25‏/10‏/2010

هل ستعيد الفرنكوفونية أمجاد فرنسا الضائعة؟

هل ستعيد الفرنكوفونية أمجاد فرنسا الضائعة؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
ثمة العديد من التجارب الإقليمية والدولية ظهرت في العقود الماضية ،والتي هدفت بشكل أو بآخر إلى تعويم ادوار إمبراطوريات سادت ثم بادت.فكانت تجربة الكومنولث البريطاني والكومنولث الروسي، وبينهما الفرنكوفونية، التي جهدت فرنسا منذ إنشائها إلى تظهير الثقافة الفرنسية وحضارتها كإطار جامع للعديد من الدول والشعوب التي كانت يوما تحت احتلالها أو وصايتها أو انتدابها.فهل نجحت فرنسا في هذه المحاولات ؟وما هو الجديد التي أتت به القمة الثالثة عشرة؟.
في إطار عمل المنظمات ذات الطابع الإقليمي أو العالمي، ثمة مصاعب كبيرة لتقريب ذات البيّن،فعشرات المنظمات أطلقت وحلت ولم يذخر تاريخها بأمر يذكره التاريخ،وهذه المقاربات لا تعني بالضرورة تشاؤما مطلقا بقدر ما هو توصيف واقعي لعلاقات شهدتها هذه المنظمات ومن بينها منظمة الفرنكوفونية.
أربعون عاما مضت على تأسيسها،حتى بلغ عضويتها 53 دولة إي ما يقارب ربع دول العالم، ورغم هذا العدد الكبير نسبيا،لم يبلغ عدد المتكلمين اللغة الفرنسية أكثر من 220 مليون نسمة،من بينهم 65 مليون فرنسي.وغريب المفارقات في هذا التعداد،ان ثمة تقارير تفيد ان نصف سكان فرنسا يستعملون اللغة الانكليزية بدلا من الفرنسية في يومياتهم المعتادة،فهل هذه الإحصاءات تفيد أحد ى أهداف وغايات المنظمة؟
واقعا ان التعويل على قضايا رومانسية اذا جاز التعبير في العلاقات السياسية الدولية يعتبر ضربا غير قابل للصرف السياسي في مواقع النظام الدولي التي حلمت به فرنسا وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية.وإذ حاولت الاجتهاد في هذا الإطار وفشلت عموما،فكان لها كلام آخر يعوّض عليها بعض الفشل الذي ظهر في مشروع الاتحاد المتوسطي على سبيل المثال لا الحصر.
وبصرف النظر عن حجم النجاحات والفشل،تبقى القمة الأخيرة بمثابة إعادة التذكير بالوجود ولو من باب شعارات سياسية واقتصادية غالبا لم يكن لها نهايات سعيدة.فالحوكمة والأمن في الدول الأفريقية هي محاولات على جدول أعمال تكرر أكثر من مرة ولم يظهر فيه أو بعده نتائج مستمرة وقابلة للحياة،ذلك ليس بفعل عدم الرغبة بقدر ما هو متعلق بعدم القدرة. ففرنسا بمختلف توجهاتها السياسية في مختلف العهود الرئاسية المتعاقبة لم تتمكن من تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من القضايا الدولية ذات الفعل الوازن في الحياة السياسية الدولية، وثمة العديد من ظرفاء العلاقات الدولية ،أطلقوا على الحراك الفرنسي حراكا مشاغبا،الذي لم يقدم أو يؤخر في القضايا ذات الصلة بالموازين الدولية.
لقد أتت القمة في ظروف دولية استثنائية من الصعب القفز فوقها بتوصيات تكررت في الأدبيات السياسية الفرنكوفونية منذ أربعين عاما. وتركت محاولات التنفيذ لآليات ووسائل وطرق غير قابلة للوصول إلى مكان محدد.
فكيف يمكن تحقيق مطلب الدول الأفريقية بتمثيلها في مقعد دائم في مجلس الأمن باعتبارها تضم 27 بالمئة من تعداد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولا تملك سوى ثلاثة مقاعد غير دائمة في المجلس. فهل التعداد هو المقياس أم الفعالية،ام القدرة على التنفيذ طبعا أسئلة كثيرة توجّه إلى فرنسا صاحبة المصلحة الأولى والأخيرة في إبراز دور الفرنكوفونية ومن يدور في فلكها.
جانب آخر في حراك القمة وفعالياتها والمتعلق بالإرهاب ومكافحته مثلا ، كيف يمكن مساعدة هذه الدول وبخاصة الأفريقية في هذا المجال، هل عبر المساعدات التنموية والاقتصادية التي تعتبر البيئة الفعّالة للقضاء على بؤر الإرهاب؟ أم عبر ترك هذه الشعوب تقرر مصيرها فعلا وهو مدخل أساسي في الذاكرة الجماعية لهذه الشعوب؟في كلا الحالتين، ثمة إهمال وفي أحسن الأحوال وعود ووعود لم ينفذ منها شيئا.
عنوان برّاق آخر متعلق بالبيئة وظروف الحد من تداعياتها السلبية وبخاصة في الدول الأفريقية، ألم تكن القارة السمراء مرتعا للتجارب الفرنسية وغيرها من الدول ومكانا ملائما ومناسبا للنفايات الدولية عبر عقود مضت؟ كيف يمكن حل هذه القضايا الشائكة ؟هل بالتوصيات والبيانات أم بالتمويل المناسب الذي يحل آثار المشكلات أولا ومن ثم الإقلاع عن المشاريع ثانيا؟!.
سوف تترأس فرنسا الشهر المقبل الحراك السياسي لمجموعة العشرين ،المجموعة التي لها القول والفصل في المسائل الدولية ومن بينها المالية والاقتصادية، فأين موقع الدول الفرنكوفونية في هذا التجمع؟ هل سيكون كما سبق من اجتماعاتها وتوصياتها مجرد وعود غير قابلة للتطبيق؟. مليارات الدولارات رصدت حبرا على ورق لمساعدة الكثير من التجمعات الإقليمية من بينها الفرنكوفونية ، ينبغي على فرنسا قراءة موقعها الدولي بشكل مختلف أو على الأقل معرفة ماذا تريد وكيف يمكن ان تصل إلى ماذا تريد.
وبالعودة إلى لغة الصالونات والمنتديات الدبلوماسية اللغة الفرنسية، هل مصادفة ان نصف الفرنسيين باتوا غير مهتمين بلغتهم ؟ ولماذا هذا التراجع الهائل بين تعداد متكلميها؟ اللغة الفرنسية تمتلك من الرشاقة والسلاسة التي تغري كل مثقف وباحث ورجل فكر وسياسة، لكن المشكلة لا تكمن في طبيعة اللغة نفسها بقدر ما تكمن في قوة الدولة التي تمثلها. ربما تكون النصيحة السياسية باتت قدرا من الماضي بالنسبة للفرنسيين ومنظمتهم التي باتت لا تسمن ولا تغني عن جوع بالنسبة لدولها وأيضا لمن يتابع شؤونها وهمومها.
أربعون عاما في بيئة العلاقات الدولية كافية للحكم على مسار معين، فهل ستحال الفرنكوفونية على التقاعد قريبا؟ أم ان قدرها ان تبقى كذلك؟ ثمة محاولات فرنسية رديفة تعمل عليها ومن بينها الاتحاد من اجل المتوسط،السؤال الأهم الذي يطرح نفسه،هل سيلقى الاتحاد مصير الفرنكوفونية لاحقا؟ أم ان لفرنسا قراءة أخرى في ذلك؟ القراءة المختلفة شرط ضروري ولازم للتغيير، لكن العزم والقدرة على التنفيذ تظلان من بين أبواب النجاح الذي لا يُفتح دائما للدول المترددة!

24‏/10‏/2010

القمة السعودية السورية ووأد الفتنة في لبنان

القمة السعودية السورية ووأد الفتنة في لبنان
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
www.khalilhussein.blogspot.com

رغم قِصر ما استغرقته القمة تبقى موضوعاتها وتوقيتها وما دار فيها من أهم القمم المعقودة بين البلدين، إذ تأتي في أعقاب قمة لبنانية إيرانية قيل فيها الكثير،علاوة على ظروف المنطقة الدقيقة،وما ينتظر من تداعيات الملفات الكثيرة التي تعج فيها وحولها. استثنائية القمة تأتي في سياق ترتيب ملفين عربيين حساسين لبنان والعراق.ففي الملف اللبناني ثمة العديد من القضايا وأبرزها ملف المحكمة الدولية والقرار الظني المزمع إصداره وما يمكن أن يشكل من تداعيات سلبية وفي طليعتها إشعال فتنة سنية شيعية لن يكون لبنان وحده أتون لها.فما الذي حصل قبلها؟ وما هي الآليات الممكنة لتنفيذ ما هو مبتغى منها؟
بداية تهيأت في الواقع البيئة السياسية الإقليمية لانعقاد القمة في الأسلوب الذي اتبعه الرئيس الإيراني احمدي نجاد في زيارته للبنان. فقبل بدء زيارته أجرى اتصالين مهمين،الأول بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله،والثاني بعاهل الأردن الملك عبدالله،وفي ذلك دلالات رمزية بالغة الأهمية. الأولى مفادها أن سقف زيارته للبنان لن يتعدى التفاهم السعودي السوري على مجمل ملفات لبنان وبخاصة ما تم الاتفاق عليه سابقا في القمة الثلاثية التي جمعت الملك عبدالله والرئيسين السوري واللبناني بشار الأسد وميشيل سليمان في بيروت.والاتصال الثاني والذي يعتبر رسالة إيرانية واضحة إلى كل من مصر والأردن بأن زيارة لبنان لا تهدف إلى دعم فئة لبنانية على أخرى،أو إشعال عواطف ومشاعر تغذي احتقانا لبنانيا مشتعلا منذ فترة،بل الهدف منها كان محاولة الانضمام إلى مسار توفيقي يمكن لإيران أن تلعب دورا مهما فيه،ذلك برز بشكل واضح في مجمل مواقف الرئيس الإيراني في لبنان والتي كانت بمجملها جامعة.
ومن الثابت أن المملكة العربية السعودية قد قامت بجهد كبير في الفترات الماضية لمحاولة احتواء أي تداعيات للقرار الظني المنتظر عبر محاولتها فعل شيء ما لدى الدول المعنية أو على الأقل المؤثرة بالموضوع ومنها الولايات المتحدة وفرنسا،ويبدو أنها لم توفق بذلك،وعلى الرغم من ذلك تتابع المملكة بشخص ملكها متابعة الملف مع الرئيس السوري لإيجاد مخرج يبعد شبح الفتنة عن لبنان.
وفي الواقع أيضا، وبصرف النظر عن قدرة ذاك الطرف أو ذاك على التأثير في مسار المحكمة وقرارها الظني ،ثمة قناعة سعودية سورية أن مسار المحكمة الحالي لن يساعد لبنان على تخطي متاعبه القاتلة،ومن هنا تأتي القمة في هذه الظروف بالذات لتتوج بدء المسار في إيجاد حل ممكن قوامه العمل على التأثير في آليات عمل المحكمة بدلا من اللجوء إلى الدول المؤثرة فيها.
في السابق طرح بعض القانونيين والسياسيين اللبنانيين التأثير في عمل المحكمة عبر الضغط باتجاه تمويلها،وفي الواقع يعتبر هذا الإجراء خاطئا،باعتبار أن التمويل يمكن ن يتأمن بصرف النظر عن مشاركة لبنان به أم لا،علاوة على تداعيات ذلك على علاقة لبنان بمجلس الأمن.لذا يبدو أن ثمة سيناريوهات يتم الإعداد لها بعد بحثها في لقاء القمة السعودي السوري.
أولا،ينبغي إيجاد البيئة القانونية المناسبة للمضي في قضية شهود الزور أمام القضاء اللبناني،بصرف النظر عن الجهة تحديدا أكان المجلس العدلي أو المحاكم الجنائية العادية،ويترافق ذلك مع نقل هذا الملف من أمام القضاء السوري إلى عهدة القضاء اللبناني.إن ذلك الإجراء يعني تهيئة البيئة القانونية المناسبة للطلب إلى المحكمة الخاصة بلبنان تأجيل النظر في القضية الأساسية ريثما يتم النظر بالقضية الفرعية الناشئة عنها،وهو مسار قانوني شرعي متعارف عليه في مجمل الأنظمة الفقهية والقانونية المختلفة في العالم. أما المسار الآخر الذي يمكن ولوجه حاليا، وهو متوفر أيضا، ويرتبط باتخاذ قرار سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة. وثمة قرينة قانونية يمكن الارتكاز عليها،مفادها أن احد المدعين العامين للمحكمة وهو قاض لبناني يعتبر محل خصومة مع احد الضباط الأربعة المفرج عنهم،علاوة على تنحي القاضي كاسيزي طواعية عن المحكمة للسبب عينه.
إذن،ثمة بيئة قانونية مؤاتية للولوج في هذه الخيارات المتاحة،فهل سيتمكن الطرفان السعودي والسوري الدفع باتجاه تلك الخيارات الحلول،في الواقع إن قدرة الطرفين على التأثير في السلوك السياسي للأطراف اللبنانيين كبيرة ومؤثرة،سيما وان الوضعين اللبناني والإقليمي بات من الخطورة بمكان أن يشعل فتيل فتن في المنطقة ليس لأحد قدرة على استيعاب تداعياتها ونتائجها.
لقد بات التفاهم السعودي السوري ركنا ضامنا للاستقرار في لبنان،وركيزة أساسية من ركائز المظلة السياسية المطلوبة للواقع اللبناني الدقيق.علاوة على ذلك أن كثيرا من المعطيات الإقليمية تدعم هذه الاتجاهات ومن بينها الموقف الإيراني الذي تجلى بزيارة أحمدي نجاد إلى إلى لبنان علاوة على مواقف إيران الايجابية من موضوع المفاوضات مع الخمسة زائد واحدا الشهر القادم حول البرنامج النووي، مرورا بتفاهم الكونسورتيوم الإقليمي ( إيران تركيا السعودية مصر الأردن) المتفهم للواقع اللبناني الدقيق،وصولا إلى إحساس اللبنانيين بأن خطرا كبيرا محدقا بهم وعليهم مساعدة أنفسهم قبل غيرهم. كل ذلك يشكل بيئة ضامنة لإنجاح ما دار في القمة الثنائية،ويبقى تفاصيل المضي بها معقودة على اللبنانيين أنفسهم.هذا اذا ما استبعدنا ما يمكن أن ينتج عن زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي جيفري فيلتمن المتزامن مع القمة إلى كل من الرياض وبيروت.
ثمة قول مأثور طالما أطلقه العرب والمسلمين،الفتنة أشد من القتل، لقد قُتل في حروب داحس والغبراء اللبنانية مئات الآلاف، فهل يعي اللبنانيون أن ما ينتظرهم هو أشد مما أصابهم؟ إن وأد الفتنة بات مطلبا لبنانيا محقا،وعلى إخوانه العرب أن يساعدوه على تجاوز أزمته.

12‏/10‏/2010

تقرير وزير العدل اللبناني حول شهود الزور في اغتيال الرئيس الحريري

تقرير وزير العدل اللبناني حول شهود الزور في اغتيال الرئيس الحريري






لن يمر التقرير المنتظر لوزير العدل ابراهيم نجار حول شهود الزور مرور الكرام، ذلك أن قضية بهذا الحجم السياسي، لن تكون مقاربتها القضائية ـ السياسية، من قبل وزير من لون سياسي معين، محور إجماع وزاري، وهو الأمر الذي بدأت تظهره ردود الفعل الأولية على التقرير.
وفيما لاقى التقرير بعض استحسان فريقي الأكثرية والمعارضة، فإن بعض الشخصيات القانونية المعروفة بتاريخها الناصع، قاربت الموضوع بلغة نقدية، منطلقة من حيث الشكل أولاً، لجهة تكليف ابراهيم نجار، نفسه بإعداد التقرير المذكور، وهو أمر كان يجب أن يخضع للتدقيق، ليس إنقاصاً من كفاءة الرجل المشهود له بعلمه وثقافته وخبرته، قبل الوزارة وبعدها، بل لأنه هو نفسه يدين بتوليه هذا المنصب السياسي (الوزير منصب سياسي بامتياز بعد الطائف) لحزب «القوات اللبنانية» وهو يجاهر صراحة بهذا الأمر، وإلا «لما كان لي نصيب الوزارة».
ومن الشكل، وهو مهم، الى المضمون، حيث اختار ابراهيم نجار، طريقاً لمقاربة الموضوع، جعله يداري في السياسة «فريقه» من دون أن يقطع مع الفريق الثاني، بعدما تبين له أن المعارضة تعول كثيراً على أن يكون امتحان شهود الزور، اختباراً حقيقياً لقدرته على رسم مسافة عن «القوات» التي اختارته لهذه الوظيفة الحكومية.
وأثناء سلوكه هذا الدرب المتعرج بالحسابات الشخصية والسياسية، الآنية والمستقبلية، كان لا بد أن تكون المحصلة، متضمنة كل شيء وفي الوقت نفسه الـ«لا شيء». نعم «ضربة على الحافر وضربة على المسمار» كما يقول المثل.. وبدا أن الوزير نجار تعمد بعض الصياغات التي يريد من خلالها أن يدلل الى تشعب وتعقد وغير ذلك من العبارات التي تبين صعوية المهمة المسندة اليه، كما لمن يريد أن يقارب الملف لاحقاً، لتأتي لاحقاً عملية تحديث التقرير الذي كان يفترض أن يكون منجزاً منذ نحو شهر ونصف الشهر، فيصبح الواضح في التقرير معقداً والمعقد أكثر تعقيداً.. من خلال اللغة التي لم تتسم بها نصوص وزير العدل نفسه من قبل.
ومن تابع من زملائه في العدلية «التحديث»، تبين له أن الفقرة الخامسة، بعنوان: «في إجراءات طارئة لا بد من ذكرها» والتي تضمنت ملابسات استدعاء اللواء جميل السيد المحكمة الدولية الخاصة ورد المدعي العام القاضي دانيال بيلمار عليه ومن ثم قرار قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، وصولا الى الرأي الذي أعلنته الدائرة القانونية في الأمم المتحدة (قال نجار في تقريره «وردت أنباء صحافية» أن كذا وكذا...) والمذكرات السورية، ليخلص أيضا كما في أكثر من مكان، الى مدى «تشعب» النظر بالشكوى!
وبدل أن يكون غرض التحديث هو التسهيل، بدا أن الملف دونه تعقيدات قد تعيق ملاحقة شهود الزور، علماً أن نجار نفسه يدرك أن جريمة شهادة الزور تتوقف على مضمونها ونتائجها وتداعياتها، وهو أمر يقود الى الاستنتاج الذي توصل اليه بلغة جازمة حول عدم صلاحية المجلس العدلي النظر في القضية، علماً أن خير دليل على اختصاص المجلس العدلي ما قاله رئيس الحكومة لصحيفة «الشرق الأوسط»، حرفياً من أن «هناك أشخاصاً ضللوا التحقيق، وهؤلاء ألحقوا الأذى بسوريا ولبنان، وألحقوا الأذى بنا كعائلة الرئيس الشهيد (رفيق الحريري)، لأننا لا نطلب سوى الحقيقة والعدالة، ولم نطلب أكثر من ذلك. وشهود الزور هؤلاء، خربوا العلاقة بين البلدين وسيسوا الاغتيال. ونحن في لبنان، نتعامل مع الأمر قضائياً».
هذا المقطع الصادر عن مرجع سياسي لبناني كبير، كفيل بالتدليل على ما تسبب به شهود الزور من نتائج خطيرة وإضرار بعلاقات لبنان وبتسييس الجريمة مع ما يمكن أن تشكله من خطر على الوحدة الوطنية واستجلاباً للفتنة الخ... فهل اطلع الوزير نجار على مقابلة رئيس الحكومة أم أنه اكتفى فقط بالاطلاع على التقارير الصحافية حول رأي الدائرة القانونية في الأمم المتحدة؟
ولعل اهم ما حسمه نجار في تقريره هو قطع الطريق على الإحالة الى المجلس العدلي، ذلك أنه هو صاحب الصلاحية في الأمر، فالإحالة تتم من مجلس الوزراء بناء على طلب وزير العدل، لكن عندما يصدر الوزير المعني هذا الموقف، ما هي الرسالة التي يريد أن يوصلها الى مجلس الوزراء ولماذا قرر بخلاصته قطع الطريق؟
يذكر أن نجار خلص في تقريره المرفوع الى جلسة مجلس الوزراء غداً، الى «ان اختصاص القضاء اللبناني قائم لقبول الادعاء» في هذا الموضوع، وأنه «يعود للقضاء اللبناني باستقلال كامل عن السلطة التنفيذية تقرير ما اذا كان يتوجب السير بالدعوى او استئخارها ريثما يصدر القرار الظني (عن بيلمار)».
وينطلق نجار في تقريره من اعتبار أن المهمة التي كلفه بها مجلس الوزراء هي مهمة قانونية، لا سياسية، وأنه التزم دوره «كوزير للعدل في إطار المهمة المكلّف بها وعلى استقلال القضاء الذي له الكلمة الفصل في نهاية الأمر»، مع الأخذ في الاعتبار المبادئ الآتية:
أ ـ مبدأ فصل السلطات، لا سيما الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
ب ـ مبدأ استقلال القضاء المنصوص عليه في الدستور وقانون أصول المحاكمات المدنية.
ج ـ احترام الاتفاقات الدولية، لا سيما الاتفاق المعقود بين لبنان والأمم المتحدة حول تشكيل محكمة خاصة بلبنان.
د ـ مبدأ سرية التحقيق استناداً الى المادة 53 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
وتضمن تقرير نجار التبويب الآتي:
اولاً، في الوضع الإجرائي والقضائي.
ثانياً، في تحديد شهود الزور والنظام الذي يسري على ملاحقتهم.
ثالثاً، في الصلاحية الإقليمية وفقاً لأحكام المادة 15 وما يليها من قانون العقوبات اللبناني.
رابعاً، في أن قرار السير بالشكوى يعود لسلطان القضاء المختص.
خامساً، في إجراءات طارئة لا بدّ من ذكرها.
سادساً، في صلاحية المجلس العدلي.
وفي ما يلي نص التقرير:


أولاً: في الوضع الاجرائي والقضائي
ألف: في الوضع الاجرائي والقضائي في لبنان
من أجل توفير المعلومات الرسمية عما تمّ اتخاذه من اجراءات قضائية في لبنان بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وبالتحديد منذ 1/ 9/ 2005، نرفق ربطاً لائحة بالملاحقات التي حصلت وببعض الملاحظات عليها، كما وردتنا من الجهات القضائية المختصّة (المستند رقم 3)، وهذه خلاصتها:
1- الاجراءات حتى تاريخه
1- في تاريخ 22/ 2/ 2005، تقدّم المدعي العام بادعاء أساسي ضد مجهول بموجب المواد 270، 271، 314، 549، 549/201 من القانون الجزائي اللبناني والمواد 2، 4، 5 و6 من القانون الصادر في 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من القانون حول الأسلحة والذخائر.
2- في تاريخ 7/ 4/ 2005، تمّ الادعاء بحق:
- حسام علي محسن
سنداً الى المواد 270، 271، 314، 549/201 من القانون الجزائي اللبناني والمواد 2، 4، 5 و6 من القانون الصادر في 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من القانون حول الأسلحة والذخائر.
3- بتاريخ 7/ 4/ 2005، تمّ الادعاء بحق:
- اسامه كنفاني
سنداً الى المواد 270، 271، 314، 549، 549/201 من القانون الجزائي اللبناني والمواد 2، 4، 5 و6 من القانون الصادر في 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من القانون حول الأسلحة والذخائر.
4- في تاريخ 1/ 9/ 2005 وبناءً لتوصية من لجنة التحقيق الدولية تمّ الإدعاء بحق كل من: اللواء الركن جميل محمد السيّد، اللواء علي صلاح الدين الحاج، العميد ريمون فؤاد عازار، العميد مصطفى فهمي حمدان. سنداً الى المواد 270 و271 و314 و549 و549/201 من قانون العقوبات، والمواد 2 و4 و5 و6 من القانون الصادر بتاريخ 11/ 1/ 1958 والمادتين 72 و76 من قانون الاسلحة والذخائر.
وقد تمّ الإفراج عن الضباط الأربعة من المحكمة الخاصة بلبنان بموجب قرار صادر في 29/ 4/ 2009.
5- وفي تاريخ 19/ 9/ 2005 تمّ الادعاء بحق كل من: مصطفى طلال مستو، أيمن نور الدين طربيه، ماجد حسن الاخرس، رائد محمد فخر الدين سنداً الى المواد 398 و471 و471/454 و219 من قانون العقوبات.
6- وفي تاريخ 28/ 9/ 2005 تمّ الادعاء بحق: فادي الياس النمار. سنداً الى المادة 408 من قانون العقوبات.
7- وفي تاريخ 5/ 10/ 2005 تمّ الادعاء بحق: ماجد غسان الخطيب سنداً الى المواد 398 و471 و471/454 من قانون العقوبات.
8- وفي تاريخ 13/ 10/ 2005 وبناءً على ملف التحقيق المسلم الى المدعي العام التمييزي من قبل لجنة التحقيق الدولية تمّ الادعاء بحق: زهير محمد سعيد الصديق بجرائم التحريض والاشتراك مع آخرين في التخطيط والتنفيذ لجريمة اغتيال دولة رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري ورفاقه، سنداً للمواد 270 و271 و314 و549 و549 /201 عقوبات وبالمواد 2 و4 و5 و6 من قانون 11 /1 /1958 والمادتين 72 و76 من قانون الأسلحة والذخائر. وتمّ إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه وأرسلت للتنفيذ دولياً.
9- في تاريخ 26 /10 /2005 تمّ الادعاء بحق كل من: - محمود أمين عبد العال واحمد امين عبد العال
سنداً الى المواد 270 و271 و314 و549 و549 /201 من قانون العقوبات معطوفة على المادة 219 منه والمواد 2 و4 و5 و6 من قانون 11 /1 /1958 معطوفة على المادة 219 عقوبات والمادتين 72 و76 أسلحة وذخائر معطوفتين على المادة 219 عقوبات.
10- وفي تاريخ 12 /1 /2006 تمّ الادعاء بحق: ابرهيم ميشال جرجورة سنداً الى المادة 408/فقرة 2 من قانون العقوبات.
11- في تاريخ 20 /12 /2006 تمّ الادعاء بحق كل من: فراس حاطوم، عبد العظيم خياط، محمد بربر، نسيم المصري، خليل العبدالله. سنداً الى أحكام المادة 639 من القانون الجزائي اللبناني. 2- ملاحظات أولية
1- زهير الصديق
- لم يستجوب من القضاء اللبناني ولا من الضابطة العدلية.
- استجوب كشاهد من لجنة التحقيق الدولية ـ خارج الاراضي اللبنانية بعد مغادرته الاراضي السورية في نيسان 2005 ـ ثم اعترف باشتراكه وتدخّله في الجريمة عبر استجواب لاحق فتمّ الادعاء في حقه.
- صدرت في حقه مذكرة توقيف غيابية نفّذت دولياً في فرنسا ونظّم ملف لاسترداده، لكن السلطات القضائية الفرنسية رفضت تسليمه بسبب تطبيق عقوبة الاعدام في القانون اللبناني.
- بناءً على طلب لجنة التحقيق الدولية وبموافقة المدعي العام التمييزي انتقلت المحامية العامة التمييزية القاضي جوسلين تابت الى فرنسا بصحبة محققين دوليين لاستجواب زهير الصدّيق لكنه رفض المثول امام قاضي التحقيق الفرنسي المكلّف إنفاذ الاستنابة.
- بقي زهير الصديق ملاحقاً بصفة مدعى عليه كشريك ومتدخّل في الجريمة الى حين رفع يد القضاء اللبناني عن الملف إنفاذاً لقرار قاضي الاجراءات لدى المحكمة الدولية، واستردت مذكرة توقيفه، واستردت مذكرات التوقيف الوجاهية في حق الضباط الأربعة كما سبق البيان.
2- هسام هسام
- لم يستجوب من قاضي التحقيق العدلي.
- انتقل الى سوريا وصرّح عبر مؤتمر صحافي بأن ما سبق أن أدلى به امام لجنة التحقيق الدولية غير صحيح.
3- ابرهيم ميشال جرجورة
- أدلى بأقوال امام المحقق العدلي ثم تراجع عنها معترفاً بأنه كاذب، وجرى الادعاء بحقه بجناية الادلاء بشهادة كاذبة، وتمّ توقيفه وجاهياً ثم أخلي سبيله بعد حوالى ثلاث سنوات.
4- أكرم مراد
- كان في تاريخ 14 /2 /2005 موقوفاً بجناية الإتجار بالمخدرات.
- ورد من السجن أن لديه معلومات عن الجريمة.
- صار الاستماع الى اقواله من المحقق العدلي ولم يتخذ بحقه اي تدبير وأحيلت الأوراق على لجنة التحقيق الدولية للتثبت من صحة زعمه المتعلّق بوجوده في مركز المخابرات السورية في عنجر أثناء اجتماع ضمّ ضباطاً لبنانيين وسوريين.
باء: في الوضع الاجرائي والقضائي امام المحكمة الخاصة بلبنان
بعدما بادر موقّعه الى توجيه كتاب الى المدعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان في تاريخ 19-08-2010، تبلّغ اشعار تسلّم هذا الكتاب في 22-08-2010 (المستند رقم 4)، ثم بناءً على مراجعته، تبلّغ رداً مؤرخاً 6-09-2010 من المدعي العام (المستند رقم 5) وقد أبدى المدعي العام أن من يسمّون «شهود الزور» هم بالفعل «شهود ذو صدقية مشكوك فيها à crédibilité douteuse» ما لم يصدر قرار نهائي ومبرم في شأنهم عن المحكمة.
ويضيف المدعي العام أن أحكام المادة 134 من نظام الاجراءات المطبّقة لدى المحكمة تحول دون ملاحقة من قدّموا شهادات أمام السلطات اللبنانية أو لجان التحقيق، لأن نظام الاجراءات لا يطبّق بمفعول رجعي، فيكون المدعي العام قد اعتبر ان صلاحيات المحكمة الخاصة بلبنان لا تطول ما حصل قبل نشوء المحكمة، وذلك وفق نظام اجراءاتها، الا أنه اذا تبيّن أن ثمة شهادات قدّمت أمام المحكمة واتضح أنها هدفت الى تضليلها فعندئذٍ يجوز تطبيق الاجراءات الخاصة بالمحكمة وتصحّ ملاحقة أصحاب العلاقة بسبب إهانة القضاء ( outrage au Tribunal).
ثانياً: في تحديد شهود الزور والنظام الذي يسري على ملاحقتهم
إن النصوص التي ترعى هذا الموضوع عديدة، وأبرزها مدرج في قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني (يراجع المستند رقم 6 حيث أدرجت هذه النصوص).
يعرّف الشاهد الزور بالاستناد الى النصوص الآنفة الذكر، وتحديداً في القضايا الجنائية بشكل عام وبمعزل عن اية حالة خاصة، بأنه كل من يدلي بافادة بصفته شاهداً في اثناء تحقيق جنائي او امام قاضي التحقيق الذي يطبّق الأصول الملحوظة في المادة 89 أصول محاكمات جزائية، او امام محكمة الجنايات، او امام المجلس العدلي اللذين يطبّقان الأصول الملحوظة لكل منهما، فيجزم بالباطل او ينكر الحقيقة او يكتم بعض او كل ما يعرفه من وقائع القضية التي يسأل عنها، فيعاقب بجرم شهادة الزور المنصوص عليها في المادة 408 عقوبات، الفقرات 2 و3 و4.
إن المرجع القضائي المختص للقول إن شاهداً ما يعتبر شاهد زور هو:
1- قاضي التحقيق الذي يحيل المحضر المدوّنة فيه افادة الشاهد الى النيابة العامة المختصة لتلاحقه بجرم شهادة الزور (المادة 89 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
2- القاضي المنفرد الجزائي الذي يضع تقريراً يرفعه الى النائب العام في شأن الشهادة الكاذبة (المادة 188 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
3- رئيس محكمة الجنايات الذي، كلما ظهر تباين او تغيير بين شهادة الشاهد واقواله في التحقيق الأولي او الابتدائي، يباشر اجراءات تطبيق أحكام المادتين 261 و262 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
4- قاضي التحقيق العدلي الذي يطبّق في هذا المجال الأصول المتّبعة أمام قاضي التحقيق وفقاً للمادة 363 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
5- رئيس المجلس العدلي الذي يطبّق اصول المحاكمات لدى محكمة الجنايات وفقاً للمادة 366 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
تجدر الاشارة الى أن عبارة « تحقيق جنائي» المذكورة في مطلع المادة 408 من قانون العقوبات والتي تنص على ما حرفيّته: «اذا أديت شهادة الزور أثناء تحقيق جنائي...» تشمل ايضاً التحقيق الأولي الذي تجريه الضابطة العدلية بإشراف النيابة العامة. وبالتالي اذا تم الادلاء بشهادة الزور في معرض تحقيق أولي يتحقق جرم المادة 408 من قانون العقوبات.
في ضوء ذلك، يمكن إحالة شاهد الزور وفقاً للأصول الى النيابة العامة المختصة لملاحقته بجرم شهادة الزور، وذلك في أي مرحلة من مراحل المحاكمة في الدعوى العامة الجنائية وتحديداً:
1- اثناء التحقيق من قاضي التحقيق، وفقاً للمادة 89 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وقبل صدور القرار الظني.
2- قبل صدور الحكم في الأساس وليس ضرورياً أن يكون هذا الحكم مبرماً.
3- بعد صدور الحكم في الأساس، حيث تطبّق عندها اجراءات الملاحقة العادية.
الا أنه يبقى، بالطبع، أن أمر اعتبار ما إذا كان أحد الشهود شاهد زور يعود الى المرجع القضائي الواضع يده على الدعوى العامة بمادة جرمية هي شهادة الزور بذاتها، وليس الى المرجع الواضع يده على الدعوى المبنية على مادة جرمية أخرى والتي يدلى في معرضها بشهادة يمكن أن تتصف بالزور.
إن العنصر الأساسي في دعوى شهادة الزور المعطاة في اطار دعوى أخرى عالقة يتوقف في غالب الحالات على نتيجة الدعوى الأساسية. أما اذا كان المرجع القضائي واضعاً يده على دعوى شهادة الزور بذاتها، وبشكل منفصل عن الدعوى الاساسية، فهو لا يستطيع أن يتصدّى لها بالتفصيل ويستثبتها، اذ يخشى صدور قرارين متناقضين عن مرجعين قضائيين مختلفين: الأول هو المرجع الذي ينظر بشهادة الزور على حدة، والثاني هو الناظر بشهادة الزور في معرض الدعوى الاساسية.
وخلاصة القول في هذا المجال أنه إذا كان من الممكن نظرياً التسليم بجواز الفصل بدعوى شهادة الزور قبل الدعوى الأساسية، إلا أنه يتعذّر ذلك من الناحيتين العملية والمنطقية، لا سيما متى كانت الدعوى الأساسية ذات ظروف غامضة ومعقّدة، فيقتضي عندها انتظار نتيجتها لإعطاء الوصف القانوني الصحيح للشهادات المدلى بها في معرضها.
تجدر الاشارة الى أنه بعدما رفع القضاء اللبناني يده عن الدعوى الأساسية، أصبح من غير الجائز تحريك دعوى شهادة الزور والسير بها الا وفقاً للاجراءات العادية لتحريك الدعوى العامة (ادعاء النيابة العامة أو الشكوى المباشرة).
وبعد تحريك الدعوى العامة وفق الأصول يقتضي التمييز بين حالتين من شأنهما التأثير حتماً على السير بها:
1- اذا انتهى القرار الظني الى عدم الظن بمن يعتبر نفسه متضرراً من الشهادة، فيمكن السير بدعوى شهادة الزور فور صدور هذا القرار، لأنه بمجرد صدوره يكون قد أصبح خارج إطار الملاحقة ويثبت عدم علاقته بالجريمة. وكل شهادة تكون قد انطوت على عكس ذلك تعتبر حينها شهادة زور.
2- إذا انتهى القرار الظني الى الظن بأحد الأشخاص فلا يمكن السير بدعوى شهادة الزور إذا ادعى أنه متضرر منها إلا بعد صدور حكم نهائي ومبرم عن المحكمة يحدّد مدى مسؤولية هذا الشخص، فإذا انتهى الى إعلان براءته يمكن السير مجدداً بدعوى شهادة الزور التي تكون قد انطوت على وقائع غير صحيحة ومعاكسة لما استثبته الحكم المذكور.
ثالثاً: في الصلاحية الاقليمية وفقاً لأحكام المادة 15 وما يليها من قانون العقوبات
ألف: في وجوب عدم الاستنكاف عن «احقاق الحق»
من المبادئ العامة الراسخة والمكرّسة في القانون الوضعي أنه ما من سبب يمكن أن يبرّر الاستنكاف عن إحقاق الحق من القضاء (المادة 4 من قانون أصول المحاكمات المدنية).
وبناءً عليه، لا يجوز ردّ شكوى يقدّمها متضرّر أمام القضاء اللبناني بحجة أن لا صلاحية مكانية له للنظر فيها او لقبولها او للسير بها، إذا كان الجرم واقعاً في لبنان او اذا تفرّع عن جرم واقع في لبنان.
فضلاً عن ذلك، إن المادة 6 من قانون أصول المحاكمات المدنية تنص على أنه «تتبع القواعد العامة في قانون أصول المحاكمات المدنية اذا وجد نقص في القوانين والقواعد الاجرائية الأخرى».
كما تنصّ المادة 76 من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على انه:
«تختص المحاكم اللبنانية بالنظر في أي قضية تتعلّق بأحد اللبنانيين أو بمصالح كائنة في لبنان
«إذا لم تكن هناك محاكم أخرى مختصة».
باء: في صلاحية المحاكم اللبنانية
يقتضي القول، في الأصل، أن الاختصاص في ملاحقة جريمة شهادة الزور المعنية بهذا الرأي عائد إلى السلطات القضائية اللبنانية التي لم ينزع اختصاصها خلال عمل لجنة التحقيق الدولية، والدليل على ذلك هو استمرار المحقق العدلي بإجراءات التحقيق الاستنطاقي وإصدار المذكرات والاستنابات وبشكل عام القيام بأعمال التحقيق الاستنطاقي كاملة.
من هذا المنطلق تكون الشهادات المدلى بها أمام لجنة التحقيق الدولية بمثابة الشهادات المدلى بها أمام السلطات القضائية اللبنانية، وخير دليل على ذلك أن محاضرها ضمت إلى ملف المحقق العدلي وأصبحت جزءاً من التحقيق الذي يجريه، وان الإدلاء بها أمام هذه اللجنة ليس من شأنه أن ينفي عنها هذه الصفة لأن عمل اللجنة ليس منفصلاً عن التحقيق الذي يجريه المحقق العدلي، إنما يوجد تكامل بين عملها وهذا التحقيق.
إستناداً إلى ذلك يكون القضاء اللبناني هو المختص للنظر في الدعاوى المسندة إلى جرم شهادة الزور في الشهادات المشار إليها وذلك بالاستناد إلى الصلاحية الإقليمية المنصوص عليها في المادة 15 من قانون العقوبات باعتبار أن هذا الجرم حاصل في لبنان وامام سلطة تجري تحقيقاً أولياً في جريمة تعود صلاحية الملاحقة فيها أصلاً للقضاء اللبناني الذي كان يمارس هذه الصلاحية خلال الادلاء بالشهادات المذكورة قبل ان تنتفي صلاحيته وفق النظام الخاص بالمحكمة الخاصة بلبنان، وخصوصاً أن صلاحية الملاحقة في الجرائم الجزائية الواقعة في اقليم الدولة هي مسألة سيادية ولا تزول حتى في حال ملاحقة هذه الجرائم من قبل قضاء أجنبي وصدور حكم مبرم عنه وذلك سنداً للمادة 28 من قانون العقوبات.
مع العلم أن تحريك الدعوى العامة في هذا الجرم يتمّ في الأصل بموجب ادعاء من النيابة العامة وذلك وفق المادتين 5 و6 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، والنيابة العامة قد تتحرك عفواً إذا ما اتصل بعلمها وقوع هذا الجرم أو تقدّم أحدهم بإخبار أمامها، أو بناءً على شكوى يتقدّم بها الفريق المتضرر.
ولكن يجوز أيضا للمتضرر أن يحرّك الدعوى العامة باتخاذه صفة الادعاء الشخصي أمام قاضي التحقيق الأول وفق المادة 8 من قانون أصول المحاكمات الجزائية باعتبار أن جرم شهادة الزور المدلى بها في معرض تحقيق جنائي يتصّف بالجناية.
رابعاً: في أن قرار السير بالشكوى يعود إلى سلطان القضاء المختص
انطلاقاً مما تقدّم، يتضح أن الملاحقة بجرم شهادة الزور يمكن أن تباشر فوراً وأن يتم تدوين تقديمها رسمياً، على أن يقوم القضاء بمهماته بكل استقلال وحياد. إلا أن الأمانة القانونية والمنطق السليم يفرضان لفت الانتباه إلى إن أثارة مسألة شهود الزور، بل تحريك الادعاء والملاحقة أمام القضاء اللبناني بشأنها، لا يعوق ولا يؤجل أعمال المحكمة الخاصة بلبنان ما دامت هذه الأخيرة اعتبرت أن مسألة ملاحقة موضوع إفادات شهود الزور المدلى بها قبل إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان لم تعد (او لم تكن) من صلاحياتها من حيث تطبيق القانون في الزمان.
أما امام القضاء اللبناني، فان هذا الموضوع، إنما يخضع للقواعد القانونية المرعية الإجراء ويعود تقديره للقضاء، بمنأى عن تدخّل من السلطة التنفيذية وحتى عن تدخّل وزير العدل الذي وإن كانت صلاحية طلب الملاحقة (المادة 14 من قانون أصول المحاكمات الجزائية) تعود إليه، فليس له صلاحية التأثير على قناعة القاضي (المادة 20 من الدستور).
ويرجّح موقّعه أن القضاء اللبناني الذي اتخذ إجراءات بحق عدد ممن يوصفون بشهود الزور وادعى عليهم، كما هو ثابت أعلاه (المستند رقم 3)، لا يستطيع التأكيد أن شاهدًا هو شاهد زور قبل الإطلاع على مجمل القرار الظني على الأقل لمعرفة ما هي ظروف الجريمة، ومدى تأثير إفادة الشاهد على مجرى التحقيق،
غير أن هذا الأمر يعود كلياً إلى سلطان القضاء اللبناني.
خامساً: في إجراءات طارئة لا بدّ من ذكرها
في هذا السياق، لا بدّ من الاشارة على سبيل المعلومات والمقارنة إلى ما طرأ أخيرا، أي بعد تبلغنا ردّ المحقق الدولي (المدعي العام) دانيال بلمار، في قضية تطرح إشكالية قريبة من موضوع هذا الرأي القانوني، وهي المتعلّقة باستدعاء الإفراج عن محاضر ومعلومات رسمية دونت فيها إفادات وشهادات في سبيل توصيفها كشهادات زور.
فقد استدعى اللواء جميل السيد في تاريخ 17-3-2010 المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «تسليمه عناصر ثبوتية عائدة إلى جرائم شهادة زور وتوقيف اعتباطي»، فقرّر رئيس المحكمة المذكورة إحالة القضية على قاضي الإجراءات التمهيدية في 15-04-2010.
وعلى الرغم من اعتراض المدعي العام لدى المحكمة الخاصة، ومنازعته في صفة اللواء السيد المستدعي وغيرها من نواحي استدعائه، فقد قرّر قاضي الإجراءات التمهيدية، بتاريخ 17-09-2010، أي بعد شهر تقريباً من تاريخ تكليف موقّعه بتقديم هذا التقرير، ما حرفيته (المستند رقم 7):
«يعلن أن للمستدعي الصفة للادعاء أمام المحكمة بغية الحصول على مواد الملف الجزائي» المتعلّق بقضية الحريري المتعلق به.
«ويقرر، قبل الفصل في أساس الطلب أن تودع المذكرات الخطية للمستدعي والمدعي العام «التي تضم اجابتيهما على الاسئلة المطروحة في الفقرة 57 من هذا القرار لدى قلم المحكمة «ضمن مهلة أقصاها الأول من تشرين الأول أكتوبر 2010»
استأنف المدعي العام هذا القرار في تاريخ 29-09-2010، قبل قيام اللواء السيد بتقديم لائحته بإنفاذ القرار أعلاه في 30-09-2010
وفي تاريخ 7-10-2010 وردت أنباء صحافية مضمونها أن المستشارة القانونية للأمين العام للأمم المتحدة، السيدة باتريسيا أوبراين، قد أبدت رأياً قانونياً مؤرخاً 1-10-2010، مفاده أنه، بحسب رأيها، «كل مستندات المحكمة الدولية هي ملك للأمم المتحدة»
وأضافت أنه يتعيّن بالتالي على المحكمة الخاصة الامتناع عن الافصاح عن مضمونها بدون إذن من الامم المتحدة.
بالطبع لا يجوز لموقّعه، في هذا السياق، سوى ابداء حرصه الكامل على استقلال القضاء اللبناني.
الا ان ما سبقت الاشارة اليه من اجراءات يبرز مدى تشعّب النظر بالشكوى أساساً.
سادساً: في صلاحية المجلس العدلي
أما في ما يتعلّق بإمكان إحالة هذا الموضوع الى المجلس العدلي وتعيين محقق عدلي وفقاً لما ينص عليه الباب الخامس من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني (المواد 355 وما يليها - في حدود ما تنص عليه المواد 270 الى 336 ضمناً من قانون العقوبات فقط) (ربطاً صورة عن الباب الخامس – المستند رقم 8) فيتّضح من مراجعة هذه المواد أنها تتناول:
- الجرائم الواقعة على أمن الدولة (اغتصاب السلطة، الفتنة، الارهاب، النيل من الوحدة الوطنية أو تعكير الصفاء بين عناصر الأمة)، الخ...
- التجسّس
- الجرائم الماسّة بالقانون الدولي
- النيل من هيبة الدولة
وبالتالي يتبيّن أن لا صلاحية للمجلس العدلي في المبدأ للنظر في هذا الموضوع، اذ إن القانون قد حدّد اختصاص المجلس العدلي وحصره بالحالات المعدّدة في المواد المذكورة أعلاه.
من هنا لا يعود لمجلس الوزراء إحالة القضية إلى المجلس العدلي إلا في حدود الجرائم المعدّدة حصراً في القانون.
صفوة القول، في حدود المبادئ التي اشرنا إليها في مطلع هذه المتابعة القانونية، يرى موقّعه:
اولاً: ان اختصاص القضاء اللبناني قائم لقبول الادعاء في موضوع شهود الزور.
ثانياً: يعود للقضاء اللبناني، باستقلال كامل عن السلطة التنفيذية، تقرير ما اذا كان يتوجب السير بالدعوى أو استئخارها ريثما يصدر القرار الظني».
وأرفق نجار تقريره بـ«مسرد النصوص القانونية التي ترعى موضوع شهود الزور» وهي الآتية: بعض نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية في لبنان، قرار قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان دانيال فرانسين، مذكرات التوقيف القضائية الصادرة عن المحامي العام الأول بدمشق بتاريخ 4/10/2010، النصوص المتعلقة بالمجلس العدلي. كما تضمن التقرير 109 إحالات (هوامش) بالإضافة إلى مستندات بينها المراسلات الحاصلة بين نجار وبلمار.

القراءة الإسرائيلية لزيارة احمدي نجاد للبنان

القراءة الإسرائيلية لزيارة احمدي نجاد للبنان
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
نشرت في الشرق الاوسط والسفير 13/10/2010
www.drkhalilhussein.blogspot.com
يستضيف لبنان الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد في ظروف تعتبر استثنائية في التوقيت اللبناني وحساسة في الزمنين الإقليمي والدولي. وبصرف النظر عن مواقف مختلف الشرائح السياسية اللبنانية منها، تبقى القراءة الإقليمية والدولية للزيارة هي الأبرز،باعتبارها تقدم رؤية عما هو حال المنطقة وبأي اتجاهات يمكن أن تسير بها الأمور مستقبلا في المدى المنظور.
لبنانيا،مفارقة الزيارة تأتي في سياق المقاربة والمقارنة بين زيارة رئاسية إيرانية سابقة للرئيس محمد خاتمي، في الزيارة الرئاسية الأولى لم تكن ثمة معارضة ولا مشكلة أو إشكالية فالرئيس السابق وُصِف بالإصلاحي وتمَّ التعويل عليه كثيرا في سياق إحداث تغييرات في النظام وبالتالي لم يكن هناك تحريض على انتقاد الزيارة وبرامجها،بينما تأتي الزيارة الرئاسية الثانية في خضم نقاش داخلي حاد حول السياستين الداخلية والخارجية الإيرانية ووسط تحريض غربي وإسرائيلي واضحين للتأثير في برنامجها إذ لم تتمكن من منع إتمامها. وفي مطلق الأحوال للزيارة مفاعيلها وتداعياتها ،وان لم يكن للبنانيين دور فاعل في ذلك.وغريب المفارقات أيضا تكمن في العلاقة بين لبنان وإيران على الصعيد الشعبي وليس الرسمي،فالطائفة الشيعية بأحزابها وجمهورها مثلا كانت من ألد أعداء نظام الشاه،فيما تحوّلت العلاقة مع نظام الثورة الإسلامية إلى علاقة إستراتيجية،بينما الأحزاب اليمينية اللبنانية وجمهورها كان على نقيض تلك المعادلة في وجهيها السابق والحالي.
إسرائيليا، يبدو المشهد مختلفا، مزيج من القلق والتحدّي، تصعيد دبلوماسي غير مسبوق في العلاقات الدولية،دولة تحاول منع دولة أخرى من استقبال رئيس دولة ثالثة،وعند الفشل تحاول التأثير في البرنامج المفترض أو المقرر.وفي كلتا الحالتين ثمة ما يبرر ذلك إسرائيليا، فإيران الشريك الأول والحصري اذا جاز التعبير للنصر الذي أحرزته المقاومة في لبنان في العامين 2000 و 2006،علاوة على ذلك فان الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة ،من معالمها المواجهة لما تبقى من مشروع الشرق الأوسط الجديد، الأمر الذي يشكل حساسية بالغة للقيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك أن للزيارة الرئاسية الإيرانية قراءة إسرائيلية مختلفة، باعتبار أن الخطاب السياسي للرئيس الإيراني بلهجته ومصطلحاته تعتبر نادرة بين قلة من زعماء العالم التي تدعو إلى محو الكيان الإسرائيلي من الوجود،وما يقلق إسرائيل التداعيات الرمزية للزيارة التي قيل أنها ستشمل جولة على الحدود الشمالية مع لبنان وإمكانية رشق حجر باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي علَّق عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بطريقة تهكمية وساخرة،أن الرئيس الإيراني لا يرمي حجرا، في إشارة إلى الصواريخ الإيرانية ومداها ووظيفتها.
إن القلق الإسرائيلي نابع من تداعيات "الحلف الثلاثي المقدس، إيران وسوريا والمقاومة"،وما يمكن أن ينجم عنه مستقبلا، فالولايات المتحدة تفاوض سوريا علنا وإيران ضمنا حول هزيمتها وانسحابها من العراق. ، والأمر عينه ينسحب على أفغانستان،وبين الاثنين ثمة انتفاضة قانونية سياسية على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وآليات عملها المسيسة،باختصار واقع إقليمي ضاغط استفادت منه كل من طهران ودمشق بالنقاط وتتخوف تل أبيب من الضربة القادمة التي تشيّع إيران بأنها ستكون القاضية.
علاوة على ذلك، إن الهاجس الإسرائيلي الأكبر يكمن في العلاقة الرسمية بين لبنان وإيران والتي يمكن أن تتطور باتجاه تسليح الجيش اللبناني،وبالتالي نشوء قوة عسكرية إستراتيجية شمالا تمثل أبعادا إقليمية من الصعب على إسرائيل تجاهلها وتحمّل تداعياتها ونتائجها،الأمر الذي سيجبرها مستقبلا التصرّف بطريقة مختلفة بصرف النظر عن حدود نجاحاتها ونوعية مكتسباتها،وعليه إن الخشية الإسرائيلية من الزيارة تكمن فيما تعتبره تل أبيب أن ثمة أهداف غير معلنة ليس من الزيارة بحد ذاتها وإنما في دلالاتها ورمزيتها في موازاة الحلف القائم مع دمشق والمقاومة اللبنانية.
ثمة قمم ثنائية إيرانية سورية عديدة جرت مؤخرا ،كان أبرزها ما انضم إليها الأمين العام لحزب الله، والتي جرى تصويرها على أنها الإعلان غير القابل للفكاك أو التراجع،قوامه حماية المقاومة في لبنان،واعتبارها ركنا رئيسا في المواجهة والممانعة،الأمر الذي اقلق إسرائيل واعتبرته تحدّيا استراتيجيا يصعب تجاهله والقفز فوق معطياته وآثاره. وعلى الرغم من الطابع الرسمي لزيارة الرئيس الإيراني للبنان، ثمة صعوبة إسرائيلية كبيرة لبلع الزيارة وهضمها وبالتالي عدم اعتبارها زيارة هدفها تكريس دعم المقاومة اللبنانية.
وبصرف النظر عن البرنامج الرئاسي المعد رسميا وشعبيا ،تبقى للزيارة دلالات رمزية في الذاكرة الجماعية للبنانيين والإسرائيليين على حد سواء. لبنانيا وبالتحديد الطرف الحاضن للمقاومة يرى في الزيارة علامة فارقة في مستوى العلاقات "الجهادية" ضد إسرائيل وهو بطبيعة الأمر أمر نادر بل غير مسبوق لجهة الدعم المادي والمعنوي. أما إسرائيليا ،فالأمر مختلف تماما زيارة تقض مضاجع القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، سيما وأن الرئيس الإيراني ستطأ قدماه أرضا جرت فيها ملاحم بطولية ضد القوات الإسرائيلية. وعيناه ستلمح أرضا فلسطينية محتلة،وإذ لم يرشق حجرا عليها ، ففي بال إسرائيل أن صواريخه قادمة إليها.
في مطلق الأحول، زيارة تقرأها إسرائيل بلغة تخصيب العداء ضدها، وبالتالي توجسها وتخوفها مما بعدها، لذا طبّلت وزمّرت قبل بدئها، فهل ستعاود الرقص حول ضحايا مجازرها ،لقد عودتنا إسرائيل على استيعاب الفعل وحسن رد الفعل،فأين نحن اللبنانيين من فعل الزيارة وكيف سيكون رد فعلنا؟

06‏/10‏/2010

استئناف المفاوضات أم المستوطنات؟

استئناف المفاوضات أم المستوطنات؟
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بيروت:28/9/2010

ثلاث جولات من المفاوضات المباشرة بدأها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي لم يتمكنا في خلالها التوصل إلى مشروع اتفاق حول تمديد تجميد عمليات بناء المستوطنات،رغم معرفة الطرفان،إن هذه العقبة تشكل الموضوع الأساس لفرط عقد المفاوضات وفي أحسن الأحوال استمرارها وسط معمعة إسرائيلية يجرى خلالها تكريس أمر واقع مفاده استمرار المفاوضات والاستيطان في وقت واحد.
من الواضح إن إسرائيل لم تنتظر ساعة واحدة للبدء في إطلاق عمليات البناء،بل انطلقت بها في رمزية خاصة لجهة المكان والزمان،حجر أساس لمدرسة دينية في الخليل على أنقاض مدرسة إسلامية،وكأن في الأمر منازلة دينية حضارية ثقافية فيها من التحدي ما يجعل المراقب اشد عصبية في قراءة المواقف والتصرف،وفي إي حال ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة،فتاريخ الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية له صولات وجولات تمتد في التاريخ إلى حقبة القرون الوسطى وبالتحديد إلى القرن السادس عشر،وصولا إلى الحيثيات الخاصة في العقد الأول من الألفية الثانية.
والاستيطان في عمليات التفاوض الإسرائيلي مع الفلسطينيين له مناهجه وآلياته الخاصة، بحيث أصبح هذا الملف جزءا رئيسا من عمليات التفاوض المعلنة والمبطنة منذ انطلاق مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991،بل عمدت إسرائيل إلى وضع آليات وشروط محددة يصعب اختراقها أو تمييعها في مختلف عمليات التفاوض التي جرت بين الطرفين،والمضحك المبكي في هذا الأمر،إن إسرائيل كانت تتمسك بإطلاق عمليات الاستيطان وعدم المسِّ بها أو التعرض لها في موازاة إصرارها على المفاوضات دون شروط مسبقة وبخاصة عدم التطرق إلى موضوع الاستيطان.
والمفارقة الأغرب في هذا الموضوع، ما يتم استعماله من مصطلحات محددة،فمثلا بدل توقيف عمليات الاستيطان، أو إعادة النظر يبعضها أو هدم وإزالة غير القانوني منها بحسب التوصيف الإسرائيلي نفسه،يتم إطلاق مصطلحات تفاوضية تزيد تداعيات البناء والاستيطان، فمثلا تجميد عمليات الاستيطان بدل العمل على وقفها النهائي. والأنكى من كل ذلك يلهث المفاوض الفلسطيني على محاولة إقناع الطرف الإسرائيلي بقبول تمديد التجميد لأشهر قليلة بهدف إقناع الآخرين إن ثمة تقدما حصل في عمليات التفاوض وآلياتها وبالتالي تأمين الغطاء السياسي العربي لعمليات التفاوض المباشرة كما تصور فيها الأمور،وكأن الأطراف العربية الأخرى قادرة على المنع أو حتى التأثير في مصير ومسار هذه المفاوضات في الأساس.
وفي واقع الأمر يعتبر الاستيطان ركنا أساسيا في الايدولوجيا الصهيونية وفلسفة بناء الدولة اليهودية في فلسطين،وبالتالي لا غرابة بالموقف الإسرائيلي الداعي بشكل مستمر إلى عمليات فصل التفاوض عن عمليات الاستيطان والبناء.وفي حقيقة الأمر من وجهة النظر الإسرائيلية يعتبر الاستيطان عصبا رئيسا في حياة الدولة الصهيونية واستمرارها، وبالتالي من الطبيعي إن يتشدد المفاوض الإسرائيلي في هذا الملف تحديدا،وعدم تقديم إي تنازل ولو كان تكتيا.
إن آخر ابتكارات رئيس الوزراء الإسرائيلي،بنيامين نتنياهو، في هذا المجال الدعوة إلى فصل مسار التفاوض عن مسار الاستيطان،بمعنى إن لا ضررا في متابعة المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين دون تقديم تأكيدات أو مواقف أو الوعد بتمديد تجميد عمليات البناء،وعليه إن إستراتيجية نتنياهو الحالية هي كأسلافه،مزيد من الإصغاء للطرف الآخر دون تقديم شيء يذكر،تكريس أمر واقع والانتقال إلى ملفات اشد تعقيدا وتشعبا بحيث يستسلم الطرف الفلسطيني للطروح الإسرائيلية السابقة،وبالتالي إجبار الطرف الفلسطيني على قبول شرط التفاوض على المسائل التي كان يرفضها والتي كان يعتبرها من مسلمات التفاوض المفترضة بينه وبين الإسرائيلي.
لقد تكللت جهود الصهيونية ومن ورائها القوى الاستعمارية بالنجاح عندما تم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام 1948 على 77% من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكنت إسرائيل في حينها من طرد معظم السكان الفلسطينيين بعدما ارتكبت المذابح والمجازر ودمرت القرى والمدن الفلسطينية، وشُرِدَ الفلسطينيون كلاجئين في البلاد العربية ، وفي المقابل فتحت أبواب الهجرة اليهودية ليتدفق الكثير من اليهود من مختلف أنحاء العالم، واستمر هذا الوضع حتى حرب الخامس من حزيران عام 1967، والتي كانت من أهم نتائجها استكمال سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية بعد احتلالها للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وبذلك سنحت فرصة جديدة لإسرائيل لمتابعة مخططات تهويد فلسطين، التي بدأت في القرن التاسع عشر.
في العام 1972 أطلق النائب الصهيوني يشعياهو بن فورت شعارا جذابا للحركة الصهيونية هو: "إن الحقيقة هي لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة أراضي وتسييجها". فالاستيطان الإسرائيلي يعتبر الجانب العملي للفكر الاستراتيجي الصهيوني الذي انتهج فلسفة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، بحجج ودعاوي دينية وتاريخية مزيفة، وترويج مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
إن التدقيق في سير المفاوضات ومصيرها،يثبت إن إسرائيل كانت الطرف الوحيد المستفيد من متابعتها ، تفاوض وتكرس امرأ واقعا، تجبر الطرف الآخر على تمني الحصول على ما كان يرفضه، دخل الفلسطينيون المفاوضات المباشرة وهم يقنعون نفسهم بأن لا شروط مسبقة، بعد ثلاث جولات شكلية تمكن نتنياهو من إطلاق شعار استمرار المفاوضات والاستيطان بشكل متزامن بصرف النظر عن صراخ الطرف الآخر.