياسية واجتماعية تم فيها فرز ذات بُعد طائفي ومذهبي واضح،ساعد الكثير من العوامل الداخلية والخارجية في تظهير تلك الصورة بأبشع مظاهرها.
طبعا نعم لبنان في تلك الفترة اي قبل عقد ونصف من الزمن بفترة ذهبية من العشق الاسلامي المسيحي اذا جاز التعبير، اما اليوم فالمشكلة ليست بالضرورة في لبنان بقدر ما هي المشكلة بما آلت اليه الأوضاع في غير بلد عربي،وبالتالي بات الارشاد الحالي اوسع نطاقا وأكثر إبعادا. فالحراك العربي قلب انظمة وضعضع سلطات كثيرة، وأوجد حالة من الخوف لدى بعض المسيحيين في الشرق ، ورغم عدم دقة التوصيف،فالخوف هنا يشمل المسلمين كما المسيحيين على مستقبلهم في ظل انظمة لا زالت تتمايل دون ان تستقر على بر ما.
بداية كان الأمر مع مسيحي العراق،والآن ما يروّج لمسيحيي سوريا ولبنان وغيرهما ، وبصرف النظر كما اسلفنا عن دقة التوصيف ونوعية الخوف ومبرراته اذا وجدت ، ثمة تصوّر شائع في مشرقنا العربي مفاده تعاظم الخوف على مسيحيي الشرق من بعض الذين اسموهم متطرفين، إلا ان الواقع مختلف تماما والخوف هنا يشمل الجميع اقليات كانت أو اكثريات، بخاصة ان ثمة الكثير من الشائعات التي تروّج ان سقوط الانظمة سوف يؤدي إلى جولات عنف طائفية ومذهبية هنا أو هناك.
ان الارشاد البابوي بنسخته المنقحة والمزيّدة لا شك هو انعكاس لواقع موجود ينبغي الاعتراف ببعض جوانبه،وهو تعبير يغطي مساحات كبيرة من عالمنا العربي،ويحمل في ثناياه ما يشبه الوصايا العشر لسيدنا المسيح،في مشرق يشهد متغيرات متسارعة من الصعب استيعاب ابعادها بسهولة والاتقاء من تداعياتها.
الزيارة الثانية لبابا الفاتيكان للبنان ، لها من الابعاد المعنوية الكثير الدلالات الرمزية وبخاصة للكنيسة المشرقية الارثوذكسية التي تتخذ من دمشق مقرا لها ، سيما ما يمر به الشعب السوري مسلميه ومسيحييه من آلام درب الجلجلة،التي ينبغي ان تتوّج بإرشاد شعبي يكون بمثابة البوصلة السياسية لكل من يتوق لحياة كريمة.



08‏/09‏/2012

واقع العلاقات الايرانية المصرية ومستقبلها

واقع العلاقات الايرانية المصرية ومستقبلها
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 10/9/2012


غريب المصادفات ان تشكل قمة عدم الانحياز مناسبة للقاء رئاسي مصري إيراني على قاعدة التسلم والتسليم، ورغم كل ما بين البلدين من حالات شد وجذب،وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية،ثمة ما يلامس العلاقات نوع من الحذر المتبادل للعديد من الخلفيات والأسباب. فهل يمكن لكل من طهران والقاهرة القراءة في كتاب واحد؟ ام ان ثمة معوقات لذلك؟
في المبدأ حكمت شعارات الثورات في كلا البلدين نوعا من القراءة المختلفة للسياسات الاقليمية وبخاصة قضايا الصراع العربي الاسرائيلي والأحلاف التي انشأت في المنطقة. فثورة 1952 الناصرية كانت سببا لاهتزاز العلاقة ابان حكم الملكيات في الدولتين، وشكل اعتراف ايران الشاه بإسرائيل في العام 1960 قطيعة دبلوماسية، ما لبثت ان عادت إلى طبيعتها ابان حكم الرئيس انور السادات بحكم صداقته للشاه.لم يدم الوقت طويلا حتى أقدمت طهران على قطع العلاقات الدبلوماسية من طرفها بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد،وافتتاح سفارة فلسطين في مقر السفارة الاسرائيلية في طهران، ما لبثت ان توترت العلاقات أكثر فأكثر مع اطلاق اسم خالد الاسلامبولي قاتل انور السادات على احد شوارع طهران.
ونتيجة الشد والجذب الدائم بين البلدين، استطاعت ايران المضي في سياسات برغماتية لا مبدئية،فأحسنت استخدامها في العديد من الملفات ذات الصلة بالبلدين، وتوِّجت بتوقيع اتفاق للنقل بين الطرفين في العام 2012، وعلى الرغم من ان التبادل التجاري بين الجانبين ليس بذات قيمة عملية بالنظر إلى حجم الناتج المحلي لكلا الاقتصادين،فان هذه القاعدة التجارية يمكن ان يؤسس عليها مستقبلا، فعلى سبيل المثال فقد وصل حجم الاستثمارات الإيرانية في مصر الى 331 مليون دولار من خلال 12 شركة منذ عام 1970 وحتي عام 2010 .
وعلى الرغم من التغيرات التي طرأت في مصر مؤخرا والتي تعتبرها طهران إيجابية ثمة معوقات يمكن ان تسهم في عدم تسريع اقامة علاقات طبيعية،ومنها أولا ان طبيعة النظامين السياسيين في كلا البلدين يرتكزان على ايديولوجيات مختلفة نسبيا، وذات نوازع سياسية مختلفة ومتباينة،ابرزها قضية العلاقة مع اسرائيل ومعاهدة كامب ديفيد، كما السياسيت الخارجية للعديد من ملفات المنطقة. وثانيا،سياسة الخوف والحذر المتبادل والدائم الحضور،حيث تجلت مؤخرا بطرد الدبلوماسي الايراني من القاهرة على خلفية تجسس مزعومة،ما آثار حفيظة طهران وقيامها بخطوات وسلوكيات تنم عن رغبة في عدم الاندفاع تجاه الآخر. وثالثا يعد استمرار السياسات الأمريكية الضاغطة على صناع القرار في مصر واستجابتهم لها من أهم العوامل التي تراها طهران سببا مباشرا في إعاقة عودة العلاقات مع مصر. إذ إن ما يعنيه هذا الاستمرار في الاستجابة للضغوط الغربية هو منح المزيد من الدعم الأمني المقدم لإسرائيل من ناحية، والضغط على حلفائها في المنطقة من ناحية أخرى، بخاصة في حال استمرار تردي الوضع الأمني الداخلي في مصر، وامتداده إلى سيناء التي تعد بالنسبة لواشنطن محددا استراتيجيا للتوازن العسكري بين مصر وإسرائيل. ولذلك، يكمن الخطر هنا من وجهة النظر ألإيرانية في احتواء الغرب، ممثلا في الولايات المتحدة ، للثورة المصرية ، والعودة مجددا الى السياسات السابقة التي تدفع باتجاه التباعد بين إيران ومصر.
وعلى الرغم من تلك المعوقات، فالعودة الى سياسات التوتر والتصعيد أمر مستبعد بين البلدين، بالنظر الى السياسات البرغماتية التي تنطلق منها كل من طهران والقاهرة علاوة على التغيرات الحاصلة في هذه الأخيرة.
ان عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وضمان حد أدنى من التعاون ، يمكن أن يلعب فيه الاقتصاد دور القاطرة، بالنظر الى حاجة كل منهما للآخر اقتصاديا. كما يمكن أن يشهد هذا السيناريو تنافسا سياسيا في المنطقة ، إذ إن تعاون كل من مصر وإيران ودخولهما عصرا جديدا من العلاقات الدبلوماسية الطبيعية لن ينهي بالضرورة تطلع كل منهما للعب أدوار اقليمية بارزة، وهو ما ستتحكم فيه بطبيعة الحال المصالح الملحة لكلا الطرفين.
ان المواقف المعلنة للرئيس المصري في خطابه في قمة عدم الانحياز،وبخاصة الموقف من الأزمة السورية،لم يستفز ايران التي تربطها علاقة استراتيجية بسوريا، ما يعني ان طهران لا زالت تتخذ مواقف مرنة باتجاه القاهرة وهي راغبة بتطوير العلاقات اذ لم يدخل على الخط طرف ثالث،وهو امر معتاد ومتوقع في مثل تلك الحالات والظروف.










01‏/09‏/2012

حتى لا تنحاز حركة عدم الانحياز

حتى لا تنحاز حركة عدم الانحياز
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 31/8/2012

عقدت القمة السادسة عشرة لحركة عدم الانحياز وسط تحديات ومتغيرات هائلة ضربت عصب الكثير من الدول المؤسسة لها،وعلى الرغم من اجتماع 120 دولة،أي ما يوازي تقريبا ثلثي دول الامم المتحدة،بدت اجتماعاتها اقرب الى حفلة علاقات عامة تقيمها بعض الدول المشاركة فيها،بهدف ايصال رسائل من هنا او هناك لهذا الطرف او ذاك.
وبصرف النظر عن حجم الإخفاقات والنجاحات التي مرّت بها حركة عدم الانحياز،ينبغي التوقّف ملياً عند الكثير من الأسباب الذاتية والموضوعية التي آلت إليها الحركة،بهدف وضع مقترحات وتصورات تُسهم في إعادة تفعيلها ووضعها في مصاف المنظمات الدولية التي يُعوّل عليها في عصرنا الراهن،إذ أنَّ الاتجاه العام في سياق النظام الدولي القائم هو تهميش التجمّعات والمنظّمات التي لا تتماشى ولا تساير القوى الفاعلة فيه، ومن هذا المنطلق نرى وجوب وضع رؤية إستراتيجية متكاملة لمستقبل الحركة ، ودورها على المسرح الدولي تتضمن المزيد من الأفكار والطروحات في مختلف مجالات عمل الحركة ،‏ بما في ذلك القضايا الأمنية والسياسية كنزع السلاح ، وضبط التسلح ، والموضوعات الاقتصادية كالتعامل مع الأزمة المالية العالمية ، وتداعياتها على الدول النامية ، والملفات الاجتماعية ، والثقافية ، والقانونية ، بما في ذلك مسائل حقوق الإنسان ،والحراك الشعبي في غير دولة فيها، وحوار الحضارات‏ .
ثمة ضرورة ملحة لتطوير وتحسين أساليب العمل عبر إجراء مراجعة شاملة لدورها ، وهياكل عملها ومناهجها بهدف مواكبتها لمقتضيات العصر ومتطلبات المتغيرات والمستقبل ، بما يمكّنها من امتلاك القدرات بهدف الدفاع عن مصالحها وتبوأ موقع الصدارة في قيادة الأمم المتحدة ، وفي النظام الدولي القائم.
كما ينبغي إعطاء الأولوية للتعاون في المجالات التي من شأنها رفع معدلات التنمية في دول الحركة ، وتعزيز التعاون فيما بين الدول النامية ، والسعي لتقريب مواقفها ، وتحقيق مصالحها المشتركة بما يؤدي إلى تدعيم المواقف التفاوضية لدول الحركة ، وتفادي تهميش دورها على الساحة الدولية؛ إذ ثبت أن التعاون الاقتصادي والتنموي يعتبر من أنجع السبل لتحقيق التكامل السياسي اللاحق.
كما يجب توحيد صفوف الدول النامية بشكل عام ، ودول الحركة بشكل خاص ، وتعزيز تماسكها وتضامنها ، والعودة من جديد للتحدّث والتفاوض ككتلة واحدة ، وإدراك أنَّ ما تخسره من تفككها يفوق كثيراً أية مكاسب فردية يمكن لأي منها تحقيقها سواءً على المدى القريب ، أو المتوسط .
ان ابرز ما يجب العمل عل تحقيقه ، قيام دول الحركة بجهد جماعي منظم على مستوى الأمم المتحدة بهدف استصدار قرار من الجمعية العامة يحظر استخدام الفيتو في حالات الإبادة الجماعية ، أو الجرائم ضد الإنسانية ، أو للحيلولة دون وقف إطلاق النار في النزاعات المسلحة ، مع تمكين الجمعية العامة - إذا ما تقاعس المجلس عن القيام بمسؤولياته، من استرداد ما أوكل به المجلس من مسؤولية ، والتدخّل بنفسها للحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، باعتبار ذلك اختصاصاً أصيلاً لها ، وفقاً لنصِّ المادة (24) من ميثاق الأمم المتحدة.
ان ما يعزز وضع الحركة، هو التنسيق المستمر بين حركة عدم الانحياز والهياكل ، والأطر المؤسسية التي تدافع عن مصالح دول الجنوب ، وتتحدث باسمها في كافة المحافل والمنتديات الدولية ، منعاً للازدواجية في العمل ، وتضارب الاختصاصات على النحو الذي يضعف هذه الأطر، ويفقدها دورها .
كما ثمة حاجة ملحة لتعزيز التكامل الإعلامي بين دول الحركة ، وتضييق الفجوة النوعية بين دول الشمال والجنوب ، ودعم قدرات الدول النامية من خلال نقل التكنولوجيا ، والمعرفة للوصول إلى نظام إعلامي دولي جديد قائم على احترام حرية التعبير ، وحرية الإعلام ، وحق الإعلاميين في أداء مهامهم في ظلِّ احترام قيم وخصوصية كل مجتمع.
كما ان هناك ضرورة لصياغة رسالة إعلامية دولية هادفة وموضوعية، وأكثر قدرةً على التعريف بدورها، وباحتياجات شعوبها ودولها، وتعزيز جهود الحوار والتفاهم بين الحضارات والثقافات المختلفة، بخاصةً مع ما تتعرض له دول الحركة من حملات موجهة ومنافسات احتكارية شديدة في مجالات متعددة ومتنوعة.
وفي أي حال ، ربما الظروف التي عقدت فيها هذه القمة هي أكبر من قدرة الحركة على حلها او التخفيف من تداعياتها، الا ان الملفت في بعض ملفاتها، ظهور الحركة بمظهر المنحاز الى انظمتها بدلا من الانحياز الى قضايا شعوبها، التي تعتبر من أبرز المبادئ التي قامت عليها الحركة منذ نشأتها.