15‏/08‏/2014

عهد الحكومتين من لبنان الى العراق

عهد الحكومتين من لبنان إلى العراق د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية في الثالث والعشرين من أيلول العام 1988 انتهت ولاية الرئيس اللبناني أمين الجميل ، وفي الربع الساعة الأخير من ولايته أعلن عن تشكيل حكومة برئاسة قائد الجيش آنذاك ميشال عون، ذلك بمواجهة حكومة الرئيس سليم الحص، لم تنقض ساعات حتى استقال جميع الوزراء المسلمين في الحكومة الجديدة، وظلت الحكومتان تحكمان البلد حتى وُقع اتفاق الطائف برعاية أمريكية سعودية سورية بعدما أزيح الجنرال عون من قصر بعبدا عنوة إلى باريس. والمفارقة في هذه الوقائع التاريخية أن هزيمة الجنرال عون آنذاك اعتبرت هزيمة للرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الذي رعى وموّل مشروعه. والمهم أيضا في هذه الوقائع نتائجها الكارثية من احتراب وتدمير وقتل كلف لبنان الكثير الكثير ماديا ومعنويا. اليوم ما يجري في العراق هو مماثل تماما لما حدث في لبنان مع اختلاف بعض الظروف والوقائع، إلا أن النتيجة في المحصلة واحدة وهذا ما تشير إليه معظم المؤشرات والوقائع العراقية السياسية والأمنية والعسكرية السائدة حاليا. رئيس الحكومة نوري المالكي مصر على ترشحه لرئاسة الحكومة رغم الانقلاب السياسي الذي دبر ضده في كتلته البرلمانية والحزبية حيث لم يعد يملك الغالبية لإعادة ترشيحه ،في مواجهة حيدر العبادي. والأمور لا تقف عند هذا الحد ،بل شمل محاولة إعادة تركيب المشهد الداخلي خلط أوراق تفاهمات خارجية ورغم عدم وضوحها الدقيق، إلا أنها تعبر بمعظم جوانبها اتفاقا وتقاطعا مبدئيا حول إنهاء الدور السياسي لنور المالكي، مترافقا مع جولة التنازع على الأثمان السياسية والعسكرية للأطراف الإقليمية والدولية في ملفات ذات صلة بالأزمة العراقية كالأزمة السورية واللبنانية وملفات "داعش" وغيرها في المنطقة. الولايات المتحدة الأمريكية نفضت يدها عمليا من نوري المالكي فيما بدا الموقف الإيراني غير ممانع لكن بشروط وأثمان، بينما اعتبر الأمر نصرا سعوديا. ترافقت هذه المواقف مع تحرك داخلي للمالكي تمثل بمظاهر أمنية وعسكرية وشعبية، ما يوحي استعداده للمضي قدما بالمواجهة رغم التحذيرات الأمريكية له، ما يعني أن بعض أطياف المجتمع العراقي تتحضر لمواجهات قوية تشي بحرب أهلية حتى ضمن الطائفة أو المذهب السياسي والديني الواحد ؛ وهو أمر توفرت له الظروف الذاتية والموضوعية في العراق منذ عقد من الزمن تقريبا ، وبات واقعا وخيارا لدى بعض الفئات في العراق ولو على حساب الكيان والمجتمع. ربما عوامل التفجير الداخلي في العراق اليوم هي أسهل بكثير مما سبق، وإذا كان بالإمكان تفادي التفجير سابقا، فمعطيات اليوم مزدحمة في الواقع العراقي وهي قاب قوسين أو ادني من تفجير واسع يأتي على جميع المكونات السياسية والجغرافية العراقية. فتمدد "داعش" في غير منطقة عراقية وسورية، جعل منها واقعا مأساويا وابتزازيا في المشهد العراقي المشتعل أساسا، وبدلا من أن يكون هذا التمدد دافعا لخلط الأوراق ومواجهته داخليا بات عاملا مساعدا للتفجير الداخلي والخارجي. ما جرى في لبنان قبل عقدين ونيف من الزمن عبر حكومتين متنافستين ، ربما سيتكرر وبقوة في المشهد العراقي، فالمسألة ليست بالضرورة مسألة دستورية كما يصورها نوري المالكي، ولا هي بعملية إعادة ترتيب سياسي لوضع ما، بقدر ما بات سياقا معتادا في المجتمعات العربية حاليا،بهدف المزيد من التمزيق والتفتيت والتفجير ،وكأنه بات أمرا مقضيا،. ما يجري في العرق اليوم أيضا ليس مفصولا عن المشهد الإقليمي العام ، من إيران شرقا مرورا بسوريا وابنان وغزة ومصر وليبيا، باختصار مشهد دموي إرهابي لا أفق سياسي له، بل يشي بمجموعة من الصور الدموية التي ستركِب مشاهد خطرة على الجغرافيا السياسية لدول ومجتمعات وأنظمة أدت قسطها للعلا لقرن مضى، والمفارقة أن جميع فواعلها الداخليين منخرطون فيها وفق أجندات خارجية واضحة المعالم ، دون رغبة أو قدرة على الاستثمار الداخلي الايجابي فيها. ربما المفارقة الأغرب في هذا المجال تبدو بما جرى في لبنان سابقا والعراق حاليا، عهد الحكومتين في لبنان استنفدت قوى الأطراف جميعا وأدت إلى اتفاق إقليمي دولي، رتّب الوضع اللبناني لعقد ونصف من الزمن (1990- 2005) ؛ فيما الواقع العراقي معاكس تماما ونتائجه ربما تكون كذلك، احتراب طائفي مذهبي يسانده ويسعره صراعات إقليمية ودولية، والأغرب أيضا في هذا السياق ما أشيع عن مشاريع تسويات جزئية في ملفات المنطقة، ومن بينها التسهيل لعزل نوري المالكي سياسيا في العراق، مقابل تسهيل انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية في لبنان، وكأن إعادة الفصل والوصل في جزئيات أزمة المنطقة ارتبط مجددا بين بيروت وبغداد ، عبر طهران والرياض!

13‏/08‏/2014

تدعيش لبنان

تدعيش لبنان د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية ثمة مصلحة إقليمية ودولية سادت سابقا ولو على مضض لتحييد لبنان عن بعض ملفات المنطقة ، وبخاصة الأزمة السورية ومتفرعاتها في لبنان. إلا أن ما جرى مؤخرا من تطورات دراماتيكية أمنية وعسكرية في سوريا، وما تبعها في العراق ، أعاد خلط الأوراق من جديد لترتيب إدارة أزمة بعض الملفات الفرعية في المنطقة من البوابة اللبنانية تحديدا، وعبر فتح معركة البقاع اللبناني الشمالي المتصل جغرافيا وديموغرافيا بسوريا. وعلى الرغم من تهيأ الظروف الفعالة لتفجير الأوضاع في لبنان في المرحلة السابقة، جرت تفاهمات متنوعة الأبعاد والغايات لإبقائه في وضع لا هو بالمستقر ولا هو بالمتفجر، أملا بإجراء عمليات استثمار أمنية وعسكرية في غير ملف محلي أو إقليمي لما يحيط بلبنان من ظروف ذاتية وموضوعية مساعدة لذلك. اليوم أطلقت داعش صفارة إدخال لبنان ضمن عملياتها الإرهابية بمواجهة الجيش اللبناني، مستغلة جملة عوامل داخلية لبنانية يأتي في طليعتها الانقسام العامودي بمختلف أنواعه، بدءا بالسياسي وصولا إلى الديني والمذهبي. كما أن ثمة ظروف موضوعية مساعدة لذلك ، من بينها وجود أعداد وأحجام هائلة من النازحين السوريين في معظم المناطق اللبنانية، وهم في طبيعة الأمر بينهم من يوالي جبهة النصرة وداعش وبالتالي إن بيئة تفجير الوضع اللبناني من الداخل هي متوفرة وبشكل خطر، إضافة إلى ذلك ثمة بيئة بعض المخيمات الفلسطينية التي استقطبت مثل تلك الجماعات، علاوة على بدايات النزوح العراقي إلى لبنان أيضا، جميعها تكوّن الأرض الخصبة لتدعيش الواقع اللبناني المهيأ أصلا للفوضى والفلتان الأمني والعسكري. وإذا كان الأمر كذلك ، فما هو مسار ومصير الواقع المستجد في لبنان، صحيح أن داعش فتحت معركتها في لبنان من البوابة البقاعية الشمالية عبر بلدة عرسال ، إلا أن الأمر لن يقتصر على تلك المنطقة بل ستكون بداية انطلاق لمناطق أخرى ولأهداف إرهابية وإستراتيجية بالنسبة لمشروعها في المنطقة. فبعد معارك القصير والقلمون وخسارة داعش وجبهة النصرة لهذه المواقع لم يبق لها سوى المناطق المتاخمة لسلسلة جبال لبنان الشرقية، ووسط عجزها عن الوصول إلى الساحل السوري لإيجاد ممر بحري لعمقها العسكري في سوريا والعراق لم يبق لها خيارات متاحة سوى التغلغل في لبنان من البقاع الشمالي شرقا نحو مناطق عكار وطرابلس غربا، وهو خيار جدي طرحته داعش منذ العام 2013 ومن غير المستبعد العمل عليه بصورة جدية وعملية. والأمر من الناحية العملية لن يقف عند هذا الحد، فمن الطبيعي في خلال تنفيذ هذه المخططات في منطقة بعينها، وعند تعرضها لضغوط ومواجهات كبيرة سوف تستغل العوامل المساعدة في بعض المناطق اللبنانية الأخرى لتخفيف الضغوط العسكرية عليها، وبالتالي إغراق لبنان عمليا في فوضى أمنية وعسكرية تم سابقا الحؤول دون وقوعها بشكل واسع. اليوم جميع الظروف الداخلية اللبنانية قد تهيأت للتفجير رغم وجود بعض الضوابط والرغبة الخارجية بعدم التفجير الواسع لحسابات ومصالح إقليمية، فهل سيتمكن لبنان من الاستفادة من الوقت المستقطع في منطقة باتت على شفير الهاوية العسكرية. فالوقائع الممتدة أصلا من غزة جنوبا وسوريا والعراق شرقا وما تحتويه المنطقة من عوامل الفوضى والفراغ توحي بأن لبنان بات جزءا من لعبة الصراعات في المنطقة ومن الصعب فصله عما يجري في غير منطقة عربية. ان الإرهاب الإسرائيلي في غزة اليوم ، هي جزء واضح من معركة داعش في لبنان، فسلاح المقاومة لم تتمكن إسرائيل من فرض شروطها لانتزاعه في العام 2006، وهي حاولت بشتى الوسائل لتحقيق ذلك عبر شق الوحدة الوطنية الداخلية اللبنانية ، واليوم تراهن إسرائيل على ظاهرة الداعشية في غير منطقة عربية ومنها لبنان ، في محاولة لتحقيق مآربها وغاياتها، ويبدو أن التناغم والتطابق بين أعمال وأفعال الصهيونية والداعشية هي واحدة بالنتيجة. الأولى أقامت دولة يهودية خالصة في فلسطين بوسائل الإرهاب والقتل والترويع عبر عصابات الأرغن وشتيرن وغيرها في مطلع القرن الماضي، واليوم تحاول الظاهرة الداعشية إقامة ما تسميه خلافة إسلامية بالترويع والترهيب والقتل. فهما وجهان لعملة واحدة. فهل سيتمكن لبنان من الإفلات من الفخ الذي نصب له؟ يبدو أن الأمر صعب في ظل المعطيات والوقائع القائمة، إلا أن الملح حاليا ، إن تصبح محاربة الإرهاب الداعشي أولوية إقليمية ودولية قبل أي عمل آخر.

06‏/08‏/2014

عِزّةُ غزّة

عِزّةُ غزّة د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية عندما أطلقت إسرائيل عنوان الجرف الصامد لعدوانها على غزة ، اعتقدت بأنها قادرة على جرف غزة إلى البحر كما تمنى في تسعينيات القرن الماضي رئيس وزرائها الأسبق اسحق شامير، لكن سرعان ما انقلبت موازين القوى عبر صمود الشعب الفلسطيني بوجه آلة القتل الإسرائيلية، وفرضت معطيات جديدة هي سابقة في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي تحديدا. أقه في هذه المرحلة إجبار إسرائيل التفتيش عن مخرج يحفظ ماء الوجه الإرهابي الذي مارسته ضد أطفال غزة لا مقاوميها. وهنا تكمن أهمية الصمود في الحفاظ على المكتسبات وعدم إتاحة الفرصة لإسرائيل في تحويل النصر الفلسطيني إلى هزيمة ، كما برعت به سابقا في تاريخ مواجهاتها مع العرب عموما ومع الفلسطينيين خصوصا. اليوم دفعت غزة ما يفوق الألف شهيد وسبعة آلاف جريح ووضعت إسرائيل أمام استحقاق كانت تخشاه بداية العدوان، وهو الوصول إلى مكان تبحث فيه عن سبيل لوقف إطلاق النار ولو تحت مسمى هدنة إنسانية تصورها وتسوقها لمصلحة الفلسطينيين ، إنما في الواقع هو تقطيع الوقت في محاولة إسرائيلية مكشوفة لتعبئة الضغوط العسكرية والسياسية لفرض شروط ما بعد العدوان، وهي شروط بالمناسبة لا تتناسب أصلا وحجم المأزق الذي وضعت نفسها به؛ ما يعني اعتراف مبدئي بالفشل وعدم القدرة على مجرد رفع السقف السياسي للمفاوضات الجارية حاليا. إسرائيل اليوم مقهورة عسكريا بنخبتها في لواء غولاني ومجموعات ايغوز ، وهي تحتمي بقبة كرتونية لم تحمِ حتى مطار بن غوريون من أشعة الشمس لا من صواريخ المقاومة التي وصلت إلى الألفي صاروخ خلال عشرين يوما.وسياسيا محشورة في الداخل قبل الخارج بكيفية استجداء العالم لوقف إطلاق النار، وسط مبادرة أميركية لا تعدو فخا تفاوضيا اعتادت إسرائيل اللجوء إليه عند الحشرة السياسية والعسكرية في مثل هذه الحالات. وهنا بيت القصيد في استمرار الصمود السياسي الفلسطيني بوجه الضغوط الهائلة التي تمارس عليه للقبول بوقف إطلاق نار مقرون بمواصلة العدوان تحت شعار تدمير الإنفاق والصواريخ الفلسطينية ، في موازاة محاولة لتكريس واقع مستقبلي مفاده عدم اللجوء إلى تصنيع الصواريخ أو نقلها من الخارج ، مقابل وعود بفك الحصار وإعادة الإعمار . ربما اليوم القيادة الفلسطينية والعسكرية مطالبة بمزيد من التشدد التفاوضي بمواجهة إسرائيل ، لكي لا يتحول الصمود والنصر إلى جرف وهزيمة، ولعل الاتعاظ من تجارب المقاومة اللبنانية في العام 2006 دليلا وطريقا لترجمة الصمود لتحقيق مطالب هي من مسلمات حقوق الشعوب والدول ولو نظريا . ففك الحصار ليس مطلبا حديثا أو آنيا، وهو أمر مزمن مارسته إسرائيل عبر الاحتلال وعبر علاقاتها بالسلطة الفلسطينية لاحقا ، ولم يكن يوما قضية طارئة وبالتالي إن فك الحصار ينبغي أولا وأخير عدم ربطه بمطالب إسرائيلية أخرى لا بوقف القتل ولا بغيره من المطالب كقضايا الأنفاق التي تعتبر أصلا نتيجة للحصار لا فعلا سابقا له. إن محاولة إسرائيل ربط وقف العدوان بشروط هي من الحقوق الأساسية للشعوب والدول، هو خروج اعتادت إسرائيل القيام به ومحاولة المضي به إلى نهاياته ، وسط ظروف إقليمية ودولية مساعدة لها، إلا أن ظروف اليوم هي متغيرة إلى حد كبير ويمكن للفلسطينيين تحسين وترقية شروط التفاوض للمرحلة المقبلة بأكلاف سياسية وعسكرية معقولة بعد العدوان. ولنكن واقعيين هنا ونتحلى بالجرأة المفترضة، إن القيادة الفلسطينية بشقيها السياسي والمقاوم المحتضنة شعبيا لديها فرصة تاريخية لإعادة رسم وسائل وطرق تموضعها السياسي اللاحق في منطقة تعج بالمفاجئات والمشاريع من هنا وهناك. عِزّةُ غزة اليوم ، قدرتها على فرض سابقة عسكرية وسياسية على إسرائيل لم تعتد عليها منذ العام 2006، والمبادرة الأمريكية والفرنسية المطروحة اليوم عبر الأمم المتحدة سقفها محاولة الوصول إلى قرار أممي مشابه للقرار 1701 في لبنان ، يحاول تقطيع أوصال الجغرافيا السياسية الفلسطينية المقطعة أصلا ، وينهي القوة النوعية العسكرية الفلسطينية . ففي تموز العام 2006 حاولت إسرائيل عبر الأمم المتحدة فرض سياق عسكري وامني وسياسي على المقاومة اللبنانية، النتيجة كانت مضاعفة قوة المقاومة اللبنانية أضعاف المرات حيث فرضت معادلات وقواعد اشتباك سياسية وعسكرية وحتى استخبارية مذلة لإسرائيل ، فهل ستتمكن المقاومة الفلسطينية من استنساخ التجربة اللبنانية؟ إن حجم التضحيات التي قدمها أطفال غزة تستحق ذلك!

مصير المفاوضات النووية الإيرانية ومسارها

مصير المفاوضات النووية الإيرانية ومسارها د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية في الرابع والعشرين من تشرين الثاني العام 2013 أنهت مجموعة الست مفاوضاتها النووية مع إيران باتفاق حفة الهاوية ، والذي تم الاعتراف من خلاله بإيران دولة نووية واقعيا مع الملامسة القانونية لمجمل الملف. في ذلك الوقت حكمت عدة معطيات هذا المسار الانفتاحي بين الغرب وطهران، استمرت المفاوضات حتى العشرين من تموز الحالي وتم تمديد مهلة إعادة التفاوض إلى تشرين الثاني القادم، فما جرى وما هي المعطيات المفترضة والى أين تتجه المفاوضات؟ عدة نقاط حساسة حُسمت سابقا، من بينها حق إيران بالتخصيب بنسبة خمسة بالمئة ودون تجاوز هذا الحد، علاوة على حسم عدم إنهاء البرنامج في فترة التفاوض، مع الحرص على عدم إقدام طهران على إنشاء المزيد من منشآت التخصيب، وتقليص التخصيب في مجمع نتانز وفوردو ، في مقابل تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية. وعلى الرغم من التفاؤل المفرط أحيانا ، لم يتم التوصل في الجولات الست إلى نهايات مخطط لها مبدئيا.ورغم ذلك تم تمديد جولات التفاوض لأربع أشهر قادمة دون تحديد المكان عمليا. ثمة العديد من المؤشرات التي توحي بالتفاؤل، إلا ان ثمة العديد من العقبات التي تحد من إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي في الموعد المفترض في ظل وجود أزمات سياسية عميقة في المنطقة من السهل الربط والوصل بينها وبين جولات التفاوض القادمة. في الصورة الأولى ثمة بوادر تباين بين الدول الست نفسها لكيفية إدارة ملف التفاوض وغاياته النهائية ويبرز في هذا المجال الموقف الروسي في مواجهة الآخرين ربطا واستثمارا بملف أوكرانيا مثلا، كما وجهة النظر الفرنسية المتشددة وبخاصة تجاه ملف منشأة آراك العاملة بالمياه الثقيل التي تتطلع إلى الاستفادة منه مستقبلا باعتبارها الأكثر تقدما بهذا النوع من التشغيل عالميا. إضافة إلى ذلك عدد وحجم أجهزة الطرد المركزي الذي يحاول الغرب تقليصها إلى مستويات غير مقبولة إيرانيا في ظل تصريحات إيرانية متشددة بهذا الخصوص مترافقة مع تهديدات مبطنة بإمكانية العودة إلى التخصيب بنسبة العشرين بالمئة المتوقفة حاليا. أما العقبة الكأداء أو الخط الأحمر الإيراني والذي كاد في الجولة الثالثة أن يوتر المفاوضات ويوقفها هي قضية الصواريخ الباليستية الإيرانية والتي يعتبرها الغرب جزءا من وسائل نقل الأسلحة غير التقليدية المحتملة، فيما تعتبرها طهران جزءا مركزيا وأساسيا من سلاحها التقليدي المقدّس الذي لا يمكن مقاربته أو مجرد التفكير بربطه في إطار المفاوضات الجارية وهو موضوع فرنسي الطرح والتبني لاقى معارضة شرسة بمجرد وضعه على الطاولة. جانب آخر من المصاعب المحتملة الضغوط التي تمارس على الرئيس الأميركي بارك اوباما باتجاه تشديد العقوبات على طهران وعدم التعامل بمرونة مع هذا الملف، وهي قضية قد تؤثر على مسار ومصير المفاوضات إذا لم يتم التعامل معها بدقة، إذ أن جلوس طهران على طاولة المفاوضات هدفه المرحلي والاستراتيجي حاليا هو الاقتصاد. إضافة إلى ذلك ، ثمة جانب آخر من المصاعب المحتملة متعلق بمستوى الاتفاق وتداعياته الإقليمية وبخاصة الخليجية منها، علاوة على العرقلة الإسرائيلية الدائمة لسير المفاوضات وحذرها في تقبل مطلق مقترح يطلق من هنا أو هناك. في المحصلة ثمة جملة من العقبات التي تواجه سير المفاوضات ومصيرها المحتمل في تشرين الثاني القادم، في ظل ظروف إقليمية ضاغطة جدا ، بدءا من عدوان إسرائيل على غزة وهو المكان الأكثر عرضة للاستثمار والتموضع الإقليمي، مرورا بالأزمة السورية والعراقية، وصولا إلى الملف اللبناني برمته، جميعها قضايا تجيد كل الأطراف استعمالها وممارسة عمليات الشد والجذب السياسي والأمني بهدف الحصول على القدر الأكبر من المكاسب. فهل سيتوصل الطرفان إلى حل ما للبرنامج النووي وبالتالي بداية الولوج في مشاريع حلول لأزمات المنطقة المستعصية، أم أن الخريف القادم سيكون مناسبة أخرى لجولات جديدة من التصعيد في بعض المواقع الإقليمية تعيد خلط أوراق التفاوض من جديد؟ يبدو أن التجارب السابقة تعزز مثل هذه الفرضيات!

غزة من الأمر الواقع إلى فرض الوقائع

غزة من الأمر الواقع إلى فرض الوقائع د.خليل حسين أستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 19-7-2014 من مسلمات استراتيجيات الأمن الإسرائيلية التفوّق وعدم السماح بكسر معادلة الردع تجاه الآخرين. وإذا حصل واختل التوازن لغير مصلحتها فهي مستعدة لشن الحروب والاعتداءات خدمة لتصحيح معادلات الردع. ؛ وثمة سوابق كثيرة في هذا المجال من بينها عدوان 2006 على لبنان الذي أعقبته بعدوان آخر على غزة في العام 2008 ومن ثم 2012 و2014 ، فما الذي جنته إسرائيل في اعتداءاتها السابقة وما يمكن أن تجنيه في اعتدائها الحالي؟ في جميع حروبها (ضد المقاومة في لبنان وغزة) رفعت إسرائيل سقف مطالبها إلى أقصى الحدود في كل عملية كانت تقوم بها، لكن بدء المعركة ليس كإدارتها أو نهايتها، والمفارقة أن في اغلب الجولات العسكرية كانت إسرائيل هي السبّاقة لطلب التدخل الغربي للحد من خسائرها ومحاولة التوسّط للتهدئة والهدنة ، وهذا ما جرى بشكل واضح في اليوم الرابع مثلا لعدوان تموز 2006 على لبنان، الأمر يتكرر اليوم في طلب التوسط للتهدئة رغم تلويحها الدائم بالاجتياح البري لقطاع غزة وهذا ما تنتظره المقاومة. في الجولات السابقة وان تمكنت المقاومة في غزة من تسجيل انجازات الصمود والتوصل لجملة تفاهمات برعاية إقليمية ودولية، إلا أن هذه التفاهمات لم تكن لتصمد طويلا، فهل تغيّرت التوازنات والمعادلات الآن؟ في الواقع تمكنت المقاومة من جر إسرائيل إلى حيث لا تريد وهي إطالة الأزمة وبالتالي المزيد من الصواريخ على كافة الأراضي الإسرائيلية من الجنوب إلى الشمال كما الشرق والساحل، ما يعني إن إسرائيل لم تعد متحكمة بقواعد اللعبة الأمنية والعسكرية التي تعوّدت غمار الخوض فيها مع الفلسطينيين وغيرهم، علاوة على أن فصائل المقاومة حاليا باتت تفجر المفاجئة تلو الأخرى وهي من العيار الثقيل الذي لا قدرة لإسرائيل على بلعها وهضمها بسهولة وبساطة، وخاصة لجهة إدخال سلاح الطائرات من دون طيار والصواريخ المتوسطة المدى، كما استهداف مواقع تمثل عصب الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية برا وبحرا وجوا ، وببساطة تامة وكأن القبة الحديدية التي تتبجح بها إسرائيل تهاوت على رأسها. في العام 1996 تمكنت المقاومة اللبنانية من فرض "تفاهم نيسان"بعد ما أسمته إسرائيل آنذاك عملية عناقيد الغضب، ومفاده عدم الاعتداء على المدنيين اللبنانيين ووضع قواعد اشتباك محددة كما طورنه وحسنت شروطه في القرار 1701، اليوم تحاول المقاومة في غزة فرض تفاهم من هذا القبيل وهي قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه. فالمقاومة تمكنت إلى حد بعيد من امتلاك الأسس والقواعد التي تمكنها من البحث بجدية حول تحديد قواعد الاشتباك مع إسرائيل ، وفرض بعض الشروط التكميلية لقواعد اللعبة في حال التوصل إليها . وساعدها في ذلك بشكل أساسي إدخال التكنولوجيا في الحرب القائمة وهو السلاح الذي تدعي إسرائيل تفوقها به وفي جميع أوجهه. اليوم حلقت طائرات فلسطينية فوق وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب ، وتم اختراق الإعلام الإسرائيلي الكترونيا، ولم ينقص إسرائيل إلا أن تنزل قواتها العسكرية إلى الملاجئ مع ملايين المدنيين، إضافة إلى خسائر الاقتصاد والمال غير المسبوقة إلا في الحروب الكبرى، ثمة صور نمطية جديدة بات على الإسرائيليين التعوّد عليها ، وهي أن الأراضي الفلسطينية المحتلة بكاملها باتت تحت رحمة الصواريخ الفلسطينية. طبعا ثمة انجازات نوعية قد تحققت وينبغي استغلالها واستثمارها جيدا، وهنا بيت القصيد في المواجهات الحالية، وحتى لا نغرق بالكثير من التفاؤل المعتاد عليه عربيا، يجب على المفاوض الفلسطيني كما المقاوم أن يدرك جيدا بأن الانتصار هو في النتائج المحققة سياسيا بعد النتائج العسكرية وهي البيئة التي لم نحسن نحن العرب استغلالها في كافة المواجهات مع إسرائيل. ومن الموضوعية الاعتراف بأن العدوان على غزة يحصل اليم وسط بيئة إقليمية ودولية معقدة وخطرة، ما يسهل استثمار نتائجه في غير ملف داخلي عربي وإقليمي ، بدءا من الاقتتال الداخلي في غير بلد عربي ، مرورا بإعادة التموضع لبعض الدول الإقليمية الكبرى في المنطقة ، وصولا إلى إمكانية صرفه في مفاوضات نووية على قياس غير عربي. باختصار ثمة الكثير من المسائل التي كانت يوما ما امرأ واقعا على الفلسطينيين، واليوم الفرصة سانحة لأن تفرض الوقائع الفلسطينية امرأ واقعا على الإسرائيليين ، فهل سنتمكن من ذلك وان كانت التجارب السابقة غير مشجعة!