مقابلة صحفية لصحيفة الوطن القطرية
الدكتور خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مستشار في مجلس النواب اللبناني
س – بداية ما هي ملاحظاتكم على القرار 1757؟
ج - توَّج القرار 1757 سلسلة قرارات دولية وضعت قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري على مفترق طرق،متعدد الاحتمالات ومتنوع الوسائل،ورغم أن الهدف المعلن على الأقل هو واحد،فإن ما ينذر ويلوح في الأفق ربما يكون غير ذلك،فماذا في القرار 1757 ؟وما هي بيئته القانونية والسياسية ؟وما هي تداعياته المحلية والإقليمية؟وهل ستتمكن المحكمة في النهاية من تقديم إجابات وبالتالي أحكام على سيل من الأسئلة الملتبسة الطويلة والمتنوعة بتنوع الأطراف المشاركين فيها؟.ففي الشكل أولا يمكن تسجيل عدة ملاحظات أبرزها:
- أتى القرار 1757 مقتضبا ومرتكزا على سيل من القرارات الدولية ذات الصلة بالموضوع الأساس بدءا بالقرار 1595 الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية ،مرورا بالقرارات 1636 و1644 و1664 وصولا إلى 1748 ،إضافة إلى عدد من المذكرات والمراسلات والتقارير ما يوحي أن ثمة محاولة للربط والوصل بين جميع عناصر القضية من وسائل إجرائية وموضوعية تهدف في النهاية لتكوين شبكة دفاع قانونية للبيئة التي ستنطلق منها المحكمة لجهة التأسيس والتكوين وصولا للإجراءات والأحكام.
- حاول نص القرار أن يكون متوازنا لجهة الارتكاز القانوني في الشق اللبناني المتعلق بالأسباب الموجبة لنقل موضوع الإقرار إلى مجلس الأمن وبالتحديد الفصل السابع،فالقرار أشار "إلى الإحاطة التي قدّمها المستشار القانوني - للأمين العام للأمم المتحدة - في الثاني من أيار 2007 والتي لاحظ فيها أنّ إنشاء المحكمة عن طريق العملية الدستورية تواجه معوقات جدية، لكنه لاحظ أيضا أن جميع الأطراف المعنية جددّت تأكيد اتفاقها المبدئي على إنشاء المحكمة". فالقرار وإن أقر بإجماع اللبنانيين على مبدأ إنشاء المحكمة لم يشر إلى الأسباب الحقيقية لعدم إقرارها في المؤسسات الدستورية اللبنانية إلا عرضاً عند الإشارة إلى مذكرة الأغلبية النيابية مع إغفال تام للمذكرة المقابلة المتعلقة بتحفظات المعارضة على مشروع النظام الأساسي للمحكمة، كما أن ثمة لغط والتباس كبيرين حصلا في موضوع عرض مذكرة رئيس الجمهورية على مجلس الأمن في إثناء المداولات التي جرت قبيل صدور القرار 1757.
- تمَّ إعادة التركيز على ذكر الارتكاز على الفصل السابع في صدور القرار ".. يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويقرر.."، رغم استناده على مجموعة قرارات سابقة صُنفت ضمن الفصل السابع،ذلك في معرض التأكيد على لزوم ما لا يلزم.
- ثمة تعددٌّ في تسمية المحكمة في نص القرار رغم اختلاف أنواعها وسبل تشكيلها وتكوينها وآثارها،فتارة تورد تحت اسم " إنشاء محكمة ذات طابع دولي" وتارة تذكر" إنشاء محكمة خاصة للبنان" وتارة أخرى "المحكمة الخاصة ".ولكل واحدة منها دلالاتها وخلفياتها الخاصة
- وفي الشكل أيضا لكن له من الدلالات الكثيرة الفارقة أن القرار لم يصدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي وهي سابقة في هذه القضية بالذات،فجميع القرارات السابقة وكذلك بيانات رئاسة مجلس الأمن ذات الصلة صدرت بالإجماع ،علاوة على أن ثمة إصرار واضح قد جرى على الإجماع باستثناء هذا القرار الذي يبدو وكأنه رُتب على عجلّ،ففي حسبة بسيطة تظهر أن الخمس دول التي لم تصوِّت على القرار تشكّل عمليا نصف سكان الكرة الأرضية.
س – ما هي ملاحظاتكم على مضمون القرار؟
ج - إذا كان ثمة ملاحظات في الشكل على نص القرار،فإن العديد منها يمكن أن تسجل في مضمون القرار والتي سترتّب مظاهر وتداعيات وسلوكيات لبنانية وإقليمية مختلفة لاحقا،ما يؤثر على جوهر القضية نفسها وهي كشف قتلة الرئيس رفيق الحريري،ومن بين هذه الملاحظات:
- لقد وُصِفتْ جريمة الاغتيال بالعمل "الإرهابي" وهي وردت أربع مرات في متن القرار.وعلى الرغم من أن هذه الجريمة تعتبر من أبشع الجرائم وأكثرها أثرا وتداعيات،فثمة خلاف دولي واضح وفي الأمم المتحدة تحديدا على التعريف والتوصيف والتكييف القانوني للعمل الإرهابي،فكيف يمكن توصيف هذه الجريمة بالإرهابية استنادا إلى معايير غير موجودة في الأساس أو غير مُتفق عليها في الأعراف والقوانين الدولية ذات الصلة.
- وعلى الرغم من حجم ودور وموقع الرئيس رفيق الحريري في السياسات المحلية والإقليمية والدولية ،ثمة مفارقة وسابقة أن اتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً وفي الفصل السابع تحديدا ودون إجماع أعضاء المجلس اعتبر فيه :" أنّ هذا العمل الإرهابي والآثار المترتبة عليه يشكّل تهديداً للسلام والأمن الدوليين".
- لقد تجاوز مجلس الأمن لكثير من الأهداف والمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة وبخاصة الفقرة (7) من المادة (2) التي تنص على أن :" ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخّل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما،وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرِّضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق".وتأسيسا على الاتفاق الموقع بين الحومة اللبنانية والأمم المتحدة حول مشروع النظام الأساسي للمحكمة ،فان صاحب الصلاحية والسلطان في إقرارها الأساسي هي آليات محددة في الدستور اللبناني،وإذا كان ثمة ظروف سياسية معروفة قد اعترضت طريق الإقرار الدستوري في لبنان،فليس ثمة ما يجبر أو يفرض على مجلس الأمن إقرارها في الفصل السابع سيما وأن آليات الإقرار في الفصل السابع لها محددات خاصة ليس ثمة إجماع عليها في مجلس الأمن والمتعلقة بتعريض الأمن والسلم الدوليين للخطر.علاوة على ذلك إن هذا الأجراء أي الإقرار هو مخالف لنص وروح المادة (102) من ميثاق الأمم المتحدة التي تعتبر الأمانة العامة بمثابة المستودع التي تودع فيه الاتفاقات الدولية بعد إبرامها بين الدول والأمم المتحدة وفقا للأصول القانونية والدستورية المعتمدة في كل دولة.كما انه ليس في هذا الميثاق ما يجبر أو يحدد المواقيت أو الآليات التي يفترض إتباعها لإبرام الاتفاقات بين الدول والأمم المتحدة على قاعدة حفظ سيادات الدول على سلطانها الداخلي والخارجي إلا في حالات محددة وهي غير متوفرة في هذه القضية وليس عليها إجماع داخلي لبناني أو إقليمي أو دولي لجهة اللجوء للفصل السابع باعتبارها قضية تهدد الأمن والسلم الدوليين.
- ثمة لبس في توصيف القرار على انه فعلا في الفصل السابع أم لا، ففي النص يصنف مجلس الأمن القرار نفسه في الفصل السابع الذي لا يستلزم موافقة الأطراف المعنية فيه لتطبيقه، بينما في بعض الصياغات يتم اللجوء الى عبارات ومصطلحات يبقي للحكومة اللبنانية أمر البت في بعض المسائل على سبيل المثال الفقرة (ب) من المادة (1) : "... إذا أبلغ الأمين العام أنّ اتفاق المقر لم يبرم ....، فإنه يحدد موقع مقر المحكمة بالتشاور مع الحكومة اللبنانية، ويكون ذلك رهن بإبرام اتفاق مقر بين الأمم المتحدة والدولة التي ستستضيف المحكمة".فمن جهة إن تحديد المقر سيتم "بالتشاور" أي ثمة رأي للدولة اللبنانية وان لم يكن ملزماً وهذا ما يتناقض مع مرامي وغايات الفصل السابع للميثاق ألأممي، بيد انه في المقابل ربط موضوع مقر المحكمة باتفاق بين الأمم المتحدة والدولة المضيفة بمعنى أن عملية التشاور يمكن أن تبقى قائمة حتى إبرام الاتفاق بين الأمم المتحدة والدولة المضيفة.وفي نفس السياق أيضا المادة (2) التي تشير إلى :" يطلب إلى الأمين العام أن يتخذ، بتنسيق مع الحكومة اللبنانية عند الاقتضاء، الإجراءات والتدابير اللازمة لإنشاء المحكمة الخاصة في موعد قريب" أي "التنسيق" و"عند الاقتضاء" وهي اقل مرتبة من التشاور إذ أن التنسيق يتمُّ عادة في المسائل الإجرائية التي تمَّ إقرارها في الأساس وكذلك الاقتضاء إذا كان ثمة حاجة لذلك.
- وعطفا على ما سبق قوله،إن إقرار القرار 1757 وفقا للفصل السابع يشكل سابقة لجهة حلول مجلس الأمن محل السلطات التشريعية للدول في مجال إبرام المعاهدات الدولية،وهي قضية مخالفة للميثاق ألأممي،وأمر من شأنه حيازة مجلس الأمن في الوقت نفسه على مسارين ينبغي أن يكونا غير مرتبطين في جهة واحدة وهما اتخاذ أمرين تقريري وتنفيذي في آن معا. إذ أن إجراء كهذا أمر من شأنه التدخّل في مسائل من صميم سيادات الدول وبخاصة القضايا التشريعية وإبرام المعاهدات ومجالسها والتي توصّف في علم القانون الدستوري على أن هذه المجالس التشريعية تعتبر أم المؤسسات الدستورية في الدول وتسمو على ما عداها من سلطات باعتبارها تمثيل مباشر للشعب.وعندها ستفسح المجال أمام عرف يقضي بالتدخل لإقرار قوانين ومعاهدات ولو اختلف عليها أصحاب الشأن الداخليين.
س - إذا كانت هذه الملاحظات السالفة الذكر توجّه إلى القرار شكلا ومضمونا،فما هي خلفياته تداعياته المستقبلية؟ وفي هذا الإطار ندرج بعض أهمها:
ج - أنّ مسألة نظام المحكمة مفصولة من الناحية الوظيفية عن الاتفاقية الثنائية الموقعة بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة المطلوب إبرامها فالأمران مرتبطان بهدف واحد وهو جلاء الحقيقة وتبيانها في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري،فصحيح أن نظام المحكمة هي بمثابة الآلية التي يمكن إصدارها بطريقة أخرى غير مقررة في الأساس حصرا بالمؤسسات الدستورية اللبنانية وهذا ما انطوى عليه جملة القرارات الصادرة والمؤسسة للمحكمة ونظامها الأساسي كالقرارات 1595 و1644 و1664 وجميعها مُدّرجة ضمن الفصل السابع.وصحيح أيضاً أنَّ إقرار المحكمة في الفصل السابع يمكن أن يكون متدرِّجا وليس بالضرورة البدء في المادة (42) وما يليها أي استعمال القوة بوجه من يعرقل سير عملها أو لا يتجاوب مع متطلباتها أو آليات إجراءاتها. إلا أن الصحيح أيضا أن التدرّج في فرض العقوبات الزاجرة في الفصل السابع أتى في سياق "حتمي" لا اختياري أو استنسابي وهو مرتبط أولا وأخيرا بالمزاج السياسي الدولي ومن يتحكّم به في دهاليز مجلس الأمن الدولي.إذ ليس ثمة سابقة دولية اتخذت في مجلس الأمن وفقا للمادة (41) مثلا والقاضية بالحصار البحري والبري وقطع العلاقات الدبلوماسية إلا واستكملت بإجراءات عقابية عسكرية لاحقة،وكأنه يمكن القول أن المادة (41) وضعت لالتقاط الأنفاس وتنظيم الأوضاع والأجواء قبل اللجوء إلى العقوبات العسكرية وفقا للمادة (42).وعليه يمكن القول إن المآل الأخير لهذه الخطوة ليست برأينا سوى مقدمة لإمكانية استعمال القوة ضد من يعنيهم الأمر.
- وإن بدا مجلس الأمن قد حافظ على الصيغة الأساسية لنظام المحكمة التي لم تُقر في الأطر الدستورية اللبنانية، فان المضيَّ به وفقا لهذا الشكل من الإقرار يعني فيما يعنيه إبقاء آلية التنفيذ اللاحقة غير محددة عمليا،فكيف يمكن مثلا إجبار طرف لبناني أو غير لبناني لن يتعاون أو يتجاوب مع متطلبات المحكمة على الرضوخ؟إن الجواب ببساطة استعمال القوة فمن سيستعملها في هذه الحالة السلطات اللبنانية أم غيرها؟وإذا كان الأمر متعلقا بلبنانيين وتطال رموزاً معينة كيف سيتمُّ التعامّل مع هذه القضيّة؟ وإذا كان الأمر متعلقاً بغير لبنانيين هل ستكون السلطات اللبنانية هي مشروع صِدام مع دول أخرى؟وإذا كان ثمة نية باستعمال الأمم المتحدة لقواتها الموجودة في جنوب لبنان مثلا وسيلة متاحة لتنفيذ متطلبات المحكمة فما هو مصير هذه القوات نفسها وكيف سيكون التعامل معها من بعض الأطراف اللبنانيين؟
- بات من الواضح جدا أن الإسراع في نقل المحكمة إلى مجلس الأمن وإقرارها ضمن الفصل السابع في هذه الظروف تحديدا هو تدويل الوضع اللبناني برمته،وفتحه على احتمالات كثيرة من الصعب التنبؤ بنتائجها وتداعياتها القريبة والبعيدة إلا أن أقل ما يقال فيها وضع لبنان على لائحة الاستثمارات السياسية الإقليمية والدولية وإعادته إلى أجواء سني الحرب الماضية التي باتت محفورة في ذاكرة اللبنانيين.
- إن إقرار المحكمة بهذا الشكل يعني أنَّ القوى الخارجية الفاعلة في هذه القضية وضعت اللبنانيين أمام مبدأ الغالب والمغلوب وهي صيغة غالبا ما كلّفت لبنان أزمات وطنية حادة كانت بمثابة الوقت المستقطع لتمرير أمور إقليمية أخرى لا علاقة للبنانيين بها.فجميع الأطراف الدولية والإقليمية لها مصلحة حقيقية في تقطيع الوقت عبر المحكمة بهدف الوصول إلى مبادئ عامّة لمشاريع حلول لقضايا أكبر من لبنان وأكبر من الأهداف التي أُنشأت من أجلها المحكمة.
- إن إقرار المحكمة على توقيت الاستحقاقات الداخلية اللبنانية علامة فارقة في نية القوى الدولية تهريب هذه الاستحقاقات ووضع اللبنانيين أمام خيارات أحلاها مر،فانتخابات الرئاسة مرتبطة بالتوافق الداخلي الذي لم يكن ينقصه سوى هذا الانقسام الحاد على إقرار نظام المحكمة.
- إن المعني الرئيس بهذا الإقرار هو سوريا تحديداً.فسوريا التي تعاونت وباعتراف رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج برامرتز في تقاريره السابقة، أكدت على لسان مسؤوليها سابقا أنها ليست معنية بموضوع المحكمة واعتبرتها مشروع اتفاقية لم تشارك بها،ويأتي هذا الإقرار في الفصل السابع ليلزم سوريا بما ستؤول إليه الأمور لاحقا،سيما وان الانفتاح الأمريكي على سوريا حاليا يستلزم بعض الكوابح الضرورية مستقبلا في عمليات الابتزاز السياسي ،إذ أن المحكمة وإجراءاتها بحسب رأي البعض ستكون عدة الشّغل اللازمة للحوار أو بمعنى أدق التفاوض بين دمشق وواشنطن على قضايا عديدة ومتنوعة من بينها لبنان والعراق والعلاقة مع إيران وعلى رأس هذه المواضيع كلها ملفات الصراع العربي - الإسرائيلي بتفاصيله المملة.
- إن إقرار المحكمة وآلية تنفيذ إجراءاتها لاحقا ستنشئ أجواءً تصادمية داخلية وخارجية لن تتمكن السلطة من القيام بها منفردة،الأمر الذي سيستدعي اللجوء إلى خيارات أخرى على الأرجح ستكون قوات اليونفيل من بينها بعد تعزيز مقومات تحركها من الناحية القانونية وفقا للقرار 1701 ،وما يعزز هذا الاحتمال ما أقدم عليه مؤخرا مجلس الأمن في قرار رئاسي بتشكيل بعثة لتقصي الحقائق بين لبنان وسوريا،وبذلك ستكون الخطوات الدولية متلازمة ومترافقة مع بعضها البعض في هذا الاتجاه ما يُنذر بإمكانية تغيّرات دراماتيكية سريعة يمكن أن تعيد خلط الأوراق في المنطقة كلها.
- ثمة توجّس وخوف كبيرين بأن إقرار المحكمة في الفصل السابع سينسحب على الوضع القانوني لقوات الطوارئ في جنوب لبنان، ربطا بسوابق مماثلة على الصعيد الدولي وان اختلفت تسمية ونوعية المحاكم.فجميع القوات التي أنشأت في يوغسلافيا السابقة وراوندا وتيمور الشرقية والتي ترافقت مع محاكم دولية خاصة ومختلطة أنشأت استنادا إلى الفصل السابع،بتبريرات متنوعة ومختلفة وبخاصة حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة في جرائم غير مماثلة.إن الحالات السابقة السالفة الذكر لم تمكن أصحابها من الوصول إلى الأهداف المرجوة وبخاصة في قضية سلوفودان ميلوسوفيتش، فيوغسلاقيا قُسمت قبل أن يتوفى هذا الأخير في سجنه وقبل صدور أي حكم بحقه.فهل سيكون الوضع في لبنان متشابها أو مماثلا؟.
إن قدر الدول الصغيرة أن تبقى دائما فريسة سهلة للأهواء والأنواء الإقليمية والدولية،فهل سيكون إقرار المحكمة في الفصل السابع بداية لفصول سوداء أخرى في تاريخ لبنان السياسي المعاصر، وأمر من شأنه فتح مصير لبنان على بدايات لا يعرف أحدا نهاياتها؟ إن استقراء تاريخ محاولات الوصول للعدالة الدولية يؤكد ذلك!.
س - ما هي ملاحظاتكم على نظام المحكمة المختلطة الخاصة بلبنان
ج - نتيجة للدروس التي تم استخلاصها من تجربة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا الايجابية منها والسلبية، برز إلى الوجود نموذج جديد للعدالة الدولية: المحاكم المختلطة والتي تعمل تحت إشراف مشترك من الأمم المتحدة والدول المعنية. وتشكل هذه الطريقة محاولة للمزج بين فوائد المتابعات الوطنية مثل القرب الجغرافي والنفسي إلى الضحايا، والأثر الايجابي على مؤسسات الدولة المحلية مع فوائد المشاركة الدولية كالموارد والموظفين والأمن. وقد أقيمت المحاكم المختلطة في سيراليون المحكمة الخاصة، المقامة بالبلد والتي شرعت مؤخراً في أعمالها، وتتكون من قضاة محليين وقضاة دوليين يطبقون كلاً من القانون الوطني والقانون الدولي. وهناك نوع آخر من النموذج المختلط في تيمور الشرقية. كما أن إمكانية إقامة المحاكم المختلطة أكبر من المحاكم الدولية الصرف، فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة ميزانية المحكمة الخاصة لسيراليون تقريبا خُمس الميزانية السنوية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا. وتمتاز كذلك المحاكم المختلطة بكونها تقام على أراضي الدولة المعنية إن لم يكن هناك سبب يمنع ذلك، كما أن موظفيها ينتمون بشكل عام إلى الدولة عينها وتجد مساندة مباشرة من لدن الأنظمة القانونية الوطنية. ومن المحتمل أن يصبح النموذج المختلط أكثر انتشارا خلال السنوات القليلة المقبلة، باعتبارها توفر حلا للأنظمة الوطنية الواسعة الامتداد والقليلة التجهيزات.
وفي الوقت نفسه، قد تواجه هذه المحاكم المختلطة انعدام التعاون من طرف الدولة التي تقام عليها أو من طرف دول أخرى، إلا أن العلاقة مع مجلس الأمن وسلطات "الباب السابع" من ميثاق الأمم المتحدة يمكن أن تسد بعض الثغرات. كما أن الرغبة في اكتساب الاستقلال المحلي إلى أقصى حد أدى إلى نتائج عكسية لصعوبة العثور في بلد عدالته مشكوك فيها على موظفين ذوي خبرة ومدربين بشكل مناسب. وأخيرا، وكما هو الشأن بالنسبة إلى المحاكم الدولية، قد تثير المحاكم المختلطة آمالا وطنية تتجاوز ما هو ممكن عمليا بالنظر إلى الموارد المحدودة والقيود الداخلية التي ترجع إلى عملية العدالة القضائية.
فالمحاكم المختلطة هي بطبيعتها مواءمة القوانين الدولية والوطنية بهدف الوصول إلى الحقيقة والعدالة في أمر ما، وهي تنشأ باتفاقات خاصة بين الدولة المعنية والأمم المتحدة، تحدد فيها كل الأمور المتعلقة بالمحكمة لجهة التشكيل والقوانين التي تلجأ إليها إضافة إلى قواعد الأجراء والتنفيذ.
أما لجهة السوابق[1] فثمة العديد منها، كان آخرها المحكمة المختلطة في كمبوديا الخاصة بمحاكمة الجرائم المنسوبة إلى الخمير الحمر إبان الحرب الأهلية الكمبودية بين الأعوام 1975 و1979، وقد صدر قرار عن الأمم المتحدة بتاريخ 13/5/2003 يتضمن الموافقة على الاتفاق الموقع بينها والحكومة الكمبودية على شكل المحكمة وما يتعلق بها من إجراءات، ونص الاتفاق على إنشاء غرفة قضائية أولية غير عادية، مؤلفة من ثلاثة قضاة كمبوديين يعينون بقرار من مجلس القضاء الأعلى الكمبودي من قاضيين دوليين، وكذلك إنشاء محكمة عليا تنظر كمحكمة استئناف وكمرجع أخير وتعتبر غرفة من غرف محكمة التمييز وتتشكل من أربعة قضاة كمبوديين يعينون أيضا من قبل مجلس القضاء الأعلى ومن ثلاثة قضاة أجانب. ويعهد إلى هذا القضاء الخاص أمر المحاكمة ومنها جرائم الإرهاب. وتوكل مهمات الملاحقة الجزائية والاتهام أمام هذا القضاء إلى هيئة اتهامية مختلطة مؤلفة من نائب عام كمبودي ومن نائب عام دولي يختاره مجلس القضاء الأعلى الكمبودي من بين لائحة مؤلفة من شخصيتين متخصصتين يرفعها الأمين العام للأمم المتحدة إلى الحكومة الكمبودية. كما آن تعيين القضاة الأجانب يتم من قبل المجلس ألعدلي الكمبودي بناء على لائحة مقدمة من الأمين العام للأمم المتحدة، واللافت في هذه المحاكم صدور القرارات بالإجماع في المستويين، وإذا تعذر بالغالبية شرط وجود قاض دولي بين المؤيدين على الحكم ضمانا للعدالة والصدقية. إضافة إلى أن الإجراءات ستتبع قانون العقوبات الكمبودي مع إجراء بعض التعديلات عليه بما يتوافق مع بعض معايير المحاكمات الدولية كعدم الأخذ بأي حصانة قضائية أو أي عفو عام أو خاص.
والسابقة الأخرى المحكمة المختلطة في سيراليون وفقا لقرار مجلس الأمن 1315 تاريخ 14/7/2000، وقد أنشئت في العام 2002 وهي مؤلفة من قضاة سيراليونيين ودوليين للنظر بالجرائم الخطيرة التي حدثت في العام 1996، مع ملاحظة بعض التعديلات أيضا على القوانين الوطنية بما يتوافق والمعايير الدولية لإجراءات المحاكمة والأحكام.
أما السابقة الثالثة فهي المحكمة الخاصة المختلطة في تيمور الشرقية المنشأة بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1272 تاريخ 25/11/1999 الذي وضع تيمور تحت إدارة انتقالية تابعة للأمم المتحدة، بهدف محاكمة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة منذ العام 1975، وعمدت الأمم المتحدة إلى إنشاء قضاء خاص تألف من قضاة وطنيين ومن ممثلين متخصصين للأمم المتحدة تم تعيينهم من قبلها، والذي ينظم هذا القضاء وفقا لقواعد القانون الدولي التي تحكم المحاكمات العادلة والنزيهة والمنصوص عليها خصوصا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وإذا كانت هذه السوابق يمكن الاحتذاء بها في الحالة اللبنانية كمحكمة مختلطة تنعقد على الأراضي اللبنانية، فتستلزم العديد من الإجراءات، أولها إبرام اتفاق بهذا الشأن بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة والذي لا يصبح نافذا إلا بإبرام مجلس النواب له وفقا لنص المادة 52 من الدستور اللبناني. كما يتوجب على المجلس النيابي إصدار قانون خاص مراعاة للمادة 20 من الدستور التي تنص على "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة وللمتقاضين الضمانات اللازمة". وكذلك منع قوانين العفو ووقف العمل بالحصانات القضائية، وكذلك تحديد مدة التوقيف الاحتياطي في جرائم القتل والجرائم ضد أمن الدولة والجرائم المسماة خطرة. كما تتطلب مثل هذه المحاكم تعديلات لبعض القوانين لتتلاءم مع المعايير الدولية كإلغاء عقوبة الإعدام.
وإذا كان هناك من سبب يمكن أن تواجه انعقاد المحكمة المختلطة على الأراضي اللبنانية لدواع مختلفة كما هو مشار في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، فمن الممكن انعقادها خارج لبنان وهو أمر بدوره يستلزم بعض الإجراءات، منها وجوب توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة توضع بموجبه أصول المحاكمة وقواعدها وتحدد فيه صلاحية المحكمة المادية والشخصية والزمنية. على أن ينص الاتفاق على تطبيق الأصول والإجراءات الجزائية اللبنانية مع بعض التعديلات التي تقتضيها المحاكمات المتوافقة مع المعايير الدولية والتي تتطلبها المحاكمة العادلة، والمراجعة أمام هيئة قضائية عليا. وكذلك توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة على أن تمنح المحكمة المختلطة حق إلقاء القبض على الأشخاص المتهمين مهما كانت جنسياتهم وعلى أن تتولى الأمم المتحدة مهمة التفاوض مع الدول التي يتبين أن أحد رعاياها ضالع في عملية الاغتيال أو التفجيرات وذلك بهدف تسليمه إلى المحكمة المذكورة. إضافة إلى قضايا التعويضات الناجمة عن الأذى الذي لحق بالمتضررين من جريمة الاغتيال.
إن المحكمة اللبنانية الدولية ستكون موضع متابعة ومراقبة شديدتين نظرا للقضية التي تنظر فيها وما لها من ارتدادات داخلية وخارجية، كما تعتبر تحديا كبيرا للكثير من المواقع الدولية التي تدخلت بهذه القضية بشكل أو بآخر تحت ذرائع ومبررات متنوعة ومتعددة، ولذلك فسوف تأخذ قسطا كبيرا من المتابعات بهدف الوصول إلى مبتغاها، إضافة إلى أن القرار المتخذ بشأنها واضح لجهة دعم القضاء اللبناني لجهة النقلة النوعية التي ستساعده في أخذ موقعه المفترض في هذه القضية وغيرها.
أن التداخلات السياسية في مثل تلك المحاكم تعتبر من الأمور المعتادة، فمجلس الأمن مثلا كان أجاز لنفسه حق التدخل في المحكمة الجزائية الدولية من خلال الطلب إلى القضاة بتعليق ملاحقة الشخص المتهم لمدة عامين.
وإذا كانت هذه السوابق يمكن الاحتذاء بها في تقييم ما ورد في النظام الأساسي للمحكمة المقترحة،فما هي المقاربات والملاحظات التي يمكن استخلاصها في سياق التعليق على نصوصها.
- في التسمية تمّ اللجوء إلى تغيير اسم المحكمة من المختلطة إلى المحكمة الخاصة بلبنان،ما يوحي وكأن لبنان بأكمله بيئة مناسبة لإقتراف الجرائم الإرهابية،ونزع صفة الخصوصية عن المحكمة المختلطة التي هدفت الى محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري.
- لجهة الاحتذاء بالسوابق فثمة اتجاه للأخذ بما توصلت إليه الأمم المتحدة من إنشاء محكمة مختلطة لتيمور الشرقية التي غلب عليها الطابع الدولي أكثر من المختلط،بمعنى أن نظام المحكمة لتيمور أسس بيئة مناسبة لتغيير وتعديل القوانين المحلية بما يتناسب مع ظروف التدخل الدولي آنذاك لإنشاء نظم قانونية جديدة.واخطر ما في ذلك من إمكانية تطبيق هذا الخيار على الواقع اللبناني بما يحمله من إمكانية تعديل الكثير من القوانين اللبنانية وهذا ما أتى في بعض المواد التي سنشير إليها لاحقا.
- لم يؤخذ بالنموذج الكمبودي على سبيل المثال،ففي تلك المحكمة يلاحظ الغلبة للبيئة القانونية المحلية حيث عدد القضاة في كلا الدرجتين هم أكثر من القضاة الدوليين،وكذلك تعيين القضاة الدوليين يتم من قبل المجلس ألعدلي الكمبودي بناء على لائحة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وكذلك تعيين المدعي العام الرديف،بينما في نظام المحكمة الخاصة في لبنان فالأمر معكوس تماما.
- ليس ثمة أية سابقة أن أنشأت محكمة خاصة دولية أو ذات طابع دولي بهدف محاكمة مرتكبي جريمة سياسية ويبدو من توصيف الجريمة في الأساس على أنها عمل إرهابي هدفه إتاحة الفرصة لمجلس الأمن التدخل لأهداف سياسية متعلقة ببعض دول المنطقة.
- وخلافا لمحاكم أخرى لن تنظر المحكمة في جرائم تعتبر عادة جرائم ضد القانون الدولي كجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وفي ما يتعلّق بجريمة الإرهاب التي تتكرر بشكل واضح في قرارات مجلس الأمن فليس هناك تعريف متفق عليه في القانون الدولي لهذه الجريمة أو عقاب معيّن لها. وليس هناك سابقة لمحكمة دولية أن نظرت في جريمة وصفت بأنها عمل إرهابي. لذلك لا مناص من تطبيق القانون اللبناني على جريمة هي في الأساس من اختصاص القضاء اللبناني. وهذا ما نصّت عليه المادة الثانية من مسودة النظام الأساسي للمحكمة المقترح.
- لقد تمَّ التنازل عن كل ما حفظه مجلس الأمن في قراره الرقم 1595، الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية، للسلطات اللبنانية من سيادة بالنسبة إلى إدارة التحقيق وتطبيق القانون في شأن الأعمال الجرمية التي رافقت اغتيال الرئيس الحريري وآخرين، إذ نصَّت المادة (4) من مسودة النظام الأساسي للمحكمة «عند تعيين المدعي العام وفي فترة لا تتعدّى الشهرين، ستطلب المحكمة الخاصة من السلطات القضائية الوطنية المسؤولة عن قضية الهجوم الإرهابي على رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين، الخضوع لاختصاصها»، وكذلك سوف تحيل السلطات اللبنانية بناء على طلب المحكمة الخاصة الموقوفين ونتائج كل التحقيقات ونسخ عن سجل المحكمة. وبناء على طلب المحكمة أيضاً، «ستخضع السلطة الوطنية المعنية لاختصاص المحكمة».
- إن كفّ يد القضاء اللبناني بصورة فورية وقبل انتهاء التحقيق يعتبر مخالفاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1644 الذي أقرّ في البند (6) منه طلب الحكومة اللبنانية بأن «يحاكم من توجّه لهم في آخر المطاف تهمة الضلوع في هذا العمل الإرهابي أمام محكمة ذات طابع دولي....»، فهل بلغ التحقيق آخر المطاف؟ وهل يجوز اختصار التحقيق أو النيل من وحدته من طريق إحالته على مدّعي عام المحكمة الخاصة قبل تمامه؟.
- ثمة ثغرات كبيرة لجهة القانون الواجب التطبيق من الناحية الإجرائية والتي تثير الشبهة وعلامات الاستفهام. فبالنسبة إلى إجراءات المحاكمة وقواعد الإثبات إذ أن مسودة نظام المحكمة لم تلحظ قواعد معينة لأصول المحاكمات وقبول الأدلة. إذ ترك لقضاة المحكمة الخاصة وفقا للمادة (28) وضع نظام إجراءات بعد تأليفها وهو أمر يمثّل سابقة خطيرة في القضاء الجزائي.
- في المادتين (13) و(16) منه، أخذ مشروع النظام بصورة عامة المعايير الدولية للمحاكمات الجنائية الدولية وبخاصة لجهة حقوق المشتبه فيهم والمتهمين، بيد انه اغفل الإشارة إلى حق الموقوف في طلب تخلية سبيله من المدعي العام لدى المحكمة الخاصة ضمن مهلة زمنية معقولة إذا لم تتوافر لدى المدعي العام أدلّة في حقه تجيز استمرار التوقيف. وهذه فجوة مهمة جدّاً بالنسبة إلى مصير الضباط الموقوفين.
- إن أخطر ما في مسودة نظام المحكمة الخاصة توسيع صلاحيات المحكمة بحيث تمتد، بالإضافة إلى جريمة اغتيال الرئيس الحريري، إلى أعمال أخرى مماثلة في طبيعتها وخطورتها «حصلت في لبنان بين الأول من تشرين الأول 2004 و31 كانون الأول 2005 أو أي تاريخ لاحق يقرر باتفاق الأطراف المعنية وموافقة مجلس الأمن». إن توسيع صلاحية المحكمة هذا، بالإضافة إلى أنه يتعدّى منطوق قرار مجلس الأمن الرقم 1664 الذي هو المستند الأساسي في إنشاء المحكمة الدولية، والذي يحصر ولاية المحكمة «بالتفجير الإرهابي الذي أدّى إلى مقتل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وآخرين» على أن تُنشأ «محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن هذه الجريمة الإرهابية».
- إن توسيع صلاحية المحكمة في الزمان وبالنسبة إلى أفعال جرمية يترك لاستنساب المحكمة تبنّي معايير التشابه في الطبيعة والخطورة مع الأعمال الجرمية التي أودت بحياة الرئيس الحريري، يخالف مبادئ أساسية في القانون الجزائي وخاصة أن قرار مجلس الأمن الرقم 1664 اعتمد كون المحكمة ذات الطابع الدولي يجب أن تستند إلى «أعلى المعايير الدولية في القضاء الجنائي». إن قرار توسيع اختصاص المحكمة إلى أعمال جرمية قد ترتكب مستقبلاً ويترك للمحكمة القرار في شأن اختصاصها للنظر فيها يصعب تجريده من أهداف سياسية.
- ليس ثمة أية هيئة قضائية أو إدارية يمكن مراجعتها في حال مخاصمة أحد القضاة أو موظفي المحكمة لأسباب إدارية أو مالية.
- لم تحدد المادة (5) من مشروع الاتفاق، كيفية تمويل المحكمة.
ثمة الكثير من النصوص الغامضة والملتبسة القابلة للتأويل وبالتالي إمكانية استثمارها السياسي باتجاهات تحرف عمل المحكمة عن الوصول إلى الحقيقة.وبخاصة التوسع في إمكانية شمل الجرائم وما يمكن ربطها بها.فماذا على سبيل المثال لو توصلت المحكمة إلى استنتاج مفاده أن أي عملية نفذت ضد إسرائيل هي عملا ارهابيا وبالتالي سيكون الموضوع من صلاحيتها للنظر به.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها ومن الصعب الإجابة عليها من دون النظر إلى الخلفيات السياسية التي تستهدفها القوى الدولية من إنشاء مثل هذه المحاكم.ثمة جرائم كثيرة وكبيرة افتعلت ونفذت عبر التاريخ لتمرير أشياء أخرى ليس لها علاقة بالمحاكمات التي جرت لها لاحقا،والثابت في التاريخ أن كل الجرائم الكبيرة التي تنفذ ليس لكشفها لاحقا بقدر ما تكون تغطية لتمرير مؤامرت بحجم الجريمة المرتكبة!.
س – ما هي ملاحظاتكم على انتقائية الشرعية الدولية
ج - بصرف النظر عن الصورة الوردية التي تظهرها بعض السلوكيات الدولية المتعلقة بمحاولة ايجاد بيئة قانونية للعدالة الدولية، ثمة واقع مغاير ومخالف لما هو سائد منطلقه ازدواجية التعامل الدولي وانتقائيته،ما يرسم صورة قاتمة لمستقبل ومصير العدالة الدولية،وفي هذا المجال يمكن رصد العديد من الملاحظات ابرزها:
- لقد صورت المحاولات الدولية لايجاد البيئة القانونية لتنفيذ العدالة الدولية على انها جادة ومقبولة من اطراف المجتمع الدولي،الا ان الامر يبدو مجافيا للواقع،فثمة اسئلة كثيرة تثار في هذا المحال ومنها هل ان من مصلحة الدول الكبرى المتنفذة على الصعيد الدولي انشاء آليات قانونية للمحاسبة في الوقت التي هي نفسها ترتكب الجرائم والمحرمات؟وهل يمكن الجمع بين وظيفة القاضي والجلاد في آن معا؟وفي نهاية الامر ومهما كانت خلفية البيئة القانونية للعدالة الدولية هل يمكن فصلها عمليا عن التوازنات الدولية ومصالح الفاعلين فيها؟.
- لم يكن هناك تعاطيا جديا مع انشاء المحكمة الجنائة الدولية وبخاصة من الولايات المتحدة،اذ سرعان ما تراجعت عن التوقيع خوفا من محاكمة جنودها ومسؤوليها امام هذه المحكمة كما فعلت اسرائيل الامر عينه وللأسباب ذاتها.
- ورغم اهمية الفكرة ووجوب التسريع في انجازها فقد تأخرت خطوات التنفيذ طويلا ولا يزال هناك مزيدا من الوقت لكي تأخذ المحكمة موقعها القانوني المفترض،وان تكون ملجأ قانونيا نهائيا لجرائم الحرب وغيرها.
الدكتور خليل حسين
أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية
مستشار في مجلس النواب اللبناني
س – بداية ما هي ملاحظاتكم على القرار 1757؟
ج - توَّج القرار 1757 سلسلة قرارات دولية وضعت قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري على مفترق طرق،متعدد الاحتمالات ومتنوع الوسائل،ورغم أن الهدف المعلن على الأقل هو واحد،فإن ما ينذر ويلوح في الأفق ربما يكون غير ذلك،فماذا في القرار 1757 ؟وما هي بيئته القانونية والسياسية ؟وما هي تداعياته المحلية والإقليمية؟وهل ستتمكن المحكمة في النهاية من تقديم إجابات وبالتالي أحكام على سيل من الأسئلة الملتبسة الطويلة والمتنوعة بتنوع الأطراف المشاركين فيها؟.ففي الشكل أولا يمكن تسجيل عدة ملاحظات أبرزها:
- أتى القرار 1757 مقتضبا ومرتكزا على سيل من القرارات الدولية ذات الصلة بالموضوع الأساس بدءا بالقرار 1595 الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية ،مرورا بالقرارات 1636 و1644 و1664 وصولا إلى 1748 ،إضافة إلى عدد من المذكرات والمراسلات والتقارير ما يوحي أن ثمة محاولة للربط والوصل بين جميع عناصر القضية من وسائل إجرائية وموضوعية تهدف في النهاية لتكوين شبكة دفاع قانونية للبيئة التي ستنطلق منها المحكمة لجهة التأسيس والتكوين وصولا للإجراءات والأحكام.
- حاول نص القرار أن يكون متوازنا لجهة الارتكاز القانوني في الشق اللبناني المتعلق بالأسباب الموجبة لنقل موضوع الإقرار إلى مجلس الأمن وبالتحديد الفصل السابع،فالقرار أشار "إلى الإحاطة التي قدّمها المستشار القانوني - للأمين العام للأمم المتحدة - في الثاني من أيار 2007 والتي لاحظ فيها أنّ إنشاء المحكمة عن طريق العملية الدستورية تواجه معوقات جدية، لكنه لاحظ أيضا أن جميع الأطراف المعنية جددّت تأكيد اتفاقها المبدئي على إنشاء المحكمة". فالقرار وإن أقر بإجماع اللبنانيين على مبدأ إنشاء المحكمة لم يشر إلى الأسباب الحقيقية لعدم إقرارها في المؤسسات الدستورية اللبنانية إلا عرضاً عند الإشارة إلى مذكرة الأغلبية النيابية مع إغفال تام للمذكرة المقابلة المتعلقة بتحفظات المعارضة على مشروع النظام الأساسي للمحكمة، كما أن ثمة لغط والتباس كبيرين حصلا في موضوع عرض مذكرة رئيس الجمهورية على مجلس الأمن في إثناء المداولات التي جرت قبيل صدور القرار 1757.
- تمَّ إعادة التركيز على ذكر الارتكاز على الفصل السابع في صدور القرار ".. يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويقرر.."، رغم استناده على مجموعة قرارات سابقة صُنفت ضمن الفصل السابع،ذلك في معرض التأكيد على لزوم ما لا يلزم.
- ثمة تعددٌّ في تسمية المحكمة في نص القرار رغم اختلاف أنواعها وسبل تشكيلها وتكوينها وآثارها،فتارة تورد تحت اسم " إنشاء محكمة ذات طابع دولي" وتارة تذكر" إنشاء محكمة خاصة للبنان" وتارة أخرى "المحكمة الخاصة ".ولكل واحدة منها دلالاتها وخلفياتها الخاصة
- وفي الشكل أيضا لكن له من الدلالات الكثيرة الفارقة أن القرار لم يصدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي وهي سابقة في هذه القضية بالذات،فجميع القرارات السابقة وكذلك بيانات رئاسة مجلس الأمن ذات الصلة صدرت بالإجماع ،علاوة على أن ثمة إصرار واضح قد جرى على الإجماع باستثناء هذا القرار الذي يبدو وكأنه رُتب على عجلّ،ففي حسبة بسيطة تظهر أن الخمس دول التي لم تصوِّت على القرار تشكّل عمليا نصف سكان الكرة الأرضية.
س – ما هي ملاحظاتكم على مضمون القرار؟
ج - إذا كان ثمة ملاحظات في الشكل على نص القرار،فإن العديد منها يمكن أن تسجل في مضمون القرار والتي سترتّب مظاهر وتداعيات وسلوكيات لبنانية وإقليمية مختلفة لاحقا،ما يؤثر على جوهر القضية نفسها وهي كشف قتلة الرئيس رفيق الحريري،ومن بين هذه الملاحظات:
- لقد وُصِفتْ جريمة الاغتيال بالعمل "الإرهابي" وهي وردت أربع مرات في متن القرار.وعلى الرغم من أن هذه الجريمة تعتبر من أبشع الجرائم وأكثرها أثرا وتداعيات،فثمة خلاف دولي واضح وفي الأمم المتحدة تحديدا على التعريف والتوصيف والتكييف القانوني للعمل الإرهابي،فكيف يمكن توصيف هذه الجريمة بالإرهابية استنادا إلى معايير غير موجودة في الأساس أو غير مُتفق عليها في الأعراف والقوانين الدولية ذات الصلة.
- وعلى الرغم من حجم ودور وموقع الرئيس رفيق الحريري في السياسات المحلية والإقليمية والدولية ،ثمة مفارقة وسابقة أن اتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً وفي الفصل السابع تحديدا ودون إجماع أعضاء المجلس اعتبر فيه :" أنّ هذا العمل الإرهابي والآثار المترتبة عليه يشكّل تهديداً للسلام والأمن الدوليين".
- لقد تجاوز مجلس الأمن لكثير من الأهداف والمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة وبخاصة الفقرة (7) من المادة (2) التي تنص على أن :" ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخّل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما،وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرِّضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق".وتأسيسا على الاتفاق الموقع بين الحومة اللبنانية والأمم المتحدة حول مشروع النظام الأساسي للمحكمة ،فان صاحب الصلاحية والسلطان في إقرارها الأساسي هي آليات محددة في الدستور اللبناني،وإذا كان ثمة ظروف سياسية معروفة قد اعترضت طريق الإقرار الدستوري في لبنان،فليس ثمة ما يجبر أو يفرض على مجلس الأمن إقرارها في الفصل السابع سيما وأن آليات الإقرار في الفصل السابع لها محددات خاصة ليس ثمة إجماع عليها في مجلس الأمن والمتعلقة بتعريض الأمن والسلم الدوليين للخطر.علاوة على ذلك إن هذا الأجراء أي الإقرار هو مخالف لنص وروح المادة (102) من ميثاق الأمم المتحدة التي تعتبر الأمانة العامة بمثابة المستودع التي تودع فيه الاتفاقات الدولية بعد إبرامها بين الدول والأمم المتحدة وفقا للأصول القانونية والدستورية المعتمدة في كل دولة.كما انه ليس في هذا الميثاق ما يجبر أو يحدد المواقيت أو الآليات التي يفترض إتباعها لإبرام الاتفاقات بين الدول والأمم المتحدة على قاعدة حفظ سيادات الدول على سلطانها الداخلي والخارجي إلا في حالات محددة وهي غير متوفرة في هذه القضية وليس عليها إجماع داخلي لبناني أو إقليمي أو دولي لجهة اللجوء للفصل السابع باعتبارها قضية تهدد الأمن والسلم الدوليين.
- ثمة لبس في توصيف القرار على انه فعلا في الفصل السابع أم لا، ففي النص يصنف مجلس الأمن القرار نفسه في الفصل السابع الذي لا يستلزم موافقة الأطراف المعنية فيه لتطبيقه، بينما في بعض الصياغات يتم اللجوء الى عبارات ومصطلحات يبقي للحكومة اللبنانية أمر البت في بعض المسائل على سبيل المثال الفقرة (ب) من المادة (1) : "... إذا أبلغ الأمين العام أنّ اتفاق المقر لم يبرم ....، فإنه يحدد موقع مقر المحكمة بالتشاور مع الحكومة اللبنانية، ويكون ذلك رهن بإبرام اتفاق مقر بين الأمم المتحدة والدولة التي ستستضيف المحكمة".فمن جهة إن تحديد المقر سيتم "بالتشاور" أي ثمة رأي للدولة اللبنانية وان لم يكن ملزماً وهذا ما يتناقض مع مرامي وغايات الفصل السابع للميثاق ألأممي، بيد انه في المقابل ربط موضوع مقر المحكمة باتفاق بين الأمم المتحدة والدولة المضيفة بمعنى أن عملية التشاور يمكن أن تبقى قائمة حتى إبرام الاتفاق بين الأمم المتحدة والدولة المضيفة.وفي نفس السياق أيضا المادة (2) التي تشير إلى :" يطلب إلى الأمين العام أن يتخذ، بتنسيق مع الحكومة اللبنانية عند الاقتضاء، الإجراءات والتدابير اللازمة لإنشاء المحكمة الخاصة في موعد قريب" أي "التنسيق" و"عند الاقتضاء" وهي اقل مرتبة من التشاور إذ أن التنسيق يتمُّ عادة في المسائل الإجرائية التي تمَّ إقرارها في الأساس وكذلك الاقتضاء إذا كان ثمة حاجة لذلك.
- وعطفا على ما سبق قوله،إن إقرار القرار 1757 وفقا للفصل السابع يشكل سابقة لجهة حلول مجلس الأمن محل السلطات التشريعية للدول في مجال إبرام المعاهدات الدولية،وهي قضية مخالفة للميثاق ألأممي،وأمر من شأنه حيازة مجلس الأمن في الوقت نفسه على مسارين ينبغي أن يكونا غير مرتبطين في جهة واحدة وهما اتخاذ أمرين تقريري وتنفيذي في آن معا. إذ أن إجراء كهذا أمر من شأنه التدخّل في مسائل من صميم سيادات الدول وبخاصة القضايا التشريعية وإبرام المعاهدات ومجالسها والتي توصّف في علم القانون الدستوري على أن هذه المجالس التشريعية تعتبر أم المؤسسات الدستورية في الدول وتسمو على ما عداها من سلطات باعتبارها تمثيل مباشر للشعب.وعندها ستفسح المجال أمام عرف يقضي بالتدخل لإقرار قوانين ومعاهدات ولو اختلف عليها أصحاب الشأن الداخليين.
س - إذا كانت هذه الملاحظات السالفة الذكر توجّه إلى القرار شكلا ومضمونا،فما هي خلفياته تداعياته المستقبلية؟ وفي هذا الإطار ندرج بعض أهمها:
ج - أنّ مسألة نظام المحكمة مفصولة من الناحية الوظيفية عن الاتفاقية الثنائية الموقعة بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة المطلوب إبرامها فالأمران مرتبطان بهدف واحد وهو جلاء الحقيقة وتبيانها في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري،فصحيح أن نظام المحكمة هي بمثابة الآلية التي يمكن إصدارها بطريقة أخرى غير مقررة في الأساس حصرا بالمؤسسات الدستورية اللبنانية وهذا ما انطوى عليه جملة القرارات الصادرة والمؤسسة للمحكمة ونظامها الأساسي كالقرارات 1595 و1644 و1664 وجميعها مُدّرجة ضمن الفصل السابع.وصحيح أيضاً أنَّ إقرار المحكمة في الفصل السابع يمكن أن يكون متدرِّجا وليس بالضرورة البدء في المادة (42) وما يليها أي استعمال القوة بوجه من يعرقل سير عملها أو لا يتجاوب مع متطلباتها أو آليات إجراءاتها. إلا أن الصحيح أيضا أن التدرّج في فرض العقوبات الزاجرة في الفصل السابع أتى في سياق "حتمي" لا اختياري أو استنسابي وهو مرتبط أولا وأخيرا بالمزاج السياسي الدولي ومن يتحكّم به في دهاليز مجلس الأمن الدولي.إذ ليس ثمة سابقة دولية اتخذت في مجلس الأمن وفقا للمادة (41) مثلا والقاضية بالحصار البحري والبري وقطع العلاقات الدبلوماسية إلا واستكملت بإجراءات عقابية عسكرية لاحقة،وكأنه يمكن القول أن المادة (41) وضعت لالتقاط الأنفاس وتنظيم الأوضاع والأجواء قبل اللجوء إلى العقوبات العسكرية وفقا للمادة (42).وعليه يمكن القول إن المآل الأخير لهذه الخطوة ليست برأينا سوى مقدمة لإمكانية استعمال القوة ضد من يعنيهم الأمر.
- وإن بدا مجلس الأمن قد حافظ على الصيغة الأساسية لنظام المحكمة التي لم تُقر في الأطر الدستورية اللبنانية، فان المضيَّ به وفقا لهذا الشكل من الإقرار يعني فيما يعنيه إبقاء آلية التنفيذ اللاحقة غير محددة عمليا،فكيف يمكن مثلا إجبار طرف لبناني أو غير لبناني لن يتعاون أو يتجاوب مع متطلبات المحكمة على الرضوخ؟إن الجواب ببساطة استعمال القوة فمن سيستعملها في هذه الحالة السلطات اللبنانية أم غيرها؟وإذا كان الأمر متعلقا بلبنانيين وتطال رموزاً معينة كيف سيتمُّ التعامّل مع هذه القضيّة؟ وإذا كان الأمر متعلقاً بغير لبنانيين هل ستكون السلطات اللبنانية هي مشروع صِدام مع دول أخرى؟وإذا كان ثمة نية باستعمال الأمم المتحدة لقواتها الموجودة في جنوب لبنان مثلا وسيلة متاحة لتنفيذ متطلبات المحكمة فما هو مصير هذه القوات نفسها وكيف سيكون التعامل معها من بعض الأطراف اللبنانيين؟
- بات من الواضح جدا أن الإسراع في نقل المحكمة إلى مجلس الأمن وإقرارها ضمن الفصل السابع في هذه الظروف تحديدا هو تدويل الوضع اللبناني برمته،وفتحه على احتمالات كثيرة من الصعب التنبؤ بنتائجها وتداعياتها القريبة والبعيدة إلا أن أقل ما يقال فيها وضع لبنان على لائحة الاستثمارات السياسية الإقليمية والدولية وإعادته إلى أجواء سني الحرب الماضية التي باتت محفورة في ذاكرة اللبنانيين.
- إن إقرار المحكمة بهذا الشكل يعني أنَّ القوى الخارجية الفاعلة في هذه القضية وضعت اللبنانيين أمام مبدأ الغالب والمغلوب وهي صيغة غالبا ما كلّفت لبنان أزمات وطنية حادة كانت بمثابة الوقت المستقطع لتمرير أمور إقليمية أخرى لا علاقة للبنانيين بها.فجميع الأطراف الدولية والإقليمية لها مصلحة حقيقية في تقطيع الوقت عبر المحكمة بهدف الوصول إلى مبادئ عامّة لمشاريع حلول لقضايا أكبر من لبنان وأكبر من الأهداف التي أُنشأت من أجلها المحكمة.
- إن إقرار المحكمة على توقيت الاستحقاقات الداخلية اللبنانية علامة فارقة في نية القوى الدولية تهريب هذه الاستحقاقات ووضع اللبنانيين أمام خيارات أحلاها مر،فانتخابات الرئاسة مرتبطة بالتوافق الداخلي الذي لم يكن ينقصه سوى هذا الانقسام الحاد على إقرار نظام المحكمة.
- إن المعني الرئيس بهذا الإقرار هو سوريا تحديداً.فسوريا التي تعاونت وباعتراف رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج برامرتز في تقاريره السابقة، أكدت على لسان مسؤوليها سابقا أنها ليست معنية بموضوع المحكمة واعتبرتها مشروع اتفاقية لم تشارك بها،ويأتي هذا الإقرار في الفصل السابع ليلزم سوريا بما ستؤول إليه الأمور لاحقا،سيما وان الانفتاح الأمريكي على سوريا حاليا يستلزم بعض الكوابح الضرورية مستقبلا في عمليات الابتزاز السياسي ،إذ أن المحكمة وإجراءاتها بحسب رأي البعض ستكون عدة الشّغل اللازمة للحوار أو بمعنى أدق التفاوض بين دمشق وواشنطن على قضايا عديدة ومتنوعة من بينها لبنان والعراق والعلاقة مع إيران وعلى رأس هذه المواضيع كلها ملفات الصراع العربي - الإسرائيلي بتفاصيله المملة.
- إن إقرار المحكمة وآلية تنفيذ إجراءاتها لاحقا ستنشئ أجواءً تصادمية داخلية وخارجية لن تتمكن السلطة من القيام بها منفردة،الأمر الذي سيستدعي اللجوء إلى خيارات أخرى على الأرجح ستكون قوات اليونفيل من بينها بعد تعزيز مقومات تحركها من الناحية القانونية وفقا للقرار 1701 ،وما يعزز هذا الاحتمال ما أقدم عليه مؤخرا مجلس الأمن في قرار رئاسي بتشكيل بعثة لتقصي الحقائق بين لبنان وسوريا،وبذلك ستكون الخطوات الدولية متلازمة ومترافقة مع بعضها البعض في هذا الاتجاه ما يُنذر بإمكانية تغيّرات دراماتيكية سريعة يمكن أن تعيد خلط الأوراق في المنطقة كلها.
- ثمة توجّس وخوف كبيرين بأن إقرار المحكمة في الفصل السابع سينسحب على الوضع القانوني لقوات الطوارئ في جنوب لبنان، ربطا بسوابق مماثلة على الصعيد الدولي وان اختلفت تسمية ونوعية المحاكم.فجميع القوات التي أنشأت في يوغسلافيا السابقة وراوندا وتيمور الشرقية والتي ترافقت مع محاكم دولية خاصة ومختلطة أنشأت استنادا إلى الفصل السابع،بتبريرات متنوعة ومختلفة وبخاصة حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة في جرائم غير مماثلة.إن الحالات السابقة السالفة الذكر لم تمكن أصحابها من الوصول إلى الأهداف المرجوة وبخاصة في قضية سلوفودان ميلوسوفيتش، فيوغسلاقيا قُسمت قبل أن يتوفى هذا الأخير في سجنه وقبل صدور أي حكم بحقه.فهل سيكون الوضع في لبنان متشابها أو مماثلا؟.
إن قدر الدول الصغيرة أن تبقى دائما فريسة سهلة للأهواء والأنواء الإقليمية والدولية،فهل سيكون إقرار المحكمة في الفصل السابع بداية لفصول سوداء أخرى في تاريخ لبنان السياسي المعاصر، وأمر من شأنه فتح مصير لبنان على بدايات لا يعرف أحدا نهاياتها؟ إن استقراء تاريخ محاولات الوصول للعدالة الدولية يؤكد ذلك!.
س - ما هي ملاحظاتكم على نظام المحكمة المختلطة الخاصة بلبنان
ج - نتيجة للدروس التي تم استخلاصها من تجربة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا الايجابية منها والسلبية، برز إلى الوجود نموذج جديد للعدالة الدولية: المحاكم المختلطة والتي تعمل تحت إشراف مشترك من الأمم المتحدة والدول المعنية. وتشكل هذه الطريقة محاولة للمزج بين فوائد المتابعات الوطنية مثل القرب الجغرافي والنفسي إلى الضحايا، والأثر الايجابي على مؤسسات الدولة المحلية مع فوائد المشاركة الدولية كالموارد والموظفين والأمن. وقد أقيمت المحاكم المختلطة في سيراليون المحكمة الخاصة، المقامة بالبلد والتي شرعت مؤخراً في أعمالها، وتتكون من قضاة محليين وقضاة دوليين يطبقون كلاً من القانون الوطني والقانون الدولي. وهناك نوع آخر من النموذج المختلط في تيمور الشرقية. كما أن إمكانية إقامة المحاكم المختلطة أكبر من المحاكم الدولية الصرف، فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة ميزانية المحكمة الخاصة لسيراليون تقريبا خُمس الميزانية السنوية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا. وتمتاز كذلك المحاكم المختلطة بكونها تقام على أراضي الدولة المعنية إن لم يكن هناك سبب يمنع ذلك، كما أن موظفيها ينتمون بشكل عام إلى الدولة عينها وتجد مساندة مباشرة من لدن الأنظمة القانونية الوطنية. ومن المحتمل أن يصبح النموذج المختلط أكثر انتشارا خلال السنوات القليلة المقبلة، باعتبارها توفر حلا للأنظمة الوطنية الواسعة الامتداد والقليلة التجهيزات.
وفي الوقت نفسه، قد تواجه هذه المحاكم المختلطة انعدام التعاون من طرف الدولة التي تقام عليها أو من طرف دول أخرى، إلا أن العلاقة مع مجلس الأمن وسلطات "الباب السابع" من ميثاق الأمم المتحدة يمكن أن تسد بعض الثغرات. كما أن الرغبة في اكتساب الاستقلال المحلي إلى أقصى حد أدى إلى نتائج عكسية لصعوبة العثور في بلد عدالته مشكوك فيها على موظفين ذوي خبرة ومدربين بشكل مناسب. وأخيرا، وكما هو الشأن بالنسبة إلى المحاكم الدولية، قد تثير المحاكم المختلطة آمالا وطنية تتجاوز ما هو ممكن عمليا بالنظر إلى الموارد المحدودة والقيود الداخلية التي ترجع إلى عملية العدالة القضائية.
فالمحاكم المختلطة هي بطبيعتها مواءمة القوانين الدولية والوطنية بهدف الوصول إلى الحقيقة والعدالة في أمر ما، وهي تنشأ باتفاقات خاصة بين الدولة المعنية والأمم المتحدة، تحدد فيها كل الأمور المتعلقة بالمحكمة لجهة التشكيل والقوانين التي تلجأ إليها إضافة إلى قواعد الأجراء والتنفيذ.
أما لجهة السوابق[1] فثمة العديد منها، كان آخرها المحكمة المختلطة في كمبوديا الخاصة بمحاكمة الجرائم المنسوبة إلى الخمير الحمر إبان الحرب الأهلية الكمبودية بين الأعوام 1975 و1979، وقد صدر قرار عن الأمم المتحدة بتاريخ 13/5/2003 يتضمن الموافقة على الاتفاق الموقع بينها والحكومة الكمبودية على شكل المحكمة وما يتعلق بها من إجراءات، ونص الاتفاق على إنشاء غرفة قضائية أولية غير عادية، مؤلفة من ثلاثة قضاة كمبوديين يعينون بقرار من مجلس القضاء الأعلى الكمبودي من قاضيين دوليين، وكذلك إنشاء محكمة عليا تنظر كمحكمة استئناف وكمرجع أخير وتعتبر غرفة من غرف محكمة التمييز وتتشكل من أربعة قضاة كمبوديين يعينون أيضا من قبل مجلس القضاء الأعلى ومن ثلاثة قضاة أجانب. ويعهد إلى هذا القضاء الخاص أمر المحاكمة ومنها جرائم الإرهاب. وتوكل مهمات الملاحقة الجزائية والاتهام أمام هذا القضاء إلى هيئة اتهامية مختلطة مؤلفة من نائب عام كمبودي ومن نائب عام دولي يختاره مجلس القضاء الأعلى الكمبودي من بين لائحة مؤلفة من شخصيتين متخصصتين يرفعها الأمين العام للأمم المتحدة إلى الحكومة الكمبودية. كما آن تعيين القضاة الأجانب يتم من قبل المجلس ألعدلي الكمبودي بناء على لائحة مقدمة من الأمين العام للأمم المتحدة، واللافت في هذه المحاكم صدور القرارات بالإجماع في المستويين، وإذا تعذر بالغالبية شرط وجود قاض دولي بين المؤيدين على الحكم ضمانا للعدالة والصدقية. إضافة إلى أن الإجراءات ستتبع قانون العقوبات الكمبودي مع إجراء بعض التعديلات عليه بما يتوافق مع بعض معايير المحاكمات الدولية كعدم الأخذ بأي حصانة قضائية أو أي عفو عام أو خاص.
والسابقة الأخرى المحكمة المختلطة في سيراليون وفقا لقرار مجلس الأمن 1315 تاريخ 14/7/2000، وقد أنشئت في العام 2002 وهي مؤلفة من قضاة سيراليونيين ودوليين للنظر بالجرائم الخطيرة التي حدثت في العام 1996، مع ملاحظة بعض التعديلات أيضا على القوانين الوطنية بما يتوافق والمعايير الدولية لإجراءات المحاكمة والأحكام.
أما السابقة الثالثة فهي المحكمة الخاصة المختلطة في تيمور الشرقية المنشأة بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1272 تاريخ 25/11/1999 الذي وضع تيمور تحت إدارة انتقالية تابعة للأمم المتحدة، بهدف محاكمة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة منذ العام 1975، وعمدت الأمم المتحدة إلى إنشاء قضاء خاص تألف من قضاة وطنيين ومن ممثلين متخصصين للأمم المتحدة تم تعيينهم من قبلها، والذي ينظم هذا القضاء وفقا لقواعد القانون الدولي التي تحكم المحاكمات العادلة والنزيهة والمنصوص عليها خصوصا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وإذا كانت هذه السوابق يمكن الاحتذاء بها في الحالة اللبنانية كمحكمة مختلطة تنعقد على الأراضي اللبنانية، فتستلزم العديد من الإجراءات، أولها إبرام اتفاق بهذا الشأن بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة والذي لا يصبح نافذا إلا بإبرام مجلس النواب له وفقا لنص المادة 52 من الدستور اللبناني. كما يتوجب على المجلس النيابي إصدار قانون خاص مراعاة للمادة 20 من الدستور التي تنص على "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة وللمتقاضين الضمانات اللازمة". وكذلك منع قوانين العفو ووقف العمل بالحصانات القضائية، وكذلك تحديد مدة التوقيف الاحتياطي في جرائم القتل والجرائم ضد أمن الدولة والجرائم المسماة خطرة. كما تتطلب مثل هذه المحاكم تعديلات لبعض القوانين لتتلاءم مع المعايير الدولية كإلغاء عقوبة الإعدام.
وإذا كان هناك من سبب يمكن أن تواجه انعقاد المحكمة المختلطة على الأراضي اللبنانية لدواع مختلفة كما هو مشار في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، فمن الممكن انعقادها خارج لبنان وهو أمر بدوره يستلزم بعض الإجراءات، منها وجوب توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة توضع بموجبه أصول المحاكمة وقواعدها وتحدد فيه صلاحية المحكمة المادية والشخصية والزمنية. على أن ينص الاتفاق على تطبيق الأصول والإجراءات الجزائية اللبنانية مع بعض التعديلات التي تقتضيها المحاكمات المتوافقة مع المعايير الدولية والتي تتطلبها المحاكمة العادلة، والمراجعة أمام هيئة قضائية عليا. وكذلك توقيع اتفاق مع الأمم المتحدة على أن تمنح المحكمة المختلطة حق إلقاء القبض على الأشخاص المتهمين مهما كانت جنسياتهم وعلى أن تتولى الأمم المتحدة مهمة التفاوض مع الدول التي يتبين أن أحد رعاياها ضالع في عملية الاغتيال أو التفجيرات وذلك بهدف تسليمه إلى المحكمة المذكورة. إضافة إلى قضايا التعويضات الناجمة عن الأذى الذي لحق بالمتضررين من جريمة الاغتيال.
إن المحكمة اللبنانية الدولية ستكون موضع متابعة ومراقبة شديدتين نظرا للقضية التي تنظر فيها وما لها من ارتدادات داخلية وخارجية، كما تعتبر تحديا كبيرا للكثير من المواقع الدولية التي تدخلت بهذه القضية بشكل أو بآخر تحت ذرائع ومبررات متنوعة ومتعددة، ولذلك فسوف تأخذ قسطا كبيرا من المتابعات بهدف الوصول إلى مبتغاها، إضافة إلى أن القرار المتخذ بشأنها واضح لجهة دعم القضاء اللبناني لجهة النقلة النوعية التي ستساعده في أخذ موقعه المفترض في هذه القضية وغيرها.
أن التداخلات السياسية في مثل تلك المحاكم تعتبر من الأمور المعتادة، فمجلس الأمن مثلا كان أجاز لنفسه حق التدخل في المحكمة الجزائية الدولية من خلال الطلب إلى القضاة بتعليق ملاحقة الشخص المتهم لمدة عامين.
وإذا كانت هذه السوابق يمكن الاحتذاء بها في تقييم ما ورد في النظام الأساسي للمحكمة المقترحة،فما هي المقاربات والملاحظات التي يمكن استخلاصها في سياق التعليق على نصوصها.
- في التسمية تمّ اللجوء إلى تغيير اسم المحكمة من المختلطة إلى المحكمة الخاصة بلبنان،ما يوحي وكأن لبنان بأكمله بيئة مناسبة لإقتراف الجرائم الإرهابية،ونزع صفة الخصوصية عن المحكمة المختلطة التي هدفت الى محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري.
- لجهة الاحتذاء بالسوابق فثمة اتجاه للأخذ بما توصلت إليه الأمم المتحدة من إنشاء محكمة مختلطة لتيمور الشرقية التي غلب عليها الطابع الدولي أكثر من المختلط،بمعنى أن نظام المحكمة لتيمور أسس بيئة مناسبة لتغيير وتعديل القوانين المحلية بما يتناسب مع ظروف التدخل الدولي آنذاك لإنشاء نظم قانونية جديدة.واخطر ما في ذلك من إمكانية تطبيق هذا الخيار على الواقع اللبناني بما يحمله من إمكانية تعديل الكثير من القوانين اللبنانية وهذا ما أتى في بعض المواد التي سنشير إليها لاحقا.
- لم يؤخذ بالنموذج الكمبودي على سبيل المثال،ففي تلك المحكمة يلاحظ الغلبة للبيئة القانونية المحلية حيث عدد القضاة في كلا الدرجتين هم أكثر من القضاة الدوليين،وكذلك تعيين القضاة الدوليين يتم من قبل المجلس ألعدلي الكمبودي بناء على لائحة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وكذلك تعيين المدعي العام الرديف،بينما في نظام المحكمة الخاصة في لبنان فالأمر معكوس تماما.
- ليس ثمة أية سابقة أن أنشأت محكمة خاصة دولية أو ذات طابع دولي بهدف محاكمة مرتكبي جريمة سياسية ويبدو من توصيف الجريمة في الأساس على أنها عمل إرهابي هدفه إتاحة الفرصة لمجلس الأمن التدخل لأهداف سياسية متعلقة ببعض دول المنطقة.
- وخلافا لمحاكم أخرى لن تنظر المحكمة في جرائم تعتبر عادة جرائم ضد القانون الدولي كجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وفي ما يتعلّق بجريمة الإرهاب التي تتكرر بشكل واضح في قرارات مجلس الأمن فليس هناك تعريف متفق عليه في القانون الدولي لهذه الجريمة أو عقاب معيّن لها. وليس هناك سابقة لمحكمة دولية أن نظرت في جريمة وصفت بأنها عمل إرهابي. لذلك لا مناص من تطبيق القانون اللبناني على جريمة هي في الأساس من اختصاص القضاء اللبناني. وهذا ما نصّت عليه المادة الثانية من مسودة النظام الأساسي للمحكمة المقترح.
- لقد تمَّ التنازل عن كل ما حفظه مجلس الأمن في قراره الرقم 1595، الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية، للسلطات اللبنانية من سيادة بالنسبة إلى إدارة التحقيق وتطبيق القانون في شأن الأعمال الجرمية التي رافقت اغتيال الرئيس الحريري وآخرين، إذ نصَّت المادة (4) من مسودة النظام الأساسي للمحكمة «عند تعيين المدعي العام وفي فترة لا تتعدّى الشهرين، ستطلب المحكمة الخاصة من السلطات القضائية الوطنية المسؤولة عن قضية الهجوم الإرهابي على رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين، الخضوع لاختصاصها»، وكذلك سوف تحيل السلطات اللبنانية بناء على طلب المحكمة الخاصة الموقوفين ونتائج كل التحقيقات ونسخ عن سجل المحكمة. وبناء على طلب المحكمة أيضاً، «ستخضع السلطة الوطنية المعنية لاختصاص المحكمة».
- إن كفّ يد القضاء اللبناني بصورة فورية وقبل انتهاء التحقيق يعتبر مخالفاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1644 الذي أقرّ في البند (6) منه طلب الحكومة اللبنانية بأن «يحاكم من توجّه لهم في آخر المطاف تهمة الضلوع في هذا العمل الإرهابي أمام محكمة ذات طابع دولي....»، فهل بلغ التحقيق آخر المطاف؟ وهل يجوز اختصار التحقيق أو النيل من وحدته من طريق إحالته على مدّعي عام المحكمة الخاصة قبل تمامه؟.
- ثمة ثغرات كبيرة لجهة القانون الواجب التطبيق من الناحية الإجرائية والتي تثير الشبهة وعلامات الاستفهام. فبالنسبة إلى إجراءات المحاكمة وقواعد الإثبات إذ أن مسودة نظام المحكمة لم تلحظ قواعد معينة لأصول المحاكمات وقبول الأدلة. إذ ترك لقضاة المحكمة الخاصة وفقا للمادة (28) وضع نظام إجراءات بعد تأليفها وهو أمر يمثّل سابقة خطيرة في القضاء الجزائي.
- في المادتين (13) و(16) منه، أخذ مشروع النظام بصورة عامة المعايير الدولية للمحاكمات الجنائية الدولية وبخاصة لجهة حقوق المشتبه فيهم والمتهمين، بيد انه اغفل الإشارة إلى حق الموقوف في طلب تخلية سبيله من المدعي العام لدى المحكمة الخاصة ضمن مهلة زمنية معقولة إذا لم تتوافر لدى المدعي العام أدلّة في حقه تجيز استمرار التوقيف. وهذه فجوة مهمة جدّاً بالنسبة إلى مصير الضباط الموقوفين.
- إن أخطر ما في مسودة نظام المحكمة الخاصة توسيع صلاحيات المحكمة بحيث تمتد، بالإضافة إلى جريمة اغتيال الرئيس الحريري، إلى أعمال أخرى مماثلة في طبيعتها وخطورتها «حصلت في لبنان بين الأول من تشرين الأول 2004 و31 كانون الأول 2005 أو أي تاريخ لاحق يقرر باتفاق الأطراف المعنية وموافقة مجلس الأمن». إن توسيع صلاحية المحكمة هذا، بالإضافة إلى أنه يتعدّى منطوق قرار مجلس الأمن الرقم 1664 الذي هو المستند الأساسي في إنشاء المحكمة الدولية، والذي يحصر ولاية المحكمة «بالتفجير الإرهابي الذي أدّى إلى مقتل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وآخرين» على أن تُنشأ «محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن هذه الجريمة الإرهابية».
- إن توسيع صلاحية المحكمة في الزمان وبالنسبة إلى أفعال جرمية يترك لاستنساب المحكمة تبنّي معايير التشابه في الطبيعة والخطورة مع الأعمال الجرمية التي أودت بحياة الرئيس الحريري، يخالف مبادئ أساسية في القانون الجزائي وخاصة أن قرار مجلس الأمن الرقم 1664 اعتمد كون المحكمة ذات الطابع الدولي يجب أن تستند إلى «أعلى المعايير الدولية في القضاء الجنائي». إن قرار توسيع اختصاص المحكمة إلى أعمال جرمية قد ترتكب مستقبلاً ويترك للمحكمة القرار في شأن اختصاصها للنظر فيها يصعب تجريده من أهداف سياسية.
- ليس ثمة أية هيئة قضائية أو إدارية يمكن مراجعتها في حال مخاصمة أحد القضاة أو موظفي المحكمة لأسباب إدارية أو مالية.
- لم تحدد المادة (5) من مشروع الاتفاق، كيفية تمويل المحكمة.
ثمة الكثير من النصوص الغامضة والملتبسة القابلة للتأويل وبالتالي إمكانية استثمارها السياسي باتجاهات تحرف عمل المحكمة عن الوصول إلى الحقيقة.وبخاصة التوسع في إمكانية شمل الجرائم وما يمكن ربطها بها.فماذا على سبيل المثال لو توصلت المحكمة إلى استنتاج مفاده أن أي عملية نفذت ضد إسرائيل هي عملا ارهابيا وبالتالي سيكون الموضوع من صلاحيتها للنظر به.
أسئلة كثيرة تطرح نفسها ومن الصعب الإجابة عليها من دون النظر إلى الخلفيات السياسية التي تستهدفها القوى الدولية من إنشاء مثل هذه المحاكم.ثمة جرائم كثيرة وكبيرة افتعلت ونفذت عبر التاريخ لتمرير أشياء أخرى ليس لها علاقة بالمحاكمات التي جرت لها لاحقا،والثابت في التاريخ أن كل الجرائم الكبيرة التي تنفذ ليس لكشفها لاحقا بقدر ما تكون تغطية لتمرير مؤامرت بحجم الجريمة المرتكبة!.
س – ما هي ملاحظاتكم على انتقائية الشرعية الدولية
ج - بصرف النظر عن الصورة الوردية التي تظهرها بعض السلوكيات الدولية المتعلقة بمحاولة ايجاد بيئة قانونية للعدالة الدولية، ثمة واقع مغاير ومخالف لما هو سائد منطلقه ازدواجية التعامل الدولي وانتقائيته،ما يرسم صورة قاتمة لمستقبل ومصير العدالة الدولية،وفي هذا المجال يمكن رصد العديد من الملاحظات ابرزها:
- لقد صورت المحاولات الدولية لايجاد البيئة القانونية لتنفيذ العدالة الدولية على انها جادة ومقبولة من اطراف المجتمع الدولي،الا ان الامر يبدو مجافيا للواقع،فثمة اسئلة كثيرة تثار في هذا المحال ومنها هل ان من مصلحة الدول الكبرى المتنفذة على الصعيد الدولي انشاء آليات قانونية للمحاسبة في الوقت التي هي نفسها ترتكب الجرائم والمحرمات؟وهل يمكن الجمع بين وظيفة القاضي والجلاد في آن معا؟وفي نهاية الامر ومهما كانت خلفية البيئة القانونية للعدالة الدولية هل يمكن فصلها عمليا عن التوازنات الدولية ومصالح الفاعلين فيها؟.
- لم يكن هناك تعاطيا جديا مع انشاء المحكمة الجنائة الدولية وبخاصة من الولايات المتحدة،اذ سرعان ما تراجعت عن التوقيع خوفا من محاكمة جنودها ومسؤوليها امام هذه المحكمة كما فعلت اسرائيل الامر عينه وللأسباب ذاتها.
- ورغم اهمية الفكرة ووجوب التسريع في انجازها فقد تأخرت خطوات التنفيذ طويلا ولا يزال هناك مزيدا من الوقت لكي تأخذ المحكمة موقعها القانوني المفترض،وان تكون ملجأ قانونيا نهائيا لجرائم الحرب وغيرها.