23‏/03‏/2009

اميركا وايران : طرفا المقص في مؤتمر لاهاي

اميركا وايران : طرفا المقص في مؤتمر لاهاي
د.خليل حسين
استاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

في سابقة هي الاولى من نوعها في عهد الدموقراطيون الجدد في البيت الابيض،بادر الرئيس الامريكي،باراك اوباما، الى اطلاق سلسلة اشارات واضحة الى ايران،هدفها اطلاق حوار حول العديد من القضايا.وعلى الرغم من تقديم العديد الاوراق المسبقة الدفع سياسيا،اتي الرد الايراني سريعا وبلهجة متحفظة.ويبدو أن أوباما ماضٍ في عزمه على فتح حوار مع إيران، ومن المرجح ان تكون البداية عبر افغانستان، بعد أن قدمت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية دعوة إلى طهران للمشاركة في مؤتمر دولي حول أفغانستان سيعقد في 31/3/2009 في مدينة لاهاي بهولندا.
ويعود آخر اجتماع ايراني - اميركي الى أواخر عام 2001 في بون الألمانية، حيث تمَّ وضع ترتيبات مرحلة ما بعد سقوط طالبان، وبعد أكثر من سبع سنوات، يتكرر المشهد حيث تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتعاون الإيراني بهدف الخروج من المأزق الأفغاني ولاحقا العراقي.وما بين دعوة كلينتون ومن ثم اوباما ،والردود الإيرانية المتحفظة، ظهرت أسئلة كثيرة تطرح نفسها حول ما يمكن أن تقدمه طهران لواشنطن للخروج من ورطتها الأفغانية ، وما الذي تريده في المقابل من واشنطن؟ وكيف يمكن لهذا التقارب أن يخدم أهداف الطرفين في المنطقة؟ وما تأثيره على بقية الملفات العالقة ؟.فبحكم الجوار الجغرافي، والتاريخ الديني والثقافي المشترك ، تملك طهران أوراقا هامة من بينها:
- الحدود المشتركة التي تصل إلى 978 كيلومترا ، وتشكل أحد أهم المرافق الحيوية لربط أفغانستان بالبحر وبالشرق الأوسط وأوروبا، كما تشكِّل أفغانستان ممرا هاما لإيران إلى آسيا الوسطى والصين.
- المهاجرون الأفغان الذي يبلغ عددهم أكثر من مليون يعيشون في إيران، وتشكل قضية ترحيلهم أحد الأمور الخلافية بين البلدين.
- العلاقات القريبة مع أطراف أفغانية وبخاصة الأحزاب الشيعية وكذلك التيارات السياسية غير البشتونية من عرقية كالطاجيك والأوزبك والهزارة.
- العلاقات الثقافية المشتركة كانتشار اللغة الفارسية في أفغانستان حيث يتحدث بها أكثر من 60% من مختلف عرقيات الشعب ويقرأ بها معظم المثقفين.
- العلاقات القريبة مع الجوار الإستراتيجي كأفغانستان وطاجكستان والصين وروسيا.
- الدور الإيراني في جهود إعادة إعمار أفغانستان إيران تعهدت بتقديم 500 مليون دولار لهذا الغرض منذ أوائل عام 2002، وقامت بتنفيذ العديد من المشاريع خصوصا في الغرب الأفغاني.
اما في الجهة الامريكية المقابلة،ففي إطار جهودها للخروج من الورطة الأفغانية، تقوم إدارة الرئيس أوباما بمراجعة شاملة لإستراتيجيتها في أفغانستان، ويشكل أقلمة الحل أحد أهم دعائم هذه الإستراتيجية الجديدة التي بدأت ملامحها تظهر في الأفق.فقد جرّبت واشنطن في عهد الجمهوريين تدويل الحل، عبر إدخال الناتو والاتحاد الأوروبي في إدارة الملف الأفغاني في مرحلة ما بعد طالبان، لكن فشل التدويل في إرساء الأمن وضمان الإعمار والرفاهية دفع الشركاء الدوليين إلى التفكير عن حل أكثر إرضاءً للأطراف الإقليمية المؤثرة في المشهد الأفغاني ومنها ايران.
ويأتي مؤتمر لاهاي حول قضية الأمن في أفغانستان ليؤكد هذا التوجه، ومن المتوقع أن تشارك بجانب دول الثمانية الكبار دول إقليمة هامة مثل: باكستان والهند والسعودية والإمارات المتحدة والصين وتركيا، وهناك احتمال قوي لمشاركة إيران في المؤتمر، خصوصا بعد مناشدة وزراء خارجية باكستان وأفغانستان إيران، للمشاركة في هذا المؤتمر نظرا للدور الحيوي الذي تلعبه إيران في حل قضية أفغانستان.اذ يشكل التوجه نحو الأقلمة خطوة تصالحية أمريكية للمحيط الأفغاني الإستراتيجي، الذي يؤثر بشكل لافت في الأهداف الحقيقية للوجود الأمريكي في أفغانستان.
كما تسعى واشنطن إلى إيجاد نوع من التوازن بين المصالح المتقاطعة لهذه الأطراف الإقليمية في أفغانستان، بهدف تحقيق حالة من الوفاق الإقليمي ينتج حالة من الوفاق الداخلي يضمن تجريد القاعدة من أي تأييد ودعم محلي وإقليمي محتمل.كما يظهر أن التوجه الأمريكي الجديد يصب نحو تحييد الدور الإيراني تجاه أي دعم محتمل للمقاومة المسلحة التي تقودها حركة طالبان وغيرها من المجموعات المسلحة داخل أفغانستان، كما تسعى سياسيا إلى كسب دعم طهران لأي خطوات باتجاه فتح الحوار مع طالبان.وفي المقابل تدرك إيران أيضا أن غيابها عن أي ترتيبات دولية وإقليمية جديدة حول أفغانستان، قد يعرّض مصالحها إلى الخطر، وأن الوقت المناسب قد حان لفرض بعض شروطها على المحاور الأمريكي، الذي يرى أن الوقت ملائم للتنازل مؤقتا عن بعض المكاسب، لتحقيق مكاسب لجهة الحجم والتأثير.
وإذا كانت واشنطن راغبة في دفع ايران لمواقف إيجابية لإستراتيجيتها العسكرية والسياسية القادمة في أفغانستان، فماذا يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لإيران إزاء الحياد الإيجابي؟.قد يكون الثمن الذي ستدفعه واشنطن محاولة الضغط على المجموعات المسلحة التي تقوم بعمليات عسكرية في إقليم سيستان بلوشستان والمناطق القريبة من الحدود الأفغانية، حيث تتهم إيران الولايات المتحدة وبريطانيا بالوقوف وراء دعم هذه الجماعات.
من الصعب رفع سقف التوقعات من الحوار الأمريكي - الإيراني حول الملف الأفغاني من حيث حصول تنازلات مجانية أو حتى مقايضات كبيرة، غير أن الحوار لو تمَّ والتعاون لو حدث، يمكن أن يشكل بداية المضي في تنفيذ سياسة كسر الجليد التي انتهجتها إدارة الرئيس أوباما في علاقاتها الخارجية خصوصا مع إيران وسوريا وروسيا.كما تشكل أفغانستان فرصة قوية للحوار بين العدوتين لوجود مصالح تبدو مشتركة في بعض وجوهها، ويمكن لمثل هذا الحوار في جو إقليمي يضم أطرافا أخرى هامة في قضايا الشرق الأوسط مثل تركيا والسعودية والإمارات أن يفسح المجال لحوارات أكثر جدية حول قضايا مصيرية في المنطقة.
في صفحة التنازلات الامريكية،للمرة الاولى سمى الرئيس الامريكي ايران بالجمهورية الايرانية الاسلامية،وهو اكثر من اعتراف واقعي ويقترب من الاعتراف القانوني بالنظام الاسلامي.وهي خطوة ربما تعتبر امريكيا كبيرة لكنها ليست كافية من وجهة النظر الايرانية ،وهذا ما اشار اليه تحديدا مرشد الثورة السيد علي خامنئي،الذي اختار عباراته الحذرة لتصل الرسالة الى واشطن واضحة دون لبس،القفاز الحريري،الذي يحوي يدا من حديد،وهو تعبير يدل على ازمة العلاقات التاريخية بين البلدين.لكن مناسبة مؤتمر لاهاي حول افغانستان ربما تكون البداية لتغيير افق التفاوض قبل الحوار المنشود اميركيا.ثمّة تعبير طريف في توصيف العلاقات المأزومة بين الدول عندما تتقاطع مصالحها،وهو "علاقة طرفي المقص في تقطيع المغانم"فهل ينطبق هذا التوصيف على علاقة واشنطن – طهران؟ ثمة الكثير من المصالح المتقاطعة في جمهوريات آسيا الوسطى!.

16‏/03‏/2009

فرنسا وعودة الابن الضال الى الناتو

فرنسا وعودة الابن الضال الى الناتو
د.خليل حسين
استاذ العلاقات والقانون الدولي في الجامعة اللبنانية
السبت 14-3-2009

استقطب اعلان الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، عودة فرنسا الى القيادة العسكرية لحلف الناتو بعد غياب دام 42 عاما، اهتماماً دولياً باعتباره حدثا ينبغي التدقيق فيه نظراً لآثاره وتداعياته الدولية والاقليمية. فالخطوة تعتبر تجاوزا لتقليد قديم اتبعه الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول، وتبعه في ذلك الرؤساء اللاحقون بصرف النظر عن مدى التطابق او التباين بين باريس وعواصم دول الحلف وفي مقدمهم واشنطن، إذ احتفظت فرنسا بعلاقات اكثر تمايزا مع الدول الباقية، كما ابقت على عضويتها في حلف شمال الاطلسي دون الدخول في القيادة العسكرية لهذا الحلف.
ان عودة الفرنسيين الى الحلف من بابه العسكري، يخضع المسؤولين فيه لاكثر من سؤال، فإذا كانت وجهة نظر ساركوزي، وجوب المشاركة في اتخاذ القرارات بدل تلقيها خارج القاعات، فالرأي العام الفرنسي، وعدد من الدول يطرحون اسئلة مشروعة لهذا التوجه. إذ ان الفرنسيين لا ينظرون بعين الرضا لقرار ساركوزي، باعتبارها مشكلة قد تستجد بين باريس وبعض الدول الاوروبية الأخرى وبخاصة الشرقية التي اعتبرت فرنسا رأس حربة في إنشاء بديل لحلف شمال الأطلسي في هيئة مشروع الدفاع الأوروبي،ويستند الفرنسيون الى دور بلدهم في القوقاز تحديداً، حيث لعبت دور الوسيط بين روسيا وجورجيا وتمكنت من انشاء بيئة ملائمة لاحتواء الأزمة وتداعياتها، فيما كانت النتيجة معاكسة لو كانت فرنسا جزءاً من القوة العسكرية للحلف التي اعتبرته روسيا في حينه ضالعاً في الحرب بشكل غير مباشر، وهددت بمواجهة معه.
كما ان الازمة الروسية الجورجية ليست الأزمة الوحيدة التي تهدد دور فرنسا في العالم، فهناك القضايا العربية التي يمكن لفرنسا ان تكون اكثر حرية في التعامل والتعاطي معها اذ لم تكن مشاركة في القوة العسكرية للحلف. كما يتخوف البعض من توريط فرنسا في عمليات عسكرية في دول الجنوب التي اعتادت أن ترى فرنسا دولة مستقلة عسكريا وسياسيا عن الولايات المتحدة.فماذا مثلا لو تطلب الوضع اللبناني وتحديدا جنوبه حيث المشاركة الفرنسية في اليونفيل لافتة،عملا ما للحلف ،وهو أمر كان مطروحا في السابق،ومن السهل العودة الى اثارته لاحقا.
ان الخلفية التي استند عليها الرئيس الفرنسي ساركوزي تنطلق من ان ما تقوم به فرنسا من الناحية العسكرية ضمن القوات الدولية، لا يختلف من حيث المبدأ عن الدور العسكري الذي يمكن ان تنفذه في حلف شمال الاطلسي.
ويمكن القول وفقا لرؤية ساركوزي، ان ما قد تخسره فرنسا من خلال قرارها هذا، قد تربحه في المقابل من ناحية اخرى؛ أذ ستكون اقرب الى واشنطن التي لعبت دورا اساسيا في اتجاه باريس لاتخاذ هذا القرار، باعتباره أمر سيريح الادارة الاميركية الجديدة في اي قرار قد تتخذه مستقبلا في ظل التحولات التي تجريها واشنطن بعد وصول الديموقراطيين الى البيت الابيض.
ان مقاربة دقيقة للعلاقات الفرنسية مع دول الاطلسي وبخاصة الولايات المتحدة في العقود الاربعة الماضية،تشير الى ثوابت عدة من بينها:
- بقاء الحلم الفرنسي يقظا باتجاه اقامة ولايات اوروبية متحدة ،فان قبلت بداية بالمظلة الامنية الاطلسية على مضض، ظلت في خانة المشاغبة السياسية بمواجهة واشنطن للتفلت من عقال السيطرة الناعمة التي مارستها مختلف الادارات الامريكية المتعاقبة مع حلفائها الاوروبيين المفترضين؛فباريس على سبيل المثال اتخذت مسارات موازية ومتباينة في احيان كثيرة عن واشنطن في العديد من القضايا الدولية وبخاصة المتعلقة بالشرق الاوسط ،كملف الصراع العربي الاسرائيلي،وبرنامج ايران النووي وغيرها.
- ثمة مقاربة فرنسية مختلفة للدور الاوروبي العالمي في النظام الدولي القائم بعد سقوط جدار برلين،اذاعتبرت نفسها المهيأة لملأ الفراغ المفترض في وسط اوروبا وشرقها،رغم بروز المارد الالماني بعد الوحدة.وحاولت بكل طاقتها احتواء الاحلام الالمانية مقابل التمايز والتباين مع بريطانيا،ورغم ذلك لم تفلح باريس في تحقيق ما تحلم به.ما دعاها وبشخص رئيسها ساركوزي ايضا العودة للتوجه نحو مشروع الاتحاد المتوسطي املا في تظهير الموقع الفرنسي ولو قاريا.
- واذا كان التوجه الاستراتيحي الفرنسي، يرتكز على وجوب اكتساب القوات الفرنسية مزيدا من القدرة على التكيّف مع الأبعاد الجديدة التي تشتمل عليها العمليات العسكرية في الخارج،فان ذلك لا يعني بالضرورة قدرتها على صرف هذه القوة في السياسة، فمثلا إن مشاركة فرنسا في العمليات التي قادها حلف الأطلسي كانت مرتفعة منذ حملة كوسوفو في عام 1999 ، وفي المتوسط كان ما يتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف جندي مشاركين ، الأمر الذي جعل فرنسا في الترتيب الثالث من حيث ضخامة المشاركة، فمن بين 12 ألف جندي فرنسي منتشرين في الخارج ثمةحواي 30% يخدمون ضمن حلف شمال الأطلسي، مقسمين إلى ألفي جندي في كوسوفو وأكثر من ثلاثة آلاف آخرين في أفغانستان وغيرها.ورغم ذلك لم تتمكن فرنسا من أن تحسم موقعها في الترتيب العالمي كدولة فاعلة بموازاة حجم مشاركاتها العسكرية.
ربما ظروف ابتعاد فرنسا عن عصب القرار العسكري لحلف شمالي الاطلسي، كان له اسبابه وظروفة وموجباته،ورغم المتغيرات الاقليمية الاوروبية والدولية،يبقى الموقف الفرنسي بحد ذاته يرسم تساؤلات عن مدى فاعلية تحقيق اهداف العودة.فربما تتمكن فرنسا من خلق بيئة مناسبة للانطلاق نحو احلام راودتها منذ زمن طويل،بيد ان حسابات السياسة ليست بالضرورة ان تنطبق على الحسابات العسكرية.فغالبا ما تكون الدول غير قادرة على ترجمة القوة العسكرية ،الى نتائج سياسية ،ذلك بفعل تداخل العديد من الاعتبارات التي لا تلعب القوة العسكرية دورا مؤثرا في نتائجها.
ومن هنا يحق التساؤل عن الفرق بين الرغبة والقدرة، فهل الرغبة الفرنسية هي في محلها ومتسقة مع قدراتها؟ واذا ما كانت واشنطن قد ضغطت باتجاه القرار الفرنسي هل ستسمح لها في الانطلاق بتحقيق الاهداف الفرنسية غير المعلنة ؟اسئلة تجيب عليها طبيعة العلاقات الفرنسية الامريكية التي لم تكن يوما كما تفترضها طبيعة الاحلاف وغاياتها.ومن هنا هل يصح القول ان عودة الابن الضال هي اعتراف بالفشل عن التغريد خارج السرب ؟ام هو اعتراف بالأمر الواقع الذي لا مفر منه؟

06‏/03‏/2009

دار الخليــــج-خليل حسين-قمة الاتحاد الإفريقي وم

دار الخليــــج-خليل حسين-المحكمة الخاصة بلبنان: �

الخلفيات القانونية والسياسية لقرار المحكمة الدولية بحق البشير

الخلفيات القانونية والسياسية لقرار المحكمة الدولية بحق البشير
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية

من مفارقات العدالة التي قادتها المحكمة الجنائية الدولية بحق السودان ورئيسها عمر حسن البشير، محاولة تكريس سوابق قانونية دولية لا محل لها من الإعراب في القانون الدولي الجنائي،إذ كرّست ازدواجية في التعامل مع قضايا تبدو في ظاهرها متشابهة رغم أن وقائعها ونتائجها مختلفة.
ففي سابقة في القانون الدولي الجنائي والعلاقات الدولية ، وفي إحدى اخطر التعدّيات الخارجية على سبادة السودان واستقلاله واستقراره السياسي، طلب بداية المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو ـ أوكامبو ، توجيه أول مذكرة توقيف دولية ضد رئيس دولة السودان عمر حسن البشير، بعد ستة أعــوام ونيف على تأسيسـها، وأربعة ملفات فتحتها ولم تغلق أياً منها ، و١٢ متهماً لم تتمــكن من اعتقال نصفهم، ما يطرح سابقــة مثــيرة للجدل لا تتوقف عند حدود القانون. فما هي ابرز القواعد القانونية الواردة في النظام الأساسي للمحكمة وبالتالي هل تنطبق على الحالة السودانية ورئيسها؟ وماذا في الخلفيات القانونية وأبعادها السياسية؟وما هي نتائجها وآثارها على العدالة الدولية المفترضة؟.
تنص المادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة على أن للمحكمة اختصاصا في محاكمة من يرتكبون جرائم الإبادة الجماعية ( تنص المادة 6 في هذا الصدد على انه يدخل في جريمة الإبادة الجماعية قتل أعضاء جماعة ما ، أو إلحاق ضرر جسدي أو عقلي شديد بأعضاء جماعة ما ،...الخ).والجرائم ضد الإنسانية (وتشير المادة 7 في هذا الصدد على أمثلة كالقتل والتعذيب، الإبادة ، الاستعباد ، الاغتصاب ، الاستعباد الجنسي....الخ).وجرائم الحرب ( وفقا للمادة 8 : تتمثل تلك الجرائم في : الخرق الخطير لاتفاقية جنيف 1949 ، الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف المطبقة في الصراع الدولي المسلح متضمنة نقل الدولة المحتلة لأجزاء من سكانها المدنيين إلى إقليم الدولة التي تحتلها ، الهجمات المباشرة ضد التراث الثقافي، ...الخ). وتشمل جرائم الحرب أيضا الصراعات المسلحة التي يقوم بها شخص غير دولي (وفقا للمادة 3 من اتفاقية جنيف لعام 1949 ، بروتوكول جنيف الثاني لعام 1977) .وجريمة العدوان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المحكمة يجب أن تمارس اختصاصاً حول جريمة العدوان بمجرد تبني الفقرة التي تعرف الجريمة وتفرض الشروط التي في ظلها تمارس المحكمة اختصاصها فيها فيما يتعلق بهذه الجريمة (المادة 5 ، فقرة 2).
وتمارس المحكمة اختصاصها وفقا للمادة 11 ، فيما يتعلق فقط بالجرائم التي ترتكب بعد دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز التنفيذ) ، إذا ما حدث موقف ارتكبت فيه جريمة أو أكثر من الجرائم المذكورة ، وذلك بأن يحال ذلك الموقف إلى المدعي بواسطة طرف رسمي أو مجلس الأمن. وبالإضافة إلى ذلك ، قد يبادر المدعي نفسه بإجراء تحقيقات على أساس المعلومات المتوافرة عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة. ولن يتم البدء أو الشروع في تحقيق أو ادعاء لمدة 12 شهراً بعد أن يطلب مجلس الأمن من المحكمة القيام بذلك. وذلك في قرار يتبناه المجلس في ظل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وإذا ما أصبحت الدولة طرفاً في هذا النظام الأساسي ، يمكنها أن تعلن عدم قبولها اختصاص المحكمة فيما يتعلق بفئة جرائم الحرب عندما يتم الادعاء بأن مواطنيها قد ارتكبوا جريمة ما أو ارتكبت الجريمة على أرضها ، وذلك في خلال فترة 7 أعوام بعد دخول النظام الأساسي حيز التنفيذ بالنسبة للدولة المعنية.
كما أن النظام الأساسي للمحكمة أظهر أوجه سلبية لسير عمل المحكمة منها:
- أضافت المادة 16 منه أداة وظيفية قضائية إلى مجلس الأمن، فأناطت بمجلس الأمن حق الإحالة والتدخل والتوجيه وحتى التعطيل الكامل لأجهزة المحكمة ومنحت المادة 87 في فقرتها 5 و6 و7 مجلس الأمن سلطة تنفيذية لإلقاء القبض على متهم أو مشبوه نيابة عن المحكمة!
- منحت المواد 17 و18 و20 من نظام المحكمة، المحكمة الجنائية الدولية صفة او امتياز المحكمة العليا على المحاكم الجنائية الوطنية تراقب أعمالها وتشرف على أحكامها بل أنيط بها سحب الدعوى منها بالنصوص من ناحية وبقوة قواعدها الدولية التي تسمو على القواعد الوطنية.
- تُنصّب مواد النظام مدعي عام المحكمة كمدع عام مطلق الصلاحيات تعمل بإمرته وتوجيهاته وإشرافه جميع سلطات الادعاء العام الوطنية، فهو يمنحها حق العمل أو يسحب منها دورها الوطني!
وبصرف النظر عن الاتهامات التي وجهتها المحكمة لأول مرة إلى رئيس في منصبه، وبمعزل عن خطورة التهمة تفترض الضرورة الموضوعية الإضاءة على نقاط قانونية هامة منها:
- إن قرار المحكمة وجه ضد مواطن يتبع لدولة لم توقع على اتفاقية روما (1998) لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. إذ تنص الفقرة الثانية من المادة ١٢ من اتفاقية روما بعدم صلاحية المحكمة تجاه المواطنين الذين يتبعون إلى دولة لم تصادق على الاتفاقية.
- إن صلاحية المحكمة الدولية بحد ذاتها هي في غير محلها، فملف دارفور موضوع الاتهام كان قد أحيل إليها من مجلس الأمن في العام ٢٠٠٥ بالقرار ١٥٩٣ في وقت تفرض فيه اتفاقية روما أن تكون أي إحالة من هذا النوع قائمة على قضية تهدد السلم والأمن الدوليين، أي قضية نزاع دولي وهي ليست حال دارفور، وإلا فلماذا لا تقحم المحكمة الدولية نفسها في كشمير والشيشان ومجازر اسرائيل في فلسطين لبنان؟
- إن كلاما سابقا للمدعي العام، في شباط العام 2007، اتهم فيه الوزير السوداني أحمد هارون وأحد قادة ميليشيا الجنجويد علي كوشيب، بأنهما المسؤولان الأكبران عن كل جرائم دارفور بين عامي ٢٠٠٣ و ٢٠٠5 فكيف تغيّر الحال إلى توصيف الرئيس البشير بأنه هو المسؤول الأكبر عن جرائم دارفور منذ العام ٢٠٠٣؟
- لو سلمنا جدلا أن العضوية في اتفاقية روما ليست شرطاً أو مانعاً لتطبيق بنودها، فلماذا والحال كذلك لا تطبَّق على الجنود الاميركيين والإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم حرب في العراق وفلسطين ولبنان، والتي أعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل رفضهما المصادقة عليها؟
وإذا كان الجانب القانوني لا ينطبق على حالة الرئيس عمر البشير فما هي الخلفية السياسية للقضية؟
المسألة الأولى تتعلق بشخص البشير بالذات، فهو واحد من قلّة من الزعماء العرب والمسلمين، ممّن تحوّل في السودان من رجل عسكري إلى رجل دولة سياسي ، واستطاع التحرّك على طريق مليئة بالألغام داخليا وإقليميا ودوليا، بهدف إقرار السلام في بلده رغم العقبات، محافظا على استقلاليته من التبعات الأجنبية رغم التهديد والإغراء، ويكاد يكون الوحيد الذي لم تستدرجه مواقف عدائية في أحرج الظروف كالمشاركة في حصار عدائي أجنبي.
المسالة الثانية تتعلق بالسودان، فمع فلسطين والعراق، أصبح السودان من بين الدول العربية الدولة الأولى المستهدفة عالميا بأقصى درجات الضغوط ، لتفتيته وتقسيمه، وإضعافه أمنيا، والحيلولة دون نهوضه اقتصاديا واستقراره سياسيا.
إن أولى التداعيات ستكون على الوضع في دارفور تحديدا وبدلا من أن تكون سياق المسالة بداية حل،فستكون بداية لتفجير أوسع وأكبر كما تهتبر بداية لنهاية اتفاق الدوحة الموقع بين الحكومة السوداني وقوى المعارضة،أما الضحية الثانية فستكون قوات السلام الأفريقية والدولية ما يعني أن جولة من الفوضى قادمة على السودان من الصعب أن تنحصر فيه.
ثمة واقع مغاير ومخالف لما هو سائد منطلقه ازدواجية التعامل الدولي وانتقائيته،ما يرسم صورة قاتمة لمستقبل ومصير العدالة الدولية،وفي هذا المجال يمكن رصد العديد من الملاحظات أبرزها:
- لقد صورت المحاولات الدولية لإيجاد البيئة القانونية لتنفيذ العدالة الدولية على أنها جادة ومقبولة من أطراف المجتمع الدولي،الا ان الامر يبدو مجافيا للواقع،فثمة أسئلة كثيرة تثار في هذا المحال ومنها هل ان من مصلحة الدول الكبرى المتنفذة على الصعيد الدولي إنشاء آليات قانونية للمحاسبة في الوقت التي هي نفسها ترتكب الجرائم والمحرمات؟وهل يمكن الجمع بين وظيفة القاضي والجلاد في آن معا؟وفي نهاية الأمر ومهما كانت خلفية البيئة القانونية للعدالة الدولية هل يمكن فصلها عمليا عن التوازنات الدولية ومصالح الفاعلين فيها؟.
- لم يكن هناك تعاطيا جديا مع انشاء المحكمة الجنائية الدولية وبخاصة من الولايات المتحدة،إذ سرعان ما تراجعت عن التوقيع خوفا من محاكمة جنودها ومسؤوليها أمام هذه المحكمة كما فعلت إسرائيل الأمر عينه وللأسباب ذاتها.
ربما قدر العرب أن يبقوا الأوائل في تسجيل السوابق من كافة الأنواع،اليوم عمر البشير عبر المحكمة الجنائية الدولية،وقبله صدام حسين عبر محكمة جنائية عراقية خاصة،وربما غدا رئيس آخر عبر محكمة مختلطة،فإلى أين تسير العدالة الدولية ومحاكمها؟وهل بات من صدقية يحتذى بها؟إنها أسئلة محيرة تبحث عن أجوبة في عقول الشعوب العربية قبل حكامها!