29‏/11‏/2013

اسم الطالبة : بلقيس عبد الرضا

اسم الطالبة :  بلقيس عبد الرضا
موضوع الرسالة :الحماية الدولية للمدنيين خلال النزاعات المسلحة
الشهادة:  درجة الماجستير في الحقوق تخصص القانون الدولي العام
التقدير الممنوح: جيد جدا

شهد العالم خلال القرن الماضي، حروبا ضارية ومتتالية ساهمت بإبادة بشر وتهديم بلاد وتهجير ناس من أوطانهم. والعالم بأسره تأثر بنتائج هذه الحروب، ولذا بدأ السعي، بعد ولادة ما عرف بالمجتمع الدولي, إلى تنظيم الأعمال العسكرية لجعلها أقل ضرراً على الاقل بالنسبة للمدنيين الابرياء. فقد حاول المجتمع الدولي التخفيف من حدة الحروب عبر وضع قواعد، ملزمة قانونياً لجميع الأطراف، يتعين التقيد بها. فظهر القانون الانساني الدولي، بهدف تخفيف أثار مثل هذه النزاعات، فهو يحدد الوسائل والأساليب المستخدمة لشن العمليات العسكرية؛ وتُلزم قواعده المقاتلين بالمحافظة على أرواح المدنيين والأشخاص الذين يكفُّون عن المشاركة في الأعمال الحربية، مثل الجنود الذين يصابون بجروح أو يستسلمون ولا ينطبق القانون الانساني الدولي إلا في حالات النزاع المسلح.
وإن كانت الحماية مبدأ لا يتلاءم مع مناخ الحروب إلا ان هذا القانون يهدف إلى الحد من استخدام العنف أثناء الحرب أو الحد من الآثار الناجمة عنها. لكن هذه القوانين لم تشكل رادعا قوياً للجهات المتحاربة، وخصوصا أن المعتدي لا يفرق بين المدني والعسكري، والمرأة والرجل, والطفل والعجوز وقد تتالت المؤتمرات الدولية التي تستنكر ما يلقاه المدنيون من عنف وتهديد.
وبعدما تفاقمت أثار وتداعيات الحروب والنزاعات على المجتمع الدولي، وخاصة على المنطقة العربية، في ظل ما وصف بالحرب ضد الارهاب الدولي ، وفي الوقت الذي يستمر الإحتلال والعدوان الاسرائيلي وتتواصل جرائمه ضد الشعب العربي في فلسطين ولبنان والجولان، فإن القانون الدولي الانساني يتعرض لإنتهاكات من قبل الاطراف المتنازعة، مما يطرح أكثر من علامة إستفهام حول إحترام الاطراف المتنازعة، لأحكام القانون الدولي الانساني، وحول دور المظمات الدولية، كالأمم المتحدة، وقدرتها على مراقبة أوضاع حقوق الانسان في حالات النزاع.
تثير النزاعات المسلحة، الداخلية والدولية، اهتمام القانونين والسياسيين وقادة الجيوش وصناع القرار، نظرا لما لها من تأثير مباشر في الاستراتيجيات الدولية. وقد أثار هذا الموضوع اشكاليات كبيرة وكثيرة، متشابكة ومعقدة، نظراً لتطور النزاعات وانتشارها وتنوعها. وقد انطلقت الطالبة من إشكاليتين بارزتين هما: مدى إمكانية الإتفاقيات الدولية الخاصة بالنزاعات المسلحة، وخاصة إتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الاضافي الاول الخاص بالنزاعات المسلحة الداخلية لعام 1977، من معالجة واقع هذه النزاعات على الأرض ومدى تحقيق الحماية المرجوة للمدنيين وتوفير الحقوق العامة والخاصة المقررة في الإتفاقيات ، ومدى تطبيق الآليات الدولية التي يمتلكها المجتمع الدولي من الناحية الواقعية.وتنطلق الاشكالية الثانية من البحث عن كيفية التوفيق بين النصوص والواقع، وتبيان عجز المواثيق الدولية عن مواجهة الانتهاكات، وتخاذل المجتمع الدولي في تأمين الحماية للمدنيين بالشكل المرجو، وصولاً إلى وضع معايير ومقترحات لتأمين حماية افضل من خلال تحرير النصوص من إستنسابية التطبيق.
اعتمدت الطالبة في دراستها على مناهج عديدة ، منها المنهج الوصفي، لوصف واقع النزاعات والانتهاكات التي تعرض لها المدنيون. وكذلك المنهج التاريخي في دراسة الحماية الدولية للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة. وكذلك المنهج التوثيقي لرصد الانتهاكات الخاصة وتوثيقها للوقوف على مدى نجاح القواعد القانونية في تأمين الحماية.وكذذلك المنهج التحليلي في تحليل النصوص القانونية الخاصة بإتفاقيات  جنيف لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الاول،.
تضمنت الدراسة فصل تمهيدي تم من خلاله تعريف أنماط النزاعات وأنواعها والأسباب الايلة إلى حدوثها وفصل أول، تناول الاحكام الدولية لحماية المدنيين في النزاعات المسلحة. وفصل ثان تم شرح الوسائل والآليات الدولية لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.اضافة الى خاتمة تضمنت بعض الاستنتاجات والمقترحات. 
      ناقشت الطالبة بلقيس عبد الرضا رسالتها المعنونة الحماية الدولية للمدنيين خلال النزاعات المسلحة ، بتاريخ 18/11/2013 ، امام اللجنة المكوّنة من الدكاترة محمد المجذوب وجورج عرموني وخليل حسين ووليد عبد الرحيم.وبعد المناقشة والمداولة قبلت اللجنة الرسالة ومنحت ساحبتها درجة الماجستير في الحقوق اختصاص القانون الدولي العام بتقدير جيد جدا.

 بيروت: 18/11/2013                                    أ.د. خليل حسين

 

26‏/11‏/2013

الربط بين مؤتمري جنيف الايراني والسوري


الربط بين مؤتمري جنيف الايراني والسوري
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبانية
بيروت: 19/11/2013
نشر في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 26/11/2013 

        في وقت استعر الحراك الدبلوماسي السري والعلني لعقد جولة اطار الاتفاق في مفاوضات ايران النووية في جنيف ، وفي وقت استعرت الساحة السورية بمعارك الكر والفر وسط اعلان انطلاق جنيف 2 منتصف كانون الاول المقبل، حاولت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون،اطلاق اشارت توحي بأن مؤتمري جنيف الايراني والسوري غير مرتبطين، فما هي خلفية هذه الاشارات وهل هي عملية أو واقعية ؟ وبمعنى آخر هي يمكن فصل المسارات في ملفات الشرق الاوسط؟
      على الرغم من بعض الخصوصية التي تحكم كلا المؤتمرين لجهة الموضوعات والوسائل المتبعة في سياق الشد والجذب التفاوضي، إلا ان ثمة ترابط واضح في القضايا الاستراتيجية المتعلقة في منطقة الشرق الأوسط ، وبالتالي من الصعب القول ان ثمة امكانية للفصل بين سياق المؤتمرين لجهة التوقيتات المقترحة والأهداف المعلنة وغير المعلنة منهما.
      فجنيف 2 السوري المقترح في اواسط كانون الاول المقبل لم تكتمل شروط انعقاده عمليا ، رغم اطلاق التصريحات المتفائلة حوله ، فمن الواضح والمسلم به، ان الاطراف السورية معارضة وموالاة تربط حضورها وجداول اعمالها على وقع المكاسب العسكرية المفترضة على الأرض ، ويبدو واضحا ان هذه الاطراف ربطت المؤتمر بالظروف العسكرية الحالية الجارية في منطقة القلمون على الحدود السورية اللبنانية التي تعتبر فاصلة بالنسبة إليها اقله في المرحلة الحالية، كما كان الأمر فاصلا بالنسبة إليها في معركة القصير الذي ربطت نتائجها في سياق الشد والجذب لمقترحات جنيف 1، وعليه فان جنيف 2 لم تتحقق ظروفه مقارنة بالتاريخ المقترح ، وعليه سوف يؤجل اقله إلى شهر كانون الثاني من العام المقبل كما اطلقت بعض الاشارات الاوروبية في اجتماع بروكسل لوزراء الخارجية الاوروبيين. ورغم ذلك لا يمكن اعتبار هذا الموعد نهائيا ، اذ من الممكن ان تنشأ ظروف اخرى متعلقة بالمؤتمر نفسه أو بقضايا اقليمية ذات صلة فيه ، وبالتالي اما تؤجله مرة اخرى وإما تجعله وسيلة للضغط في القضايا الاقليمية المرتبطة به.
    وفي المقلب الآخر المتعلق بجنيف الإيراني ، وان انطلقت فعالياته بزخم امريكي وإيراني كبيرين ، إلا ان اطار الاتفاق يبدو من الصعب بمكان التكهن بمآلاته النهائية في المدى المنظور ، وان كان جميع ما يرتبط فيه من مواقف توحي بايجابية النتائج ، إلا ان مستوى التداخل بين ملفات الأزمة السورية ووقائعها ، ومتطلبات الملف النووي الايراني ووسائل استثماراته ، يتطلب نوعا من الربط والوصل في انعقاد مؤتمري جنيف السوري والإيراني لجهة شكل ومضمون الانعقاد ووسائل الضغوط المستعملة فيهما.
      اضافة إلى ذلك ، ان القراءة الاسرائيلية للملف النووي الايراني والكيميائي السوري ،تجعل من مسار المؤتمرين وانعقادهما امرا مرتبطا بالرضا الاسرائيلي ومدى التقديمات والجوائز المفترضة لها. فزيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى تل ابيب مؤخرا وظهوره بمظهر حامي حمى امن اسرائيل اكثر من الاسرائيليين انفسهم ، اضافة إلى موقف وزير خارجيته في اجتماعات جنيف السابقة وتصلبه في مواجهة الامريكيين من تقنيات التخصيب الايراني ، توحي بأن اسرائيل راغبة في المضي إلى النهاية في استثمار هذه الوقائع بصرف النظر عن حجم ومدى فعاليتها العملية. وما يعزز هذه الرؤية موقف وزير الدفاع الاسرائيلي موشى يعلون من ملفات المؤتمرين بقوله،"إننا نقول ، ان من يريد السلام عليه أن يستعد للحرب ، وإذا تطلب الأمر المجابهة فلنتجابه، من أجل ألا يمتلكوا سلاحاً نووياً".
      ان تعقيدات الملفات الاستراتيجية في الشرق الاوسط وتشعب الفاعلين فيها وتعدد المستفيدين منها وحاجتهم المتزايدة لتبادل المكاسب والمنافع والتقليل من الخسائر ، تعزز من فرص ربط اي مؤتمرات لمعالجة هذه الملفات، ومن بينها مؤتمري جنيف الايراني والسوري ، سيما وان مستقبل الوقائع المرتبطة بهما هي من النوع القابل للاستثمار أولا ، وقابلية هذه الوقائع للامتداد الزمني ثانيا، وهو امر مطلوب ومرغوب به اقله من طهران ودمشق.
      اما الأخطر والأبرز في ذلك ، امكانية دخول لبنان أيضا في سياق المؤتمرين ، سيما وان معركة القلمون وبصرف النظر عن وقائعها ونتائجها المفترضة ، ستنقل القسم الأكبر من تداعيات الأزمة السورية إلى لبنان ، فهل سيُحجز للبنان مؤتمرا خاصا به بعدما حُجز مقعدا له في جنيف 2؟ ان تاريخ لبنان السياسي المعاصر حافل باللجوء إلى جنيف كمكان لمناقشة مشاكله ومتاعبه، ويبدو انه لن يشذ عن هذه القاعدة، ما يؤكد  ويعزز من مسار جنيف الايراني والسوري وربما اللبناني لاحقا.

      

         

       

   

     

19‏/11‏/2013

حدود المشاغبة في المفاوضات النووية الايرانية

حدود المشاغبة في المفاوضات النووية الايرانية
د.خليل حسين
استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية
بيروت : 14/11/2013
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 19/11/2013

      تبدو مفاوضات ايران القادمة مع مجموعة الست في جنيف ، مفصلا مهما في ملف تجاوز عمره عقد من الزمن.وعلى الرغم مما اشيع في الجولة السابقة عن قرب التوقيع على اتفاق اطار يرسم مرحلة التفاوض القادمة، ظهرت مفاجئة من نوع آخر ، تمثلت بالموقف الفرنسي الذي هو اشبه بالمشاغبة السياسية منه إلى دور المعطل أو القدرة على فعل ذلك.
     في الواقع ثمة خلفيات مالية اقتصادية وراء الموقف الفرنسي اكثر منه تقنيا أو سياسيا ، وما يعزز هذا الاعتقاد التفاصيل التي خاض فيها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس حول نقاط تقنية محددة هدفها قطف ثمار وجوائز ترضية في مرحلة لاحقة من المفاوضات ، على قاعدة امتلاك فرنسا وحدها لتقنيات انتاجية نووية متعلقة بمفاعل اراك النووي ،وليس على مجمل عمليات التخصيب التي تقوم بها ايران في مختلف مواقعها الأخرى.
        ففي الواقع ان تصنيع السلاح النووي يمكن أن يتم عبر طريقتين: الاولى عبر تخصيب اليورانيوم بواسطة أجهزة طرد مركزية إلى نسبة تفوق التسعين في المئة، أو عن طريق فصل البلوتونيوم باستخدام المياه الثقيلة. وبخلاف باقي المفاعلات النووية الإيرانية ينتج موقع اراك البلوتونيوم كمنتج ثانوي بواسطة المياه الثقيلة، والمتوقع بدء العمل فيه منتصف العام المقبل ، وهي الفترة الزمنية نفسها المتوقع أن يستغرقها تطبيق اتفاق الإطار بين ايران والدول الست. ما يعني تفاوضيا ان باريس تود سحب ورقة اراك من طهران قبل توقيع اتفاق الاطار في محاولة لجعله لاحقا قسما منه ،وبالتالي الاستفادة فعليا وعمليا من الآلية التقنية واستثمارها ماليا واقتصاديا. علاوة على ذلك حاولت باريس عبر وزير خارجيتها الظهور بمظهر المفاوض الرئيس على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الامريكية وليس كمفاوض ثانوي أو تابع لها،اضافة إلى اعادة تموضع وتعويم لصورة فرنسا الشرق اوسطية على قاعدة العلاقات التي تبدو جيدة حاليا مع الكثير من الدول العربية.
      ورغم ما جرى من تأجيل لجولة المفاوضات إلى  (21 و22 تشرين الثاني / نوفمر) على قاعدة الاعتراض الفرنسي على ما اسمته اتفاقا ايرانيا اميركيا خاصا بعيدا عن اجواء الخمسة الباقين، إلا انه في الواقع العملي جرت المفاوضات سابقا وبالتأكيد لاحقا على منسوب عالٍ من التقارب الاميركي الايراني،اذ ثمة مقاربة اميركية جديدة لهذا الملف تحت مسميات وطروح وربما جوائز لاحقة يمكن ان تظهر في المدى المنظور، وليس بالضرورة ان تكون جوائز مالية أو اقتصادية بل بالتأكيد جوائز ومكافآت سياسية أيضا على حساب اطراف اقليمية اخرى.
      ان اتفاق الاطار المزمع البحث فيه في الجولة القادمة،يشكل نقلة نوعية في اسلوب المفاوضات لجهة التقديمات المقترحة ، أو النتائج التي يمكن التوصل إليها عمليا. فإيران وبموجب هذا المشروع سيسمح لها بمتابعة التخصيب في الامكانات المتاحة لها حاليا اي ضمن التسعة عشر الف جهاز للطرد المركزي،اي بمعنى آخر لن يسمح لها بإضافة اعداد اخرى في هذا المجال، اضافة إلى تخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ما دون الخمسة في المئة وهي الحدود التي تطمئن الغرب وتجعل بيئة التخصيب للأهداف والاستعمالات المدنية لا العسكرية ، وهي أيضا تقنية تمتلكها فرنسا وتحاول البناء عليها في عمليات الاعتراض التي جرت في جنيف مؤخرا.
      ان جولة المفاوضات القادمة وان ستبدو شاقة ، إلا ان الآليات والتقديمات المقترحة تنبئ بصور اخرى،بالنظر لكيفية الاستثمار الامريكي الايراني لهذه المفاوضات في الواقع الداخلي لكلا البلدين،وبصرف النظر عن مصالح وخلفيات الاطراف الأخرى المشاركة مباشرة في المفاوضات أو التي تنتظر نتائجها كإسرائيل وغيرها من دول الاقليم. فطهران تنتظر رفع العقوبات المالية والاقتصادية وبخاصة على تجارة الذهب والبتروكيميائيات وقطع الغيار الامريكية والحسابات المجمدة ، وبالتالي صرفها سياسيا في الداخل ،بالشكل الذي لا يترجم تنازلا استراتيجيا ؛ وفي المقابل تترجم هذه التقديمات في الداخل الاميركي عبر الرئيس باراك اوباما على قاعدة أنه لم يقدم لإيران سوى ما يمنعها عن الوصول إلى السلاح النووي الذي يلبي في الحد الادنى طموح وتطلعات دول الاقليم وبخاصة اسرائيل.
     لقد تمكنت ايران ولعقد من الزمن التفاوض في الوقت المستقطع من عمر الأزمة مع الغرب،وتمكنت من امتلاك ومراكمة الخبرات العلمية والعملية في هذا الملف تحديدا، ويبدو من الصعب ايقاف هذه الصورة النمطية التي تكرست مع الوقت. وبذلك ان فعل الاعتراض أو المشاغبة من غير طرف اقليمي أو دولي على مسار ومصير المفاوضات ، لن يكون إلا محدودا وفي الهامش الذي لن يكون مؤثرا بشكل مباشر على اتفاق الاطار المزمع البحث به.  

14‏/11‏/2013

حدود التنافس الروسي - الأمريكي في مصر



حدود التنافس الروسي - الأمريكي في مصر
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 14/11/2013
     
 
خليل حسين
شكلت مصر مركزاً للشد والجذب السياسي والأمني للقوى العالمية الكبرى ماضياً وحاضراً، ذلك لموقع مصر الجيوسياسي ومجموعة العوامل التي تمتلكها والتي تمكنت من استثمارها بشكل جيد في الواقع السياسي المتأزم في المنطقة . وفي واقع الأمر لم يغب التنافس الروسي الأمريكي عن محاولة الحضور الفاعل في دولة لعبت وتلعب دوراً مفصلياً في أزمات إقليمية ذات امتدادات دولية . وما يعزّز عودة هذا التنافس فتور العلاقات المصرية الأمريكية بعيد عزل الرئيس محمد مرسي واتخاذها أشكالاً تصاعدية، لكن السؤال المركزي الذي يثار في هذا المجال حول حدود هذا التنافس وآثاره وتداعياته بخاصة على واشنطن التي بذلت جهوداً استثنائية قبل أربعة عقود لإخراج موسكو من منطقة تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية الأشد حيوية لمصالحها الاقتصادية والسياسية .
ثمة صورة نمطية ظهرت مؤخراً وعززت الاعتقاد بأن السباق الأمريكي - الروسي على إعادة ترتيب ملفاتهما في بعض دول المنطقة، انطلاقاً مما جرى من تحولات سريعة في بعض الأنظمة العربية وما أنتجت بيئة تنافسية دولية واضحة في هذا المجال .
ففي مجال الوقائع ذات الصلة قام وزير الخارجية الروسي ووزير الدفاع بزيارة القاهرة، بعد زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في وقت ربطت وقائع هذه المنافسة والسباق بملف الأزمة السورية ووسائل إدارتها من قبل كل من موسكو وواشنطن .
فموسكو التي خرجت من مصر بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بقرار مصري واضح عنوانه التحوّل الكبير في سياسات مصر الخارجية إبان عهد الرئيس الراحل أنور السادات، شكّل ضربة موجعة للاستراتيجية السوفييتية آنذاك، ما أعطى دفعاً متجدداً لعلاقات موسكو بدمشق استثمرت بعلاقات ومعاهدات صداقة ذات بعد استراتيجي إقليمي رفيع المستوى، تعويضاً عن خروج حيوي من مياه دافئة تشكل حلماً روسياً دائماً عوّضته في ميناء طرطوس على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط . وإذا كانت هذه الميّزة تشكل نوعاً من ورقة ترضية، فإن عين موسكو ظلت شاخصة على الموانئ المصرية بالنظر لخصائصها الجيوسياسية الفاصلة بين آسيا وإفريقيا وبالتحديد قناة السويس التي تشكل أهميتها أهمية ممري الدردنيل والبوسفور المنفذ الروسي الوحيد إلى المياه الدافئة .
لقد شكلت ثورة مصر الثانية على حكم الأخوان نوعاً من التحوّل السلبي في العلاقات بين القاهرة وواشنطن، وأدت إلى تداعيات وآثار لافتة هي الأولى منذ عقود خلت، فقد أقدمت الإدارة الأمريكية على تجميد المساعدات المالية والاقتصادية المقررة سلفاً كنوع من العقاب على أداء ذات طابع سيادي داخلي، كما جمّدت صفقة طائرات عسكرية (خمسون طائرة اف 16) وألغت مناورات عسكرية مقرّرة (النجم الساطع)، في وقت شهد الشارع المصري مزاجاً مختلفاً إعادة إلى حقبة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وصورها النمطية لجهة العلاقة السلبية مع الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية .
في مقابل التحوّل الأمريكي المصري، ثمة غزل سياسي وعسكري واقتصادي روسي مصري واضح المعالم . فمن جملة ما عرضته موسكو على القاهرة صفقات سلاح طائرات حربية متطورة من نوع ميغ، إضافة إلى برامج تدريبية عسكرية، علاوة على تقديم قمر اصطناعي ذات بعد عسكري بهدف مواجهة أوضاع سيناء الأمنية غير المريحة للقاهرة . ما يعني أن ثمة قراراً روسياً بإعادة تموضع شرق أوسطي يعطي ميزة استراتيجية إضافية على تواجدها في طرطوس بعد جملة التحوّلات الأمنية والعسكرية الحاصلة في الأزمة السورية حالياً، والخروج الروسي المدوي من ليبيا سابقاً
وإذا كانت هذه الوقائع والقراءات تفيد أن ثمة تنافساً قوياً يلوح في أفق العلاقات الروسية الأمريكية حول مصر، إلا أن ثمة وقائع أخرى مفادها محدودية نتائج هذا التنافس وصعوبة تخلي الإدارة الأمريكية عن موقع مصر في استراتيجيتها الشرق أوسطية . بالنظر للموضع الذي اتخذته مصر في الصراع العربي “الإسرائيلي” سابقاً وحالياً ومحاولة تكريسه لاحقاً في ظل المتغيرات المصرية الحاصلة . علاوة على ذلك، إن الاندفاعة الروسية باتجاه القاهرة ستواجهها عقبات ليس بالسهل تجاوزها ومن بينها الموقف “الإسرائيلي” الذي يملك أوراقاً ضاغطة كثيرة في كل من موسكو وواشنطن لكبح جماح أي ترتيب إقليمي دولي في التحالفات يمكن أن يمس القضايا والمسائل الاستراتيجية والحيوية “الإسرائيلية” .من هنا يبدو أن التنافس والسباق الأمريكي الروسي في مصر دونه عقبات كثيرة للوصول إلى أهدافه النهائية من وجهة نظر كلا الطرفين، وبالتالي إن استمراره من دون حدوث خروق لافتة فيه، سيعزز من فرص إعادة إحياء الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن ربما على قواعد وملفات تعتبر الأكثر حساسية لكلا الطرفين في منطقة هي من أشد المناطق قابلية في العالم لاستيعاب واحتواء الاستثمارات السياسية والأمنية الإقليمية والدولية، وبالتالي انفجارها وتفلتها من أي عقال ممكن للحل .في سبعينات القرن الماضي أُخرجت موسكو من منطقة اعتبرتها بمثابة الرئة للجسد، واكتفت بتنفس لا تتحكم فيه كلياً، خيضت حروب الواسطة في غير صولة وجولة ضمن إطار الصراع العربي “الإسرائيلي”، وأدت إلى ما أدت إليه من وقائع ونتائج، اليوم تنافس وسباق وربما حروب باردة وحتى ساخنة جديدة يمكن أن تنطلق بهدف إعادة كتابة تاريخ وترتيب جغرافيا لا تزال تُشكل على خلفية سايكس - بيكو جديدة قديمة قبل قرن من الزمن!

05‏/11‏/2013

هل الكويت إلى مجلس الأمن؟

هل الكويت إلى مجلس الأمن؟     
نشرت في صحيفة الخليج الاماراتية بتاريخ 5/11/2013
خليل حسين
شكّل اعتذار المملكة العربية السعودية عن عضوية مجلس الأمن الدولي جملة تساؤلات من بينها، هوية الشاغل المحتمل لهذا المقعد . ففي المبدأ انتخبت المملكة كمرشحة عن احد المقعدين عن القارة الآسيوية وفي الوقت نفسه كممثل رمزي للدول العربية، فهل يكون البديل المحتمل واحدة من دول مجلس التعاون الخليجي؟ وإذا كان الأمر كذلك ما هي مواصفات الدولة التي يمكن أن تملأ هذا المقعد ولا تشكل حساسية للرياض؟
ثمة جوانب عديدة غير معلنة يمكن الأخذ بها عند ترشيح دولة ما لعضوية مجلس الأمن، ومن بينها الموقع الجيوسياسي وأثره القاري والإقليمي وتمثيله الحضاري بمختلف جوانبه، علاوة على خصوصيات إقليمية محددة من بينها القدرة على إيجاد توازنات سياسية دقيقة في جوارها الإقليمي حتى ولو كانت محاطة بخصوم أو أعداء أقوياء إضافة إلى الرغبة في أن تكون متميزة في مواقفها تجاه قضايا ومسائل استراتيجية إقليمية ودولية مطروحة في مجلس الأمن .
ورغم التشابه وحتى التطابق في بعض أوجه وسمات دول مجلس التعاون الخليجي لجهة الخصائص الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إلا أن ثمة بعض التمايز لبعض دولها، لجهة ظروفها وعلاقاتها الخاصة بجوارها الجغرافي العربي وغير العربي، وهنا تبرز دولة الكويت كخيار قابل للبناء عليه .
فالكويت ذات المكانة الجيوسياسية الدقيقة الواقعة بين ثلاث دول إقليمية كبرى السعودية والعراق وإيران، شكلت مفترق طرق في الجغرافيا والتاريخ لمنطقة من اشد المناطق الخليجية حساسية لجهة المتطلبات التي ينبغي توافرها للحفاظ على توازنات دقيقة قابلة للتعديل والتغيير عند كل ضغط إقليمي أو دولي كبيراً كان أم صغيراً . وربما التجربة الأكثر سطوعاً في هذا المجال ما نالته الكويت مثلاً في العام 1990 عند احتلالها من قبل العراق إبان حكم الرئيس صدام حسين، من دعم دولي مهول لإعادة تحريرها وفي وقت يعتبر قياسياً في تاريخ تحرير الدول من غازيها .
الجانب الآخر من هذا الموضوع الثقل النفطي الذي تتمتع به دولة الكويت، فهي تتربع على خامس احتياطي نفطي في العالم، علاوة على تنويع مصادر الاستثمار الداخلي والخارجي لهذا الاحتياط، مقروناً بتوازن تصديره، علاوة على الفعالية اللافتة لاستثماراته الداخلية في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية منها والمترجمة بالحراك الدائم في مجال تداول السلطات وبخاصة الانتخابية منها
وبالنظر إلى خصوصية المكوّن الاجتماعي الكويتي، تبدو الكويت اليوم ضرورة من ضرورات السياسات الخليجية على المستويين الإقليمي والدولي، وبالتالي تعزيز فرصها لشغل مقعد مجلس الأمن باعتبارها من الدول التي حافظت على منسوب مرتفع في حرارة العلاقات مع دول غير عربية في المنطقة، كما تمكنت من هضم وتجاوز أغلبية تداعيات وآثار احتلالها ونسجت علاقات طبيعية مع العراق، البلد الذي شكّل مأزقاً وجودياً بالنسبة إليها في بعض تاريخها السياسي الحديث .
وفي جوانب علاقات الكويت الخليجية، تبدو الكويت اليوم كما الأمس الأقرب إلى الرياض ليس بالنظر لما يجمعهما من حدود مشتركة، بل للروابط التي جمعت الطرفين إبان احتلالها . فالكويت انتقلت حكومة وشعباً ومؤسسات إلى الرياض ومارست كامل سيادتها تقريباً من هناك، ما يعزز أيضاً فرص رضا الرياض عن انتخابها عضواً في مجلس الأمن . إضافة إلى ذلك أن وجود الكويت في مجلس الأمن يعطي هامشاً مريحاً للرياض في إدارة الملفات التي تعنيها مباشرة في المنطقة، بالنظر إلى إمكانية الدور الذي يمكن أن تلعبه الكويت في تقريب وجهات النظر المتباينة بين دول الإقليم حول ملفات ساخنة تدور رحاها حالياً، وتستلزم مزيداً من الجهد من دول تعتبر محايدة فيها كالكويت .
إن التدقيق في التاريخ السياسي لدولة الكويت ولسياساتها الخارجية في الملفات الحساسة، يعطيها دفعاً قوياً لإحداث تركيبات تصويتية في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن لانتخابها عضواً غير دائم في هذا الأخير، إضافة إلى ذلك أن عضوية الكويت في المجلس ليست سابقة دولية في تاريخها السياسي، إذ سبق وأن شغلت هذا المركز في العام ،1978 وهي الفترة التي شهدت أحداثاً مؤثرة في المنطقة، منها احتلال “إسرائيل” لجزء من جنوب لبنان ودورها في صدور القرار 425 الداعي للانسحاب “الإسرائيلي”، إضافة إلى وصول الثورة الإسلامية في إيران، وما شكّلت من تداعيات على العلاقات العربية وغير العربية والخليجية بخاصة . فهل أن مجمل هذه الوقائع سيحدد رديف الرياض في مجلس الأمن؟ يبدو أن حظوظاً كويتية تسير في هذا الاتجاه .