ماذا في القرار 1644 وما بعده ؟
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
بيروت:17/12/2005
هل أعاد مجلس الأمن في قراره 1644 مسك العصا من النصف في محاولة لضبط إيقاعات الداخل اللبناني وتداعياته الخارجية ؟ وهل يمكن اعتبار هذه الصياغة الدقيقة للقرار مخرجا دبلوماسيا للاحتقان الإقليمي والدولي في محاولة لتركيب بيئة إقليمية قابلة للاستثمار السياسي في مواضيع لا علاقة لها بالجريمة والتحقيق؟ وما هي آفاق المرحلة المقبلة في الستة اشهر من الوقت المستقطع من عمر لجنة التحقيق الدولية؟.
صحيح أن فترة الشهرين بين تقريري لجنة التحقيق ليست كافية للوصول إلى نتائج حاسمة،إلا انه من الصعب تبرير أو إقناع الكثيرين بأن ثمة أمور كان ينبغي فعلها لصدور تقرير ثان يمكن البناء عليه بشكل شبه قاطع، لكن ثمة أمر ما تقاطعت فيه مصالح أطراف كثيرة جعلت المطالبة بتمديد عمل اللجنة لمدة ستة اشهر قابلة للتنفيذ ذلك قبل صدور القرار 1644 بأسبوعين،وكأن الأمر كان بمثابة رسالة واضحة للبنانيين والذي لم يتمكن البعض من قراءتها بشكل صحيح. وعليه فان ما أتى به القرار 1644 كان اقل من طموح البعض في وقت لم يلامس خشية وخوف البعض الآخر،لذا كان القرار اقرب إلى النص القابل للتأويل والتظهير بحسب ما يستفيد منه كل طرف داخلي أم خارجي.وفي هذا الإطار يمكن تسجيل العديد من الملاحظات أبرزها:
- صدر القرار بالإجماع كغيره من القرارات ذات الصلة،إلا أن الجديد بالإجماع كان اقل كلفة، جهدا ووقتا بخلاف الحالات السابقة،رغم أن مشروع القرار الفرنسي المدعوم أمريكيا وبريطانيا أوحى بإمكانية حصول مداولات صعبة قبل صدوره،ومرد ذلك الموقف الروسي - الصيني الناجم عن قدرة إيران وسوريا في استثمار القضايا الاقتصادية والمالية وغيرها في تأمين مظلة ما لسوريا ولو في حدود معينة.
- جاء نص القرار بعبارات وصياغات دبلوماسية دقيقة بحيث لم تُستعمل لغة الحزم أو الجزم في مواضع يُفترض استعمالها، واكتفى بمصطلحات لا تنم بالضرورة عن التشدد لكنها ليست مرنة بحيث يُساء فهمها. فالقرار وان لم يرفض صراحة بعض المطالب فهو لم يتبناها علنا وأبقاها لمشاورات لاحقة، ورغم أن القرار لم يستعمل عبارات التشدد في مجال التأكد فقد قصَّر مهل المتابعة والملاحقة وبذلك أبقى السيف مسلطاً دون الضرب فيه.
- لقد استعمل مجلس الأمن عبارة "يأخذ علما" خمس مرات، ثلاث في الديباجة ومرتين في المادتين (3) و (6) من القرار،وهي عبارة مخففة في اللغة الدبلوماسية تفيد بعدم الإدراج ضمن الأوليات ولو كان الأمر معاكسا لتمَّ استعمال أن المجلس "يسجل" بدل الأخذ بالعلم وهو مصطلح اشد سبكاً.وفي السياق نفسه يأتي استعمال عبارتي إن المجلس "يلحظ" كما ورد في الديباجة و"يشير" كما وردت في الفقرة (4) من القرار الذي يأتي طبعا في إطار الفصل السابع من ميثاق المنظمة الذي ينبغي صياغة فقراته بحنكة متناهية لما يُرتب من نتائج بمعزل عن أرادات الدول وقبولها له.
- أن ترحيب المجلس بالتقرير الثاني للجنة وفقا للمادة (1) من القرار تعني موافقته الضمنية على مجمل ما ورد في التقرير رغم عدم التبني بشكل واضح وصريح وما يؤيد ذلك ما ورد في الفقرة (4) من الديباجة من تهنئة اللجنة ورئيسها على العمل المتفاني من اجل العدالة في التحقيق،وكذلك ما ورد في المادة (3) من أن المجلس" يؤكد استنتاجات اللجنة".
- ان قرار المجلس تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية لمدة ستة اشهر كما ورد في المادة (2) ليس متطابقا مع طلب الحكومة اللبنانية بالتمديد لمدة ستة اشهر قابلة للتمديد، ذلك بعطفه على آلية التمديد كما وردت في القرار 1595/2005 في المادة (8) التي تنص على : "ويخول الامين العام تمديد عمل اللجنة فترة إضافية لا تتعدى الثلاثة اشهر، إذا اعتبر أن هذا ضروري للسماح للجنة بإكمال التحقيق".وكذلك في المادة (8) من القرار 1636/2005 :" يرحب في هذا الصدد بقرار الأمين العام بأن يمدد ولاية اللجنة حتى 15 كانون الأول/ ديسمبر 2005، حسب ما أذن به مجلس الأمن في قراره 1595 (2005) ويقرر أنه سيمدد هذه الولاية مرة أخرى إذا أوصت اللجنة بذلك وطلبته الحكومة اللبنانية". فالتمديد هنا ليس مرتبطا بطلب الحكومة اللبنانية وحدها لكن الشرط الإضافي هو تقرير اللجنة والأمين العام لوجوب ذلك وهذا معروف بطبيعة الأمر،إلا أن المسألة مرتبطة بتحديد تقديم تقارير اللجنة حول تقدم عملها والتعاون السوري في هذا المجال المحدد بثلاثة اشهر وأقل من ذلك إذا رأت اللجة ضرورة لذلك كما ورد في المادة (13) من القرار 1636/2005.
- وعلى الرغم من عدم وجود شيء اسمه "محكمة ذات طابع دولي" في القانون الدولي وفي السوابق المُنشِأة للمحاكم الدولية إن كانت محاكم دولية خاصة كالتي أنشأت لقضيتي يوغسلافيا ورواندا أو المحاكم المختلطة كالتي أنشأت لكل من سيراليون وكمبوديا وتيمور الشرقية،أو المحكمة الجنائية الدولية الموضوعة موضع التطبيق منذ تموز العام 2002، فقد اخذ المجلس علما بطلب الحكومة اللبنانية ولم يتخذ موقفا محددا بل اكتفى بالإشارة إلى الطلب كما ورد في المادة (6) " من الأمين العام مساعدة الحكومة اللبنانية على تحديد طبيعة ونطاق المساعدة الدولية المطلوبة بهذا الصدد، كما يطلب من الأمين العام رفع التقارير إليه بشكل سريع حول المسألة". فالمجلس لم يرفض ولم يتبنى وترك الأمر أولا للأمين العام بأن يساعد الحكومة اللبنانية على تحديد طبيعة المحكمة أي نوعيتها إذا ما كان الآمر يستدعي اللجوء إلى السوابق السالفة الذكر أو تحديد محكمة أخرى بمواصفات معينة بذاتها،كما أن الآمر متعلق بحدود المساعدة في هذا الإطار؛ورغم عمومية الموقف وضبابيته فقد طُلب من الأمين العام تحديد ذلك بتقارير سريعة دون تحديد التوقيت كما جرى سابقا وفي هذا القرار تجاه بعض الأمور المتعلقة بالتعاون والمحددة كما أسلفنا بثلاثة اشهر.بمعنى إن مجلس الأمن ورغم تسرّع الحكومة اللبنانية بالطلب لمثل تلك المحاكم غير المحددة أصلا في الطلب، ترك الباب مفتوحا على مشاورات كثيرة قابلة للاستثمار السياسي اللاحق بين الواقعين اللبناني والإقليمي على قضايا متعددة ليست بالضرورة لها علاقة بالقضية الأساس.
- إن طلب الحكومة اللبنانية توسيع مهام اللجنة الحالية أو إنشاء لجنة دولية أخرى للتحقيق في الجرائم الحاصلة منذ 1/10/2004 كما ورد في الفقرة (2) من الديباجة، حاول المجلس إيجاد مخارج لها في المادة (7) من القرار عبر اتجاهين بعد رفض تشكيل لجنة دولية أخرى :
1 - الأول السماح للجنة بعد طلب الحكومة اللبنانية " بتقديم المساعدة الفنية التي تراها مناسبة للسلطات اللبنانية في التحقيقات حول الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في لبنان منذ 1 /10/2004" وهذا يعني إن أمر المساعدة الفنية وان لم تكن محددة لجهة النوع أو الطبيعة أو الكيفية هي مرتبطة في الأساس بتقدير اللجنة وليس الحكومة في مدى مساهمتها في كشف ملابسات الجرائم وعمليات المتابعة لها،إضافة إلى ذلك فلو افترضنا أن الحكومة اللبنانية طلبت مساعدة ما ولم ترى اللجنة ضرورة لذلك فمن هو المرجع الصالح لحل تلك المسائل، إن العودة إلى البروتوكول الموقع بين اللجنة وبين الحكومة اللبنانية بتاريخ 13/6/2005 لا سيما المادة(5) التي تنص على" يمكن أن تشارك اللجنة في أي تحقيق له صلة بالقضية، سواء تم بناء لطلبها أم لا. ويحق لها إعطاء التوجيهات للسلطات المختصة بشأن أي عمل يجب، أو لا يجب، القيام به خلال هذه التحقيقات بهدف الحفاظ على الأدلة أو الحصول عليها".وهذا دليل آخر على أن اللجنة تبقى هي المرجع الأول والأخير في تحديد الأمور وقيمتها العملية سيما وان النص أعطى الحق للجنة إعطاء التوجيهات للسلطات اللبنانية حول ما يجب عمله او لا يجب عمله،اضافة الى ذلك إن أي خلاف حول تفسير أي نص في البروتوكول خاضع لمفاوضات ثنائية كما ورد في المادة (11) من البروتوكول نفسه دون تحديد مرجعية دولية محددة بذاتها.
2 – اما الاتجاه الثاني والمتعلق بتوسيع نطاق صلاحيات اللجنة لتشمل الجرائم الأخرى فقد أناطها القرار في المادة (7) نفسها بالأمين العام عبر "توصيات" بعد التشاور مع اللجنة والحكومة وهي بطبيعة الأمر ليست ملزمة لمجلس الأمن بكونها توصية يمكن الأخذ بها أو تجاهلها،وبذلك هي مرتبطة بمواقف أعضاء مجلس الآمن وليس بأي جهة أخرى.
- لقد عالج المجلس الجانب المتعلق بسوريا بثلاث مواد، فعلى الرغم من الإشارة إلى سوريا وبالاسم فقد حاول التخفيف من حدة عدم التجاوب الكلي غير المشروط كما يطلبه القرار 1636؛ ففي المادة (3) من القرار 1644 "يأخذ علماً بارتياح بالتقدم الذي أحرزه التحقيق منذ تقرير اللجنة الأخير"..,,"ويلحظ بقلق بالغ أن التحقيق وبالرغم من انه لم يكتمل بعد ، يؤكد استنتاجات اللجنة السابقة، وبأن الحكومة السورية لم تقدم بعد للجنة التعاون الكامل وغير المشروط"، فالقلق موجه إلى استنتاجات التقرير وليس إلى سوريا،وما يؤكد هذه الصيغة التخفيفية ما ورد في المادة (4) من أن المجلس" يشير إلى واجب سوريا وتعهدها التعاون" أي أن التعاون ورد بصيغة الواجب وليس الوجوب المفروض، رغم مطالبة سوريا صراحة بالتجاوب بشكل فوري لا لبس فيه في المسائل التي يشير إليها قاضي التحقيق وبتلبية أي طلب قد تقدّمه اللجنة في المستقبل بدون إبطاء" كما ورد في المادة عينها.
ان ما توصل اليه مجلس الامن في القرار 1644 يعتبر عودة لدبلوماسية حفة الهاوية في معالجة القضايا،فالقرار هدّأ روّع اللبنانيين إلى حد كبير بعد االتموضع السياسي على قاعدة التعجّل في المحكمة الدولية وتدويل ما يخطر ولا يخطر على بال،كما يُعتبر محاولة لضبط إيقاع الحراك السياسي الداخلي واستثماراته المتنوعة بانتظار ربما أشياء تُطبخ في المنطقة،وبالتالي التأكيد مرة أخرى أن حجم أي قضية مهما بلغت تبقى رهنا بتقاطع مصالح الكبار ومدى الاستفادة من التعجيل بحلها.
في بداية العقد الاخير من القرن الماضي لم يكن همَّ اميركا تحرير الكويت من غزوة صدام حسين،بقدر ما كان الهمّ الأساس في كيفية استثمار هذه الخطيئة الكبرى،على قاعدة تصوير هزيمة نظام العراق آنذاك هزيمة لكل العرب،وبالتالي دفعهم لتقديم تنازلات مجانية لإسرائيل،فكانت اتفاقات وادي عربة واوسلو وواي ريفر وكامب دايفيد وغيرها،فهل جريمة العصر ستكون مدخلا لإيجاد البيئة المناسبة خلال الستة اشهر القادمة لذلك،إن لبنان كما المنطقة يعج بأسباب الانفجارات الكبرى فهل نعي ذلك؟ّ!
د.خليل حسين
استاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
بيروت:17/12/2005
هل أعاد مجلس الأمن في قراره 1644 مسك العصا من النصف في محاولة لضبط إيقاعات الداخل اللبناني وتداعياته الخارجية ؟ وهل يمكن اعتبار هذه الصياغة الدقيقة للقرار مخرجا دبلوماسيا للاحتقان الإقليمي والدولي في محاولة لتركيب بيئة إقليمية قابلة للاستثمار السياسي في مواضيع لا علاقة لها بالجريمة والتحقيق؟ وما هي آفاق المرحلة المقبلة في الستة اشهر من الوقت المستقطع من عمر لجنة التحقيق الدولية؟.
صحيح أن فترة الشهرين بين تقريري لجنة التحقيق ليست كافية للوصول إلى نتائج حاسمة،إلا انه من الصعب تبرير أو إقناع الكثيرين بأن ثمة أمور كان ينبغي فعلها لصدور تقرير ثان يمكن البناء عليه بشكل شبه قاطع، لكن ثمة أمر ما تقاطعت فيه مصالح أطراف كثيرة جعلت المطالبة بتمديد عمل اللجنة لمدة ستة اشهر قابلة للتنفيذ ذلك قبل صدور القرار 1644 بأسبوعين،وكأن الأمر كان بمثابة رسالة واضحة للبنانيين والذي لم يتمكن البعض من قراءتها بشكل صحيح. وعليه فان ما أتى به القرار 1644 كان اقل من طموح البعض في وقت لم يلامس خشية وخوف البعض الآخر،لذا كان القرار اقرب إلى النص القابل للتأويل والتظهير بحسب ما يستفيد منه كل طرف داخلي أم خارجي.وفي هذا الإطار يمكن تسجيل العديد من الملاحظات أبرزها:
- صدر القرار بالإجماع كغيره من القرارات ذات الصلة،إلا أن الجديد بالإجماع كان اقل كلفة، جهدا ووقتا بخلاف الحالات السابقة،رغم أن مشروع القرار الفرنسي المدعوم أمريكيا وبريطانيا أوحى بإمكانية حصول مداولات صعبة قبل صدوره،ومرد ذلك الموقف الروسي - الصيني الناجم عن قدرة إيران وسوريا في استثمار القضايا الاقتصادية والمالية وغيرها في تأمين مظلة ما لسوريا ولو في حدود معينة.
- جاء نص القرار بعبارات وصياغات دبلوماسية دقيقة بحيث لم تُستعمل لغة الحزم أو الجزم في مواضع يُفترض استعمالها، واكتفى بمصطلحات لا تنم بالضرورة عن التشدد لكنها ليست مرنة بحيث يُساء فهمها. فالقرار وان لم يرفض صراحة بعض المطالب فهو لم يتبناها علنا وأبقاها لمشاورات لاحقة، ورغم أن القرار لم يستعمل عبارات التشدد في مجال التأكد فقد قصَّر مهل المتابعة والملاحقة وبذلك أبقى السيف مسلطاً دون الضرب فيه.
- لقد استعمل مجلس الأمن عبارة "يأخذ علما" خمس مرات، ثلاث في الديباجة ومرتين في المادتين (3) و (6) من القرار،وهي عبارة مخففة في اللغة الدبلوماسية تفيد بعدم الإدراج ضمن الأوليات ولو كان الأمر معاكسا لتمَّ استعمال أن المجلس "يسجل" بدل الأخذ بالعلم وهو مصطلح اشد سبكاً.وفي السياق نفسه يأتي استعمال عبارتي إن المجلس "يلحظ" كما ورد في الديباجة و"يشير" كما وردت في الفقرة (4) من القرار الذي يأتي طبعا في إطار الفصل السابع من ميثاق المنظمة الذي ينبغي صياغة فقراته بحنكة متناهية لما يُرتب من نتائج بمعزل عن أرادات الدول وقبولها له.
- أن ترحيب المجلس بالتقرير الثاني للجنة وفقا للمادة (1) من القرار تعني موافقته الضمنية على مجمل ما ورد في التقرير رغم عدم التبني بشكل واضح وصريح وما يؤيد ذلك ما ورد في الفقرة (4) من الديباجة من تهنئة اللجنة ورئيسها على العمل المتفاني من اجل العدالة في التحقيق،وكذلك ما ورد في المادة (3) من أن المجلس" يؤكد استنتاجات اللجنة".
- ان قرار المجلس تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية لمدة ستة اشهر كما ورد في المادة (2) ليس متطابقا مع طلب الحكومة اللبنانية بالتمديد لمدة ستة اشهر قابلة للتمديد، ذلك بعطفه على آلية التمديد كما وردت في القرار 1595/2005 في المادة (8) التي تنص على : "ويخول الامين العام تمديد عمل اللجنة فترة إضافية لا تتعدى الثلاثة اشهر، إذا اعتبر أن هذا ضروري للسماح للجنة بإكمال التحقيق".وكذلك في المادة (8) من القرار 1636/2005 :" يرحب في هذا الصدد بقرار الأمين العام بأن يمدد ولاية اللجنة حتى 15 كانون الأول/ ديسمبر 2005، حسب ما أذن به مجلس الأمن في قراره 1595 (2005) ويقرر أنه سيمدد هذه الولاية مرة أخرى إذا أوصت اللجنة بذلك وطلبته الحكومة اللبنانية". فالتمديد هنا ليس مرتبطا بطلب الحكومة اللبنانية وحدها لكن الشرط الإضافي هو تقرير اللجنة والأمين العام لوجوب ذلك وهذا معروف بطبيعة الأمر،إلا أن المسألة مرتبطة بتحديد تقديم تقارير اللجنة حول تقدم عملها والتعاون السوري في هذا المجال المحدد بثلاثة اشهر وأقل من ذلك إذا رأت اللجة ضرورة لذلك كما ورد في المادة (13) من القرار 1636/2005.
- وعلى الرغم من عدم وجود شيء اسمه "محكمة ذات طابع دولي" في القانون الدولي وفي السوابق المُنشِأة للمحاكم الدولية إن كانت محاكم دولية خاصة كالتي أنشأت لقضيتي يوغسلافيا ورواندا أو المحاكم المختلطة كالتي أنشأت لكل من سيراليون وكمبوديا وتيمور الشرقية،أو المحكمة الجنائية الدولية الموضوعة موضع التطبيق منذ تموز العام 2002، فقد اخذ المجلس علما بطلب الحكومة اللبنانية ولم يتخذ موقفا محددا بل اكتفى بالإشارة إلى الطلب كما ورد في المادة (6) " من الأمين العام مساعدة الحكومة اللبنانية على تحديد طبيعة ونطاق المساعدة الدولية المطلوبة بهذا الصدد، كما يطلب من الأمين العام رفع التقارير إليه بشكل سريع حول المسألة". فالمجلس لم يرفض ولم يتبنى وترك الأمر أولا للأمين العام بأن يساعد الحكومة اللبنانية على تحديد طبيعة المحكمة أي نوعيتها إذا ما كان الآمر يستدعي اللجوء إلى السوابق السالفة الذكر أو تحديد محكمة أخرى بمواصفات معينة بذاتها،كما أن الآمر متعلق بحدود المساعدة في هذا الإطار؛ورغم عمومية الموقف وضبابيته فقد طُلب من الأمين العام تحديد ذلك بتقارير سريعة دون تحديد التوقيت كما جرى سابقا وفي هذا القرار تجاه بعض الأمور المتعلقة بالتعاون والمحددة كما أسلفنا بثلاثة اشهر.بمعنى إن مجلس الأمن ورغم تسرّع الحكومة اللبنانية بالطلب لمثل تلك المحاكم غير المحددة أصلا في الطلب، ترك الباب مفتوحا على مشاورات كثيرة قابلة للاستثمار السياسي اللاحق بين الواقعين اللبناني والإقليمي على قضايا متعددة ليست بالضرورة لها علاقة بالقضية الأساس.
- إن طلب الحكومة اللبنانية توسيع مهام اللجنة الحالية أو إنشاء لجنة دولية أخرى للتحقيق في الجرائم الحاصلة منذ 1/10/2004 كما ورد في الفقرة (2) من الديباجة، حاول المجلس إيجاد مخارج لها في المادة (7) من القرار عبر اتجاهين بعد رفض تشكيل لجنة دولية أخرى :
1 - الأول السماح للجنة بعد طلب الحكومة اللبنانية " بتقديم المساعدة الفنية التي تراها مناسبة للسلطات اللبنانية في التحقيقات حول الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في لبنان منذ 1 /10/2004" وهذا يعني إن أمر المساعدة الفنية وان لم تكن محددة لجهة النوع أو الطبيعة أو الكيفية هي مرتبطة في الأساس بتقدير اللجنة وليس الحكومة في مدى مساهمتها في كشف ملابسات الجرائم وعمليات المتابعة لها،إضافة إلى ذلك فلو افترضنا أن الحكومة اللبنانية طلبت مساعدة ما ولم ترى اللجنة ضرورة لذلك فمن هو المرجع الصالح لحل تلك المسائل، إن العودة إلى البروتوكول الموقع بين اللجنة وبين الحكومة اللبنانية بتاريخ 13/6/2005 لا سيما المادة(5) التي تنص على" يمكن أن تشارك اللجنة في أي تحقيق له صلة بالقضية، سواء تم بناء لطلبها أم لا. ويحق لها إعطاء التوجيهات للسلطات المختصة بشأن أي عمل يجب، أو لا يجب، القيام به خلال هذه التحقيقات بهدف الحفاظ على الأدلة أو الحصول عليها".وهذا دليل آخر على أن اللجنة تبقى هي المرجع الأول والأخير في تحديد الأمور وقيمتها العملية سيما وان النص أعطى الحق للجنة إعطاء التوجيهات للسلطات اللبنانية حول ما يجب عمله او لا يجب عمله،اضافة الى ذلك إن أي خلاف حول تفسير أي نص في البروتوكول خاضع لمفاوضات ثنائية كما ورد في المادة (11) من البروتوكول نفسه دون تحديد مرجعية دولية محددة بذاتها.
2 – اما الاتجاه الثاني والمتعلق بتوسيع نطاق صلاحيات اللجنة لتشمل الجرائم الأخرى فقد أناطها القرار في المادة (7) نفسها بالأمين العام عبر "توصيات" بعد التشاور مع اللجنة والحكومة وهي بطبيعة الأمر ليست ملزمة لمجلس الأمن بكونها توصية يمكن الأخذ بها أو تجاهلها،وبذلك هي مرتبطة بمواقف أعضاء مجلس الآمن وليس بأي جهة أخرى.
- لقد عالج المجلس الجانب المتعلق بسوريا بثلاث مواد، فعلى الرغم من الإشارة إلى سوريا وبالاسم فقد حاول التخفيف من حدة عدم التجاوب الكلي غير المشروط كما يطلبه القرار 1636؛ ففي المادة (3) من القرار 1644 "يأخذ علماً بارتياح بالتقدم الذي أحرزه التحقيق منذ تقرير اللجنة الأخير"..,,"ويلحظ بقلق بالغ أن التحقيق وبالرغم من انه لم يكتمل بعد ، يؤكد استنتاجات اللجنة السابقة، وبأن الحكومة السورية لم تقدم بعد للجنة التعاون الكامل وغير المشروط"، فالقلق موجه إلى استنتاجات التقرير وليس إلى سوريا،وما يؤكد هذه الصيغة التخفيفية ما ورد في المادة (4) من أن المجلس" يشير إلى واجب سوريا وتعهدها التعاون" أي أن التعاون ورد بصيغة الواجب وليس الوجوب المفروض، رغم مطالبة سوريا صراحة بالتجاوب بشكل فوري لا لبس فيه في المسائل التي يشير إليها قاضي التحقيق وبتلبية أي طلب قد تقدّمه اللجنة في المستقبل بدون إبطاء" كما ورد في المادة عينها.
ان ما توصل اليه مجلس الامن في القرار 1644 يعتبر عودة لدبلوماسية حفة الهاوية في معالجة القضايا،فالقرار هدّأ روّع اللبنانيين إلى حد كبير بعد االتموضع السياسي على قاعدة التعجّل في المحكمة الدولية وتدويل ما يخطر ولا يخطر على بال،كما يُعتبر محاولة لضبط إيقاع الحراك السياسي الداخلي واستثماراته المتنوعة بانتظار ربما أشياء تُطبخ في المنطقة،وبالتالي التأكيد مرة أخرى أن حجم أي قضية مهما بلغت تبقى رهنا بتقاطع مصالح الكبار ومدى الاستفادة من التعجيل بحلها.
في بداية العقد الاخير من القرن الماضي لم يكن همَّ اميركا تحرير الكويت من غزوة صدام حسين،بقدر ما كان الهمّ الأساس في كيفية استثمار هذه الخطيئة الكبرى،على قاعدة تصوير هزيمة نظام العراق آنذاك هزيمة لكل العرب،وبالتالي دفعهم لتقديم تنازلات مجانية لإسرائيل،فكانت اتفاقات وادي عربة واوسلو وواي ريفر وكامب دايفيد وغيرها،فهل جريمة العصر ستكون مدخلا لإيجاد البيئة المناسبة خلال الستة اشهر القادمة لذلك،إن لبنان كما المنطقة يعج بأسباب الانفجارات الكبرى فهل نعي ذلك؟ّ!