17‏/02‏/2008

التحولات الجديدة في الشرق الأوسط وإدارة الصراع القائم



التحولات الجديدة في الشرق الأوسط وإدارة الصراع القائم
د..خليل حسين
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
رئيس مصلحة الدراسات في مجلس النواب اللبناني


من الواضح أن تحولات كثيرة طرأت على الصراع القائم في الشرق الأوسط،كما تكشف هذه التحولات عن التغيرات التي طرأت على السياسات العربية والإسرائيلية لإدارة الصراع القائم وتحديد أطره وأشكاله وأنواعه. فالحرب الدائرة اليوم بين إسرائيل وكل من المقاومة اللبنانية والفلسطينية هي في احد أوجهها حرب بين إسرائيل وجماعتين إسلاميتين حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين،لكنها تأخذ أبعادا عربية وإقليمية لا تقل شأنا عن ظاهرها.
لقد كان الفوز المفاجئ لحماس في الانتخابات الفلسطينية مقدمة لتغيير معادلة الصراع ، فحركة حماس غير معنية في عملية السلام كما كان الحال مع السلطة الفلسطينية، ووجدت نفسها معزولة دوليا وعربيا أيضا بسبب خوف الدول العربية من تأليب الحركات الإسلامية والمعارضة عليها واتخاذ حماس نموذجا، كما أن الدول العربية خشيت من استمرار رفض حماس الاعتراف بمبادرة بيروت العربية 2002.
كما أن المعادلة قد تغيرت بوجه الحكومة الإسرائيلية،فايهود اولمرت الوريث السياسي لشارون وقع في أزمتين سياسية وعسكرية فحركة المقاومة الإسلامية حماس تود تقديم نموذج لمعارضة إسلامية وصلت للحكم، والأمر نفسه فيما يتعلق بحزب الله الذي يشارك بالحياة السياسية في لبنان؛ ومن ثم فقد خلق لإسرائيل أعداء جددا ليسوا دولا أو حكومات بالمعنى الدقيق، وبالتالي فقد انتهى العصر الذي كانت فيه المساعي الدولية توجَّه للحكومات، وباتت توجه إلى حركات دون الدول. وعسكريا، فإن إسرائيل تحارب أولا على جبهتين، وهي ثانيا تحارب جماعات أو منظمات، لا دولا، وعليه من الصعوبة بمكان أن تمارس الدول الحليفة لإسرائيل أو التي ترتبط بعلاقات قوية معها ضغوطا على هذه الجماعات، خاصة أنها تعتمد على نفسها من حيث التمويل والإمداد، كما أنه يمكنها الاستمرار دون وجود الكثير من المؤسسات الحيوية التي يمكن لإسرائيل مهاجمتها، وهي تعتمد على أيديولوجيات لا يمكن القضاء عليها حتى لو دمرت مؤسساتها.
إيرانيا يبدوا أن عملية أسر الجنديين الإسرائيليين يمكن الاستفادة منها بشكل مباشر في ظل هدف طهران الأساسي بتحويل الانتباه العالمي حول البرنامج النووي، والذي يعاني جمودا حاليا بعد رفض إيران وقف تخصيب اليورانيوم، ورد الدول الغربية عليها بتحويل ملفها النووي مجددا إلى مجلس الأمن، كما تهدف من تلك الأزمة إلى تحويل الأنظار أيضا يجري في العراق.
سوريا، تحولت دمشق مجددا إلى قبلة يحج إليها الدبلوماسيون العرب والأجانب، وباتت محطة أنظار الجميع للدور المرتقب الذي يمكن أن تلعبه في الضغط على قيادات حماس لديها وبخاصة رئيس المكتب السياسي للحركة "خالد مشعل" بهدف التوصل إلى اتفاق للإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليت، في حين أن خالد مشعل أظهر نفسه بأنه القائد الوحيد للحركة الذي يمكنه قيادة الجهود لإطلاق سراح الجندي الأسير، كما أن الرئيس السوري بشار الأسد يسعى للاستفادة من الوضع الحالي لإخراج سوريا من العزلة الدولية المفروضة عليها، الأمر الذي يعني أن حزب الله يمكن أن يقدم إلى دمشق فرصة لفرض هذه الأجندة.
وبالعودة إلى مأزق الحكومة الإسرائيلي فهي في أزمة إستراتيجية عميقة، وتواجه بقيادة أولمرت مخاطر حقيقية لانحسار التأييد لخطة فك الارتباط من أجزاء من الضفة الغربية أو "خطة التجميع"، بخاصة أنها تحارب في مناطق انسحبت منهما عن طريق خيار أحادي، ولم يحقق لإسرائيل ذلك السلام،في الوقت الذي تبدو تقديرات اولمرت غير دقيقة.فهي ترتكز في الأساس على سلة من الخيارات العسكرية المجربة والتي لم تتمكن إسرائيل من تحقيق شيء يذكر من خلالها ومنها:
- شن هجمات موسعة جنوب لبنان لتفكيك قوات المقاومة وتدمير بنيتها التحتية، وتأسيس منطقة عازلة على طول الحدود مع لبنان على غرار عملية نهر الليطاني في آذار/ مارس 1978 وعملية الجليل في حزيران / يونيو 1982.
- شن غارات جوية وهجمات صاروخية لتدمير البنية التحتية للمقاومة اللبنانية، تشمل محطات توليد الكهرباء كما حدث في نيسان / أبريل 1996 ومطار بيروت في ديسمبر 1968 بهدف الضغط على الحكومة اللبنانية.
- شن ضربات جوية على محطة الرادار السورية في سهل البقاع بلبنان، حدث ذلك في فبراير ويوليو 2001، وضد أحد مراكز التدريب الفلسطينية في دمشق في أكتوبر 2003 لإجبار سوريا على الضغط على حزب الله.
- اختطاف أحد مسئولي حزب الله مثل الشيخ عبد الكريم عبيد في يوليو 1989 والرئيس الأسبق للشئون الأمنية لحركة أمل مصطفى ديراني اللذين تم تبادلهما في يناير 2004 بصفقة مقابل الإفراج عن جنود إسرائيليين اختطفهم حزب الله.
لقد أسفرت تلك العمليات بشكل عام عن نتائج متواضعة ومتباينة، فبينما أدى الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982 إلى ارتياح مؤقت، إلا أنه أوجد قوات دولية لحفظ السلام جنوب لبنان، وخلق معه الجذور الأولية لنشأة حزب الله ، الأمر الذي يجعل من الغزو البري للبنان تجربة مريرة، لكن ربما يكون ذلك الحل الوحيد من وجهة النظر الإسرائيلية لتدمير الترسانة الصاروخية للحزب. كما أن الهجمات المتواصلة على البنية التحتية اللبنانية ستؤدي للضغط على الحكومة اللبنانية، لكنها ستؤدي في النهاية إلى التعاطف الشعبي مع حزب الله.
وأما الهجمات الصاروخية الإسرائيلية فستكون محدودة التأثير في ظل التطور والتنوع الكبير الذي أدخله حزب الله على عملياته وتقليل بنيته التحتية المهمة في الجنوب اللبناني، بل ستكون العمليات السريعة والخاطفة هي الأخرى محدودة الفعالية، كما أن إسرائيل التي لم تترك جثث أي من جنودها القتلى أو تتخلى عن جنودها المختطفين ربما لن تسعى للتخلي عن هذا الموقف في الأزمة الحالية.
كما لدى إسرائيل الخيار السوري عبر ضرب مواقع سورية عسكرية حساسة بهدف اختبار قدرة سوريا على قبول دبلوماسية الإكراه التي من المحتمل أن تطيل أمد الأزمة الراهنة؛ لأن دمشق ترى أن اتجاه إسرائيل لضرب أهداف عادية دليل على عدم قدرتها على تقديم حلول للأزمات التي تواجهها على صعيد الصراع.
إن الوضع السالف الذكر يجبر إسرائيل على تكييف إستراتيجية جديدة للتعامل مع الحركات أو المنظمات دون الحكومات؛ باعتبار أن المنطق الحالي لا يدفع إسرائيل إلا إلى توسيع نطاق عملياتها المسلحة والأهداف التي تريد تدميرها في لبنان وربما تتجه لضرب أهداف حيوية في سوريا من أجل إنهاء أزمتها الحالية على أسس تعتبرها مقبولة سياسيا وعسكريا.
إلا أن أحد الخيارات لحل الأزمة الراهنة هو تدخل فعلي وجاد من الدول الكبرى طبقا لأهدافهم الإستراتيجية ووضع آليات لحل الأزمة... فأي الخيارات تقبل إسرائيل؟.
طبعا إن الخيارات المتاحة لجميع الإطراف هي ضيقة وتشبه إلى حد كبير سياسة حفة الهاوية،وهي من الخيارات الدقيقة التي لا يسمح فيها الغلطـ ، فهامش المناورة ضيق إن لم يكن معدوما.الجميع يتمسك بالشروط المسبقة التي وضعت في بداية الحرب،وهي مسألة حياة أو موت،فمن يصرخ أولا؟ بالتأكيد إن قواعد اللعبة قد تغيرت كليا وهناك متغيرات ينبغي الأخذ بها ولا يمكن تجاهلها ومن ابروها:
- التوجه للحركات والمنظمات الفاعلة لا الحكومات.
- وجوب التعامل بمنطق التوازن بين الإطراف المعنية.
- إيجاد بيئة دولية مناسبة للانطلاق بالحلول السياسية لا العسكرية والأمنية,