21‏/12‏/2009

بين كيوتو وكوبنهاغن أغنياء يقررون وفقراء يتوهمون

بين كيوتو وكوبنهاغن أغنياء يقررون وفقراء يتوهمون
د.خليل حسين
استعاذ العلاقات والمنظمات الدولي في الجامعة اللبنانية

لم تمنح الأرض سن الرشد البيئي بعد ثماني عشرة سنة على قمتها في ريو ديجينيرو ،بل ظلت أسيرة ظلم الأغنياء كما الفقراء من الدول،فضاقت ذرعا بالإنسان واستغلاله المفرط واليوم تهدده بالزوال كما هددها بالفناء.بالأمس كانت كيوتو واليوم كوبنهاغن وغدا بون،فما الذي نفذ بالأمس؟وما هي وعود الغد؟
ثلاثة عشر يوما تفاوضت فيها 192 دولة حول السبل الكفيلة بحل مشكلة الاحتباس الحراري للأرض،غير أن نتائجها كانت كارثية وفقا لمجموعة الـ 77 التي تضم 130 دولة،فوصفت اتفاقية كوبنهاغن غير الملزمة"بمحرقة الغاز الأوروبية" و "دعوة لإفريقيا للتوقيع على معاهدة انتحارية".فقياسا على الآمال التي علقت على المؤتمرات الأربعة عشرة السابقة تعتبر توصيات الاتفاقية متواضعة جدا،واعتمدت أسلوب ترحيل المشاكل إلى قمة بون بعد ستة اشهر فما الذي سيتغير في هذه المدة القصيرة؟
وبصرف النظر عن نوعية التوصيات والنتائج،ثمة ملاحظات يمكن إبرازها ليس بهدف التخفيف من الانتقادات الموجهة للاتفاقية أو لتحسين شروط التفاوض المقبلة،بقدر ما هي ملاحظات موضوعية لكي لا تكون الآمال القادمة بأسوأ حال من السابقة.
أولا، لم يكن يتوقع أكثر من ذلك في ظل وجود تكتلات سياسية ومحاور اقتصادية وصناعية متباينة الأهداف والمصالح،(الدول المتقدمة, الدول النامية, الدول الصغيرة, الدول العربية) تختلف توجهاتها وآراؤها ومصالحها الاقتصادية، فمن غير المنطق أن ننتظر نتائج مرضية للجميع في ظل وجود إشكالات موجودة عمليا قبل القمة متعلقة باتفاق كيوتو.وثانيا، ثمة مشاورات ومبادرات جرت في المؤتمر بين كل من أمريكا والصين والهند، تمحورت حول نية تلك الدول في تخفيض انبعاثاتها الضارة إلى النصف بحلول العام 2050، وكذلك الالتزام ابتداء من العام 2016 بخفض درجة حرارة جو الأرض بمعدل درجة ونصف مئوية.وثالثا،لا تعتبر قمة كوبنهاغن سوى حلقة من حلقات المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق أممي مكتوب، سيصاغ في شكل ميثاق دولي مكتوب يحل محل اتفاقية كيوتو بشأن الحد من الانبعاثات الحرارية، وستستكمل خلال مؤتمر جديد حول المناخ تستضيفه مدينة بون الألمانية.ورابعا،ثمة تعهدات مالية من الدول الكبرى بمنح الدول النامية مبلغ 30 مليار دولار للأعوام الثلاثة المقبلة، إذ أن تلك الأموال المقدمة إلى الدول الفقيرة ليست منحة كما يظن البعض؛ بل ستؤخذ في نهاية المطاف من ميزانيات المساعدات الحالية، ما يقلص الزيادة الصافية في المبالغ التي سيتم تحويلها.
إن المقاربة السالفة الذكر لا تعدو كونها تمنيات وتوصيات وآمال،من الصعب صرفها في السياسة والاقتصاد والمال،طالما أن اتفاقية كوبنهاغن استندت أيضا إلى قاعدة كيوتو التي تضمنت مجموعتين من الالتزامات المحددة تحقيقاً للمبادئ العامة التي أقرتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ،وتتضمن المجموعة الأولى الالتزامات التي تتكفل بها جميع الأطراف المتعاقدة ، في حين تختص المجموعة الثانية بمجموعة الالتزامات التي تتحملها الدول المتقدمة حيال الدول النامية . وفيما يختص التزامات المجموعة الأولى فيمكن القول أن البروتوكول ألزم الدول الموقعة عليه بقائمة محددة من الالتزامات لا يتم التفرقة فيها بين الدول المتقدمة والدول النامية ، فهي التزامات مشتركة تتكفل بتنفيذها كافة الأطراف المتعاقدة . هذه الالتزامات هي قيام 38 دولة متقدمة بتخفيض انبعاث الغازات بنسب تختلف من دولة لأخرى ، على أن يجرى هذا التخفيض خلال فترة زمنيه محددة بدأت في عام 2008 وتستمر حتى عام 2012 . وبلغت نسبة التخفيض المقررة في حالة الاتحاد الأوروبي 8% أقل من مستوى عام1990 ، في حين بلغت النسبة في الولايات المتحدة واليابان 7% و 6% على التوالي . أما الالتزامات التي تحتويها المجموعة الثانية ، فهي التي تتعهد بها الدول المتقدمة وحدها ، في مواجهه الدول النامية لمساعدتها على الالتزام بالأحكام الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة ، وتشجيعها على التعاون الفعال في إطار المنظومة الدولية لحماية البيئة. ويمكن تحديد هذه الالتزامات في النقاط التالية : تعهد الدول المتقدمة بتمويل وتسهيل أنشطة نقل التكنولوجيا. تعهد الدول المتقدمة بدعم جهود الدول النامية في مجال مواجهة الآثار السلبية للتغير المناخي والتأقلم معها. التعاون المشترك مع الدول النامية في " آلية التنمية النظيفة " والتي تُعد إحدى أهم الآليات التي حددها اتفاق كيوتو والذي تابعت به اتفاقية كوبنهاغن.
وفي مقارنة سريعة بين المجموعتين من الالتزامات فإنه يمكن الاستنتاج بأن الاتفاق وضع مسؤولية تنفيذ العبء الأكبر من الالتزامات على عاتق الدول المتقدمة ، إذ يلزمها البروتوكول بتقديم كافة صور الدعم المالي والفني اللازم لإعانة الدول النامية على تنفيذ الالتزامات الناشئة عن السياسات الدولية المشتركة لحماية البيئة. يُضاف إلى ذلك أن هذا الاتفاق ألزم الدول المتقدمة دون الدول النامية بالعمل على انتهاج السياسات اللازمة لتخفيض انبعاث الغازات الدفيئة بنسب محددة وفقاً لجدول زمني معين.
لكن النصوص والاتفاقات شيء والتنفيذ شيء آخر،فلا الوعود تحققت ولا الآمال قد نُفذت وظلت حبرا على ورق،فالدول النامية خشت من أن أي التزامات تفرض عليها في مجال حماية البيئة سوف تحد من قدراتها وحرية حركتها على تنفيذ مشروعات التنمية ، خاصة في المرحلة المبكرة من مراحل النمو . يضاف إلى ذلك أن الدول النامية لا شأن لها فيما يخص ظاهرة انبعاث الغازات الدفيئة ، حيث أنها قد حدثت بفعل درجات التصنيع المتقدمة التي وصلت إليها الدول المتقدمة خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي . بل أكثر من ذلك فإن الدول النامية ترى في نفسها ضحية سياسات التصنيع الخاطئة التي اتبعتها الدول المتقدمة ، وعرضتها لمصير مشئوم في حالة ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية ، إذ لا تملك الموارد المالية والتقنية التي تعينها على مواجهة سلبيات هذه الظاهرة.
ولتفادي هذه الانتقادات المسندة بالحجج والقرائن،وعدت الدول الغنية بـالمساعدات أو "الرشوة المالية" إذا جاز التعبير،وهي غالبا لن تفي بها،بسبب الأوضاع المالية والاقتصادية الحرجة التي تمر بها،وهنا يثار التساؤل حول هذه المساعدات وكيف يمكن توصيفها ، فهل تلك المساعدات الموعودة هي في صورة مساعدات حقيقية مباشرة، أم تعتبرها جزءا من المنح المالية التي تقدمها تلك الدول بالفعل للدول الفقيرة، وما ستفعله هو إعادة تسميتها فقط؟ إن تلك التعهدات تأتي بشكل أدبي من الدول الغنية للفقيرة، وليست ملزمة قانونيا، وما يحسب للقمة أن تتعهد الدول الكبرى بتقديم مساعدات مالية للدول الفقيرة في ظل وجود أزمة مالية طاحنة، ووجود تيارات وتوجهات مناهضة تتشكك في جدوى التغير المناخي وتورط الأنشطة البشرية في تفاقم تلك الظاهرة، ومن ثم لا تؤمن بتقديم أي تعهدات مالية من الدول الكبرى للفقيرة في هذا الشأن.
ربما لن يمر وقت طويل حتى تشعر الدول كبيرها وصغيرها،فقيرها وغنيها،أن المشكلة باتت أكبر منها ومن وعودها،وهنا ينبغي البحث عن حلول أخرى على قاعدة اقتناع الإنسان بوجوب الاستثمار الهادف والواعي لخيرات الأرض ،قبل أن تبتلعه بعدما أمعن في بلع خيراتها دون خجل أو وجل من جشعه وطمعه،لكن أيصرف هذا القول في السياسات الدولية حيث المصالح لا الجمعيات الخيرية والكاريتاس!

13‏/12‏/2009

دبلوماسية الجنائز والعلاقات اللبنانية السورية

Middle East Online ميدل ايست اونلاين: "دبلوماسية الجنائز والعلاقات اللبنانية السورية"

دبلوماسية الجنائز والعلاقات اللبنانية السورية

دبلوماسية الجنائز والعلاقات اللبنانية السورية
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
ثمة فريق من اللبنانيين اختلف مع سوريا ووصل الأمر بهم إلى الخصام والعداء،ذلك على خلفيات وقواعد متعددة ومتنوعة،لكن اللافت أن جميع اللبنانيين بمن فيهم من ناصب العداء لدمشق، استغل أي مناسبة لتصحيح أوضاعه وعلاقاته في أول بارقة أو منعطف سياسي يُشتم منه أن لسوريا دور ما في المنطقة.
واليوم يعيد التاريخ نفسه، ولو بظروف مأساوية حزينة بالنسبة لسوريا ولرئيسها بشار الأسد، فوفاة شقيق الرئيس السوري مجد،سيشكل مناسبة هامة للكثيرين من اللبنانيين لإعادة وصل ما انقطع إن كان بالسياسة أو غيرها.ففي الأمس القريب وتحديدا في العام 1994 ذهب العديد من القيادات اللبنانية إلى بلدة القرداحة السورية لتقديم واجب العزاء للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بوفاة نجله باسل،فكانت مناسبة ذات طابع سياسي بأكثر من كونها واجب تعزية، وكرّت السبحة السياسية ليصل الأمر ببعض القيادات التي عُرفت بتطرف مواقفها تجاه دمشق، إلى إنشاء تحالفات جديدة أوصلتها إلى مراكز السلطة في لبنان،لكن سرعان ما عادت وانقلبت في أول ضغط غربي على دمشق،فكان وصول المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض فرصة ذهبية للعديد ممن قبلوا بالدور السوري في لبنان على مضض لإعادة النظر بمواقفهم،إلى أن وصل الأمر إلى ذروته بعد صدور القرار الدولي 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري،وخروج القوات السورية من لبنان.
طبعا في لبنان الآن ثمة أجواء تصالحية عريضة المقام والمقال، بين أطراف تقاتلوا بالكلام والسلاح، وتمكنت هذه المصالحات مؤخرا من تركيب بيئة تصالحية لبعضهم مع دمشق،ولم يبق سوى القليل القليل منهم غير مهيأ نفسيا لإعادة وصل ما انقطع، لكن بالتأكيد بعضهم لن يترك هذه المناسبة لتسجيل موقف يمكن أن يصرف بالسياسة لاحقا،سيما وأن دبلوماسية الجنائز رغم قلتها أسست وتؤسس في الحياة السياسية العربية واللبنانية أيضا مجالا رحبا للسياسيين للتأمل السياسي وإعادة النظر بمواقفها وتحالفاتها.
وغريب المفارقات اللبنانية،أن جميع اللبنانيين متيقنون من زيارات بعض قيادات 14 آذار إلى دمشق ،إلا أن الأمر بالنسبة إليهم سيتم بعد إيجاد المخارج السياسية لذلك إذا جاز التعبير،فسفرة إلى عاصمة عربية قبل دمشق،أو اتصال هاتفي يمكن أن يفسر أن وجهة دمشق ليست أولوية وليست بالضرورة مرجعا سياسيا لهذا الزعيم أو ذاك،أما اليوم فالجميع يمكن زيارة دمشق دون خجل أو وجل من مواقفه السابقة،ويمكن البناء على هذه الزيارة لمواقف سياسية تعتبر مسبقة الدفع له ولغيره.
ربما لا يحتاج اللبنانيون أو غيرهم لحدوث ما لا يسر القلوب،لغيّروا أو يبدلوا،يكفي قراءة موضوعية لتاريخ لبنان السياسي وعلاقاته العربية والدولية ليتيقنوا من أن مصلحة لبنان تكمن أولا وأخيرا في علاقات لا نقول مميزة أو غيرها من المصطلحات التي تزعج البعض وتنفِّر البعض الآخر،علاقات طبيعية كعلاقات أي دولة بأخرى،على قاعدة حفظ المصالح الإستراتيجية والتكتية المتبادلة.
واليوم كما الأمس، ربما تكون الفرصة أكثر من مناسبة لإعادة القراءة المتأنية لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات اللبنانية السورية بعد زيارة الرئيس سعد الحريري ورئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط لسوريا،باعتبارها ستؤسس لفهم أدق وأعمق للكثير من القضايا التي ينبغي أن تتقاطع مصلحة البلدين عليها.
ثمة العديد من المحطات السياسية وحتى العسكرية بين البلدين في تاريخهما المعاصر،وكانت العلاقات سرعان ما تعود إلى طبيعتها ولو بعد افتراق كبير. ففي عز الافتراق إبان الموقف الرسمي اللبناني من العمل الفدائي في لبنان في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي،وصولا إلى مرحلة اتفاق 17 أيار 1983،مرورا بحرب التحرير 1989 ،وانتهاءً بالخروج السوري من لبنان، جميعها مراحل شكلت علامات فارقة في تاريخ العلاقة بين البلدين لكن المشترك بين جميعها حاجة البلدين إلى دوام الاتصال والتواصل على قواعد سياسية تراعي هواجس ومصالح الطرفين،لذا كانت المناسبات غير السياسية غاليا ما تستغل لإعادة النظر من غير طرف لبناني.
اليوم تمر المنطقة بظروف دقيقة،وربما تكون عصيبة لجهة تحديد الخيارات والمواقف من القضايا المفصلية في حياة الكيانات السياسية لدول المنطقة؛وطبيعي ليست بكثيرة أو واسعة،بل هي محدودة،بل الخوض فيها دقيق جدا ويخضع لحسابات كثيرة بغالبيتها ليست مرنة أو قابلة للتبديل والتغيير،ومن هنا تكمن أهمية وضرورة التواصل السوري اللبناني على قواعد وأسس مختلفة عما سبقها.
ما وصل بين البلدين خلال السنوات الأربع الماضية يمكن أن يسجل في إطار السوابق التي من الصعب تكرارها،نظرا لحجم الاتهامات والخطابات التي وصلت إلى حدود غير مسبوقة في الخطاب السياسي المتعارف عليه،حيث اختلط السياسي بالشخصي،ووصلت الأمور بالبعض إلى حد الخروج على اللياقات الدبلوماسية والسياسية الواجب توفرها في التعاطي مع الآخرين.
ربما يتطابق المثل القائل ،مصائب قوم عند قوم فوائد، مع نتائج وآثار وتداعيات دبلوماسية الجنائز في العلاقات اللبنانية السورية،فكما حدث في العام 1994 سوف يتكرر الآن،لكن العبرة لا تكمن في التكرار بل بالاستفادة واخذ العبر ،فلا يستلزم الأمر المناسبات بمختلف أنواعها لإعادة إصلاح ما انكسر أو وصل ما انقطع،بقدر أن تكون القراءات موضوعية.ربما قدر سوريا وشعبها أن يفقدا دائما أعزائهم ليكونوا قربانا لعلاقات سورية لبنانية ينبغي أن لا تنتظر الأتراح لتبني عليها الأفراح.

لبنان والسير في اتجاهين مختلفين

لبنان والسير في اتجاهين مختلفين
د.خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
بيروت:11/12/2009

مفارقة الحياة السياسية اللبنانية وبخاصة الخارجية منها، ترتدي أهمية خاصة،باعتبارها انعكاسا لمدى المشاركة والالتفاف حولها بمظهر الوحدة الوطنية،التي كانت غالبا موضع اهتزاز وبخاصة لدى مقاربتها بقضايا الصراع العربي "الإسرائيلي" ومتفرعاته.
ففي الوقت الذي كانت الحكومة اللبنانية تنال ثقة غير مسبوقة لجهة التأييد والدعم،أتت زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان للولايات المتحدة بأجندة سياسة عسكرية لجهة الدعم الموعود من قبل واشنطن؛وفي مقابل ذلك تأتي زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق بمظهر بروتوكولي ،لكن بمضمون سياسي أيضا،لكن في كلا الحالتين، ثمة تباين يصل الى حد الخلاف بين مضمون وأهداف كل من الزيارتين بنظر من يؤيد ومن يعارض الزيارتين.
في المبدأ لم تكن العلاقات الأمريكية اللبنانية من الوجهة الرسمية موضع تجاذب كبير في مختلف العهود الرئاسية باستثناء حقبة الرئيس اميل لحود،بل كان ثمة محاولة دائمة لتمييز العلاقة بهدف الحد من تأثير النفوذ إبان الوجود السوري في لبنان.قابله معارضة شديدة من قبل أطراف سياسية لبنانية وبخاصة التيارات الإسلامية والقومية العربية لاعتبارات متعددة ومتنوعة.وفي اتجاه معاكس أيضا ثمة نفس الوضعية لجهة القبول والرفض بالنسبة للعلاقات مع سوريا وما يتفرع منها في ملفات الصراع العربي الإسرائيلي تحديدا.
وعلى الرغم من مجيء الزيارتين في الوقت الضائع من عمر ملفات المنطقة،فالتدقيق في الأمر يوضح ما يمكن استثماره لاحقا في مسارات يُرسم لبعضها اتجاهات معينة.ومن بينها المفاوضات السورية الإسرائيلية وكذلك ما يمكن ان يتعلق منها بالشق اللبناني تحديدا.
وبصرف النظر عن الرضا والقبول وحتى حجم الاتفاق على زيارة واشنطن في هذا الظرف بالذات،فإنها من الوجهة السياسية السورية تبدو أمرا غير مألوف بخاصة وأن الحوار الأمريكي السوري حول العديد من القضايا لم تصل الى نهاياتها المأمولة او التي يمكن البناء عليها،ولعل استقبال الرئيس السوري بشار الأسد للعماد ميشال عون قبل أيام من زيارة سليمان لواشنطن يمكن أن تُفسر في اتجاه عدم الارتياح أو على الأقل تفهم دمشق لذلك.
وفي مقابل ذلك أيضا، تبدو زيارة الرئيس الحريري إلى دمشق زيارة غير مبررة من وجهة نظر بعض اللبنانيين وضرورية عند بعضهم الآخر،لكن وطأة هذه الزيارة وتداعياتها أيضا هي بنفس الأهمية التي ترتديها زيارة واشنطن،باعتبارها تؤسس لصفحة جديدة من العلاقات السورية اللبنانية وبخاصة مع بعضهم الذين لا زالوا يعتبرون أن التبادل الدبلوماسي بين البلدين لم يغير في الأمر شيئا بالنسبة إليهم.
إلا إن اللافت في الأمر تزامن الزيارتين توقيتا مع الحراك الإسرائيلي في قرية الغجر المحتلة على الحدود اللبنانية السورية والتي تحاول اسرائيل الانسحاب من الجزء اللبناني منها.فهل يمكن استثمار الأمر والمضي في فتح ملفات التفاوض من جديد بشكل وأسلوب مختلفين عما سبق بالنسبة للمسارين اللبناني والسوري مع اسرائيل؟.
في واقع الأمر، المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة وبالرعاية التركية تعثرت وتعتبر دمشق أنها غير مفيدة ،وطلبت من واشنطن إعادة تموضع جديد من خلال رعايتها لمفاوضات تتخذ شكل رعاية مؤتمر مدريد ومتطلباته.وفي نفس الوقت أيضا عمدت اسرائيل إلى إعدام بيئة التفاوض مع الفلسطينيين وبدعم أمريكي أيضا، ومن هنا يبدو إن مصلحة أمريكية إسرائيلية ما، تلوح في الأفق على قاعدة تحريك الملف التفاوضي الإسرائيلي اللبناني بصرف النظر عن تأمين البيئة المناسبة لإطلاقه أو لتداعياته او لما يمكن أن تصل إليه الأمور لاحقا،وهو أمر كررت اسرائيل المطالبة به في فترات ومناسبات عدة سابقا.
من الممكن أن تشكل زيارة سليمان إلى واشنطن فرصة أمريكية سانحة للضغط على لبنان باتجاه القبول بالمفاوضات ولو على الطريقة السورية الإسرائيلية أي غير المباشرة،في مرحلة أولى، ومن الممكن أن يكون مخرجا مقبولا لدمشق من الناحية المبدئية،لكن المشكلة تكمن في الضمانات والتأكيدات التي يُفترض إن تعطى للجانب اللبناني لا سيما الأمور ذات الصلة.
وكالعادة،هل سيتمكن لبنان من التوفيق بين تداعيات سياستين مختلفتين ؟ام ان الأمر سيكون مثل سوابق كثيرة مر بها؟ثمة أسئلة كثيرة من الصعب الاجابة عليها من دون تذكر مآسي كبيرة مر بها لبنان في تاريخه الحديث كما المعاصر.