30‏/09‏/2009

القرار 1887 ونزع الأسلحة غير التقليدية

"القرار 1887 ونزع الأسلحة غير التقليدية"

26‏/09‏/2009

القرار 1887 ونزع الأسلحة النووية

القرار 1887 ونزع الأسلحة النووية
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
مع تبنّي مجلس الأمن الدولي القرار 1887 حول الحدّ من انتشار الأسلحة النووية ونزعها، تعود قضايا الأسلحة غير التقليدية إلى الواجهة بصور مختلفة،بخاصة أنها تترافق مع جلسات التفاوض بين إيران ومجموعة الستة،في وقت أعلن عن منشأة إيرانية سرية جديدة،استدعت تصريحات ومواقف نارية فرنسية وأمريكية،فما هي أبعاد القرار وربطه بآليات الحد من انتشار الأسلحة النووية والحد منها عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
في الواقع يعتبر القرار 1887 كغيره من القرارات ذات الصلة،إلا أنَّ ظروف ظهوره ومن أطلقه يعطيه أبعادا إضافية يمكن أن تنبئ بمسارات ومناهج مختلفة عن السابق.ففي الشكل أتى القرار نتيجة إجماع الدول الخمسة عشر في مجلس الأمن وعلى مستوى رؤساء الدول،وان يكن هذا الاجتماع ليس بسابقة ويعتبر الخامس من نوعه منذ إنشاء المنظمة الدولية،إلا أن تصريحات الرئيس الأمريكي وتحديد مهلة زمنية محددة بسنة قادمة لتبيان جدّية التعاطي مع القرار،يعطي دفعا أكثر صلابة في تعاطي الدول المعنية به مع مسارات تطبيقه.وعلى الرغم من ذلك التشدّد والنيّة في إظهار الأساليب المغايرة لتطبيقه، ثمَّة وقائع ومحدَّدات مغايرة تقف في وجه تلك النوايا، ومنها بالتحديد آليات عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعنية مباشرة بتلك الملفات.
وفي الواقع تمثلت المشكلة المزمنة لنظام مراقبة الوكالة الدولية في نقطتين: الأولي‏:‏ أنه يطبق فقط على القدرات النووية مواد‏،‏ معدات‏،‏ مرافق التي تقرر الدولة أنها تمتلكها‏،التي نصّت عليها اتفاقية الضمانات وبالتالي تتركز عمليات الوكالة في الأساس على المنشآت المعلن عنها بصرف النظر عمَّا إذا كانت الدولة تمارس نشاطات نووية غير معلنة في منشآت أخرى.‏الثانية‏:‏ أنّض عمليات التفتيش أو المحاسبة تتم وفقا لأشكال تقليدية هي عمليات التفتيش ذات الغرض المحدَّد، وعمليات التفتيش الروتينية الدورية التي يتم تنفيذها أيضا وفقا لشروط اتفاق الضمانات فيما يتفق بالإبلاغ المسبق عن العملية وحرية الوصول والحركة المحكومة داخل الدولة وعدم استخدام وسائل تكنولوجية متطورة في المواقع‏.‏
لقد كانت الوكالة تمتلك حقا قانونيا في طلب القيام بما يسمي عمليات التفتيش الخاصة في حالة وجود شكوك حول انتهاكات للمعاهدة من جانب دولة معينة‏‏ بالتشاور مع تلك الدولة،ويتضمن ذلك إمكان الوصول إلى مواقع غير منصوص عليها في الاتفاقيات‏، واستخدام أساليب لا تتضمنها الشروط المتفق عليه‏ ، لكن ذلك الحق كان نظريا فلم تتمكن الوكالة من تطبيقه استنادا إلى نظامها الداخلي. كما تفجَّرت مشكلات نظام الضمانات في بداية تسعينيات القرن الماضي لتؤدي إلي حالة تصدع عامة لنظام منع الانتشار النووي كنموذج البرنامج النووي العراقي عام‏1991.‏ ثم حاولت الوكالة تطبيق نظام التفتيش الخاص على منشأتين نوويتين في كوريا الشمالية‏، ما أدَّى إلى اتخاذها قرارا بالانسحاب من المعاهدة عام ‏1993، وأوضحت الحالتان أن نظام الضمانات غير قادر بوضعه القائم في حينها على تحقيق أهدافه‏. الأمر الذي أدَّى إلي تبلور اتجاه عام داخل المنظمات الدولية والولايات المتحدة بشأن ضرورة تدعيم نظام الضمانات الدولي‏,‏ ووصلت في النهاية إلي البروتوكول الإضافي الملحق بنظام ضمانات الوكالة الذي تمَّ إقراره في أيار‏1997‏ ليشكل الخطوة التالية في تطور هذا النظام‏.؛والذي هدف إلى سدِّ ثغرات نظام الضمانات القائم‏ كوثيقة مكمِّلة له‏، وتحويل ما كان تفاوضيا ليصبح تعاقديا‏،على نحو أثار ضجة في حينها حول مدى مساس بنود البروتوكول بسيادة الدول .وثمة ملاحظات عديدة تُساق على البروتوكول ومنها:
- أن أيا من الدول النووية الخمس ليست مدعوة إلى توقيع هذا البروتوكول الإضافي، فإذا توصَّل المفتشون مثلاً إلى التأكد من وجود منشآت نووية عسكرية في مواقع معروفة تماماً في الأساس في الولايات المتحدة أو في فرنسا، فإن هذا لا يعتبر اكتشافاً مهماً؛ ومع ذلك فإنَّ فرنسا وقّعت رمزياً نسخة مخففة منه بغية معالجة حساسية سائر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الحساسة جداً بالنسبة إلى التمييز في المعاملة بين هاتين الفئتين من الدول.
- ليس هناك أي معاهدة تحظر على أي من الدول النووية الخمس تصنيع أنواع جديدة من الأسلحة، وهذا ما يتعارض مع نص المادة السادسة من معاهدة حظر نشر الأسلحة الخاص بنزع الأسلحة النووية.
- تتحدث الولايات المتحدة بانتظام عن تصنيع قنابل نووية جديدة وهو تعبير واضح عن هواجس مصنعي الأسلحة، كما أنها لم تعد تشكل صنفاً مستقلاً في الترسانة الأمريكية، بل أصبحت عنصراً أساسياً في مجمل الأسلحة الهجومية التي يمكن للرئيس في النتيجة استخدامها كما يشاء، كما يستخدم أي سلاح آخر بحسب طبيعة المهمة المطلوب إنجازها وهذا ما يروج له من تغييرات دراماتيكية في استراتيجيات استعمال الأسلحة النووية حتى في الحروب التقليدية.فكيف يمكن تفسير الحماسة الأمريكية لنزع السلاح وهي المستفيد الأول من تصديره واستعماله في بسط سطوتها على النظام الدولي.؟
- إن لجوء وكالة الطاقة الذرية إلى مجلس الأمن لمعالجة أي مخالفة لم تكن مشجعة على الأقل في تجربتين سابقتين. كحالة العراق في العام 1991، والتي تبيَّن فيما بعد أنَّ جميع التقارير التي شنَّت الولايات المتحدة على أساسها الحرب كانت غير صحيحة وباعتراف المفتشين الدوليين أنفسهم. أما التجربة الثانية فتتعلق بجمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية (كوريا الشمالية) والتي لم يتم التوصل إلى نتائج محدَّدة فيه،كما ينطبق الأمر عينه على البرنامج النووي الإيراني مع فروق في أسلوب ومنهج التعامل ونوعية العقوبات التي حاول مجلس الأمن اللجوء إليها وتنفيذها.
- إن أكثر المفارقات غرابة ما يتعلق بالسلاح النووي الإسرائيلي ففي الوقت الذي تمتلك إسرائيل ترسانة نووية هي السادسة من حيث الحجم على المستوى الدولي،فلا زالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وما يؤثر بقراراتها تعمل بتجاهل تام لهذه القضية،بل تتغاضى عن التهديدات العلنية التي توجهها لغيرها من الدول،ولا تحرك ساكنا تجاه الرفض الإسرائيلي الدائم لعدم التوقيع على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة،ما يعتبر خرقا للأسس والأهداف التي قامت عليها هذه الوكالة.
أخيرا لقد تضاءلت إلى حدٍ كبير سياسة حظر نشر الأسلحة النووية منذ مؤتمر العام 1995 في وقت بدا فيه أن الهدف المطلوب قد تحقق إلى حدٍ ما. إذ كانت ضرورة وقف نشر الأسلحة موضع هجوم في الولايات المتحدة من جانب المحافظين الجدد الذين رفضوا أن يخضع بلدهم لبعض الالتزامات الدولية أياً كان نوعها، كما رأوا أن حظر نشر الأسلحة يعود إلى منطق الحرب الباردة ولم يعد هناك من داعٍ لوجوده بعد أن انتهت تلك الحرب. ويرى هؤلاء أن الرد على مخاطر نشر الأسلحة النووية يكمن في إنشاء أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ التي يفترض بجميع الدول أن تشتريها من الولايات المتحدة.
كما تجلى بشكل واضح الإهمال لفكرة حظر نشر الأسلحة النووية خلال مؤتمر البحث في المعاهدة في حزيران 2005، فالدول المشاركة، قد انفرط عقدها دون أن تتفق على أمرٍ واحد وهو ما يعكس عالماً منقسماً ومضطرباً. أما الإجماع الحاصل حاليا في مجلس الأمن وبالتحديد حول القرار 1887 يعكس نوعا من القلق من وجهة النظر الغربية وبالتحديد تجاه الملف النووي الإيراني،بعد الإعلان عن منشأة نووية غير معلن عنها مسبقا،في جو إقليمي مشحون ينذر بخيارات صعبة.
ومهما يكن من أمر القرارات والاتفاقات والمعاهدات فإنها تنشئ حقوقا وواجبات ،إلا أنَّ العبرة لا تكمن في الحق وإنما في منطق القوة الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الدولي،أليس ثمَّة صيف وشتاء تحت سقف واحد وبخاصة في القضايا الإستراتيجية ومنها البرامج النووية بصرف النظر إذا كانت سلمية أم لا؟ّ

17‏/09‏/2009

تحديات الأمم المتحدة ووجوب إصلاحها

"تحديات الأمم المتحدة ووجوب إصلاحها"

13‏/09‏/2009

تحديات الأمم المتحدة ووجوب إصلاحها

تحديات الأمم المتحدة ووجوب إصلاحها
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها الرابعة والستين وهو العمر المديد للمنظمة الدولية الذي يعج بالمصاعب والتحديات التي واجهتها في غير مجال،فما هي هذه التحديات؟ وهل من سبل لإصلاحها أم أن بوادر إحالتها على التقاعد قد بدأت بالظهور؟
في الواقع كان لإنشاء الأمم المتحدة أهداف سامية حاول مؤسسوها تفادي ما وقعت به عصبة الأمم، وإذا كانت الأمم المتحدة قد عجزت عن تحقيق بعض ما هو ملقى على عانقها، وإذا كانت أيضاً لسبب أو لآخر قد عجزت عن رفع الظلم عن بعض الدول والشعوب ولم تتمكن من تحقيق العدل ، فإن القراءة الدقيقة تظهر اعتبارات كثيرة لذلك أبرزها:
الاعتبار الأول يتمثل في أن الأمم المتحدة لا تعمل في مجال السياسة الدولية فقط، حيث يصعب عليها في الكثير من الأحيان تحقيق النجاح الكامل وإرضاء الدول كافة والوصول إلى تحقيق العدالة، بل تعمل أيضاً في مجالات أخرى بعيدة عن السياسة من بينها الاقتصاد وحقوق الإنسان والثقافة والصحة والتعليم والبيئة وغيرها، تلك الميادين التي حققت فيها بعض النجاحات لصالح الأمم والشعوب، وهي المجالات التي علق عليها مؤسسو الأمم المتحدة آمالهم في حال فشل المنظمة في تحقيق أهدافها السياسية والأمنية، مثلما حدث لسابقتها عصبة الأمم. أما الاعتبار الثاني، فيتمثل في كون الأمم المتحدة نظاماً من نُظم المجتمع الدولي وأداة من أدوات تطبيق القانون الدولي ، وبالتالي فالأمم المتحدة لا تطبق في الواقع، ما كان يجب من وجهة النظر المثالية، أي أن يسود المجتمع الدولي قواعد العدالة، بل تطبق قواعد القانون الدولي الوضعي، التي وضعتها الدول الكبرى في ضوء مصالحها، والهدف منها ليس تحقيق العدالة بل تطبيق القانون.
ثمَّة ضرورة لمعرفة الأسباب التي أدّت إلى فشل الأمم المتحدة في تحقيق الكثير من الغايات في المجالات السياسية والأمنية والتقنية بهدف معرفة أسس الإصلاح التي ينبغي إتباعها،. وقد نال المجال الأمني القسط الأكبر من الانتقادات، بخاصة بعد أحداث 11 أيلول / سبتمبر وأهمها:
- العجز الواضح في حل بعض المعضلات الدولية الكبرى، ومنها قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي وكشمير وقبرص والبوسنة وغيرها.
- الإخفاق في وضع برنامج عام لنزع السلاح، وحظر أسلحة الدمار الشامل بشكل فاعل.
- عدم النجاح في إنهاء الحرب الباردة والحروب المحلية التي اندلعت في مناطق عدة من العالم.
- الفشل في تنظيم التنمية الاقتصادية، وتنسيق التجارة الدولية، وتوزيع القروض والمساعدات، وإيجاد تسوية عادلة للصراع الطبقي الدولي.ومرد ذلك الفشل يعود إلى ثلاث مجموعات من الأسباب هي:
1- ضخامة الهيكل التنظيمي : إذ أنشأت الأمم المتحدة أجهزة وفروعاً ثانوية تقوم بأعمال منافسة أو مشابهة لعمل وكالات دولية أخرى، ما أدَّى إلى الازدواجية وتضارب الاختصاصات وتبديد الموارد..وعدم وجود آليات تسمح للأمم المتحدة بالاستفادة من إمكانيات المنظمات الإقليمية في العديد من المجالات التي تقوم بها، باعتبار أنَّ تلك المنظمات أدرى وأقدر على فهم المشكلات التي تدور في محيطها ونطاقها الجغرافي؛ ومن هذه المنظمات جامعة الدول العربية، مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنظمة الدول الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي وغيرها. وكذلك الإخفاق في تنسيق علاقاتها بالمنظمات الدولية غير الحكومية والشركات المتعددة الجنسيات، وغيرها من الهيئات أو المجموعات العالمية التي أخذت تقوم بدور فاعل ومؤثر على الساحة الدولية ،كذلك بقاء المراكز غير الدائمة في مجلس الأمن على ما هي عليه، فمن المنطقي أن يزيد العدد بنسبة تزايد أعضاء الجمعية العام، إذ أنَّ مجلس الأمن في تكوينه لا يعكس إرادة الأمم المتحدة المكوَّنة من 192 دولة. كذلك عدم منح الجمعية العامة الصلاحيات الكاملة لتصبح مركز الثقل والقوة، فقراراتها عبارة عن توصيات. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان على سبيل المثال لا يمثل إلا توصية صادرة عن الجمعية العامة تخلو من الصفة الإلزامية.وعدم منح محكمة العدل الدولية، صلاحيات أوسع لكي تكون ولايتها إلزامية لا اختيارية، ولكي تتمكن كل منظمة دولية، خارج الأمم المتحدة من استفتائها دون الحصول على ترخيص من الجمعية العامة.
2- عدم وضوح المبادئ والقواعد العامة: وتظهر على سبيل المثال لا الحصر في:عدم وضوح مبدأي السيادة وعدم التدخل، إذ باتا يستخدمان كذريعة لارتكاب الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان.وعدم وضوح الحدود الفاصلة بين مفهوم حظر اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية، كما ورد في الفقرة (4) من المادة (2) وبين حق الشعوب في تقرير مصيرها، كما ورد في الفقرة (2) من المادة الأولى إضافة إلى عدم التوصّل إلى تعريف دقيق لمفهوم الإرهاب.وفيما يتعلق بالقواعد، وعلى سبيل المثال أيضاً:لم يضع الميثاق معياراً للتفرقة بين المسائل الموضوعية والمسائل الإجرائية في مجلس الأمن، وإن كان التصريح المشترك الصادر عن الدول العظمى يبيّن الفصل فيما إذا كانت مسألة بعينها مسألة موضوعية أو مسألة إجرائية تدخل في دائرة المسائل الموضوعية. وإلى جانب هذه الصعوبة نشأت صعوبة تتعلق بالتمييز بين النزاع والوضع (أو الحالة)، أو ما هي المسائل التي تعتبر أوضاعاً والمسائل التي تعتبر منازعات؟ فالتمييز بينهما مهم، وعليه يتوقف تعيين من له حق التصويت ومن ليس له هذا الحق من أعضاء المجلس. فالميثاق لا يتضمن معياراً معيناً؛ ومع أنّ هذه المسألة قد أثارت الجدل مرّات عدة في مجلس الأمن، فإنَّ المجلس لم يحاول حتى الآن تلافي هذا النقص أو الغموض،ما جعل معايير التميّيز بين المسائل الإجرائية والموضوعية، أو بين النزاع والموقف، غير ثابتة ومتغيّرة تحكمها مصالح الدول الأعضاء في مجلس الأمن.كما أنَّ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن غير ملزمة، باستثناء الحالة التي يتخذ فيها المجلس التدابير العقابية المنصوص عليها في المادة (41)، أو استخدام القوة على النحو المنصوص عليه في المادة (42). فعندئذٍ تتمتع القرارات التي يتخذها المجلس بالقوة الملزمة وتصبح قرارات بالمعنى الدقيق لهذا الاصطلاح، كالقرارات الصادرة بموجب الفصل السابع من الميثاق.
3- سياسات الدول الأعضاء: وتظهر في العديد من المسائل من بينها:تواجه الأمم المتحدة أزمة مالية مستمرة بسبب مماطلة بعض الدول في دفع مستحقاتها المالية، فعشرة دول أعضاء فقط تموِّل أكثر من 90% من إجمالي النفقات. وقد أدَّى هذا الوضع إلى محاولة بعض هذه الدول ممارسة ضغوط على الأمم المتحدة عن طريق الامتناع عن دفع حصصها أو تأخير سدادها ، فباتت الأمم المتحدة، نتيجة لذلك، تواجه تناقضا جلياً، فهي إن لم تتدخل نتيجة الصعوبات المالية بدت هزيلة الشأن وتآكلت مصداقيتها، وهي إن لم تتصرف على النحو المطلوب ووفقاً لمسؤولياتها بدت وكأنها في طريق فقدان حيادها، أو كأنها تسعى لإضفاء الشرعية على تدخل الدول العظمى، سواءً تلك التي تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن أو تلك التي تسهم بقسط كبير في تمويل نشاطات المنظمة.كما أنَّ الاعتبارات السياسية هي التي تتحكم في عملية التعيين بالنسبة للوظائف العليا في المنظمة العالمية أو حتى في اختيار المبعوثين الدبلوماسيين. كذلك لم تساهم الدول الأعضاء في التوفيق بين الوسائل والغايات، فالغايات السامية التي آلت الحكومات على نفسها أن تحققها باسم شعوبها لم تُقدم، في سبيل تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع، ما يوازيها من وسائل مادية ومعنوية. وبالإضافة إلى هذه الأسباب وغيرها، فإنَّ قدرة الأمم المتحدة على الاضطلاع بالوظائف والأدوار الموكلة إليها، تصطدم بالعديد من القيود والمعايير التي وضعها الميثاق، التي تمثل في الحقيقة موازين القوى المواكبة لإنشاء الأمم المتحدة والتي باتت تهدِّد هذا الصرح العالمي. وبذلك أضحت الحاجة لتطويره وإصلاحه ضرورة ملحة للحفاظ عليه وإبقائه، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
وفي مقابل هذه الاعتبارات والأسباب ثمَّة العديد من مشاريع واقتراحات الإصلاح،منها ما قدمه الأمناء العامين للمنظمة ومنها ما رفعته بعض الدول،ومنها ما نادت به بعض المنظمات المهتمة بإنجاح عملها،إلا أنَّ القليل منها وجد الآذان الصاغية،ورغم ذلك ظلت الدول الخمسة الكبرى لها الكلمة الفصل في ذلك.وبصرف النظر عن جدية أو عدم جدية القوى المعنية في إصلاحها ،ثمَّة الكثير من عوارض الشيخوخة قد فعلت فعلها في جسم المنظمة،فهل تُحال على التقاعد في عيدها الرابع والستين وهو العمر المفترض للتقاعد في غالبية الأنظمة الدولية !؟


10‏/09‏/2009

خلفيات التشكيّلة الحكومية اللبنانية وتداعياتها

Middle East Online ميدل ايست اونلاين: "خلفيات التشكيّلة الحكومية اللبنانية وتداعياتها"

خلفيات التشكيّلة الحكومية اللبنانية وتداعياتها

خلفيات التشكيّلة الحكومية اللبنانية وتداعياتها
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
بصرف النظر عمَّا ستؤول إليه تشكيلة الحكومة،ثمّة أبعاد وتداعيات متنوعة ومتعدّدة، حكمتا ظروف إعلان التشكيلة وما يمكن أن ينشأ عنها؛وفي حقيقة الأمر ليس بالجديد القول أنَّ مختلف حقبات تاريخ لبنان السياسي تعجُّ بالمؤثرات الخارجية والداخلية لطبيعة أنماط الحكومات وسياساتها التي حكمت لبنان، بخاصة مرحلة ما بعد اتفاق الطائف.وإذا كانت هذه السمة ليست بسابقة ، إلا أنَّ الجديد فيها، حجم الاستثمارات الداخلية والخارجية التي بدأت تؤثر بشكل مباشر في طبيعة وتركيبة الكيان اللبناني، بحيث لامست الأسس التي يقوم عليها وبالتالي خطورة انهيارها.
وإن كان التأخير في إعلانها وبالشكل الذي تمّت فيه، له ما يماثلها في تشكيل الحكومات السابقة،فإن ظروفها الحالية أخذت منحى أكثر شدّة لجهة الواقعين الداخلي والخارجي،فما هي هذه الأبعاد وما هي تداعياتها؟ وهل بالإمكان القول أنَّ لبنان يمرُّ هذه المرة بامتحان عسير، ربما يقرّر مصيره في خارطة سياسية تضجَّ بمشاريع هلامية لم تتكوّن صورها بعد؟.
في الوقائع،ثمّة نقاط ارتكاز كثيرة دعمت تأخير إعلان التشكيلة،إن لم يكن إرجاءها إلى هذه الفترة بالذات،وبطبيعة الأمر تُعتبر هذه النقاط ليست وحيدة المصدر، ولا الاتجاه وبالتأكيد الاستثمار،فهي نتاج تقاطع مصالح متنوعة الأهداف والخلفيات،فإن خسر فيها طرف لن تكون حجم الأرباح للخصم المقابل متوازية بالضرورة، وبالتالي هي أقرب ما تكون إلى نظرية الفوضى الخلاقة مع بعض التفاصيل الضرورية التي تميّز الواقع اللبناني.
إقليميا ودوليا، ثمّة حاجات متبادلة لشراء الوقت المستقطع من عمر أزمات وملفات المنطقة الكبيرة،فإسرائيل التي أعلنت جهارا ومنذ إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة رفضها إشراك حزب الله تحديدا في الحكومة،واعتبار أي سلطة ستتولى الحكم في لبنان مسؤولة مباشرة عمَّا ستؤول إليها الأمور، وهي بذلك حاولت رسم إطار وسياسات الحكم في لبنان سلفا،وعلى الرغم من عدم تبنّي أي طرف لبناني لهذا المطلب،بل ثمَّة رفض قاطع لها وبخاصة الفئات السياسية الوازنة،فإن المحاولات الخارجية وبخاصة الأمريكية لم تتوان عن دعم هذه المقترحات وتظهيرها بمطبات سياسية وصلت إلى الحدود الأمنية غير المعلنة؛وبذلك من السهل الاستنتاج ثمّة مصلحة إسرائيلية واضحة جدا في نسف أي صيغة حكومية وفي أحسن الأحوال إرجاءها وإبقاء الواقع اللبناني في مرحلة الإنعاش السياسي لاستعماله في صيغ تصريف الأعمال الخارجي كما الداخلي، بانتظار منعطفات إقليمية أخرى تعيد إنتاج وقائع قابلة لخط الأوراق مجددا. علاوة على ذلك إن إبقاء الوضع الداخلي اللبناني على ما هو عليه من وجهة النظر الإسرائيلية،أمر من شانه إبقاء لبنان في موقع غير القادر على تحديد أي موقف تجاه أي استحقاق طارئ أو محدَّد وهي بطبيعة الأمر كثيرة وآتية.
في الجانب الإقليمي الآخر الضاغط باتجاه الاستثمار الأمريكي للواقع اللبناني وتشكيل حكومته،ثمَّة اتجاهان مهمان وظاهران،هما الضغط باتجاه سوريا وإيران أيضا.فبعد أن استُبعِدت سوريا نسبيا عن ملف المحكمة الخاصة بلبنان،جاء تأليب وتأجيج العلاقات السورية العراقية على قاعدة تفجيرات بغداد واتهام سوريا بها ،ومطالبة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي،بمحكمة جنائية دولية للتحقيق بالتفجيرات،الأمر الذي يستدعي مزيدا من خلق بيئة إقليمية داعمة لهذا التوجّه إذ لم تذعن سوريا لمطالب واستحقاقات أخرى يبدو أنَّ دمشق مطالبة بالإجابة عليها،ويبدو أنَّ لبنان ووضعه قد أعيد نصبه مجددا في هذا الاتجاه عبر الحكومة،باعتبار أنَّ من مصلحة سوريا تشكيل حكومة لبنانية لا تناصب العداء لها.فتأخير تشكيل الحكومة في لبنان يربك سوريا وسط موجات الاستحقاقات القادمة رغم الانفتاح الغربي عليها مؤخرا.وعلى الرغم من أنَّ ثمة من يقول، أنَّ من مصلحة سوريا أيضا أن تكون الحكومة وتشكيلها مادة لأذرع السياسة الخارجية السورية،فإن مقاربة الموضوع من وجهة برغماتية صرف، تثبت عكس الادعاء؛باعتبار أنَّ البيئة المستقرة في مجال العلاقات بين الدول وبخاصة اللبنانية السورية هي أكثر قابلية لتبادل المصالح،وعليه إنَّ بقاء الوضع على ما هو عليه لا يخدم سوريا بشكل أفضل مما إذا تغيّرت نوعية العلاقة عبر حكومة تحفظ توازنات الداخل اللبناني من جهة وتعرف كيف تستغل الاتفاق الخارجي عليها.
أما في الجانب الإيراني،فثمة استحقاقان أساسيان في برنامجها النووي وكلاهما يحتاجان لعدة شغل غربية وإيرانية في ملفات إقليمية ومنها لبنان. ففي اجتماع الخمسة الكبار إضافة إلى ألمانيا في الثاني من أيلول الحالي،واجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التاسع منه أيضا، تكوّنت ظروف الشد والجذب الإقليميين والدوليين،وإذا كان هذا الملف يستدعي من وجهة نظر الطرفين الإيراني والغربي مزيدا من الوقت المستقطع،فإن الساحة اللبنانية ،تبقي عناصر التوتير وعدم الاستقرار عاملا إضافيا باتجاه التأخير بحسم الوضع الحكومي اللبناني،بهدف إبقائه أيضا بيئة قابلة للتفجير وسط غياب حكومي قادر على اتخاذ ما يلزم من مواقف .
وإذا كانت جميع هذه الظروف قد تضافرت وتقاطعت باتجاه تأخير الإعلان عن الحكومة،فما هي مفاتيح الإعلان عنها في هذه الظروف بالتحديد؟.في الوقائع لقد اخذ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة كامل الوقت في مشاوراته بصرف النظر عن طبيعتها ومآلاتها،إذ كان بالمقدور إعلان نفس التشكيلة منذ الأسبوع الأول للتكليف،إذ لا مستجدات ولا شروط خاصة في هذا الإطار ظهرت حاليا،فما هو العامل الضاغط الذي دفع بالإعلان عنها في جوٍ مؤكد بأن المعارضة لن تقبل بها لا شكلا ولا مضمونا؟
إن التدقيق في الحراك الدبلوماسي الذي سبق إعلان الحكومة يقودنا إلى زيارة المسؤول الأمريكي زلمان خليل زاده،إلى لبنان دون الإعلان عنها لا توقيتا ولا برنامجا،بل دخل إلى بيروت بطريق الخِلسة الدبلوماسية دون المرور بأدنى ترتيبات اللياقات البروتوكولية،حيث عقد اجتماعات دون الإعلان عن طبيعتها أو نوعها أو مستواها أو نتائجها،لكن النتيجة الوحيدة التي ظهرت للعيان تأزيم الخطاب السياسي وتصعيد لهجته المفاجئة، بعد سلسلة من اللقاءات بين أطراف الأزمة الحكومية التي انعكست إيجابا على مستوى التخاطب السياسي؛ ومن ثمَّ الإعلان عن التشكيلة الحكومية التي رفضتها المعارضة مقرونة بالإصرار على الحوار للتوصّل إلى حل مناسب.
إن الظاهر المؤكد، أنَّ التشكيلة أتت وفقا للتوقيت الأمريكي الهادف إلى استثمار الوضعين الإيراني والسوري، وما لهما من امتدادات داخلية لبنانية قابلة للصرف السياسي في غير اتجاه.فما هي تداعياتها والى أين يصوَّب فيها وعِبرها؟.في هذا المجال يمكن تسجيل العديد من الملاحظات والآثار ومنها:
- في المبدأ لم تصعِّد المعارضة مواقفها إلى الدرجة التي يمكن أن تقلب الطاولة،بل تمسّكت بالحوار بهدف الوصول إلى حلٍ يمرّر قطوع الحكومة في ظرف هو الأشد خطورة على لبنان بعد اتفاق الطائف.وبذلك فإن المعارضة تُدرك حراجة الوضعين الداخلي والخارجي وهي قابلة لتقديم بيئة مرنة بحيث لا تفتح المجال لفرط الصيغة الحالية لجهة توزيع القوى السياسي في التشكيلة لجهة 15/10/5،باعتبار أنَّ البديل عن تأزيم الوضع،هو اعتذار الرئيس المكلّف وإعادة خلط الأوراق بحيث من الصعوبة بمكان، قدرة أي طرف على ضبط قواعد اللعبة من جديد، وإعادة إطلاق أفكار أو اقتراحات قابلة للحياة.
- إن عدم الوصول إلى حلٍ مناسب، سيؤدي حكما إلى إعادة المشاورات النيابية الملزمة لتكليف جديد،ولن يكون سهلا إعادة تكليف الرئيس المكلف الحريري من دون شروط مسبقة تحت الطاولة وفوقها،وبالتالي إعادة إنتاج أزمات إضافية جديدة ليست اقل تعقيدا وخطورة عما سبقها،بخاصة إذا تمَّ الاتجاه إلى إعلان تشكيل حكومة من لون واحد،الأمر الذي سيشكل سابقة إضافية في الحياة الدستورية والسياسية في لبنان تمهد لتداعيات تلامس تهديد الثوابت الوطنية والكيان في آن.
- إن حاجة جميع الأطراف الإقليميين والدوليين إلى مزيد من الوقت، يفترض التنقّل بين ألغام الحكومة اللبنانية بدقة متناهية،ما يستدعي من طرفي المعادلة اللبنانية التروّي والتمهّل في اتخاذ قرارات ذات طابع استفزازي أو متطرف،الذي يعني بشكل أو بآخر أنَّ تداعيات التشكيلة ستستمر نقاشا لبعض الوقت قبل الوصول إلى مفترق الطريق الذي سيتيح اتخاذ الخيارات، إمَّا تفهما وتهدئة ،وإمَّا تعنتا وتصعيدا،وفي كلا الحالين أمرٌ مرتبط بواقع ليس للبنانيين تأثير كبير فيه.
- ربما قدر التركيبة السياسية اللبنانية أن تبقى أسيرة توازنات ومواقف متغيرة،وربما قدر رئيس التكتل الديموقراطي وليد جنبلاط أيضا البقاء مفتاح الحل والربط في هذه المرحلة،فهو إن أحسن مسك العصا الحكومية من النصف،من الممكن أن تُدوَّر الزوايا ،وبالتالي فتح الوضع القائم على أفكار جديدة قابلة للحياة والبناء عليها. وما يرجِّح هذه الفرضية تصريحات جنبلاط ومواقفه الدقيقة التي تراعي النقاط الحساسة لكلا الطرفين.
- وبصرف النظر عن القدرة أو الرغبة اللبنانية في التوصّل إلى نقاط مشتركة يبنى عليها ، فإن شروطا إضافية ينبغي توافرها ،من بينها التفاهم بين بعض الأقطاب العربية ومن بينها سوريا والسعودية ومصر على بيئة تُهدأ غليان الوضع اللبناني، وهو أمرُ ممكن التحقق رغم صعوبته وفقا للظروف القائمة.
يبقى اللبنانيون وبسوادهم الأعظم هم أصحاب المصلحة الأولى في الوصول إلى حلٍّ دائم ومناسب لمشاكلهم التي لا تعد ولا تحصى،وهو أمرٌ بات حلما من أحلام اليقظة؛فإلي متى سيظل اللبنانيون معتصمون بحبل الحكومات ومن يؤثر فيها،والى متى سيبقى الاستخفاف بالعقول وكأنه أمرٌ كان مقضيا؟

06‏/09‏/2009