26‏/04‏/2008

As-Safir Newspaper - خليل حسين : هل دخل لبنان مشروع الفراغ النيابي؟

As-Safir Newspaper - خليل حسين : قراءة سياسية ـ قانونية لوثيقة الإع

As-Safir Newspaper - خليل حسين : مخارج التعديل الدستوري في أزمة لبن

As-Safir Newspaper - خليل حسين : الثابت والمتغير في الحوار الأميرك

As-Safir Newspaper - خليل حسين : الوساطة الفرنسية وشروط نجاحها

هل دخل لبنان مشروع الفراغ النيابي؟ د.خليل حسين

23‏/04‏/2008

ماذا في تقرير لارسن عن القرار 1559 ؟

ماذا في تقرير لارسن عن القرار 1559 ؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
بيروت 22-4-2008
ركز مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة تنفيذ القرار 1559 تيري رود لارسن، في تقرير سلمه أمس الى أعضاء مجلس الأمن الدولي، على «التكهنات والتقارير» غير المدعومة بأدلة قاطعة، حيث اعتبر ان معلومات وصلته من دول عديدة لم يسمها «يبدو أنها تؤيد الزعم باستمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود السورية اللبنانية»، ورأى ان سلاح «حزب الله» يشكل «عامل تهديد» للامن الاقليمي، منتقدا بشكل ضمني اعتصام المعارضة في وسط بيروت.
ومن المتوقع أن يناقش مجلس الامن تقرير لارسن الأسبوع المقبل، وإن كان من غير المتوقع صدور بيانات من المجلس في أعقاب ذلك، خاصة ان المجلس أصدر للتو بيانا بشأن تقرير الأمين العام حول تنفيذ القرار .1701
وجدد لارسن في تقريره مطالبته بنزع سلاح «حزب الله» والجماعات الفلسطينية، معتبرا ان احتفاظ «حزب الله» بقدراته العسكرية «يمثل تحديا أساسيا لاحتكار الحكومة للاستخدام الشرعي للقوة وتهديدا للسلام والأمن الإقليمي». لكنه قال إن هذه العملية يجب أن تتم من خلال «حوار سياسي موسع يتناول المصالح السياسية والاقتصادية لكل اللبنانيين». وقال ان «سوريا وإيران، اللتين تحتفظان بعلاقة لصيقة مع الحزب، تتحملان مسؤولية كبيرة في دعم مثل هذه العملية من أجل أمن لبنان والمنطقة الأوسع»، وكذلك «تحويله إلى حزب سياسي فقط بشكل يتسق مع اتفاق الطائف».
وأشار لارسن في تقريره إلى تصريحات قادة «حزب الله» بشأن إعادة بناء قدراته العسكرية وكذلك ما تم ترويجه من تقارير تفيد بقيام الحزب «بتطوير شبكة اتصالات مؤمنة عبر البلد، منفصلة عن النظام التابع للدولة. إن مثل هذه التطورات تزيد من الانطباع القائم بأنه يتم بناء مؤسسات مستقلة عن التابعة للدولة». وكان لافتا تعامل لارسن مع هذه «التقارير» على أساس أنها حقائق رغم أن تقريره نفسه أشار اليها بصفة «تقارير» أي أنها ليست مدعومة بأدلة قاطعة.
لكن تقرير لارسن ركز على خطورة استمرار حالة الفراغ السياسي في لبنان في ضوء عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ نحو ستة اشهر قائلا ان «الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية في انتخابات حرة ونزيهة بعيدة عن اي تدخل أجنبي أدى إلى استقطاب الموقف في لبنان وشكل عقبة أساسية أمام تنفيذ القرار .1559 وعلى هذا الأساس، ما زال من المنتظر تطبيق القرار 1559 بشكل كامل».
وفي الوقت الذي أعرب فيه لارسن عن خيبة أمله جراء عدم الاستجابة للدعوات المتكررة لانتخاب رئيس، «فإنني على دراية بالدور الذي تؤديه أطراف خارجية وتدخلها في الشؤون الداخلية اللبنانية والتي تساهم في استمرار حالة الجمود السياسي في البلد. ومثل هذا التدخل الأجنبي يمثل خرقا لقرارات مجلس الأمن».
وجدد لارسن مطالبته سوريا بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع لبنان، قائلا ان «التمثيل الدبلوماسي المتبادل يبقى أكثر الطرق مناسبة من أجل التعامل مع أي قضية ثنائية». وأعرب عن أسفه لعدم تحقيق أي تقدم في هذا المجال. كما كرر مطالبته بترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، مشيرا إلى أن ذلك سيمثل «خطوة هامة نحو بسط سيطرة الحكومة على كامل أراضيها ونحو استقرار المنطقة».
وفي الوقت ذاته، عبر لارسن عن «قلقه» من استمرار الخروقات الجوية الإسرائيلية للأجواء اللبنانية وطالب إسرائيل «بوقف الأعداد المتزايدة من طلعاتها الجوية والتي تمثل خرقا لقرارت مجلس الأمن». كما أشار إلى أن استمرار احتلال إسرائيل للجزء الشمالي من قرية الغجر يمثل كذلك «خرقا لسيادة لبنان».
وجدد لارسن دعوة المجتمع الدولي الى تقديم مساعدات للجيش اللبناني الذي يعاني من زيادة في المهام المنوطة به في ضوء استمرار أزمة الرئاسة وكذلك حفظ الأمن الداخلي والتعامل مع قضايا من قبيل «إغلاق مركز المدينة». وأضاف «أن استمرار وجود الميليشيات والمزاعم الخاصة بإعادة التسلح والتدريب بشكل واسع بين مختلف (الجماعات) تمثل تحديا لسلطة حكومة لبنان على كامل أراضيها».
وأضاف لارسن أنه في ضوء الأزمة الداخلية الخاصة بالرئاسة، «تزايدت التقارير والتكهنات بأن الميليشيات تقوم بتوسيع ترسانات أسلحتها أو تقوم ببناء قدرات تسليحية. كما تم التعبير عن مخاوف بأنه حتى الوضع الحالي الموقت والمتوتر والمتواصل منذ انتهاء الحرب الأهلية ـ والذي تخلت بمقتضاه معظم الجماعات السياسية اللبنانية في ما عدا حزب الله عن قدراتها العسكرية ـ قد ينتهي ويؤدي إلى عملية إعادة تسلح واسعة وهو ما من شأنه أن يزيد من فرص تجدد المواجهات بين اللبنانيين».
وقال لارسن انه رغم أن الأمم المتحدة لم تستطيع تأكيد هذه التقارير، فإنها «قد تؤدي في الواقع إلى تسريع، إن لم يكن الدفع نحو سباق تسلح في لبنان ونتائج لا يمكن التنبؤ بها. وفي هذا السياق، فإنه من المهم أن تقوم كل الدول، وخاصة الدول المجاورة، بالالتزام بحظر توريد الأسلحة كما ورد في القرار 1701».
وفي ما يتعلق بنزع سلاح الميليشيات الفلسطينية، قال لارسن انه «لم يحدث أي تقدم» في هذا المجال. لكنه رحب في تقريره بالوثيقة التي أصدرها ممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي في مطلع العام 2008 والتي حددت «للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية سياسة منظمة التحرير نحو لبنان والعلاقة الثنائية التي تحكم الطرفين» خاصة في ما يتعلق بقضيتي التوطين والتسليح.
واعتبر لارسن ان المخيمات الفلسطينية «لا تزال تمثل تحديا أساسيا لاستقرار وأمن لبنان، وتحديدا بسبب تواجد عدد من الأطراف غير التابعة للدولة في المخيمات. وما زلت أشعر بالقلق من استمرار التهديدات الصادرة من جماعات متأثرة بالقاعدة في المخيمات الفلسطينية»، مشيرا في هذا الصدد إلى الاشتباكات التي شهدها مخيم عين الحلوة بين تنظيم فتح وتنظيم جند الشام الذي قال انه يتنبى أيديولوجية القاعدة.
كما عبر لارسن عن مخاوفه من احتمال انتقال العنف من داخل المخيمات إلى المناطق المجاورة وخاصة في جنوب لبنان، وكذلك مخاوفه من احتمال ظهور جماعات متشددة جديدة في ضوء الظروف المعيشية الصعبة داخل المخيمات والمناخ الأمني المتوتر. واضاف أن اشتباكات نهر البارد «مثلت دليلا واضحا على الخطر الذي تمثله الجماعات المسلحة لاستقرار وسيادة لبنان وضرورة الإسراع في نزع سلاحهم».
وعبر التقرير عن القلق العميق من استمرار أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة وفتح الانتفاضة «اللتين تحتفظان ببنية تحتية عسكرية خارج المخيمات وعلى الحدود بين سوريا ولبنان. كما أن مقر هاتين الجماعتين يقع في دمشق. ولذلك فإنني أذكر حكومة سوريا بأنها تتحمل مسؤولية لحث هذه الجماعات على الالتزام بقرارات مجلس الأمن وقرارات حكومة لبنان».
وأعرب التقرير عن القلق بشكل عام من المزاعم الخاصة بعودة ظهور الميليشيات التابعة لكافة الأحزاب في مخالفة لاتفاق الطائف. وأشار في هذا السياق إلى تزايد حالات إطلاق النار في الهواء عندما يلقي الزعماء السياسيين خطاباتهم والتي اعتبرها ظاهرة «مزعجة بشكل عميق وتعرض حياة المدنيين للخطر». ودعا كل الأحزاب اللبنانية إلى التخلي الفوري عن أي خطط لإعادة التسلح والعودة للحوار عبر المؤسسات الشرعية «وخاصة البرلمان» باعتبارها الوسائل الوحيدة لحل الأزمة السياسية المتواصلة.
كما تناول تقرير لارسن غياب لبنان عن القمة العربية الأخيرة في ضوء تواصل خلافات الحكومة مع دمشق حول الانتخابات الرئاسية. وحيا التقرير ما وصفه بالجهود الحثيثة التي يبذلها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى من أجل مساعدة اللبنانيين على تجاوز خلافاتهم وملء منصب الرئاسة الشاغر.

17‏/04‏/2008

هل دخل لبنان مشروع الفراغ النيابي بعد الرئاسي؟

هل دخل لبنان مشروع الفراغ النيابي بعد الرئاسي؟
د.خليل حسين
رئيس المركز اللبناني للدراسات الإستراتيجية والدولية
ربما لم ولن يكون الثاني والعشرين من نيسان موعدا لتأجيل الانتخابات الرئاسية في لبنان بقدر ما سيكون موعدا لدخول لبنان في الفراغ التام عبر مؤسسات دستورية أخرى ومنها السلطة التشريعية،أي مجلس النواب.وربما الكلام في هذا النوع من الفراغ هو مخيف ومبكر ربطا بموعد الانتخابات النيابية في العام القادم،إلا أن ما يُتداول به وتُشتمُّ رائحته من الكواليس المحلية والدولية يوحي بأن طبخة ما تُحضَّر للبنان تعيد وصل ما انقطع من الذاكرة الجماعية للبنانيين التي عاشوها في فراغات متتالية لمؤسسات الدولة طوال الحرب الأهلية السابقة.
منذ ثلاثة أشهر جرى همسا بالحديث بين السفير الروسي في لبنان ومراجع لبنانية كبيرة حول ما تمَّ التداول به في مجلس الأمن الدولي بين وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليسا رايس،ونظرائها من الدول الكبرى حول إمكانية تجاوز الانتخابات الرئاسية في لبنان واعتبارها من الصنف غير الأولي في السياسات الأمريكية الحالية تجاه لبنان،وبصرف النظر عمَّا إذا كانت هذه التسريبات من النوع الذي يُصنف من قبيل جص النبض السياسي للإطراف المعنية،فإنه يخفي رؤية أمريكية لمجرى الحال في لبنان على الأقل لثلاث سنوات قادمة،فما هي الدوافع والأسباب لهذا التحوّل الأمريكي؟وهل يمكن أن يلقى تجاوبا من الأطراف المعنية بالأزمة اللبنانية؟
ربما المظهر الأساسي الذي برز في الآونة الأخيرة تحوّل لبنان في اللعبة الإقليمية إلى موقع ثانوي مقارنة بمجموعة الملفات المرتبطة به، وبالتالي إن بعض الملفات الأساسية الداخلية باتت موضوعة قيد الانتظار برضا إقليمي ودولي وحتى محلي غير معلن،ما يُسهل المضي بلعبة استقطاع الوقت وشرائه بانتظار متغيّرات كبيرة يمكن الاستفادة منها داخليا وخارجيا.وفي الواقع ثمَّة مؤشرات كبيرة وجدّية كثيرة يمكن أن تؤسس للذهاب بعيدا في لعبة الفراغ الشامل في لبنان ومنها:
- إن إنتخابات الرئاسة اللبنانية باتت في هذه المرحلة ضربا من ضروب الخيال السياسي المعتاد في لبنان،نظرا لربطه بمجموعة من الشروط والشروط المضادة غير القابلة للتطبيق عمليا من الوجهة الدستورية وحتى السياسية.وفي ظلِّ هذا الواقع لا يلوح في الأفق أي مشروع محلي أو عربي قابل للحياة،نظرا للربط بين هذه المشاريع ومشاريع التضامن العربي التي بدورها تحتاج إلى جهد من نوع خاص للتوصل إلى حد ادني يضمن فكاك ملفاتها عن الملفات القطرية ومنها اللبنانية.
- وإذا كان الفراغ في موقع الرئاسة بات مسلما به دون الجرأة على البّوح به،فإن العدوى بدأت تنتقل إلى السلطة التشريعية عبر رضا أميركي مُعلن عن إمكانية عدم إجراء انتخابات نيابية في موعدها المقرَّر في العام 2009،بهدف إبقاء الوضع عمَّا هو عليه،وهو أمر يمكن أن تستسيغه غالبية الأطراف الفاعلة في الأزمة اللبنانية داخلية كانت أم خارجية لأسباب وظروف متعدِّدة ومتنوعة.
- في المحور الدولي وأبرزه الأمريكي،فإن حالة من الكوما السياسية ستدخلها الإدارة الأمريكية بعد شهرين تقريبا،إذ لن يخصص أحدا أيا من وقته لأيِّ ملف خارجي ثانوي غير فاعل في الانتخابات الرئاسية من الناحية العملية،وبالتالي إن الوضع اللبناني من الناحية الدستورية لن يكون له أي ثقل نوعي في السياسات الانتخابية الديمقراطية والجمهورية في سياق الوصول إلى البيت الأبيض،إذ أن العكس يمكن أن يكون قابلا للاستثمار السياسي الإقليمي من الوجهة الأمريكية في حال الفراغات الدستورية في لبنان.إضافة إلى ذلك إن وصول أيَّاً من الجمهوريين أو الديمقراطيين إلى سدة الرئاسة الأمريكية لن يكون بمقدوره متابعة الملف اللبناني في السنة الأولى لولايته وهو الوقت المفترض للانتخابات النيابية اللبنانية.
- في المقلب الإقليمي ثمَّة حوافز منشِّطة للمضي في لعبة الفراغات الدستورية على قاعدة أن إضعاف المؤسسات يُسهل التّدخلات،وهي لعبة مستساغة ومرغوبة لدى الدول التي تبحث عن أذرع إضافية في سياساتها الخارجية،وقد سبق لهذه الخيارات أن أخذت موقعها المتميِّز في عمليات الشدِّ والجَّذب في الواقع السياسي اللبناني خلال الحرب الأهلية.
- وفي المقلب اللبناني المعني الأساسي في الموضوع،فيبدو أن جميع الأطراف الوازنة في اللعبة السياسية الداخلية غير مستعجلة عمليا للخروج من الفراغات الحالية والمرتقبة،فلا الأكثرية متأكدة من الاحتفاظ بحجمها العدَّدي في المجلس القادم، ولا الأقلية المعارضة تمتلك البرنامج والأداة لخوض الانتخابات، وبالتالي تسلمها السلطة،وفي كلا الحالتين المزيد من انهيارات المؤسسات التي سيشهدها لبنان قريبا.
- وعطفا على السبب الداخلي السابق ،ثمَّة استحالة من الناحية العملية لإمكانية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها إذا ظلّت الظروف كما هي، خلاف على القانون الانتخابي الحالي أي قانون العام 2000،وعدم توافق على أي قانون انتخابي ستجرى الانتخابات في ظله لاحقا.وبين الخلاف على القانون والآليات،ثمَّة وضع حكومي يُعتبر أزمة وطنية بحد ذاته،وبالتالي إن المؤسسة التي يفترض بها أن تُعِدَّ قانون الانتخاب هي مؤسسة دستورية مختلف على شرعيتها،فمن أين يمكن أن يبدأ الحل؟.
في العام 1976 تمكَّن المجلس النيابي اللبناني من انتخاب الرئيس اليأس سركيس قبل انتهاء ولايته بأشهر قليلة،واجتهد لنفسه بعمليات تمديد متواصلة امتدّت إلى العام 1992 أي لما بعد اتفاق الطائف،فهل سيتمكن المجلس النيابي الحالي من انتخاب رئيس للبنان قبل انتهاء ولايته في العام 2009 ،أم أن التاريخ سيكرر نفسه،لجهة التمديد وعدم إجراء انتخابات نيابية في موعدها المقرر؟ لقد مدَّد المجلس الحالي في العام 2004 ولاية الرئيس السابق إميل لحود لثلاث سنوات إضافية،فهل سيستسيغ لنفسه ما استساغه لغيره،ثمَّة قول مأثور مفاده "من ساواك بنفسه لم يظلمك",فهل سيستوي الفراغ في رئاسة الجمهورية مع التمديد المحتمل للمجلس النيابي؟سؤال بدأت إجاباته في الظهور شيئا فشيئا على أوجه المعنيين به قبل ألسنتهم!

09‏/04‏/2008

08‏/04‏/2008

ماذا بعد مناورات إسرائيل العسكرية وتطميناتها الدبلوماسية؟

ماذا بعد مناورات إسرائيل العسكرية وتطميناتها الدبلوماسية؟
د.خليل حسين
رئيس المركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية والدولية
www.drkhalilhussein.blogspot.com
بيروت:7-4-2008

عندما تلجأ الدول إلى المناورات العسكرية في بيئة غير مستقرة فهذا يعني أنها اتخذت قرار الحرب ضمنا،وعندما توجه رسائل تطمينات إلى دول بعينها فهي تحتمل التأويل ،فإما تحاول تحييدها مرحليا، وإما تبتغي تضليلها،وفي كلا الحالتين الهدف الاستراتيجي واحد وهو توجيه الضربة لمن يعنيه الأمر.فما هي خلفيات المناورة "الإسرائيلية"؟ وما هي أبعادها المستقبلية؟.
في الجبهة الداخلية "الإسرائيلية" السياسية والعسكرية ثمة قراءة دقيقة لتقرير فينوغراد الأمر الذي يعني على الأقل أنها أجرت مناورات "اللحظة الحرجة" ليس بهدف الاتعاظ فحسب بل الاحاطة بظروف أية معركة قادمة،وهذا ما توضحه نوعية المناورة وحجمها وشمولها،وهي بطبيعة الحال المناورة الأولى التي تُجرى بهذا التوصيف والتكييف الاستراتيجي منذ إنشاء الكيان "الإسرائيلي"،وفي هذا الصدد يمكن إدراج العديد من الأهداف والخلفيات التي تبتغيها على المستويين الداخلي والخارجي وأهمها:
- لقد وضعت تل أبيب استراتيجية جديدة في العقيدة العسكرية "الإسرائيلية" وهي تعويد الداخل "الإسرائيلي" على العيش في جو المعركة القادمة بعدما خاضت جميع حروبها ضد العرب خارج الكيان باستثناء عدوان 2006 على لبنان ،ما يعني أن القوة العسكرية باتت عاجزة عن سد ثغرة انكشاف الجغرافيا العسكرية الداخلية وبالتالي أن أي معركة قادمة ستشمل عسكرة قطاعات كانت في الماضي بعيدة عن المعارك الفعلية التي خاضتها "إسرائيل".
- الجديد أيضا إدخال نوعيات استثنائية في تقنيات وآليات المناورة وهي إشراك قطاعات محددة في ظروف غير تقليدية من الناحية العسكرية وهي مواجهة حرب غير تقليدية من النوع النووي أو البيولوجي أو الكيميائي، ما يعني أن "إسرائيل" بدأت تفكر جديا بأن توازن الرعب مع أعدائها بات موجودا وهي خيارات قابلة للاستعمال.
- للمرة الأولى أجرت إسرائيل مناورة عسكرية نوعية بعد هزيمة موصوفة مترافقة مع رسائل دبلوماسية واضحة لمن من المفترض أن المناورة موجهة ضدهم، ما يعني توجيه رسائل متعددة الاتجاهات ظاهرها شيء وباطنها شيء آخر، تهديد ووعيد معلن وخوف ورعب مبطن.
وإذا كانت هذه السوابق في العقيدة العسكرية "الإسرائيلية" تشكل منعطفا في سلوك "إسرائيل" العدواني فما هي الأبعاد التي أرادت "إسرائيل" إيصالها من "اللحظة الحرجة" التي عاشتها حقيقة واقعة في مناورتها.
عندما افتتح رئيس الحكومة ايهود اولمرت جلسته الطارئة بدأها بعبارة "نشبت الحرب" وان تكن بدلالاتها الرمزية لا تعني سوى التذكير بأجواء الشحن العسكري،إلا أن ما قاله وزير الدفاع ايهود باراك بأن إسرائيل لا زالت أقوى دولة في المنطقة في شعاع 1500 كلم من القدس يعني المدى الحيوي الذي تمتلكه الآلة العسكرية "الإسرائيلية"،وهو بعبارة أخرى كلام موجه إلى دول إقليمية محددة ذات بُعد عدائي بالنسبة إليها، الأمر الذي يوضح الحقائق غير المعلنة من المناورة.صحيح ان استعراض التاريخ العسكري للحروب الاسرائيلية السابقة يثبت تفوقها النوعي على الاعداء التقليدين لها لجهة دول الطوق الجغرافي لفلسطين،الا ان متغيرا استراتيجيا آخرا ظهر في العقد الأخير تمثل بتهديدات من انواع اخرى،ابرزها عدم قدرة اسرائيل على مواجهة اساليب عمل المقاومة الشعبية المسلحة كالنموذج اللبناني،وعدم قدرتها على استيعاب امكانية وجود توازن رعب مع قوى اخرى في المنطقة يشل قدراتها النوعية غير التقليدية في عمليات الرد في اي معركة قادمة.
واذا كانت الرسائل الموجهة ذات طبيعة مزدوجة لجهة الجغرافيا العسكرية، سوريا وحزب الله من جهة ،وايران من جهة اخرى،فان طبيعة المواجهة من وجهة النظر "الاسرائيلية" تقتضي التحسّب لمخاطر لم تكن موجودة في السابق، وعليه فان الحسابات ستكون مختلفة عند انطلاق الرصاصة الأولى في المعركة القادمة؛وهذا ما صرح به بشكل واضح وزير البنى التحتية بنيامين بن اليعازر بقوله"ان كل هجوم ايراني على اسرائيل سيقابل برد يقود الى تدمير الامة الايرانية" الامر الذي يترجم من الناحية العسكرية ان استعمالاً لأسلحة غير تقليدية سيكون الملاذ الأخير "لإسرائيل"،وفي حقيقة الامر لا تعتبر هذه الاستراتيجية سابقة في العقيدة العسكرية،فقد سبق "لاسرائيل" ان هددت باستعمال هذه الخيارات في حرب 1973.
واذا كانت الاهداف المعلنة لهذه المناورة الاستفادة من دروس وعِبر حرب لبنان 2006 ،فان غير المعلن منها هو محاكاة المتغيرات المستجدة في مسار اي معركة مقبلة والتي تتطلب التعامل مع ظروف وتقنيتت وآلات مختلفة،وهي من النوع الذي يلامس "الوجود" الذي يعتبر من مهام وركائز العقيدة العسكرية "الاسرائيلية".
في الجهة المقابلة،ثمة قراءة متأنية ركيزتها عدم الاستخفاف والاستعداد للرد عند الانتقال من المرحلة النظرية الى العملية،وهذا ما بدأته المقاومة قبلا بمناورتها قبل ثلاثة اشهر،وهي تتابع تفاصيلها الدقيقة بمعزل عن مجريات وتداعيات هذه المناورة تحديدا،وهي وان ترى ان ظروف المعركة ليست قريبة لكنها تعلم ان المواجهة قادمة لا ريب.
وبطبيعة الأمر فان لايران ولسوريا حساباتهما الخاصة في التعاطي مع تداعيات المناورة،وهما تدركان تماما ان المناورات العسكرية للدول تجد دائما بيئة للصرف السياسي والعسكري،فايران اجرت عدة مناورات ضخمة في فترات سابقة،وكذلك الامر بالنسبة لسوريا،الأمر الذي يعني ان حسابات المواجهة هي اكثر بكثير من عدمها،وبالتالي ان تعاطي كل من طهران ودمشق مع تداعيات المناورة "الاسرائيلية" من النوع الجدي،سيما وان السوابق الاسرائيلية تشكل خارطة طريق عدوانية على دول المنطقة.
تذهب الجيوش كبيرها وصغيرها الى المعركة ووهم النصر يتملكها،لكن سرعان ما يكتشف القادة المحترفين ان حسابات الورق تختلف عن غيرها،عندها فقط تبدأ المعركة الحقيقية وتداعياتها.فهل تتعظ "إسرائيل" من دروس الماضي القريب لا البعيد؟ يبدو ان الامر ليس كذلك،لاعتبارت كثيرة،"فإسرائيل" بلعت الهزيمة الاولى في تاريخها،لكنها غير قادرة على هضمها،سُئل بن غوريون عن كيفية زوال "اسرائيل" فأجاب بلغة المجرِّب العارف:عندما تهضم هزيمتها الأولى.فهل اتخذ قرار الحرب ؟وكيف ومتى وأين ستكون مجرياتها؟ان عوامل التفجير تسابق اي شيء آخر،فهل ستجتر "إسرائيل" هزيمتها وتحاول هضمها مكرهة؟ام ان وهم النصر لا زال يدغدغ عصب القرار السياسي والعسكري الاسرائيلي؟الاجابة عن ذلك ستكون في صيف مختلف بحرارته.

02‏/04‏/2008

لبنان .. الغائب الحاضر في قمة دمشق الوطن القطرية 2-4-2008

جريدة الوطن Newspaper Al Watan: "لبنان .. الغائب الحاضر في قمة دمشق"

كيف ولماذا تعدّل مشروع الاتحاد المتوسطي؟

كيف ولماذا تعدّل مشروع الاتحاد المتوسطي؟
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ميزات فارقة فهو سياسي طموح لكنه مزعج، ينفرد بمبادراته لكنه يتسرع بتصريحاته، يسعى للشهرة على حساب الفكرة، يفكر قط بمصلحته على حساب الآخرين، يعد بتحقيق أكثر مما يستطيع، وربما أكثر مما يريد، فمن أراد التعامل معه عليه أن يكون ذا نفس طويل، وحذر شديد، وقدرة دبلوماسية فائقة. والأمر نفسه ينطبق على المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل التي "أنقذت الموقف" مرتين على الأقل، أولاهما عندما اقترح ساركوزي تشكيل "مجلس حكماء أوروبي" للتفكير بمستقبل الاتحاد الأوروبي وللعمل على منع انضمام تركيا إليه، ولم يبق من الفكرة إلا العنوان، فتشكّل المجلس، ولكن دون أن يكون من صلاحياته ما يتعلق بعضوية تركيا، ولا النظر في المستقبل "القريب" للاتحاد، بل طرح أفكار عامة حول مستقبله بعد عام 2020.والمرة الثانية كانت قبيل القمة الأوروبية في بروكسل منتصف آذار الماضي، فما طرحه ساركوزي لتشكيل اتحاد أوروبي- متوسطي، يحمل بصماته بدءا بالطموح والتسرع، انتهاء بعدم مراعاة الآخرين من الشركاء والأصدقاء، أمّا ما وُضع على مائدة المفاوضات مع انعقاد القمة، فكان شيئا آخر، حمل بصمات ميركل مع ساركوزي، وبدّل وجه المشروع المطروح إلى درجة تسمح بالقول إنّه مشروع جديد.ومن أهدافه المعلنة:
- اتحاد جديد قائم بذاته يجمع الدول الأوروبية المطلّة على البحر الأبيض المتوسط، والدول الأخرى المطلّة عليه.
- اعتبار عضوية تركيا في هذا الاتحاد بديلا عن عضويتها في الاتحاد الأوروبي.
- تعزيز التعاون الاقتصادي (وهذا ما يتضمّن سعي فرنسا مؤخرا لتسويق مفاعلاتها النووية في الشمال الإفريقي العربي) والتعاون البيئي (جعل البحر الأبيض المتوسط أنظف بحر في أنحاء العالم) والتعاون الأمني (مكافحة الإرهاب وفق مفهومه الغربي ومكافحة الهجرة من الجنوب إلى الشمال وما شابه ذلك).
ومن الأهداف غير المعلنة بإيجاز أيضا:
- تشكيل وعاء سياسي يجمع العرب والإسرائيليين بعد إخفاق مشروع ما عُرف بإعلان برشلونة دون تحقيق هذا الهدف الجوهري لتأسيسه بعد إخماد الانتفاضة الفلسطينية الأولى وانطلاقة أوسلو على خطى مدريد.
- ربط سوريا من بين "دول الممانعة" بمشروع يحقق لها مصالح اقتصادية، ثمنا للتخلّي عن "ممانعتها" سواء على صعيد المقاومة الفلسطينية أو المقاومة اللبنانية أو "التطبيع" غير المشروط مع الإسرائيليين.
- ترسيخ النفوذ الفرنسي المنافس للنفوذ الأمريكي من جهة، والمتكامل معه من جهة أخرى، في اتجاه المنطقة العربية المجاورة، التي كانت دائما هدفا فرنسيا وأوروبيا وأمريكيا.
والمفارقة أن ساركوزي لم يطلق على مشروعه عنوان "الاتحاد الأوروبي-المتوسطي"، بل المتوسطي فقط، بهدف أن يكون الاتحاد الأوروبي من ورائه ولكن من الناحية المالية، باعتباره بديلا أو مكملا لطريق إعلان برشلونة، الذي أخذ من الميزانية الأوروبية المليارات وخصص له 16 مليارا أخرى للفترة بين 2007 و2013 .
المشروع الذي قُدّم للقمة الأوروبية يُعتبر امتدادا لمشروع إعلان برشلونة بتطوير محدود بعد أن عُدل ألمانياً ، ثم شاركت فرنسا في تبنيه، كما يعتبر اتحادا أوروبيا (يشمل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جميعا وهي حاليا 27 دولة) متوسطيا، وإن بقي يحمل اسم الاتحاد المتوسطي رسميا.
لقد استكمل المشروع بإجراء شكلي، يجعل رئاسة الاتحاد الثنائية مقتصرة (بالتناوب كل عامين) على الدول المطلّة على البحر الأبيض المتوسط، إلى أن تشملها الدورة جميعا (18 سنة) ثم تشارك الدول الأوروبية الأخرى في التناوب على الرئاسة أيضا.أمّا المضمون على الأصعدة الاقتصادية والأمنية وسواها، فهو هو كما كان، بين الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة عبر إعلان برشلونة، ولكن سيحمل عند تأسيس الاتحاد بالفعل اسم الاتحاد المتوسطي.
الشكل الجديد المعدّل للمشروع باسمه القديم، هو ما وجد ترحيبا "مبدئيا" من جانب من عارضه سابقا، كالدول الإسكندنافية والنمسا، بسبب التكاليف المالية والاستثناء من العضوية، وقد بدا أنّ الاتحاد المتوسطي لم يعد مشروعا ساركوزيا، بل أصبح جزءا من مسيرة المحور الفرنسي- الألماني المشترك.
وإذا سارت الأمور على ما يرام وتحقق الاتفاق على التفاصيل- أن يُعلن عن تأسيس الاتحاد في احتفال رسمي على مستوى قمة طارئة تنعقد في باريس في13/7/2008، أي بعد أسبوعين من استلام فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وقبل يوم واحد من احتفالات فرنسا بيومها الوطني.أمّا الحصيلة الحقيقية للمساومات الأوروبية حول المشروع فهي أنّ ساركوزي اضطر إلى "اقتسام الغنيمة" مع شركائه الأوروبيين، ليس في صناعة القرار فقط، بل فيما يمكن تحقيقه اقتصاديا أيضا.
الخلافات حول صياغة المشروع الجديد كانت خلافات أوروبية- أوروبية، والحلول الوسطية كانت أوروبية، والمفاوضات على التفاصيل ستجرى بين الأوروبيين، والمخطط الزمني المقرّر يرى أن يستمرّ ذلك حتى يتمّ اتخاذ القرار أوروبيا، ثم يحضر الغائبون من الرؤساء والملوك على الساحل الجنوبي والشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ليشاركوا في احتفال تدشين تأسيس الاتحاد الجديد على خطى مسيرة برشلونة القديمة.
قبل العروض النووية الفرنسية الأخيرة، كانت الدول العربية وما تزال تشتري ما قيمته سنويا أكثر من 120 مليار يورو (126 مليارا عام 2006) من الآلات والسيارات والمنتجات الكيماوية وغيرها، من الدول الأوروبية، وهو ما يمثل سندا لا يستهان به لازدهارها الاقتصادي الذي يعتمد على "بند الصادرات" في الدرجة الأولى.
وكانت تلك الدول وما تزال - وبخاصة ليبيا والجزائر- مصدر تأمين نسبة عالية من احتياجات النفط والغاز للقارة الأوروبية بتكاليف منخفضة نسبيا، نظرا للجوار الجغرافي ولاعتبارات أخرى.هذا إضافة إلى أنّ الدول العربية ذات القدرات الاقتصادية الأكبر نسبيا، بغض النظر عن الأوضاع المعيشية، سوق مرغوبة أوروبيا للاستثمارات المالية شريطة تشريع القوانين لحمايتها، أو بتعبير أوضح لضمان تحقيق أرباح للأوروبيين من خلالها، دون ضمان تحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي في البلدان المضيفة، فغالبها استثمارات في قطاعات السياحة والبناء وأمثالها، وليس في قطاعات إنتاج صناعي وتطوير تقني.يضاف إلى ذلك أنّ أوروبا تضع في حسابها تحت وطأة شيخوختها وانقلاب هرم الأعمار السكاني فيها رأسا على عقب "استيراد" الأيدي العاملة من الدول العربية في الشمال الإفريقي، بنسبة عالية خلال عقد أو عقدين على الأكثر.
عند النظر في الوثيقة الصادرة عن المفوضية الأوروبية عام 2000 (أي بعد خمس سنوات على انطلاق مسيرة برشلونة) يمكن استقراء الأهداف الأهمّ في نظر الأوروبيين من خلال التعاون الأوروبي-المتوسطي، فآنذاك أبرزت المفوضية أهم "العقبات"، فكان أوّلها بطء "عملية التسوية السلمية"، ومنها عدم تبني "إستراتيجية التحوّل الاقتصادي" وفق الرؤية الغربية (إلغاء الحماية جمركيا وتجاريا واستثماريا).
أما الميادين التي تحقق فيها النجاح، فكان على رأسها "الميدان الأمني" لمكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة، وعدد من المشاريع على المستوى الثقافي والفني.يمكن أن يكون بين الأهداف الرسمية المعلنة، دعم مسيرة التنمية في الجنوب المتوسطي، وإذا انطبق العنوان على المضمون، فلذلك خلفيته الأوروبية المشروعة، أن تنمو القدرة الشرائية وبالتالي يزداد الاعتماد على الواردات الأوروبية.
ولكن من الملاحظ طوال ثلاثة عشر عاما مضت على إعلان برشلونة، وعلى الوثائق الرسمية للمؤتمرات المشتركة والمشاريع المختلفة، أن ليس في "برنامج" الأوروبيين وليس في "برامج" الأطراف العربية المشاركة، مشروع واحد يعزّز مثلا إنشاء بنية تحتية عربية مشتركة من طرق مواصلات، ومواني بحرية ومطارات وغيرها، وشبكة اتصالات، تزيد ارتباط الدول العربية بعضها ببعض، وجلّ ما يُطرح على مستوى مشترك هو ما يستهدف اصطناع مشاريع عربية-إسرائيلية على طريق التطبيع، وهو ما تهدمه الجرافات والدبابات الإسرائيلية يوميا من قبل نشأته، رغم سقوط التحفظات السياسية عليه.. لو أمكن تحقيق سلام.
كما لا توجد في البرنامج الأوروبي والبرامج العربية مشاريع تحقق اكتفاء ذاتيا على أساس التكامل العربي لاستغلال المساحات الزراعية في السودان مثلا لصالح المنطقة العربية، أو استغلال الخبرات العلمية والتقنية في مصر وسوريا وسواهما لتطوير التصنيع العربي المحلي بما يراعي الاحتياجات العربية ويخفف من وطأة النفقات للاستيراد.ليست مشكلة إعلان برشلونة ولن تكون مشكلة الاتحاد الأوروبي-المتوسطي مشكلة الأوروبيين، فهذه موضع الخلافات والمساومات والاتفاقات فيما بينهم، ولكنها مشكلة الأطراف العربية التي لم تصبح "طرفا" عربيا متكتلا، لتكون شريكا دوليا على قدم المساواة في إطار تكتل دولي.هذا علاوة على أنّ الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا في عهد ساركوزي، تريد انتزاع ثمن سياسي لما تعتبره "دعما اقتصاديا" وهو في حقيقته مصلحة ذاتية اقتصادية، فالهمّ الأوروبي، جماعيا ولكل دولة على انفراد، هو أن يتحقق الاندماج الإسرائيلي (التطبيع) في المنطقة العربية، وهذه عقبة، لم يعد تجاوزها في أيدي الحكومات العربية، بل أصبحت عبر محطات فلسطين ولبنان في أيدي المقاومة الشعبية، فإذا أمكن انتزاعها مجدّدا بمختلف الوسائل، لا سيما القمعية "الأمنية والعسكرية"، حقق الاتحاد الأوروبي المتوسطي ما عجز مشروع برشلونة عن تحقيقه خلال 13 عاما مضت.