الأوضاع العربية الراهنة ودور البرلمانيين العرب في
تعزيز التضامن العربي ومواجهة التحديات
ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر الحادي عشر
للاتحاد البرلماني العربي
د.خليل حسين
بيروت في : 8-2-2004
الحديث عن حال الأمة العربية بدولها وأنظمتها يطول بتعدد وتنوع التحديات التي تواجه العرب وبخاصة في ظل الظروف الفارقة التي تحيط بمجمل الواقع العربي محليا ودوليا.
فحـال العرب في مطالع القرن الحادي والعشرين ، لا سيما بعد احتلال العراق : تخلف وهزيمة واحباط ، تخلف شامل : سياسي وإقتصادي وإجتماعي وثقافي . والهزيمة شاملة : في الداخل أمام عوامل الفقر والمرض والأمية والجمود والتفرقة ، وفي الخارج أمام القوى المعادية والمنافسة في شتى الميادين. والاحباط يكاد يكون شاملا يلف الجميـع : حاكمين ومحكـومين ، موالين ومعـارضين ، مقيمين ومهاجرين .
اما الحصيلة ، انكسار الإرادة وشللها أمام التحديات الماثلة . ومن هنا تتضح الحـاجة ، كخطوة أساس ، الى إعادة بناء الإرادة القومية وتفعيلها . فالنهوض ، أولاً وآخراً ، يتوقف على توليد إرادة التغيير والمواجهة . وهي مسألة تبدأ بمعالجة مسائل ثلاث : تشخيص حال الأمة ، والتوصيف والتحديات التي تواجهها ، وتحديد المناهج والآليات والاساليب اللازمة لتحقيق الأهـداف والطموحات من خلال استراتيجية عربية متكاملة.
وترتسم خمسة تحديات ينطوي كلّ منها على جملة قضايا وإشكاليات تتطلب التساؤل والإحاطة والمناقشة واستخلاص العبر والنتائج على الشكل التالي:
اولا :المشروع الامبراطوري الاميريكي
عجلّت أحداث 11 ايلول / سبتمبر 2001 في تظهير مشروع الهيمنة الامبراطوري الامريكي الذي يقوم على خمس اسسس :
1- عدم السماح لأية دولة بالتفوق على الولايات المتحدة أو حتى بالتساوي معها .
2- اللجؤ الى الحروب الاستباقية لإجهاض قدرات العدو أو لمنعه من تشكيل تهديد عسكري أو استراتيجي .
3- السيطرة الثقافية لضمان عالم آمن لمصالح امريكا . فهي إذا لم تقم بصياغة العالم على صورتها وشاكلتها ، فسيقوم العالم بصياغتها على صورته وشاكلتـه .
4- السيطرة على أسلحة الدمار الشامل لتحقيق تفـوق كاسح على الدول الكبرى المنافسة وحرمان " الدول المارقة " من حيازتها مخافة تسريبها إلى منظمات إرهابية
5- السيطرة على النفط كمصدر للطاقة والمال ، وللتحكم باقتصادات الصين واليابان وروسيا ودول الاتحاد الاوروبي .
من شأن المشروع الامبراطوري الامريكي تمكين الولايات المتحدة من السيطرة على منابع النفط في العالمين العربي والاسلامي ، وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية على نحوٍ يؤدي الى تفتيت كيانات اتفاقية " سايكس- بيكو " لدويلات هزيلة تقوم على أسس مذهبية وقبلية وأثنية ، فتشكل بذاتها حدودا آمنة لاسرائيل الكبرى . كما من شأن المشروع تصفية القضية الفلسطينينية وفقا للشروط الاسرائيلية بإقامة كيان فلسطيني بلا سيادة ومجرّد من السلاح ، وحرمان اللاجئيـن من حق العودة .
وبموازاة هذا الوضع الجيوسياسي الطارىء تلوح في الأفق نُذُر خطرين استراتيجيين:
- الأول: هو إخراج الثروة النفطية من أيدي منتجيها العرب ووقوعها في قبضة الشركات الدولية من خلال عملية الخصخصة أو التخصيص التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة.
- الثاني هو انحسار سيطرة بعض النظم الحاكمة على مناطـق من إقليمها ( شمال العراق ، جنوب السودان ، جنوب لبنان ) الأمر الذي يفسح في المجال لقوى غير عربية وقوى معادية للتحكم بها وبالتالي تسهيل عملية السيطرة على الموارد المائية ( ينابيع وأنهر ) المـوجودة فيها أو تمكين القوى الطامعة من مشاركة العرب فيها او حتى إقتطاع حصص من مخزونها .
وفي المقابل ، ماذا يستطيع العرب ، نُظُما حاكمة وقوى شعبية ، ان يفعلوا ؟ هل تسمح حال اللاتكافؤ الهائل ، لا سيما على الصعيدين التكنولوجي والعسكري ، للنظم الحاكمة بالتخلي عن سياسة الامن المستعار والاستعاضة عنها بمنظومة قومية للامن الجماعي او الأمن الاقليمي ؟ هل يمكن التصدي أصلا للولايات المتحدة واسرائيل في آن ، وكيف يكون ذلك ؟ هل يمكن مقايضة النفط بالماء في بلاد الشام وأقطار الخليج ، والماء بسلعة أُخرى في وادي النيل ؟ كيف يمكن تفادي إخراج الثروة النفطية والثروة المائيــــة ( المتاحة حاليا ) من أيدي العرب ؟ اذا تعذر إبقاء ملكية النفط العربي في أيدي القطاع العام العربي ، هل تمكن خصخصته او تخصيصه لمصلحة القطاع الخاص العربي ؟ اذا تعذرت خصخصته في إطار عربي ، هل تمكن خصخصته ليكون تحت اشراف هيئة دولية تابعة للامم المتحدة وليس للولايات المتحدة؟
ثانيا: مستقبل النظام العربي
أصيب النظام العربي بضربة موجعة في نكبة عام 1948 ، وتجددت بقسوة بالغة في هزيمة العام 1967 ، وكادت نكبة العراق تقضي عليه . كما اتسم النظام العربي ، بعدم فعالية واضحة منذ قيامه بصيغة نظام اقليمي جسدته جامعة الدول العربية . ويمكن ارجاع عدم الفعالية والفشل الى خمسة أسباب :
1- قصور في الوعي والثقافة السياسيين وغياب الارادة السياسية عند أهل القرار .
2- واقع التجزئة القطرية بعد شرعنتها وترسيخها وتحصـين خصوصيتها.
2- دور الغـــرب الاطلسي ( الاوروبي – الاميركي ) في المحافظة على مواقعه الاستراتيجية ومصالحه النفطية في المنطقة .
4 - دور اسرائـيل الاحتلالي والاستنزافي .
5- تغييب الديمقراطية وإضعاف مؤسساتها.
غير أن البعد الأكثر خطورة في واقع النظام العربي هو موقفـه على الصعيد غير الرسمي ، لا سيما عشية الحرب الامريكية على العراق وفي خلالها ، اذْ تكشفت حركة الشارع العربي المحدودة الفعالية عن " غياب أو ضعف الأطر السياسية المنظمة للجماهير على العكس من حالة البلدان الاوروبية
ومن المفارقات الاكثر غرابة وقلقا في آن قيام الولايات المتحدة بعد احداث 11 ايلول / سبتمبر بانتهاج سياسة عدائية ضد بعـض النظم العربية الحليفة لها، لدرجة ان الولايات المتحدة الاميريكية بدت متآلفة ظاهريا ونظريا ، مع المعارضة العربية المطالبة بالاصلاح والديمقراطية ، في حين بدت الانظمة العربية ، في معظمها ، ضمنيا وفعليا ، ضد المعارضة الاصلاحية ومتجاوبة لطلبات امريكا بتغيير انظمتها التعليمية ، وتليين سياستها التسلطية ، ورهن مواردها النفطية ، والامتناع عن فضح المخططات الرامية الى تفكيك وحدتها السياسية .
في ضؤ هذه الوقائع والتداعيات تلح اسئلة عدة : ماذا يفعل العرب ، مسؤولين ومواطنين ، بنظامهم الاقليمي المترنّح ؟ هل يرممونه ويصلحونه ام ان ذلك بات متعذراً ؟ هل يتركونه يموت ببطء ام يبادرون الى مقاومة ذلك بإحيائه وتطويره لئلا يقوم على انقاضه نظام اقليمي بديل يضم ، الى الدول العربية كلها او بعضها ، تركيا وايران وباكستان وحتى اسـرائيل ؟ و كيف يمكن ان تتصرف القوى الشعبية والديمقراطية المعارضة مع النظم التي تناصبها العداء رغم تعرّض الاخيرة الى ضغوط امريكية تطالبها بالاصلاح والديمقراطية ؟ كيف يمكن ممارسة أقصى درجات التأثير على النظم الحاكمة العربية من اجل الصمود في وجه الضغوط الامريكية من جهة ، ومن جهة اخرى من اجل رفع مستوى ادائها وفعاليتها محلياً وقوميا ، أي على صعيد مؤسسات العمل العربي المشترك ؟ كيف يمكن تطوير جامعة الدول العربية وتفعيلها ؟ كيف يمكن تفعيل النظام العربي غير الرسمي – الاحزاب والمنظمات النقابية والمهنية – وإيجاد أرضيات مشتركة للتعاون مع النظم السياسية في مواجهة الضغوط الامريكية والاسرائيلية ؟
ثالثا: العولمة
تعني العولمة حركة اندماج اسواق العالم التجارية والاستثمارية ، وسرعة انتقال الاموال واليد العاملة والثقافات والتكنولوجيا بفضل ثورة المعلوماتية والاتصالات الامر الذي يزيد من فعالية قوى السوق العالمية على مستوى العالم باكمله ، كما يعزز دور الشركات الرأسمالية الدولية متعدية القوميات على حساب سيادة الدولة . علماً ان للغرب ، لا سيما الولايات المتحدة ، ودوله الكبرى وشركاته الكونية دوراً كبيراً ، من خلال العولمة ، في السعي " لاعادة تنميط العالم وفق معاييرها الحضارية ومفاهيمها السياسية ومراميها الاقتصادية وقيمها العقيدية وتجاهلها مواريثٍ الشعوب الحضارية وهوياتها القومية وتجاربها الانسانية وحقها في المغايرة الثقافية " .
ولا شك في أن الولايات المتحدة أضحت في مركز أفضل وأخطر لتوظيف العولمة لخدمة أغراضها ومصالحها بعد احتلالها العراق والاعلان عن سعيها الى إعادة تشكيل المنطقة العربية سياسيا وثقافيا. ذلك أن رفض العولمة بات عندها سببا ودافعاً لشن الحرب على الدولة التي ترفضها.
ومن هنا تبرز الحاجة الملحة الى مشروع نهضوي حضاري عربي من حيث كونه ليس استنساخا لتجارب الغرب وقيمه المفروضة على البشرية ، مثلما هو ليس تكرارا مستحدثاُ لتراثنا العربي الاسلامي بل من حيث هو في الأساس عمل إبداعي يستلهم أفضل ما في تجربتي الغرب والاسلام الحضاريتين وغيرهما من قيم إيجابية وإنجازات إنسانية .
وفي هذا المجال ، اسئلة عديدة تظرح نفسها منها،كيفية ردم الفجوة بين البلدان العربية والدول الصناعية الكبرى المتزايدة الاتساع والمترافقة مع تراجع دور الامم المتحدة ومكانتها لمصلحة الولايات المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية ؟ وكيف يمكن مواجهة انتصار ايديولوجية السوق واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء على مستوى العالم بأكمله ؟ وكيف يمكن إقامة كيان اقتصادي قومي أعلى من الدولة القطرية كشرط لازم لمباشرة تنمية مستقلة تكاملية تستطيع مواجهة الصدمات الخارجية والتحرر من قيود الدول الصناعية الكبرى ؟ كيف السبيل الى توسيع وتعزيز اتفاقات منطقة التجارة الحرة العربية وتطويرها باتجاه اقامة سوق عربية مشتركة وذلك إستباقا وإحتساباً لمشروع " منطقة التجارة الحرة العربية الامريكية " الذي دعا اليه الرئيس الاميريكي جورج بوش ؟
رابعا: التخلّف
التخلّف هو الحرمان من الحقوق والقدرات والفرص . والعرب وفق هذا التعريف ، أمة متخلّفة . فالحـرمان يطاول شعوبها وأفرادها في جميع المجالات . ففي مجال حقوق الانسان ، ثمة حرمان بمقادير متفاوتة من الحرية وكرامة العيش والصحة والأمن والمعرفة والعمل والرزق والبيئة النظيفة . وفـي مجال القدرات ، ثمة حرمان كلي أو جزئي من الموارد الطبيعية ، والفواعل الإنتاجية ، والإمكانات المعرفية ، والوسائل التواصلية . وفي مجال الفرص ، ثمة حرمان أو قصور في السياسات والبرامج الهادفة إلى تخليق الفرص وتوفيرها في مجالات العمل والتشغيل والتثمير والإنتاج والإبداع التقاني والحضاري.
والتخلف الاقتصادي ابرز ما يعاني منه العرب ف اذ بلغ الناتج المحلي الاجمالي لكل البلدان العربية في العام 1999 ،ما مقداره 531،2 مليار دولار امريكي ، أي ما يشكّل أقل من دخل دولة أوروبية واحدة كأسبانيا ، المقدر ناتجها المحلي الإجمالي بنحـو 5، 595 مليار دولار امريكي في العام ذاته .
كما يتجلى تخلّف العرب على الصعيد المعرفي والعلمي في حصيلة البحوث المنشورة للعلماء والباحثين . فقد نشر العلماء العرب في العام 1995 ما مجموعه 6665 بحثا مقابل 10206 ابحاث نشرها العلماء الاسرائيليون في العام ذاته ، مع العلم أن تعداد العرب 300 مليون والاسرائيليين ستة ملايين .
اضافة الى ذلك هناك حضور فاعل لفسيفساء من المذاهب الدينية المتنافرة والعصبيات المتناحرة والاثنيات الخائفة والمتربصة وأشكال متضاربة من الثقافات الوافدة ، ونظم سياسية متعددة ومتباينة : من الدولة السلطوية الى الدولة الديمقراطية الشكلية مروراً بالدولة البيروقراطية العسكرية .
كما يعيش العرب في مطالع الألفية الثالثة في تركيبات ووحـدات اجتماعية تعود بأُصولها إلى الألفية الأولى . فما زالت المتحدات الأولية كالعائلة ذات السلطة الأبوية المستبدة والعشيرة والقبيلة والطائفة ذات الولاءات السلالية والدموية والعصبية الضيقة تلعب دورا محسوسا في مجتمعاتنا على امتداد القارة العربية ، بالإضافة الى حرمان المرأة حقوقها وحرياتها على نحوٍ يؤدي الى تهميش نصف الأمة وتعطيل قدراته وفعالياته .
خامسا : الانحطاط
كما تبدو امتنا العربية في حال انحطاط وعجز . فمن أين نبدأ ؟ من الفتح العثماني أم من حملة نابوليون بونابرت على مصر ؟ ام مع بدء الاستعمار الغربي لبلادنا في المغرب والمشرق ؟ ولا يقتصر الامر على تاريخيته، وانما يتعدى الى فهمنا له كعرب، فالانحطاط ، في مفهومنا القاصر ، نابع من الخارج، ساعٍ الى الداخل . إنه مفروض علينا من الخارج ولا حيل لمواجهته في الداخل . ليس المطلوب ، وفقا لهذا المفهوم ، إصلاح الذات والارتقاء بها لمواجهة العدو ، بل المطلوب تكييف الذات لتقديم مزيد من التنازلات من أجل استرضاء الغير . وهكذا تم سلوك التراجع امام الغير بلا هوادة . انه تراجع منظم يغذي بامتياز صناعة الانحطاط . ومـا هو الانحطاط ؟ أليس هو الادمان على التراجع ؟
هناك اسئلة عديدة ملحة في هذا المجال تحتاج الى اجابات كيف الادراك بأن الانحطاط ضارب فينا واذ لم يعالج تحول قابلية مفتوحة على مزيد من التحديات الوافدة ؟ كيـف السبيل الى الادراك بأن ما من احد أساء الينا أكثر مما أسأنا نحن الى انفسنا ، وإن مرد ذلك ، بالدرجة الاولى ، الى مفهومنا القاصر للسلطة وطريقة ممارستها ؟ كيف السبيل الى الادراك بأن الخروج من الانحطاط يبدأ بالتغّير وليس بالتغيير ، التغيّر بما هو فعل ذاتي ارادي ، بينما التغيير فعل خارجي قسري ؟ كيف السبيل الى الادراك بأن وظيفة الثقافة هي النقد ، وإن النقد هو طريق التصحيح والتصويب والارتقاء ؟ كيف السبيل الى الادراك بـأن الحرية هي المبتدأ والخبر ، القيمة والوسيلة ، الحاجة والغاية في آن معا ؟
سادسا : ما العمل
لا شك بان التحديات التي تواجه الامة العربية هي كبيرة جدا وتتطلب اعادة النظر بالكثير من الاسس والمبادئ التي عملت عليها اطراف كثيرة للتغيّر والتغيير، وعلى الرغم من هول المصاعب التي تواجهنا فان المخارج والبدائل متوفرة ، اذ ان التحول الى المناهج والآليات والوسائل ، امر اثبت جدواه وفعاليته في التغيّر والتطوير؛ أي بمعنى ، إن فرصة العرب عموما وقوى الشعب خصوصا للاسهام في التجدد الحضاري والسياسي انما تكمن في تطوير مناهج العمل الشعبي وآلياته على مستوى الشارع العربي كله من خلال تعبئة الجماهير ، ثقافيا وسياسيا، لتصبح جسماً متكاملا تحرّكه استراتيجيا المقاومة والمقاطعة والممانعة .
ان للبرلمانيين العرب دور اساس وهام في تغيير الواقع العربي، باعتباره الممثل المباشر للقوى الشعبية العربية الطامحة للخروج بما هي فيه، وبالتالي ان تكامل العمل البرلماني مع العمل الشعبي الجماهيري هو المنطلق الاجدى والافعل في مسار التغيير الشامل.واننا نقترح العديد من الامور التي تخدم هذا التوجه ومنها:
- البدء بمراجعة نقدية شاملة للانظمة السياسية ولتجارب القوى الشعبية التي تعاقبت على التاريخ العربي، مقدمة لاجراء عمليات تشريعية واسعة على الصعيد القطري تتماشى والتتطلعات التغيرية المنشودة.
- اصدار تشريعات تتماشى مع اعتبار الديمقراطية ، بما هي حكم الرأي وحكم القانون وآلية شفافة للانتخاب الحر ، ولتداول السلطة ، السبيل الى التجديد الحضاري والتفاعل مع الثقافـات الانسانية .
- اعادة تعديل وتأهيل التشريعات العربية التي تعيد تفعيل المقاطعة العربية للمنتوجات الامريكية ولمنتوجات كل دولة تحالف الولايات المتحدة او تظاهرها في مواجهة القضايا والحقوق والمصالح العربية.
- اصدار التشريعات بما يتوافق مع إبقاء العمل الشعبي المناهض للولايات المتحدة واسرائيل والضاغط على الحكومات العربية والاسلامية حيا وفاعلا طالما الحرب والصراع قائمان في فلسطين والعراق والمنطقة عموما .
- العمل على ايجاد تشريعات ملائمة لتشكيل وحدات للمقاومة الشعبية وحرب التحرير في البلدان العربية التي تعاني من الاحتلال الاجنبي والمهددة بعدوان اميركي – صهيوني ، وايجاد طرق لتواصلها وتعاونها مع المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق .
- اصدار التشريعات المناسبة لتفعيل المشاركة السياسية بما يكفل توسيع قاعدة المشاركة لا سيما الشرائح الاجتماعية الهادفة للتغيير وبخاصة الشباب منها.
- اصدار التشريعات التي تساعد على خلق بيئة علمية وتعليمية عالية هادفة بهدف الحد من الهجرة العربية ، واستيعاب الشباب المتعلم القادر على التغيير يوما ما.
- وفي مجال مؤسسات التعاون والتضامن العربي ، نشير الى اهمية تدعيم هذه المؤسسات وتطويرها رغم الترهل الذي اصابها ، عبر الاسراع في العمل على انطلاقة البرلمان العربي الموحد الذي نعتبره الضمانة الاساس لتفعيل العمل العربي المشترك من خلال ما يمثله من قواعد جماهيرية وشعبية واسعة ، بموازاة تفعيل دور مؤسسات الجامعة العربية بما تمثله من توجهات ورؤى تعكس المؤسسات التنفيذية في الدول العربية.
تعزيز التضامن العربي ومواجهة التحديات
ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر الحادي عشر
للاتحاد البرلماني العربي
د.خليل حسين
بيروت في : 8-2-2004
الحديث عن حال الأمة العربية بدولها وأنظمتها يطول بتعدد وتنوع التحديات التي تواجه العرب وبخاصة في ظل الظروف الفارقة التي تحيط بمجمل الواقع العربي محليا ودوليا.
فحـال العرب في مطالع القرن الحادي والعشرين ، لا سيما بعد احتلال العراق : تخلف وهزيمة واحباط ، تخلف شامل : سياسي وإقتصادي وإجتماعي وثقافي . والهزيمة شاملة : في الداخل أمام عوامل الفقر والمرض والأمية والجمود والتفرقة ، وفي الخارج أمام القوى المعادية والمنافسة في شتى الميادين. والاحباط يكاد يكون شاملا يلف الجميـع : حاكمين ومحكـومين ، موالين ومعـارضين ، مقيمين ومهاجرين .
اما الحصيلة ، انكسار الإرادة وشللها أمام التحديات الماثلة . ومن هنا تتضح الحـاجة ، كخطوة أساس ، الى إعادة بناء الإرادة القومية وتفعيلها . فالنهوض ، أولاً وآخراً ، يتوقف على توليد إرادة التغيير والمواجهة . وهي مسألة تبدأ بمعالجة مسائل ثلاث : تشخيص حال الأمة ، والتوصيف والتحديات التي تواجهها ، وتحديد المناهج والآليات والاساليب اللازمة لتحقيق الأهـداف والطموحات من خلال استراتيجية عربية متكاملة.
وترتسم خمسة تحديات ينطوي كلّ منها على جملة قضايا وإشكاليات تتطلب التساؤل والإحاطة والمناقشة واستخلاص العبر والنتائج على الشكل التالي:
اولا :المشروع الامبراطوري الاميريكي
عجلّت أحداث 11 ايلول / سبتمبر 2001 في تظهير مشروع الهيمنة الامبراطوري الامريكي الذي يقوم على خمس اسسس :
1- عدم السماح لأية دولة بالتفوق على الولايات المتحدة أو حتى بالتساوي معها .
2- اللجؤ الى الحروب الاستباقية لإجهاض قدرات العدو أو لمنعه من تشكيل تهديد عسكري أو استراتيجي .
3- السيطرة الثقافية لضمان عالم آمن لمصالح امريكا . فهي إذا لم تقم بصياغة العالم على صورتها وشاكلتها ، فسيقوم العالم بصياغتها على صورته وشاكلتـه .
4- السيطرة على أسلحة الدمار الشامل لتحقيق تفـوق كاسح على الدول الكبرى المنافسة وحرمان " الدول المارقة " من حيازتها مخافة تسريبها إلى منظمات إرهابية
5- السيطرة على النفط كمصدر للطاقة والمال ، وللتحكم باقتصادات الصين واليابان وروسيا ودول الاتحاد الاوروبي .
من شأن المشروع الامبراطوري الامريكي تمكين الولايات المتحدة من السيطرة على منابع النفط في العالمين العربي والاسلامي ، وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية على نحوٍ يؤدي الى تفتيت كيانات اتفاقية " سايكس- بيكو " لدويلات هزيلة تقوم على أسس مذهبية وقبلية وأثنية ، فتشكل بذاتها حدودا آمنة لاسرائيل الكبرى . كما من شأن المشروع تصفية القضية الفلسطينينية وفقا للشروط الاسرائيلية بإقامة كيان فلسطيني بلا سيادة ومجرّد من السلاح ، وحرمان اللاجئيـن من حق العودة .
وبموازاة هذا الوضع الجيوسياسي الطارىء تلوح في الأفق نُذُر خطرين استراتيجيين:
- الأول: هو إخراج الثروة النفطية من أيدي منتجيها العرب ووقوعها في قبضة الشركات الدولية من خلال عملية الخصخصة أو التخصيص التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة.
- الثاني هو انحسار سيطرة بعض النظم الحاكمة على مناطـق من إقليمها ( شمال العراق ، جنوب السودان ، جنوب لبنان ) الأمر الذي يفسح في المجال لقوى غير عربية وقوى معادية للتحكم بها وبالتالي تسهيل عملية السيطرة على الموارد المائية ( ينابيع وأنهر ) المـوجودة فيها أو تمكين القوى الطامعة من مشاركة العرب فيها او حتى إقتطاع حصص من مخزونها .
وفي المقابل ، ماذا يستطيع العرب ، نُظُما حاكمة وقوى شعبية ، ان يفعلوا ؟ هل تسمح حال اللاتكافؤ الهائل ، لا سيما على الصعيدين التكنولوجي والعسكري ، للنظم الحاكمة بالتخلي عن سياسة الامن المستعار والاستعاضة عنها بمنظومة قومية للامن الجماعي او الأمن الاقليمي ؟ هل يمكن التصدي أصلا للولايات المتحدة واسرائيل في آن ، وكيف يكون ذلك ؟ هل يمكن مقايضة النفط بالماء في بلاد الشام وأقطار الخليج ، والماء بسلعة أُخرى في وادي النيل ؟ كيف يمكن تفادي إخراج الثروة النفطية والثروة المائيــــة ( المتاحة حاليا ) من أيدي العرب ؟ اذا تعذر إبقاء ملكية النفط العربي في أيدي القطاع العام العربي ، هل تمكن خصخصته او تخصيصه لمصلحة القطاع الخاص العربي ؟ اذا تعذرت خصخصته في إطار عربي ، هل تمكن خصخصته ليكون تحت اشراف هيئة دولية تابعة للامم المتحدة وليس للولايات المتحدة؟
ثانيا: مستقبل النظام العربي
أصيب النظام العربي بضربة موجعة في نكبة عام 1948 ، وتجددت بقسوة بالغة في هزيمة العام 1967 ، وكادت نكبة العراق تقضي عليه . كما اتسم النظام العربي ، بعدم فعالية واضحة منذ قيامه بصيغة نظام اقليمي جسدته جامعة الدول العربية . ويمكن ارجاع عدم الفعالية والفشل الى خمسة أسباب :
1- قصور في الوعي والثقافة السياسيين وغياب الارادة السياسية عند أهل القرار .
2- واقع التجزئة القطرية بعد شرعنتها وترسيخها وتحصـين خصوصيتها.
2- دور الغـــرب الاطلسي ( الاوروبي – الاميركي ) في المحافظة على مواقعه الاستراتيجية ومصالحه النفطية في المنطقة .
4 - دور اسرائـيل الاحتلالي والاستنزافي .
5- تغييب الديمقراطية وإضعاف مؤسساتها.
غير أن البعد الأكثر خطورة في واقع النظام العربي هو موقفـه على الصعيد غير الرسمي ، لا سيما عشية الحرب الامريكية على العراق وفي خلالها ، اذْ تكشفت حركة الشارع العربي المحدودة الفعالية عن " غياب أو ضعف الأطر السياسية المنظمة للجماهير على العكس من حالة البلدان الاوروبية
ومن المفارقات الاكثر غرابة وقلقا في آن قيام الولايات المتحدة بعد احداث 11 ايلول / سبتمبر بانتهاج سياسة عدائية ضد بعـض النظم العربية الحليفة لها، لدرجة ان الولايات المتحدة الاميريكية بدت متآلفة ظاهريا ونظريا ، مع المعارضة العربية المطالبة بالاصلاح والديمقراطية ، في حين بدت الانظمة العربية ، في معظمها ، ضمنيا وفعليا ، ضد المعارضة الاصلاحية ومتجاوبة لطلبات امريكا بتغيير انظمتها التعليمية ، وتليين سياستها التسلطية ، ورهن مواردها النفطية ، والامتناع عن فضح المخططات الرامية الى تفكيك وحدتها السياسية .
في ضؤ هذه الوقائع والتداعيات تلح اسئلة عدة : ماذا يفعل العرب ، مسؤولين ومواطنين ، بنظامهم الاقليمي المترنّح ؟ هل يرممونه ويصلحونه ام ان ذلك بات متعذراً ؟ هل يتركونه يموت ببطء ام يبادرون الى مقاومة ذلك بإحيائه وتطويره لئلا يقوم على انقاضه نظام اقليمي بديل يضم ، الى الدول العربية كلها او بعضها ، تركيا وايران وباكستان وحتى اسـرائيل ؟ و كيف يمكن ان تتصرف القوى الشعبية والديمقراطية المعارضة مع النظم التي تناصبها العداء رغم تعرّض الاخيرة الى ضغوط امريكية تطالبها بالاصلاح والديمقراطية ؟ كيف يمكن ممارسة أقصى درجات التأثير على النظم الحاكمة العربية من اجل الصمود في وجه الضغوط الامريكية من جهة ، ومن جهة اخرى من اجل رفع مستوى ادائها وفعاليتها محلياً وقوميا ، أي على صعيد مؤسسات العمل العربي المشترك ؟ كيف يمكن تطوير جامعة الدول العربية وتفعيلها ؟ كيف يمكن تفعيل النظام العربي غير الرسمي – الاحزاب والمنظمات النقابية والمهنية – وإيجاد أرضيات مشتركة للتعاون مع النظم السياسية في مواجهة الضغوط الامريكية والاسرائيلية ؟
ثالثا: العولمة
تعني العولمة حركة اندماج اسواق العالم التجارية والاستثمارية ، وسرعة انتقال الاموال واليد العاملة والثقافات والتكنولوجيا بفضل ثورة المعلوماتية والاتصالات الامر الذي يزيد من فعالية قوى السوق العالمية على مستوى العالم باكمله ، كما يعزز دور الشركات الرأسمالية الدولية متعدية القوميات على حساب سيادة الدولة . علماً ان للغرب ، لا سيما الولايات المتحدة ، ودوله الكبرى وشركاته الكونية دوراً كبيراً ، من خلال العولمة ، في السعي " لاعادة تنميط العالم وفق معاييرها الحضارية ومفاهيمها السياسية ومراميها الاقتصادية وقيمها العقيدية وتجاهلها مواريثٍ الشعوب الحضارية وهوياتها القومية وتجاربها الانسانية وحقها في المغايرة الثقافية " .
ولا شك في أن الولايات المتحدة أضحت في مركز أفضل وأخطر لتوظيف العولمة لخدمة أغراضها ومصالحها بعد احتلالها العراق والاعلان عن سعيها الى إعادة تشكيل المنطقة العربية سياسيا وثقافيا. ذلك أن رفض العولمة بات عندها سببا ودافعاً لشن الحرب على الدولة التي ترفضها.
ومن هنا تبرز الحاجة الملحة الى مشروع نهضوي حضاري عربي من حيث كونه ليس استنساخا لتجارب الغرب وقيمه المفروضة على البشرية ، مثلما هو ليس تكرارا مستحدثاُ لتراثنا العربي الاسلامي بل من حيث هو في الأساس عمل إبداعي يستلهم أفضل ما في تجربتي الغرب والاسلام الحضاريتين وغيرهما من قيم إيجابية وإنجازات إنسانية .
وفي هذا المجال ، اسئلة عديدة تظرح نفسها منها،كيفية ردم الفجوة بين البلدان العربية والدول الصناعية الكبرى المتزايدة الاتساع والمترافقة مع تراجع دور الامم المتحدة ومكانتها لمصلحة الولايات المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية ؟ وكيف يمكن مواجهة انتصار ايديولوجية السوق واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء على مستوى العالم بأكمله ؟ وكيف يمكن إقامة كيان اقتصادي قومي أعلى من الدولة القطرية كشرط لازم لمباشرة تنمية مستقلة تكاملية تستطيع مواجهة الصدمات الخارجية والتحرر من قيود الدول الصناعية الكبرى ؟ كيف السبيل الى توسيع وتعزيز اتفاقات منطقة التجارة الحرة العربية وتطويرها باتجاه اقامة سوق عربية مشتركة وذلك إستباقا وإحتساباً لمشروع " منطقة التجارة الحرة العربية الامريكية " الذي دعا اليه الرئيس الاميريكي جورج بوش ؟
رابعا: التخلّف
التخلّف هو الحرمان من الحقوق والقدرات والفرص . والعرب وفق هذا التعريف ، أمة متخلّفة . فالحـرمان يطاول شعوبها وأفرادها في جميع المجالات . ففي مجال حقوق الانسان ، ثمة حرمان بمقادير متفاوتة من الحرية وكرامة العيش والصحة والأمن والمعرفة والعمل والرزق والبيئة النظيفة . وفـي مجال القدرات ، ثمة حرمان كلي أو جزئي من الموارد الطبيعية ، والفواعل الإنتاجية ، والإمكانات المعرفية ، والوسائل التواصلية . وفي مجال الفرص ، ثمة حرمان أو قصور في السياسات والبرامج الهادفة إلى تخليق الفرص وتوفيرها في مجالات العمل والتشغيل والتثمير والإنتاج والإبداع التقاني والحضاري.
والتخلف الاقتصادي ابرز ما يعاني منه العرب ف اذ بلغ الناتج المحلي الاجمالي لكل البلدان العربية في العام 1999 ،ما مقداره 531،2 مليار دولار امريكي ، أي ما يشكّل أقل من دخل دولة أوروبية واحدة كأسبانيا ، المقدر ناتجها المحلي الإجمالي بنحـو 5، 595 مليار دولار امريكي في العام ذاته .
كما يتجلى تخلّف العرب على الصعيد المعرفي والعلمي في حصيلة البحوث المنشورة للعلماء والباحثين . فقد نشر العلماء العرب في العام 1995 ما مجموعه 6665 بحثا مقابل 10206 ابحاث نشرها العلماء الاسرائيليون في العام ذاته ، مع العلم أن تعداد العرب 300 مليون والاسرائيليين ستة ملايين .
اضافة الى ذلك هناك حضور فاعل لفسيفساء من المذاهب الدينية المتنافرة والعصبيات المتناحرة والاثنيات الخائفة والمتربصة وأشكال متضاربة من الثقافات الوافدة ، ونظم سياسية متعددة ومتباينة : من الدولة السلطوية الى الدولة الديمقراطية الشكلية مروراً بالدولة البيروقراطية العسكرية .
كما يعيش العرب في مطالع الألفية الثالثة في تركيبات ووحـدات اجتماعية تعود بأُصولها إلى الألفية الأولى . فما زالت المتحدات الأولية كالعائلة ذات السلطة الأبوية المستبدة والعشيرة والقبيلة والطائفة ذات الولاءات السلالية والدموية والعصبية الضيقة تلعب دورا محسوسا في مجتمعاتنا على امتداد القارة العربية ، بالإضافة الى حرمان المرأة حقوقها وحرياتها على نحوٍ يؤدي الى تهميش نصف الأمة وتعطيل قدراته وفعالياته .
خامسا : الانحطاط
كما تبدو امتنا العربية في حال انحطاط وعجز . فمن أين نبدأ ؟ من الفتح العثماني أم من حملة نابوليون بونابرت على مصر ؟ ام مع بدء الاستعمار الغربي لبلادنا في المغرب والمشرق ؟ ولا يقتصر الامر على تاريخيته، وانما يتعدى الى فهمنا له كعرب، فالانحطاط ، في مفهومنا القاصر ، نابع من الخارج، ساعٍ الى الداخل . إنه مفروض علينا من الخارج ولا حيل لمواجهته في الداخل . ليس المطلوب ، وفقا لهذا المفهوم ، إصلاح الذات والارتقاء بها لمواجهة العدو ، بل المطلوب تكييف الذات لتقديم مزيد من التنازلات من أجل استرضاء الغير . وهكذا تم سلوك التراجع امام الغير بلا هوادة . انه تراجع منظم يغذي بامتياز صناعة الانحطاط . ومـا هو الانحطاط ؟ أليس هو الادمان على التراجع ؟
هناك اسئلة عديدة ملحة في هذا المجال تحتاج الى اجابات كيف الادراك بأن الانحطاط ضارب فينا واذ لم يعالج تحول قابلية مفتوحة على مزيد من التحديات الوافدة ؟ كيـف السبيل الى الادراك بأن ما من احد أساء الينا أكثر مما أسأنا نحن الى انفسنا ، وإن مرد ذلك ، بالدرجة الاولى ، الى مفهومنا القاصر للسلطة وطريقة ممارستها ؟ كيف السبيل الى الادراك بأن الخروج من الانحطاط يبدأ بالتغّير وليس بالتغيير ، التغيّر بما هو فعل ذاتي ارادي ، بينما التغيير فعل خارجي قسري ؟ كيف السبيل الى الادراك بأن وظيفة الثقافة هي النقد ، وإن النقد هو طريق التصحيح والتصويب والارتقاء ؟ كيف السبيل الى الادراك بـأن الحرية هي المبتدأ والخبر ، القيمة والوسيلة ، الحاجة والغاية في آن معا ؟
سادسا : ما العمل
لا شك بان التحديات التي تواجه الامة العربية هي كبيرة جدا وتتطلب اعادة النظر بالكثير من الاسس والمبادئ التي عملت عليها اطراف كثيرة للتغيّر والتغيير، وعلى الرغم من هول المصاعب التي تواجهنا فان المخارج والبدائل متوفرة ، اذ ان التحول الى المناهج والآليات والوسائل ، امر اثبت جدواه وفعاليته في التغيّر والتطوير؛ أي بمعنى ، إن فرصة العرب عموما وقوى الشعب خصوصا للاسهام في التجدد الحضاري والسياسي انما تكمن في تطوير مناهج العمل الشعبي وآلياته على مستوى الشارع العربي كله من خلال تعبئة الجماهير ، ثقافيا وسياسيا، لتصبح جسماً متكاملا تحرّكه استراتيجيا المقاومة والمقاطعة والممانعة .
ان للبرلمانيين العرب دور اساس وهام في تغيير الواقع العربي، باعتباره الممثل المباشر للقوى الشعبية العربية الطامحة للخروج بما هي فيه، وبالتالي ان تكامل العمل البرلماني مع العمل الشعبي الجماهيري هو المنطلق الاجدى والافعل في مسار التغيير الشامل.واننا نقترح العديد من الامور التي تخدم هذا التوجه ومنها:
- البدء بمراجعة نقدية شاملة للانظمة السياسية ولتجارب القوى الشعبية التي تعاقبت على التاريخ العربي، مقدمة لاجراء عمليات تشريعية واسعة على الصعيد القطري تتماشى والتتطلعات التغيرية المنشودة.
- اصدار تشريعات تتماشى مع اعتبار الديمقراطية ، بما هي حكم الرأي وحكم القانون وآلية شفافة للانتخاب الحر ، ولتداول السلطة ، السبيل الى التجديد الحضاري والتفاعل مع الثقافـات الانسانية .
- اعادة تعديل وتأهيل التشريعات العربية التي تعيد تفعيل المقاطعة العربية للمنتوجات الامريكية ولمنتوجات كل دولة تحالف الولايات المتحدة او تظاهرها في مواجهة القضايا والحقوق والمصالح العربية.
- اصدار التشريعات بما يتوافق مع إبقاء العمل الشعبي المناهض للولايات المتحدة واسرائيل والضاغط على الحكومات العربية والاسلامية حيا وفاعلا طالما الحرب والصراع قائمان في فلسطين والعراق والمنطقة عموما .
- العمل على ايجاد تشريعات ملائمة لتشكيل وحدات للمقاومة الشعبية وحرب التحرير في البلدان العربية التي تعاني من الاحتلال الاجنبي والمهددة بعدوان اميركي – صهيوني ، وايجاد طرق لتواصلها وتعاونها مع المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق .
- اصدار التشريعات المناسبة لتفعيل المشاركة السياسية بما يكفل توسيع قاعدة المشاركة لا سيما الشرائح الاجتماعية الهادفة للتغيير وبخاصة الشباب منها.
- اصدار التشريعات التي تساعد على خلق بيئة علمية وتعليمية عالية هادفة بهدف الحد من الهجرة العربية ، واستيعاب الشباب المتعلم القادر على التغيير يوما ما.
- وفي مجال مؤسسات التعاون والتضامن العربي ، نشير الى اهمية تدعيم هذه المؤسسات وتطويرها رغم الترهل الذي اصابها ، عبر الاسراع في العمل على انطلاقة البرلمان العربي الموحد الذي نعتبره الضمانة الاساس لتفعيل العمل العربي المشترك من خلال ما يمثله من قواعد جماهيرية وشعبية واسعة ، بموازاة تفعيل دور مؤسسات الجامعة العربية بما تمثله من توجهات ورؤى تعكس المؤسسات التنفيذية في الدول العربية.