25‏/12‏/2016

تداعيات اغتيال السفير الروسي في تركيا
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
نشرت في صحيفة الخليج 24.12.20ض6

        ليست سابقة دبلوماسية أن يُغتال سفير دولة كبرى في دولة مضيفة، ففي التاريخ الدبلوماسي عشرات حالات الاغتيال ، لكن ما يجمع بينها، هو تحميل الدولة المضيفة مسؤولية العمل، باعتبارها المعنية الوحيدة عن حماية الدبلوماسيين على أرضها، ذلك وفقا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1963. وعادة ما يتم تنفيذ مثل تلك العمليات كوجه من أوجه الاعتراض والانتقام لمواقف دولة ما تجاه قضية ما.
       لكن ما جرى في أنقرة من اغتيال للسفير الروسي في تركيا، وان كان يبدو متماشيا مع ذلك السياق المعتاد، إلا أن له الكثير من الدلالات الوازنة في مستوى العلاقات المستجدة بين البلدين ، وقدرتهما في الحفاظ على مستواها التصاعدي بعد فترة من التوتر ، كادت أن تشعل أزمات صراعية من الصعب احتوائها وتدارك تداعياتها ربطا ووصلا بالأزمة السورية.
       فمن الوجهة الإجرائية التي تمّت فيها عملية الاغتيال، فان بدت أمنية عبر منفذها وهو رجل امني مولج حماية الدبلوماسيين، إلا أنها سياسية بامتياز، بالنظر لما صدر عن المنفذ من مواقف واضحة عن دوافعه، قبل أن يتم قتله ، وهنا تطرح علامات استفهام إضافية حول ظروف قتله، بخاصة انه كان بالإمكان إلقاء القبض عليه لمعرفة حقيقة الدوافع والمخططين، فهل كان المقصود بقتله ،وأد المعلومات التي كان من الممكن الإفصاح عنها ، والتي يمكن أن تجر إلى أسئلة لا نهاية لها ، بخاصة إن المستفيدين منها كُثر؟ وخاصة كذلك ، ان معلومات استخبارية سُربت،  مفادها أن ثمة رصد دقيق لأكثر من 100 بعثة دبلوماسية روسية حول العالم ، قد تم توزيع عناوينها على  مجموعات إرهابية ،بهدف تنفيذ عمليات اعتداء عليها،وهو أمر واقعي لا يختلف عليه اثنان ، وسط ظروف دقيقة ،  تمر فيها روسيا حاليا نتيجة سياستها الخارجية النشطة في غير أزمة إقليمية آو دولية ساخنة.
       وفي المقلب الموازي الآخر للعملية، فهي أتت عمليا بعد نتائج معركة حلب ، التي صورت كنصر روسي في إدارة الأزمة السورية، وبعد ساعات على تصويت مجلس الأمن على القرار 2328 حول نشر مراقبين دوليين في حلب لدوافع إنسانية، وقبيل أربع وعشرين ساعة على الاجتماع الثلاثي في موسكو ، والذي يضم إلى روسيا ، كل من تركيا وإيران للتباحث في الأزمة السورية، ما يعني أن توقيت عملية الاغتيال ، جاء مترافقا مع مجموعة من النتائج الأمنية والعسكرية، ومع مجموعة من الحراكات الدبلوماسية المتصلة بالأزمة السورية. وبالتالي إن العملية هي رسالة واضحة ، موجهة إلى موسكو وسياساتها الخارجية.
        أما الجانب الأكثر تعقيدا في العملية، فيبدو موجها للعلاقات الروسية التركية، التي تشهد مزيدا من الدفء والحرارة ، بعد سلسلة انتكاسات سابقة كادت أن تشعل صداما مباشرا بين الطرفين ، بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية العام الماضي، والتي ما لبثت أن تحسّنت بعد تلقف الطرفين ظروف الانقلاب المنفذ في تركيا ،واستثماره في ترطيب العلاقات البينية وجسر ما انقطع من سبل التواصل. بخاصة أن الظروف البينية والإقليمية والدولية ، أجبرت الطرفان على إعادة رسم علاقات ايجابية على قاعدة التذمر والتبرم المشترك ، تجاه سياسات الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو من السياسات المتبعة في الشرق الأوسط. إلا أن قراءة دقيقة لما حصل، يظهر أن لا مصلحة تركية في عملية الاغتيال بل هي موجهة لتخريب العلاقات مع موسكو ، وبالتالي أن مواقف روسيا لن تعدو كونها ردات فعل محسوبة ومدروسة ، ولن تتخطى اعتبار العمل عملا إرهابيا ، ولا تتعدى المسؤولية التركية هنا على اعتباره تقصيرا إجرائيا تجاه حماية البعثة الدبلوماسية الروسية، وهو أمر شائع الحدوث حتى في أكثر الدول قوة في الإجراءات الاحترازية الأمنية والاستخبارية الإستباقية.
       في أي حال من الأحوال، وان بدت هذه العملية رسالة محددة الوجهة في الزمان والمكان، إلا إن تداعياتها المستقبلية على العمل الدبلوماسي الروسي ، سيكون مفتوحا على احتمالات كثيرة، أقلها استهداف البعثات الروسية في غير منطقة من العالم، سيما وان كلفة هذه العمليات هي متواضعة بالنظر لنتائجها المحتملة، وهي الوسيلة الأكثر إيذاءً وإيصالا لدوافع الاعتراض والانتقام من سياسات موسكو واستراتيجياتها في المنطقة ، بخاصة إن حجم الاستثمار المتوقع من تلك العمليات ،هي كبيرة وكثيرة في غير اتجاه ومكان.  
     

17‏/12‏/2016

روسيا وعقيدة بوتين المجددة

روسيا وعقيدة بوتين المجدّدة
د.خليل حسين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية
صحيفة الخليج الإماراتية 18.12.2016

          ثمة مفارقة لافتة في السلوك العقائدي الذي اتبعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد استنسخ طرق أميركية متداولة ومعروفة، لجأت أليها الإدارات الأميركية المتعاقبة خلال العقدين الماضيين ، حينما لم يكن لها  منافس حقيقي في تركيبة النظام العالمي، اليوم لجأ بوتين إلى تعديل عقيدته بما يتناسب وظروف روسيا المستجدة داخليا وخارجيا. في العقيدة الأولى التي أطلقها في العام 2013، كان الطموح الروسي في أوجه، وكان قسم من هذه الطموحات،  قد بدأت موسكو بتنفيذها والوصول إلى نتائج معقولة فيها.
       ففي عملية مزاوجة بين الجغرافيا السياسية التي تتمتع فيها روسيا، وطموحاتها التي تم إلباسها بمفاهيم جيوبولتيكية، تمددت روسيا سياسيا ، وفي بعض الأوقات عسكريا ، بعد عقد من الضمور السياسي الدولي، والغياب الفعلي عن التأثير. لامست قضية جزر الكوريل مع اليابان، وأسست لبيئة استفزازية عبر نشر صواريخ ذات مغزى سياسي وأمني واضح؛ ومن ثم لعبت بكامل طاقتها في منطقة وسط آسيا  التي تعتبرها المجال الحيوي غير القابل للنقاش فيه، ومن ثم ركزت وضعها في النطاق الاورو آسيوي، وحاولت تشكيل نظم إقليمية ذات طابع قاري، ومن ثم لامست القضية الجورجية ومن بعدها الأوكرانية، حيث استرجعت منطقة القرم عنوة، كما نشرت صواريخ في منطقة هي لأشد حساسية في أوروبا وتعتبر مرتعا لحلف الناتو، كالمناطق المحاذية لبولندا، باختصار عمدت موسكو إلى سياسة القضم الهادئ ، وغير المستفز واقعيا، إلا في ظروف استثنائية لاحقة. هذه العقيدة التي ترجمت بأكلاف غير باهظة، استوعبتها الولايات المتحدة واحتوتها ، بوسائل مختلفة، إلى أن طفح الكيل الغربي، وأقام حد العقوبات الاقتصادية على روسيا، علَّ وعسى يتم كبح جماح الاندفاعة الروسية بضغوط غير عسكرية، وهي وسائل غربية ناجعة في الكثير من الأحيان.
      لكن هذه العقوبات ، ربما لم تردع موسكو بالشكل المطلوب غربيا، بل تابعت استراتيجياتها، وبصور أشد عنفا ، تمثل بدخول موسكو عسكريا على خط الأزمة السورية ، ما استدعى واقعيا وعمليا اللعب برؤى  وعقائد مغايرة ، ومنها العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين قبل أسبوع، وهي مزيج من الواقعية السياسية، ومحاولة إفهام الطرف الآخر بضرورة تجسير المواقف لإيجاد حلول ،على قاعدة برغماتية تحفظ حقوق الأطراف الفاعلين ومن بينها موسكو أيضا.  
        فالعقيدة البوتينية المعلنة، حاولت عدم المس بالقضايا الحيوية الغربية، وتم التعبير عنها بلغة دبلوماسية هادئة، بعكس ما ساد من أجواء بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، ذلك بشكل مباشر عبر بوتين نفسه ووزير خارجيته سيرغي لافروف، عبر التمسك بمصالح منفعية متبادلة ، وعلاقات طبيعية مع الاتحاد الأوروبي، والتطلع إلى بيئة عالمية متعددة ، لا إلغاء فيها لأحد، وهو سلوك روسي معتاد ، وبخاصة اعتبار الأمم المتحدة والشرعية الدولية سقفا للتعاطي مع مجمل الأزمات الدولية.
        في المحصلة، تحاول موسكو قضم المنافع الدولية دون دفع أكلاف وأثمان باهظة، أما التعديل الملحوظ فلا يعدو كونه تعديلا في اللهجة الدبلوماسية التي يتم التداول بها مع الآخرين، ومرد ذلك، أن السقف العالي يتطلب إمكانات اقتصادية ومالية ليست متوفرة في الوضع الروسي الراهن، بالنظر إلى جملة أسباب ومن بينها العقوبات الاقتصادية التي يشتد أثرها وضغطها الداخلي، ما حتّم البحث عن وسائل مرنة في التعبير عما تعتبره روسيا طموحا مشروعا لها.
       كما أن محددات العلاقات الروسية الخارجية ،وبخاصة ما يرتبط منها بالولايات المتحدة الأميركية، مرهون حاليا بمدى تمدد الغزل السياسي بين فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، والذي بدا وكأن ثمة توافق في العديد من وجهات النظر حول قضايا محددة، بخلاف الإدارة الحالية لبارك أوباما. والذي يعلق كلا من الطرفين الأميركي والروسي آمالا لافتة على إعادة تصويب العلاقات البينية على قواعد برغماتية ، الأمر الذي يخدم العقيدة الروسية المعلنة. وبالتالي ثمة تبدل وتجديد في الأساليب دون المسّ في المضامين، ما يخدم المصلحتان الروسية والغربية بعامة والأميركية بخاصة، لكن السؤال  المعتاد، أين نحن العرب من كل ذلك ؟!  

08‏/12‏/2016

حكومات لبنان بين التكليف والتأليف

حكومات لبنان بين التكليف والتأليف                                                                        تاريخ النشر: 06/11/2016                        
د. خليل حسين
لا يشكل تكليف أو تشكيل الحكومات في معظم الأنظمة الدستورية في العالم، مشكلة أو هماً سياسياً أو وطنياً ذات شأن، إذ إن الأغلبية في المجالس النيابية، هي من تفرض رئيس الحكومة وتشكيلته. إلا أن الأمر في لبنان يبدو مختلفاً بعض الشيء، بالنظر لارتباط الموضوع، بمسائل عدة يصعب تجاوزها بسهولة ومرونة، إذ إن مشكلات التكليف والتأليف في عهد اتفاق الطائف هي غيرها عما كانت الحال عليه قبل عام 1990.
ففي عهد وثيقة 1943، ودستور 1926، كانت تشكل الحكومات وفقاً لمشيئة ورغبة رئيس الجمهورية، الذي منحه الدستور سلطات واسعة في هذا الشأن، فهو الذي يعين رئيس الحكومة بعد مشاورات شكلية غير ملزمة، كما يعيّن تشكيلة الحكومة، فيما دستور 1990، حدد آليات التكليف والتشكيل، وفقاً لأنساق ملزمة، إن لجهة الاستشارات التي تلزم رئيس الجمهورية بتكليف من ينال أكثر الأصوات، أو لجهة إلزامية إطلاع رئيس المجلس النيابي عليها، أو لجهة المدد الدستورية ذات الصلة بعمل الحكومات وبياناتها الوزارية.
ففي لبنان شُكلت 68 حكومة، بينها 16 حكومة إبان الانتداب، و12 حكومة منذ عام 1990 أي بعد التعديلات الدستورية، وحالياً يأتي تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، بعد شغور رئاسي دام لسنتين ونصف السنة، حيث أخذت حكومة الرئيس تمام سلام زمام الحكم مكان الرئيس، وهي أطول حكومات لبنان عمراً.
وإذا كان انتخاب الرئيس ميشال عون، شكَّل بارقة أمل لإنهاء مأزق دستوري وسياسي، فإن تشكيل الحكومة الحالية، يشكل منعطفاً في الحياة السياسية، بالنظر لاعتبارات عدة، إن لجهة التوقيت أو المدد الزمنية الممنوحة لها دستورياً وواقعياً، أو لجهة «المطبات السياسية»، التي يمكن أن تواجهها.
في أي حال من الأحوال، ثمة مؤشرات إيجابية تشي بإمكانية تذليل عقبات كثيرة عادة ما كانت تعترض تشكيل الحكومات، ومنها حصص الكتل النيابية والحزبية في الحكومة، ونوعية الحقائب الموزّعة على الكتل والطوائف والمذاهب، وبخاصة الوزارات السيادية، علاوة على بعض القضايا والمسائل التي تشكل حساسية ما في البيان الوزاري، وهي أمور أخذت وقتاً طويلاً في بعض الحكومات حتى نالت الثقة في المجلس النيابي.
إلا أن أغلبية الأطراف السياسية اللبنانية راغبة في إعطاء الرئيسين عون والحريري فرصاً قوية بداية العهد، وهذا ما عكسته نتائج الاستشارات النيابية الملزمة التي أفضت إلى إعطاء الرئيس الحريري 112 صوتاً من أصل 126، وهو من الأرقام العالية، التي تأتي في المرتبة الثالثة بعد الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة، وهو بطبيعة الحال أعلى من الرقم الذي ناله إثر الاستشارات التي أفضت إلى تسلمه رئاسة الحكومة عام 2009.
إن الظروف الداخلية والخارجية التي تحيط في عملية تكليف وتشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري، هي دقيقة جداً، بحيث تعكس توازنات إقليمية ودولية، متصلة بأزمات كثيرة، ويبدو أن ثمة توافقاً على تمرير هذا الاستحقاق بأقل الخسائر الممكنة لجميع الأطراف المعنية بالوضع اللبناني. وما يعزز ذلك الأمر الشق الداخلي من الموضوع وبخاصة الجانب الدستوري والقانوني، فمهما يكن من أمر، فالحكومة مرهونة بموعد محدد وهو 20 يونيو/حزيران 2017، وهو موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي المدد له، وبالتالي ستعد الحكومة مستقيلة حكماً.
وفي المقابل، إن أبرز عقبات التشكيل، مرهونة أولاً وأخيراً، بالبيان الوزاري الذي سيرسم الإطار العام لقانون الانتخاب العتيد الذي لطالما اختلف عليه اللبنانيون منذ عقود، ولم يتم الاتفاق على قانون يرضي أغلبية الشرائح السياسية اللبنانية، علاوة على توزيع بعض الحقائب الوزارية السيادية والخدماتية، التي تسببت سابقاً في إطالة عمر التشكيل، حيث وصل في إحداها إلى التسعة شهور، التي يشاع بأن وزارة الطاقة إحدى هذه الحقائب، لما تشكل من مرتكز اقتصادي ومالي على قاعدة تلزيم التنقيب واستخراج النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان.
ثمة الكثير من العقبات والشروط، والشروط المضادة التي واجهت انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة، لكن العبرة تكمن في قدرة اللبنانيين على تجاوز المطالب الفئوية والطائفية والمذهبية الضيقة، والخروج برؤى موحدة حول قضايا عدة مصيرية، خاصة وأن الظروف الإقليمية والدولية التي أفضت إلى إعادة تكوين بعض مراكز السلطة في لبنان، من الصعب أن تتكرر في المدى المنظور.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/391A78C5-D18A-40C1-8AE3-09D9F1516362#sthash.35glfdjj.dpuf

رئيس «صنع في لبنان».. مع حبكة خارجية غير معلنة

رئيس «صنع في لبنان».. مع حبكة خارجية غير معلنة                                        
د.خليل حسين
اثنا عشر رئيساً لبنانياً انتخبوا في ظروف مختلفة، لكنها متماثلة في منسوب التأثيرات الخارجية، عشرة منهم حكموا فعلياً، فيما اغتيل اثنان، الأول الشيخ بشير الجميل الذي انتخب إبان الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان في عام 1982 والذي اغتيل قبل أيام من القسم الدستوري واستلامه السلطة، والثاني الرئيس رينيه معوّض الذي اغتيل بعد انتخابه بأسبوع والذي اعتبر نتاج تسوية اتفاق الطائف. وحكم بين العشرة الباقين، ثلاثة رؤساء مددت ولاياتهم ثلاث سنوات، إلياس الهراوي وإميل لحود في عهد اتفاق الطائف بين الأعوام 1990 و2006، والثالث الرئيس بشارة الخوري وهو الرئيس الأول بعد الاستقلال. وأيضاً بين الرؤساء العشرة، ثلاثة انتهت ولايتهم بفراغ رئاسي، إذ لم يتمكن المجلس من انتخاب بديل عنهما خلال المدة الدستورية، هما أمين الجميل 1988، إميل لحود 2006، وميشال سليمان 2014، الذي كان انتخابه نتاج تسوية الدوحة في عام 2008.
ومن بين العشرة أيضاً، ثلاثة رؤساء شغلوا قبل انتخابهم قيادة الجيش اللبناني، وهم فؤاد شهاب وإميل لحود وميشال سليمان، وإذا انتخب ميشال عون رئيساً، كما هو مؤكد، يكون الرئيس الثاني بعد الرئيس فؤاد شهاب، الذي عين كل منهما رئيس للحكومة قبل وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى.
وما يجمع بين الرؤساء الاثنا عشر، هو حجم التدخل الخارجي في إيصال كل منهم للرئاسة. حتى أن ثمة إجماع بين مؤرخي انتخابات الرئاسة الأولى، أنه لا رئيس صنع في لبنان، وأن هناك دائماً قطبة مخفية توصل مرشح على حساب آخر. فالرئيس الأول بعد الاستقلال بشارة الخوري، انتخب في ظل توافق فرنسي - بريطاني وغطاء عربي، على صيغة الثنائية التي اتسمت بها وثيقة 1943، فيما انتخب كميل شمعون إثر ما سمي بالثورة البيضاء لإنهاء ولاية الخوري الثانية، ورغم الثورة البيضاء التي أوصلته للرئاسة، انتهى عهده بثورة عليه نتيجة انحيازه للسياسات الغربية. ونتيجة لتسوية خارجية أيضاً، مع تأثير واضح للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، انتخب فؤاد شهاب رئيساً، والذي حاول أن يحكم بعد انتهاء ولايته في الظل عبر إيصال شارل حلو للرئاسة بحبكة فرنسية واضحة. ومهما قيل عن لبننة الاستحقاق الرئاسي إبان انتخاب سليمان فرنجية في العام 1970، ثمة الكثير ممن يشككون بوصوله دون تدخل أو ضغط خارجي، وإن يُقال إن الصوت المرجح كان لكمال جنبلاط آنذاك في محاولة لإقصاء مرشح الشهابية إلياس سركيس، والذي انتخب مع دخول سوريا على خط الأزمة اللبنانية في عام 1976 وبغطاء عربي. فيما انتهى عهد الرئيس أمين الجميل في عام 1988 بحكومة عسكرية تقلّد رئاستها العماد ميشال عون، والذي أطيح به بعد اتفاق الطائف وتم نفيه إلى باريس.
اليوم يشهد لبنان مخاضاً طويلاً لانتخاب رئيس للجمهورية، بعد فراغ دستوري استمر لأكثر من سنتين، وبعدما استهلك تعيين 45 جلسة لم يتم فيها التوصل لانتخاب رئيس، بات من المؤكد ونتيجة تسوية داخلية خلطت فيها الكثير من الأوراق، مع حبكة خارجية غير معلنة، من المؤكد وصول ميشال عون لرئاسة الجمهورية. لكن السؤال الأهم في ذلك، ماذا بعد الانتخاب؟
ثمة سوابق كثيرة في الحياة السياسية والدستورية اللبنانية، إبان اتفاق الطائف والدوحة وقبلهما، متصلة بتشكيل الحكومات، والتي باتت المحور الرئيسي بعد اتفاق الطائف لإدارة الحكم، حيث بات مجلس الوزراء هو الحاكم مع رئيس الجمهورية، وبالتالي ما مصير التكليف والتشكيلة الحكومية؟ فهل سيكون الممر مرناً ومريحاً في التعاطي؟ أم أن وعوداً قد أعطيت وستجد صعوبات في تنفيذها؟ ما سبق من حالات تشي بهذه الافتراضات والتساؤلات،إذ ثمة حكومات استلزم تشكيلها شهوراً كثيرة، عكست موازين قوى داخلية وخارجية محيطة بلبنان، وهو أمر قد تعوّدت عليه الحياة السياسية والدستورية اللبنانية، وباتت جزءاً من الحياة السياسية المعاشة. ووسط كل ما يجري، ثمة كلام واضح للعديد من السياسيين اللبنانيين الفاعلين، يؤكد أن مسيرة التشكيل ستطول، وهي بطبيعة الأمر، ستعكس ما يجري حول لبنان من أحداث، وثمة من يقول، إن طبيعة الظروف الخارجية هي التي ستتحكم في منسوب نجاح العهد القادم من عدمه، فهل يعي اللبنانيون ذلك ويكون الرئيس المقبل صناعة لبنانية خالصة؟ ثمة الكثير من المعطيات تشي بعكس ذلك.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/515D2243-7B4A-4F19-80C5-274004356537#sthash.o9IRFF8H.dpuf

المعلن والمضمر في قانون «جاستا»

المعلن والمضمر في قانون «جاستا»
د. خليل حسين
من الطبيعي أن تنشئ أية دولة بيئة قانونية لحماية رعاياها على أراضيها، لكن من غير الطبيعي أن تنشئ هذه البيئة لمحاكمة دول، وأشخاص خارج نطاقها الإقليمي، لاسيما وأن من المبادئ القانونية الراسخة والمتعارف عليها في جميع الأنظمة القانونية في العالم، إقليمية القضاء وصلاحية المحاكم الداخلية في النطاق الإقليمي للدولة، وعدم امتداد هذه الصلاحية إلى خارج حدودها، إلا في أطر محددة وضيقة جداً، وهي تتبع ما يسمى بالقانون الدولي الخاص الذي يرعى قواعد القانون الخاص للأشخاص وامتداداته خارج الأطر الإقليمية.
وإذا كانت القواعد القانونية الخاصة، تسلك مساراً محدداً، وواضحاً في هذه الشؤون، فإن قواعد القانون الدولي العام، ومبادئ الشرعية الدولية التي تأسست عليها بالأصل الأمم المتحدة وميثاقها الذي بات من ثوابت التعامل في العلاقات الدولية، قد حددت جميعها، وبشكل واضح، حق المساواة بين الدول واحترام سياداتها الخاصة تحت أي ظرف من الظروف، بل باتت السيادة إحدى المقدّسات السياسية التي تتمسك بها الدول، باعتبارها مظهراً من مظاهر كيان الدولة. وهذا ما نصت عليه بشكل واضح الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة.
واليوم، وفي سابقة لا مثيل لها بين الدول، مشت الولايات المتحدة ممثلة بمجلسي النواب والشيوخ، بمشروع قانون يخالف كل هذه الشرائع الدولية، وبكلام حق يراد به باطل، سنّت القانون لحماية رعاياها، كما تدعي، من الإعمال الإرهابية، وبشكل محدد استناداً إلى ما جرى في 11 أيلول/سبتمبر 2001، ما يعني إذا ما تم إقراره بالشكل النهائي، ستصبح كل دول العالم وأشخاصها ومسؤولوها تحت رحمة القوانين الأمريكية، ما يعني نقل السيادة القضائية الأمريكية في حدود صلاحياتها وأطرها التنفيذية على أي بقعة في العالم، ماذا يعني ذلك؟
في المبدأ، ثمة تجاوز، بل اعتداء واضح على المبادئ القانونية الدولية التي ترسخت بفعل الاتفاقيات الدولية الشارعة، أي وجوب التزام الدول بها، حتى في قوانينها الخاصة، وبالتالي عدم قدرة أي دولة التفلت منها. كما يعني هذا القانون الاعتداء أيضاً على ميثاق الأمم المتحدة الذي أقر وفصل ،بشكل واضح، وجوب احترام سيادات الدول، وعدم المسّ بها، بل اعتبر وفقاً للمادة 52، وجوب مواجهة العدوان أو أي اعتداء غير مبرر من وجهة القانون الدولي، ما يعني مخالفة قانون «جستا»، للبيئة الشرعية الدولية، وهي أعلى مقاييس التعامل في العلاقات الدولية.
جانب آخر لهذا القانون، وهو تجاوزه عملياً لمندرجات القرار 1373 الصادر عن مجلس الأمن بعيد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، الذي أوجد الأطر القانونية الملزمة لتعاون الدول في مجال مكافحة الإرهاب، إذ بات هذا القرار تحديداً، بمثابة العمود الفقري، والمرجع الأساس لتعامل الدول مع قضايا الإرهاب الدولي وآثاره، لدرجة انه وُصف بأنه جعل حكومات دول العالم أجمع، بمثابة ضابطة عدلية لدى مجلس الأمن، ومن يتحكم في مساراته وسياساته، والمقصود هنا الولايات المتحدة تحديداً، وهنا أليس من الطبيعي إثارة الأسئلة حول خلفيات القانون المضمرة؟
وإذا كان المقصود بهذا القانون تحديداً المملكة العربية السعودية، فإن آثاره ستمتد على كل الدول التي تعارض واشنطن سياساتها في أي مكان وزمان، لاسيما وأن خلفياته الاقتصادية والتجارية واضحة للعيان، فثمة صراع في سوق النفط العالمي حول توزيع الحصص بين النفط الصخري، الذي تقوده الولايات المتحدة، والنفط التقليدي الذي تتزعم صادراته المملكة، ما سيتسبب هذا القانون بتوتر العلاقات الاقتصادية والسياسية بين المملكة والولايات المتحدة، ونشوء بيئات قلق وخوف لدى المستثمرين ورجال الأعمال السعوديين، كما سيخفض التبادل التجاري بين الطرفين والبالغ 74 مليار دولار، منه 18 مليار دولار للصادرات و56 مليار دولار للواردات، في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري في السوق السعودي. كما ستؤثر في الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة وأرصدتها والمقدّرة ب 750 مليار دولار، منها 117 مليار دولار مستثمرة في سندات الخزينة الأمريكية، مقابل استثمارات أمريكية في المملكة لا تتجاوز 15 مليار دولار، كما سيؤثر القانون في صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة وآخرها صفقة بقيمة 115 مليار دولار. كما سيؤثر القانون على 100 ألف طالب سعودي في الولايات المتحدة. فما العمل؟
إما المواجهة عبر سحب السعودية استثماراتها من الولايات المتحدة، وإعاقة الاستثمارات الأمريكية في السعودية، وتجميد صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة، وتغيير تسعيرة منتجاتها النفطية في السوق العالمي من الدولار إلى اليورو، وإقناع دول مجلس التعاون باتخاذ مواقف مماثلة لها، وإما التفاهم من خلال المطالبة بتعديل القانون واستغلال الثغرات القانونية الكثيرة فيه، ليصبح متوافقاً مع ملاحظات الإدارة الأمريكية.
إنه قانون يخفي ويضمر الكثير، تحت مسمى تحقيق العدالة ومكافحة الإرهاب، إنه ببساطة شديدة، قانون الابتزاز المالي والسياسي، بامتياز.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/295874A6-807D-4DCB-AAFE-746078AFA01E#sthash.WbslCxHl.dpuf
المعلن والمضمر في قانون «جاستا»

د. خليل حسين
من الطبيعي أن تنشئ أية دولة بيئة قانونية لحماية رعاياها على أراضيها، لكن من غير الطبيعي أن تنشئ هذه البيئة لمحاكمة دول، وأشخاص خارج نطاقها الإقليمي، لاسيما وأن من المبادئ القانونية الراسخة والمتعارف عليها في جميع الأنظمة القانونية في العالم، إقليمية القضاء وصلاحية المحاكم الداخلية في النطاق الإقليمي للدولة، وعدم امتداد هذه الصلاحية إلى خارج حدودها، إلا في أطر محددة وضيقة جداً، وهي تتبع ما يسمى بالقانون الدولي الخاص الذي يرعى قواعد القانون الخاص للأشخاص وامتداداته خارج الأطر الإقليمية.
وإذا كانت القواعد القانونية الخاصة، تسلك مساراً محدداً، وواضحاً في هذه الشؤون، فإن قواعد القانون الدولي العام، ومبادئ الشرعية الدولية التي تأسست عليها بالأصل الأمم المتحدة وميثاقها الذي بات من ثوابت التعامل في العلاقات الدولية، قد حددت جميعها، وبشكل واضح، حق المساواة بين الدول واحترام سياداتها الخاصة تحت أي ظرف من الظروف، بل باتت السيادة إحدى المقدّسات السياسية التي تتمسك بها الدول، باعتبارها مظهراً من مظاهر كيان الدولة. وهذا ما نصت عليه بشكل واضح الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة.
واليوم، وفي سابقة لا مثيل لها بين الدول، مشت الولايات المتحدة ممثلة بمجلسي النواب والشيوخ، بمشروع قانون يخالف كل هذه الشرائع الدولية، وبكلام حق يراد به باطل، سنّت القانون لحماية رعاياها، كما تدعي، من الإعمال الإرهابية، وبشكل محدد استناداً إلى ما جرى في 11 أيلول/سبتمبر 2001، ما يعني إذا ما تم إقراره بالشكل النهائي، ستصبح كل دول العالم وأشخاصها ومسؤولوها تحت رحمة القوانين الأمريكية، ما يعني نقل السيادة القضائية الأمريكية في حدود صلاحياتها وأطرها التنفيذية على أي بقعة في العالم، ماذا يعني ذلك؟
في المبدأ، ثمة تجاوز، بل اعتداء واضح على المبادئ القانونية الدولية التي ترسخت بفعل الاتفاقيات الدولية الشارعة، أي وجوب التزام الدول بها، حتى في قوانينها الخاصة، وبالتالي عدم قدرة أي دولة التفلت منها. كما يعني هذا القانون الاعتداء أيضاً على ميثاق الأمم المتحدة الذي أقر وفصل ،بشكل واضح، وجوب احترام سيادات الدول، وعدم المسّ بها، بل اعتبر وفقاً للمادة 52، وجوب مواجهة العدوان أو أي اعتداء غير مبرر من وجهة القانون الدولي، ما يعني مخالفة قانون «جستا»، للبيئة الشرعية الدولية، وهي أعلى مقاييس التعامل في العلاقات الدولية.
جانب آخر لهذا القانون، وهو تجاوزه عملياً لمندرجات القرار 1373 الصادر عن مجلس الأمن بعيد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، الذي أوجد الأطر القانونية الملزمة لتعاون الدول في مجال مكافحة الإرهاب، إذ بات هذا القرار تحديداً، بمثابة العمود الفقري، والمرجع الأساس لتعامل الدول مع قضايا الإرهاب الدولي وآثاره، لدرجة انه وُصف بأنه جعل حكومات دول العالم أجمع، بمثابة ضابطة عدلية لدى مجلس الأمن، ومن يتحكم في مساراته وسياساته، والمقصود هنا الولايات المتحدة تحديداً، وهنا أليس من الطبيعي إثارة الأسئلة حول خلفيات القانون المضمرة؟
وإذا كان المقصود بهذا القانون تحديداً المملكة العربية السعودية، فإن آثاره ستمتد على كل الدول التي تعارض واشنطن سياساتها في أي مكان وزمان، لاسيما وأن خلفياته الاقتصادية والتجارية واضحة للعيان، فثمة صراع في سوق النفط العالمي حول توزيع الحصص بين النفط الصخري، الذي تقوده الولايات المتحدة، والنفط التقليدي الذي تتزعم صادراته المملكة، ما سيتسبب هذا القانون بتوتر العلاقات الاقتصادية والسياسية بين المملكة والولايات المتحدة، ونشوء بيئات قلق وخوف لدى المستثمرين ورجال الأعمال السعوديين، كما سيخفض التبادل التجاري بين الطرفين والبالغ 74 مليار دولار، منه 18 مليار دولار للصادرات و56 مليار دولار للواردات، في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري في السوق السعودي. كما ستؤثر في الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة وأرصدتها والمقدّرة ب 750 مليار دولار، منها 117 مليار دولار مستثمرة في سندات الخزينة الأمريكية، مقابل استثمارات أمريكية في المملكة لا تتجاوز 15 مليار دولار، كما سيؤثر القانون في صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة وآخرها صفقة بقيمة 115 مليار دولار. كما سيؤثر القانون على 100 ألف طالب سعودي في الولايات المتحدة. فما العمل؟
إما المواجهة عبر سحب السعودية استثماراتها من الولايات المتحدة، وإعاقة الاستثمارات الأمريكية في السعودية، وتجميد صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة، وتغيير تسعيرة منتجاتها النفطية في السوق العالمي من الدولار إلى اليورو، وإقناع دول مجلس التعاون باتخاذ مواقف مماثلة لها، وإما التفاهم من خلال المطالبة بتعديل القانون واستغلال الثغرات القانونية الكثيرة فيه، ليصبح متوافقاً مع ملاحظات الإدارة الأمريكية.
إنه قانون يخفي ويضمر الكثير، تحت مسمى تحقيق العدالة ومكافحة الإرهاب، إنه ببساطة شديدة، قانون الابتزاز المالي والسياسي، بامتياز.
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/295874A6-807D-4DCB-AAFE-746078AFA01E#sthash.WbslCxHl.dpuf